
رواية البحث عن عريس صالح للانجاب الفصل الثاني2 بقلم خديجة السيد
كان أحمد منهمكا في تنظيف الأرض.. ساخطا على نفسه فهو يفترض أنه فرد آمن هنا لكن أحيانا يكلفوه بالتنظيف مجبر، ولا يستطيع الاعتراض لانه بحاجه للمال بسبب علاج والدته حتى للانهماك في هذا العمل المُذل أمام هؤلاء الساكن الحمقى.. ورغم أنه فعلا يحاول الحفاظ على ضبط النفس مهما أغضبته تصرفات الساكن حتى لا يحدث خطأه ويضطر الى الرحيل لكن هذا لا يمنع أن بعض تصرفاتهم تغضبه وتشعره أحيانا بالإهانة..
تنهد ببؤس وهو يستقيم في وقفته عندما اقترب زميل آخر له وهو يقول بحقد
= يا اخي الواحد نفسه ربنا يديله عشان يذل الناس دي شايفين نفسهم اوي؟ طب نمسح وننظف ليه حاجه اتسبب فيها واحد من اللي ساكنين في الكومباوند مش عندهم خدامين يعني ولا احنا اللي خدامين عندهم
رغم غضب الآخر لكن أجاب مرددًا بهدوء
= خلاص بقى يا ذكي امسح وانت ساكت بدل ما حد يسمعنا ويخصملنا، هو ما فيش غير الراجل اللي ساكن الجديد ده شايف نفسه أوي فعلا هو وعياله
هز رأسه باعتراض ساخط هادرا بصوتٍ متذبذ باحتقن
= لا كلهم، هم اللي ذي دول تعبانين في حاجه طالعين واكلين يسرقوا في البلد ويذلوا في اللي زينا، بذمتك مش ساعات تبقى نفسك تسكن في مكان زي ده.. مش بتتحسر على حالك وهم طالعين داخلين بالعربيات واحنا بنلاقي اللقمه بالعافيه
أبتسم احمد وهو يربت علي كتفه بكفه واردف برضا
= الحمد لله يا ذكي احسن من غيرنا، ارضى عشان ربنا يكرمك لكن مش كل واحد طالع ولا نازل هتقعد تتحسر وبعدين مين قال لك ان هم ما تعبوش زينا ولا كانوا في بدايتهم كده وان كلهم حراميه والفلوس جات لهم من غير ما يتعبوا فيها انت مش عارف اللي ورا البيبان ممكن يكون حالك احسن منهم ما تاخدش بالمظاهر
لوي شفته بسخرية وهو يقول بصوت حقود
= نعم يا اخويا حالي احسن منهم ليه ده انا لو معايا الفلوس اللي معاهم ولا هحتاج حاجه في الدنيا.. ربنا بس يعطيني وانت هتشوف هعمل ايه .
انتبه أحمد لحضور نانسي من بعيد وهي تهتف بصوت مرتفع
= أحمد ممكن لحظه!.
سارع أحمد يرحب بها و سألها بابتسامة عريضة
=خير يا استاذه نانسي محتاجه حاجه.
كان ذكي يراقبهم من بعيد بفضول كبير، بينما رفعت وجهها تنظر إليه بنظرة صافية وهي تقول بتردد
= ممكن بعد ما تخلص شغلك نخرج انا وانت نتكلم شويه، وما تسالنيش ايه هو السبب لما نخرج هقول لك على الموضوع اللي انا عاوزك فيه.. بس عشان خاطري ما تقولش لحد من صحابك هنا ان انت هتخرج معايا ممكن.
عقد حاجيبة باستغراب كبير لكنه أردف قائلاً بجدية
=اه تمام فهمت حاضر مش هقول لحد.
❈-❈-❈
بـعـد مـرور عـدة سـاعـات.
عند وصول أحمد إلي المكان التي اخبرته به نانسي، اول شيء سألته عن ماذا يأخذ من مشروبات لكنه رفض بشدة، بدأت تتصاعد الدماء أكثر إلى رأسها ومع ذلك تحلت بشيء من رزانتها المعهودة قائلة
= ما تقول قهوتك ايه، بيعملوا هنا كل انواع القهوه اطلب اللي انت عاوزه
هز رأسه برفض وهتف قائلاً بإصرار
= لا متشكر صدقني مش عاوز اشرب حاجه اطلبي انتٍ براحتك
تنهدت بقوه واردفت بنفاذ صبر وتعجب
= مالك ليه مش عاوز تطلب هي كوبايه الشاي ولا القهوه اللي هتطلبها مش هتقدر تشربها.. ما هو ما ينفعش انا اشرب قدامك وانت تقعد كده تتفرج عليا
برر لها بابتسامة محرجه لم تنحسر
=ما هو بصراحه المكان هنا شكله غالي وانا ما بحبش اشرب ولا اكل حاجه مش هدفع حقها، ولو جيتي كمان من ناحيته الاصول المفروض انا كمان ادفع اللي انتٍ هتشربيه انا متعود و متربي على كده لكن عشان اكون صريح معاكي برده مش هقدر اعمل كده عشان كده مش عاوز حاجه وعشان خاطري ما تجبرنيش و لو طلبتي برده مش هشربها .
اتسعت دائرة حدقتيها بصدمة من حديثه لكنها هزت رأسها بتفهم وقالت باختصار
= تمام براحتك، معلش هنطلب كمان شويه .
بعد رحيل النادل، سألته بصوت مقلق
=هو انت قلت لحد على موضوع مرضي ويوم ما وديتني المستشفى
رفع وجهه لها بدهشة وقال بنفي
=وهقول حاجه زي كده ليه انا مالي دي حاجه ما تخصنيش ما تخافيش مش هقول لحد أكيد، هو حضرتك جايباني هنا عشان تساليني عن كده، كنتي سالتيني هناك وانا كنت هقول لك
ازدردت ريقها وقالت بصوتٍ مبحوح تتجنب النظر في عينيه
= اكيد لا جايبك عشان موضوع تاني، انت حكيتلي ان والدتك كانت مريضة زيي بنفس المرض والحمد لله خفت.. وقلتلي كمان تقريبا انك كنت خاطب بس ما حصلش نصيب عشان فلوس الفرح دفعتها تمن عمليه والدتك
هز رأسه بالايجاب وهو يقول بتفهم
= آه فهمت حضرتك جايباني يعني هنا عشان تساليني على حاله والدتي وقت المرض و كانت ظروفها ايه؟ الموضوع بسيط لو اتفقتي مع دكتور شاطر يعني طالما الفلوس حاضري المواضيع دي بتخلص على طول.. كان نفسي التحليل يطلع غلط صدقني فتره وهتعدي حاولي بس ما تفكريش فيها كثير
ازدادت ابتسامة نانسي الناعمة وهي ترد بصوتها الهادئ
= هو انت ما خطبتش تاني او مرتبط حاليا
تعجب من سؤالها لكنه رد بصوت حزين بخيبة
= والدتي نفسها تشوفي احفاد مني بس منين يعني؟ هي عماله تزن عليا بس انا لو مش قد الحاجه يبقى بلاش اعملها عشان ما اظلمش حد معايا.. مصاريف العلاج مكلفه جدا
تقريبا بتاخد نصف المرتب فيعني هصرف عليها منين وعلى العيال اللي هجيبهم لما هتجوزها دي .
كانت تصغي لكلامه باهتمام تام وبمجرد أن انتهي لم تجد إلا أن تقول له بنبرة حزينه
=عارف يا احمد انت فيك حاجه نادره طالما ما معكش ما يلزمكش يعني واحد غيرك كان قال انا راجل وعاوز اشوف حياتي برده، وكان اتجوزها من غير ما يفهمها اللي فيها وقال لها ده اللي موجود لو كان عاجبك.. او ممكن كنت سبت والدتك نفسها وما سالتش فيها طالما مش قادر تعمل اي حاجه في حياتك بسبب مرضها
عقب احمد بملامح متسامحة
=هي كمان على فكره بتطلب مني كتير الطلب ده اني اسيبها وبتقولي خلاص ده اخري هنا وانت عملت كتير واديك شايف كل ما نعالج حاجه اتعب منها، بس اكيد عمري ما هسيبها وهي تعبت عشان كتير برده.
تنهيدة مثقلة خرجت منها قبل ان تعقب على قوله
=شكلك بتحبها أوي، انا والدتي ماتت وهي بتولدني وبابا انشغل في الشغل بس هو كان كل حياتي لدرجه انه علمني حاجات كثير منه زي ان الشغل رقم واحد بحياتك وما تثقيش في اي حد وهو اللي هيكون سندك في الدنيا عشان كده اقفلي على نفسك وشغل وبس و انا سمعت كلامه 30 سنه بعمل اللي هو عاوزه لحد ما اكتشفت مؤخره ان انا كنت غلط.. حافظ على والدتك يا احمد فعلا محدش بيعرف قيمه الحاجات لما تروح منه! و انا لما سألت عنك عرفت ان انت مهتم بيها جدا والمنطقه عندك كلها تشهد بكده
رمش بعينه برهبة متسائلاً بحيرة وقلق
= سالتي عني؟ هو انا حاسس من كلامك بتلمحيلي لحاجه عاوزاني اعملها لك وانا والله ما عندي مانع طالما هقدر بس مش فاهم عاوزه مني ايه بالظبط وايه سالتي عني دي وليه؟!.
ردت نانسي عليه بتلقائية
= عشان عاوزه اتجوزك .
انتفض احمد واقفا من مكانه فجأة من الصدمة
لدرجه كسر الطفايه والفاظه الموضوعه فوق المنضده قائلاً بحرج شديد
=انا اسف والله ما اعرفش وقعت ازاي
ازداد عبوسها وهي تقول بإصرار عجيب
= خلاص.. خلاص سيبها مكانها في ناس هنا هتنظف، خلينا نرجع لكلامنا
رفرف أحمد بعينيه مستنكرا إصرارها فقال بصوت مرتبك بخجل
= طب هم مش هيجوا ينظفوها، ممكن حد يدوس عليها يتعور بسببي انا بقول المها انا
هزت رأسها له عندما وجدته يتهرب منها وهي بصعوبه اخبرته بذلك من الاساس ثُمّ أغمضت عيناها لتقاوم تلك الرجفة التي احتلت جسدها بعدما عاد ما حدث وأخبرته مجدداً باصرار أكبر
=احمد انا مش هعرف افوت الفرصه بعد ما قلتها خلاص بالعافيه وانت سمعتني صح، انا بطلب ايدك للجواز وعاوزه ردك ؟!.
كررت طلبها بشدة وبإصرار جعله يترك حقيقه الأمر وانها كانت تقصد ما تقوله، تكرر في ذهنه عدة مرات طلبها، يبرز الامر داخل عقله؟ كيف لفتاه مثلها تطلب الزواج من شاب مثله فقير
ليس لدي اي ميزه؟ الا اذا كانت لها رغبات أخرى لا يعرفها الان حتى تعرض عليه ذلك العرض؟
فمن المستحيل تحبة ليست تكن مثله تلك المشاعر التي كانت تنشده ويحاول اخفائها، لكن يا ترى هل بالفعل هو هكذا؟ ام انه ينكر احساسًا داخله، يصله في كل همسة منها وكل كلمة وكل نظرة منها، قلبه الصادق لا يخطيء ابدا، لكن ما الفائدة وهو في كلتا الحالتين هي بعيده عنه كل البعد.. لكن طلبها الحالي جعله يغير كل حساباته وتوقعاته القادمة.
لكن ما رده بالوقت الحالي فدائما يسمع الرجل هو من يتقدم للفتاه والفتاه تخبره ان يعطيها مهله وينتظر ردها فهل طالما حدث العكس يخبرها كذلك؟!.
❈-❈-❈
اخبرت نانسي احمد بكل شيء حتى يكون على علم بالموضوع بشكل كامل وواضح،
ثم همس أحمد بتشكك وكأنه يرفض مواجهة حقيقة بأنها خدعته في البداية بكل سهولة ودون أن يرف لها جفن
= آه انا كده فهمت طلبك للجواز مني ليه؟ اسمها بقى عاوزه تشتريني مش عاوزه تتجوزيني! استاذه نانسي انا مقدر حالتك و متعاطف معاكي جدا بس انا ما تربيتش ولا اتعودت اني ابيع نفسي عشان اعمل حاجه ضدي مبادئي
أسرعت تهز رأسها برفض وهي تقول بقهر مكتوم
=ايه بس الكلام الكبير ده الموضوع مش كده اعتبرها يا سيدي خدمه انسانيه وبعدين انت فاهم انا طلبت منك ليه انت بالذات؟ عشان انا نفسي لما اسيب ابني واموت اسيبه مع اب كويس يعرف يربيه ويعلمه صح.. انا سهل اجيب اي واحد وانا فعلا حاولت اعمل كده بس للحظه حسيت ان انا باذي نفسي وباذيه هو كمان، انا مش هبقى معاه بعد ما يجي على الدنيا يبقى ليه اسيبه وانا معذباه ومش مطمنه عليه .
فقال أحمد لها بعبوسه بملامحه المشدودة
=يعني انتٍ هتبقي مطمنه عليه معايا ازاي بس
صدقني الموضوع صعب عليا انا لو عملت كده مش هحترم نفسي تاني، حضرتك لسه من شويه قايله لو عاوز تاخد فلوس مقابل ده تمام
وما تنساش كمان غير الورث اللي هتورثه مني بعد ما أموت! يا ستي اولا بعد الشر عليكي ما حدش عارف مين هيموت قبل التاني.. و مش معنى ان حكيتلك اني محتاج يبقى هقبل ابيع نفسي بالطريقه دي.. انا اسف انا عارف انك عماله تغريني بكل الطلبات دي عشان اوافق بس انا مش كده و الظاهر حضرتك فهمتيني غلط.
لف الارتباك نانسي وهي تحاول التبرير
=يا احمد عشان خاطري افهمني انا ما عنديش وقت! ونفسي اخلف طفل قبل ما اسيب الدنيا دي وانا اسفه لو كلامي اتفهم كده وجرحك انا حبيت بس اوضحلك الموضوع بكل طريقه.. و بعدين احنا مش هنعمل حاجه غلط ولا حرام احنا هنتجوز وهنعمل العمليه اللي قلت لك عليها و ما فيش حاجه هتحصل حتى بينا.. انا كان ممكن ما اعرفكش فعلا بس انا واثقه ان انت حد كويس! اللي يتنازل عن كل حاجه عشان يفضل تحت رجلين والدته اكيد لما يجيله طفل من صلبه هيعرف يهتم بيه ويرعاه
شحب وجهها قليلا وتمنت لو لا يلاحظ الاختلاف الذي طرأ على تقاسيمها وهي تبتلع غصة مسننة ثم أضافت بسرعة بإصرار
=عشان خاطري ما تردش عليا دلوقتي خد وقتك وفكر! نفسي توافق انا ما عنديش حد قدامي دلوقتي واثقه فيه غيرك.. انا طول عمري قافله علي حياتي مش لسه هستنى لما اتعرف على حد واثق فيه انا ما عنديش الاوبشن ده دلوقتي وانا السبب ضيعت الفرصه دي من زمان.. وبلاش انت كمان تضيع الامل الاخير اللي ليا، ان اكون ام واسيب جزء مني في الدنيا الناس تفتكرني بي ويدعيلي
قال أحمد لها وقد أثر عليه بؤس وحزن
= انتٍ بتصعبي الأمور عليا ليه انا والله نفسي اساعدك بس الفكره كلها صعبه.. اي حد هيعرف الموضوع ده مش هيبصله إلا اني واحد طمعان و اتجوزتك عشان فلوسك.. غير زي ما قلتلك انا مش قدك من ناحيه المكانه والفلوس وكل حاجه و الفرق اللي بينا هيفضل طول العمر عامل لي حساسيه
ظهرت ابتسامة جانبية لم يعلم أكانت ساخرة أم منكسرة على وجهها وهي تقول بندم
=انا اسفه انسي حكايه الفلوس اللي انا عرضتها انا عارفه ان انت بني ادم كويس واكيد هتساعدني من غير مقابل.. واسفه ان انا بضغط عليك بس فكر مره كمان ولو رفضت هشوف حد غيرك ومش هغصبك اكيد.. و بالنسبه للناس ما لكش دعوه بيهم ما حدش يعرف عني حاجه وما لهمش دعوه بحياتنا لو الموضوع حصل ان شاء الله و وفقت مش هنقول لحد الا بعد ما احمل الا طبعا والدتك لو عاوز تحكيلها ده حقك .
❈-❈-❈
عاد أحمد المنزل واطمئن على والدته، وبعدها خلد بنفسه في غرفته و جلس أمام المرآة يفكر
وهو يرفع ذقنه للإمام بصوتٍ مخنوق
= اي واحد هيعرف الموضوع هيقول عليك غبي عشان بيترفض فرصه زي دي؟ واحده بتعرض عليك الجواز وبتقول لك استحملني سنه ونص وخلف مني وبعد كده هسيبلك ورث بملايين ومعاه طفل! فرصه مش هتتعوض مش كده.
ارتعشت شفتا وهو يناظر نفسه في انعكاس صورته في المرايا وهز رأسه مجيب باختناق
=لا طبعا انا مش كده حتى لو محتاج عمري ما فكرت اجيب الفلوس بالطريقه دي لازم تيجي بشقيه وتعبي! غير لو ماما عرفت حاجه زي كده هتزعل مني جامد هي ما ربتنيش كده وهي اسمها ببيع نفسي ليها وما لهاش معنى تاني..
تجهمت ملامح احمد ليتحدث بجدية يشوبها الحزم
=طب انت زعلان ليه ما هي قالت لك لو مش موافق هتدور على غيرك هتتجوزه وهتخلف منه وهيورث كل حاجه؟ ما في داهيه هو انا بدور على الفلوس برده انا عمري ما كانت الفلوس همي طول عمري راضي وموافق
على كل ابتلاء ربنا ليا.. يعني ما عنديش مشكله ولا حاجه وياما الأمور بتتعقد معايا وترجع تتصلح من جديد عادي جدآ .
أطلق تنهيدة طويلة ثم أخفض رأسه بإحباط وخيبة امل يقول بمصارحه لنفسه
=طب لما هي كده وانت واخد قرارك ما رفضتش في ساعتها ليه ومشيت ليه؟ سكت ليه لما قالت لك ادي نفسك فرصه اخيره! آه عشان انت عينك منها من ساعه ما اشتغلت وشفتها هناك، ومش بعيد تكون بتحبها أصلا هي دي الحقيقه اللي انت مش عاوز تواجه نفسك بيها وحسيت بالغيره لما قالت لك هتدور على واحد ثاني.. تنكر؟؟؟.
لانت تعابيره وهو يرى الدموع تترقرق في مقلتيه ثم تنهد بعمق وهو يمرر أنامله بين خصلاته المموجة قائلًا بصوت مقهور
= لا بس، اي واحد هشوفها هيقع في حبها هي جميله أوي من بره ومن جوه، صعبانه عليا انها ممكن فعلا تموت انا اصلا اعصابي كلها سابت لما وقعت قدامي واغمى عليها وبعد كده عرفت اللي عندها.. خساره واحده زيها الموت ياخدها بدري كده وهي ما لحقتش تحقق احلامها كلها زي الجواز والحب والخلفي!.
صمت لثواني يستجمع قواه الواهية وهو يستطرد
= طب ما انا مستني ايه ما الفرصه جت لحد عندي وعمرها هتجيلي زيها تاني؟ انا كنت عارف انها حلم مستحيل بالنسبه لي وراضي واهي جاتلي مش مهم بقى ازاي المهم اني هكون قريب منها واتجوزها... وهكون جنبها في اخر ايامها.. وهتسيبلي طفل منها ومني افتكرها بيه؟ بس انا كده هيبقى اسمي.
بخفوت حاني غلف دهشته و جسده بالإحباط والحزن، فكان بهذه اللحظات يعيش دوامة من الصراعات.. من جهة عقله وبقايا تحفظه يحثه على إكمال رفضه لمصلحته.. ومن جهة أخرى يلجمه قلبه ليوافق ويعيش حلمه الذي يرفض الاعتراف به حتى بينه وبين نفسه في العيش معها تحت سقف واحد..
حسم أمره متنهدة قبل أن يقول بانكسار وخفوت
= وهي كانت عملتلي ايه المبادئ اللي ما بتاكلش عيش الأيام دي، ما اعيش اللحظه! ولا خلاص أبعد عنها واسيبها تدور على غيري وتخلف منه
رسم ملامح توافق كلامه الداخلي، لكن بسرعه نهض وهو يقول بنبرة ذات مغزى موجها له
=لا لا طبعا مستحيل انا مسكت نفسي بالعافيه لما قالتلي انها فكرت في حد ثاني والموضوع ما اكملش و الحمد لله انه ما حصلش مش عارف كنت هقدر ازاي اشوفها خارجه قدامي وطالعه وهي في ايديها واحد حتى لو جوزها! لا طالما الموضوع هيوصل لكده وهي في النهايه هتدور على غيري.. على الاقل انا كنت بحبها من بعيد وعمري ما كنت هتجرا اقرب منها، يبقى انا اولى بقى.
❈-❈-❈
في اليوم التالي علي الفور بعد موافقه احمد على عرضها تم عقد القرآن في سريه تامه، و
في السيارة قال أحمد وعينيه تفيضان حزن وشغف
= مبروك، كان نفسي اجيبلك شبكه واعمل لك فرح حتى لو الموضوع مؤقت وجوزنا بشكل تاني.. بس انتٍ حقيقي تستحقي كده .
تقوست شفتا نانسي بعبوس وقالت بصوتٍ حزين لامس قلب الآخر
=فاكر يعني انا اللي مش نفسي! ما فيش بنت ما نفسهاش تعمل فرح وتلبس فستان ابيض وتتجوز الانسان اللي بتحبه ويحبها؟ تعرف انا ياما صممت فساتين افراح لناس كتير جدا و شفت سعادتهم بس انا عمري ما جربت الشعور ده يلا بقى نصيبي .
رسمت ابتسامة متشنجة وهي تتابع حديثها
بقلق
= انا المهم دلوقتي عندي ان لقيت الشخص المناسب اللي هعرف اموت و انا مرتاحه وسايبه ابني معاه
تطلع لها بضيق وهو يقول بجدية
= بعد الشر عنك انتٍ ليه كل شويه بتتكلمي عن الموت حتى لو نسبه العمليه 1% فده أمل ليكي، ان شاء الله هتخلفي وتربي ابنك بلاش تشاؤم
تنهدت بيأس وإحباط وهي تجيب ساخرة بألم
= ده مش تشاؤم يا احمد دي حقيقه بحاول افكر نفسي بيها دايما عشان اهيئ نفسي ان انا خلاص في اخر الدنيا، المهم الايام الجايه بقى لازم تفضي نفسك الاسبوع اللي جي عشان هنعمل اشاعات وتحاليل كثير عشان اعمل الحقن المجهري وادعيلي ينجح من اول مره .
رد أحمد بصوت أجش دون التفكير
=تمام انا ما كنتش باخد اجازات خالص كنت مجمعها فعادي لو طلبتها دلوقتي ما حدش هيقولي حاجه وهبقى اقول لهم اي حاجه محتاج اقعد جنب والدتي عشان تعبانه مثلاً
هزت رأسها بالايجاب ثم قالت نانسي له تنبهه
= بمناسبه والدتك هو انت قلتلها او لسه هتقول لها؟ على موضوع أننا اتجوزنا.. على فكره انا لما طلبت منك الجواز عشان كنت مناسبه ليك برده من ناحيه تانيه انك تحقق حلم والدتك وتشوف احفادك .
ناظرها يقول بحسم وهو يشدد من كلماته
= الموضوع عندي غير يا استاذه نانسي لو قلتلها حاجه زي كده هتضايق مني جدآ ومش بعيد تقاطعني همهد لها الموضوع واحده واحده لما يحصل ان شاء الله الحمل.. انا عارف دماغ امي وفهمها هتضايق وهتحس ان تربيتها ليا راحت على الفاضي
رفعت حاجبيها تقول بغير رضا
= هو انتم ليه مكبرين الموضوع كده؟ احنا اتجوزنا وانا مش مجبره وانا اللي طلبت وعارفه انك مش طمعان فيا.
رمقها بنظرةٍ حزينة ثم أردف بخيبة منكسا وجهه
= اول حاجه لما خرجت من عند المأذون قلتها لك ان نفسي اجيبلك شبكه واعمل لك فرحه واعيشك كمان في بيت ملكي وانا اللي اصرف احس يعني اني راجل بدل الشعور اللي انا حاسه دلوقتي وما توقعتش نفسي ممكن اعمله.. مش هتفهميني ممكن بس هي دي معني الرجوله اللي انا اتربيت عليها إللي بجد
امتقع وجه نانسي وكأنه أصابها بمقتل! فقالت بصوتٍ مرتجف
= لا على فكره انا فاهمك ممكن ده اللي خلاني اخترتك وعلى فكره انت في نظري راجل فعلا اعتبريها يا سيدي خدمه انسانيه بتعملها لي ما تحسبهاش كده بحساسيه زياده عن اللزوم، على العموم خلاص براحتك زي ما تحب، هنتقابل ان شاء الله بالليل عشان نبدأ في الإجراءات اتفقنا .
❈-❈-❈
بعد مرور فترة ليست بسيطة، ابتسمت ياسمين لهم بتردد وهي توجه حديثها الى نانسي قائلة بعاطفة
= للاسف العمليه فشلت لثاني مره؟!. انا اسفه يا نانسي عشان خاطري اهدي واياكي تنهاري زي المره اللي فاتت عشان ده مش الحل .
انتفضت نانسي في مكانها واقفة لتصرخ بها في جنون
= اومال ايه الحل جواز واتجوزت واديني دلوقتي بعمل عمليه عشان اخلف وفي المرتين يفشلوا انا عماله أضيع وقت وخلاص انا اعصابي تعبت انتٍ لازم تشوفي حل أنا تعبت حسي بيا بجد، انا بالطريقه دي هموت واعيش كده لوحدي ومش هلحق أخلف اشمعنى انا اللي يحصلي كده بس .
أردف أحمد قائلاً محاوله التخفيف عنها
= استغفر ربنا واهدي ممكن ان شاء الله المره الثالثه تنجح مش الدكتوره قالتلنا مره أن في ناس بتعملها ياجي عشر مرات وبتنجح في الاخر.
أخفضت وجهها وهي تشعر بألمٍ شديد في حلقها ثم ردت ساخرة
= بجد والعشر مرات دول الوقت هيساعدني اعملهم امتى وازاي؟ انا ما قداميش الا اربع شهور بالظبط ولازم أكون حملت انت نسيت ان كمان لسه فيه تسع شهور حمل! انا محدش حاسس بيا ولا عارف يشوفلي حل وشكلي كده خلاص لازم استسلم للأمر الواقع.
تنهدت صديقتها بقوه واردفت بحنان جاد
= ما تقوليش كده كلنا جنبك وحاسين بيكي وبعدين انا شفتلك حل المره اللي فاتت من اول مره فشلت العملية وقلت لك عليه هيكون افضل وسريع بس انتٍ لسه اللي صممتي تجربي العمليه تاني.. اظن دلوقتي و بقول لك قدامه اهو لازم تشوفوا الحل ده عشان هو ده الامل الوحيد
زمّ أحمد شفتيه مفكراً ثم قال وهو يقترب منها
=انا مش فاهم حاجه هو انتم بتتكلموا علي إيه اصلا هو في حل ثاني غير العمليه وهي رافضه طب طالما في حل اسرع ليه ما عملناهوش من الاول؟!.
قالت لها نانسي بانفعال وضيق
= اسكتي خالص يا ياسمين قلتلك ما ينفعش عشان ده ما كانش من ضمن اتفقتنا في البدايه وهو أكيد هيرفض!
أكد أحمد مؤيد على كلام الطبيبة وهو يقول باطمئنان وثقة يحسد عليها
= مين قال كده انا مستعد اعمل اي حاجه عشان خاطرك؟ آآ اقصد عشان خاطر احققلك اللي نفسك فيه وانك تخلفي زي ما عاوزه و طالما في حل تاني وأخير انا مستعد اوافق من غير تفكير وسيبك من موضوع اتفقنا اللي كان في الاول احنا في النهايه هدفنا واحد انك تلحقي تخلفي في المده اللي فاضله ايا كانت الطريقه بقى.
هزت ياسمين كتفها قبل أن تقول بحيادية
= بالضبط ده اللي انا قلته وبعدين في النهايه مش هتعملي حاجه عيب ولا حرام ما ده جوزك وده حقك عليه مش كده يا استاذ احمد .
التفت احمد إليهما بدهشة وتسأله بعفوية وشيء من التوجس
= ثانيه واحده هو انتٍ تقصدي ايه الحل اللي هتخليها تحمل بسرعه .
هزت ياسمين كتفها وهي تجيب بصراحة
= لا انا قلت انت شخص كبير وهتفهمها لوحدك بقى اللي وصل لك هو المطلوب انكم
تمارسوا حياتكم بشكل عادي كانكم متجوزين بالظبط لحد ما يحصل الحمل بشكل طبيعي بدون عمليات زي ما اي اتنين بيخلفوا ويتجوزوا .
ظهر شيء من التردد على الاثنين لتقول الطبيبه وهي غير قادرة على الكتمان
= في ايه مالكم واحده مدوره وشها وعامله مكسوفه والثاني سكت وتنح؟ وانت رجعت في كلامك ولا ايه؟ ما اسمعوا بقى ما فيش حل غير كده والوقت عمال يضيع.. انتوا مكسوفين من ايه مش انتم متجوزين برده ولا إيه نظامكم .
❈-❈-❈
بدأت نانسي في قيادة سيارتها وعمّ الصمت بينهما إلا من صوت المحرك عندما تمتم أحمد بقلق يلفه الفضول وتوتر مبالغ
= هنعمل ايه دلوقتي؟ أقصد ناويه تعملي عمليه تاني ولا آآ ايه اللي في دماغك
تجمدت نانسي وهي لا تزال على صدمتها وحدقتيها تهتزان بينما تردد بصوت حزين
=انا ما فيش حاجه في دماغي غير ان عاوزه اخلف قبل ما السنه ونص تخلص مش عارفه ازاي بقى ومش مشكلتي بس لازم باي طريقه يحصل.. طب قولي انت لو عندك حل
التزم الصمت وهو يناظرها بوجه خالي التعابير قبل أن يقول بنبرة فاترة قليلاً
=الظاهر كلام صاحبتك او الدكتوره معاها حق ان احنا ما قدامناش غير الحل اللي قالته بس لو انتٍ رافضه خلاص.. براحتك! بس مش عندك غير العمليه ثالث مرة وانا برده هسندك فيه ومش هتخلى عنك ولا هعترض
عقدت حاجبيها بقهر دفنته خلف أسوار مقلتيها اللتين تسلحتا بالعنفوان وهي ترفع ذقنها قائلة بحيرة وضيق
= انا اسفه دخلتك في موضوع ما لكش فيه بس كنت فاكره ان كل حاجه هتمشي زي ما رتبتها بسرعه وان الموضوع مش معقد كده، بس حقيقي ما عنديش وقت افكر حتى الظاهر اني ..
امتقع وجه نانسي فجاه فقال الآخر بقلق
= مالك انتٍ كويسه؟ تحبي نرجع تاني للمستشفى استاذه نانسي ردي عليا .
شمخت بذقنها تدّعي القوة وهي تقول بصوتٍ خانها فخرج مضطربا
= انا موافقه انا كمان على اللي قالته ياسمين ما هو ما فيش حل غيره فعلا وجايز يسرع موضوع الحمل.
سرعان ما اتسعت عيناه ورفع حاجبيه بعبث ولم تدري نانسي بأنه كان يختبر ردة فعلها ويقيمها قبل أن يقول بارتباك
= تمام اتفقنا، طب آآ هنمشي الامور ازاي الفتره اللي جايه؟ يعني وقت العمليه كنت بخلص شغلي ونروح براحتنا او اخد اجازه او ساعات ما كنتش بروح معاكي بعد ما خلاص تتم العمليه انما دلوقتي الوضع ايه .
هدرت الأخري من بين أسنانها بكلمات تقطر قهراً
= خلص شغلك برده وهستناك بالليل عندي في بيتي وحاول تيجي من غير ما حد يشوفك وهسيبلك الباب بتاع الجنينه مفتوح.. و عشان خاطري خلي بالك لحد يشوفك لان هنتفهم بطريقه غلط من غير تفكير احنا الاثنين عشان لحد دلوقتي ما حدش يعرف موضوع جوازنا فاهمني.
صمت قليلاً غير مصدق هل بالفعل وافقت بهذه السرعه؟ هل ستسمح له بالاقتراب منها؟ و يمارسون حياتهم الزوجيه كانهم بالفعل كذلك؟ فخلال الفتره السابقه لم يحاول الاقتراب ابدأ وكان يتعامل معها بعمليه زائده وهي ايضا حتى لا يحلم باكثر من ذلك لكن الان تغير الوضع لصالحه للمر