رواية العمدة وبنت العم الفصل الثاني2بقلم خديجة السيد


رواية العمدة وبنت العم
 الفصل الثاني2
بقلم خديجة السيد





في سرايا كبيره في الصعيد، حملت غالية كومة أخرى من الثياب الجافة على الطاولة المستديرة، قبل أن تنحني لتجلس فوق المقعد وبدأت في ترتيبهم وعلى الجانب الآخر جانبها كان باقي الخدم يقوم بتنظيف السرايا، انحنت أحدهم لتفرد السجادة المثنية بعد انتهائها من تجفيف الأرضية المبتلة بخرقةٍ قديمة ثم استقامت الخادمة تهاني واقفة وهي تمسح بظهر كفها العرق المُتَصبب على جبينها بتعب مرددًة باهتمام  

= محتاچه حاچه تاني يا ست غاليه ولا اروح ابدأ في الغداء قبل ما الچماعه يجوا....

استحسنت غالية ما بذلته الأخري من جهدٍ فقالت بامتنان لطيف 

=  لا خلاص يا تهاني، نتعبلك نهار فرحتنا بيكي إن شاءالله .

ردت عليها تهاني مبتسمة وهي تحمل دلو الماء والخرقة

= تسلمي يا ست غاليه عقبال ما نشيل عوضك ان شاء الله....

وقبل أن ترد غالية ظهرت حماتها فردوس، و هدرت بها بصوت عاليًا وهي تقف مستندًة بذراعها على الإطار الباب الخشبي

= يسمع منك ربنا يا تهاني واشيل عوض ابني الكبير بقى احسن الموضوع بوخ على الآخر، واهو مش فارقه بقى اذا كان من ستك غالية ولا من غيرها . 

نظرت إليها تهاني بتردد حزين ثم ذهبت، بينما كبتت غالية حنقها منها فكانت تعلم جيدًا أنها تحاول استفزازها بطريقتها هذه كعادتها حتى تستسلم لامرها، فلاذت بالصمت تجنبًا لبطشها الأهوج وتحفزت أكثر عندما سألتها بصوت خبث وهي تمسك الهاتف بيديها  ليظهر بعض الصور لفتيات اقارب من العيله  

= بصي أكده معايا يا غالية بنته (البنات) الست خيريه كبروا و بجوا عرايس كيف بسم الله ما شاء الله عليهم والكبيره منهم كومان مخلفه وارمله دلوج! 

نظرت ناحيتها في حنق وعلقت عليها ببرود تام

= آه حلوين! ربنا يبعتلهم عدالهم يا مرات عمي  

ابتسمت حماتها ابتسامة عريضة وهي تقول بحماس كبير

= إيه رأيك الكبيره ولا الصغيره تنفع لسراچ 
انا بقول احسن الكبيره على الأقل مخلفه وهنكون ضمنين انها هتجيب الواد ومش هتبقى كيف غيرها 

ازدادت غالية غضبًا من جملتها تلك، وأجابت بصوت جامد

= تقصدي مين يا مرات عمي؟ لو قصدك عشان لحد دلوج ما خلفناش فانا ولا سراچ چوزي عندنا اللي يمنع.. فبتهيالي البنته الحلوين دول خديهم لاولادك التوم !. 

ردت عليها في تحيزٍ وشرارات الغضب تنتفض في حدقتيها بأسلوب أمر 

= غاليه انا مش هقعد اتحدد كل مره في نفس الموضوع ديه بدل ما تساعديني! سراچ لازم يكون لي ولد من صلبه عشان هو الكبير و العمده لازم يكون لي اللي يسنده وفي ظهره... عشان اكده لازم يتچوز تاني وحتى لو العيب مش فيكي كيف ما بتقولي خليه يجرب مع غيرك يمكن تجيبلنا الواد اللي ما عرفتيش تجيبيه في ثلاث سنين چواز..

بلغ بها القهر مبلغه فقد نجحت الأخري في ألمها رغم أنها حقا ليس هناك ما يمنعها من الإنجاب، لكن حقا الحديث طوال الوقت حول ذلك الموضوع الذي تجاوز الثلاث سنوات و أكثر، كأن أحد يقتلها بخنجر بكلماته المسمومة و شعرت بالخواء والخوار من داخلها، انتشلت نفسها من شرودها المهموم هامسة باختناق 

= الصبر يارب!. 

لم تنظر فردوس تجاهها وعاملتها بتكبرٍ حين خاطبتها ونهرتها في نظرة صارمة

= انا ما عارفاش عاوزانا نستنى اكتر من اكده عليكي إيه، استنصحي و خليها تيجي منك عشان تكوني انتٍ الكل في الكل والاسم جوزتي جوزك بمزاجك . 

غامت تعبيراتها إلى حدٍ ما وعلى مضضٍ أخبرتها غالية 

= ما عاوزاش يتقال عليا ناصحه ولا شاطره قصاد حرق قلبي.. وللمره الأخيرة بقولها لك يا مرات عمي انا ما عنديش عيب عشان احط رأسي في الأرض واسكت ولا حد ماسك عليا ذله! انا هقوم اكمل مع البنته جوه الوكل أحسن .

اشتاطت فردوس غضبًا مما اعتبرته عجرفه منها وتحديها المستفزة فانفـجرت صائحة في تهددها علنًا بتحدٍ

= برده مش هسكت غير ما اجوزه يا غاليه يانا يا انتٍ في الدار دي! وهنشوف حديد مين اللي هيمشي؟!.  

❈-❈-❈

في نفس السرايا على الجانب الآخر، احتشد بعض الحضور في هذه الغرفة الفسيحة وكان الجميع مُلتفة بعينه حول العمده سراج وتلك المسكينه التي تقص حكايتها وتنتظر الأمر الناهي منه ليرجعلها كرامتها وحقها المهان من قبل زوجها وأسرته، نظراته المهتمة كانت ترتكز عليها وهي تكمل حديثها وسط دموعها قائلة 

= وبعد ما قالتلي الخدامه وخليتني اكتبلها جواب بخط يدي عشان تبعته لجوزها حسب ما فهمت منها ولا مؤاخذه في الكلمه كان الجواب فيه كلام حب وغرام، وانا صدقتها لما قالتلي ما بتعرفش تكتب ونفسها تبعتله اي حاچه تعبر بيها عن اشتياقها لي وهو مسافر بعيد عنها.. اتاريها خدت الجواب من اهنا و اديته لحماتي اللي كانت متفقه معاها عشان توري لچوزي وتفهمه ان انا على علاقه بواحد تاني، وهو صدق وطردني من الدار وخد كومان العيال مني.. ولولا ان الخدامه ضميرها صحي لما حست انها هتموت خلاص اعترفتله جالي يطلب السماح! 

وعندما انتهت من سرد قصتها، أخفضت رأسها وهي تحاول أن تتجاوز جميع الإهانات التي تعرضت لها منه أو من والدته عندما شعر بالشك نحوها وبعد إثبات براءتها حتي لم يجبر أحد خاطرها بكلمه واحده للتهوين عليها تلك الصعوبات التي تعرضت لها، لذلك لجأت  إلى العمده سراج وهي على علم جيد وثقه بحكمه الذي يعترف به الجميع ولا يرد، بدأت تضيف بكلماتٍ كانت كالخنجر في صدرها

=انا لا قادره اسامح ولا قادره ابعد عيالي عنه.. بس عاوزه العدل يا سياده العمده، انا عارفه ان چوزي يكون ابن خالتك يا سي سراچ لكن انا متوكده انك هتنسى صله القرابه اللي ما بينكم وهتحكم بالعدل، وترجعلي حقي وكرامتي اللي اتهانت منه ومن أمه... دي اتهامتني في شرفي يا ناس ارجعله كيف عادي اكده ونعيش في دار واحده ثاني ولا أكن حاچه حصلت؟!. 

تحدث شفيق عن اقتراحه وقال متمسكًا بأمله المعقود عليها في العوده لها، لأنه بدأ يعرف جيداً أنها الزوجة الصالحة بلع ريقه، وقال

= يا فاتن ما انا اعتذرتلك وقلتلك حقك عليا يا بنت الناس وراضي باي حكم منك ومن سراچ ابن خالتي برده... بس انتٍ اللي كبرتي الموضوع لما رحتي حكيتيله مع ان والله حلفتلك ان انا مش هعدي الموضوع عادي وهردلك حقك

سئمت زوجته من تساهله بالوضع ومن شخصه الضعيف والمغيظ أمام أمه حتى في الخطا، فهدرت فيه بانفعالٍ

= الحق اللي بيقولك هيرده ده يا سياده العمده امه رفضت تعتذر رغم انها غلطانه من ساسها لراسها بس هنعمل ايه التكبر والغرور لسه ماليها بالذمه يا ناس دي تستاهل ارجع اخدمها تاني واعتبرها كيف أمي، انا لما لقيته محتار بيني وبين أمه رغم أن واضح جوي مين فين الغلطان لكن ما اعرفش كيف يجيبلي حقي، حسيت ان الموضوع هيسكت عليه في الآخر ولا اكن واحده اتاخدت في الرجلين وسطيهم عشان اكده جيت اشتكيلك من ابن خالتك يا سراچ بيه ومستنيه حكمك اللي متوكده منه أنك مش هتظلمني زيهم.. واعتبرني خيتك هترضى ده يحصلها؟!. 

ظلت تعابير سراج المتأففة معكوسة على محياه وهو يسمعها وقد حدج زوجها بنظرة نارية جعلته يقلق من حكمه القادم، ثم قست تعابيره بشكلٍ مخيف ونظر إلي الاثنين قائلًا بتحدٍ

= من غير ما اعتبرك انتٍ خيتي فعلا يا فاتن وطالما وكلتيني مش هردك مكسوره الخاطر ما تخافيش، وانت يا أبن خالتي هترضى بحكمي ذيها وهتنفذه بالحرف ولا هتعمل كيف المره اللي فاتت وتيجي في صف الظالم وتسيب المظلوم و حقك مرتك!. 

نكس إبن خالته شفيق رأسه في خزي وخجل  قائلاً بصوتٍ مهتز

=مش محتاچه سؤال يا أبن خالتي آآ قول .

احتفظ العمدة بطريقته المحتدة في التعامل معه عندما أخبره بلهجة قاسية 

=اسمي سياده العمده دلوج لان لما اقولك حكمي هنسى أن ما بينا صله قرابه وان اللي هحكم عليها دي تكون خالتي، وهعتبرها واحده غريبه عني طالما مظلوم وكلني، عشان مش سراچ غانم اللي يرد حد مظلوم ووكله يجبله حقه!. 

بدأت الهمسات بين الجميع والصخب و الضوضاء، بينما هب العمدة واقف وهم خلفه   الكل وهو يوجه أوامره قائلا بصرامة شديدة 

= سكوت! حكمي هيكون كالاتي هترچع مرتك دارك ولو في اي حاچه ناقصاها من طلباتها هتجيبها من غير ولا كلمه وهتعتبر نفسك انك طلقتها وبتردها من چديد من مهر وشبكه.  وجهاز چديد لو لزم وطلبت كومان! وبالنسبه لامك كيف ما طلعت مرتك من الدار واتهمتها بشرفها هي اللي هتطلع وتشوفلها دار تانيه و حد يلزمها للخدمه غير مرتك، لكن طبعا انت عليك ودها عشان امك لكن هي من اهنا ورايح مش ملزمه بحاچه ليها.. اي حد عنده اعتراض علي حكمي يسمعني صوته.

تجمد الزوج شفيق في مكانه مصعوق عندما سمع أوامره التي لا ترد وتنهد باستسلام فليس لدي غيره، عم السكون ولم يستطيع أحد التحدث، لكن سرعان ما انتقلت فاتن نحوه وكادت أن تقبل يده من سعادتها بكرامتها التي ردت فقد شعرت أخيراً بالانتصار وليس الظلم، لتخاطب إياه في تلهفٍ

= ربنا يخليك يا عمدة سراچ ويستر طريقك ويرزقك بالخلفه الصالحه وما ينصر عليك عدو ابدأ ويباركلك.

تظاهر بعدم الاكتراث فبسبب هذه الدعوه فتحت جروح لم تشفى بعد، ووضع هذا القناع الجليدي على ملامحه ثم تحدث بخشونة

= توكلنا على الله اسبوع بالظبط وهذركم في الدار ولو عرفت منها ان في حاچه واحده بس ما نفذتهاش هنعمل جعده تانيه واحكم عليك حكم تاني أشد، يلا الجلسة اتفضت نادي يا غفير على اللي بعده !؟ 

❈-❈-❈

ابتسمت غالية في إعجابٍ للمطل عليها وقد التقط نظراته إلي رفيقته في الحياة و نقطه ضعفه وعشقه الوحيد وابنه العم وزوجته وكل شيء له بعد أسرته، ظلت تتابعه وهو يسير متفاخرًا متباهيًا بدأ وكأنه يمتلك زمام السلطة هنا وهناك، ولما لا؟ فهو العمده سراج وكبير العيله والولد البكري للعائله.

توقفت غالية عن مطالعتها حينما انضم إليها  جالسًا بجوارها وتارك الكرسي الأكبر للأم التي لوت شفتاها باستخفاف، بينما انضم أيضا للطاولة الشقيق الصغير فؤاد، و محمود الأخ الوسطاني والتوام لمحمد الذي كان متغيب عن الطعام اليوم، ليتساءل سراج عن شقيقه باهتمام 

= آمال فين أخوك محمد يا محمود؟ 

هز رأسه بعدم مبالاة وهو يقول بصوت جاد

= زي العاده راح يصطاد حمام بالبندقيه بتاعه ابوك الله يرحمه 

تحولت أنظار شقيقه الأكبر تجاه معلقًا بوجه تسوده تكشيرة عظيمة من القلق 

= ثاني انا مش نبهت عليه ما يطلعش ولا يمسك سلاح هو مش متدرب عليه يا چماعه انتوا مستهونين بالموضوع عادي أكده ليه؟ اذا كان ربنا بيسترها معاه في كل طلعه هيچي في مره يعمل مصيبه واحنا مش ناقصين!. 

شعر محمود بانه محقه وتوامه قد بالغ في ذلك الأمر حقا لكن لا يعرف كيف يمنعه من ذلك، ليقول بهدوء

= حاولت والله معاه كتير بس هنعمل ايه اخوك دماغه ناشفه، ما تقلقش عليه هحاول معاه مره تانيه لما يرجع وهقنعه المره دي.

هز رأسه بقله حيله ثم ارتكزت نظرات سراج على أخيه الأصغر متابعًا كلامه إليه بحب 

= وانت اخبار دراستك ايه يا فؤاد؟!. 

رسم فؤاد ابتسامه واسعه وهو يرد قائلاً

= بخير يا اخويا ما تقلقش هذاكر عشان ادخل الچامعه زي ما وعدتك وطلبت مني... 

وقبل أن ان يرد سراج على أخيه الصغير بفرحه وفخر استوقفته أمه قبل أن يخرج كلامها الصادم

= هو انت ايه اللي عملته في خالتك يا سراچ بقي تجوي مرات أبنها عليها وتطلعها من دارها وتسيبها لفاتن كأنها هي صاحبه الدار؟ خالتك لما قالتلي ما صدقتش في الاول و زعلانه منك جوي، برده مهما تعمل هي في النهايه خالتك وفي صله رحم ما بينا وما يصحش اللي عملته . 

قال سراج في ملامح جدية، لا تقبل المزح 

= وهي يصح تعمل مؤامره وتتهم واحده في شرفها وهي متوكده انها كدابه؟ تحمد ربنا ان ابنها ما تهورش وموتها وراح فيها..بقولك ايه ياما جفلي على السيره دي انتٍ عارفاني كويس ما برجعش في كلمتي ولا في حكمي طالما طلع مني لواحده مظلومه وكلتني.

كادت فردوس أن تجن من قوله فقالت بغضب 

= يا ابني دي خيتي وخالتك كنت شوف اي حكم تاني الا أنك تطردها من دارها وتجوي مرات ابنها عليها؟؟. 

هز كامل جسده بشراسةٍ وهو يقول بصرامة لا تقبل النقاش 

= هي اللي عملت في نفسها اكده مش انا ولازم تدفع ثمن غلطتها، وانتٍ عارفاني في الحق ما بتعرضش حتى لو مع مين... خلاص بقى خلينا نغير السيره دي لاني مش هرچع في حديتي مهما حصل وقوليلها تستغفر ربنا ممكن يسامحها! انا مش فاهم يعني عاوزيني اظلم واحده عشان واحده تانيه قريبتي اروح من ربنا فين؟ ولا يبقى اسمي عمده ازاي وعادل بين الناس وبرچع حقوق المظلومين..

ابتسمت غالية بفخر وحب له، بينما ضغطت أمه على شفتيها بضيق شديد ولم تتحدث بعد فرغم معرفتها بذلك، حاولت بدء الحديث معه لعلها تجعله يتراجع لكنه كما هو معروف عنه، يسير في طريق الحق حتى على حساب عائلته.. 

بدأت غالية في تقديم الطعام لهم وسكب الماء البارد في كأس زوجها، الذي نظر إليها بامتنان واحتضن يدها برفق أمام الجميع، كما اعتاد أن يظهر حبه لها بلا خجل. لكن هذا الأمر لم يعجب والدته فردوس، التي أرادت إفساد الأجواء فقالت بصوت ماكر.

= فاكر أحلام بنت خيريه يا سراچ اصلها اترملت وبقت محتاچه راچل يربي معاها العيلين وتخلف منه تاني لو عايز، ايه رايك فيها. 

علق عليها سراج في شيءٍ من الاستخفاف قبل أن يدير وجهه عنها

= رأيي في ايه ياما حد قالك ان انا بشتغل خاطبه الأيام دي وانا مالي ما تشوفيلها عريس بعيد عني، ولا تكونيش عايزه تجوزيها لمحمد ولا محمود اهم عندك انا ماسك حد فيهم ده يوم المنى لما اچوزهم .

أبتسم محمود وهتف بصوت مازحاً 

= إيه يا عم انت هتجيبها فيا انا مالي قلتلكم مش بفكر في الموضوع ده دلوقتي عندكم محمد لما يجي من بره فتحوه في الموضوع لكن انا وقت ما اعاوز انا اللي هختار بنفسي واظن فؤاد لسه عنده ١٦ سنه مش هينفع .

نفذ صبر فردوس منه وهتفت في حدةٍ

= انا مش بتحدد على انها عروسه للتوم محمود ومحمد ولا لفؤاد انا بتحدد عروسه ليك انت يا سراچ! وجبل ما تتحدد وترفض كيف كل مره احنا صبرنا كتير جوي علي بنت عمك وما فيش منها رجا حتى اندليتوا مصر وكشفته مخصوص وبرده ما فيش حاچه حصلت يبقى تجرب مع غيرها يمكن ربنا يرزقك وتجيب الواد اللي بتمنى من الدنيا.  

ضغط علي شفتيه ومع ذلك أشار بإصبعه إليها قائلًا في لهجةٍ  محذرة

= وبعدها لك ياما قلتلك بدل المره عشره غالية ماعندهاش عيب وديه حديد كل الدكاتره اللي رحنا لهم يبقى ليه مصممه اتجوز غيرها؟ ريحيني وريحي نفسك ده مش هيحصل وربنا مش كاتبها لنا يبقى خلاص ديه چواز مش لعبه هجربها ولو ما عجبتنيش عشوف غيرها  

لحظتها فقط تفجـرت بداخلها مشاعر الحنق والحقد وطغت مشاعر الكراهية على أي مشاعر أخرى غير متعاطفة ودعست بلا شفقة 
قائلة

= عشان انت كذاب يا سراچ الدكاتره قالوا لك ان فيها عيب بس انت مخبي علينا ومع ذلك صبرت عليها ثلاث سنين! والدليل كل ما اقولك وريني التحاليل اشوفها أنا ولا اخوك اللي شغال دكتور تجعد تلوع في الكلام وما تجيش معايا دغري 

فرك طرف ذقنه بضيق مكتوم وهو يهتف بانزعاج 

= ياما محمود شغال دكتور بهايم هيفهم ايه في تحاليل كيف دي؟ اللهم إما طولك يا روح احلفلك بايه غاليه ما فيهاش حاچه 

حاول محمود التدخل ليقول بصوت جاد

= ياما خلاص مش كل يوم تنكدي علينا بنفس الموضوع هم احرار مع بعض مش لازم نخش في مشاكلهم، ادعيلهم ربنا يرزقهم.. وبعدين سراج معاه حق انا هفهم في تحاليل زي كده ايه وعلى فكره عادي يكون ما فيش عيب في الاتنين ويتاخروا بتحصل كثير في الصعيد هنا او في مصر وانا لفيت كتير وبقولك المواضيع دي بتحصل عادي 

في حمئة شبه مغتاظة هتفت فردوس بنظرة حاقدة موجهة لغالية 

=اسكت انت انا فاهمه خيك كويس هو بيداري عليها عشان دايب في العشق وياها واي حاچه بتقوله عليها حاضر ونعم حتى لو كل عيوب الدنيا فيها، و أكيد في حاچه مخبيها و الهانم اللي چنبك دي مش بتخلف وانا مش هصبر 
زيك وعاوزه ولد من صلبك يشيل أسمك.

لم يتحمل سراج طريقتها ولا ذلك الضغط على زوجته الغير مذنبه في شيء، ليخاطبها باستياءٍ عارم

= برده ما فيش فايده! حاضر ياما مش عايزه تشوفي التحاليل هوريها لك عشان اخلص من زنك بس بعد اكده ما تعاتبيش الا نفسك  

حينها توسلته غالية في ارتياعٍ وهي تجاهد تجعله يتنازل عن ذلك وقد أحكمت من قبضتها المحكمة فوق ذراعيه 

= سراچ خلاص أهدى وحجك عليا أنا وما تردش عليها عاد وان شاء الله ربنا يسهلها لوحده

في التو اندفعت تجاه زوجته معتقده بانها تحاول منعه بان لا يخبرها الحقيقه وانها لا تستطيع الإنجاب، كيف لها بهذه الوقاحة الفجة لتصيح في وقاحةٍ قاسية 

= شايفين البنت قدامي بتجويه عليا ما يسمعش كلامي، يبقى انا حديدي صوح وانتٍ مش بتخلفي ومش هتعرفي تجيبيلي الواد اللي نفسي فيه، بطلي انانيه بقي وسيبيه يشوف حاله مع غيرك يا وش البومه انتٍ و بور !. 

أدارت غالية رأسها ببطءٍ تجاهها بحزن فتحشرج صوتها قائلة 

= الله يسامحك يا مرات عمي! بس انتٍ ما فاهماش حاچه 

ثار سراج عليها أكثر وهلل ازدراء بأعلى نبرته

= أمــا خلصت لحد اهنا هي استحملت بما فيه الكفايه معايره وهي ملهاش ذنب وانا من اول يوم كنت عايز اقول الحقيقه لكن هي اللي منعتني عشان خايفه من صدمك فيا، لكن طالما مصممه تعرفي ايه هي الحقيقه حاضر

صمت دقيقة والكل متراقب ثم أخبرها باعترافٍ صريح وموجع له

=الحقيقه انا اللي فيا العيب ومش بخلف مش هي!. سامعة؟

لم تكن مقتنعة بما فاه به، فأكملت على نفس المنوال القاسي، كأنما تزيد من قسوتها بكلماتها اللاذعة

= هي وصلت أنك بتتبلى على نفسك بحاچه مش حقيقيه عشان تداري عليها بعد الشر عليك هي اللي معيوبه يا ولدي مش انت.. انت خايف تقولنا عشان ما افضلش اقولك اتجوز غيرها.. وانا مش ظالمه كيف ما انتم فاكرين وما جلتلكش طلقها بس عايزك تجيب الواد اللي يكون سندك وظهرك في الدنيا.

في التو اشتاط غضبًا لكونها ما زالت مستنكره كل ذلك، وهدر بها ساخراً بألم 

= شوف اقولها إيه تقولي ايه مصممه برده أن غاليه هي اللي معيوبه وانانيه! ياما ارحمي نفسك وارحميني معاكي من اول يوم كشفت فيه انا وهي تحليلها طلعت سليمه وكلهم قالوا ان العيب عندي انا، وهي عشان ما تحرجنيش صممت ان الموضوع يفضل سر ما بينا واستحملت حديدك القاسي كتير عشاني.

راودها بالفعل ذلك الهاجس المخيف بأنه لا يستطيع الانجاب حقا، فسألته بقلب الأم الوجل

= ما تبطل بقى كذب وما تفولش على نفسك انت سليم وتقدر تخلف بدل العيل عشره انما هي لا، كل عيلتنا من ناحية أبوك سليمه عمرهم ما اشتكوا من حاچه كيف اكده .. 

أصر على قوله وهو بالكاد يحبس دموعه لكن رغمًا عنه تسرب من طرفيه بعض العبرات الغادرة عندما بدأ يتذكر كل حديثها القاسي لغالية سيصبح من نصيبه بعد الآن، فهي كانت تجرحه مع كل كلمه دون ان تدري لذلك

= انتٍ اللي لازم تصدقي الحقيقه ياما ورحمه ابويا اللي ما بحلفش بي كدب انا اللي معيوب مش هي! ومش بخلف .

شهقت أمه في ذهول فزع ونظر محمود و أخيه الصغير فؤاد الى بعضهم البعض بصدمه  
فالجميع يعرف بأنه عندما يقسم برحمه والده يكون صادق حقا، اقترب أخيه الوسطاني منه متسائلاً بعطف 

= من امتى الكلام ده يا سراچ وكيف ما تقوليش انا حتى! طب حد من الدكاتره قالك على علاج ولا في اي حاجه تعملها عشان تقدر تخلف 

سحب نفسًا عميقًا ليخنق به نوبة قهراً التي توشك على البدء فيه وأخبره بترددٍ يشوب نبرته

= الدكاتره اللي اهنا وفي مصر كلهم اچمعوا على حاچه واحده بس يا محمود العلاج عيطول وهياخدله اقل حاچه سبع عشر سنين  وممكن افضل اكده طول حياتي حالتي ميؤوس منها والأمل ضعيف... وغاليه طلبت مني لما نندل من مصر نقول ان إحنا سالمين ومحدش فيه عيب ونسيب الأمر على ربنا، وانتٍ ياما لما صدقتي و بقيتي عماله تسممي بدنها بحديد محدش يستحمله وهي ما نطجتش وكل ما احاول افهمك اللي في دماغك في دماغك أن هي المعيوبه وانا السليم! انما الحقيقه بقى العكس انا اللي معيوب وهي اللي مستحمله واحد زيي مفيش امل فيه و عمرها ما هتكون أم بسببي .

حركت زوجته يدها من على كتفه لتتشبث بمعصمه وهي ترجوه في صوتٍ باكٍ

= ما تقولش اكده يا سراچ انت راچل وسيد الرچاله وما فيكش عيوب إيه يعني ربنا ما رزقناش دلوج ولا طول العمر حتي، ربنا مديني حاچه ثانيه معوضنا بيها وزياده يبقى ليه هنبص على اللي ناقصنا عاد ونسيب كل ديه، وبعدين الدكتور قالنا في امل في العمليات الحقن المجهري بس انت اللي مش راضي 

نظر سراج إليها بقلقٍ حقيقي مؤكدًا لها بقوله 
بضيق شديد

= مش راضي عشان عارف انها هتكون صعبه وهتديكي أمل على الفاضي وانتٍ اكثر واحده هتضطري منها، يعني مش كفايه انك مستحملاني كومان هتشيلي حاچه انتٍ ما لكيش ذنب فيها... وبعدين حتي دي الدكاتره قالوا أملها ضعيف برده 

صمت قليلًا ليفكر محمود قائلاً بإصرار جاد

= بلاش التشاؤم ده يا سراچ حتى لو الأمل 1% دي حاچه بايد ربنا بس حاول تسمع كلامها فعلا وتجربوا حكايه الحقن المجهري طالما الامل ضعيف في الطبيعي.. وتوكل على الله وسيبها على ربنا . 

لم تنبس فردوس بحرف واحد بعدما تلقت هذه الصدمة المفجعة، فصارت غير قادرة على الوقوف أو الحركة، انما انخرطت في بكاء صامت.. 

أبقت على سكوتها المرير، فاستمر سراج في إخبارها لعلها تشعر بشيءٍ من الندم

= إيه ياما مش سامعلك صوت يعني دلوج؟ عرفتي مين فينا اللي أناني ومين اللي مستحمل التاني بعيوبه، عرفتي بقى ان غالية اللي مش عاچبكٍ دي طلعت بنت اصول وشايله كتير وما تستاهلش اللي انتٍ بتعمليه فيها، لو لسه شكه أني بكذب حاضر التحليل هتكون في ايديك دلوقيتٍ وعطلع اجيبهالك! 

ارتفعت وتيرة الضيق في ملامح فردوس و وصلت صوت انحباس أنفاسها، حينما نهضت لترحل دون الرد عليه وقد تحركت من امامهم 
بكل هدوءا زائف .

❈-❈-❈

جلس سراج فوق المقعد بداخل غرفته والألم يعتصر قلبه، انتابه ذلك الشعور الشديد بالحزن والممزوج بالرعب من فقدان غالية، فأحيانا يشعر بالانانية يعلم بأن حالته ميؤوس منها فلما تظل غالية جانبه ولا يتركها لتعيش حياتها وتكون أم! لكن كيف سيستطيع تركها لرجل آخر وينسى كل ذلك الحب الذي طال بينهما في تزايد مستمر بلا نهايه.

دخلت زوجته الغرفه بتلك اللحظة ولم يشعر بها من كثر التفكير فيه الهموم، فأخذت تحرك ذراعها بتمهلٍ فوق المعقد الجالس عليه و سرعان ما مدت يدها لتحتضن ذراعيه المسنود إلى جوار جسده الواهن أحس بوجودها أخيراً لفت كتفيه بذراعها ونظرت إليه بشغفٍ وهي تسأله في اهتمامٍ صادق

= مالك يا حبيت عيني، ليه الحزن عاد انا 
ما بحبش اشوفك أكده قولي اللي يريحك وأنا اعمله علي طول 

كان جالسًا بأعصابٍ مشدودة وقسماتٍ غير مرتخية ثم قال بجفاءٍ غامض 

= أنا عارف الحل يا غالية 

قطبت جبينها مندهشة قبل أن ترد بقلق 

= عارف إيه سراچ

أجاب باسمآ قليلًا رغم الوجع الذي عصف بقلبه

= مانا قولتك يا بنت الناس من اول ما عرفنا اللي فيها سيبيني و روحي شوفي حالك، أنا ما فيش فيا رجا 

دون تفكيرٍ مسبق أخبرته بنزقٍ وقد سحبت ذراعها لتمسك بكفه وتحتضنه بين راحتيها

= لااا يا سراچ اوعك تجول اكده تاني هزعل منك 

لم ينجح في مغالبة شعوره بالضيق والذي ظل ملازمًا له منذ معرفة عدم قدرته على الإنجاب والامر الذي يشعره بطعن رجولته فأشار لها بيده معقبًا بهدوءٍ حذر

= يا غالية طول ما انت چاري أكده عمرك ما هتكوني أم وانا..

اغرورقت عيناها بالدموع وأخبرته بألمٍ متزايد

= انت مكفيانى يا سراچ وما عايزاش اسمع حديد غير ديه صحيح مش أبو ولادى لكن أنت كل الخير ليا وشايلني على كفوف الراحة و عمرك ما رفضتلي طلب، وفوج كل ده عاشقاك يا ابن عمي، عايزنى بعد اكده اسيبك.!! شكلك اكده بطلت تحبني 

مرر ذراعه من خلف ظهرها ليحاوطها، ضمها إلى صدره وأخبرها بلطافةٍ وهذه النظرة الحزينة تبرق في حدقتيه

= انا برده يا غاليه انتٍ لو تعرفي النار اللي چوايا مش هتقولي أكده، ده انا من اول ما عيني طالتك وحبك اتزرع چوايا بجدارة لدرجه رحت وانا عيل ١٥ سنه طلبتك من ابوكي وانا لسه بشق طريقي لاني خفت تروحي لغيري! وابويا واعمامي قعدوا يضحكوا عليا ساعتها لكن انا صممت لما تكبري انا اللي هاخدك.. وابوكي الله يرحمه قالي وانا موافق بس بشرط! لو جد مهرها مش عمانع لان دي مهرها هيكون كبير دي البكريه واللي محيتليش غيرها .

رمقها بنظرة عميقة نافذة، فواصلت الحديث في مرارةٍ

= رديت عليه ساعتها وقلتله اذا كانت هي بالنسبه لك بنتك وحته منك! فهي بالنسبه لي هتكون كل حياتي وهشتغل ليل ونهار من دلوج عشان اچمعلك فعلا مهرها.. دي غالية وهي غاليه، وبعد ما كبرت وبقيت اشتغل وجمعت مهرك قالي اكده انت راچل من ضهر راچل بس ما جدامكش غير رأي العروسه لو هي جالت آمين اعتبرها من الساعه دي بقت ليك وهعملك فرح الكل يتحاكى عنه .

كانت بالفعل غاليه الفتاه الوحيده التي عاشت من بين خمس اخوات اشقاء ماتوا في عمر شهور، لذلك كانت الوحيده المحببه الى قلب أبيها وامها وكانت الغاليه لديهم بالفعل، و اصبحت الآن الغاليه لدى زوجها دس أنفه في منحنى عنقها لتشعر بلهيب أنفاسه الحارقة على جلدها وهو يضيف شارد الوصف في حبها

= ما كانتش ساعتها لسه بقيت عمده ولا ربنا اداني من خيرة كيف دلوج عشان اكده قالي انا اللي هشيل الفرح عنك وكفايه عليك المهر الغالية، بس كنت خايف جوي لا ترفضيني بعد كل ديه 

أبعدت يدها عنه لتحتضن وجهه بين راحتيها فحصه إياه بنظراتها الثاقبة بحب وقالت بنبرة تأثراً 

= ولما رحت سألتني قلتلك روحى ملكك يا سراچ يا ولد عمي

رمش عينه مشتعلاً بأشواقٍ زادت خفقان قلبه
ثم ابتعد هامسًا لها بحرارة

= صوح فاكر لحد دلوقيتٍ لما قولتلك يا غالية إحنا ماحليتناش كتير و أبويا راچل على باب الله وأنا محلتيش حاچه غير مهرك اللي جبته بطلوع الروح عشان املكك.. قالتلي هو الراچل الصوح بالفلوس عاد ولا احس انه شاريني بچد وهيحافظ عليا وعمره ما هيضرني وهيكون اماني وهو ديه بس اللي طالبه منك يا ابن عمي.

حدق متأملاً بوجهها بنظرات مطولة فإضاف بهدوء وهو يمسح تلك قطرات الدموع المتجمعة عند شفتيها

= كنتي وش الخير عليا بعد اكده يا غاليه ولما ربنا اداني عمرك ما طمعتي اكتر من الامان حتي الدبلة اللي لسه لبساها لحد دلوج هى شبكتك اللي كانت من زمان.. ومهما اجيبلك تقوليلي حلوين بس مش هخلع دبلت جوزي منك اللي بتفكرني باحلى أيامنا و لا يمكن أخلع الدبلة اللى أتجوزتك بيها يا سراچ..

سحبت نفسًا عميقًا هي تشعر بالتاثر أثر حديثه وحبه العميق لها، لتخنق به نوبة البكاء التي توشك على البدء فيها وأخبرته بابتسامة باهته 

= عشان كانت فعلا غاليه عليا يا سراچ ويومها انا فاكره حاولت تجمع فلوس اكتر عشان تجيبلي وزن زياده وحاچه تليق بيا وكنت زعلان لما ما قدرتش وانا قلتلك ده كفايه عليا وعمري ما هجلعها من كتر ما هي عچباني .

قام بعدها بالمسح بترفقٍ على وجنة زوجته وهو يقول بفخر واعتزاز بحبها

= طول عمرك بنت اصول يا غاليه وعمرك ما حسستيني أن أنا اقل من اي راچل تاني، عشان اكده حبك كان بيزيد جوايا يوم عن يوم ومعاوز اظلمك معايا انتٍ تستاهلي اكتر من اكده بس يا ريته بايدي والله وانا اجيبلك اللي اكتر من العيال.. وانتٍ تقوليلي بعد كل ديه بطلت أحبك ده انا معرفش هحبك اكتر من اكده إيه؟ بس عشان بعشقك فعلا حاسس نفسي اني وحش جوي واناني وظالم وبحاول افتح عينك ان انا ممكن حياتي تفضل طول العمر أكده فما تضيعيش عمرك جنبي يا بنت الناس .

استندت برأسها على كتفه وخللت أناملها بين أصابعه لتتشابك معًا، ثم رفعت يدها الأخرى الطليقة نحو عنقه لتداعبه برفقٍ، قبل أن تصر عليه بكلامها

= انتٌ مش هتظلمني ولا حاچه عشان انا راضيه وبعدين لو كان العكس و انا اللي مش بخلف كنت هتسيبني ولا ايه؟ 

ضمها إلى حضنه في رفقٍ أكثر ولف ذراعيه حولها ليحتويها وهو يقول بلهفة صادقه

= يمين بالله ورحمه ابويا والغاليين كلاتهم ما كنت هسيبك ولا حتى افكر اتجوز عليكي واظلمك كيف ما امي عماله تعمل دلوج وهي مفكره العيب فيكي، حتى لو قلت ان فعلا كان فيا عشان تحل عند دماغنا لكن ما ااذكيش بايدي يا غالية وانا عارف منيح يعني ايه تشوفيني مع غيري حتى لو الكل هيقولي حقي.. هرد واقول ما عاوزوش الحق ديه؟!. 

أبتعدت عنه وحدجته بهذه النظرة القوية المستنكرة قبل أن تلومه

= وانا واثقه فيك من غير حلفان يا ابن عمي  
وبعدين يعني انت اللي هتستحمل تشوفني مع غيرك عاد وانا مخلفه عيال مش من صلبك ولا إيه؟ هتستحمل يا سراچ حد غيرك يلمسنـ..

نظر لها شزرًا، سرعان ما تحول حزنه الفجائي لامتعاضٍ عابس وهو ينهرها بغيرة حارقة كأنما قد استاء من تلميحها فقط

= بس يا غاليه اجفلي خشمك خالص ده ما اتخلجش بس إللي يفكر يبصلك بصه ما تعجبنيش مش يتجوزك ولا يقرب منك؟ و بعدين مين قال اني هسمح بحاچه كيف اكده تحصل حتى لو هملتك  

تجاهلت غضبة بسخافة وأخبرته بما أغاظه أكثر

= الله ما شيء طبيعي طالما هتطلقني و عمال تقولي شوفي حياتك وانا مش هقدر اخلف معنى حديدك عاوزني اروح لغيرك واتجوز واخلف كومان.

انتفض من مكانه بغضب شديد كأنه يستحق ذلك لهجره القاسي، وبُعدها كلامه الموحش عن فراقه ليقول بصرامة حاده 

= وبتعديها تاني قلتلك اجفلي خشمك خالص مش هيحصل يا غالية حتى لو على موتي! ان شاء الله اكتب وصيه بكده عشان محدش بس يفكر يلمسك ولا وانا حي ولا و انا ميت.. يا بوي على حرجه الدم بس لما فكرت فيها على جثتي يا غاليه تكوني لغيري 

تأملت هذا التعبير الحانق على وجه بتمتع أكثر برؤيته يغار عليها مردده 

= طب هدي نفسك انا ليك دلوج مش لغيرك بس انت اللي هتضيعني منك طول ما بتخلي الكلام العفش ديه يدخل في دماغك وتسمع لغيرنا، انا ما يهمنيش في الكون ده غيرك و مش هتطلع احسن مني ونفس اللي كنت هتعمله معايا لو كان العيب فيا انا هعمله ومش هسيبك وبعدين بلاش تشاؤم لسه قدامنا علاچ وعمليات وحلول كتير ممكن نخلف بيها بس انت ربنا يهديك بس وتوافق وندعي ربنا يكرمنا .

ابتسم في غير تصديقٍ وابتهج كليًا، للدرجة التي جعلته يحتضنها بقوةٍ وهو يردد

= بتفوري دمي يعني ماشي يا غاليه بس بلاش تلعبي تاني مره بالطريقه دي معايا إلا غيرتي عليكي وانتٍ عارفه طبعي كويس فيها ما بشوفش قدامي ولا بكون العمدة الحكيم اللي بيحكم بالعدل بين الناس حتى لو على حساب عيلته.. في الحته دي بالذات بيركبني ميت عفريت فما تخليش جناني يطلع عليكي وبعد اكده ترچعي تشتكي . 

ابتسامة زهو علت ثغرها وهي تقول بنبرة حنان

= انا اشتكي برده من غيرتك عليا يا سراچ ديه هي احلى حاچه بحبها فيك عشان بتبين قد ايه حبك وعشقك ليا اللي ما لوش نهايه

اقترب منها أكثر والفرحة تملأ محياه، فظهرت ابتسامته المشرقة على الأخير وخاطب زوجته بعد أن قبل جبينها 

= أبا، ما تبقيش عامله كيف القطط تاكلي و تنكري عاد، انا ما بفوتش دقيقه إلا وأنا ببين قد ايه بحبك وما قادرش اقعد ثانيه واحده الا وانا بشوف طلتك عليا... في طرق كتير ممكن اعبرلك فيها عن حبي ليكي من غير حرجه دم 

ابتسمت غالية بسعاده وهتف بدلال اذهب
بعقله

= كيف ايه؟ عرفني عليها يا ولد عمي .

نظر إليها في محبةٍ فأحنى رأسه على شفتيها يقبلها منهما ليضيف في صوتٍ أقرب للهمس 

=بعشقك يا غالية.. بعشقك يا اغلى ماليه!. 

قالها أمام شفتيها وهو يدفعها برفق نحو الفراش ويميل عليها مختطف شفاهها بقبلات رقيقه متتالية.. فلم يجد القدرة على مقاومتها اكثر فقد اختطفته وجعلته يقع اسيرها منذ زمن طويل واسير كلماتها تلك، لذلك بكل استسلام انحنى عليها يقبلها بكل شوق ولهفة يسرق معها لحظات من العمر سيظل يتغنى لها قلبه وعمره بأكمله .

❈-❈-❈

كانت كمن تملك مفتاح زمامه بعدة ملاطفات مدروسة منها استطاعت أن تجعله يضحك من جديد ويشتهي وِدّها ويتحرق إلى حنانها لينسى كل احزانه في أحضانها لوقت لاحق، حتى يشبع افتقاده للحب الصادق والاهتمام الزائد معها، قبل طلوع الفجر بعدة ساعات أستيقظ سراج ولم يعود للنوم من بعدها بسبب التفكير الزائد في تلك المسألة! بالاضافه الى التردد الذي ظهر على ملامحه والقلق أيضاً 

آفاق على يد زوجته التي هتفت بصوت ناعس

= في ايه تاني يا سراچ صاحي ليه لحد دلوقيتٍ ما تنام بقي وريح حالك هبابه، انت عارف مليح من اول ما بتصحى ومشاكل الناس ما بتخلص والشكاوي.. فلازم ترتاح وبطل تفكير وسلم امرك لله   

أجابها باسلوب أكثر جدية محاولاً ألا تظهر نبرته الغامضة لها

= مش حابب انام وأنا قلقان ومزعلك يا غالية وانك تطلبي حاچه وانا مش قادر البها لك دي مأثره فيا كتير.

تنهدت الأخري بضيق وقالت بانزعاج

= تاني يا سراچ هدي أعصابك يا حبيبي، كل حاچة هتتحل احنا بس نسلم امورنا لربنا وهو هيحلها من عنده  

زفر سراج بتردد ثم قال بإبتسامة حنونة

= غالية انا موافق اننا نعمل عمليه الحقن المجهري يمكن تظبط معانا على رأيك 

انتفضت فوق الفراش بسعادة وقالت بلا تصدق

= بتتحدد صوح يا سراچ؟!

هز رأسه بالايجاب وهو يقول بصوت قلق 

= انا والله كنت رافض من البدايه عشان خاطرك بس! عشان عارف ان الموضوع ديه معناته امل كبير وكسر خاطر برده، غير التعب اللي هتتعبيه كيف ما بسمع.. لكن طالما ما قدمناش غيره يبقى نحاول ندي لنفسنا فرصه ممكن ربنا فعلا يرزقنا حتى لو حته عيل واحد 
هكون راضي والله.

لم ترف عيناها وهي تشعر كأنه يدغدغ مشاعرها نتيجة كلماته وحبه الذي أصبح ملازمًا لها، ثم ابتسمت قائلة بفرحه 

= ما تقلقش يا سراچ انا هبقى كويسه و بعدين تعب عادي كيف ما كل النسوان بتحس بيه امال الجنه تحت أقدام الأمهات من شويه.. ما تعرفش فرحتي قد ايه انك وافقت أخيرا 

داعبها في محبة وهو يهمس في أذنها برقة

= أنا موجود عشان أنسيكي أي زعل مش ايشيلك همي يا غالية، انا بحبك جوي وما ليش غيرك يا حبيبتي.. 

ابتسمت ابتسامه عريضه ثم قالت بلهفة

= طب هنبدا ميتي أعمل العمليه 

بدلها الإبتسامة على سعادتها ثم قال بجدية 

= اديني يومين بالظبط اخلص اللي ورايا اهنيه ونندل مصر عشان نتفق مع الدكتور اللي كشفنا عنده آخر مره باين عليه مليح والكل بيشكر فيه . 

❈-❈-❈

الخوض في تجربه جديده ممتلئ بمئات الاحتمالات السعيده والتعيسة جعلت سراج يشعر بقدرٍ من الرهبة يتسلل إليه لكن مع ذلك القلق تابع الطريق مع زوجته داعي الله ان يرزقه بمولود حتى وان كان طفلاً واحد فقط 
ليجعله يشعر بالابوه ويسمع كلمه أبي، كل ذلك ما كان يريده لذلك لم يهتم اذا كان المولود صبي أو فتاه عكس والدته التي كانت طوال الوقت تناشد باستمرار بأن يجب ان يكون المولود صبي وحاول سراج بكل الطرق ان يخبرها بان ذلك بأمر الله وليس لهم يدي فيه لكن مع ذلك لم تقتنع فهي رغبتها بان يكون المولود صبي كانت شديده للغاية...

هزت رأسها فردوس باعتراض صارم وهي تردد

= لازمت تكون خلفتك فيها صبيان ولا كلاتهم حتى! الولد يا سراچ هو اللي عيشيل عنك و يكون ظهرك وسندك سامعني! الولد يا سراچ لازمت اول خلفتك ولد لأجل يسندك في حياتك ويكون عزوتك.

وعندما كان يشعر بالياس من وجهه نظرها واصرارها على أن يكون المولود صبي كان يخبرها باختصار شديد 

= ادعي ياما الأمر ولا بايدك ولا بايدينا. 

مضي وقت طويل في تلك الاجراءات حتى أخيرا خضعت غاليه للعمليات ولم يتركها سراج لحظه واحده، فكان محق الأمر كان متعب ومرهق للغايه عليها حتى كان يأتي عليه لحظات ويريد أن يتراجع عن ذلك لكن لم يستطيع فعل ذلك وافساد فرحت غاليه بعد ان دب الأمل داخلها، وبعدها ظلوا في انتظار النتيجه بفارغ الصبر .

❈-❈-❈

أراح سراج مرفقيه على حافة النافذة و استند بذقنه عليهما معًا ليتطلع بشرودٍ حزين إلى المارة السائرين في الشوارع فهو في منزله بمصر، بدأ من بعيد كما لو كان غارق في دوامة من الهموم والأثقال وحين أتي زوجته وجلست إلى جواره لم يشعر بوجودها بقي في انفصاله عن الواقع لمزيد من الوقت، وضعت يدها على كتفه لتنبهه وهي تتساءل باهتمامٍ

= مالك يا سراچ من الصبح وانت واخد جنب ومش راضي تقعد مع حد ليه ؟ 

أجاب سراج دون أن ينظر تجاهها 

= قلبي متوغوش جوي يا غالية، معرفش لو النتيجه طلعت سلبيه و مش حامل ايه اللي عيحصل؟ الدكتور بنفسه قالنا ان ممكن ما تنجحش من اول مره، مش هنعيد كل ديه من تاني عاد انا مش هستحمل تعبك ديه من اول وچديد وانا السبب أصلا

مطت فمها قليلًا في تأثرٍ ثم غمغمت معقبة بصوت متوتر 

= وبعدها لك يا سراچ بلاش تشاؤم انا اعصابي مش مستحمله ومن الصبح وعماله اشغل نفسي فايتها حاچه عشان ما افكرش في الموضوع وادينا مستنيين تليفون منهم يقولوا النتيجه ايه؟ بس انا مش معاك ان احنا مش هنجرب تاني انت اكثر واحد عارف السعي مش بيچي من اول مره 

نهض والتفت نحوها بضيق شديد وهو يقول بصوت حزين

= غاليه حتى لو ما اشتكتيش انا شايفك بعيني، انا مش فارق معايا عيال ولا اي حاچه في الدنيا عندي غيرك، حتى ولو الحاچه دي روحي فيها ونفسي بجد في حته عيل واحد بس انتٍ عندي أهم.

وقبل أن يتحدث أحدهم مجدداً استمعوا الى صوت الهاتف، فتعالي صوت غالية اللهفى والمشتاقة لسماع الخبر اليقين هاتفه 

= ده أكيد هم التليفون من المستشفى ؟!. 

ابتلع ريقه بصعوبة ولحظتها أمرها في هدوء
إن تجيب هي بدلاً منه وفي عجله أجابت بالفعل وهو كان يراقب رده فعلها لعله يفهم ما حدث ويطمئن لكنها بعد دقيقتين أغلقت الهاتف بكل هدوء مريب وصمتت بلا تصدق، ثم تفاجأ بها عينها تدمع دون مقدمات أخفض رأسه بإحباط شديد وهو يقول بصوت مرتبك 

= هم قالوا لك ايه؟ طمنيني يا غاليه؟ خلاص يا حبيبتي لو ما فيش حمل نسيبها على ربنا بقى ونرضى بالمكتوب و...

شهقت فجأة مصدومة حينما تسارعت دقات قلبها في تلهفٍ فرح، وهي تردد بسعادة 

= أنا حامل يا سراچ العمليه نجحت .

صدمة كبيرة سيطرت علي الآخر حين سمع الخبر اليقين أخيراً ليزيح الحزن والهم ويرسم السعاده وهو يهبط ساجد ليشكر ربه، فهز شفتيه هامس بامتنان لله وحده عز وجل 

= ألف حمد وشكر ليك يا رب.. الحمدلله.

❈-❈-❈

مرت أشهر الحمل بطيئه على الإثنين وهم ينتظرون المولود الأول لهم بفارغ الصبر، وكان سراج دائما بجانب زوجته يرعاها ويهتم بها و من شعوره بالخوف لفقدان زوجته أو الجنين منعها من الحركه تماماً والنزول على الدرجه والعمل في المنزل مثل سابق، لتلازم الفراش فقط مرتاحه تتغذى هي وطفلها، وبالطبع لم   
يتخلص من تعليقات فردوس الساخره على اهتمامه البالغ بزوجته ومن ناحيه أخرى إصرارها على أن يكون المولود صبي .

وجاء أخيراً اليوم المنتظر يوم الولاده، بمنطقة الانتظار المخصصة لأهالي المرضى كان سراج وأمه في انتظار الأخبار السعيده على سلامه الاثنين لكن انطلاق منها صرخة أكثر فجيعة
جعلت سراج يشعر بالقلق أكثر وتخيل السيناريوهات السيئه ولم يطمئن الا عندما
التقطت عيناه ذلك الطبيب الذي خرج من غرفة العمليات . 

قفزت أمه واقفًه من موضع جلوسها خلفه ملهوفه تري إذا كان الطفل صبي مثلما تتمنى، ليسرع سراج في خطاه تجاهه متسائلًا عن الأخبار فأعطاه البشرى بالمولوده طفله رقيقه كالنسمه اللطيفة، أبتسم بسعادة كبيرة وفي ذلك الأثناء تقدمت الممرضه بالطفله فشكرها سراج علي قدومها فقد انتظر على أحر من الجمر خروج رضيعته وكذلك زوجته من الداخل ليراهم معًا.

هتف سراج بفرحه للرضيعه النائمه كالملائكة

= انا بقيت اب، بقيت اب ياما وعندي بنت كيف البدر 

تجاهلت فردوس الصغيرة عن قصدٍ، و رفعت حاجبها للأعلى وردت بتجهمٍ طفيف

= حسره عليك يا ابني رايح چاي بيها من الصعيد لمصر ودافع دم قلبك تكاليف كثيره وكلنا اتعشمنا وفي الآخر تجيبلك بنت؟!. آه، يا وچع قلبي عليك يا ضنايا!

ضغط علي شفتيه وأصر علي كلامه وهذه الابتسامة الصغيرة تزين صفحة وجهه وهو يحمل أبنته بين يديه من الممرضه التي رحلت بعد 

= منيحه ياما احسن من ما فيش انا كنت طايل! الحمد لله مش هتشرط كمان على ربنا وانا ما كنتش لاقي اصلا وبعدين هي دي مبروك ليا ولا حتى قربتي تشوفي حفيدتك

لوت شفتاها بتهكم ولم تكتفِ بذلك بل صرخت عاليًا بجحود غير مبالية بلفت الأنظار إليهما

= يا ابني ما جلناش حاچه بس هيعملوا ايه البنته دول؟ على الاقل بعد تعب الاعصاب ده كلاته تجبر بخاطرك وتجيبلك الواد واديك شايف حملها كومان بعمليه مش كيف الخلق كومان وكيف النسوان العاديه 

اندهش أبنها لمبالغتها وظل يحدق بها وهو يأمرها بضيق شديد 

= لا حول ولا قوه الا بالله ياما وهي مالها بحاچة كيف دي، بالله عليكي سمعيني كلمه مبروك وما عاوز اسمع اكتر من اكده وما تكسريش فرحتي .

راحت تردد بذهولٍ وعيناها تبرقان بشدة

= فرحتك ببنت! تكونش فاكرها هتعرف تقلع في الارض كيف الرچاله وتحل وتربط في المجلس زيك وسط الناس.. ما معروفه اخره البنته القاعدة في البيوت للخبيز قدام الفرن والچواز ولا منهم منفعه اكتر من اكده .

نظر نحوها بغضب مكتوم، فنفد صبرها على الأخير فانتفضت تصيح به وهي تهتم بالرحيل 

= خلاص ما تبصليش كتير جفلت خشمي خلاص وسكت اهو، بس صدقني بكره هتندم على خلفتك دي.

تحرك سراج بابنته مبتعدا بعد ذلك لينظر لها بحب شديد وغريزته جعلت مشاعره المرهفة تتضاعف خوفًا عليها وحب، فهمهم بلا صوتٍ

= ما تزعليش من ستك ولا تصدقي حددتها انتٍ هتكوني عندي كيف غاليه بالضبط وعمري ما هفرق بينكم.. ما تعرفيش كنت مستنيك انا وامك قد ايه أنا مش مصدق اصلا انك بين ايديا دلوج

مط فمه معلقًا في إعجابٍ بينما رفع يدها برقةٍ إلى فمه ليقبلها بنعومة قائلًا 

= عارفه كومان هسميكي ايه؟ بسمله!. عشان انا متفائل خير بيكي وهتبقي البسمه اللي في حياتنا كلاتنا أن شاء الله.

❈-❈-❈

بعد مرور أربع سبع سنوات، تغيرت الأشياء الكثير في تلك السرايا وأصبحت السعاده و الدلال عنوان لها بعد قدوم تلك الصغيره على الحياه فالجميع تعلق بها واحبها ما عدا فردوس بالطبع والتي تضايقت اكثر عندما أخبر سراج الجميع بإنه سيكتفي بالصغيرة ولا يريد طفل آخر! 

فقد أصبحت بسمله المدلله لوالدها وفرحته الكبيرة فقد جاءت بعد اشتياق كبير لذلك أدخلت السعادة والأمل إلى حياتة بعد سلسلة طويلة من الخيبات المتواصلة، وكان اليوم عيد ميلادها السابع الذي كان كالعاده يتجهز بالسرايا وسط اجواء عائليه مبهجه .

كان محمود يلعب مع بسمله وهي كانت تضحك بشدة وعندما رأت أبيها داخل تركته و ركضت بسرعه الى والدها الذي استقبلها بحب شديد بين أحضانه وقبلها عده مرات بحنان 

= حبيبه ابوكي 

هبطت بعد ذلك الصغيرة لتذهب بسرعه على الاريكه لتجعل والدها يشاهد رسوماتها، لكن بتلك اللحظة أنهت فردوس صلاتها ودفعت الصغيرة بقسوة لتزيحها من أمامها وصوت صراخها يسبقها

= انتٍ يا بنت بطلي كل شويه رايحه چايه قدامي وانا بصلي ما كفكيش التنطيط اللي كل شيء تعمليه في السرايا والمقالب بتاعتك  
يا قليله الربايه، واللي ذات وغطى عاملينلك كومان عيد ميلاد محدش يحلف بيه دلع ماسخ 

شهقت الصغيرة بخوف وركضت إلي احضان والدها فهي معتاده على هذه المعامله القاسية من جدتها، حينها غامت تعابيره تمامًا وكز على أسنانه مهسهسًا

= بالراحه يا إما خلاص ما كانتش تقصد اكيد وحقك عليا انا.. بس مش مستاهله تذوقيها اكده وتخليها تخاف منك. 

نفخت بصوتٍ مسموع قبل أن تجيبه ببرود مستفز 

= ولا تقصد ما هو من دلالكم معاها اشربوا بكره تجيبلكم العار والمشاكل ما هو ده اللي بيقي من ورا خلفه البنته. 

تضايقت غالية من معاملتها لبنتها لكن حاولت إلزام الصمت حتى لا تسير المشاكل اكثر، بينما تنهد زوجها بضيق شديد وهو يقول بصوت جاد

= وبعدها لك ياما خلاص مش هتفتحي موال كل يوم! قلنا لك ما كانتش تقصد وخلاص كفلي بقى على السيره دي 

لوت ثغرها باستهزاء صائحة بإصرارٍ ووجهها يشتعل بحمرته الحانقة

= كومان هتتخانق معايا عشان خاطرها ولا ايه هتكبر عليا ولا ايه عاد

نظر لها شزرًا، وغالية مثله تشعر بسخونة الجو وتوقعت تغير الاجواء للاسوء فقالت في محاوله ما بعد زمة سريعة لشفتيها

= خلاص يا سراچ ما حصلش حاچه بسمله من الصبح فعلا عامله دوشه وانا عماله اقولها اسكتي وهي مش راضيه خلاص، حقك عليا يا مرات عمي امسحيها فيا و انا مش هخليها مره ثانيه تخرج من الاوضه وتلعب طول ما انتٍ قاعده بره... 

امسكه محمود بسرعه قبل ان يتشاجر وهتف بتذمرٍ

= خلاص يا جماعه النهارده عيد ميلاد مش هتقلبوها نكد يلا عشان بسمله تطفي شمع التورته بما انك جيت يا سراج.. 

عقد سراج حاجيبة باهتمام قائلاً بنبرة حادة

= اخوك فين برده لسه فيه العاده الهباب دي وبيصطاد بره

أومأت فردوس برأسها مغمغمة بسخرية 

= معلش بقى المره الچايه نحذره قبل ما يطلع من الدار عشان جنابك تطفي شمع بنتك والكل حواليك، سيب اخوك في حاله وما لكش دعوه بيه هو مش لسه عيل صغير هتتحكم فيه خليك في بنتك اللي مش قادر على تربيتها .

مال محمود بجسده نحو أخيها ليهمس في أذنه بحذر

= سراج عشان خاطري انا خلاص عدي الليله  عادتها وانت عارف انها بتعمل كل ده من ساعه ما خلفت بسمله وقلت انك هتكتفي بيها ومش هتجيب ولاد تاني... فما تردش عليها ولا تناولها اللي في بالها، وادعي ربنا يهديها لنا امك بقى هنعمل ايه عقلها كده .

هز رأسه سراج بقله حيله وحمل أبنته بحنان وذهب الجميع حول المائده لاطفاء الشموع، و حاول الجميع رسم الابتسامات والسعاده لأجل الصغيره، لكن بتلك اللحظة دخل الغفير صائحا 
بفزع

= يا سياده العمده.. يا سراچ بيه الحق اخوك محمد، عيله البدري بتجري وراه عايزه تموته عشان موت واحد من عيلتهم بالبندقيه وهو بيصطاد .

عندها انخلع قلب فردوس وغاص بين ضلوعها هلعًا وفي التو أظهرت صدتها الكامل بهتافها الحارق 

= لاااا ولـــــدي...


                    الفصل الثالث من هنا

تعليقات