رواية العمدة وبنت العم
الفصل الاول1
بقلم خديجة السيد
بدأت غالية في تقديم الطعام لهم وسكب الماء البارد في كأس زوجها، الذي نظر إليها بامتنان واحتضن يدها برفق أمام الجميع، كما اعتاد أن يظهر حبه لها بلا خجل. لكن هذا الأمر لم يعجب والدته فردوس، التي أرادت إفساد الأجواء فقالت بصوت ماكر.
= فاكر أحلام بنت خيريه يا سراچ اصلها اترملت وبقت محتاچه راچل يربي معاها العيلين وتخلف منه تاني لو عايز، ايه رايك فيها.
علق عليها سراج في شيءٍ من الاستخفاف قبل أن يدير وجهه عنها
= رأيي في ايه ياما حد قالك ان انا بشتغل خاطبه الأيام دي وانا مالي ما تشوفيلها عريس بعيد عني، ولا تكونيش عايزه تجوزيها لمحمد ولا محمود اهم عندك انا ماسك حد فيهم ده يوم المنى لما اچوزهم .
أبتسم محمود وهتف بصوت مازحاً
= إيه يا عم انت هتجيبها فيا انا مالي قلتلكم مش بفكر في الموضوع ده دلوقتي عندكم محمد لما يجي من بره فتحوه في الموضوع لكن انا وقت ما اعاوز انا اللي هختار بنفسي واظن فؤاد لسه عنده ١٦ سنه مش هينفع .
نفذ صبر فردوس منه وهتفت في حدةٍ
= انا مش بتحدد على انها عروسه للتوم محمود ومحمد ولا لفؤاد انا بتحدد عروسه ليك انت يا سراچ! وجبل ما تتحدد وترفض كيف كل مره احنا صبرنا كتير جوي علي بنت عمك وما فيش منها رجا حتى اندليتوا مصر وكشفته مخصوص وبرده ما فيش حاچه حصلت يبقى تجرب مع غيرها يمكن ربنا يرزقك وتجيب الواد اللي بتمنى من الدنيا.
ضغط علي شفتيه ومع ذلك أشار بإصبعه إليها قائلًا في لهجةٍ محذرة
= وبعدها لك ياما قلتلك بدل المره عشره غالية ماعندهاش عيب وديه حديد كل الدكاتره اللي رحنا لهم يبقى ليه مصممه اتجوز غيرها؟ ريحيني وريحي نفسك ده مش هيحصل وربنا مش كاتبها لنا يبقى خلاص ديه چواز مش لعبه هجربها ولو ما عجبتنيش عشوف غيرها
لحظتها فقط تفجـرت بداخلها مشاعر الحنق والحقد وطغت مشاعر الكراهية على أي مشاعر أخرى غير متعاطفة ودعست بلا شفقة
قائلة
= عشان انت كذاب يا سراچ الدكاتره قالوا لك ان فيها عيب بس انت مخبي علينا ومع ذلك صبرت عليها ثلاث سنين! والدليل كل ما اقولك وريني التحاليل اشوفها أنا ولا اخوك اللي شغال دكتور تجعد تلوع في الكلام وما تجيش معايا دغري
فرك طرف ذقنه بضيق مكتوم وهو يهتف بانزعاج
= ياما محمود شغال دكتور بهايم هيفهم ايه في تحاليل كيف دي؟ اللهم إما طولك يا روح احلفلك بايه غاليه ما فيهاش حاچه
حاول محمود التدخل ليقول بصوت جاد
= ياما خلاص مش كل يوم تنكدي علينا بنفس الموضوع هم احرار مع بعض مش لازم نخش في مشاكلهم، ادعيلهم ربنا يرزقهم.. وبعدين سراج معاه حق انا هفهم في تحاليل زي كده ايه وعلى فكره عادي يكون ما فيش عيب في الاتنين ويتاخروا بتحصل كثير في الصعيد هنا او في مصر وانا لفيت كتير وبقولك المواضيع دي بتحصل عادي
في حمئة شبه مغتاظة هتفت فردوس بنظرة حاقدة موجهة لغالية
=اسكت انت انا فاهمه خيك كويس هو بيداري عليها عشان دايب في العشق وياها واي حاچه بتقوله عليها حاضر ونعم حتى لو كل عيوب الدنيا فيها، و أكيد في حاچه مخبيها و الهانم اللي چنبك دي مش بتخلف وانا مش هصبر
زيك وعاوزه ولد من صلبك يشيل أسمك.
لم يتحمل سراج طريقتها ولا ذلك الضغط على زوجته الغير مذنبه في شيء، ليخاطبها باستياءٍ عارم
= برده ما فيش فايده! حاضر ياما مش عايزه تشوفي التحاليل هوريها لك عشان اخلص من زنك بس بعد اكده ما تعاتبيش الا نفسك
حينها توسلته غالية في ارتياعٍ وهي تجاهد تجعله يتنازل عن ذلك وقد أحكمت من قبضتها المحكمة فوق ذراعيه
= سراچ خلاص أهدى وحجك عليا أنا وما تردش عليها عاد وان شاء الله ربنا يسهلها لوحده
في التو اندفعت تجاه زوجته معتقده بانها تحاول منعه بان لا يخبرها الحقيقه وانها لا تستطيع الإنجاب، كيف لها بهذه الوقاحة الفجة لتصيح في وقاحةٍ قاسية
= شايفين البنت قدامي بتجويه عليا ما يسمعش كلامي، يبقى انا حديدي صوح وانتٍ مش بتخلفي ومش هتعرفي تجيبيلي الواد اللي نفسي فيه، بطلي انانيه بقي وسيبيه يشوف حاله مع غيرك يا وش البومه انتٍ و بور !.
أدارت غالية رأسها ببطءٍ تجاهها بحزن فتحشرج صوتها قائلة
= الله يسامحك يا مرات عمي! بس انتٍ ما فاهماش حاچه
ثار سراج عليها أكثر وهلل ازدراء بأعلى نبرته
= أمــا خلصت لحد اهنا هي استحملت بما فيه الكفايه معايره وهي ملهاش ذنب وانا من اول يوم كنت عايز اقول الحقيقه لكن هي اللي منعتني عشان خايفه من صدمك فيا، لكن طالما مصممه تعرفي ايه هي الحقيقه حاضر
صمت دقيقة والكل متراقب ثم أخبرها باعترافٍ صريح وموجع له
=الحقيقه انا اللي فيا العيب ومش بخلف مش هي!. سامعة؟
لم تكن مقتنعة بما فاه به، فأكملت على نفس المنوال القاسي، كأنما تزيد من قسوتها بكلماتها اللاذعة
= هي وصلت أنك بتتبلى على نفسك بحاچه مش حقيقيه عشان تداري عليها بعد الشر عليك هي اللي معيوبه يا ولدي مش انت.. انت خايف تقولنا عشان ما افضلش اقولك اتجوز غيرها.. وانا مش ظالمه كيف ما انتم فاكرين وما جلتلكش طلقها بس عايزك تجيب الواد اللي يكون سندك وظهرك في الدنيا.
في التو اشتاط غضبًا لكونها ما زالت مستنكره كل ذلك، وهدر بها ساخراً بألم
= شوف اقولها إيه تقولي ايه مصممه برده أن غاليه هي اللي معيوبه وانانيه! ياما ارحمي نفسك وارحميني معاكي من اول يوم كشفت فيه انا وهي تحليلها طلعت سليمه وكلهم قالوا ان العيب عندي انا، وهي عشان ما تحرجنيش صممت ان الموضوع يفضل سر ما بينا واستحملت حديدك القاسي كتير عشاني.
راودها بالفعل ذلك الهاجس المخيف بأنه لا يستطيع الانجاب حقا، فسألته بقلب الأم الوجل
= ما تبطل بقى كذب وما تفولش على نفسك انت سليم وتقدر تخلف بدل العيل عشره انما هي لا، كل عيلتنا من ناحية أبوك سليمه عمرهم ما اشتكوا من حاچه كيف اكده ..
أصر على قوله وهو بالكاد يحبس دموعه لكن رغمًا عنه تسرب من طرفيه بعض العبرات الغادرة عندما بدأ يتذكر كل حديثها القاسي لغالية سيصبح من نصيبه بعد الآن، فهي كانت تجرحه مع كل كلمه دون ان تدري لذلك
= انتٍ اللي لازم تصدقي الحقيقه ياما ورحمه ابويا اللي ما بحلفش بي كدب انا اللي معيوب مش هي! ومش بخلف .
شهقت أمه في ذهول فزع ونظر محمود و أخيه الصغير فؤاد الى بعضهم البعض بصدمه
فالجميع يعرف بأنه عندما يقسم برحمه والده يكون صادق حقا، اقترب أخيه الوسطاني منه متسائلاً بعطف
= من امتى الكلام ده يا سراچ وكيف ما تقوليش انا حتى! طب حد من الدكاتره قالك على علاج ولا في اي حاجه تعملها عشان تقدر تخلف
سحب نفسًا عميقًا ليخنق به نوبة قهراً التي توشك على البدء فيه وأخبره بترددٍ يشوب نبرته
= الدكاتره اللي اهنا وفي مصر كلهم اچمعوا على حاچه واحده بس يا محمود العلاج عيطول وهياخدله اقل حاچه سبع عشر سنين وممكن افضل اكده طول حياتي حالتي ميؤوس منها والأمل ضعيف... وغاليه طلبت مني لما نندل من مصر نقول ان إحنا سالمين ومحدش فيه عيب ونسيب الأمر على ربنا، وانتٍ ياما لما صدقتي و بقيتي عماله تسممي بدنها بحديد محدش يستحمله وهي ما نطجتش وكل ما احاول افهمك اللي في دماغك في دماغك أن هي المعيوبه وانا السليم! انما الحقيقه بقى العكس انا اللي معيوب وهي اللي مستحمله واحد زيي مفيش امل فيه و عمرها ما هتكون أم بسببي .
حركت زوجته يدها من على كتفه لتتشبث بمعصمه وهي ترجوه في صوتٍ باكٍ
= ما تقولش اكده يا سراچ انت راچل وسيد الرچاله وما فيكش عيوب إيه يعني ربنا ما رزقناش دلوج ولا طول العمر حتي، ربنا مديني حاچه ثانيه معوضنا بيها وزياده يبقى ليه هنبص على اللي ناقصنا عاد ونسيب كل ديه، وبعدين الدكتور قالنا في امل في العمليات الحقن المجهري بس انت اللي مش راضي
نظر سراج إليها بقلقٍ حقيقي مؤكدًا لها بقوله
بضيق شديد
= مش راضي عشان عارف انها هتكون صعبه وهتديكي أمل على الفاضي وانتٍ اكثر واحده هتضطري منها، يعني مش كفايه انك مستحملاني كومان هتشيلي حاچه انتٍ ما لكيش ذنب فيها... وبعدين حتي دي الدكاتره قالوا أملها ضعيف برده
صمت قليلًا ليفكر محمود قائلاً بإصرار جاد
= بلاش التشاؤم ده يا سراچ حتى لو الأمل 1% دي حاچه بايد ربنا بس حاول تسمع كلامها فعلا وتجربوا حكايه الحقن المجهري طالما الامل ضعيف في الطبيعي.. وتوكل على الله وسيبها على ربنا .
لم تنبس فردوس بحرف واحد بعدما تلقت هذه الصدمة المفجعة، فصارت غير قادرة على الوقوف أو الحركة، انما انخرطت في بكاء صامت..
أبقت على سكوتها المرير، فاستمر سراج في إخبارها لعلها تشعر بشيءٍ من الندم
= إيه ياما مش سامعلك صوت يعني دلوج؟ عرفتي مين فينا اللي أناني ومين اللي مستحمل التاني بعيوبه، عرفتي بقى ان غالية اللي مش عاچبكٍ دي طلعت بنت اصول وشايله كتير وما تستاهلش اللي انتٍ بتعمليه فيها، لو لسه شكه أني بكذب حاضر التحليل هتكون في ايديك دلوقيتٍ وعطلع اجيبهالك!
ارتفعت وتيرة الضيق في ملامح فردوس و وصلت صوت انحباس أنفاسها، حينما نهضت لترحل دون الرد عليه وقد تحركت من امامهم
بكل هدوءا زائف .