رواية بين الحقيقة والسراب الفصل العاشر10والحادي عشر11 بقلم فاطيما يوسف


رواية بين الحقيقة والسراب الفصل العاشر10والحادي عشر11 بقلم فاطيما يوسف


في نسمات الليل حيث الناس نيام نلقي أناساً تتضرع إلي خالقها تببتغي عرض حسنة ،وأناسا أخري تلهو وتضيع في معصية الخالق عز وجل ،وأناسا بات همهم أن يستيقظوا مبكراً لأشغالهم الشاقه ،وشتان مابين ذالك وهؤلاء تبدوا الحياه صراع شديد بين الليل والنهار ،

وفي ليلة من تلك الليالي حدث مالايحمد عقباه ولا يخطر علي بال راندا وأبنائها حيث رأوا بأم أعينهم مشهداً زلزل كيانهم وقطع أرواحهم ،

ومنذ أن رأوه وكأن الطير أكل رؤوسهم من شدة الصدمة ،

فتحدثت سما باندهاش واستنكار مرددة لأبيها بعتاب محب أنكر من حبيبه فعلة شنعاء كتلك نزلت علي قلوبهم وأصابتها الرعشة جراء قلبهم البرئ :

_ ممكن تفهمنا يابابا ايه إللي بيحصل بالظبط هنا ؟

خرج ذاك السؤال من بين شفاها المرتعشة مما رأوا ،

وأتبعها مهاب بسؤال آخر مرددا بتعجب لما وصل من رؤية ذالك المشهد إلي قلبه وتيقن أن الأيام القادمة ستمر عليهم حربا لا يفوز فيها أعتي الرجال:

_ اتكلم يا بابا وفهمنا اللي إحنا شايفينه ده إيه ويارب مايطلع إللي في بالي ؟

كل ذلك و راندا وإيهاب كل منهم نظرته تختلف عن نظرة الأخر ،

أما هو فكان ينظر لها مطأطأ بخذلان ولا يقوي علي مواجهتها وكان فقط ينظر إلي تشتت جسدها ، حائرة، مصدومة، غير مصدقة وتكاد تكذب أعينها ،وجسدها أصبح كالنار المشتعلة التي تحمي في بدايتها ولم تنطلق شرارتها إلي الآن ولكنها ماإن تكونت لهيبها بفضل ماوضع فيها من عامل أقوي من البنزين حتي انطلقت مسرعة إليه قابضة بتلابيب قميصه وهي تهزه بعنف ودموعها انسدلت من مقلتيها بدون إرادة منها أو قدرة في التحكم علي عدم نزولها وهي تهتف بكلمتين فقط مع هزتها بعنف لجسده :

_ ليه يا إيهاب ليه !
ليه ليه ليه .......

وتركته وذهبت إلى المنضدة الموضوعة وقامت بقلبها بكل ماعليها من شموع مضائة وأكلات شهية وسكبت محتوياتها أرضاً بحدة بالغة وهي تردد :

_ لاااااااااا مش مصدقة والله إنك تخوني وتجرحني وتعمل فيا كدة ،

ثم أسرعت إلي ابنها وقبضت علي معصمه بأيد ترتعش وسألته بتيهة :

_ قولي يامهاب يابني إني بحلم وإن إللي عيني شافته ده كذب ،

قول لي ياماما إحنا لسه موصلناش علشان نعمل لبابا مفاجأة وإني بحلم بكابوس وأكيد هفوق منه ،

وبدوره احتضنها ولدها وهو يهدهد علي ظهرها بحنان ممزوج بالرعب من حالة والدته ،

وهدأها بكلمات خرجت من بين أسنانه بتوتر من هول الموقف :

_ اهدي ياحبيبتي وإن شاء الله خير اهدي يا أمي .

أما عن سما تلك الطفلة الرقيقة التي رأت مشهداً جعلها تكبر أعواماً عن سنها تقف كالشريدة الضائعة من تطلع عقلها علي حالهم وهم علي مشارف المستقبل الضائع ،

وهي تبكي بغزارة وتحتضن حالها وهي تعيد رؤية ذلك المشهد مراراً وتكراراً منذ وصولهم ،

وكل تلك الأحاسيس والمشاعر التي تبدلت من فرحة شديدة إلي انتكاسة حزن وأسى رهيبة فقط في بضع لحظات من وصولهم إلي مكان أبيهم ،

حيث رأوا منذ دخولهم أبيهم يحتضن سيدة ويتراقص معها رقصتهم الرومانسية ومتناسين العالم من حولهم من سحر اللحظة وتلك المرأة ترتدي فستانا مكشوفا لاترتديه أي امرأة إلا لزوجها ،

وحولهم الشموع مضائة والأدهي مارأوه مكتوباً علي قطعة الحلوي الموضوعة علي المنضدة المقلوبة حالياً حيث كان مشيداً بحروف من لون الذهب :

_ كل سنه وانتي معايا يا أجمل فيروز،
كل سنة وعيد جواز وإنتي حبيبتي وفي حضني ،
كل سنة ودايما مع بعض ومنفارقش بعض أبداً،

عشت معاكي خمس سنين وكأني في الجنة .

منذ أن وصلوا وأعينهم الثلاثة مشططت المكان وما يحويه من كوارث لعقولهم ،

اما هي رددت وهي في أحضان ابنها بلهيب قلب احترق:

_ اتجوزت عليا ياإيهاب!
اتجوزت عليا ياابو  ولادي !
اتجوزت عليا يا عشرة عمري وحب حياتي ؟!

اتجوزت عليا أنا علي راندا المالكي ؟!

وانطلقت الدموع لبكاء وشهقات عالية أدمتهم جميعاً حتي تلك الفيروز التي تقف في موقف مهيب لو كان عقلها استجمعه ألاف المرات ماكان وصل بتلك الهالة والهول ،

انطلق إليها إيهاب وهو يسحبها من داخل أحضان ابنها ويدخلها داخل أحضانه برعب وخوف من القادم مرددا وهو يهدئها بكلمات خرجت من بين أسنانه غير مرتبة :

_ اهدي ياراندا أرجوكي متعمليش في نفسك كدة دموعك بيموتوني وبيقطعوا فيا ،

أرجوكي اهدي وأنا هشرح لك كل حاجة ولازم تعرفي إن عمري ماحبيت ولا هحب ولا عشقت ولا هعشق غيرك ياعمري كله وأيامه إللي راحت واللي جاية .

استمعت تلك الفيروز علي اعترافاته التي خرجت من أعماق قلبه وأحستها بمدي صدقه ،

نعم فالإنسان لا تظهر حقيقته إلا وقت الغضب الشديد وما يتفوه به لسانه هو الحقيقة المؤكدة ولا غبار عليها ،

وتألمت روحها وتوجع قلبها وبات موجوعا تدق أبواب بداية الوجع عليه،

فكان مؤلما حقا لها وهو في بداية وجعه فماذا يكون إحساسه عندما تصل فقط إلي منتصفه فقط ؟
وماذا عن منتهاه ؟

وعندما جال عقلها ووصل إلي منتهاه نطق قلبها:

_يا الهي إنه لموت بالحياة !
وتطلعت بالمستقبل إلي الأمام والأن أدركت أن بداية الوجع بدأت وحروبه اندلعت وأصبحت الأن علي مشارف الفقدان لحبيب الروح مرة أخري ،

وحدثت حالها بصراخ داخلي أرعب خارجها وجعلها تجلس منكمشة علي حالها وهي تنظر إلي جلاديها بعيونهم الآكلة لها والتي تود أن تقتنص الفرصة ليمحوها من حياتهم وكأنها ارتكبت جُرماً ماله من محيص:

_ياإلهي كان في احضاني الآن يعترف لي بأنه احبني وعشقني وانه يُكِنُ لي في قلبه محبه من اخمص راسي الى اسفل قدماي !

أحقا كان يلهو معي لكي ينسى تعب غربته؟!
أحقا لم يحبني و كلماته التي يلقيها على مسامعي ليلا ونهارا كانت سراباً ؟!

أحقا ذلك الانكسار والارتعاب الذي بدا على معالم وجهه من مجرد لحظات زادته  هموم أكبرته أعواماً علي عمره ؟!

يالها من رياح عاتية سوف تحرق في طريقها الأخضر واليابس ،

وأكملت تلك الفيروز حديثها الداخلي المنفرد مع حالها وهي تنظر إلى ذات العيون القوية والطلة البهية التي ظلمتها الصور والتي في حقيقتها تُحلِّي القبيح ولكن مع تلك الراندا حقيقا ظلمتها في الوصف بتساؤل مريب :

_كيف لي ان اواجه صاحبه تلك النظرات القوية وهي في اشد لحظات انكسارها ولكنها كنظرات الصقر الحادة ؟!

كيف لي ان أقف وأصد الهجوم في تلك المعركة وانا وحيدة ضعيفة مكسورة وحتى الحب الذي كنت استند عليه اصبح الآن في نظري اوهام ؟

كن معي يا الله كفى ما جري لي في السنين الماضية والانكسارات المتتالية،

ولكن بعد العاصفة الآتيه لا استطيع النهوض لكي اعود مره اخرى وسأكتب نهاية سعادتي  .

دفعت راندا يديه بقوة من عليها ونظرت اليه نظره انتقام وتحدي وهي تجز على اسنانها من شده تأثرها هاتفة بوعيد  :

_ابعد عني اوعاك تفكر تلمسني تاني او إنك هطول مني حقوق اي زوج على زوجها من بعد اللحظه دي ،

واسترسلت حديثها بتهديد حتما ستنفذه :

_ورب اللي خلق الكون لهندمك على كل لحظة خيانة خنتها لي وانا كنت فيها ام واب وكيان كامل بيحافظ على كيان كامل ،

وحياة من جمعنا من غير معاد لهبكيك بدل الدموع دم على كل لحظه جرحتني فيها وخنت العهد والوعد وانا كنت باقية عليه ،

اتقفلت لعبتك وهقلبها لجحيم اللي هخلي نار لهيبه أقوي من النار الحقيقة.

ثم أولته ظهرها وهي تنظر الى ابنائها آمره اياهم وهي تمسح دموعها بحدة بالغة مرددة وهي تشير ناحية الباب :

_يلا يا مهاب يلا يا سما قدامي على تحت مش قادره اقعد في المكان القذر ده اكتر من كده .

استجمع تفكيره بسرعة وعلى الفور اعترض طريقها ووقف امامها وهو يردد برفض قاطع :

_لو سمحتي اهدي يا راندا احنا هنا في الغربة والأولاد ما ذنبهمش حاجه في البهدلةخ دي عايزين نقعد مع بعض ونتكلم بهدوء زي اي ناس متحضرين .

_اقعد ! وناس متحضرين !... جملة تهكمية ساخرة عقبت بها إليه عقب استماعها لما تفوه به  ،

واسترسلت حديثها باستهزاء وهي تنظر إليهم نظرات سخرية:

_ فين الناس المتحضرين دول اللي انا هقعد معاهم ؟!

انا مش شايفه قدامي غير ذئاب خطفت اللي مش من حقها وسرقته واتغدت بيه وملت قلبها وعقلها بأنه حقيقي ومن حقها ،

مش شايفه قدامي غير مكان جرحي انا ،
مش شايفه قدامي غير مكان اندبحت فيه وبسكينه تلمة ومن مين من اعز الناس ،

واستطردت بنظرات عاصفة لو كانت حقيقية لأغرقت أمتن السفن :

_لا المكان بقي مكاني ولا إللي فيه بقوا مني ،

وهمشي ومش هرجع لو عملت ايه بالذي ياخاين .

فقد قوة تحمله من تعنتها وتفوه بعصبية وهو ينظر إلي تلك الضائعة آمرا إياها :

_استني عندك كفايه تهور بقى لو مش عشان خاطر احنا الاتنين يبقى عشان خاطر الاولاد اهدي بقى من فضلك انا هاخدها وهمشي وهسيبك لما تهدي خالص وبعدين لينا كلام مع بعض ،

يالا يا فيروز البسي هدومك وروحي على شقتك دلوقتي ونتكلم بعدين .

أما هي حينما استمعت الى كلامه معها بات داخلها يغلي غيرة عمياء ستنقلب إلي حقدٍ سيحرقهما جميعاً ،

ورأت أنها من الأفضل أن تقضي تلك الليلة المشؤومة والتي سجلت بها ميلاد جرحها الأول والأخير والأصعب في حياتها ،

وستغادر تلك البلاد غداً بروح مكسورة مقهورة مجروحة ،

وحدثت حالها وهي تحتضن روحها مرددة بآلام عبرت طريق حياتها وأخذت معها الأمال وهم نفس الكلمة في نفس الليلة فقط تبدلت الحروف :

_سلام الله علي الحب الذي ضاع وسط الأفاعي ،
بات الظلام مكاني والحزن زماني وسهم الغدر رماني ،
سلام الله على كياني من حرمانه من الأماني ودمع العين أعماني ،
أما من أصابني بالخذلان وطعنني بخنجر مسموم فلا سلام الله عليه من أجل إحزاني
خاطرة راندا المالكي 
#بين_الحقيقة_والسراب
#فاطيما_يوسف 

_________________________________

في سيارة رحيم المالكي 
استمعوا الى اوامرها بطاعه عمياء وفورا زادوا من سرعتهم الى اقصاها الى ان وصلوا الى سياره رحيم وبقي بضع سنتيمترات فقط على مهاجمتهم الا انه زاد من سرعته بشده كي لا يلحقوا  به وعيونه تمشط الطريق يمينا ويسارا كي يجد مخرجا من تلك الذئاب ،

استمع اليها وهي ترشده بأمل عسي الله أن ينجيهم :

_بص يا رحيم هيقابلك دلوقتي كورنر شمال بيودي لشارع عمومي ادخل منه على طول هما هتلاقيهم مش عارفينه ،

كان الباص اللي بنيجي منه لما يكون الطريق زحمة يدخل يعدي منه علشان نوصل بسرعة .

انتبه الى ارشادها بتركيز وزاد من سرعته حتى وصلوا الى الشارع الجانبي التي ادلته عليه وبسرعة ماهرة عبر منه مما شتت انتباههم ،

ولكن انطلقوا وراءه ولكن لا يعلمون الى متى سيؤدي هذا الطريق بهم هم فقط يتبعونه كي ينفذوا المهمة كما امليت عليهم ،

ولكن افسدت خططهم عندما رأوا انهم اصبحوا على الطريق العام وليس فقط بل وقف ذلك الرحيم  امام قسم الشرطه التابع لتلك المنطقة وهدا من سرعته بل قرر ان يقف ويأخذ هدنته امام ذلك القسم وهم لن يجرؤوا ان يأتوا اليه فهم يرون القسم محاط بعدد لا بأس من الأمناء المسلحين ،

ضغط ذلك الملاحق لهم على التارت الخاص بالسيارة بعنف وهو يلقي السباب اللاذع علي ذلك تع الفارس الذي أنقذها من بين براثينهم ،

مرددا بسباب:

_أه يابن ال.... والله لهحطك في دماغي وماهسيبك بعد النهاردة.

استمعت تلك الشمطاء إلي سبابه وانطلقت بساببها الأخري مرددة إليهم بسخط :

_ اصل انا مشغله شويه بهايم معايا معرفوش يمسكوا حتة عيل لا له في الطور ولا الطحين ،

اعملوا حسابكم هبلغ الباشا الكبير اللي باعتكم ليا وهخليه يوريكم أيام أسود من قرن الخروب .

ضربوا كفا بكف علي سبابها الذي أزعجهم كثيراً وهتفوا بما رأوه :

_ ماهو حضرتك إحنا لو كنا لحقناه  كنا عرفناه  قيمته لكن هو استخدم عقله وذكاؤه وشغله علينا بن الأبالسة وحود من شارع ومشي خطوات وجه وقف قدام القسم ومرضيش يمشي.

قبضت علي معصمها بقوة وعنفتهم بصوتها المملؤ بالجبروت:

_ تصدقوا فعلاً النهاردة عرفت حقيقة المقولة إللي بتقول " مش بالعضلات هتمشي"

المفروض كان الباشا بعتلي واحد عنده عقل مش تيران جسمهم جسم إنسان لكن عقلهم عقل حيوان .

وتابعت حديثها بأمر:

_ المهمة فشلت وقدرت تروح من بين إيديكم ارجع إنت وهو لما أشوف هعمل ايه وهجبها إزاي ياللي منكم للقبر .

وأغلقت الهاتف بسخط وحدة ونظرات غضب وأنفاس متلاحقة من فشلها في المهمة بل قضية عمرها التي تحدت بها نفسها أن تدنس تلك البريئة كي تثبت لنفسها دائما أن تلك الحياة التي تعيشها علي صواب وأن الصح الوحيد هو ما تفعله وأن الثوابت التي تحياها تلك المريم ماهي إلا شعارات كاذبة ،

بل وصممت علي أن التحدي بينهما ونشب المعركة ابتدأ من الآن وحدثت حالها مرددة بانتشاء ناتج عن مرض نفسي داخلها :

_ إن ماخليتك تقولي ياريت إللي جري ماكان يامريم مبقاش أنا ،

وبدل ماكنت هشغلك بالحكمة والهوان هبيعك زي مابتتباع الجواري وأقبض تمنك ملايين أوزعها علي الغلابة ياست الشريفة .

ثم ذهبت إلي مديرة الدار مرددة إليها بخبث وهي تلقي علي مسامعها الشر كما وساوس الشيطان بالمثل وهي تدعي التأثر والفجأة لما حدث:

_ إيه إللي حصل ده يامدام ؟

أنا بجد مش مصدقه نفسي إن مريم دي تعمل كدة وهي عاملة نفسها زي القطة المغمضة ،

وإللي شفناه في الفيديو ولا كأنها من بنات الليل دي طلعت مؤسسة .

كانت الأخري تجوب المكان ذهاباً وإياباً وهي تضغط بكفوف يديها علي بعضهم بغضب وتحدثت باستغراب مغلف بالوعيد:

_ أنا مش مصدقة والله العظيم ان مريم دي تعمل كده دي كانت زي القطة المغمضه بالظبط انا مش عارفه ايه اللي وصلها للحاله دي ،

وتابعت حديثها بوعيد :

_بس مبقاش اعتماد ولا أستحق وجودي في المكان ده لا هجيبها وهبعتها على الأحداث وهخليهم يوروها النجوم في عز الضهر هناك وهي كده اللي دمرت نفسها بنفسها وخسرت مستقبلها .

انخلع قلب الاخري ما إن  ذكرت الأحداث والتي ان وصلت الى غريمتها لم تعرف تنتقم منها ولا ان تستفيد منها بشيء سوى تعذيبها هناك في تلك الاحداث ،

ولكنها عازمه امرها على ان تشوهها كليا ولن تسمح للأحداث ان تصل اليها قبل ان تصل يديها هي اليها ،

واخرجت من حقيبتها دفتر الأموال الخاص بها وسطرت مبلغا داخل تلك الورقة واعطته لتلك المديرة وهي تلقي على مسامعها نصحا وتوهمها بأنها خطأ بل لن تخرج من تلك الدار إلا وهي أقنعتها بما تفكر به :

_اولا الشيك ده مني تبرع للدار انت عارفه انا بحب اعمل العمل الخيري ده كل شهر وبعتبره صدقة عن صحتي ،

ثانيا عايزه انصحك نصيحة من واحده الدنيا علمتها كويس قوي ،

اوعاكي تطلبي الاحداثيات لمريم وتسوأي سمعه الدار وتبقي بين المديرات صاحباتك التانيين اقل منهم في فضيحه زي دي هتسببيها للدار .

انخلع قلب  تلك المديرة من الذي القته تلك الماكرة على مسامعها فهي من اهم اولوياتها منظرها العام والتي لم ولن تسمح ان ينهار وخاصه بين صديقاتها والتي دائما ما تتعالى عليهم بانها ذات الخبرة والعقل السليم الاول بينهم ،

مما كان يشجعها اخذ الدار شهادة الجوده من الدرجة الاولى عن تلك الدور الأخرى كل عام،

وتساءلت لتلك المي بتشوش :

_ طيب أعمل إيه كله إلا إن شهادة الجودة تضيع مني ،
أو سمعة الدار تتلوث دبريني إنتي زي أختي برده ؟

ما إن استمعت تلك الشمطاء إلي كلمات تلك العجوز الرقطاء وهي تنعتها بأختها حتي رددت في عقلها باستنكار :

_ زي أختك يابومة ياللي عزرائيل مش واخد باله منك ياللي بينك وبين القبر زحفة نملة ،
اسفوخس علي ده زمن اللي موقفني معاكي ،

ثم استفاقت من حديث عقلها علي كلمات تلك المديرة وهي تعيد السؤال علي مسامعها مرة أخري هاتفة بتضليل:

_ شوفي إنتي تكذبي إن إللي في الفيديو دي مريم وهعمل معاكي خدمة معتبرة بس سر مابيني وما بينك هبعتلك مهندس الكترونيات إنما ايه جبااااار هيثبتلك إن الفيديو متفبرك وتقدري تاخدي كلامه في التحقيق إللي هيتم وبالتالي تبرايها من التهمة دي قدام الناس ،

وأكملت بتخطيط شياطين وهي تواليها ظهرها وترتسم إبتسامة خبيثة بجانب فمها مرددة بمكر :

_وكل الكلام ده مايخرجش من مجلس التحقيق وأديكي خلصتي من عيلة كانت واجعة دماغك ولا تشغلي بالك بيها ،

بس ليا خدمة عندك .

نالت تلك الفكرة استحسانها وأعجبت بتلك العقلية التي طرحتها وأجابتها بطاعه:

_ اؤمريني ياميوشة ياسكر إنتي ،
ده إنتي عليكي دماغ تتلف في حرير .

سارت خطوات بسيطة ووقفت أمام حوض مزروع بالورد وبدون مراعاة حق النبات وحرمته اقتطفت  زهرة لم تكتمل براعمها  بقسوة وهي تشيد إليها:

_ البنت دي لو جت هنا تاني إبعتيلي وسايسيها وهاتيها علي حجرك وابعتيلي وأنا هتصرف في الباقي من غير مايصيبك أي شوشرة نهائي وده وعد مني ،

ومقابل كدة ليكي مني هدية معتبرة خارج تبرعات الدار نهائي.

تهلل قلب تلك الشريفة طمعا وأجابتها بموافقة علي طلبها تحت ابتهاج قلبها من تخيلها للهدية ،

فركت بيدها الزهرة بكل جبروت بعد أن اشتمت عطرها وكأنها تشبه فعلتها في الزهرة بما تنتويه مع تلك اليتيمة ،

انتهي الحوار بينهما وأخذت حقيبتها وخرجت بهزيمة لأول مرة في معركة دخلتها ولكن توعدت في سريرتها بأن القادمة هي القاضية ولن تتنازل عن وحلها في وكرها المغروسة به ،

ولكن هل ستستطيع أم للقدر رأي أخر فلنري في رحلتنا القصيرة تلك مالذي يخبأه الزمن لصاحباتا القلبين الخبيث والطيب ،

في مكان آخر وبالتحديد أمام قسم الشرطه في سيارة رحيم الذي تحدث الي تلك الحبيبة والذي تأكد من عشقه الوليد لها حين روع قلبه عليها في هذه الليلة التي لم تمضي بعد قائلا بتساؤل بعد أن هدأت قليلاً ولكن سكوتها آلمه :

_ مالك يامريم إحنا بقينا بخير الحمدلله.

_تعبت وحاسة إني عايزة أموت وأفارق الدنيا ... جملة انهزامية عقبت بها إثر سؤاله لأنها تشعر بانهاك قلبها .

أجابها بأريحية:

_ حطي الدنيا ورا ضهرك وكملي وانتي متأكدة ان الرضا بالمقسوم عبادة .

حاولت أن تطمأن روحها ولكن الهموم تلاحقها من كل صوب وحدب وتحدثت بثقل من الهموم :

_ كل لما أحاول أحطها ورا ضهري ألاقيها بتلاحقني لحد ما حسيت إن ضهري انقسم،

وكل مرة الرضا إللي بتتكلم عنه هو إللي بيقوني وأرجع أفتكر حاجات بسيطة من الحلو اللي مشفتهوش في حياتي وأقوم وأنسي ،

وتيجي بعدها الدنيا ترازيني باللي فوق طاقتي .

ابتسم لكي يعطيها أمل وردد :

_ وبتلاقي ربك لما يجور زمانك عليكي يبعتلك نفحة الرحمة إللي بتطبطب علي قلبك وتقويكي.

نظرت له وابتسمت برضا حين علمت مقصد كلماته وتحدثت بدون قصد بكلمات خرجت من فاهها تلقائية :

_ وتبقي أنت نفحة الرحمة إللي ربنا بعتهالي علشان تطبطب علي روحي وتداوي جروحي المرة دي ،

وفي نفس لحظة الأمل والإبتسامة تابعت حديثها بوجع:

_ بس ياترى هتبقي زي نسمة الهوا اللي بتيجي ترطب علي روحنا في يوم شديد الحرارة وبعد كدة تستكين وتمشي واحدة واحدة وتسيبني لأمواج الهوي توديني وتجبني علي كيفها. 

ما إن رأي غشاوة الدموع تلمع داخل تلك العيون ذات اللون السماوي حتي ردد وهو يتعمق نظرا داخلها:

_ متقلقيش مش هسيبك إنتي بقيتي قدري ،

ثم تذكر شيئا ما جعله ابتسم تلقائيا واسترسل حديثه بغمزة :

_ بس تصدقي وسط المعمعة اللي كنا فيها وكنا علي مشارف الموت إلا أنك نقطتي اسمي طالع من بين شفافيك بدون ألقاب وكأنه سيمفونيه رائعة معزوفة بأجمل الألحان .

كان يداعب روحها المنهكة بتلك الكلمات التي انطلقت من فمه مقصودة وكأن مشارف الإعتراف بالعشق الجارف اقتربت .

_________________________________

لم تنتهي تلك الليلة العاصفة بأرواح أبطالنا بعد ولنسرح بعالمنا الي أن نصل إلي صاحبة الوجع المماثل لوجعهم جميعا ،

في منزل باهر الجمال حيث مازالت تلك المحاكمة مرفوعة علي تلك المسكينة ريم ،

وكادت أن تخرج إلا أنه نزل علي مسامعها بكلمات متتالية جعلتها فتحت أعينها علي وسعها من الصدمة وعادت إلى الداخل مرة أخري هاتفا ذالك الزاهر بتهديد :

_ طيب اعملي حسابك ان اللي انا قلت لك عليها هيتنفذ كتب كتابي عليكي هيبقي بعد انتهاء عدتك مش هتخرجي بره حيطان البيت ده يا اما ما لكيش ولا جنيه عندي ولاد اخويا هاخدهم منك وهرفع عليكي قضيه ان انتي السبب في موت ابوهم وهشردك في المحاكم وهاخد منك حضانة الاولاد وهبقى الواصي عليهم ويانا يا انتي يا الزمن طويل .

لو امراه غيرها وفي موقفها استمعت الى تلك التهديدات لهوى قلبها بين قدميها رعبا من تهديدات مكشوف الوجه ذاك ،
ولكن هذه ريم التي تحدث الشاعر احمد شوقي عنها وعن خوضه الحروب لاجلها في بيت الشعر المشهور في ديوانه "نهج البردة "والذي بدأه بالغزل لمحبوبته ريم ثم انتقل في نفس القصيدة التي تصل أبياتها إلي مائة وتسعين بيتا  
إلي مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وتلك عادة الشعراء في ذالك العصر ،

ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ
أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ الحُرُمِ
رَمى القَضاءُ بِعَينَي جُؤذَرٍ أَسَداً
يا ساكِنَ القاعِ أَدرِك ساكِنَ الأَجَمِ
لَمّا رَنا حَدَّثَتني النَفسُ قائِلَةً
يا وَيحَ جَنبِكَ بِالسَهمِ المُصيبِ رُمي
جَحَدتُها وَكَتَمتُ السَهمَ في كَبِدي
جُرحُ الأَحِبَّةِ عِندي غَيرُ ذي أَلَمِ .

فريم الذي وصفها الشاعر هنا في تلك الأبيات ك ريم الجمال فهي تظهر بوجه بريء مبتعد عن اي مشاكل يكفي خيره شره دائما لكن اذا اقترب احدا من أمانها ومأمنها ستسن السيوف وتقف كأقوى المحاربين مدافعه عن كينونتها ولم تخشى في حقها لومة لائم أبداً ورفعت قامتها وردت بكل شموخ وكبرياء :

_والله انت مفكر اني تهديدك ده هياثر فيا ولا هيهز لي شعره واحده من راسي انا ريم المالكي اللي تشم ايديها تشبع مش حبه فلوس هم اللي هيقعدوني في عصمة جبروت زيك حتى لو كانوا ورث ولادي ومن حقي امسك فيه بايدي واسناني لكن لو هيتعارض مع عبوديتي معاكم هنا ويخليني ابدل باهر الجمال بيك يبقى بتحلم .

اندلعت ثورات الشر من كلامها داخله وليس فقط من الكلام بل من قوتها والتي يراها لأول مره منذ ان وطأت قدميها هذا البيت لم يعهدها الا بريئة مسالمة ولكن اليوم عهدها شرسة قوية ولكن لم يستسلم فالحرب ابتدت والبقاء للأقوى ولن ينسى موت اخيه قهرا على يدها وردد وهو يقترب منها ويقف امامها وينظر لوجهها بعيون حاده مرددا :

_قابلي بقى واستعدي علشان هخليكي تيجي ركعه وتطلبي السماح على اللي هعمله فيكي يا بنت ابوكي .

لا تنكر أنها انتفض داخلها وارتعب كيانها ولكن سرعان ماتمالكت من حالها وتحدثت بثبات بدا له أنها أكثر شراسة :

_لما نشوف هتاخد ولادي من حضني ازاي او هتقدر تيجي ناحيتي ازاي؟!

وبالنسبه للورث انا مش فقيرة ولا قليلة اني اقدر اعيش ولادي في مستوى طول عمرهم متعودين عليه لكن برده حق اولادي مش هسيبه لك وحط في بالك الجواز مش هتجوزك لو انطبقت السمع على الارض وولادي خط احمر .

قبضت والدة زوجها علي معصمها بقوة وعنفتها بصوتها المملؤ بالجبروت:

_انتي ايه يا بت القوة اللي فيكي دي، ده اللي اختشوا ماتوا صحيح وصدق المثل اللي قال تقتل القتيل وتمشي في جنازته ،

احنا بقى نجيب ابوكي اللي رباكي ونعرفه إزاي تردي على اهل البيت اللي عايشه في حماهم ونعرفه القصه وما فيها علشان يعرف الست هانم تربية البرنسيسة فريدة ودت ابني لفين بجبروتها ومش بس هم اللي يعرفوا ده اسكندرية بحالها كمان وتبقى بقى هيصة ونلم اللمة تتفرج على اللي قتلت جوزها ،

ولا تجيبيها من قصيرها احسن ومتجرسيش نفسك وولادك إللي هيكبروا والكل بيردد ان امهم كانت السبب في موت ابوهم ،

واستطردت تمدد ملامحها بضحكة هادئة ثم همست في مسامعها بصوت هدر :

_ علشان مش هسيب ولاد ابني يخرجوا برة البيت ده ولا يتربوا بعيد عن حضني .

انتفضت أعينها بحدة وهي تطالع تلك السيدة التي لاتختلف شراسة عن ابنها وهدأت من روعها حين جال الخوف وصال داخلها من الفضيحة التي سيضعونها داخلها وسحبت حالها وصعدت إلي الأعلي صافعة الباب خلفها بملامح وجه مكفهرة ومرتعبة .

_________________________________

في إيطاليا وبالتحديد في مركز أشهر أطباء المسالك البولية حيث يجلس مالك الجوهري يحكي معاناة رحلة علاجه لذلك الطبيب حيث أشاد بتفصيل :

_انا اتجوزت تقريبا خمس سنين بالظبط وفي الخمس سنين دول ما حصلش حمل ولا مره وطليقتي كشفت ما لقيتش عندها اي عيوب نهائيا ولما انا رحت للدكتور بعد تقريبا سنتين قال لي ان العيب اللي عندي بسيط جدا ومع الوقت والعلاج البسيط هخلف طبيعي جدا ،

واستمريت علي العلاج لمدة ست شهور كاملين وبعدين رحت تاني اعمل متابعه مع الدكتور واللي استغرب جدا ان العلاج ما جابش نتيجه وان نتيجه اني اخلف بتضعف كل يوم عن اليوم اللي قبله ،

وغيرنا طريقه العلاج وكل ده موجود عند حضرتك في التقارير الطبيه دي اللي كل مره بتقرير شكل وبعلاج شكل لحد من سنتين بالظبط قال لي ان العلاج بدا يجيب نتيجه وان هو مستغرب جدا من حاله التغير اللامعقوله في حالتي ولما سمعت عن حضرتك كدكتور عالمي قلت اجي المركز هنا واقوم بالفحص الكامل علشان نعرف حالتي ماشيه ازاي بالظبط .

كان الطبيب يستمع اليه بتركيز شديد وردد باللغة العربية الفصحى:

_ لا تقلق سيد مالك سوف نقوم بالفحص الكامل على حالتك ونقوم بعمل التحاليل والاشعه اللازمة ،

وايضا سنقوم بعمل تحليل للجينات الخاصة منذ الولادة الى الآن ولدينا اجهزه حديثه جدا ستنفعنا وتبين لنا الغامض في مسألتك ولكن عليك ان تطمئن ولا تنزعج لأن اخر تقاريرك تفيد بأنك على مشارف الشفاء .

تنهد مالك بتعب بسبب ما المه في السنين الماضيه كرجل شرقي آسي من موضوع يمس رجولته أولاً ،

ويمنع عنه نوع من أنواع زينة الحياة الدنيا وهو البنون ثانياً ،

ولكنه دائما راضي بما قسمه الله له ،

وتحدث الي ذلك الطبيب بتساؤل:

_طيب نقدر نعمل تحاليل والاشعه دي النهارده على طول ولا لازم حاجات معينه اعملها الاول ؟

اجابه الدكتور بعمليه :

_الآن سأقوم بفحصك على جهاز الآشعه اولا ،

وبعدها نقرر ونحدد خطواتنا بالترتيب تمهل يا رجل ولا تتعجل .

وبالفعل فحصه الطبيب فحصا شاملاً وطمأنه على حاله وانتهت الزياره  عند الطبيب بعد أن أملاه بعضا من التعليمات التي سيقوم بها ويأتي بعد أيام قليلة كي يقوم بعمل التحليلات التي تثلج صدره وتطمأنه علي حالته ،

خرج مالك من عند الطبيب شاعراً باطمئنان روحه قليلا ،

وانتوي الذهاب إلي مكان هادئ مفتوح يجلس فيه مع روحه لكي يعطيها قسطاً من السلام النفسي الذي غاب عن عالمه في تلك الأعوام الأخيرة ،

جلس يحدث حاله وهو ينظر إلي اللاشئ بروح منهكة يجوب عقله ذكريات الماضي الأليم الذي أهلك كيانه ولكن كلها إرادة الله فلنرضي ،

وردد بلسان حاله بتعجب :

_ عجيب أمرك تلك الدنيا ألست من حقي أن أعيش سلاما نفسياً دون معافرة !

ألست أنا ممن يشعرون بزينة الحياة دون جهاد وتعب ،

كف عقلي عن معاتبتي لحالي علي حالي واتركني ،

كف قلبي عن مشاركة قلبك في القسوة علي كلي ودعني ،

دعني كي أنهض لكي أعود إلى عهدي مأمنه وسأعيده بفضل ربي حتي لو حاربت ،
فالحرب لأجل أن أبقي سليما كلُّ السلامِ

وأثناء انشغاله بحديث نفسه استفاق علي صوت رنات هاتفه وإذا به يبتسم تلقائيا عندما رأي نقش اسمها علي شاشه الهاتف ،

اعتدل في جلسته وفورا قام بالرد بابتسامه:

_ يا اهلا جوليا هانم أخبارك ايه ؟

علي الجهة الأخري كانت تجلس علي مقعد مكتبها المدار للخلف وتضع سماعة الهاتف "الهاند فري" في أذنيها وتتحرك بالمقعد يمينا ويساراً مرددة بإجابة:

_ fine thanks , 

واسترسلت حديثها بتساؤل:

_ من ساعه ما اتقابلنا المرة إللي فاتت وانت مجتش علشان نتفق على شغلنا مع بعض ؟

أجابها بإبانة :

_ والله كان عندي كذا ميعاد هنا قلت أخلصهم وأنا موجود ،

واسترسل حديثه يبادر بعزيمتها علي الغداء:

_ ايه رأيك تحبي نتغدي مع بعض بكرة ولا مشغولة ؟

كانت تتراقص فرحا بداخلها لأجل عزيمته والتي كانت ستبادر بها قبله إلا أنه فاجأها بها وهتفت بموافقة:

_ شرف ليا طبعا يامالك بس سبني أختار أنا المكان إذا مكانش يضايقك يعني .

فرك في عينيه بإرهاق من تعب اليوم وأجابها بصدر رحب :

_ معنديش مانع طبعا يابرنسيس جوليا .

قال كلماته الأخيرة بنبرة إطرائية جعلتها تبتسم علي ذاك الوسيم الراقي في تعامله ،

والتي لاحظت رقيه منذ المرة الأولى لمقابلتهم معا .

تمددت علي كرسيها باسترخاء أكثر وتابعت حديثها الذي ألفه قلبها كثيرا وأنهته بامتنان:

_ بجد إنت لطيف جداً يامالك وراقي في معاملتك ،

واسترسلت حديثها بتأكيد :

_ هبعتلك اللوكيشن للمكان وهستناك بكرة بإذن الله.

Good night Malek

انتهي الحديث بينهم فحقا كانت جوليا مستمتعه جداً بالحديث معه .

_______________________________

انقضت تلك الليلة الأليمة علي الجميع حيث باتت ريم ليلها دون أن تنام بسلام ،

وباتت راندا ليلة ميلاد جرحها بدموع وآلام ،

وبات مالك ليلته وهو يفكر في حياته وعن ماينتظره بصبر واستسلام ،

أما عن رحيم فقد أخذ مريم معه الي منزله بعد أن حادث والده أن معه ضيفاً سيأتي إلي منزلهم فليستعدوا للقائة ،

وصل رحيم أخيراً إلي المنزل ومريم تمشي بجانبه خجلاً من الموقف ولكن ماذا عساها أن تفعل ،
هي تاركة حالها بيد القدر وليفعل مايفعل بها من تخبطات فرب الكون الذي خلقها لن ينساها ،

فدائما تردد قول الله تعالى " لقد خلقنا الإنسان في كبد" لكي تشعر نفسها دائما انها في امان في وجود خالقها دائما وابدا ،

صعدوا درجات السلم المعدودة وهو يحسها بأعينه على الصعود بأمان فنظرة عينه كفيلة ان تهدئ قلبها من الخجل ،

ضغط على زر الجرس قبل ان يضع المفتاح في الباب لكي ينبههم ان يستعدوا لقدومه وضيفه ،

دخل واشار بيده إليها ان تتقدمه دخلت وهي تومي بعينيها ارضا وهي تلقي السلام خجلا ،

اجابوا  سلامها بكل ابتسامه يتبعها استغراب ،

بعد ساعه تقريبا من حديثهم مع بعض الذي قصه عليهم رحيم منذ بدايه المشكله الخاصه بمريم الى نهايتها فتحدث ذلك الخلوق جميل :

_شوف يا ابني احنا مش هنتكلم في اي حاجه دلوقتي علشان هي باين عليها الارهاق والتعب الشديد وباين كمان ان مشكلتها كبيره جدا لكن بأمر الله يا بنتي ربنا هيقف جنبك وما تقلقيش وطالما جيتي بيت جميل واحتميتي فيه من شر الدنيا هيكون ليكي حصن امين علشان البيت ده ما تعودش يرد السائل ابدا وانت قصدتيه في أمانك وهو مش هيردك أبداً ،

ثم وجه كلامه الى رحيم قائلا له :

_علشان تبقى على راحتها يا ابني وديها المضيفه اللي انا عاملها لاخواتك البنات لما يجوا هما وأجوازهم عشان يبقوا على راحتهم،

واسترسل حديثه وهو ينظر الى مريم بحنو :

_تعرفي ان الفرق ما بين اسم بنتي واسمك حرف الميم بس يعني لو كان عندي بنت تالته كنت هسميها على اسمك يا قمر انتي ،

عايزك تعتبري البيت بيتك وعايزك تروحي تنامي وتقضي ليلتك الآمنه في هدوء علشان خاطر نفكر هنحل مشكلتك دي ازاي وما تقلقيش رب الخير لا ياتي الا بالخير .



البارت الحادى عشر 
أتى الصباح محملا بالأثقال والهموم على ابطالنا  الذين دهستهم هموم الحياه وضغطت بكل قوتها على قلوبهم البريئه وجعلتها دامية ،

في منزل جميل المالكي ظهرا بعد ان استيقظ الجميع وكان اليوم عطلة رسمية ،

يجلسون جميعا على طاولة الطعام يترأس الطاولة جميل وبجانبه فريدة زوجته وفي خط المقابل رحيم وتجاوره تلك التي طحنتها الحياة غدرا ،

حيث ردد جميل الى مريم بابتسامة بانت على ثغره آمرا اياها بلطف :

_شوفي يا مريم يا بنتي دلوقتي تفطري معانا وتعتبري البيت بيتك مش عايز منك توتري نفسك علشان احنا داخلين على مرحلة صعبة في مشكلتك المعقدة دي مع الناس اللي لا تعرف دين ولا رب دول .

كانت تلك المريم في عالم آخر عالم الأسره، العائلة التي حرمت منها منذ أن وعت حالها كائنة تعيش في عالم مختلف عن طبيعة طفولتها والتي كان من حقها ان تعيشها ولكن إرادة الله فقط لا غير ،

كانت تنظر اليهم بعين الاشتهاء لعالم حرمت أن تعيشه طيلة حياتها ،

تود أن لا تتركهم بعد ان عاشت ليلة آمنه لن تعيشها من قبل رغم روع روحها جراء ماأصابها ليلة أمس ،

وما ان وجه جميل الحديث اليها بكلماته الحنون التي عبرت قلبها حتى اجابته بابتسامة هادئه كعادتها تنم عن مدى شكرها وتابعت ابتسامتها بكلمات خرجت خجلا من فمها بصعوبة :

_والله يا اونكل انا عمري ما شفت ولا هشوف ناس زيكم وفي كرم أخلاقكم ربنا يجعله في ميزان حسناتكم يارب.

أما عن فريدة فكانت متقبلة الوضع بثقل علي قلبها فهي من نظرة واحدة من عيونها لولدها أدركت مدي وقوعه في عشق تلك المريم وذلك جعلها تشتعل بداخلها وباتت تحدث حالها علي طاولة الطعام وهي تتنقل بنظراتها بينهم :

_ ياتري ايه حكايتك يارحيم مع البنت دي ؟

النظرات مش مطمنة لها ولا مرتاحة لها ويارب مايطلع إللي في بالي صح علشان لو طلع زي مانا متخيلة كدة هتقلب غم علي راس الكل ،

فاقت من تيهتها علي صوت تلك اليتيمة وهي تمدح في صنع يديها هاتفه لها بشكر :

_ بجد تسلم ايدك يا طنط الأكل تحفة جداً ،

وتابعت حديثها ولمعة الدموع بدت من عينيها مرددة بحنين :

_تقريبا ما أكلتش الأكل ده من زمان من ايام ما كان عندي ست سنين ايام ما كان عندي بابا وماما الله يرحمهم .

انقطع قلب الآخرين على تلك المسكينة من ذكرياتها الأليمة التي فطرت قلوبهم مما جعل تلك الفريدة قلبها يرق لها ويئن وجعاً ،

فتحدثت فريدة معقبة على حزن تلك المقهورة بتهوين على حالها وهي تناولها الشطيرة بحنو :

_طيب خدي قطعة الكرواسون دي الأول ودوقيها وقولي لي ايه رايك فيها وبعدين عيطي براحتك ما انا خلصت من ريم بنتي وعياطها علشان خاطر افوق لعياطك إنتي كمان يا ست مريم .

قالت كلماتها بنبرة فكاهية لكي تري الابتسامة على وجه تلك التي اثرت في قلبها بسبب حديثها الأخير الذي آلمها كثيرا،

وعلى فكاهيتها تحدث رحيم الى التي كل يوم بل كل لحظة تسكن كيانه اكثر من ذي قبل معقبا بنبره إطرائية:

_شوفي بقى ماما في المعجنات تاخد الاوسكار ولا اجدعها شيف معجنات يقدر يعمل بنفس طعامه ايد ماما .

انفرجت اساريرها من تفاخر وحيدها واطرائه على طعامها،

ثم تدخل جميل في الحديث قائلا لها بود:

_شوفي يا مريم يا بنتي من النهاردة تعتبري البيت ده بيتك وان شاء الله لما مشكلتك تتحل مش هنسيبك علشان إنتي دخلت قلبي .

شكرته بامتنان بان على معالم وجهها ثم ابتلعت أنفاسها بصعوبة بالغة عقب ذكره لمشكلتها مرددة بعيون كلها رجاء :

_هو حقيقي ممكن مشكلتي دي تتحل يا اونكل ولا انا كده خلاص خسرت كل حاجه كليتي ومستقبلي ومصيري هتبقى الأحداث لو عرفوا طريقي واللي اكيد هيعرفوه لما اروح الجامعه ؟

حزن رحيم لأجلها كثيرا وحدث حاله بكلمات توجعه عليها:

_ لما كل ذاك الحزن تجمع في حضرتك متيمتي التي سلبتي عقلي وأصبح يفكر بكي كل وقت وحين ؟

قلبي وعقلي وروحي بل وكلي بات متعلقاً بكي وكأنكي أصبحتي منه وبات موجوعا لوجعك ،

وقلبي دقاته تدق أبوابك تارة عشقا وتارة ألماً وتارة شوقاً لرؤيا بسمتك ،

وأجابها  بكلمات بثت الطمأنينة داخلها قائلاً بابتسامة أمل :

_ متقلقيش يامريم مش هتروحي الجامعة إلا لما نشوف حل لمشكلتك دي ولا هتخرجي من هنا من أساسه غير وإنتي في أمان بإذن الله.

أما جميل تحدث ناطقاً بإيضاح:

_ شوفي يابنتي أولاً خلي عندك ثقة في ربك إللي سترك السنين دي كلها إنه مبينساش حد وهيسترك عمرك الجاي طالما فضلتي متمسكة بإيمانك بيه ،

واسترسل بعيناي تفيض حنانا باقتراح لكي يجعل بالها يهدأ :

_ وثانيا بقي ياستي أنا عندي مهندس كمبيوتر عبقري في البنك هعزمه هنا علي فنجانين قهوة وهنعرض عليه مشكلتك من البداية وأنا عندي ثقة فيه بعد ربنا سبحانه وتعالى هيقدر يوصل لحل يرضينا كلنا وربنا إن شاء الله هيسخر لك جنوده إللي هتحفظك وترعاكي .

واستطرد وهو يقوم من علي طاولة الطعام بدعابة:

_ أنا شبعت الحمدلله وعايز أشرب قهوتي من إيدك ،
قولي لي بقي بتعرفي تعملي قهوة ولا فاشلة في المطبخ ؟

ابتسمت بإشراقة علي دعابته وقامت من مكانها وهتفت باستئذان  من فريدة وهي تنظر لها وتشمر عن ساعديها باستعداد:

_ طبعاً ده أنا أصلاً أحلي حاجة بعملها القهوة ،

بعد إذنك ياطنط أقتحم مطبخك وأعمل لعمو جميل فنجان قهوة ؟

أشارت إليها فريدة قابلة بدعابة مماثلة لجميل:

_ اتفضلي ياحبيبتي هتريحني والله من طلبات القهوة والشاي إللي مش بتخلص الساحة ليكي وورينا شطارتك ؟

هرولت مريم بنشاط كي تصنع قدح القهوة لجميل والشاي لها و لرحيم وفريدة بعد أن سألتهم عن مشروبهم المفضل بعد الطعام ،

نظرت علي أثرها فريدة وهي تتنهد بتعب من صراعها الداخلي لتلك المريم ،

فهي في صراع بين قلبها وعقلها في معضلة تلك الفتاة التي اقتحمت حياة ولدها ومن ثم حياتهم ،

ويبدو لها أنها ستعاني كثيرا من ذاك الصراع فالعقل يرفض وجودها بينهم والقلب يأمره أن يصمت ،
وبين صراع العقل والقلب أرواحا تنهك مشقة وكبد ليس لهم نهاية ،

بعد مرور عشرة دقائق خرجت إليهم بآنية المشروبات ووضعتها أمامهم وأعطت كل منهم كوبه وعلي الفور تذوقوه وحقا كانت بارعة في صنعهم ،

واستاذنت منهم أن تخرج إلي حديقة المنزل تتنفس هواها الذي يشعرها بأنها دون أوامر أو قيود ،

فأذنوا لها بكلمات أشعرتها أنها صاحبة منزل مثلهم ولها مطلق الحرية تفعل كما تشاء ،

خرج معها رحيم معللاً بنفس حجة مريم ولكنه بداخله يريد التحدث معها بمفردهم فهي صارت تشغل حيزاً كبيرا من تفكيره بل أصبحت كل تفكيره ،

خرج الثنائي الهادئ متخذين المقاعد الموجودة مجلسا لهم

وبعد أن استقروا ردد رحيم متسائلاً بوجه بشوش:

_ عرفتي تنامي امبارح ولا قلقتي زي كل يوم ؟

تنهدت بتعب وصدر محمل بالهموم عما يجيش في كل حواسها من هواجس وخوف جراء ماحدث لها وهتفت بحمد :

_ جدااااااااااا الحمدلله بقالي كتييير منمتش بعمق كده ،

واسترسلت حديثها بتذكر :

_ بس خايفه وبحلم بيوم ضياعي اللي مستنيني أوووي يارحييم .

انقبض قلبه بالدقات لشعورين متضادان شعور الحب الذي أصابه عندما نطق لسانها اسمه كأعذوبة خرجت من بين شفتيها ،

وشعورا آخر خوف وحزن علي أمانها التي افتقدته وهي زهرة بريعان شبابها تحزن كل ذاك الحزن ،

شعورين في آن واحد بدقات واحدة لكن دقاتهما مختلفة كليا عن الأخري ،

فنظر لها بأعين تفيض حنانا كي يطمأنها ويهدأ من روعها :

_ عايزك تطمني قلبك وبالك وتستجمي كدة علشان أنا مش هسيبك أبدا وهفضل جمبك يامريم .

دقات قلبها أعلنت الطبول علي حديثه الحنون وعيونها صارت تنظر له بتعجب وحيرة ،

وأفلت لسانها بسؤال نابع من قلبها دون أن تحسب له حسبان :

_ ممكن أعرف إنت بتعمل معايا كدة من باب الشفقة والعطف ؟

انتابه شعور حزن مغلف بالكبرياء علي شخصها،

وعلي تفكيرها بقلة لكونها في نظره أغلي من أي ثمين ،
وانطلق لسانه معبراً عن قلبه بدون حسبان للمنطق ولا العقل ولا حتي الأشخاص فقط نطق لسانه عما يجيش في صدره هاتفا بعاطفة احتلت قلبه منذ أن عرفها :

_ يمكن علشان مشدود ليكي وحاسك مني !
أو يمكن علشان قلبي وكل كياني بقي حاسس إنك مسؤوله منه !

أو يمكن علشان حبيتك يامريم مثلاً.

هنا امتنعت عقارب الساعة عن الدوران إجلالاً لما نتج من اعتراف العاشق الولهان لتلك البريئة النسمة الرقيقة التي امتلكت الوجدان
وغاصا الاثنان بنظرات العيون ناسيين الظروف والزمان والمكان ،

رأي تيهتها وسمع نبضات قلبها وود لو يسحقها عشقاً داخل أحضانه وينسي كل شئ كي يغدقها بالحنان إلا أنه شدد علي يديه أثر المشاعر التي اجتاحته من اعترفه ونظراتها الخجلة وتوترها وتغير لون وجهها إلي الأحمر القاتم ،

مرددا لها بوله :

_ ياه مكنتش أعرف أني لما أعترف لك باللي حاسس بيه إني هسمع ردك من دقات قلبك ،

واسترسل بابتسامة عاشق:

_ وصلتني إجابتك ياروما واعملي حسابك ده إسم دلعك إللي هناديكي بيه بعد كدة ،

قال تلك الكلمات وقام من مكانها كي يترك لها مساحة لخجلها وتوتر مشاعرها ،

وما إن تركها وغادر المكان حتي وضعت يداها علي قلبها تهدأ من دقاته التي انتباتها عقب اعترافه الصريح الذي لم يكن بالحسبان ،

وحدثت حالها بانبهار وهي تناشد كلها معبرة عنه بكلمات خرجت من قلبها :

_ كأن خالقي اعتراني برحمته ورزقني الحب الذي يسكن كل جوارحي ولساني كان عاجزاً عن الإعتراف به !

كأن قلبي وعقلي وروحي سيفرحوا والفرج الآتي سيعبر حياتك مريم ،

يا الله كم كريم لطفك وكم عظيمة منحك وكم رائع عوضك وجبرك لي ياالله .

ولكن هل جبرت مريم أم للقدر رأي أخر ؟

_______________________________

في منزل باهر الجمال عصراً 

حيث قضت ريم ليلتها وكأنها تلتوي علي جمر النار مما حدث لها أمسا فمن لحظتها تبدلت أحوالها وصار الألم أضعاف، ألم رحيل زوجها الذي مازال يعتريها وألم الطوفان الآتي الذي ستواجهه امام جيوش العناد والتحدي ،

من ليلة أمس وهي تفكر في حل لتلك المعضلة دون أن يمس سمعتها خدشا واحداً وياليتها السمعة فقط بل مستقبل وجود اولادها تحت وصايتها مهدد بالبقاء معها ،

ورأت أن تهاتف والدتها كي تأتيها علي الفور وستقص عليها كل الأمر ،

فهي خجلة جداً من والدها أن يعرف ماصدر منها وخاصة أنه كان يحب باهر حبا جما ،

وبالفعل أخبرت والدتها بالمجئ إليها لأمر هام وأبلغتها أن تأتي علي الفور مما استدعى ذلك قلق فريدة طيلة الطريق ،

وبعد نصف ساعة بالتحديد أتت إليها وصعدت إلي الطابق الذي تمكث به مباشرة كي تطمئن علي غاليتها وما إن وصلت حتي وجدت ريم في حالة يرثي لها من القلق وشحوب الوجه البائن علي معالم وجهها ،

أدخلتها ريم وجلسن في غرفة الاستقبال كي لا أحداً يسمعها من الخارج وخاصة الخبيثة التي أوقعتها في تلك المشكلة ،

فتحدثت فريدة بملامح وجه مكفهرة ومرتعبة مرردة :

_ مالك يا بنتي فيكي إيه وشك أصفر وحالتك حالة ؟

أخرجت تنهيدة حارة وأنزلت بصرها وأردفت قائلة بنبرة محملة بأثقال من الهموم :

_ أنا في مصيبة كبيرة أوي ياماما ومش عارفه أعمل ايه وأتصرف إزاي ؟

انخلع قلب الاخري وباتت معالم وجهها هلعا من كلمات ابنتها ووضعت كلتا يديها على صدرها متسائلة بهلع:

_ مصيبه إيه ياريم كفي الله الشر يابنتي رعبتيني .

_أمال أنا أعمل إيه ياماما أعمل إيه.... كلمات خرجت بطريقة مرعبة وهي تدق بكلتا يديها علي فخذيها وتلتفت يميناً ويسارا ودموع عينيها تنهمر رعباً ،

واسترسلت حديثها بإبانة وهي تمسح دموعها بحدة :

_ هحكي لك كل حاجه ياماما بس أمانه عليكي ماتعملي زيهم وتحكمي عليا حكمهم .

نظرت لها بتمعن منتظرة تكمله حديثها وقررت أن تصمت حتي حتي تستمع إلي شكوي ابنتها ،

وقصت ريم علي مسامع والدتها ماحدث من البداية وما إن انتهت حتي حكي حالها عن شعورها ،

فقد عثت في جوفها حرباً  شعواء أشد من أن تتحكم بها ومن أن تقاومها وهدرت بها باستنكار:

_ قال لك يالشغل يا أنا ورديتي عليه كدة !

زاغت أعين الأخري من استنكار والدتها وبات داخلها ينتفض رعبا الى ان استمعت الى هتاف والدتها وهي تتابع حديثها المحتد وتزجرها بعنف :

_من امتى وانا ربيتكم على كده؟!

من امتى وانا ربيتكم تقفي قدام جوزك الند بالند ومستوى المناقشه يبقى بالانحطاط ده؟!

انسدلت دموع الاخرى من مقلتيها بغزاره ولم تخشى نزولها امام والدتها فهي بالنسبه لها الام والاخت والصديقه رغم شدتها في التعامل معهم الا انهم يثقون في ارائها لأبعد الحدود وما ان علمت غضب والدتها حتى انهار داخلها وباتت تلومها لوما شديدا واجابتها بارتعاش :

_والله يا ماما الغضب عماني ساعتها والشيطان دخل بينا واللي حصل حصل ولومك وعتابك ما لهوش لازمه دلوقتي .

قامت والدتها من مكانها وهي تجوب المكان ذهابا وايابا وتضغط بكف يديها بعنف مما استمعت اليه من صغيرتها وهي تردد بملامه مغلفه بالاحتدام :

_ما هو علشان انا ربيتكم على المناقشه المتحضره طول حياتكم مش مصدقه ان إنتي عملتي كده,

واسترسلت حديثها بتذكير:

_ده انا لسه من كذا شهر حاكيه لك على بنت صاحبتي اللي اجبرت جوزها على انه يكتب لها البيت باسمها علشان مخلفه بنات عشان لو حصل حاجه في اي وقت ما حدش ياخد البيت منهم وشدت معاه وغضبت وسابت له البيت وهو من الحسره ان هي عملت فيه كده ومعاه كده واستعجلت اجله ومات ودلوقتي بتبكي بدل الدموع دم وبتلوم نفسها تقومي إنتي تعملي كده يا ريم؟!

وضعت الأخرى  وجهها بين كفوف يديها وهي تشهق شهقاتها العالية التى تدمي لها القلوب من ملامه والدتها الغير متوقعه مما جعل قلب فريده يئن وجعا لصغيرتها وعلى الفور ذهبت اليها واخذتها بين احضانها وهي تهدئ من انهيارها بكلمات الام الحنون :

_خلاص يا بنتي اللي حصل حصل وما تزعليش من كلامي اللي قلته لك انا بعتب عليك علشان الأم مرايه بنتها، استنكرت عليكي انك تعملي عامله زي دي ما تليقش بريم المالكي ولا برقتها ولا بأدبها ولا بأخلاقها ابدا .

وظلت بين احضانها تستمد منها الحنان والعون حتى هدات بعد فتره متسائله لوالدتها وهي تنظر لها بعيون ممتلئه بالدموع التي اصبحت طريقها:

_طيب اعمل ايه دلوقتي يا امي في المشكله اللي انا فيها دي انا لا يمكن اتجوز زاهر ده ابدا ولا يمكن اعيش مع راجل غير باهر الله يرحمه .

هنا جالت فريده بتفكيرها وبدات تفكر في حيثيات الموضوع من جميع الاتجاهات وهي في حيرة شديدة حتى نطقت بنصح لابنتها بما راته صالحا لها :

_وفيها ايه لما تتجوزيه بعد ما تاخدي هدنتك في الحزن على جوزك هو عم ولادك وهو اولى بيكي من اي حد ،

وتابعت نصحها بارشاد امين:

_انا خايفه عليكي لما يملوا ولادك بالكلام اللي قالت لك عليه حماتك وابنها لما يكبروا مع الأيام وابنك الكبير بقى بيستوعب دلوقتي ،وهما قادرين واحنا ما لناش في سكه الردح بتاعتها ابدا يا بنتي .

قالت تلك الكلمات التي نزلت على مسامع تلك المسكينه مزقتها وكأنها سكاكين حاده مزقت اشلائها الى قطع واصبحت في انهيار من كلام والدتها ادى بها الى الاغماء على الفور .

________________________________

 يجلس مالك في الباخره مع جوليا مستمتعا باجواء البحر وينظر له بشرود الى ان اتاه صوت تلك الرقيقه التي تنظر له باعجاب مردده :

_ممكن اعرف سرحان في ايه هو البحر قد كده بيشدك وبيخليك تحكي له بعينيك كل حاجه وناسي ان انت معاك جوليا ملكه جمال روما ؟

قالت تلك الكلمات الأخيره وهي تشير على حالها بتفاخر ممزوج بالمداعبه .

ضحك بشده من طريقتها التي كانت تحكي بها ولكن ما إن فكر في تساؤلها حتى اجابها بعمق وهو ينظر الى ذلك البحر من جديد :

_تعرفي ان البحر ده عامل زي الدنيا بالظبط ساعات تلاقيه هادي وهدوئه يخوف وساعات تلاقيه مثير واثارته تحسسك اننا عايزين  ننط جواه ونعوم لكن لو ما عرفناش نعوم بمهاره نغرق ونتوه في ظلمات بحر الغدر .

كانت تستمع الى كلماته بانتباه شديد كل حرف نطق به احست ان وراءه اوجاع لا مثيل لها فمنذ ان راته مجسدا امامها بعد ان كانت تتابع اخباره على مواقع السوشيال ميديا فكانت منتظره لقاؤه فهي كانت ترسل له دعوة سنوية وفي كل مره منذ ثلاثه اعوام تود ان تتحدث معه ولكن تتراجع الى ان اتخذت الخطوة في هذا العام وعزمت امرها ان تريح انشغال بالها الدائم به وهتفت بجبين مقطب :

_انا حاسه ان كلامك وراه وجع كبير قوي وبالرغم من كده الا انك بتداري وجعك بحرفية ورا الابتسامة اللي انا شايفاها على وشك وانت بتحكي وجعك دلوقتي اللي استشفيته من كلامك ،

واستطردت احاسيسها وهي تطلب منه برجاء :

_ممكن نخرج بره دايره الشغل خالص وتحكي لي ولو حاجة بسيطة من وجعك واعتبرني صديق مقرب وانا كلي اذان صاغيه .

اتته الفرصه كي يخرج ما في صدره من هموم واثقال ما كان يحبب ان يحاكيها الى احد من قبل,

احس بالارتياح الشديد من حديثها ومبادرتها بأن يقص عما في صدره كي يهدا ،

وبالفعل انطلق في الحديث عما اتعبه في حياته بالتفصيل مما جعلها تشعر بوجيعته وقلبها يدق حزنا لحبيب السنين المبهم في قلبها فقط ولم تبوح به لمخلوق  قط ،

وفي نهايه حديثه اشاد وهو مشبك اصابع يديه ببعضهما مرددا بإبانة :

_ وحالياً عندي ميعاد مع الدكتور بكره للتحاليل والآشعة اللي انا عملتها وهيطمني ان رحلة علاجي انتهت ولا لسه .

تنهدت بعمق وتحدثت بابتسامه هادئه:

_هتطلع ممتازة وهتخف وهتبقى ميه ميه بس انت قول يا رب ،

واسترسلت بتساؤل:

_ده انت شلت كتير قوي ازاي قدرت تستحمل كل ده؟

_كنت دايما بصبر نفسي واقول يا جبل ما يهزك ريح عشان اقدر اقاوم واعيش..... اجابها مالك  بنبره انهزاميه تنم عن مدى تعبه النفسي.

تابعت تساؤلاتها بحيره:

_بس انا اسمع ان الست المصرية اصيلة وبتقف جنب جوزها وعمرها ما تسيبه في ظروف صعبة زي ظروفك؟

ضحك بسخرية من براءة حديثها وأجابها :

_كتير جدا من الستات المصرية بيقفوا جنب أزواجهم ولسه الدنيا بخير بس جت مع العبد الغلبان والنداله كانت  واخده حقها معاه قوي ،

ثم استنشق زفيراً طويلاً وهي ينهي ذاك الحوار المؤلم لروحه :

_ممكن ما نتكلمش في الموضوع ده تاني عشان بجد بيتعبني اي نعم انا ارتحت لما لقيت حد خرجني اللي في قلبي بس عايزك ولا كأنك سمعتي حاجه .

بابتسامه مشرقه بانت على معالم وجهها اجابته:

_ تمام مستر مالك ،

وبنظرة كلها رجاء أكملت باهتمام:

_طيب ممكن اروح معاك مقابلة الدكتور بكره ده ان ما كانش يزعجك ؟

 
دقق بالنظر داخل عيناها بترقب شديد لطلبها الغريب الذي جعل دقات قلبه تسأل قبل منطق عقله ونطق باستفسار :

_ قد كدة أنا بقيت مهم لدرجة إنك تروحي معايا جلسة دكتور ؟

تراجعت باسترخاء على المقعد وهي تربع ساعديها باستمتاع اتاها من اعجابها باستفساره واجابته بعيناي راجيه:

_ممكن اه وممكن اكتر شويه بس ارجوك نفسي اشاركك في لحظاتك اللي انت موجود فيها هنا وابقى واقفه جنبك وما تسألنيش ليه لأني انا حاسه اني عايزه اعمل كده .

زاده حديثها ارتياح شديد اكثر من ذي قبل واجابها بموافقة:

_تمام هعدي عليكي بكره ونروح سوا وان شاء الله يطلع وشك حلو عليا .

وظلا يتحدثان مدة من الوقت لم يشعروا به طيلة حديثهم الى ان احسوا بالتأخير وانتهو من جلستهم مودعا بعضهم البعض الى اللقاء غدا ،

وفي اثناء سير كل منهم في طريق عودته الى مكان مأواه حدث مالك حاله بتساؤلات كثيره جرت في عقله وقلبه بل وكل جسده كان متفاعلا مع تساؤلاته :

_ماذا ورائكِ يا تلك الجميلة الرقيقة التي لم ارى في رقتها امراة قبل ،

أمن الممكن ان اصدق حدسي فيما يفكر به ويتوقعه!

أمن الممكن أن تصبحي انتي ونيسة الأيام وجليسة الليالي القادمة وجبر قلبا معذبا طيلة حياته!

حقا لو اصبح كذلك لكأن الله سيعوض حرماني اضعافا مضاعفة ،

اما هي كانت تسرح بخيالها في عالم السعادة اللامتناهية من مجرد تقدم بضع خطوات من عشقها المختزن داخلها والتي لا يعلمه احدا سواها وهي تتسابق مع الطرقات بسعادة بالغة ،

انتهى اليوم على الجميع بمأساته للبعض وبالجبر والعوض للبعض الاخر ،

في اليوم التالي اتى الصباح محملا بالأمل والتفاؤل على الجميع وخاصه مالك الجوهري الذي ارتدى ملابسه الكاجوال والتي كانت عباره عن بنطالا من اللون الازرق القاتم وقميصا باللون الابيض الزاهي وارتدى ساعته ونظارته الشمسيه فكان حقا وسيما ،

وهاتف جوليا بأنه قادم اليها وهي كانت في انتظاره بسعادة بالغة،

 تقابلا كل منهما ومر الوقت سريعا وهم في انتظار نتيجه التحاليل والتي ما ان اتت الممرضه بها  استمع الى نداء دوره وعلى الفور دلفا الاثنين الى غرفة الطبيب الذي كان مهتما بفحص التحاليل جيدا وما ان انتبه الطبيب لوجودهما حتى تحدث بابتسامه :

_ لقد اخبرتك من قبل سيد مالك ان رحلة علاجك اوشكت على الانتهاء وتلك التحاليل اثبتت ذلك ،

ثم تابع حديثه وهو ينظر له باستغراب عما راه في تحاليل الجينات :

_ولكن شيئا ما في تحاليل الجينات اريد تفسيره منك سيد مالك؟

ابتسم مالك وجوليا بعد ان طمأنهما الطبيب على اقتراب شفائه والذي اكده الطبيب بأن بضعا من الأدوية التي سيعطيها له ستنهي الأمر تماما وسيحيا حياة طبيعية كأي رجل 

اما جوليا امسكت بكفاي يديه وقبضت عليهما بشده وهي تبادله الابتسامة النابعة من قلبها الجميل ،

وما ان استمع الى تساؤل الطبيب حتى قطب جبينه باستغراب واشاد مرددا:

_ما الذي يحيرك في الأمر سيدي الطبيب ؟

قص عليه الطبيب ما راه وما ان استمع اليه حتى بات دقات قلبه عنيفه شديده وصوره اعينه زائغه من شده ما سمع ونزل على قلبه والذي كان عبارة عن استغراب حقا :

_بدا لي في تحاليل الجينات انك منذ اكثر من أربعة اعوام تتناول عقارا يؤثر على الإنجاب والذي يسبب العقم مع مدار تناوله على مدى العمر ومع تناول تلك العقارات كنت تتناول اخرى مضادة كيف ذاك الطبيب الذي يتابع حالتك ان يضرك بهذا الشكل سيد مالك ؟

العبارات صادمة والقلوب ترتعش والعيون تنظر بغموض والنفس الأمارة بالسوء بدات تتناول تفكيرها ،

وبعد تلك العبارات ايضا اصبحت الأنفاس متسارعة والأفكار متضاربة والجسد مشتعل والهواء بدا ينعدم كل ذلك شعر به مالك وقسمه الى اشلاء بدات تمزق داخله وخيوط عقله بدات تتزاحم وتفكر فيما مضى وترتب لما هو ات والذي لا يبشر بالخير ابدا 

_______________________________

في مدينة الإسكندرية في أحد الكافيهات تجلس هند زوجة زاهر الجمال مع إحدي صديقاتها وهم تحاكيها بانزعاج وتنفث غضباً  وتهز قدماها عنفاً قائلة بعيون تنطق حسرة:

_بقي أنا إللي ينطبق عليها المثل "جيت تصيده صادك " وحفرت الحفرة إللي قعدت أخطط لها قد كدة وفي الآخر وقعت فيها أنا !

واسترسلت وهي تستشيط غضبا جما :

_ ده أنا لبست في الحيط واتعورت بالجامد أوووي ولسه مش قادره أفوق وجيت أكحلها عميتها.

كانت صديقتها تكتم ضحكاتها علي طريقة هند المضحكة للغاية وعلي تعبيرات جسدها أيضاً ،

ورأت هند تلك الضحكات المكتومة علي وجهها مما جعل غضبها يزداد وقذفتها بعبوة المناديل الورقية وقامت من مكانها وهي تنهرها بحدة :

_ تصدقي بالله إنك معندكيش دم ولا إحساس أنا شايطة وبولع وإنتي قاعدة تضحكي عليا ،

أنا إللي غلطانه إني جيت أشتكي لك أوجاعي وانتي عارفه إنك الوحيدة إللي بحكي لها كل اللي يخصني ،

وبنظرات لوم أكملت وهي تسحب حقيبتها :

_ أنا ماشية ومش عايزة منك حاجة .

انتفضت الأخري وأمسكتها من يدها وهي تبدي علي وجهها وبعباراتها علامات الندم والأسف:

_ خلاص اقعدي ماتزعليش ومتبقيش أفوشة كدة ،

والله طريقة كلامك وأمثلتك إللي بتقوليها هي إللي موتتني من الضحك ،

نزعت هند يدها وهي تزجرها :

_ بردوا تاني ! إنتي عايزة تنقطيني يابنتي والله العظيم.

هدأتها صديقتها وتحدثت بجدية تلك المرة :

_ يعني أعمل لك ايه !
ياما نصحتك وقلت لك ملكيش دعوة بيها واستري عليها من باب لاتجسسوا وانتي دايما حاطاها في دماغك ومصممة تركيبها الغلط قدام الكل من زمان ،

أهي اتقفلت عليكي زي الضمنة وريم بتخاف علي سمعتها جداً وبتخاف علي ولادها وبصراحة جوزك وحماتك مسكوها من ايديها إللي بتوجعها وكنتي إنتي الحبل إللي قعدتي تشدي فيه بكل عزمك علشان يخنقها فخنقك إنتي قبلها .

تشعب الغضب برأسها وتكاثر بلا رادع وهي تتوعد بأيمانها اللامتناهية لغوا وخرج من حلقها كلمات لاتبشر بالخير أبداً:

_لا والله ماهيحصل طول مانا عايشة علي وش الدنيا ومش هسيبه يتجوزها وتخلف منه الواد وتلم الليلة هي وولادها ولو وصل الأمر إني أخفيها من علي وش الدنيا هخفيها كله إلا تعب السنين في النكد إللي انا عايشاه معاه وملامات أمه وكيدها ليا بأني أم البنات وإن الماعون بتاعي مش علي كيفها .

نظرت لها صديقتها بعيون ممتلئه بالاندهاش من حديثها ورددت باستنكار:

_ هو الأمر وصل معاكي لحد القتل وتموتي نفس وتضيعي وتضيعي بناتك معاكي!

هو إللي في دماغك ده ايه مخ ولا لأ مؤاخذة   يعني فردة بلغة ،

وتابعت عتابها وهي تحاول إرهابها:

_ والله ياهند لو عملتي اللي في دماغك لاهتخسري بيتك وبناتك وفوقيهم عمرك ،

فوقي ياهند أنا والله العظيم خايفة عليكي وبنصحك لله إنتي كدة بترمي نفسك في التهلكة بكامل إرادتك .

ضربت هند بكلتا يديها علي المنضدة بعنف شديد وبعيون تشعلل حقداً وكرها أردفت :

_ يعني عايزاني أعمل إيه أسيبه يتجوزها وتخلف منه .

نظرت لها باستنكار واجابتها باستخفاف:

_تصدقي وتؤمني بالله يا هند انتي تنفعي تطلعي تعملي برنامج اسهل طريقه لعمل من الحبة قبة ،

واسترسلت حديثها وهي تلوي فمها اعتراضا على طريقتها :

_يا ماما شيلي الموضوع من دماغك وركزي في بيتك وفي بناتك وازاي ترجعي جوزك لحضنك وسيبيك انك تركزي في حياه غيرك الكلمتين اللي بغنيهم لك كل يوم ،

ولما تعملي كده ربنا هيصرف عنك كل شر يا اما كده يا اما النار هتلسعك الأول قبل ما تحرقي بيها غيرك .

حديثها لم يجدي نفعا فرأسها يابسا متيبسا والغل والحقد متصاعد على وجهها يراه الاعمى،

ورأت ان الكلام معها سيشتتها عما تفعله فقررت انهاء الحديث في ذاك الموضوع ولتخطط وتعيد حساباتها ولكن تواعدت في داخلها ان تلك المره ستنالها فوزا وبالتاكيد ولن تستسلم .

_______________________________

ولنسبح بخيالنا الى دبي الى المغدور بها راندا المالكي وما حدث لها من صدمه جعلتها يوما كاملا حبيسة الغرفة وابنائها يبكون بدل الدموع دماء على اسره تفككت ومستقبل مهدد ونفوس لم تعد تأمن بعد ذلك،

كانت تجلس امام حقيبه سفرها وهي تتطلع الى الملابس الجديده التي اشترتها خصيصا لكي ترتديها لمن كان عزيز القلب والروح،

وعقلها بل وكل كيانها سائر ،حاقد ،رافض ،كاره، وسيدمر بل سيعصف انتوت بداخلها حربا اعلنتها على الجميع ولن تنظر لأي كائن غير كرامتها فتلك هي راندا عنيدة من الدرجة الأولى ولن تتهاون في حقها  قط ،

غضبها كالعاصفة الشديدة التي اودت بسفينة متينة لم تقدر عليها الرياح واغرقتها العاصفة ،

كانت جليسة الغرفة تدور بأعينها فقط وتحسب بعقلها الاف الحسبان لما سيكون،

اما عن ايهاب في حاله يرثى له ،
فقد تركها اليوم كاملا لكي تهدا كما في مخيلته وعاد اليها الآن محتضنا ابناؤه وهو ينثر عليهم قبلاته واعتذاراته وبعد ان هدأ من روعهم قليلا قرر مواجهة العاصفة وليكن ما يكن ،

طرق على الباب ولم يستمع ردا منها رغم توالي الطرقات وفي النها قرر وعزم الدخول وما ان راته حتى اندفعت من مكانها ،

وبمجرد أن رأته اندفعت إليه لتشن حروب أفعاله فوق رأسه بتمرد أنثي وكبرياء دهس بالأقدام مرددة بصراخ :

_انت ايه اللي جابك هنا يا بني ادم انت!

 انت لسه لك عين تقف قدامي وتتكلم اتفضل اطلع بره وما اشوفش وشك هنا تاني لحد ما اسيب لك الدنيا كلها وارجع مصر اتفضل ،

قالت كلماتها الأخيرة بحدة بالغة وبصراخ سمعه ابناؤها في الخارج مما جعل دموعهم تنزل بغزارة على وجوههم ويحتضنون بعضهم البعض خوفا ورعبا،

راعى ايهاب غضبها ولم يحزن داخله لطريقتها البالغة الحدة فهو من نصب الليلة بأكملها وعليه ان يتحمل نواتجها فتقدم منها بخطوات بسيطه خوفا من غضبها قائلا باستسماح:

_ارجوكي يا راندا اهدي ما تعودتش منك على القسوة دي معايا انا عايزك بس تسمعيني مش عايز اكتر من فرصة واحده بس تديها لي علشان اصلح غلطي.

انتفضت أعينها بحدة وهي تطالع صاحب طعنتها وباتت نطراتها شرسة وتجز على أسنانها بحدة كان ينظر إلي اختلاف ردود أفعالها فلاحظ تمدد ملامحها بضحكة هادئة ثم همست في مسامعه بصوت هدر :

_فرصه ههههههههههه !

ايه النكتة الجميلة دي ده انت مفكرني بقى هبلة للدرجة دي علشان اتختم على قفايا واتخان وانا كنت صايناك ام واب وزوجة وحيدة وشايله كل حاجه فوق دماغي وانت هنا عايش حياتك متجوز من سنين وبتعمل لها عيد جواز وكاتب لها تهنئة زي اللي كنت بتكتبها لي بالظبط ما تفرقش ده انت بتعرف تمثل جامد قوي يا بشمهندس.

_اعمل ايه كان غصب عني ياما قلت لك ارجع واقعد في وسطكم إنتي والأولاد وكفايه عليا غربة وانتي كنتي مصممة ان احنا نبني مستقبل الأولاد ..... كلمات محطمه خرجت من لسانه بنبرة شقاء وتعب لعذاب الضمير سنين فإيهاب ليس سيئا وراندا ليست خاطئة فيما تشعر به الآن والحوار بينهم شائك للغايه ،

ما ان استمعت الى كلماته حتى تقدمت منه بخطوات مدروسة كخطواتها القادمة التي ستشنها حربا وكان هو بادئها وقالت له بفحيح:

_بطل اعذار وحجج فارغة،
 وعايزه اعرفك حاجة ،لا مش أعرفك  بس ده انا بأكد لك اني هتطلق منك وهاخد الفيلا والعربية والحساب اللي في البنك تعب السنين بتاعك ليا وللأولاد علشان انا اللي بنيته وانت هنا دايب في العسل ،

واسترسلت بوعيد:

_ومش بس كده ده انا هخليك تندم ندم عمرك ،وقد ما اديتك محبه واخلاص ووفاء على قد ما هديك طعنات ترشق في قلبك زي الخناجر بالضبط وانت اللي بدأت والبادي اظلم .

اندفع اليها وامسكها من كتفيها وهو يهزها بعنف كي يردعها عن ما تتفوه به مرددا باستنكار:

_كلام ايه اللي إنتي بتقوليه ده فوقي يا راندا ما تدمريش حياتنا وحياة الأولاد اللي منهارين بره علشان خاطر غلطه انا معترف بيها وبوعدك اني هصلحها واخدكم وارجع بلدنا ونكمل حياتنا هناك وهفضل اعتذر لك عليها طول عمري بس ما تدمريش حياتنا .

نفضت يديه من عليها كمن تنفض حشره كادت ان تمسها وأولته ظهرها  وهي تنهي الحوار بالكلمات التي جعلته لم يستبشر خيرا ابدا :

_انسى يا بشمهندس العين بالعين والسن بالسن والبادي اظلم .


تعليقات



<>