رواية عقاب ابن الباديه الفصل الثالث3بقلم ريناد يوسف


رواية عقاب ابن الباديه الفصل الثالث3بقلم ريناد يوسف




جحظت عينا يحيى وهي تخبره بأنها حامل مرة ثالثة، قالتها بمنتهى البساطة! وكأن هذا الخبر عادي بالنسبة لها ولا يحمل في طياته تهديداً لحياتها بالإنتهاء.. 
فهي منذ أن أنجبت ياسين ومدحت اكتفت بهما نظراً لتعب قلبها الذي كاد يفتك بها في الحمل الأخير.
اردف لها وهو غير مصدق:
-انتي اكيد بتهزي صح؟! 
أجابته فريال وهي تخرج من الحمام لتتجه الى الفراش بوهن:
-وهي دي حاجه فيها هزار يايحيى؟ 

-فريال إنت عارفه دا معناه ايه، انتي نسيتي تعب قلبك ولا ايه؟ 
أجابته بعصبيه:
-لا منستش يايحيي بس اهو حصل هعمل ايه يعني، ماانا باخد وسيله وكنت فاكره ان عمر الحمل مايحصل، لكن عشان حظي الزفت اهو حصل. 
- طيب قومي بينا نروح لدكتور ينزله فوراً انا مش هخاطر بحياتك. 
فريال:
-للأسف مش هينفع لاني تقريباً خلصت الشهر التالت وكل دا كنت فاكره إني تعبانه تعب عادي ومكنش فبالي ابداً انه ممكن يكون حمل. 

جلس يحيى بجانبها ونظر اليها ملياً وأردف بقلق حقيقي:
- فريال انتي ممكن.. 
-اموت عارفه، وكمان ممكن أموت لو حاولت انزله، يعنى سواء كده او كده انا معرضه للموت، فخليني اأجله لغاية ميعاد ولادتي بدال مااروحله برجليا دلوقتي. 
صمت يحيى وصمتت هي ايضاً وكل منهم يحاول استيعاب الكارثة وماسيترتب عليها، وعجز العقل عن التفكير والترتيب في ظل إرتجاف القلوب خوفاً من ألم الفراق. 

أما في غرفة مديحه:
-أيوه ياخالد بقولك مش هينفع  اخرج من البيت، إخواتي الاتنين قاعدين مراحوش الشركه النهارده، وهيسألوني رايحه فين وجايه منين ومحمود هيبعت معايا الشوفير ومش هيسمحلى اخرج بالعربيه لوحدي. 
- يعني مش هعرف أشوفك النهارده كمان يامديحه؟ علي فكره دي مبقتش عيشه دي وانا مبقتش قادر اتحمل الوضع دا، أنا جوزك وانتي مراتى على سنة الله ورسوله وليا عليكي حقوق، ومش هفضل عايش في الضلمه كده كتير إحنا لازم نعلن جوازنا فأقرب وقت. 
ردت عليه بنبرة ساخرة:
جرا ايه ياخالد مالك كده عامل زي البنت اللي اتجوزت من ورا اهلها وحملت وعايزه تعلن خبر جوازها قبل الفضيحه! 
وبعدين ماانت عارف من البدايه إن جوازنا هيفضل في السر لفتره لان فيه عندي مخططات لازم تتنفذ قبل اعلان حاجه زي دي؛ لان بمجرد مااعلن خبر إني إتجوزت ابن ساعي الشركه بتاعة اخويا ومن وراه وفي السر، هيطردنى بره بيته وبره حياته كلها، وانا مش هسمح بدا في الوقت الحالي ابداً. 
- مديحه خلي بالك انتِ كده بتخسريني، ووقت ماتحققي اللي بتسعيله ممكن تبصي متلاقينيش في حياتك. 
اجابته مديحه بثقه:
- وقتها هتجيني تجري لو كنت فآخر الدنيا، ومهما بعدت مسيرك هترجعلي ياخالد؛ عشان هيكون عندي كل حاجه هتحتاجها، هحط بين إديك فانوس سحري يحققلك كل احلامك ويعوضك عن كل حاجه اتخليت عنها عشاني..
ودلوقتي يلا مع السلامه هخرج اشوف القصر حصل فيه إيه في الوقت اللي انشغلت معاك فيه ده. 

- هو انا ليه حاسس دايماً إنكم عايشين فى صراع وطول الوقت تعملوا مخططات ومراقبه لبعض زي ماتكونوا بتجمعوا على بعض ذلات كل واحد فيكم يدمر التاني بيها مع إنكم إخوات، والاخوات بيتعاملوا مع بعض غير كده خالص! 
سألته مديحة بسخرية:
-وازاي بيتعاملوا الإخوات ياسي خالد؟ 
-بيتعاملوا بمحبه يامديحه، بيتعاملوا بخوف على بعض، بيتعاملوا كأنهم روح وحده متقسمه على كذا جسد، ولو اللي بيحصل مابين الإخوات غير كده يبقى يراجعوا إخوتهم ورباط الدم اللي مابينهم. 
مديحه:
-بررررافوا ياخالد كلام عظيم يستحق سقفه، بعد اذنك هقفل معاك واسيب التليفون من إيدي عشان اعرف اسقفلك. 
ألقت بعباراتها علي مسامعه ثم اغلقت الخط وألقت الهاتف من يدها بضجر، فهي لا تنقصها المواعظ ودروس فى العلاقات الأسرية في هذا الوقت بالمرة. 

أما هو فأبعد الهاتف عن اذنه ونظر له بسخط وكأن نظرته وسخطه سيصلان اليها عبر الهاتف، وتمنى لو أنها امامه الأن وجهاً لوجه، 
فيستخدم معها كافة الأساليب ليقنعها بما يريد، لا أن يتحدث معها عبر هاتف تضغط على زر فتنهى الحديث وقتما تشاء. 

أما فى صحراء سيناء حيث الرمال أوشكت على الإشتعال من حرارة الشمس المباشرة، جلس آدم يلتقط انفاسه في ظل خيمة الشيخ منصور وقد أنهكه مطاردة الخراف الصغار وإعادتهم إلي أمهاتهم إن ابتعدوا عنهم، حتى لا تحدث جلبة من الأمهات على صغارهم، وكانت هذه مهمته اليوم التي اسندها إليه قصير، فتسلل إلى مسامعه حديث قصير والشيخ منصور، والذي كان بمثابة الطعنة. التي نفذت لقلبه الصغير فقسمته. 
منصور:
-خد ياقصير القروش هاي ودسهم زين، دول قروش واد محمود، دير بالك لا تصرف قرش منهم إلا عالولد، بوه بدو تجيبله أشطر معلمين يعلمونه القرايه والكتابه وكل شي يتعلمونه بالمدارس، 
بوه وده حين يعاودله وليده يكون أهل أنه يدير شركته ويكبر امواله وماتفوته شارده ولا وارده.. 
بدنا نعاوده لمحمود ذيب ينهش كل اللي يفكر يقربله، حوت يبلع اي حد يحوم حواليه بشر،
 بدي هالوليد يصير حديث كل البوادي ياقُصير ولما ينجاب طاري أسود الصحارى وأبطالها ينذكر اسمو بين الفوارس وبأول القايمه. 

قُصير:
-اعتبرو صار ياشيخ، شهور وتستلم منى "طير عقاب* ماياكل إلا من صيده ومايحط بمكان إلا يغادره بفريسه بين مخالبه..
 راح يكون" العقاب" اللي تخاف منه الصقور. 
أومأ له الشيخ منصور برضى وهم ان يتفوه ببعض الكلمات ولكن قاطعه صوت آدم الذي إقتحم الخيمة دون إستئذان ووقف يحدق بهم، وعلى وجهه غضب لا يتناسب مع سنه، وأردف بأنفاس متلاحقة:

-يعني بابا مسافرش زي مابتقولي ياشيخ، يعني ضحكت عليا، يعني هو رماني هنا وبيبعتلي فلوس عشان افضل عايش هنا واتعلم هنا، يعني مش عايزني اعيش معاه صح؟ 
منصور:

-اسمع ياولد، بعرفك الحيت تلقيت صدمه واللي سمعته ماراح يفهمه عقلك الصغير، بس ودي احكيلك شي واحد، بوك ارسلك هيني لتصير رجال، لتتعلم كل شي وتصير قوي، وبس تتعلم راح تعاودله، يعني اذا ودك تعاودله تعلم كل شي سريع وصير سبع، وبوعدك كل ماتتعلم اسرع راح تعاود لبوك وامك بكير. 

آدم: خلاص وانا هتعلم كل حاجه وهعمل كل اللي تقولولي عليه. 
منصور:
زين.. 
قالها ثم نظر إلى قصير واردف آمراً:

ا-لحمد لله الوليد ردت فيه العافية
من غدوة كمل مهمتك، بوه قال انه متعلم العوم (السباحة) هه مايعرف عومنا، اريده كيف حوت ان بات في قاع البحر مايموت، همتك معاه
وجهزه للخيل والهجين وودي يشارك فالسباق الجادم(القادم). 
وتشوف رجوله لو طالت دواسات السيارة تعلمو على سيارة دفع رباعي، ودي يصير حالو حال كل الوليدات ويفوقهم بعد. 

قصير:
بعلمو كل هاد ياشيخ بس بلاول خليني آخده للقنص واعلمو يعرف يجيب شربة ميته اذا تاه بالصحاري ويصنع خبزته، وبعدها نعاود ونشوف موال الهجين والعوم والسيارات وكل شي..
 بس بستأذنك بعد القنص فأجازه شي كم يوم ودي اتزوج فيهم. 
منصور:
-يجرالك اللي تبيه ياولدي، شاور على مريتك وتعاود من الرحله بالوليد تلاقي خيمتك جاهزه من كلو وحرمتك الجديده بإنتظارك فيها وزواجك واقف على كتب الكتاب. 
قصير:
-انا وقع اختياري وعقدت النيه على "سدينه" بنت عمي عمران ياشيخي. 
منصور:
-هي الك، تعاود تلقاها بخيمتك. 

تهللت اسارير قُصير فبكلمة الشيخ منصور أصبحت سدينه بمثابة زوجته، لا يفصله عنها سوى مدة رحلته، والعقد الذي سيتم على يد عمه منصور، أي باتت الامور كلها على مايرام الآن. 

خرج بعدها قصير يزف البشرى إلى زوجته وأولاده وسائر اهل البادية، وكل هذا تم على مسامع "سدينة" التي فور أن اعلنها قُصير أنها أصبحت تخصه من اليوم وفي مقام  زوجته وسيتمم زواجه منها حين يعود حتى رفعت طرف غطاء رأسها تخبئ إبتسامتها الخجلة، وتحاول أن تَواري فرحتها.. 
فإبنة عمها مكاسب بجوارها، ورأت أن إنكار الفرحة واجب، ونسيت أنها حتى وأن أخفت الإبتسامة لن تخفي على من حولها فرحة العيون.. 

فتنهدت مكاسب بوجع وأكملت وضع الحطب في الموقد حتى ينضج الطعام ويشتد غليانه كغليان قلبها في هذة الساعة. 
نظر قُصير الى سدينة وإبتسم لها وهي بادلته الإبتسام وكان هذا بمثابة العرض والقبول، ثم نظر إلي مكاسب بطرف عينه قبل إن يهم بمغادرة المكان، وكأنه يخبرها أنه قُضي الأمر سواء رضيتى أم أبيتي. 

إقتربت سدينة بعد رحيله من مكاسب وهي تدعي المسكنة، 
وجلست بجانبها وتحدثت بنبرة حاولت أن تشوبها بعض الشفقة:

-مكاسب ياخيتي، انتي تعرفي زين إني مابيدي رفض او قبول، وإن ابن العم لو نهى على بنت عمو معناها مافي كلام ينقال بعد نهوته ولا خشم يبظم بحرف. 
مكاسب:
اعرف ياسدينه، إمبارك عليكي زوجي، بالرفا والذكور انشالله. 
سدينه:
-من قلبك الدعوة يامكاسب؟ يعني تتمنيلي اجيبله الذكور بصوح؟ 
مكاسب:
اي اتمنى كل مجايبك ذكور ياسدينه، ومانها محبه فيكي، بس حتى لا يتزوج بثالثه ويجيبها علينا ويتقسم الوقت والحيل وتطول ليالي البعاد. 
سدينه بتفهم:
اي معك حق.. يلا بالأذن منك راح روح ارسل خوي يسأل زوجي قديش راح يغيب حتى اجهز حالي ويعاود يلاقيني عروس تسر  القليب بإنتظاره. 
مكاسب:
- روحي ياعروس وشدي الهمه. 

ركضت سدينه إلي خيمتها وإقتربت معزوزه من أمها وجلست بجوارها واردفت مواسية:
-لا تزعلي يومه بوي يحبك انت وما متزوج الا لجل يجيب ذكور. 
مكاسب:
-الله يطعمو الذكور اللي تشبع عيونو وتسر خاطرو يارب، انا ماأكره يابنيتي إن يجيكم إخوات تشدو ضهركم فيهم، بس والله الضره تكيد، انت صغيره وماراح تفهمي علي. 
معزوزه:
-لا ميش صغيره وفاهمانه اعليكي، بس كلنا نعرف انو كل راجل من القبيله لازم يتزوج حرمتين ومايكتفي بوحده. 
مكاسب:
-اي اعرف. 
معزوزه:
-طيب قومي لاختي الصغيره تبكي بالخيمه تريد تاكل جوعانه..وأمانه اعليكي سميها أسم زين يمه نقولهولها.. البنت مازالت بلا اسم لليوم. عم نندهلها الصغيره والصغيره. 
مكاسب:
-قلتلك انتي سميها يامعزوزه وفضينا انا مارايقه. 
معزوزه:
-اذا هيك بسميها "رجوه" زين؟ 
مكاسب:
-زين. 
انهت حديثها ونهضت ملبية لصرخات صغيرتها التي تطالب بالطعام، مستسلمة لأمرها الواقع داعية الله أن يعين قلبها في مصابه. 

إنقضى الليل على أهل البادية وفيهم من اسدل جفونه وغاص في نومه بعد يوم متعب، 
ومنهم من أبت جفونه تلبية نداء النوم، وبات يحسب الحسابات، وبالطبع مع إختلاف نوع الحسابات. 

وفي الصباح خرج الجميع من خيامهم، وقصير مع خمسة من الأطفال وآدم معهم يستعدون للرحيل، 
اخذوا كل العدة والعتاد لقضاء سبعة ايام في قلب الصحراء، حيث لا ماء إلا قليل ولا اى طعام يُعد، ولا أي شيئ يعين على البقاء، ومن أراد منهم البقاء حياً فليحاول بآخر ذرة قوة في جسده واكبر قدر من الصبر، كانت هذه كلمات قصير لهم ليلاً فبات آدم يحلم بها وقضى الليل ينازع. 

بعد يومان فى رحلة قصير والاولاد. 
آدم:
-ياعم قصير الله يخليك انا جعان وعايز اكل، انتوا كلكم بتاكلوا وانا بس اللي قاعد بالجوع وحاسس اني هموت خلاص. 
قُصير:
-ودك من صيدة من تاكل؟ 
هون اللي يقنص ياكل، مايقنص يضل بالجوع. 
آدم: 
-طيب انا مش عارف اصطاد ولا قادر. 
قصير:
-وانت هيني لتتعلم، ماجبتك حتى الوليدات تقنص وانت تاكل من تعبهم. كل واحد وغنيمته. 

بدأ آدم في البكاء بصوت عالٍ وما أن فعل هذا حتى ضحك جميع الأطفال عليه، فهدر بهم قصير:
-قلت قبل سابق ماحدا يتهزا بيه. 

إقترب سالم من آدم وكان الوحيد من بين الأطفال الذي لم يضحك ساخراً من دموع آدم، فجلس بجانبه وربت على فخذه قائلاً:
-سامحني خوي والله لو بيدي كنت قسمت معك غنيمتي، بس تعرف ممنوع مشاركة الغنايم مع حديث قنص حتي يتعلم. 
نظر له آدم يرجوه بعينيه ودموعه ان يرحم جوعه فهو لا يهمه كل مايتفوه به، بل كل مايهمه الآن أن يعطيه مايسد جوعه، وتباً للقنص ولتذهب قوانين البقاء إلي الجحيم. 

بعد دقائف تلفت سالم حوله وإذ بجسده ينتصب وتنتبه كل حواسه، وارهف السمع وإذ به ينظر لآدم ويهمس له بسعادة:
-أبشر غنيمتك هونيك بين الصخور. 
امسك قوسك وعمره بالسهم واتبعني. 
ثم هب واقفاً وبدأ في المشي بلا صوت، بخطوات هادئة تشبه زحف ثعبان يقترب من فريسته، ومثله فعل آدم رغم أنه لم يعد يقوى على السير،
 وعند نقطة معينة توقف سالم وارهف السمع أكثر، وإذ به يشير لآدم على أرنب بري بين الصخور، وحثه على التقدم قليلاً، 
وأوقفه أمامه فى مواجهة الأرنب واستأذن من عمه قُصير بعينيه وأذن له قُصير.. فقام سالم برفع يدا آدم بالقوس والسهم وتثبيتهم على الأرنب، 
وهمس في أذن آدم:
-ثبت يدك ولا ترجف، بعرفك خايف وقلبك ماجايبك، بس تذكر اذا مامات الأرنب انت بتموت من جوعك.. أول مره دوم تكون صعيبه وبعدها القنص يصير اسهل من شربة المي.. اكتم انفاسك وسمي الله وحرر السهم. 

نظر آدم إلي الارنب المسكين وأخذته الشفقة به لجزء من الثانية، ولكن قرصة أخري من قرصات الجوع جعلته يتخذ قراره على الفور ويقتل التردد بداخله مع إختلاج السهم لبطن الأرنب، 
ليعلن الارنب وهو يصارع الموت ان آدم حظي للتوا بأول وليمة له منذ يومين،
 فركض آدم نحوا الأرنب وأمسك به وانتزع السهم من بطنه وذهب به نحو الجمر المعد للشواء، وكاد ان يلقي بالارنب على الجمر بكامل هيئته، لولا أن منعه سالم وهو يأخذه من يده ويردف:
-ويش فيك خلي نصلخو بلاول ونطلع مصارينه.. يلعن الجوع ياشيخ. 
تبسم آدم ونظر إلي قصير فوجده متبسماً هو الآخر، فأطال آدم النظر الي عينيه وكأنه يخبره بأنها فقط البداية. 
فهمس قُصير لنفسه:
-بعرفك ويش راح تصير بكل الغضب اللي جواتك، اتعهدت راح ارجعك لبوك عقاب وانا قد عهدي. 

بعد عدة ايام.. 
آدم:
-تلاته 
قُصير:
-بيكفي ياولد اترك غنيمه لخواتك ماتسبق للغنايم وتحوزهم لحالك. 

آدم وهو يصوب السهم مجدداً:
اربعه.. اللي يسبق يقنص، واللي يقنص ياكل، واللي مايقنص يقعد بالجوع. 
قصير:
-لا تطمع ياولد، الطمع صفه مانها مليحه
آدم:
-انا مش طماع، انا بصطاد من الصحرا والصحرا مفتوحه واللى يسبق يلحق ودا كلامك. 

في نهاية المطاف كان آدم الحاصل على اكثر الغنائم، فوقف فوق كوم صيده مذهوا بإنتصاره، فحاول أحد الأطفال الذين عادوا خاليين الايدي بلا غنائم  ان يأخذ من صيده، فرفع آدم قوسه وصوب عليه سهمه وهو يردف متحدياً:
-مد يدك على حاجه منهم وهخلي السهم يخالط لحمها بلحم يدك. 
قُصير:
-ياولد مايصير تصوب سهم على اخوانك. 
آدم:
-مليش اخ بينهم غير سالم.. سالم وبس، اما الباقيين محدش منهم اخويا. 
قُصير:
-بديت تكون ذيب بكير ياآدم، بديت تتعامل الند بالند من هالوقت كيف لما تكبر؟ 
اتركوله صيده ياوِلد وتقاسموا مع بعض اللي الله قسموا الكم. 

أما آدم فأخذ صيده وقام بشويه، وأكل حتى شبع ومعه قاسم، 
وخبأ ماتبقى منه لوقت لاحق، وهذا اهم ماتعلمه من هذة الرحلة، ان يعين مما معه لوقت لاحق، وأن يقتصد قدر المستطاع.
وقف قصير يراقب الأطفال فى آخر يوم وهو فخور بما انجزه معهم ومع آدم بالذات،
 فها هو يتفوق في أولى النحديات كما تكهن له والبقية تأتي،
 وقرر أن ينهي الرحلة ويعود به ظافراً ولكن قبل ذلك عليه أن يعلمه أن يخبز بنفسه خبز اللصيمه على الجمر، ويكون مسك الختام. 

وبالفعل اخرج قصير الطحين المخبأ في السيارة وبدأ في تعليم آدم كيفية العجن والخبز، أما البقية فليسوا بحاجة لذلك فهذا الأمر باتوا يتقنونه جيداً. 
كان آدم طوال الوقت ينظر لقصير بلوم وعتب وهو يرى الخبز ينضج أمامه.. وهم أن يقوم بصنع حصته بنفسه، فأردف له قصير مبرراً:

-لو انك شفت الطحين كان اكلت خبز وماقنصت ولا تعلمت الصيد.. البدايل دوم تشتت العقل، واذا تريد اللي تبيه يصير قلل الخيارات واخفي البدايل ولا تجعل لغايتك طريقين، اقفل طريق وأسلك طريق.. 
حتى لا تقف بنص الطريق وتقول ويش كان صار لو سلكت الطريق التاني، مايمكن كان فيه الصالح إلي قلل خيارات توصل أسرع وتضمن الوصول. 

فهم آدم مايرمى إليه، واخذ يصنع الخبز كما رأي قصير يفعل تماماً،

وخرجت أول خبزة من جوف الجمر فألتقطها آدم وأخذ يقلبها بين يديه ليخفف من حرارتها وقربها من أنفه واخذ منها نفساً إستنشق فيه رائحة الجنة، فمن كان يصدق أن كسرة خبز تكون أمنية غالية تح

أما في القصر.. 
إقتحم يحيى غرفة مديحة مما جعلها تنتفض فيسقط الهاتف من يدها وتسأله بخوف:
-أيه يايحيى حصل ايه داخل الاوضه بالشكل دا ليه؟ 
فأجابها يحيى بنبرة تنم عن الظفر :
عرفت مكان ابن اخوكي.. إستعدي هنسافر انا وانتى نخلص الموضوع، فريال المرادي تعبانه ومش هتتحمل سفر. 
يييتبع

رواية عقاب ابن الباديه الفصل الرابع بقلم ريناد يوسف

إنتفضت مديحة وقد شعرت أن وقت تحقيق الأمنيات قد حان، وتقدمت نحو اخيها وسألته بعبارات تقطر لهفة:
-بجد يايحيى لقيته، لقيته فين وازاي إنطق.
- فيه جواب جه لمحمود النهارده من فرنسا وبمجرد ما استلمه خباه بس اللي مكلفه بالمراقبه قدر يعرف العنوان اللي عالظرف ويحفظه، آدم في فرنسا يامديحه، هنسافر وكأننا رايحين البلد نقعد يومين ونخلص مهمتنا هناك وهتكون سهله ومتيسره مادام الولد لوحده..
 الغبي محمود سهلهالنا وهو مش حاسس.. صحيح هيفضل طول عمره راس فجله على رأي المرحوم ابونا.

غادر الغرفة تاركاً المجال لشقيقته كي تجهز ماستحتاجه في الرحلة بعد أن إتفقا على الخطة التي سينفذونها هذه المرة وذهب لزوجته ليأخذ منها باقي التعليمات، فهي الرأس المدبر وهم السواعد المنفذة، وهي من يبدأ من عندها كل شيء.

بعد حوالي ساعتين.. نظر محمود بطرف عينه من وراء الصحيفة التي تواري وجهه، وتبسم وهو يرى اخيه وزوجته واولادهم وشيقته يهبطون الدرج وهم يحملون حقائبهم وفرحة الظفر بادية على وجوههم، وفور ان وقفوا أمامه تحدث يحيى بهدوء:

-محمود احنا مسافرين البلد هنقضي هناك يومين الولاد زهقانين ومحتاجين يغيروا جو واحنا  معاهم.
تحدث محمود بجدية:
- روحوا يايحيى وانا إحتمال ابعت وراكم ناديه على بكره الصبح عشان النهارده حاجزلها عند الدكتور، هي كمان أعصابها تعبانه ومحتاجه تغير جو. 
إزدرد يحيى لعابه واخذ يتبادل النظرات مع الجميع وقد شعر بأن مخططهم علي وشك أن يُتلف بواسطة هذا الغبي، فنظر لزوجته مستجدياً منها حلاً سريعاً فاردفت بهدوء:
- اكيد طبعاً هتكون فرصه حلوه انها تخرج من حالتها دي، وكمان انا هاخدها معايا انا والولاد لبيت أهلي تسلم عليهم وتقضي معانا الأجازه وسط اللمه الحلوة، اصل نسيت اقولكم السبب الحقيقي ورا سفرنا إن اختي الدكتوره هدى اتخطبت وهتعمل حفله ولازم نكون موجودين. 
تبسم كلاً من يحيى ومديحة، فهم يعلمون جيداً  أن ناديه لا تذهب الى بيت اهل فريال ولا تطيق منهم أحداً. 
فأردفت ناديه سريعا:
- لأ انا مش هروح مكان ومش هسافر مش عايزه ومش قادره.. سافروا انتوا واتهنوا برحلتكم. 

انهت حديثها ونهضت بتثاقل ودلفت للمطبخ تعد لها قدحاً من القهوة يهدئ الضجيج الذي يعتمر راسها، وأما يحيى والبقية فغادروا على الفور وكأنوا يتسابقون هرباً خوفاً ان تتراجع في قرارها. 

وبعد ان غادر الجميع عادت عايده الى زوجها محمود واردفت له بسعاده عارمه:
- خلاص يا محمود هنقدر نشوف ابننا ادم خلاص هشوف ابني واطمن عليه، معقوله هاخده في حضني، هشم ريحته هسمع انفاسه، انا مش مصدقه، 
انا مش مصدقه بعد الوقت اللي عدى ده كله ان انا هرجع اشوف آدم من تاني دا وحشني قوي قوي. 

محمود :
اهدي يا عايده اللي بتقوليه ده مش هيحصل، انا سبق وقلت لك اننا حتى لو شفناه هنشوفه من بعيد لبعيد، مش هنقرب، مش هنخليه يحس بوجودنا ولا يشوفنا.. لانه لو شافنا وحضناه زي ما بتقولي ورجعنا سبناه مره ثانيه هيفتكر ان احنا تخلينا عنه للمره الثانيه.. 
ووقتها مش هيحط لنا اي اعذار للبعد، مش هيلاقي لنا اي مبررات، ولا اي حاجه في الدنيا هتغفر لنا عنده ان احنا خذلناها مرتين.. 
دي فرصه وجات لنا واحتمال ما تتكررش مره تانيه، فمش عايزينها بدل ما تكون فرصه جميله لينا تتقلب لكارثه ونخسر ابننا للابد، ونخسر فرصه رجوعه لينا وهو فقلبه شوية محبه.. 
انا مشتاق لادم اكتر منك ونفسي اخده في حضني اكتر منك، 
نفسي اطمنه واقول له ان احنا جنبك ما سبناكش ما بعدناش عنك ولا تخلينا عنك، 
بس المشكله اننا فعلا مش هنقدر نعمل كده.. فنهدى يا عايده ونكمل اللي بداناه للنهايه ما ينفعش دلوقتي نهد كل اللي بنيناه
يا كده يا إما بلاش نروح من الاساس وخلينا زي ما احنا، نطمن عليه من بعيد لبعيد وهو فاكر ان احنا مسافرين وفتره وهنرجع. 

عايده: لا لا خلاص انا مش هطلب ان انا اقرب، مش عايزه احضنه، كفايه اني  اشوفه من بعيد، 
خلاص يا محمود خدني اشوف ابني ووعد مش هخليه يشوفني. 

محمود:
- خلاص يا عايده جهزي نفسك علشان بعد ما اتاكد ان يحيى ومديحه سافروا بره البلد هاخدك ونروح نشوف ادم زي ما اتفقت مع الشيخ منصور.
وبالفعل في اليوم الثاني تأكد محمود أن اشقائه غادروا البلد متجهين إلى حيث اوهمهم،
 وأنها فرصته التي خطط لها طويلاً قد حانت، فاخذ زوجته واتجه إلى حيث يقطن صغيره، وطوال الطريق قلوبهم تسابق دواليب السيارة حتى تراه قبل اعينهم. 
وصلا اخيراً، وترجلا من السيارة، وكادت ناديه ان تفقد رباطة جأشها وتتهور بقلب أم مشتاق لطفلها، وتهرول باحثة عنه وتختطفه لأحضانها وتباً لكل شيء، 
ولكنها تراجعت ما أن تذكرت لحظة وداعها لإبنها مروان وهم يأخذونه من احضانها للأبد ليُدفن تحت الثرى وتحرم منه،
 وقررت الا تسمح لهذه اللحظة ان تعاد ابداً مادامت تستطيع ان تمنعها.
 
توقفت وهي تمسح عبراتها، واقترب منها محمود واخذها تحت جناحه مهدئاً لنوبة الحنين والاشتياق التي ضربت اوصالها فأضعفتها، وهو يعلم كم تجاهد الآن للمقاومة، فهو مثلها تماماً، ويشعر بما تشعر به. 

اقترب منهم قصير مهرولاً ومرحباً، وبعد السلام والإستقبال الحار المعتاد دعاهم للتقدم، وطمأنهم بأنه ابعد الصبي حتى يختبئا منه في خيمة الشيخ منصور قبل عودته. 

وبعد السلام على الشيخ منصور جلس الاثنين وهم على وشك الموت توتراً، ووصلت القلوب الحناجر حين اردف قُصير الذي صنع فتحة صغيرة في بدن الخيمة وكان يختلس النظر منها:
-ابشروا عاود الوليد. 
عندها هبت عايدة وسابقت زوجها كي تنظر الى طفلها، وكم آلمها رؤيته وهو يهش على الاغنام مع سائر الصبية، وقد تبدلت احواله كلياً، فلا هذا إبنها ولا هذة هيئته، لا هذا وجهه.. مهلاً واين ذهب شعره الحريري الذي كان يصل حتى منكبيه إنه شبه اصلع! 
فنظرت لقصير وسألته:
- انتوا قصيتوله شعره؟ 
قصير:
- اي زيناله راسه.. الوليد صغير وما يعرف يعتني بروحه، حتي لا يصير براسه قمل. 
اغمضت عايده عيناها بألم على ماصاب فلذة كبدها، ثم فتحتهم سريعاً كي تعاود إشباعهم منه قدر المستطاع، وتخزن من ملامحه في عقلها الاف المشاهد حتى تتذكرهم لاحقاً. 
أما محمود فكان يختبر شعورين مختلفين، شعور الراحة والإطمئنان على قطعة من روحه يدرك انه إختار لها المأوى المناسب، وشعور الاشتياق الذي يكاد يمزقه، ومثل أمه يود أن يحتضنه ويحترق العالم بعدها ولا يأبه. 
إختفى آدم مع الصبية وعاد كلا منهما يجلسان مقابل الشيخ منصور، وقص عليهم قُصير ماحدث في الايام الماضية مع الصبي، ولكنه لم يخبرهم بلدغة الثعبان، فهو اكيد أنه لو فعل ذلك لخرا الاثنان أرضاً يصارعان ذبحة صدرية في الحال. 

كان قصير يتحدث وعينا محمود تلمعان فرحاً وفخراً، اما عيون عايده فكانا ينزفان دمعاً وحسرة، وفي نهاية المطاف اشفق منصور عليها فأردف لقصير آمراً:

-قم وخد آدم خله يركب فرسه ويتسابق مع الصبيه، خلي بوه يكحل عينه بشوفته وهو يسابق الريح، خليه يشوف كيف بكم يوم الولد اصبح فرق السما من الارض عن أول نهار جانا  فيه.

تعليقات