رواية العمدة وبنت العم الفصل الثالث3بقلم خديجة السيد


رواية العمدة وبنت العم
 الفصل الثالث3
بقلم خديجة السيد



في السرايا احتضنت فردوس محمد أبنها وكأن وهج الحياة النابض قد عاد إليها دفعة واحدة، فما إن سمعت صوته العذب وراته بخير أمامها فاول ما سمعت ما حدث اعتقدت بأنه اصابه مكروه لذلك كان يتحرَّق قلبها حتى احتضنته و صاحت بلوعةٍ أموميةٍ شديدة

= يا حبيبي يا ابني بركه انك بخير وسليم يا ولدي 

نطق سراج بحزمٍ مُستعتب

= كام مره قلتلك بطل طلوع بالبندقية دي برا الدار وبرده بتنفذ اللي في دماغك وتخرج من ورايا وادي اخره مصايبك موت واحد من عيله البدري 

قال محمد بسرعه بندم بما لا يدع مجالًا للشك في نواياه الجميع تجاهه 

= قتلته من غير ما أقصد حاسب على كلامك يا سراچ انا مش قتال قتله، غصب عني وانا بعمر البندقيه لقيته فجاه ظهر قدامي وما اعرفش كيف صوبت عليه ومات لكن اقسم لكم بالله ما كانت نيتي أكده انا اصلا ما اعرفش مين الجدع ديه اللي انا قتلته!. 

ضغط توأمه علي شفتيه وهو يقول بصوت حاد

= برده غلطتك، اخوك معاه حق انا تعبت معاك من كتر الكلام وبرده بتنفذ اللي في دماغك تقدر تقولي هنطلع كيف من المصيبه دي 

أجابت أمه في صوتٍ حانٍ ومملوء بالشجن 
مدافعه عنه

= ما بالراحه على الواد مالكم ما جالكم ما كانش يقصد ما يعرفش حتى الچدع اللي ضربه ديه، وبعدين ما عيله البدري انكرت أن هو اللي ضرب ابنهم اكيد هم كومان عارفين ان احنا سمعتنا سبقانه ومش وش اكده 

تحولت ملامحه للإظلام وراح يحذرها بتشددٍ

= هو انتٍ خابره هم ليه انكروا؟ عشان ياخدوا التار من ابنك بنفسهم ويجتلوه! مش عشان عارفين أن ما كانش يقصد الحاچات دي ما تنفعش معاهم اصلا سواء قاصد ولا ما اقصدش حق ابنهم هيجيبوه مننا، ابنك لبسنا في حفره غويطه هتتفتح علينا ملهاش اول ولا آخر.. امال انا عامل احرق في دمي ليه معاه 

أكد محمود على حديثه قائلاً بحسرة

= احنا في الصعيد ياما وانتٍ خبره كويس عويتهم سراچ معاه حق لازم نتصرف عشان نحل الموضوع قبل ما يكبر و لا لقدر الله يعمله فيه حاجه 

نظرت له أمه بعينين حانقتين وهتفت بقلق 

= يا نصيبتي يا ولدي, وأنتم هتسكتوا لااا اعملوا حاچه أبني مش هيروح مني اتصرفوا 

صمت سراج قليلًا ليفكر قبل أن يقترح عليهما

= اهدي ياما هتشوفلها حل ان شاء الله اسمعني كويس يا محمد السرايا دي مش هتخطيها بره خالص لحد ما نحل الموضوع، عيله البدري لو شافوك لوحدك هيصطادوك، الكلام ليك انت كومان يا محمود خف شغل الفتره دي في المزرعه وانت كومان يا فؤاد ما فيش مرواح للمدرسه الفتره دي.. لحد ما اشوف هعرف احلها كيف مع عيله البدري 

ظل محمد يردد بصوت جاد حزين

= والله ما كنت اقصد اقتله هو اللي ظهر فجاه قدامي انت مش مصدقني ليه؟ طب سلموني حتى للبوليس وهم يتصرفوا واكيد هيعرفوا ان انا بريء 

رفعت أمه يدها تحوط ذراعه لتشير إليه بالآخري بحركة اعتراضية قبل أن تأكد على كلام أخيه هاتفه بقلق 

= انت بتقول ايه انت كومان مش هتتحرك من چاري خالص كيف ما اخوك قال و سيبه هو يتصرف، انا ما عنديش استعداد أخسر حد فيكم وما توجعوش قلبي عليكم اكتر من اكده 
جيب العواقي سليمه يا رب.

❈-❈-❈

لأشهر متواصلة خاض سراج فيها حربًا صعبة للغاية ليتمكن من الحصول على أي حل مفيدة يمكنه منه الوصول إلى الصلح والتنازل عن الثأر بعدما قتل محمد شخص بريء ليس له ذنب غير متعمداً لكن بنهاية الأمر يظل شقيقه ويحاول أن يوقف تلك الدماء حتى لا تطول أحد من اشقائه، وعند دخوله السرايا كان الجميع في انتظاره فنهضت غالية وتساءلت بلهفة 

= عملت ايه يا سراچ طمني عيله البدري وافقت على الصلح مش أكده.

استدار إلي أخيه محمد الجالس بينهما بصمت ليقول بتعصبٍ ليزيد من إحساسه بالذنب لما فعله

= متوقعه هيوافقوا بالسرعه دي وعلى طول اكده هو احنا دوسنا على رجليهم بالغلط احنا قتلنا لهم قتيل! رفضوا طبعا ومصممين انهم هياخدوا التار مننا وقولوا لي كومان اللي هنطوله من عيلتكم اترحموا عليه مش هيفرق معانا المهم ناخد حق ولدنا .

نظرت فردوس الى ابنها بقلق وتحدثت في رجــاءٍ

= والعمل يا أبني هنفضل قاعدين اكده لحد ما يخلصوا على حد منكم ويحرقه قلبي عليكم لاء اتصرف شوف اي حاچه هم عاوزينها عشان يتنازلوا عن التار ديه 

أغمض عينيه بعدما ألتفت بظهره ليقول بصوتٍ مهتز ومختنق

= كأنك مش من اهنا عاد وما عارفاش عوايد الصعيد وتقاليدها الموضوع مش بالساهل أكده ياما لازم نعمل كذا جلسه ونجيب كبار البلد ندخلهم في الموضوع لحد ما ربنا يهديهم ونشوف حل يرضي جميع الاطراف، بدل ما نفتح على بعض دم ما لوش نهايه كيف ما بيحصل مع العائلات اهنا ما بيقفوش لحد ما بيخلصوا على رچاله العيله كلاتها

تدلى فك والدته للأسفل وراحت تلوم في تحيزه 

= طب ما تعمل اكده يا ابني بسرعه مستني إيه، كل دقيقه بتعدي عليا بحس ان انا هخسر حد منكم جرب تاني وريح قلبي وحلها 

حاول السيطرة على الرجفة العظيمة التي تفشت فيه، وأكد لها بجدية شديدة

= تاني ياما قلتلك الموضوع مش بالساهل ما انا لسه چاي من عندهم قصادك اهو ومافيش حاچه اتحلت ومع ذلك هروح تاني وثالث لحد ما نشوف حل ويتنزلوا على اللي في دماغهم حتى لو هنعرض محمد على البوليس هيكون ارحم من الدم اللي هيتفتح علينا ده.. انا ما بنامش وطول الليل والنهار عمال افكر كيف احلها وما عارفش الموضوع ممكن ياخد اكتر من سنين عادي بس لازم ما يطولش صحيح، بس مش بايدي 

نظر إلي زوجته للحظةٍ قبل أن يتوجه بسؤاله بحذر

= المهم كيف ما قلتلكم ما حدش يخرچ من الدار الفتره دي خالص سامعين؟ امال فين محمود؟!. 

نظرت غالية له بتردد وهي تقول بقله حيله

= جاله شغل مستعجل في المزرعه وحاولنا والله كلنا نمنعه بس هو اللي صمم يمشي، و قال في جاموسه حالتها صعبه جوي و محتاچه تولد دلوقيتٍ وما فيش حد غيره .

انزعج سراج لخروج اخيه في هذا التوقيت، لم يحبذ ظهوره أمام عائله البدري حتى لا يصيبه مكروه، لذا استدار بجسده ليرحل ومواجهًا خاطبه في لهجته الآمرة

= برده ما فيش فايده بتمشوا بدماغكم! انا رايحله واياكم حد يطلع ورايا لحد ما اجيبه وارچع.. انا هلاقيها منين ولا منين بس يا رب 

تحرك بسرعه للخارج ليجد الغفير في وجهه 
ليردد بصوت مرتعش

= سياده العمده في حاچه لازم تعرفها حصلت 

لم يلتفت إليه وطلب منه في عجاله

=مش وقته هات العربيه بسرعه عشان نروح المزرعه ناخد محمود من هناك، يلا اتحرك انت واجف قدامي ليه عاوز اروحله بسرعه قبل ما حد يشوفه ويعمل فيه حاچه 

لم يتحرك الكثير من مكانه وراح يردد بصوت منخفض بحذر

= مـ آآ ما يا سياده العمده هو ديه الموضوع اللي عاوز اقولك عليه؟ محمود بيه لجوه في المزرعه مقتول وتعيش انت .

اتسعت عينا غير مصدق فاندفع تجاهه ليمسك بياقته وهو يصرخ فية بشراسة 

= بتقول إيه يا مخبل انت اخويا انا؟ لااا انت كذاب اكيد ما لحقوش بالسرعه دي وانا لسه چاي من عندهم ووعدوني مش هيعملوا حاچه.. محمود بخير وسع من قدامي انا هروح اچيبه من المزرعه بنفسي. 

شعر الغفير بأنه عاجزٌ عن تقديم أدنى مساعدة فبدا الآخر مشفقًا عليه، فقال كنوعٍ من المؤازرة

= سراچ بيه اهدى عشان الجثه نقلوها على المستشفى ومحتاچينك عشان تكمل الاجراءات اسلب طولك عشان تستحمل اللي جاي. 

❈-❈-❈

تعاونت الخادمة مع غالية لاسنادها وتهدئه فردوس المنهاره رغم كل ما أبداها من مقاومة واحتجاج لكنها جلست بالارض بلا حول ولا قوه تصيح بقلبٍ محترق

= آآآه يا حسره قلبي على أبني اللي راح حرصت علي التاني ونسيت ان الغدر في دمهم وموته اخوه التوم.. آآه يا محمود يا ولدي يا وجع قلبي عليك.. ده لسه في عز شبابه يروح أكده في غمضه عين ما لحقتش افرح بيه. آه يا ولدي آآه.

ظل سراج مكانه في موضعه، يرمقها بنظرة خالية من التعبير ليقول بعدها بصوت جاف

= بكفيك ياما البكاء والنواح مش هيرچع اللي راح ادعيله بالرحمه أحسن واقرا لي قران 

لكنها لم تتوقف لتواصل أمه و لطمت على فخذيها وراحت تنوح بكبدٍ

= خدوا زين الشباب يا ولدي وحرقوا قلبي عليه آآه يا محمود يا ولدي.

كان محمد في تلك اللحظه يقترب بخطوات متردده وهو يشعر بأنه المذنب في حق أخيه التوأم لأنه المتسبب الاول والاخير في ذلك وكان ذلك يزيد من لوعته وإحساسه بالذنب، رغم أنه لم يكن يقصد ذلك لكن ظل هذا الشعور المرير يلازمه ليؤلمه طوال الوقت بالاخص بعد مقتل أخيه بدلاً منه، وقف امامه ولم يحبس دموعه وأطلق لها العنان لتسيل بغزارة وهو يردد بندم 

= سراچ انا اسف والله ما اعرف ان الامور هتوصل لكده يا ريتك كنت سبتني اطلع وانا اللي رحت بدل اخويا اللي راح دمه هدر وهو ما عملش حاجه 

قال بهدوءٍ رغم الألم الذي يحز في قلبه ناحيته

= روح اقعد مكانك يا محمد وهملني في اللي انا فيه .

ابتلع محمد ريقه بصعوبة وطلب منه في رجــاءٍ

=سراچ بصلي وقول حاجه انا احساس الذنب مموتني ومش قادر اصدق لحد دلوقتي ان محمود خلاص مات ومش هشوفه تاني.. قول اي حاجه بدل ما والله العظيم اروح لعيله البدري بنفسي ويعملوا اللي يعملوه بقى انا تعبت .

رغم مشاعر التبلد والجمود التي صار به تجاه أخيه الآخر متغلغلة فيه مؤخرًا، إلا أن حديثه على ذلك النحو أعطاه دفقة من الشعور بالخوف عليه لخسارته هو الاخر نهض وصاح بانفعال 

= انت اتجننت اياك تعمل اكده، إيه مفكر مش هحزن عليك لو كنت انت اللي رحت بداله ولا مش عزيز وغالي زيه عندي ده ابني مش اخويا.. خلاص يا محمد اللي حصل لاخوك قضاء وقدر ونصيب وما تشيلش نفسك الذنب اكتر من اكده 

رفع يديه ليترمي في أحضانه وهو يهز رأسه بحسرة ليصرخ فيه بتوسلٍ ممزوجٍ بالبكاء

= يا ريتني كنت سمعت كلامكم وبطلت اخرج اصطاد كان دايما بيحذرني وخايف عليا انا السبب... أنا السبب سامحني يا اخويا .

تحجرت الدموع في عينيه سراج خاصة وهو يواسيه مرددًا بصوت خافت 

= خلاص اهدى وبطل عياط قلتلك ده نصيبه 

دخل في تلك اللحظه الغفير وهو يقول بهدوء 

=يا سياه العمده الحاچه اللي طلبتها خلاص جهزت والعزاء بقى جاهز لاستقبال كل الناس 

استنكرت فردوس هذا التصريح ونفت هذا بطريقتها العدائية بترديدها القاسي 

= عزاء إيه اللي بتتحددوا عليه ما فيش عزاء غير لما تاخدوا بتار أخوكم ايه هتنسوا بالسرعه دي.. كأنه كلب وراح ومحدش منكم هيفكر في دمه اللي راح هدر، مش هم عملوا فيها رچاله وخدوه على خوانه وهو لوحده يا حبه عيني يبقى انتوا كمان تشوفه اكتر عزيز عليهم وتحرقه قلوبهم 

هز سراج رأسه رافض باستهجانٍ كبير ما تقوله فقال بغضب 

= حديد ايه ده ياما انتٍ شايفه وقته وتار إيه ده كومان اللي طلعتلنا فيه، آه عشان نفضل في الدوامه دي! احنا نرد ونقتلهم واحد وهم يردوا ويقتلوا حد من اهلنا تاني وناس كتير ابريه تروح في الرچلين ما عملتش حاچه.. صوح! 

اتسعت عينا فردوس بعد استيعاب، و استعر داخلها كمدًا فهاجت في عصبيةٍ مبررة

= يعني ايه محدش منكم هياخد تار اخوه 
رچاله انتم ولا مش رچاله ولا مش قادرين عليهم؟ انا نار قلبي مش هتخمد غير لما اشوف حد عزيز عليهم مرمي جثه كيف ما عملوا في اخوكم 

استهجنت غالية طريقتها العدائية في التعامل فمن المفترض ان تخاف على باقي ابنائها وهي تطلب منهم العداوه مجدداً مع عائله البدري من جديد كأنها لا تعرف ماذا سيحدث مجدداً من خسائر فادحه، ناهيك عن إلقاء التهم جزافًا عليهم وحاولت غالية الصمت والسيطره على غضبها من حماتها من أفكارها المتهوره فدماء محمود لم تبرد بعد وهي تفكر في الانتقام، نظر لها سراج شزرًا مرددًا بحزم

= الحديد ديه مش هيحصل، الامور هتمشي كيف ما كنا مخططلها ما حدش هيخرج من الدار لحد ما نشوفلها حل مش ناقصين حد تاني يقع مننا .

قطبت جبينها وعبست بكامل ملامحها وقبل أن ينطق بشيءٍ لترد على نفس ذات المنوال
فزاد من وابل كلماتها الغير عطوفة بترديدها الغير رحيم

=واللي مات ده مش عزيز عليك ولا اخوك يا سراچ؟ يا حسره قلبي عليك يا محمود دمك هيروح هدر واخواتك مش عاوزين ياخدوا بتارك ولا ينتقموا من اللي عمل اكده فيك، نار قلبي مش هتتطفي طول ما انا شايفه عيله البدري شمتانه في موتك.. طلعت ما تسواش حاچه عند اخواتك يا ابني مع أنك لو مكانهم كنت اكلت باسنانك اللي عمل اكده فيهم 

تدخل شفيق وقال مؤيد كلام خالته بنظرة ازدراء مستحقرة

= امك معاها حق يا سراچ كيف ما هم بداوا احنا كمان لازم نرد؟ مش رچاله ولا ايه عاد وخليها عنك يا ابن خالتي وانا اللي هاخدلك بتار محمود 

قاطعهم سراج في صوتٍ جهوري أفزعهم 

=قلت ما حدش هيعمل حاچه سامعني ولا لاء وانا ما قلتش ان حق اخويا هيروح لكن في نفس الوقت خايف على الباقيين ومش عاوز اتصرف اي تصرف بتهور بعد اكده ادفع تمنه بموت حد فيكم، وطالما مش فاهم انا بعمل ايه يبقى تخرس خالص ومحدش يتدخل.. و سيبوني اكمل اللي بدأته بعقل وحكمه 

أكدت له بقوةٍ وكأنها تثبت له أنها لم تعد ترتعد من ذلك الأمر أو تخشاه، و على نفس النهج القاسي تحدثت عن الانتقام كأنما انتشل الحب من قلبها والرحمة 

= ما فيش حاچه هتحصل وتبرد نارنا غير لما ناخد بتار أخوك يا سراچ طول عمرنا عارفين عوايد الصعايده العين بالعين.. لحد دلوج مش قادره انسى منظر اخوك وهو سايح في دمه وانت تقول هنتصرف بحكمه وعقل هم خلوا فيها حكمه وعقل.. تار اخوك وبس هو اللي هيحصل .

تطلع فيها بنظرة ازدراء وقال بصوت معاندًا

= وبعد ما تاخدي بتار محمود منهم كيف ما انتٍ عاوزه فكرتي فلي هيحصل بعد اكده؟ فكرتي الدور هيكون عليا ولا على محمود ولا فؤاد؟ نارك اللي انتٍ بتتحددي عليها وعاوزه تطفيها دي هتقيد اكثر واكثر لما يقعلك عيل تاني من عيالك والعادات والتقاليد بتاعتك دي مش هتفيدك بحاچه غير وجع القلب تاني.. 

ومع كل ذلك لم تقتنع ولا هي ولا ابن خالته، فكيف يكون على هذا القدر الكبير من الثبات واليقين ولا يريد الانتقام مثلهما ومحروق على شقيقه لكنه كان يفكر في الباقي حقا بعقل عنهم، لكن كانت كل ما تفكر في فردوس في تلك اللحظه وعمي عينيها عن الحقيقه الرغبة في الانتقام بأبشع طريقه وأكثرها وحشية، لعل ذلك الغليان المستعر بداخلها يخبت...
اكتفت فردوس بإشاحة عينيها عنه بلا حديث آخر.

بينما لم يصدق أن مشاعر أمه الحزينه على ابنها قد تبدلت فجـأة هكذا لتصبح كارهة لكل ما حولها، وكأنه لم يحب أخيه يومًا وكان يفعل الكثير والكثير لأجلهم، لذلك تحدث برجاء وبقلبٍ مفطور

= ابوس ايديكم محدش يتصرف تاني وسيبوني انا اشوف حل وفي نفس الوقت هجيب حق اخويا لكن من غير ما نقتل ولا نخسر حد من العيله تاني!. 

❈-❈-❈

عاودت غالية إلي الغرفة بعدما انتهت من تأمل السرايا الشبه الفارغ لخلود الجميع للنوم، لتدنو بعدها من صغيرتها الغافلة في فراش الأطفال الخاصة بها والمجاور لغرفتهم تأملت وجهها الملائكي وابتسامتها العفوية التي تصدر عنها كل حين، جعل إحساسها بالسرور والرضا يتعاظم بداخلها رغم كل ما حدث معهم في تلك الظروف الصعبه.

تأكدت غالية من تغطية جسد طفلتها حتي لا تصيبها لفحة من الهواء لتبرد، ثم ذهبت لتتفقد زوجها و كما توقعت مازال مستيقظ متجهم الملامح استقرت جالسة جانبه بالفراش... رفعت بصرها ناظرة إليه وخاطبته باسمة في لطافةٍ

= سراچ تعالي بين أحضاني يا حبيبي وارمي حمولك عليا خلاص بقينا لوحدنا .

نظر إليها بإمعانٍ، فوجدت مظهره الخارجه غير مهندم لكنها أصرت علي قولها، وضمته إلى صدره كأنها تحميه من أحزانه وصوت داخل لا يسمعه أحد غيرها وهو يطلب مساعدتها بصمت، لذلك استجاب لها على الفور مطلق العنان، وبعد فترة قصيرة عفويًا نطق لسانه باسمها في صوتٍ هامس باحتياج 

= آه يا غالية انتٍ الوحيده اللي ببين ضعفي في حضنها من غير حرج!. 

امتدت ذراعها لتطوقه من كتفيه وتنهدت مليًا ثم قالت بحنان 

= كله هيعدي يا حبيبي شدي حيلك انت امال هي اول مره يعني تدق علينا اكده، انت قدها برده .

أمسك بكفها وهو ما زال بين احضانها، وركز بصره ليرد بعد زفرة سريعة

= المره دي غير اي مره يا غالية ده اخويا اللي راح والبقيه كلهم في خطر دلوقيتٍ وانا مش عارف اعمل ايه ولا اتصرف كيف، انا عارف امي كويس مش هتسكت الا لما تاخد تار ابنها  وانا لو عملت اكده متأكد اني هفتح بعدها بيبان دم ملهاش نهايه عشان اكده لازم افكر في حل بسرعه يرضي الجميع!. 

منحته نظرة هائمة غامرة بالحب، وهي تخلل أناملها في أصابع كفه المحتضن لها مخاطبة إياه بحب 

= طول عمرك بتدور على مصلحه الكل والناس كلها بتحلف بعقلك وعدلك، سلم امرك لربنا وان شاء الله هو هيجيبلك الحل لعندك بس بلاش تجهد نفسك كثير ده مش هيحل حاچه .

نظر لها بغير اقتناعٍ ثم وجه سراج حديثه إلى زوجته يردد بقلق بصدرٍ ما زال يتحرك علوًا وهبوطًا جراء انفعاله

= الهموم ما عايزاش تنزاح عشان القى الراحه يا غالية وحاسس اني داخل على هموم أكبر.

❈-❈-❈

كانت تجلس فردوس في صاله المنزل مبتسمة بهدوء غامض كأنها تنتظر شيء تخطط له مريب، وهبط في تلك اللحظه محمود علي الدرج وكان من الواضح بانه يستعد للخروج، تقدمت اليه والدته وهي تتساءل بحذر 

= رايح فين يا ضنايا انت ناسي ما ينفعش تخرج دلوج استنى شويه كومان.

نظر محمود نحوها بخيبة أمل ورد من هموم وأثقال

= ما خلاص ياما ما هم خدوا التار مننا وقتلوا أخويا هيعوزه مننا ايه تاني، ومع ذلك ياريت تحصل ويخلصوني من احساس الذنب اللي موتني كل يوم وانا كل ما اتخيل محمود إللي راح بسببي وانا اللي مفروض ابقى مكانه.

شعرت فردوس بالعطف والشفقه عليه لذلك لم تستطيع منعه وقالت بجدية

= بعد الشر عليك يا ابني ان شاء الله عدوينك،
خلاص كيف ما تحب روح بس ما تبعدش عن اهنا.

هز رأسه بالايجاب دون رد وتحرك للخارج لتعود لتجلس فردوس مكانها تتحدث بهاتفها مع ابن اختها، هاتفه بضيق 

= ايوه يا شفيق ما اتصلتش من الصبح ليه ولا بترد عليا؟ السبوع اللي چاي كيف ما اتفقنا هتخلص وهسمع نواح عيله البدري على ضناهم كيف ما عملوا معانا ولا رجعت في حديدك .

أبتسم شفيق ابتسامة عريضة قائلاً بانتصار

= عيب عليكي يا خالتي انا كلمتي واحده، و عشان افرحك كومان اكتر انا هنفذ الليله خلاص وهقتلك منهم عيل عنده ١٩ سنه اكده وحيد أمه وابوه عشان يتحرق قلوبهم عليه اكتر منك.. مبسوطه عاد

أذهلها بقراره بهذه السرعه وجعلها تحدق بعينين متسعتين وهتفت بقلق بالغ

=النهارده كيف؟ احنا ما اتفقناش على اكده انت قالتلي هتستنى عليهم اسبوع عشان ترتب مين اللي هتقتله ومين اللي هتوكله من رچالتك يعمل حاچه كيف اكده من غير ما تكون لينا يد.

عقد حاجيبة باستغراب وهو يقول بجدية

= ما انا عملت كل ديه فعلا اليومين اللي فاتوا وبعدين انا قلت هتفرحي بخبر كيف اكده ايه اللي مضايقك دلوج مش ديه اللي كنتي عاوزاه وطلبتيه مني؟!. 

عادت الدنيا لتسود في عينيها وتسارعت دقات قلبها بخوف شديد لم ترغب بنفس الوقت الذي ابنها بالخارج، فقاطعته في رجاءٍ شديد 

= لا يا شفيق ارچع بسرعه وما تعملهاش الليله محمد ولدي لسه خارج من الدار وممكن يشوفوا ويقتلوه.. اعمل اي حاچه وبلاش تعملها النهارده 

اتسعت عينا الآخر بفزع وهو يردد بخوف 

= انتٍ بتقولي ايه واللي خليكي تسيبيه يخرج.. اكده هيفكروه هو اللي قتل وممكن يعملوا له حاچه؟ و مش هينفع ارچع في حديدي انا خلاص اتفقت مع الراچل وزمانه قتله اصلا.. اجفلي بسرعه وانا احاول ادور عليه والحقوا قبل ما يغوط بالطريق.

انخلع قلبها وعصفت فيه عواصف الخوف، و تلألأت الدموع في عينيها وهي تهتف بحده 

= شفيق الو رد عليا طب وطمني على ولدي.. 
جيب العوائي سليمه يا رب وما توجعش قلبي على ضنايا التاني.

كانت غاليه في تلك اللحظه تراقبها بعدم فهم
فاقتربت منها وهي تشعر بأن هناك شيء مريب يحدث، وهتفت باستفهام 

= مالك يا مرات عمي هو ايه اللي كنتي عماله تتحددي فيه وطلبتيه من شفيق وماله محمود كومان.

جزت علي أسنانها وهي تحاول الإتصال بمحمود لكنه لم يجيب عليها فخاطبتها بوجهها الغائم

= هملني لحالي انتٍ كومان انا ناقصاكي، رد عليا يا أبني وريحني.. ما بيردش ليه ديه كومان يا رب ما يكون حصوله حاچه 

لفظها بطريقة أوحت بأن هناك شئ خطير حدث وأكدت على ذلك حين بدأت تبكي بنحيب صامت، ابتلعت غالية ريقها بقلق شديد متسائلة بحذر 

= مرات عمي انتٍ عملتي ايه بالظبط؟ إيه إللي خلي محمد يخرج بعد ما سراچ نبه علينا اكتر من مره محدش مننا يعتب بره الدار؟ و إيه اللي طلبتيه من شفيق ولد اختك بالظبط حرام عليكي احنا ناقصين.. شكل اللي في دماغي صوح وهتخرب على الكل .

تحولت أنظارها نحوها لتحدجها فردوس بنظرة مُمـيتة قبل أن تطلق لسانها اللاذع عليها
بنفاذ صبر 

= بدل ما انتٍ عماله تقطميني اكده اتصلي بمحمد وشوفي فين لازما يرچع بسرعه الدار قبل ما حد يلمحه من عيله البدري ويموتوه كيف ما قتلنا ولد من عيلتهم .

شهقت غالية في قهرٍ مصدوم لم يأتِ ببالها أن تكون حماتها جبروت لهذه الدرجة من القسوة أليست مثلها تعاني من ألم الفقد والخسارة الغالية علي من مات؟ فكيف تسعى للشر وخسارة الأبن الآخر وضعت يديها فوق رأسها برعب وبدأت تعاتبها 

= يا مري..و يا مرارك يا غاليه، ليه اكده يا مرات عمي سراچ قالنا ما حدش يتصرف من دماغه وهو هيحلها ده دم محمود لسه ما بردش جالك قلب تعمليها كيف استرها يا رب.

كادت أن تصيح فيها بقسوة لتصمت لكن تفاجأت بهاتفها يرن برقم شفيق فاجابت بسرعه على أمل ترجوه في التياعٍ

= ايوه يا شفيق طمني عملت ايه؟ لحقته مش اكده وهو بخير معاك صوح؟ ما بتردش عليا ليه يا ابني انا ما بقاش فيا اعصاب انطق؟؟ 

جاء صوت الآخر أخيراً حزين للغاية

= الباقية في حياتك يا خالتي عيله البدري موتوه قصاد ما موتنا لهم ولد من عنهم.. ما لحقتش أمنع ده ولا ده سامحيني يا خالتي!. 

وكأن أحدهم قد سكب على رأسها وقودًا حارقًا فجعل الموت يزورها بغتة، رغم انها تعتبر الملامة على ما حدث على اغتيال شاب بريء لكن في تلك اللحظه يصل خبر موت أبنها الآخر قضت علي نفسها بسلب أعز ما في الدنيا لها، كانت طوال الوقت تشعر نفسها محظوظه بإنجاب أربع شباب وجودهما أعاد إليها نبض الحياة وبهجتها وها قد حُرمت من إثنين في غمضه عين، سقطت بالأرض وصرخت في غير تصديق

= ولدي .

❈-❈-❈

بثيابٍ زائف مهترئة وقلب ممزق ووجه لا يغطيه إلا صنوف القهر والهوان استطردت مكلومة تتكلم بغير عقلٍ وكأنه بموت الآخر سلب منها الثبات والعقل في تلك اللحظه فما ادراكم فقدان الإبن الغالي كأنك تصير فاقد لكل شيء تمنت الظفر به ذات يوم، بدأت فجاء كأنها تعاني من الهذيان فرفعت من نبرة صراخها الهيستري 

= ولدي التاني مات! الاتنين في شهر واحد ليـه حــرام.. يا زينت الشباب خدوكم غدر من غير وداع حتي! ابكي على مين ولا مين والحبايب كتر فرقها بالحياة، يا وجع قلبي عليكم يا ولادي.. مين يصبرني عليكم يا حبايبي.. آآآه يا حته مني اتحرمت منكم يا ضنايا !. 

ثم تطلعت بأعين مقهورة مليئه بالشر وهي تتوعد بأخذ الثأر والانتقام للمرة الثانية 

= بس برده هجيب تارك انت كومان يا ولدي.

لم يعبأ سراج بكلماتها وظل على وضعه جامد التعبيرات حاد النظرات، لكن لن تطيق غالية الصبر اكثر من ذلك فصرخت في صوتٍ منفعل

= ما بكفيكم بقى إيه روحكم جت على القتل وما حدش منكم بيفكر في الناس اللي بتموت دي ما لهاش ذنب! كل اللي عمالين تفكروا فيه التار وكيف ارد الضربه بنفس الطريقه حتى لو هموت ناس ما عملتليش حاچه 

أشعلت فردوس الغضب بدواخلها، فانطلقت تلومها بحقدٍ آخذٍ في التصاعد بينما لكزتها 
في ذراعها محذرًا إياها بغير تساهلٍ وبنظرة تسودها العداء

= اقفلي خشمك يا بنت ما عاوزاش اسمعلك صوت وما تدخليش في حديد الكبار! ما لو اللي مات ده ابنك ما كنتيش هتعملي اكده صحيح، وكان زمانك بنفسك خدتي اقرب سلاح ورحتي طختيهم وخلصتي عليهم عشان نارك تبرد.. 

ابتسمت في استهزاء أكثر استفزازًا، لتخبرها بعدها بقسوة أكبر 

= لكن انتٍ هتعرفي قيمه الضنا منين 
وانتٍ حي الله اللي معاكي بنت راحت ولا جت مش هيتفيدك بحاچه مش كيف الرچاله 

استنكرت ظلمها البين فهتفت غالية متحدية جبروتها بإصرارٍ

= لا مش هسكت يا مرات عمي! ووجع الضني على بنت ولا علي راچل واحد واللي خلاني كنت بسكت زمان لاني كنت بعذرك لكن طالما مش فارق معاكي عيالك اللي عاملين يموتوا واحد ورا الثاني دول! يبقى لازم حد يوقفك 

أرسلت لها فردوس نظرة نارية كالسهام المارقة وهي تزيد من غضبها المهين لها بكلامها الموجه لشخصها

= وانتٍ بقى اللي هتوقفيني قليله الربايه صحيح، كلمه واحده معوزاش اسمعلك صوت  بحديد أكبر منك عشان ما امدش ايدي عليكي 

كانت عبارتها الأخيرة تحمل تهديدًا خطيرًا، لكنها تغلبت على مخاوفها التي انعكست على ملامحها وهتفت تعنف الجميع بعنادٍ وبتحدٍ سافر

=معدش يهمني، أنا مش همشي من اهنا إلا لما توقفوا حكايه التار دي.. اللي راحوا كانوا بالنسبه لي كيف اخواتي واكتر واللي هيروحوا لسه اخواتي وچوزي منهم قريب.. وبعد اكده خلاص رچاله العيله هتخلص كلاتها عشان نارك تبرد لكنها بتقيد اكتر، يا ناس هتروحوا من ربنا فين وذنب الناس دول في رقبتكم .

وقبل ان تفعل رده فعل اخرى، تعالي صوت سراج فجاء ليفض تلك المشاحنات الدائره بينهما وهو ينذرها بحدةٍ

= غـــالـــــيــة! بكفيك خلاص على فوق ومش عاوز اسمع صوت لحد!. 

أولاها ظهره ورحل وتحركت خلفه غاليه بأمر منه، لكن الأخري أقسمت لنفسها ألا تتوانى أو تكف حتى تجعل عائله البدري أيضًا تتذوق من نفس الكأس، فالثأر بينهما لا يزال قائمًا وإن كان على حساب اللعب بأرواح الأبرياء! 

حدجتهم بنظرة أخرى أكثر كراهية لتردد بعدها بلا ندمٍ

= برده هجيب تار عيالي وما حدش هيوقفني! 

ألتفتت نحو فؤاد ابنها الصغير الذي كان جالس حزين على فراق اشقائه، وقالت وهي توبخه بحرقةٍ

= شفت اخوك يا فؤاد ضيع حق اخواتك الاتنين هدر! عشان خايف من مراته، عيله البدري من اهنا ورايح هنكون ملطشتهم.. بالنسبه لهم اكده وما عندناش رچاله في العيله ياخدوا بتار عيالنا 

وكأنها بالفعل وصلت الى ما تريده، فصاح في ضيقٍ

= ما تقوليش اكده ياما امال انا رحت فين، وسراچ كومان اكيد هياخد حقهم بس مستني الفرصه المناسبه .

وكأنها تزيد الطين بلة بمناطحتها، مصمصت أمه شفتيها مغمغمة في استحقارٍ صريح

= اخوك مش هيعمل حاچه لو كانت في نيته كان عمل من الاول! انت اللي فاضيلي يا ابني 
خلاص مش هنروح نطلب من الغريب تاني ياخد حقنا احنا اللي لازم ناخده بايدينا بدل ما يتقال علينا ما عندناش رچاله.. ولا انت هتكون كيف اخوك جبان ومش عاوز تاخد بتار اخواتك

مجددًا اتجهت نظراتها الحانقة نحوه فعاتبه في حزنٍ لاستغلال عواطفه 

= ولو مت ماشوفكش في دفنتي ولا واقف على قبري، وأنا هوصي الناس بكده!

أتاها رده بنفس اللهجة الجادة عند مشاعر طعنه بالاهانه برجولته

= لع عاوز طبعا، عاوز ايه ياما وانا اعملهلك علي طول 

ابتسمت في فخرٍ وبصوتٍ لافت لتقول بعدها 
وكأنها تنفث عن طاقتها الانتقامية بتلك الطريقه دون تفكير في العواقب

= تعجبني يا ابني أهو اكده تربيتي بصحيح، 
وعشان المره دي نلعبها صح من غير خشميه لازم تتدرب على السلاح الاول ونعمل العامله من غير ما نسيب ورانا أي أثر.. المهم نجيب تار اخواتك 

❈-❈-❈

لم يقوَ سراج على الجلوس، ظل واقفًا أمام النافذة يراقب بعينين خاليتين من الحياة ومن خلف الستائر المنسدلة الفضاء الممتد على مرمى بصره قست ملامحه وأصبح أكثر جمودًا وصلابة، أخذ على نفسه ميثاقًا غليظًا، لاول مره في حياته يشعر بالضعف والحيره! هل ياخذ بثأر أشقائه بالفعل أم يكون ضعيف في نظر الجميع ويوقف هذا الثأر!. 

بصعوبة يدع ما حدث لا يسيطر عليه ويظهر في الوقت الحالي كاي رجل صعيدي تربى على تلك العادات والتقاليد مجروح من موت اشقائه يقتل الجميع دون التفكير في عواقب مثلهما لكن في النهايه سيظل هو كبير العائله ويجب ان يكون العاقل الوحيد حتي لا تتازم الأمور اكثر، لكن لا احد يفهم ذلك حقا الجميع يتهمه بأنه لا يحب أشقائه لانه لا يريد ان يقتل شخص بريء مقابل اطفاء نار ستشتعل أكثر وليس ستبرد مثلما تقول امه طوال الوقت لذلك الأمر حقا صعب والدليل وفاء اخوه الثاني، ومن يعلم من القادم بعد.

في تلك اللحظه اقتربت منه زوجته، ارتعشت أطرافها وبدا ذلك ملحوظًا وهي تتحسس جبينها وقد نكست رأسها في خزي، لتهتف في ندمٍ ممزوج بخيبة الأمل وهي تستجدي غفرانه

= حقك عليا يا سراچ والله ما كان قصدي أقل من احترامك تحت بس تعبت من كتر ما هي عماله تفكر في التار ومش بتفكر في اللي عمالين يموتوا واحد ورا التاني دول.. سواء مننا ولا منهم.. ما هم برده ليهم عيله وزعلانين عليهم ذينا 

ألتفت نحوها بشيءٍ من الغل ودمدم في حنقٍ لم يخبت نهائيًا

= واحنا اللي مش زعلانين يعني عليهم يا غاليه دول اخواتي إللي كنت بعتبرهم كيف ولادي واكتر! 

أمسكت غالية يده من بين ذراعيه وردت نافية في توترٍ

= ما قصداش اكده أكيد كل اللي عاوزه اوصله  اني بدل ما نحرق قلوبهم وقلوبنا ندور لنا على حل من غير ما نموت حد هو لازم يعني الموت اللي مش هيرجع اللي راح ديه. ما هي جربت بنفسها و واحد ثاني مات.. انا مش هستنى لما انت تحصله بعد الشر اعمل حاچه قبل ما هي تتهور تاني.. ابوس ايدك حلها انت بعقل كيف ما اتعودنا منك 

ليدنو منها برأسه ببرود قاسٍ فلجأ إلى إخبارها بنوعٍ من الذم

= هي بقى فيها عقل يا غاليه! ولا شايفاني لقيت حل وقلت لا وده اللي كنت بحاول اعمله من اول يوم رغم ان محمود مات لكن هم خدوني على قد عقلي، و غدروا بدل الواحد اتنين.. فكرك ان انا مش بفكر زيها و نفسي دلوقيتٍ اطلع عليهم واموت فيهم كلاتهم عشان ناري تطفى فعلا .

تقدمت عنده في خطواتها ثم وقفت قبالته وسألته بتخوفٍ

=بقيت تتحدد كيف امك يا سراچ، يعني انت شايف زيها الحل تقعدوا تقتلوا في بعض! طب واحنا وعيالكم ما بتفكروش فينا وقلوبنا اللي بتتحرق عليكم واحد ورا الثاني 

اخشوشنت نبرته وتوحشت نظراته وهو يصيح بها 

= وانا مين يحس بالنار اللي جوايا على اخواتي اللي راحوا من غير ذنب! هو انا مش زيكم بحس ولا عشان خلاص كبير العيله ما عندوش وقت للحزن ولا للانتقام من ولاد الكلب دول.. يمكن في الاول كنت متعاطف معاهم شويه رغم اني في النهايه اخويا قتل منهم واحد من غير ما يقصد لكن هم كانوا يقصدوا في دول الاثنين.. وانتٍ تقوليلي احلها بالعقل هو فين العقل ده 

تفاجأت غالية من تجبره الغير اللائق عليه، صمتت لحظة مدهوشة وهي ترمقه بهذه النظرة وقالت بقلق 

= غلط يا سراچ تفكر اكده ابوس يدك اوعى تمشيها اكده احنا اللي هنندم في الاخر، انا معاك أنهم عملوا كل ديه واكتر بس كيف ما بنلاقي لنفسنا أعذار نلاقيلهم اعذار برده.. و خليك فاكر كويس ان احنا اللي بدانا حتى لو غصب عننا كيف ما بتقول ده ضناهم برده اللي راح وهم ما كانوش عارفين اكده، وللاسف دخل اللي شعلل بينكم 

أطلق زفرة بطيئة أتبعها استرساله بوجه شبه ممتعض

= انتٍ عاوزه توصلي لايه يا غاليه في حاچه بتفكري فيها، عماله تدوري وتلفي ليه ما تيجي دغري!. 

لم ينبس بكلمة وأصغى إليها فارتعش صوتها بتردد

=طب ما تفهمنيش غلط وتسمعني للاخر بس لازم تقدم الكفن يا أبن عمي عشان تقطع الدم ده بين العيلتين! و ده اللي هيخلي الاتنين غصب عنهم يلتزموا بالعهد ونقفل الحكايه دي بقى وبكفايه اللي راحوا .

تحفز في وقفته وتصلب وسدد لها نظرة نارية ليصيح بعدها بصوتٍ مرتفع محموم بالغضب

= انتٍ اتجنيتي عاد يا غاليه عاوزاهم يقولوا  عليا مش راچل وخايف منهم ولا مش قادر اقتل بدل الواحد عشره منهم بس انا اللي مصبرني الخوف على اخويا وباقي العيله وعليكم برده.. هو انا برده إللي هفهمك اللي بيعمل اكده بيقولوا عليه ايه عندنا في البلد 

انفعلت وهي تبرر له اتخاذها لذلك القرار الصادم

= ما ملعون ابو الناس كانت عملتلنا ايه في الاثنين اللي راحوا واللي لسه هيروحوا، وقت القتل ما بنلاقيش حد منهم انما قبل اكده بيقعدوا يشعليله بين الاثنين، ما هو صحيح اللي ايده في الميه البارده مش كيف الايده في النار واحنا اللي شالين الهم فوق دماغنا في الآخر.. وبعدين الموضوع هياخدله كام يوم لحد ما ينسوا ولا احنا ولا اخر ناس هنعمل اكده 

نظر لها شزرًا فأوله ظهره وراح يمشي ببطءٍ مبتعدا عنها وهدر بها في صوت مجلجل وأجش

= لا ده انتٍ مخك ضرب على الآخر، طب لو خلصت من حديد الناس هخلص من حديد امي ورچاله العيله كيف...ده انتٍ هتفتحي عليا فتوحه ملهاش اخر منهم لو فكرت بس مجرد تفكير في اكده غير ما حدش هيوافقني خالص .

هزت رأسها بإصرار عندما أجابته موضحة ما أنجزته من التفكير العميق في تلك المساله 

= انت كبير العيله ومحدش بيقدر يعرضك في كلمه، مهما يتحددوا ويعملوا صر على رايك وهم في الاخر هيستسلموا لما يلاقوا ما فيش حل غيره ويخافوا على عيالهم، فكرك برده ان عيله البدري ما فكروش في اكده بس مترددين و نفسهم اللي يشجعهم.. وبعدين انت العمده فلما تيجي منك هيقولوا راچل بصحيح و خايف على الناس الابريه اللي بتروح في الرچلين ومش بعيد كومان تشجع كل اللي بينهم تار يعملوا اكده ذيك.. 

اتجهت إليه و دارت حوله واستوقفته ثم مدت يدها نحو ذقنه تديره فرفع وجهه إليها رأي الحزن جسيمًا في حدقتيها فأسبلت عينيها تجاهه وخاطبت إياه في لينٍ

= جي الوقت اللي نوقف كل القرف دي.. انا اللي هقولك برده كام عيله عندنا في البلد راحت بسبب لعب العيال دي من غير ما يقصدوا، ولا لو كان عامله اكده من الأول كانوا وقفوا دم ناس كثير ابرياء ما لهمش ذنب.. فكر كويس في الموضوع يا سراچ وحياه بنتك بسمله اللي مش عاوزاها تتيتم من عم ولا اب لا توافق.. وبعدين يعني انت عاوز حد ثالث يموت من عندنا هو ده الحل بردك قلوبنا هتستحمل فراق ثاني يا عمده .

صمت دقيقة يفكر فشعر بالفعل بالقلق ثم هتف يضيق رافعًا سبابته أمام وجهها بتحذير 

= خلاص يا غالية قفلي على الموضوع وسيبيني أفكر.. بس حسك عينك تفتحي مع حد انا لسه بشاور عقلي ما وافقتش .

ابتسمت بأمل وهزت رأسها بالايجاب عدة مرات ثم رفعت يده برقةٍ إلى فمها لتقبلها بنعومة قائلًه

=عينيا يا اخويا والله ما هفتح بقي ولا اتحدد بس لأجل النبي لا تفكر في الموضوع كويس وبلاش ترفض ولا تنشف دماغك زيهم، ولا تفكر انك لو عملت اكده اسمه ضعف بالعكس اكده انت كبير وخايف على مصلحه العيله وهم هيفهموا اكده بعدين من نفسهم!. 

❈-❈-❈

توالت الأيام على الجميع بطيئة مستنزفة للأعصاب ومرهقة للتفكير وفي أحد الجلسات في محاوله للصلح التي تنتهي دوماً دون فائده كالعاده، تحدث كبير عائله البدري قائلاً بخشونة

= ربنا وحده اللي يعلم يا سراچ انا حاولت قد ايه اوقف التار ديه لأجل خاطرك وخاطر ربنا عشان انت غالي عليا يا عمده بس اديك شايف.. النار اللي قايده في عيلتي اكبر مني 

فأفصح له سراج عما يُحيره ويملأ صدره الملتاع قائلا بقلقٍ

= صادق يا حاچ مؤمن من غير حلفان، بس اديك شايف راح من عندي اخواتي الاتنين اصبر اكتر من اكده ايه لحد ما الدور ياچي عليا واهلي يبقوا من غير كبير والناس تنهش فيهم من بعدي.. لازم نشوف حل وانت أدري بالحكاوي دي ما بتخلص غير لما تصفي نص العيله.

هز رأسه كبير عائله البدري معقب في تأكيد جاد 

= عارف يا ولدي وصعبان عليا اللي راحوا من عيلتي برده، اسمعني زين ما فيش غير حل واحد وكتير عملوا في البلد عندنا وهو اللي بيوقف التار.. 

اعتدل سراج في جلسته هاتفًا بلهفة شديدة 

= الحقني بيه يستر عرضك يا حاج مؤمن وانا مستعد اعمل اي حاچه، بس ما حدش يتاذى من عيلتي تاني.

بادله نظرة غامضة، محملة بالكثير قبل أن يجيبه باقتراح باهتمام 

= لازم يكون في بينا نسب! بما ان انت الكبير في عيلتك وكبير العيله يبقى لازم تتجوز حد من عندنا، وما فيش انسب من زينب اللي اتقتل جوزها في الاول بقت يتيمه وعندها ولدين و اهو تسترها، هي صحيح البنيه معديه الاربعين لكن زينه وشرع ربنا ما فيهوش حاچه.

تجهم وجهه للغاية وعلى الفور فكر في غالية وصدمتها به وانها لا تستحق شيء كذلك منه، وراح يذم شفتيه في غير رضا، ثم تكلم في فتورٍ ولمحة من العبوس قد أخذت تزحف على وجهه

= شوف حل تاني غير ده يا حاچ مؤمن معلش 
اكيد في حلول كتير غير الجواز، بس الحل ديه هيخرب بيتي ومش هقدر بصراحه اكون عادل ما بينهم انت عارف زين غاليه بالنسبه لي ايه وما ينفعش تتحط في مقارنه مع حد اصلا.

اكفهر وجه مؤمن وقال باستياءٍ

= چري إيه يا سراچ يا عمده البلد يا كبير العيله، اقولك عايزين نوقف الدم اللي ما بين العيلتين وانت تقولي شوف حل تاني عشان خاطر مرتك! وانا اقول ليه ما جتش منك من الأول ولا حتي انت اللي بدات وعرضت عليا حاچه كيف دي .

أطبق على جفنيه للحظةٍ، قبل أن يهمس في حنقٍ مزعوج

= يا حاچه مؤمن أنا ما اقصدش اكده والله وشرف ليا اناسبك بس الموضوع انـ...

قبل أن يكمل الأخير باكثر نهض مؤمن وهدر في احتجاجٍ ناقم

= خلاص يا سراچ مش محتاچ توضح اكتر من اكده، بس خلي بالك ده كان الحل الوحيد اللي كان هيناسبنا احنا الاتنين! وانت اللي رفضت عشان مش عارف تحكم علي مرتك انها تقبل  تتجوز تاني ولا تكونش خايف منها.

نهره سراج عن التمادي في الأمر هاتفا بحدةٍ

= حج مؤمن انت على عيني وراسي وانا مقدر قعدتنا دي، لكن بعد اذنك ما تتدخلش في حياتي وتقولي اعمل ايه وما اعملش ايه، و بعدين اسمها بحافظ على كرامه مراتي و خايف على زعلها مش خايف منها ولا مش قادر احكم عليها.

ضجر الآخر منه فهو لا يصدق كيف يكون كبير العيله ويرفض شيء كذلك حتى لو على حساب زوجته فلا يهمه شيء غير إيقاف الدماء فقط مهما يكلف الامر، عكس الاخر فكر باول شيء بحزن زوجته وصدمتها به حينها، لذا أخبره بعد زفيرٍ ثقيل تشوبه الملل

= لا ما هو واضح على العموم انا مالي انت حر بس ما ترجعش بعد اكده تلوم إلا نفسك لما تلاقي الثالث من اخواتك راح يبقى ساعتها خلي مراتك تنفعك.

تنهيدة عميقة تحررت من صدر سراج الذي بدأ يشعر بقله الحيله حقا والخوف من القادم و للحظه شعر بأنه سيكون المذنب اذا حدث شيء سيء لعائلته مجدداً بعد رفضه لوجود نسب بينهما والزواج من آخر لكن بالفعل ذلك الأمر سيكون صعب عليه وسيشعر بأنه ظالم نتيجه لذلك فا غاليه لا تستحق منه ذلك ابدا ويكفي صبرها عليه سنوات طويله، رفع بصره للسماء وهو يناجي المولى بخفوتٍ

= استغفر الله العظيم يا رب، حلها من عندك.

❈-❈-❈

للحظة ظنت غالية عندما قال بأنه سيفكر كان وهمًا، لمجرد استرضائها بعد الذي قدمته إليه منذ اللحظة الأولى التي عرض فيها الزواج عليها، لكن كادت ان تطير من الفرحه عندما اخبرها بموافقته وانه سيقدم ذلك العرفان قريباً وتم الإتفاق أيضا مع أحد الظباط بذلك والذي بالطبع ايدوا حديثه على الفور حتى تتوقف قد تلك الدماء والاوراح البريئه التي تتساقط يوم بعد يوم بين العائلتين. 

القرع العنيف على باب غرفة المكتب جعلت سراج ترك ما في يديه ونظر إلى الأمام لدخول والدته فاتسعت عيناها ذهولًا تمنحه هذه النظرة الساخطة البغيضة والكارهة لم تمهد بشيءٍ واندفعت كالثور الهائج تجاه بعنفٍ  وهي توبخه بتسائل 

= صحيح الحديد اللي سمعته دي؟ انت عاوز تقدم الكفن لعيله البدر بعد ما قتلوا اخواتك الاثنين؟ رد عليا وكذب اللي سمعته 

حفظًا لماء الوجه أوجز سراج في رده

= اما اقعدي الأول عشان افهمك اللي حصل و انا عملت اكده عشان خايف عليكم، تقدري تقوليلي لو عملت اللي انتٍ عاوزاه ورحت قتلت واحد من العيله هم هيسكتوا كيف ما سكتوا المرتين اللي فاتوا خلاص لازم الدم ده يتقفل بقى !. 

قاطعته قبل أن يكمل تبريره وهي تصيح به في حنقٍ قهراً 

= يا حسرتك في ابنك الكبير يا فردوس هيعرك وسط البلد ويخلي اللي ما يشتري يتفرج علينا، يا المرار الطافح اللي هينزل فوق دماغنا! ما كنتش اعرف انك جبان اكده ومش فارق معاك دم اخواتك اللي راحوا 

دخل في تلك اللحظه فؤاد و خلفه غاليه، وهتف بقلق

= في ايه ياما صوتك وأصل لحد بره ليه؟ 

لانت نظراتها القاسية وارتخت تعابيرها حينما أخبرته باستهزاء 

= تعالى شوف اخوك الكبير العمده كبير العيله عاوز يعمل صلح بينا وبين عيله البدري و هيقدم الكفن كومان.. هيعرينا ويخلينا نطاطي راسنا في الرايحه وفي الچايه قدام الخلق، على آخر الزمن إسم عيلتنا هيتمرمغ في الوحل عشان العمده بجلاله قدره مش قادر ياخد بتار اخواته.

استنكر تصريحها وقال في غيظٍ مكبوت

= انت بجد هتعمل اكده يا أخويا كيف تفكر في حاچه كيف اكده من غير ما تاخد رايي حتي، هم اللي راحوا مش اخواتي برده! ولا اخواتك لوحدك عشان تكرر قرار كيف ديه من نفسك.. انا مش موافق طبعا على الهبل ده 

انتفض قائمًا، فأشار له الأخير ليقترب منه،
ثم هتف مرددًا بحذر في وجهٍ الصارم

= اتحدد مع اخوك الكبير عدل هو انا كنت بعلمك عشان تقف قصادي تعارضني.. حاسب على كلامك واتلم يا فؤاد مش هياجي عيل صغير علي اخر الزمن هيعدل على قراراتي، بقيلي سنين بحكم واعدل بين الخلق باللي محدش بيقدر ينطقه وانت جاي تعارضني! ليك حق ما انت مش عارف يعني ايه كبير عيله 

نظر فؤاد له بتعالٍ قبل أن يأتيه رده صادمًا على كافة الأصعدة

= اهو العيل الصغير اللي مش عاجبك ده هو اللي هياخد بتار اخواته مش جبان ذيك، عامل فيها كبير عيله وانت مش عارف تحكم في حاچه وبتضيع حقنا و آآه

صمت الآخر عندما صفعه أخيه الكبير بقوه ليصمت، لم يبدو اي تعابير على وجه فردوس مما حدث بينما شهقت غالية مذهولة وهي تهمس بعدم تصديقٍ

= يا مصيبتي جيب العوائي سليمه يا رب!. 

تنفس سراج بعمقٍ ليكبت هذا الشعور المؤلم،
وهو يقول بندم ظاهراً

= عمري ما كنت اتخيل ان انا ممكن اعملها في يوم سواء معاك ولا مع اخواتك اللي ماتوا! لكن انت اللي اجبرتني على اكده، دلوج بقيت جبان ومش عارف احكم.. الله يرحم ايام زمان كانت اي مشكله بتقع فيها بتجيلي و بحلها من غير ما افضحك عند أمك و اقولك عيب ده انت ابني مش اخويا وفي الآخر لما يطلعلك صوت تتجرأ عليا وتقل ادبك كومان 

ارتسمت على شفتي فردوس ابتسامة أكثر اتساعًا وشماتة وأمرته بلهجتها المعتادة معه بالاواني الاخيره 

= ما هو لازم يطلعله صوت لما يلاقي اخوه الكبير بقى يتصرف تصرفات ما يعملهاش عيل صغير.. وعاوز اللي يتدخل في قراراته، قصر الحديد يا سراچ ما فيش صلح هيتعمل و لو فضلت تمشي في الموضوع ده تنسى ان ليك أم ولما اموت ما تمشيش في دفنتي 

وكأنها تستفز مشاعره الذكورية بمقارنته بآخر ابنائها الصغير به، فقال بلا تصدق 

= بدل ما تادبيه على قله ادبه معايا بتقوي اكتر ياما، هي دي اخره المعروف اللي كنت بعمله معاكم زمان وياما اتدخلت في مشاكلكم 
وكنت ببقيكم عليا تكون هي دي النتيجه 

شملته أمه بنظرة مهينة من رأسه لأخمض قدميه قبل أن تتوالى عليه إهاناتها كالصفعات

= ما حدش طلب منك تتنازل عشان تقعد تذل فينا كل شويه، ومع ذلك شايلين معروفك فوق رأسنا يا سيدي بس لما تضيع حقنا مش هنتحملك ولا هنكون في صفك أكيد، كفايه ان انا خيرتك بين اللي عاوز تعمله وانك تنسى ان ليك ام وبرده مصر تمشي في الطريق ده يبقى احنا اللي مش فارقين معاك مش انت .

لم تتحمل غالية الصمت اكثر من ذلك علي بذاءة لسانها السليط، وأوقفتها بصياحها الهادر  بحده 

= يا جماعه ما تفهموه هو بيعمل اكده عشان مصلحتنا، عندك قلب تستحملي فراق حد من ولادك تاني يا حماتي؟ وانت يا فؤاد مش ديه اخوك اللي كان بيبقي اي حاچه عليكم وهو مش مهم وحتى التعليم ما كملوش عشانكم وقال انتم أولي هو انا برده اللي هقولكم ياما عمل معاكوا ايه، في ثانيه كده تنسوا كل حاچه عشان طلب وحيد بيطلبوا منكم ولمصلحتنا . 

أنهت جملتها عندما تحركت صوبها حماتها لتمسك بها من ذراعها وضغطت بشراسة عليها فتألمت من قوة ضغطتها هاتفه بغضب 

= سبق وقلتلك ما تدخليش في حديد الكبار ولا ليكي دعوه بمشاكل عيالي، انا عارفه كويس ان دي افكارك وهو كالعاده بيتدلدل ليكي وبيقولك حاضر ونعم.. خلصت لحد اهنا يا سراچ طالما اخترت اتحمل نتيجه اختياراتك بقى وخليها تنفعك . 

نظرت إليه أمه نظره اخيره وعيناها تتفحصان الاثنين بوهجٍ خبيث واشتدت قبضتها علي أبنها الآخر معتقده بتلك الطريقه تضغط على الكبير، و راحت تُحادث بوعيدٍ شيطاني لئيم

= يلا يا فؤاد ورايا وما لكش دعوه بيهم.. و خلينا احنا اللي نروح ونيجي وندور على حق عيالنا بايدينا والكبير قاعد بيدور كيف يفضحنا وسط الناس .

التفتت زوجته بناظريها إليه ومشت تجاهه تسأله في لوعةٍ للتخفيف عنه 

= معلش يا سراچ هم مش عارفين قيمه اللي انت بتعمله بكره لما يعرفوا عـ..

التفت بوجهه بعيد ليخفي آثار التفكير السائدة على ملامحه وعلق بزفرة سريعه

= غاليه سيبني لوحدي دلوج مش قادر اسمع ولا حرف زياده.

جلس مكانه وحده وراح يشتكي لنفسه بغير آمل، فمهما مضى الزمان به بما يجيش في صدره من أمور صعبة للغاية صامت، لكن ما جرى جعله يعيد حساباته ويتساءل هل بالفعل تسرع بذلك الامر؟!. 

❈-❈-❈

رفع رجب الغفير رأسه للأعلى صادم و أبقي على ملامحه الانزعاج حينما استمع الى أمر العمدة، فنظر سراج له بعينين مدهوشتين وهو يسترسل بتعابيرٍ منزعجة 

= خير يا رجب مالك واقف ليه اكده ما تروح يلا اعمل اللي قلتلك عليه.

تنحنح في صوتٍ خفيض قبل أن يرد وهو يسير بتمهلٍ 

= هاه آه حاضر.. بس معلش في الكلمه انا عارف انها حاچه ما تخصنيش بس هو فيش غير الحل ده يا حضره العمده، أصل آآ 

نظر سراج له بحده ثم قال بشيءٍ من الضيق

= عاوز تقول ايه يا رجب؟ 

ردت عليه بتعبيرات ضائقه غير مكترثة بتجهم الآخر

= انا ما اقصدش حاچه يعني بس على فكره في حل ممكن يكون ما جاش على بال جنابك ممكن يكون في نسب بين العيلتين وساعتها الدم ده هيقف بس بلاش حكايه الكفن دي، حكايه واعره جوي وفيها اهانه لينا انت مش عارف بره بيقولوا علينا ايه وان حضرتك... 

صمت الآخر عندما لاحظ نظراته النارية ثم أطبق على شفتيه رافضًا قول أي شيء، نبذ نظراتٍ قاسية فقط جعلته يشعر بالندم على قول كذلك، فصاح بصرامة وأمر 

= رجب! انا مش مستنيك تعرض عليا افكارك العظيمه روح نفذ اللي قلتلك عليه وما لكش صالح.

لوي رجب ثغرها مغمغم بتبرمٍ

= حقك عليا يا سعاده العمده حاضر هروح انفذ اللي انت عاوزه، وامر لله . 

❈-❈-❈

مرت عده أسابيع ولم تتحدث أمه معه مطلقاً أو حتى تجمعهم سفره واحده للطعام وفؤاد ايضا إنضم الى والدته بعد تصرف أخيه ضده و كأن لم يكن هو من بدأ لكن شحن أمه فردوس المتواصل وتعبئه عقله بتلك الاقوال عن الانتقام وانه بذلك سيكون رجلاً بحق جعلته ينضم إليها ويقتنع بحديثها ويخطط مثلها للانتقام من تلك العائله، لكن كل ذلك جعل سراج متردد ومتخبط في قراراته السابقة.

و على الجانب الآخر كانت قد اكتملت الترتيبات لتقديم الكفن ولم يبقى غير ذهاب سراج لتقديم ذلك وسط جميع العائلات وضباط الشرطه، وقف سراج امام المراه شارد 
فيما سوف يفعله اليوم ويعلم لا هناك للعوده بعد! وتقدمت من الخلف غاليه زوجته تضع فوق كتفه الشال لتجهيزه للنزول وهتفت بتشجيع ودعم 
       
= ما تفكرش كتير صدقني كلهم بكره هيعرفوا قيمه اللي انت بتعمله عشانهم وهيجوا يشكرك بنفسهم لما يفهموا انت بتفكر كيف. ربنا يهديهم يلا انت عشان ما تتاخرش 

شعرت غالية بالارتياب من صمت زوجها ولم تترك الأمر يحيرها كثيرًا، حيث هتفت بصوت جاد 

= سراچ انت مش سامعني خلاص كل حاچه جهزت تحت والكل مستنيك يلا !. 

تكلم أخيراً ليقول بصوت محتــرق من الندم والحزن 

= مش هنزل يا غالية ما قادرش اعمل أكده وانا عارف ان امي مش راضيه عني.. حتى لو اللي بعمله صوح .

عقدت حاجيبها للاعلي بقلق وسألته بتشككٍ مرتاب

= سراچ انت مالك تقصدي إيه بحديدك ده، طالما انت عارف ان ده الصوح كمله وما لكش دعوه بحاچه تاني ؟ 

سحب الهواء بعمق ليعيد انضباط أنفاسه  المنقطعة من التفكير وتلقائيًا أجابها مباشرةً

= مش ممكن يكون هم اللي صوح واحنا اللي غلط! من امتى واحنا بنخاف اكده وبنطاطي راسنا على رأي أمي احنا اكده مش رچاله 

في تلك اللحظه لا يعلمون من أين اتت فردوس وكانت تستمع الى الحديث مما أشعرها بالرضا والحبور فتقدمت نحو ابنها ربتت علي كتفه بحنان منتشية بانتصارها الزهيد من خلال ضغطها عليه للايام السابقه   وقالت بفخر

= اهو اكده انت ابني بصحيح چدع يا سراچ أخيرا يا ابني فوقت لنفسك! ومن شيطانك اللي كان راكبك طول الوقت ومعبي عقلك بكلام فارغ.. يلا يا حبيبتي اتحرك و قول للغفير ان كل واحد يروح لحاله اتفضت قبل ما تبدا . 

غشى بصرها الدموع تأثرًا بما جرى في طرفة عين كُسر داخلها وتفتت قلبها وهي تردد في صوت شبه مرتجف برجاء 

= سراچ قول حاچه ابوس يدك ما تعملش اكده خلاص هي خطوه واحده اللي كانت فاضله  وتفضي كل المعارك دي والحرب اللي ما بينا انت فاهم انت بتعمل ايه؟!. 

ليحرك رأسه بخزي رافضًا الانصياع لما قالته له، بينما استفزت حماتها من إصرارها ودفاعها المستميت عن فعل ذلك، فلكزتها في كتفها بعنف 

= ما تتحركي يا بنت وبطلي حديد ملهوش لازمه هو انتٍ بتحبي تتهزيقي على طول، راچل هو ولا مش راچل قدامك طالما كلمته طلعت ما حدش بعدها يقدر يفتح بقه بعديها سمعتي! ما فيش عربون هيتقدم والتار هيكمل !. 

كانت المرة الأولى التي تشهد فيها غالية عليه صامت أمام اهانتها دون أن يدافع عن كرامتها وإنسانيتها قبل ذلك بل ويحاسب المسيء بلا ندمٍ، لكن سراج يعلم جيد اذا تحدث بحرف سيفعل ما تريد؟ لذا يجب أن لا يجعل مشاعره تسوقه وقلبه يقوده هذة المرة، بل لا مكان للعاطفة في حياته بعد الأن.



                     الفصل الرابع من هنا
تعليقات