رواية البحث عن عريس صالح للانجاب الفصل الثالث3 بقلم خديجة السيد


 رواية البحث عن عريس صالح للانجاب الفصل الثالث3 بقلم خديجة السيد

أبتعد عنها بعدما نال شهد عسَيْلَتَها وهو ينظر لفتنة ملامحها بينما هي ضمت جسدها إليه لتستشعر دفئ أنفاسه.. وبعد دقائق بشيء من التردد وبصوت خافت تساءلت

= أحمد هو انت عمرك حبيت قبل كده؟ او قصدي يعني كان ليك علاقات سابقه زي كده مع خطيبتك القديمه أوي غيرها 

عقد حاجباه ثم قال بخشونة وصلابة

=علاقات نوعها ايه؟ هو انتٍ لو قصدك اللي 
في دماغي فمستحيل طبعا اعمل حاجه زي كده إلا في الحلال وانا سابقه وقلت لك ما اتجوزتش.

زمّت نانسي شفتيها ثم قالت لنفسها ممتعضة

= امال ماله زي ما يكون حد متمكن وملهوف عليا كده ليه؟؟. هو معقول يكون ميال ليا؟؟ 

عقد حاجيبة باستغراب واردف بتلقائية

= استاذه نانسي رحتي فين؟؟ حضرتك كويسه

تضرجت وجه نانسي بحمرة الغضب وهي تقول بشيء من الانفعال

= تاني يا احمد قلت لك نانسي وبس! شيلي ام الرسميه دي زهقتني منها و اتعامل فعلا على اني مراتك وما تنادينيش بألقاب 

ضغط علي شفتيه وهمس بأسف مبرر

= معلش بكره اتعود، لكن انتٍ كمان كان ليكي علاقات سابقه قصدي جواز أو خطوبه 

مطت شفتاها للإمام وهي تقول ببساطة

= اتخطبت قبل كده وما حصلش نصيب .

فتح أحمد الذي كان مسترخيا عينيه فجأة وقال بشيء من الحنق 

= نعم ده امتى وازاي ما انا من ساعه ما اشتغلت شايفك طالعه نازله لوحدك؟ وعمري ما لمحت حد جي معاكي في اي وقت بترجعي فيه .

نظرت إليه بدهشة وهي تردد ببراءة

=وانت طبيعي هتشوفني في اي وقت رجعي فيه بتراقبني يعني ولا ايه؟ 

تغضن جبين بالضيق وتوتر ثم قال بفضول ظاهري

=لا مش كده! بس انا بشتغل فرد أمن فطبيعي أركز مع اللي طالع واللي داخل.. وبعدين ما فهمتش برده اتخطبتي امتى 

أجابت باقتضاب وهي تنقل عينيها بينه وبين بعيداً 

= الموضوع بقيله كتير كنت لسه حتي في الجامعه، بس لما انشغلت في الشغل ما قدرش يستحمل الوضع وخاني! اللي ضايقني في الموضوع كله مبرراته ومبررات اللي حواليه كلهم جمعه عليا وقالوا ما انتٍ اللي غلطانه و طول الوقت مشغوله مع شغلك طبيعي هيبص بره طالما مش محاوطه عليه؟ انا ما قدرتش استحمل ولا اتقبلت مبررات كان بكل بسهوله طلب مني انه مش مستحمل الوضع ده و عاوزنا نسيب بعض ويروح يدور على غيري 
عشان كده سبته.

انتبه على نظراتها الحزينة ليقول متسائلاً بحيرة لها 

= ومحاولش يعتذر او انتٍ حسيتي انك غلطانه وتديله فرصه تانيه 

تحركت فوق الفراش متنهدة ببؤس ثم قالت وهي تهز رأسها يائسة 

=حتى لو غلطانه ما فيش مبرر للخيانه ودي اكتر حاجه بتوجعني وبكرهها، هو محاولش فعلا كأنه لما صدق سبته وحتى لو كان طلب يرجع كنت هرفض لما هو وقت الخطوبه عمل كده ولقى لنفسه مبرر.. ايه اللي هيحصل بعد الجواز؟؟ وهو حاليا اتجوز وخلف من زمان وما اعرفش حاجه عنه ولا عاوزه اعرف .

أومأ أحمد لصحة كلامها ثم هتف بهدوء

=معاكي حق اصعب حاجه الخيانة؟ وإللي اصعب منها ان اللي خانك يلاقي مبررات و يفضل مقتنع بيها انه ما ظلمكيش وانتٍ إللي ظلمتي.. 

نهرته نانسي برجاء وبصوت منخفض

= صح! اكتر حاجه وجعتني وغاظتني هي مبرراته؟ واللي حواليه شجعوا على كده.. ما تغير الموضوع احنا ما لنا قلبناها كابه كده ليه مش عاوزه افتكر الفتره دي من حياتي، ما كنتش مستوعبه ولا فاهمه اللي بيحصل حواليا إلا متاخر و..

كادت أن تتحدث أكثر لكن وجدته يلتقط شفتيها ويُقبلها بهيام من جديد عانقته علي الفور وهو يطرح جسدها نحو الفراش إلى أن استقر فوقها، نظر لها قبل أن يعود للغرق بالنعيم الذي صار يحياته بين ذراعيها، فنظراتها إليه جعلته يزداد لهفة وتوق.

❈-❈-❈

في رُكن مظلم بالفيلا جلست نانسي منزوية
على حالها قرب البراد بعدما إلتقطت منه علبة
الشيكولاته ودست الملعقة في فَاهِها تتناول الشيكولاته دون شهية حتى فرغت العلبة تمامًا.

تعلقت عيناها في الفراغ وثواني مرت وعيناها عالقة داخل العلبة ثم انفجرت بالبكاء، بكت كما تبكي كل ليلة تعرف أنها ليست حامل لينغرز فيها سهام تنمرهم بها وبجسدها، بكت على حالها وعلى استمرارها في الفشل للحصول على طفل وأشياء آخري دُفنت داخل قلبها.

إستمرت بالبكاء إلا أن شعرت بدخول أحمد من باب الحديقة كالعادة، عيناها تعلقت به بحسرة.
بينما الآخر عيناه تعلقت بها بعدما تفاجأ بها بتلك الحاله، إقترب منها وقد عاد الشعور الذي يشعر به كلما وقعت عيناه عليها... خرجت أحرف اسمها من بين شفتيه دون أنه تلاشي الرسميات في نطقه لاسمها

= نانسي مالك؟!. 

ابتلعت شيء ما في حلقها وهي تنظر إلى زوجها بعينيها الحزنتين وكأنها تعاتبه و تخبره ألا يكذب عليها لم تدرِي كيف أفلتت الكلمات من بين شفتيها دون أن تستطيع منعها

= اختبار الحمل طلع سلبي! انا مش حامل يا احمد حتى الحل التاني مش نافع معايا شكلي عمري ما هكون أم.. واياك بقى تقعد تقولي نفس الكلام اللي بتقعد تقوله كل مره انت وياسمين 

وقف من مكانه يقول بنفس الهدوء وهو يناظر بطرف عينه إليها بعتاب 

= عامله كل ده في نفسك عشان من اول شهر جواز يعتبر لينا مش حامل! ما هو طبيعي ما يحصلش في البدايه بطلي نكد على نفسك لسه قدامنا وقت 

تحدثت مباشرة وهي تقف على قدميها بحدة وتقول بانكسار

= وكل شهر هتقعد تقولي الكلمتين دول؟ لحد ما ندخل في السنه اللي بعدها يبقى خلاص مش هينفع.. يبقى بلاش بقى تضحكوا عليا وقولها لي في وشي 

أجابها بنفس نبرة صوته الخافتة وهو يسبل أجفانه 

=طب يعني انتٍ شايفه اللي انتٍ بتعمليه في نفسك ده هو الحل؟ تمام زعلتي وعيطتي و دخلتي في مرحله اكتئاب وعماله تاكلي حلويات ايه اللي حصل بقى كده هتبقي حامل مثلاً ولا نقعد بالعقل وبالهداوه كده نسيبها على ربنا ونعمل اللي علينا 

كادت أن تتناول أكثر لكنه جذبها إليه وقرب جبينه من جبين نانسي وهمس لها مطمئنًا

= سيبك من اللي في ايدك ده هتتعبي منه  انتٍ مش يعتبر ليكي اكل معين؟ علي فكره عشان تعرفي تحملي بسرعه لازم كمان تصلحي من نفسيتك لان الحاجات دي بتفرق برده.

أدمعت عينها بقهر وهي تقول بنبرة متعباً 

= انا تعبت وزهقت أوي ومش عاوزه اقعد لوحدي.. ما نيجي نخرج بس مش عارفه فين؟ ومش عاوزه حد يشوفني معاك؟ و مش عاوزه اخرج لوحدي 

أطلق أحمد تنهيدة طويلة ثم قال وهو يمسح بيده الخشنة فوق شعرها الأملس بحنان 

=بس كده محلوله؟ متهيالي لو خرجتي الأماكن اللي انا اعرفها معايا ما حدش مستحيل يعرفك هناك ولا يقابلك صدفه مش كده؟ 

سألته فجأة مباغتة وهي تلامس ذراعه

=اماكن ايه هتوديني فين مش فاهمه؟ 

رفع أحمد وجهه قائلا بهدوء رغم التوتر الذي بدأ يتسرب إلى جسده بأن ترفض وتنفر الذهاب معه إلي تلك الأماكن 

=يعني اماكن عشوائيه من بتوعي لما اكون زهقان بروحلهم! نروح ناكل كشري مثلا نشرب عصير قصب حمص الشام على النيل أو جربتي مره تاكلي فول على عربيه.. مش احسن من الشوكولاته بتاعتك دي اللي هتتعبك بس احنا برده لازم نسال الدكتوره الأكل ده ينفع ولا لا 

قفزت مبتعدة للخلف بذهول وهي ترفرف بعينيها وتناظر احمد بطريقة غير منطقية قبل أن تردد بحماس 

=ده بجد انا عمري ما رحت الاماكن دي بس بسمع عنها؟ استني هنا ثواني هروح اغير هدومي واجي بسرعه.. اوعى تمشي هزعل منك مش بعد ما عشمتني هاه.

هز رأسه بالايجاب مبتسماً وجلس مكانه ثم وضع وجنتيه فوق راحتيه يرسم فرحتها بعيناه وذبذبات بقلبه تعلن تمردها للعلن.. 

❈-❈-❈

أفعال جنونيه لم تظن يومًا أنها ستفعلها، حتى
هو لم يكن يُدرك أنه يمتلك روح المرح.. بدأت تلهي معه وتخرج إلي أماكن كثيره احببتها بصحبته فقط.. وفي ذلك الإثنان أقترب أحمد منها مبتسماً ثم قال 

= اتفضلي وادي جوز الدوره بس اكتر من كده مش هينفع عشان ما تتعبيش! معلش ان شاء الله لما تخفي هاكلك كل الحاجات اللي وعدتك بيها بس عشان معدتك مش هتستحمل وبعدين اكيد مش متعوده على الاكل ده يعني.

اخذتها منه مع تزايد وتيرة دقاتها وهي ترى نفسها محل إعجابه بل ومرغوبة واصبحت مسؤوليته ومهتمه منه، حتى مع شكها الملازم لهذه الحقيقة.. رفعت يدها عن صدرها هاتفة 
بشرود حزين

= تعرف الانسان ده عجيب ما بيحسش بقيمه الحاجه الا لما تروح منه يعني الاكل والشرب والخروج كانت بالنسبه لي حاجات مرفهه وآخر حاجه أفكر فيها رغم انها كانت قدامي طول الوقت بس اول ما اتمنعت منها حسيت ان انا محتاجاها أوي 

عقد حاجيبة باهتمام وهو يقول باستغراب

= هو انتٍ للدرجه دي الشغل كان واخد كل وقتك و معلش يعني والدك كان بيهرب من حاجه عشان يعودك على كده ويكون حياته كده هو كمان وتحسسوا نفسكم كانكم في عالم لوحدكم شغل وبس! 

اضطربت حدقتي نانسي بعذاب لتردد بنفي 

= لا خالص بالعكس ما كانش عندنا عقده ولا حاجه هو شاف ان حياته كده كويسه كان بيحب الشغل جدآ وناجح فيه وانا كمان لما نجحت اكتر منه في شغلي بعد ما مسكته خليته كل حياتي زيه، و كنا بنتعامل أن النجاح هو ده سندنا الوحيده اللي هتفضل لينا في الحياه ، طب اديني هموت اهو الشغل ولا النجاح فايدني بايه .

رسم ابتسامة صغيرة وهو يقول بحنو

= بعد الشر عليكي ان شاء الله هتبقي كويسه، بس كل واحد بيبقيله احتياج غير التاني في الحياه ويمكن كانت احتياجات العمل وبس.. ليكم.

تطلعت له عابسة و شعرت بالحزن على حالها الذي ضاع دون تحقيق جميع احلامها وهي  
تتحدث هادرة 

= بس انا متاكده ان احنا لو كنا جربنا جنب  الشغل ده باقي الحاجات اللي حوالينا زي الخروج والفسح واننا نتمتع بالدنيا كنا هنعرف قيمتها بجد وان في حاجات احسن وافضل لازم نعملها.. زي دلوقتي ما تعرفش مبسوطه قد ايه بالاجواء اللي انا عايشاها دي ومش زعلانه ان انا بأجل حاجات كتير في شغلي حتى لو ناجح ليا، ولا هروبي في وسط اليوم عشان اروحلك واستناك في الفيلا.. كل دي مغامرات ما كنتش في دماغي ممكن اعملها   

هنا فقط استطاعت أن تنجح بجعل ملامحه تضطرب إلا أنه لم يعقب عليها بل قام من مكانه يقف مقابلها هاتفا باستنكار 

= بجد يعني انتٍ مبسوطه بالحياه الجديده دي؟ وأننا مع بعض 

مسحت دمعات هاربة قبل أن تخرج الكلمات منها بتردد وهي غير مصدقه نفسها من الأساس 

= الصراحه أيوه! مستغربه نفسي أوي مع اني ما كانش باين عليا اني محتاجه كل الحاجات دي في حياتي إلا لما جربتها؟ بس مبسوطه ومش عارفه هكون ببالغ ولا لا لو قلتلك اني مش زعلانه دلوقتي ان انا بقيت عيانه بالمرض ده يمكن الحاجه الوحيده اللي مخوفيني اني ما الحقش اخلف 

انتبهت على نظرات زوجها المهتمة لها لتناظره بتوتر حرج لتغيرا الموضوع 

= وبعدين تعالى هنا انت إيه البصه اللي بصيتهالي واحنا واقفين بنشتري الدره لما  عرضت عليكي ادفع عادي بصيتلي جامد وقلتلي روحي هناك اقعدي وبلاش هبل. 

ذهُل في البداية من سؤالها ثم جلس جانبها مجدداً ورسم ابتسامة رجولية هاتفا بصوتٍ مثقل 

=عادي وبتقوليها تاني؟ هو انتٍ عمرك ما عدي عليكي رجاله بجد ولا معلش يعني من كتر ما انتٍ قافله على نفسك ما تعرفيش يعني ايه رجوله! هو عادي انك تكوني خارجه في مكان و معاكي راجل وانتٍ اللي تدفعي كفايه اصلا ان انا مستحمل حكايه قعدتك في بيتك وانك بتصرفي على نفسك .

عادت تتسائل ببراءة منقاضة للعبث الذي يتجلى على ملامحها 

= ايه عاوزني اروح اقعد معاك في شقه والدتك واستناك ترجع من الشغل واكون مجاهزهلك الأكل والميه السخنه عشان اغسل
رجليك واستناك تديني مصروفي. 

تقوست شفتا أحمد للأسفل بضيق وشك وطالع بها متحدثاً بصوت صام

= مش عارف بتتريقي ولا بتتكلمي بجد بس هي دي الحياه فعلا الزوجيه العاديه، ما عدا يعني تغسليلي رجلي بلاش افوره عشان حسيت الموضوع كبير عليكي، بس انا عارف ان جوازنا مؤقت وان شاء الله حتى لما تقومي بالسلامه اكيد هتطلبي الطلاق عشان مش هتستحملي عيشتي! في فرق كبير طبعاً.

وقبل أن تتحدث وتشرح قصدها، نهض يأمرها قائلاً بوجه محتقن 

= ما تيلا عشان نمشي الوقت أتأخر هوصلك وبعد كده هروح .

بعد مرور وقت اوصلها للمنزل وتنهد متنفسا بعنف بينما وجهه شاحباً.. تقدم للأمام ليسألها باقتضاب وهو ينقل عينيه بينها وبين بوابة الفيلا 

=محتاجه حاجه قبل ما امشي .

ازدردت ريقها ولم يعد هناك وقت لرحيله من هنا، فنكست رأسها بذنب وقالت موضحة 

=هاه! آه اقصد لا بس كنت عاوزه اقول لك ما تضايقش من كلامي انا كنت بهزر على فكره انت اللي اخذت فجاه الموضوع جد.. انا مش شايفه عيشتك وحشه وان في فرق بينا عادي انا عمري ما اتعملت اصلا مع حد بتعالي رغم نجاحي واللي انا فيه.. بس من كلامك عن عيشتك ووالدتك انا حبيت حياتك دي و حساها جميله وهاديه على الاقل مبسوط و ده كفايه ومش عايش لوحدك.

شردت عسلية عينيه وهو يقول بكلمات مثقلة بالعشق

= انتٍ كمان ما بقيتيش عايشه لوحدك على فكره وانا موجود يعني في اي وقت هتطلبيني هتلاقيني! وقت ما تحتاجي مساعده ولا تعبانه انا هكون اول واحد جنبك.  

أومأت رأسها بادراك ثم رسمت ابتسامة وهي تقول لأحمد بلهفة

= بجد يا أحمد انت مش هتسيبني لوحدي خالص حتى لو حملت في اي وقت مش هتبعد وتقولي مهمتي كده خلاص خلصت وانا عندي التزامات اهم 

هز رأسه برفض وهتف بقرار محتم عليهما معًا

=لا طبعا من قال كده انا هفضل جنبك، سواء حصل حمل ولا لا حتى وقت العمليه هتلاقيني اول واحد موجود 

نظرت إليه مبتسمة بإجهاد هادرة بحزن 

= انا من كتر خوفي من الوحده واللحظات دي اللي كنت بهرب منها، بقيت بحلم ان لما اموت محدش هيحس بيا وجثتي هتعفن والناس ساعتها هتعرف هنا أن مت! مش بقول لك الانسان ده غريب كنت بختار الوحده وببعد بمزاجي دلوقتي انا خايفه منها رغم انها كانت باختياري 

أمسك ذقنها حتى لا تبعد نظراتها المضطربة عنه ليقول بحنان 

= انتٍ اللي مخوفه نفسك ليه كل كلمه لازم تحشري فيها موتك مع ان الدكتوره بنفسها قالتلك في امل انتٍ اللي بصة على النسبه القليله بس، زي ما بتحلمي انك هتموتي احلمي كمان انك هيبقى عندك فرصه ثانيه وهتخلفي وهتربي بنتك او ابنك بنفسك وهتعملي معاهم ذكريات حلوه!  

حركة عنقها الأبيض و ابتلعت ريقها توتراً لكنها نفضت يده لتقول بصوت متألم بحرقة 

= مش عارفه ممكن الاجواء اللي حواليا مخلياني كده رغم ان مكمله عادي بس جوايا خوف كبير، انا اول مره اتكلم مع حد حتى في الموضوع ده ومكسوفه ان بقول خايفه حتى كأنها حاجه مش من حقي اقولها.

تقدم منها مجدداً وأمسك بوجهها بين كفيه يمسح دموعها الجارية تارة بإبهاميه وتارة بشفتيه، يخفف عنها بصوته المبحوح

=لا طبعا من حقك او حتى من حقك تقوليلي انا بصفتي جوزك! حتى لو جوازنا مؤقت.. يلا بقى عشان محدش يشوفنا ادخلي وما تفكريش في حاجه .

أمسك بيدها يجتذبها لصدره معانقا إياها بقوة رغم تعنتها ورفضها في البداية وتسرب له بوجدانه ألم دون قصد منه دفنت وجهها في صدره تبكي لدقائق.. خفتت شهقاتها إلا من نشيج خافت لتدرك بصدمة أنه يضمها إليه كأنه يواسيها فتراجعت بملامح منقبضة وعيون زائغة وهو تركها دون مقاومة.. 

تحركت من مكانها لتدخل المنزل، لينظر حوله بتشتت قبل أن يرتفع صوته بصوت متردد 

= أستاذة نانسـ.. نانسي مش محتاجة اقعد معاك النهارده لو عاوزه ما عنديش مانع! وهتصل بماما هقول لها ان في شغل جالي فجاه و مضطر ابات.. لو عاوزه يعني؟!. 

نظرت نانسي له من بعيداً بابتسامة لطيفة 
به شيء يجذبها له لكن لا تستطيع معرفته، 
بادلها الإبتسامة عندما استدارت له وفي داخله تمنى ألا ترفض عرضه.. وبالفعل هزت رأسها بالايجاب بكل لهفة وشوق !. 

بينما لن ينتبه احد على نظرات ذلك الواقف الذي كان يراقب كل تحركاتهم حتى دخلوا إلي الفيلا، وكان ذكي ليقول بابتسامة عريضة لا تبشر بالخير

= بقي كل ده يطلع منك يا أحمد؟ عامل فيها  بتاع ربنا وعمال ينصح فيا وهو مقضيها مع السكان هنا! بس وقع على واحده ايه عرف يوقعها ازاي إبن الذين.. ده انت طلعت مش سهل! 

❈-❈-❈

في منزل أحمد، غمغمت له أمه بامتعاض وهي ترشقه بنظرات الازدراء 

= مش ملاحظ خروجتك كثرت الايام دي كتير ده غير انك ساعات بتبات وما بتجيليش غير ثاني يوم! ولا الخروج بالليل اللي كل شويه ده مش عارفه ليه؟ ولا مكالماتك اللي مش بتخلص وعلى طول ماسك التليفون 

اتسعت عينا أحمد وتلجم لسانه للحظة ثم قال بخشونةٍ مضطربًا

= في ايه يا ماما مالك بالراحه عليا، ما انا بقول لك رايحه وجي فين و حتى لو ورايا مشوار ولا ببات في الشغل برجعلك اطمن عليكي نص ساعه واديكي العلاج وامشي هو انا برده هقدر اقصر معاكي. 

نظرت له مطولاً بعينيها المتعبتان بلمحة من الشك لتقول بصرامة

=انا ما قلتش يا ابني مقصر معايا بس تغيراتك فجاه دي قلقاني ومش لاقيه ليها مبرر! وما تقعدش تقولي الشغل وغصب عني انت فيك حاجه متغيره؟ ويا رب ما يطلعش إلا في دماغي .

ابتعد قليلاً عن الهاتف ليتركه بعنف حتى أنه قال بغضب مكتوم 

=وايه اللي في دماغك بقى يا ماما ما تفهميني قلبي عليا القلبه دي كلها ليه؟ ايه يعني لما اخرج شويه افك عن نفسي سواء مع اصحابي ولا شغل ده يضايقك في ايه 

اقتربت بالكرسي بحذر من أبنها ترفع يدها له وهي تتساءل بصوتٍ غاضب 

= لو شغل ما ضايقنيش ولو رايح تفك مع اصحابك شويه برده مش هزعل وهفرحلك بدل ما كنت قاعد جنبي طول الوقت! انما لو في سكه تاني لغتك ومشيت فيها اهو ده بقى اللي لازم اتكلم فيه وازعل..حوارات التليفونات والرسائل إللي بتقعد تبعتها مع حد و فاكرني مش واخده بالي منها لازم اعرف ده ايه.. تكونش بتحبي يا واد .

اهتزت عينا أحمد الزائغتين بصدمة، يصوب بصره بحيرة من شكوكها ثم همس بلا تصديق

= طب لو نفرض فيها ايه مالك برده زعلانه ليه 

ردت تقول بإصرار وعناد صلب

= لو من توبك ومن نفس عيشتنا هفرحلك ومش بعيد من السعاده أقوم ارقصلك كمان، لكن شكلك كده باصص في العالي واللي مش من مقامك وانا لازم اصحيك بدل ما تقع فوق دماغك في الآخر انت مش ناقص وجع قلب تاني كفايه اللي سابتك زمان وراحت اتجوزت وخلفت 

تنهد بعمق وهو يغمض عينيه بقوة ويدلك جبينه بعنف وهتف هادرا بقهرا 

= ماما من فضلك سيبيني اعيش حياتي زي ما انا عاوز وبعدين ما فيش حاجه من اللي في دماغك أصلا، وبعدين ايه اللي جاب سيره مريم خطيبتي القديمه كل ده عشان كل شويه تشوفيها بالصدفه وهي معاها عيال مصدومه ليه يعني ما كلنا عارفنا انها اتجوزت وخلفت بعد ما سابتني! وانا ما زعلتش اصلا انا خطبتها من زنك عليا لما فضلتي تقوليلي عاوزه افرح بيك وهي كانت جارتي واللي قدامي.. غير أنها ما عملتش جريمه يعني انا ما كنتش فعلا قادر على فتح بيت لا زمان ولا دلوقتي.

رأت إصراره على عدم البوح فهتفت به بغضب حارق 

=حلو الكلام افضل بقى كل شويه سمعه لنفسك انت ولا زمان ولا دلوقتي قادر على فتح بيت فلما تبص في العالي مش هتعرف تعيشها ومش محتاجه كلام ولا هي يا حبيبي هتعمل زي افلام زمان وهتتنازل وتسيب الدنيا عشانك وترضى تعيش وسطنا هنا، وتسيب كل العز اللي هي فيه.

تراجع برأسه للخلف بارتباك ثم قال بتوجس 

= هو انتٍ ليه كلامك كانك تقصدي واحده معين.. انا قلت لك ما فيش حد في دماغي

تحفزت ملامح أمه تسأله ببطء وهي مستمرة في شكوكها وعنادها  

= والهانم اللي كنت بتشوف حفلاتها في التلفزيون وكل ما تيجي سيرتها عينيك بتلمع 
انا من ساعتها وقلبي مش مطمن وحاسه انك بتحبها، يا ابني انا عاوزه مصلحتك ابعد عنها لو في دماغك وهقولها لك تاني مش من مقامك.. وابعد بدل ما هي اللي هتبعد في يوم وتسيبك.

ازدرد لعابه بصعوبةٍ والصدمة تتجلى على قسماته ثم قال بصوتٍ مضطرب واهن

= طب لو فرضنا كلامك صح هي هتبصلي على ايه؟ اطمني يا امي ما فيش حاجه في دماغي ولو في فكري على طول فيها هتلاقي انها مستحيله. 

أخذ الخوف والقلق كل مأخذ بوالدته ووجدت نفسها تهتف بتلعثم 

= ربنا يطمن قلبك يا ابني زي ما طمنتني ما تسمع كلامي بقى وتشوفلك واحده على قدك بنت ناس و تتجوزها ما هي قعدتك لوحدك كده من غير جواز هي اللي هتخلي الشيطان يلعب في دماغك وممكن يخليك تعمل حاجه غلط ومش من عادتنا.

تنهد متحسرا علي حاله لينظر لها بنفاذ صبر 

= يوووه جرى ايه يا ماما انتٍ عماله تزني عليا النهارده ليه في كل حاجه، ما انتٍ لسه من شويه قايلاها انا مش هقدر افتح بيت يبقي هتجوزها على اي اساس بقى . 

استنكرت استنتاجه الذي وصل له من كلامها لتهتف به موبخه بمقت

=لا يا حبيبي في كتير عاوزين يعيشوا ومش فارق معاهم اي حاجه طموحاتهم على القد و عارفين انهم راحوا ولا جم اخرهم يعيشوا عيشه اهلهم ومش بيتبطروا، اعمل حسابك  تشوف واحده كويسه لاما اشوفلك انا واهل منطقتنا عارفينهم بدل من الأغراب، انت خلاص عديت ال ٣٠ ما ينفعش تفضل اكتر من كده من غير جواز.. ولا انا بقى كلامي صح وانت شايفلك شوفه تاني؟؟ والله العظيم لو حصل يا احمد تعمل حسابك يا انا يا البنت دي في حياتك.

اتسعت عينا أحمد مِمَّا تتفوه به وقبل أن يفقد آخر ما تبقى من عقله نهض وغمغم فيها بعصبية منفعله 

= لا انتٍ خلاص بقيتي بتفكري في حاجات مش بتحصل الا في عقلك بس، انا ماشي احسن واقول لك على حاجه كمان هبات بره.

احتشدت الدموع في عينيها لتنزلق على وجنتيها ثم شفتيها لتقول بصوتٍ واهن بالكاد خرج مسموع 

=يبقى كلامي صح ورايحلها يبات معاها؟ يا رب كرهه فيها ولا هي اللي تسيبه قبل ما يتعلق بيها اكتر.

❈-❈-❈

كانت نانسي تضع اللاب فوق قدمها وتعمل ثم لاحظت صمت زوجها منذ وصوله إلي منزلها، ابتسمت ثُمّ خرجت منها تنهيدة طويلة وهي تتسائل بغرابة 

= مالك يا احمد سرحان في ايه؟ ده انا فرحت ان انت يوم اجازتك هتبات هنا، في حاجه حصلت والدتك بخير .

أغمض عينيه وهو يخفض رأسه بإنهاكٍ حتى أسند جبهته على الأريكة للخلف وهو يهمس بخشونة متحشرجة

= كويسة، بس مش عارف الايام دي مالها بقت مركزه معايا أوي ولا ممكن انا عشان تصرفاتي اتغيرت وبقيت ملفت لكل الناس حتى اصحابي في الشغل مستغربين من اجازاتي و غياباتي المتكرره والتليفونات اللي بقعد اعملها معاكي ونقعد نتراسل عشان نتفق هنتقابل امتى وازاي.

ازدردت ريقها وقالت بصوتٍ خافت متذبذب وهي تشير بيدها

= تعرف ان انا كمان في الشغل برده مركزين معايا في الموضوع ده بس طبيعي لما نكون طول الوقت متعودين على حاجه نعملها و فجاه نعمل العكس هنكون ملفتين زي ما انت قلت للي حوالينا سيبك منهم مع الوقت بكره هيتعودوا على التغير الجديد بتاعنا طالما مش بنعمل حاجه غلط.

دفع الإجهاد عنه ونسيان ما حدث بينه وبين والدته مؤخراً والتركيز مرددا بتلقائية 

= أصلا ماما عماله تزن عليا في موضوع انها عاوزاني اتجوز! و مش فاهم ليه متاكده أوي كده ان في واحده في حياتي ! رغم حاولت اتوه في الكلام لكن ما عرفتش مش عارف كشفاني ازاي ولا انا اللي واضح عشان مش متعود اخبي حاجه عنها 

اتسعت عينا نانسي حتى كادتا أن تخرجا من محجريها ثم صاحت بانفلات أعصاب معترضة دون وعي 

=نعم تتجوز! ويا ترى شفت العروسه ولا تحب اشوفها لك انا؟ آه هو السرح اللي كان من شويه ده عشان بتفكر في كلامها ولا حاجه؟  طب اسمعني بقى احنا صحيح متجوزين مؤقتا بس لو فكرت تعملها صدقني هتشوف وش مش هتحبه انا قلت لك اكتر حاجه بكرهها ان حد يخوني ولا يستغفلني 

عبست ملامح أحمد واعترض وهو يقول مبررا

= ممكن تتكلمي معايا بطريقه كويسه انا بتكلم معاكي بصوت عالي ما قلتلكيش ان هعمل كده أصلا ومش في دماغي! عشان انا متجوز فعلا، ولما قلتلك من شويه كان عشان نفكر في حجه اقولها ليها عشان تبطل تشك فيا مش بقولك ان موافق على اقتراحها 

رفعت يدها تمسح دمعة خائنة كادت أن تخرج من محجرها بينما تقول بابتسامة تداري الألم

= انا قلتلك و انت حر! ولو مستعجل كده أوي تتجوز استنى لما اموت وبعد كده اتجوز براحتك ما انت اكيد مش هتفضل يعني عايش على ذكرايه وهتعمل حجتك تربي الطفل اللي هجيبه 

تمتم الآخر لها بلهفة حارقة عليها

= بعد الشر عليكي!. 

نظرت إليه بأعين مرتبكه لكنها عادت تنظر له بنظرات استهانة، أطلق نفسًا عميقًا مستغفرًا ثم طوقها بذراعيه بحنو وهمس لها بعاطفة وهو مستمتع بتطويق إياها بقوة 

=هو ايه النكد اللي انتٍ فجاه قلبتي علينا ده، يا نانسي انا قلتلك مش هتجوز ومش بفكر في كده أكيد.. وبعدين مش اتفقنا مش هنتكلم على الموت مره ثانيه بطلي بقى التشاؤم ده وجو الكابه اللي انتٍ معيشه نفسك فيه 

ذهلت نانسي بأنفاس متقطعة من كلماته في هذه الأجواء المثيرة للدهشة، ثم أضاف لها بصوتٍ سكنه الشغف والحب لأول مرة

= وبعدين بذمتك حد يسيب القمر ده وافكر اتجوز تاني! انا مش من الرجاله اللي بتحب التعدد ولا عمري هعملها! و يوم ما اتجوزك انتٍ بالذات اعملها مستحيل طبعاً 

تطلعت له باضطراب فإنه يريد غمرها بعض الحنان عن قصد حتى يُسكتها وتستلم لهذا الحنو الغادر بخنوع لتشرد في حياتها إذا تركها بالفعل كي



تعليقات