أخر الاخبار

رواية البحث عن عريس صالح للانجاب الفصل الرابع4 بقلم خديجة السيد


 رواية البحث عن عريس صالح للانجاب الفصل الرابع4 بقلم خديجة السيد

في منزل أحمد، اقتربت نانسي منه وجلست جانبة تنظر لـقدمه اليمين اللي تهتز بعُنف، و نظرت لملامحُه الحزينة و عيناه الشاردة، لتمد يدها تضعها على قدمُه المُهتزه، و سارت بأناملها على جُزء من قدمُه هامسة له برفق

= أحمد ما هو ما ينفعش كده لازم تطلع من الحاله اللي انت فيها عدي أربعين يوم وانت على النظام ده؟ كلنا زعلانين على والدتك ربنا رحمها بس ما حدش كبير علي الموت وده قدر ولازم نرضي بي! تفتكر هي مبسوطه وهي شايفاك كده .

رفع وجهه الشاحب وهالات داكنة تحيط بعينيه حتى أنه بدأ أمامها رجلا آخر وجه نحيف ملتحي، يعيش أياما تزخر بالألم.. ثم تحدث بإعياء

= مش قادر اصدق لحد دلوقتي انها سابتني  كانت كويسه قبليها والله ما فيهاش حاجه حتى لو تعبانه ما كانتش بتشتكي عشان ما تحملش عليا وانا كنت بعمل كل اللي بعمله ده عشان خايف من اليوم ده يجي بس اهي راحت 

بعدما أنهي كلامه ألقي برأسه على كتفها مسترخي ويلفح عنقها بأنفاسه الحارّة المتسارعة تزيد من تسارع نبضات قلبه مما جعل الآخري تزدرد ريقها بشعور لذيذ! وتصغير لسؤالها المهتم تقول بارتجاف

= نصيبها كده جايز ربنا رحمها من التعب اللي كانت فيه، انا فاهمه برده ان مهما حصل فرقها هيكون صعب عليك! انا كمان لما والدي مات فجاه حسيت بنفس الاحساس ودخلت في اكتئاب اربع شهور لكن بعد كده عرفت ان  بضيع وقت و لما اخرج واشتغل واقابل ناس هعرف اتعامل واصدق انه راح خلاص ومش راجعلي تاني.

ضجت ملامحه بوجع لا يطاق وآلمه قلبه لفكرة فراق أمه بل شعر به يذوب اكتواءً بنيران، أبتعد عنها ومسح أحمد على صفحة وجهه يحاول أن يهدي ويطرد الحزن مرددًا 

= عارف ان إللي بعمله مش هيفيد بحاجه بس والله يا نانسي مش قادر انا ما كانش ليا غيرها وهي كمان وحتى احلامها البسيطه ما كنتش بقدر اعملها ومهما بعمل كنت بحس أني مقصر.. طب كانت خدتني معاها سابتني لوحدي هنا اعمل ايه ؟؟. 

هتفت بتلقائية وبصوت يعكس تخبطها 

=بعد الشر عليك ما تقولش كده وبعدين ما انا جنبك اهو! وكمان في ناس كتير جنبك بتحبك ومش مبسوطه وهي شايفك كده .

إبتسم و أبعد خُصلاتها على وجهها و قال مُتأملًا عيناها بحب 

=نانسي أنا متشكره على كل اللي عملتي معايا 
انتٍ تقريبا من ساعه ما ماتت وانتٍ قاعده هنا ما بتروحيش وبتحاولي تخففي عني بس انا زي ما انا! و كل مره بصحي الصبح بقول هتزهقي وهتمشي لكن برده بلاقيكي جنبي.. بس صدقيني وجودك في الوقت ده فرق معايا فعلا بحس ان لسه مش لوحدي .

ابتسمت بحنان وهي تردد قبل أن تمسح على وجهه برفق

=عشان انت مش لوحدك فعلا! واللي انا بعمله ده واجبي عشان انا مراتك و انت قلتلي نفس الكلام برده أني لو وقعت في اي ازمه هتكون جنبي أول حد ومش هتسيبني! حتى لو جوازنا جي بشكل تاني في النهايه احنا ملناش غير بعض. 

مسح على وجهه بعُنف و أخد نفَس عميق يحاول يهدى، و قال بهدوء يُعاكس نار قلبُه

=بس انتٍ برده اكيد هيجيلك وقت و هتسيبيني ومش هتفضلي على طول مستحمله الوضع ده.. واول ما يحصل اللي انتٍ عاوزاه هتمشي وهتختفي من حياتي.

بدأت الدموع تترقرق في مقلتيها وهي تجد أن الأمر أصعب مما تتوقع، لتهتف بتردد 

= مين قال كده طب ما حصل اللي انا كان نفسي فيه ولسه جنب أهو وما اختفتش 

تطلع إليها باندهاش للحظات يستوعب ما قالته، وتساءل بعدم فهم

=مش فاهم ايه اللي حصل؟ لا انا اقصد حملك 

هزت رأسها له وسط دموعها السعيدة وهتفت
بابتسامة باهتة

= طب ما انا فاهمه وانا كمان برده اقصد كده! الظاهره أنك لازم تعرف انا الفتره اللي فاتت شايفك تعبان ومش عارفه الموضوع ده هيفرحك ولا هيزعلك لما تعرف بس انا اكتشفت قبل ما والدتك تموت ان انا حامل!. 

تهللت أسارير أحمد رغم محاولته المحافظة على إخفاء رعشة جسده للرد الغير متوقع.. فسارع قائلاً بعدم تصديق 

= انتٍ بتتكلمي بجد يعني حصل اخيرا اللي نفسنا فيه وانتٍ حامل! ومخبيه عليا كل ده مين قال لك أني هزعل لا طبعا هفرح.. جايز ربنا قاصد في الوقت ده عشان يهون عليا ويعرفني فعلا ان انا مش لوحدي.

تغرغرت الدموع بعيني نانسي مجدداً لكن هذه المرة بسعادة لرده فعله وقالت بأسف

= انا اسفه لو كنت اعرف ان انت هتفرح كده كنت قلتلك من بدري والله، بس ما توقعتش فرحتك دي.

جذبها دون وعي وشدَّد على احتضانها وهو يمرر يده على ظهرها قائلًا بصوت رخيم هادئ

= ده ابني مهما حصل برده يا نانسي مبروك ان شاء الله يجي على خير .

❈-❈-❈

في عزاء السيدات، أطبقت سيدة ما على اسنانها بغضب مستعر وهي تراقب من بعيد نانسي المتحركه في منزل احمد بأريحية ثم قالت بغيرة

=مش ملاحظه ان البنت دي من ساعه ما المرحومه ماتت وهي قاعده متبته في البيت حتى بعد ما العزا خلص والاربعين اهو كمان وهي لسه موجوده وقاعده معاه في شقته؟ 

عقدت أمها حاجيبها باستغراب وهي ترد بتعجب

= معاكي حق الغريب انهم مالهمش قرايب و طول عمرنا عارفين انهم مقطوعين من شجره
وهي من ساعه ما جت اول يوم وقاعده كأن البيت بيتها و كتير بشوفها نازله تشتري حاجات ولا واقفه في البلكونه عادي كده..

احتدَّ لون عيني مريم الفاتح إلا أنها ردت بنبرة هادئة بصوتها المهيب 

= لا والاغرب ياما انها معاها عربيه ايه ركناها تحت البيت يعني شكلها حد تقيل ومعاها كثير ايه بقي اللي عرفها بالعيله دي؟ ولا البيه التاني احمد يخرج ويطلع عليها عادي 

هزت رأسها بتفكير وهي تتحدث بفضول

=اكيد قريبته واحنا ما كناش نعرف مع ان لما كنتي مخطوبه لي زمان ولا شفناها؟ يعني مش بجحه للدرجه دي عشان تقعد في البيت وهي ما تقربش لي؟ واحمد طول عمرنا عارفينه طيب ومابيعملش حاجه غلط.. ملناش دعوه بقى خلينا في حالنا .

لم تقتنع الأخري وهتفت بها بامتعاض

= ما لناش دعوه ليه ان شاء الله مش حد في الحته بتاعتنا و واحده ساكنه معاه وتنام و تطلع وتخرج عادي مقرطسنا ولا ايه لا طبعا لازم نعرف مين دي؟ 

اعترضت والدتها بضيق قائلة بحذر 

=بطلي هبل واسكتي لو انتٍ بالذات اللي سالتي هيفتكروكي غيرانه منها وبعدين مش انتٍ اللي سايبه بمزاجك ودلوقتي اتجوزتي و معاكي عيال يبقى ملكيش دعوه بيه، وخليها تيجي من حد تاني بلاش مننا .

شعرت أن بركان يغلي داخلها ولا تتحمل ذلك يشتعل من عينيها هادرة  

=ما هو المشكله بقيلها 40 يوم وما حدش فكر يساله عشان الوضع اللي هو فيه، وانا بصراحه بقى مش قادره الفضول هياكلني البنت دي مين وبتعمل ايه هنا وباي حق موجوده .

فرفعت أمها حاجباها بصدمة وقالت بصوت معترضا

= هو شغل الغيره والجنان بتاع زمان هيطلع ولا ايه، دلوقتي ما بقاش يلزمك وانتٍ على ذمه واحد ثاني يا حبيبتي وما لكيش الحق تساليه و تقعدي تتنططي زي ما كنتي بتعملي زمان ؟؟ 

وفي ذلك الأثناء دخل أحمد قرب انتهاء العزاء فتقدمت تلك السيدة وابنتها مريم لتقول الأم بعطف 

=البقيه في حياتك يا ابني شد حيلك، فك عن نفسك بقى وخلاص ارضي بالربنا قسمهلك هي دلوقتي ارتاحت.. يلا يا حبيبي خلي بالك من نفسك واحنا هنمشي . 

تنحنح يجلي صوته ثم رد بخشونة

= متشكر أوي يا جماعه على كل حاجه عملتوها معايا تسلموا، مع السلامه.

تقدمت خطوه لترحل أم مريم لكن صدح صوت ابنتها عالياً بحزم وهي تتقدم منهما

=اللي بالحق يا احمد هي مين الست اللي قاعده دي في البيت كأنه بيتها احنا طول عمرنا عارفين ان ملكش قرايب؟ وبصراحه يعني الموضوع زاد عن حده وهي بقيلها اكتر من شهر هنا بصفتها ايه .

تجهمت ملامح نانسي وهي ترد عليها باستنكار نافر 

= نعم وانتٍ مالك ان شاء الله اقعد طول العمر كله كنت قاعده في بيت حضرتك اذا كان صاحب البيت ما اعترضش، وبعدين موضوع إيه اللي زاد عن حده وانتٍ مركزه معانا بصفتك ايه 

أردفت بكل حقد دفين وهي تحدق في عينيها بلوم صريح

=بصفتي يا حبيبتي ان احنا في منطقه شعبيه وما نرضاش بالغلط، واذا كنتي اتربيتي علي كده حسب المكان اللي انتٍ جايه منه ايا كان ان عادي واحده ست تقعد مع راجل لوحدهم فاحنا ما تربيناش على كده 

نكست أمها رأسها حرجا لكن هتفت علي كلامها بتحذير 

=اكتمي خالص يا مريم إيه اللي بتقوليه ده 

هزَّت مريم رأسها وقالت بمراوغتها الخبيثة

= جري إيه ياما قلت حاجه عيب ولا غلط الناس كلها شايفاها ونفسها تقول الكلمتين دول وانا مش بطلب حاجه غلط و مش هسكت عشان هي زودتها أوي ولازم تمشي من هنا، انتٍ اكيد مش قربته ولا تعرفي احمد طول عمرنا عارفين أنه ما لوش قرايب او انا بالذات عارفه كده بحكم يعني لما كنا مخطوبين زمان. 

عضَّ احمد على شفتيه بغيظ وهو يشد من قبضته بتعب و ارهاق مغمغما بتجهم

= بس بقى يا جماعه انتم هتتخانقوا انا في ولا في ايه؟ وانتٍ يا مريم من فضلك حسبي على كلامك وانتٍ بتتكلمي عنها ثاني مره هي متربيه كويس وفاهمه في الاصول و وجودها هنا شيء طبيعي.

تجلت أمارات الذهول وعدم التصديق على وجه خطيبته السابقه تردد بحده 

= طبيعي ليه ان شاء الله هتضحك علينا وتقول لنا انها قريبتك من بعيد وظهرت فجاه كده .

تنهد بعمق يحاول استعاد رباطة جأشه ثم قال لها بثبات

= لا طبيعي عشان هي مراتي! وام أبني اللي في بطنها.

ابتلعت ريقها بغصة مسننة بصدمة ثم قالت بصوتٍ مرتجف 

= نعم اتجوزت و كمان حامل؟ انت بتضحك عليا ولا تتكلم بجد الكلام ده حصل امتى واحنا ما نعرفش.. ايه كنت متجوزها في السر بقى على كده 

هزت نانسي رأسها بعدم تصديق وبالكاد أجبرت صوتها المحتقن المكتوم أن يتلفظ

= لا كده كتير انتٍ مالك متجوزني في السر ولا في العلني! براحتنا نقول للي احنا عاوزينه ايه تحب اجيبلك قسيمه الجواز عشان تتاكدي بالمره ولا اعمل لك اشاعه ان انا حامل فعلا منه .

جذبتها أمها بقوة وهي تسحبها للرحيل هاتفه بعصبية

= يا بنت بقى ما تكتمي احنا مالنا معلش يا ابني حقك عليا وانتٍ كمان يا مدام امسحيها  فيا، احنا بس عشان مستغربين وجودك ما كناش نعرف انكم متجوزين

جلس فوق الأريكة ليضع عينيه في عيني أمها وهو يقول بصلابة

=ولا يهمك يا ام مريم اديكي عرفتوا بس احنا فعلا ما كناش عاملين فرح ولا اي حاجه و الموضوع جي بسرعه بس أكيد يعني اهلينا كانوا عارفين وده كفايه.

رحلوا للخارج اخيرا، وعلي الفور نظرت إليه الأخري بحده وغيرة فنطق بصوت مرهق بشدة 

=بالله عليكي ما وقت خناق! انا ما فيش نفس للمناهده وبعدين ما انا رديتلك عليها وخرصتها هتعاتبيني بقى على ايه 

شعرت بأنه محق وليس وقته اقتربت منه و
حاوطت عنقُه و هي تقول بلُطف

= خلاص بس.. إهدى يا احمد!!

نظر لإيديها و امسكها و رفعها لشفايفُه و قبّلها بهدوء ثم نظر و قال بحنان

=متخافيش عليا أنا كويس .. تعالي!

هتف و فرد ذراعه لها فـأسرعت دافنة وجهها جوار نبضات قلبُه، تُربت على صدرُه بكفها الصغير فإبتسم و مسّد على رأسها حتى شعرت بكفه يسقُط من فوق موضعه فـعلمت إنه نام، ضمته لها أكتر و اغمّضت عينيها سانده رأسها للخلف بذهن شارد.

❈-❈-❈

بعد مرور أسبوعين، كان يجلس بجانب زوجته في شقته.. وفي الوقت نفسه كان استاذ مرزوق جالسا على الأريكة، باد عليه التردد وهو يشبك أصابع يديه مرتبكًا هاتفا بحرج شديد 

=والله ما كنت اعرف ان انتم متجوزين يا أبني غير لما جيت اعزي وشفتها موجوده هنا، في الاول اتضايقت وقلت يعني للدرجه دي مش قادرين يستروا على نفسهم لكن اتفاجئت بمراتك قصدي.. استاذه نانسي وهي بتسالني على شغلك في الأمن عندنا بالنسبه لوضعك ايه وانت بقيلك كتير مش بتروح فقلتلها كل حاجه وان احنا طردناك . 

نظر أحمد إلي زوجته بدهشة لتسرع تقول بنبرة متفهمة 

= ايوه انا اللي قلتله يا احمد وكان لازم حاجه زي كده طالما اكتشفت تعرفه بدل ما ياخد عنك فكره غلط، انا وريت استاذ مرزوق قسيمه جوازنا كمان عشان يتأكد من كلامي 

ازدرد مرزوق ريقه ثم قال بتوتر

= والله ما كنت اقصد اكدبك بس يعني حاجه ما توقعتهاش خالص، ده انا حتى لما ذكي قالي والله كدبته واتخانقت معاه كمان لكن برده الشك دخل في دماغي وبصراحه لما رقبتك لقيتك فعلا بتروحلها البيت بالليل فيعني اي حد مكاني هيفكر كده وانتم كنتم مخبيين جوازكم كنت هعرف منين .

تنهدت بقوه واردفت بجدية شديدة

= حضرتك اكيد شايف وضعنا فطبيعي يعني حبينا نخبي عشان كلام الناس اللي ما لوش لازمه وطالما إللي حوالينا من اهلنا عارفين دول كفايه وفي النهايه محدش ليه دعوه بحياتنا.

ردّ مرزوق لها الابتسامة وأومأ برأسه متفهما
متحدثاً

=حقك يا بنتي براحتكم طبعا تتجوزوا تطلقوا ما حدش ليه دعوه هو سوء تفاهم وانا بعتذر 

فتح أحمد شفتيه قليلا قائلا بصوت مختنق

=خلاص يا استاذ مرزوق ما حصلش حاجه انا عارف ان انت معاك حق، وبتعمل شغلك وانا مش متضايق .

فسارع يستحسن ظنه كي يطمئنه قائلاً

= طب طالما مش متضايق مني بقى هترجع الشغل انا صحيح جبت حد مكانك بس دي غلطتي وانا اللي هصلحها برده 

فكر أحمد بأنه بحاجه للمال بشدة بذلك الوقت ويجب ان يعود ويعمل رغم انه ما زال يشعر بالضيق من رحيله بتلك الطريقه المهينه بعد تلك السنوات وهو يعمل بكل جهد وشرف! لكن 
أومأت نانسي مُسرعة تهتف 

= ما لوش داعي يا استاذ مرزوق احمد خلاص لاقي شغل مناسب لي؟ فملوش لازمه . 

❈-❈-❈

بعد رحيل السيد مرزوق، عمّ الصمت بينهما لدقائق و أحمد لا يزال مكانه وفجأة هتفت تكسر الصمت وأشارت له بعفوية

=مالك هو انت زعلان مني عشان عرفت مرزوق ان احنا اتجوزنا؟ هو صحيح كنت عاوزه الموضوع يفضل في السر وانا اللي نبهت عليكي اكتر من مره، لكن طالما حصلت حاجه زي كده غصب عننا يبقى لازم نقول واحنا مش عاملين حاجه غلط يعني 

فزفر أحمد أنفاسا محتدة كانت تجيش في صدره وقد شعر بألم يتضاعف من أجلها، نظرت نانسي باستغراب له فاهتزت حدقتي وهو يقول بقهر الرجال 

=انا مش زعلان عشان كده انا نفسي افهم ايه اللي خلاكي تتسحبي من لسانك وتقولي ان  لقيت شغل ومش محتاج شغل الامن؟ حد قال لك اني هسيبك تصرفي عليا مثلا وعلى اللي في بطنك ده دلوقتي مسؤوليه وانا إللي لازم اصرف.. نانسي انتٍ متربيه على نظام غيري فمن فضلك حياتي هتمشي زي ما انا عاوز و طالما انتٍ قلتي بلسانك انك مراتي و وجودك جنبي هو الصح يبقى تسيبيني بقى امشيها زي ما انا عاوز وترضي كمان بعيشتي وهي كده عشان انا مش هغير نفسي عشان حد .

عقدت حاجبيها وقالت بحزم بصوتها المرتجف

=عارف ان المفروض دلوقتي اسيبك وما اعبركش على كلامك المستفز ده هو انت مين قال لك اصلا انا قلتلك أني هصرف عليك؟ وانا متربيه زي ما انت اتربيت وبفهم في الاصول كويس كمان . 

تغضن جبين أحمد واعترض بصرامة

=يا نانسي افهميني حقك عليا بس الوضع ده انا كله على بعضه عاملي احساس بالذنب فظيع و قرفان من نفسي كمان، حتى والدتي الله يرحمها كانت شاكه أن فيه حاجه متغيره وحذرتني ما اقبلش وضع يحسسني بالاهانه ولا اتنازل وانسي عاداتي وتقاليدي عشان غيري عاوز كده.. انا فاهم كويس اني عيشتي عمرها ما هتنفعلك ومش هتستحملي بس هو ده اللي عندي بقى يا بنت الناس لو عاوزه فعلا تفضلي جنبي.

لم يتغير شيء في ملامح نانسي الجامدة وهي ترد بجفاء

= خلصت ممكن بقي تهدى وتسمعني وتفهم انا قصدي ايه؟ أولا انت اللي هتصرف عليا وانا مش هقبل غير بكده خلاص وعلى ابنك نفس الوضع.. وهنعيش في نفس الوضع اللي انا عايشه فيه كمان .

قاطعها زوجها باحتدام هادرا بعدم صبر 

=هصرف عليكم منين ما انتٍ لسه عارفه بنفسك أن مشوني من الشغل وحتى لما جاتلي الفرصه تاني رفضتي وقلتي لعم مرزوق ان انا لقيت شغل احسن؟ فين الشغل ده اللي انا لقيته ومن خلاله هقدر اصرف عليكم و اعيشك بنفس المستوى اللي انت عايشه فيه؟ الا بقى لو انتٍ في دماغك غرض تاني واللي في دماغي صح وعاوزاه انتٍ اللي تصرفي عليا 

طالعت بشفاه منفرجة ونظرات مشدوهة و
هتفت به بنفاذ صبر 

= ما هو استعجالك ده إللي مش مخليك تسمع اللي قدامك ممكن ما تقاطعنيش تاني عشان تفهم إللي في دماغي و وجهه نظري! هو انت معاك حق في حاجه فعلا احنا هنعيش من الشغل بتاعي بس من فضلك اسكت واسمعني للآخر؟ انا دلوقتي حامل وبعد فتره الحمل هعمل العمليه على طول ويا عالم همـ..

انكمشت ملامحه بسبب الألم الحاد الذي اجتاحه فجأة وقال بخوف وأضح

= نانسي اياكي؟ مش عاوز حد يجيبلي سيره الموت تاني وان شاء الله هتعيشي خلاص بطلي بقى الكلام على الموضوع ده انا مش ناقص.. واتفضلي كملي عشان عاوز افهم اللي في دماغك بسرعه بس ما تجيبيش السيرة دي ده تاني .

أشاحت ببصرها عن زوجها وهي تدمدم بتوتر

= حاضر انا اسفه ما تزعلش مني والله ما كنت اقصد! بص يا احمد اللي عاوزه اوصلهلك أني 
في كل حالاتي مش هقدر ارجع الشغل تاني واشتغل زي زمان او تقدر تقول انا اكتفيت من الشغل والنجاح والشهره! ولو هتسالني عاوزه ايه هقول لك عاوزه لو ربنا اديني فرصه ان شاء الله وعملت العمليه على خير ان اربي ابني واعيش مع حد بيقدرني ويحميني بجد حياه يعني طبيعيه اتجوز واخلف واكون ربه منزل! والله هو ده اللي بقيت نفسي فيه وعاوزاه 

تألقت ابتسامة أشرقت على وجه نانسي وهي تضيف بتحفز 

=واكيد طبعا مش هقفل شغلي واخرب بيوت الناس اللي بتشتغل معايا عشان فجاه رجعت في كلامي وحسيت ان الشغل مش أولوياتي هم ما لهمش ذنب برده، وهكون عاوزه حد امين يمسك مكاني واكون بثق فيه وهياخد مرتب زيه زي اي موظف فهمتني؟!. .

أبتسم بسخرية بألم فتمتم بصوتٍ أجش ثقيل

=فهمتك يعني بتحاولي تجيبيها من ناحيه تانيه ان برده انتٍ اللي هتصرفي عليا، لان بكل بساطه انا ما بفهمش حاجه في شغلك وانتٍ عارفه كده كويس يبقى على اي اساس تثقي فيا ومتاكده كده ان انا مش هبوظلك شغلك.. واضيعلك اللي عملتيه في سنين انتٍ ووالدك

هتفت نانسي به بامتعاض وعبوس 

=بطل تسيء الظن فيا، والله العظيم ما قصدي كده وانا فعلا كل كلمه بقولها حقيقي انا ما بقتش عاوزه الشغل ده وعاوزه اعيش حياتي اللي انا حرمت نفسي منها بين جوزي وابني! وانا فاهمه كويس ان انت ما بتفهمش حاجه في شغلي بس انا لما سالت أستاذ مرزوق قالي ان انت معاك شهاده كبيره ومش فاهمه ليه ما اشتغلتش بيها بدل ما انت شغال فرد أمن 

هز رأسه بتهكم وعقب بصوت متحسر

=ومن قال لك ان ما حاولتش في الموضوع ده؟ هو في حد يعني غاوي مرمطه أنا قدمت على وظائف كثيره واستنيت فتره زي اي حد في البيت وعلى القهاوي حد يعبرني منهم! و في الاخر فهمت اللي فيها لازم ادخل بواسطه فدورت علي شغل ياكلني أنا وامي بدل القعده علي القهاوي.

ارتجفت شفتا نانسي مما قاله، فقالت علي الفور بجدية 

= تمام انا بقدملك اهو الفرصه! وبالنسبه لعدم خبرتك فانا والمساعدين هناك هنحاول بكل ما فينا نفهمك الشغل وخد وقتك سنه اتنين و واحده واحده هتفهم كل حاجه الموضوع مش صعب يعني مع الوقت والخبره كلنا بنفهم، انا نفسي ما كنتش فاهمه حاجه وفهمت مع الوقت! ما حدش بيتولد وهو فاهم كل حاجه 
ولما أتأكد ان انت خلاص فهمت الشغل ماشي ازاي هقعد في البيت وانا مطمنه وهسيبلك كل حاجه .

ضرب أحمد الأرض بإحدى قدميه وهو يقول بعصبية وشعور بالعجز والاهانه للرجلته 

= ايوه عشان يقولوا جوز الست راح جوز الست جي وضحك عليها وخد فلوسها وهي اللي بتصرف عليه الموضوع سهل اوي كده عندك، نانسي خليكي صريحه معايا انتٍ عاوزه توصلي لكده بس بتحاولي ما تحسسنيش 
ما هو بالعقل كده انا هفهم ايه في شغل التصميمات والتخييط ؟؟. 

طالعت على الفور و سارعت تقول نافية وهي تلوح بيدها بتوضيح 

= مين قال لك ان انت هتصمم وهتخيط عرفت بقى ان انت ظالمني ومش قادر لحد دلوقتي تفهم وجهه نظري؟ انا كنت جزء بعمل التصميمات بنفسي وماسكه الاداره كلها انت بقى هتمسك الاداره وبالنسبه للتصميمات هتسيبها لاصحابها انا زيك ولا كنت بفهم فيها ولا خريجه بس اخذت كورسات يعني لما كنت زمان بحب اعمل كل حاجه بنفسي واتضغط على روحي.. اظن كده الوضع ما فيهوش حاجه غلط هتشتغل عادي زي اي موظف وتقبض قصاد تعبك ده.. والفلوس دي تصرف عليا انا وابنك. 

ثم هزت رأسها وهي تضيف بحماس جاد

= وانا هقعد معززه مكرمه في بيتي استنى نصيبي يتحطلي في البنك، يعني راحه ما بعدها راحه، بذمتك في احسن من كده 

عقد حاجبيه ومال بوجهه إليها هاتفا بصوتٍ ممتعض رغم انخفاض نبرته

= انا مش فاهم اللي طلعها في دماغك فجاه كده مكتفيه من الشغل وعاوزه تقعدي فعلا في البيت تربي ابنك وتهتمي بجوزك! وعاوزه تبقي ربه منزل انا مش مصدقك بجد بسهوله كده عاوزه تتنازلي عن حاجه كانت كلها حياتك زمان؟ لا يا نانسي برده الوضع ده ما ينفعنيش مش هخلص من كلام الناس ونظراتهم ليا؟ ولا انا هقدر أصرف عليكي واعيشك بنفس المستوى بالفلوس اللي هقبضها؟ فبلاش لف ودوران 

ضيقت عينيها وهي تناظر أحمد المتجهم الناقم عليها ثم قالت مخاطبة بتأكيد وصدق 

=بس انا بتكلم بجد ما بقتش عاوزه الشغل ده اكتفيت منه، مش هي دي الحياه اللي حاسه نفسي فيها ليه عاوز تحرمني من احساس اكون أم بجد واعيش كل لحظه بتفاصيلها! لما بتخيل الاحساس لوحده بحس بسعاده رهيبه عشان خاطري يا احمد ساعدني احقق الموضوع ده.. انا في كل حالاتي اخذت القرار ولو انت ما مسكتش شغلي انا هجيب حد غيرك؟ وممكن فعلا هو اللي يبوظه لكن انا متاكده انت لو مسكته هتكون شاطر وامين عليه 

خفتت أنفاس نانسي العنيفة وعادت لها الابتسامة الواثقة وهي تضيف مشيدة

= وعلى فكره بالنسبه للفلوس انت فعلا هتقدر تصرف عليا انا وابنك لو مسكت الاداره في الشركه! هو انت عارف أقل مرتب موظف عندي كام أصلا؟ غير كل صفقه هتدخلها للشركه بتاخد نسبه 30% ودي اقل حاجه ثمن الصفقات لوحده بيكون ملايين تخيل بقي نسبتك هتكون كام! وده هيكون حقك وانا مش بجبي عليك زي ما انت متخيل.. وارجع واقول لك ان هنعلمك كل اصول الشغل عشان تعرف تديرها؟ قولي بقى ايه الغلط في كده ولا أنت رافض وخلاص من باب الرفض 

نظر نحوها مطولاً بغرابة وتساءل باهتمام

=هو انتٍ بتعملي كل ده ليه يا نانسي اشمعنا انا؟ لو عاوزاني فعلا افكر في كلامك واوافق يبقى قوليلي ايه اللي في دماغك كله 

تضرجت وجنتيها بالحمرة وقالت باقتضاب وهي تتحاشى النظر له

=عادي يعني مش جوزي وما ليش حد غيرك اثق فيه، وبعدين المفروض انا اسالك انت اللي بتعمل معايا كل ده ليه؟ صحيح انا اللي طلبت منك من الاول لكن اهتمامك الزياده بكل تفصيله في حياتي كان غريب أوي بالنسبه لي حاولت اترجمه شفقه أو عطف بس ما عرفتش حتى لما تقرب مني في حاجات غريبه كنت بحسها ومش لاقيه ليها تفسير !؟. 

رد عليها بصوتٍ جامد لا يحمل أي تعبير

= مش لاقي ليها تفسير ولا لاقيه بس خايفه تواجه نفسك بيه عشان كانت حاجه مستحيله! ان مثلا اكون بعمل كده عشان بحبك

عضت شفتيها تجلي حنجرتها بحثا عن كلمات تسعفها لمحاورته بعد صدمتها 

=يعني انت فعلا بتحبني يا احمد والاحساس اللي بحسه لما تقرب مني ده مشاعرك ناحيتي 
طب من امتى وازاي؟. 

تنهد مخرجًا بعضا من حرارة صدره قبل أن يقترب بخطوات صامتة لم تشعر بها، بسبب 
شردها في دوامة الضياع والحيرة، ليقول بصوتٍ غريب عنها

=من زمان أوي تقريبا من اول ما اشتغلت و شفتك بس حتى بيني وبين نفسي كنت بخاف اعترف عشان ما ينفعش في فرق بينا كبير و كنت متاكد انك مستحيل في يوم تبصلي! بس كنت اوقات بكون مكشوف؟ لهفتي كل ما اشوفك اجري اسلم عليكي واتلكك باي حاجه 
حتى والدتي مره ما عرفتش امسك نفسي قدامها لما كنت بتفرج عليكي في التلفزيون عن الحفله اللي عمري ما كنت بفوتها والله كنت ببقى فرحان بكل نجاح ليكي! بس ما قدرتش امسك نفسي لما قالتلي تلاقيها واحده متكبره وابعد عنها، فضلت ادافع عنك واقول لها لا هي كويسه بس مش بتحاول تبين ده و لما بتلاقي حد محتاج بتساعده بس هي اللي بتحب ترسم لنفسها عالم لوحدها.

كان الانبهار لا زال مسيطرا عليها أثر كلماته فمسح علي وجهها بنعومة وحنان، وجذبها برفق داخل أحضانه وكانت مستسلمة بين يديه ليقول بصوتٍ متذبذب متحسر

= تعرفي فهمت ليه دلوقتي والدتي كانت الفتره الاخيره متضايقه مني ومصممه ان اتجوز عشان شكت أن في مشاعر مني ناحيتك وحاولت بكل الطرق تخليني ما نجرفش وراها بس اللي ما كانتش تعرفه ان انا خلاص وقعت من زمان.كانت عاوزه مصلحتي عشان كانت عارفه انك مستحيله برده بالنسبه لي وكانت بتحاول تفوقني عشان أبعد بدل ما اتوجع في الآخر.. عارفه في اليوم ده حسيت نفسي كنت نايم وفقت لاني فكرت فعلا في كلامها متأخر حتي بعد ما اتجوزتك ايه اللي هيحصل في النهايه هتوجع برده وهتسيبيني.. 

أدمعت عينها غير مصدقة حبه لها الخفي، 
فضمها أكثر تجاه صدره وأخذ يردد بهمس بحرارة 

بس كنت بحاول اقول لنفسي عيش اللحظه اللي عمرها ما هتحصل لك وكنت فاكرها في احلامك بس! هي دلوقتي بقت ليك و ملكك لوحدك ومراتك وقادر تقرب وتحضنها وتحس معاها بمشاعر واحاسيس ك


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-