رواية العمدة وبنت العم
الفصل الرابع4
بقلم خديجة السيد
في غرفة سراج لاذ بالصمت عاجزًا عن تبرير تراجعه عن تقديم الكفن بعد ما اتفق على كل الترتيبات اللازمه، لكن بالفعل ليكون صريح مع نفسه حديث والدته أثر عليه بالسلبي! وخضع في النهايه لرغبتها لكن مع ذلك ليس لدي نيه سيئه في قتل أي فرد من عائلة البدري.
غمغمت غالية بلا تصدق وغليل صدرها قد أخذ في التصاعد بسبب قلقها من القادم
= ما توقعتهاش منك يا سراچ كنت خلاص اطمنت وخدت منك الكلمه وقلت فعلا هو ده اللي حبيته وامنته على نفسي ويستاهل يتقال عليه كبير العيله العاقل، لكن ايه تفسير اللي عملته وفي لحظه واتراچعت ليه
كز على أسنانه في غيظٍ ووجهه قد تلون بحمرة الغضب
= حسبي على حديدك يا غاليه انا كبير العيله غصب عنك وعن اي حد، بتلمحي لايه يا بنت العم.
زادت من ضغطها عليه بحديثها المقلق وهي تردد بلؤمٍ
= صوح كبير يا اخويا وغصب عني كومان وعمري ما اقدر اقول غير اكده، بس يا كبير العيله عارف معنى اللي عملته النهارده والتار إللي هيفضل شغال بين العيلتين! ولا انت عشان ترضي أمك عادي تموت ناس تاني بسببكم ومش مهم أي حد.
رد عليها سراج بتصميم وقد غامت تعابيره
= ما فيش حد هيموت اطمني بس انا هشوف حل تاني غير ده! انا حسيت اني اتسرعت لما سمعت حديدك في حكايه تقديم الكفن دي.. عارف ان امي غلط في كل حاچات كتير الا الموضوع ده هيخسرني كتير من هيبتي وسط البلد.. وبعدين ما أكيد في كذا حل غير ديه .
بدت هجومية إلى حدٍ كبير وهي تخاطبه
= طب اتفضل حلها بسرعه يا ابن عمي بدل ما الخسائر تزيد تاني فوق دماغنا ونخسر من الأحباب اكتر، مع ان انت لو كان عندك الحل كنت حليتها من زمان بس انا فاهمه ان انت بتهودني وحديد امك اثر عليك، مع ان اللي كنت هتعمله النهارده ده للي بيفهم صوح كان هيزيد من هيبتك مش هيقلها !.
رفع حاجبه للأعلى في استهجانٍ ثم رد عليها ونهرها بحذرٍ
= غاليه! بقيتي تدخلي في حاچات كتير ما تخصكيش ولو أنا كنت سامحلك زمان بكده، كان عشان قيمتك الكبيره عندي لكن اكتر من اكده خلاص وعلى رأي أمي ما تتدخليش في حديد الكبار، انتٍ عمرك ما هتفهمي ولا هتحسي أنا قد ايه بعيني من الموضوع ديه ومش عارف ارضي مين ولا مين
اضطرت مرغمة سماع أوامره وبحرقة تستعر في صدرها فارتجف صوتها وهي تخبره بألم
= دلوج امك اللي بقت صوح و انا اللي غلط ومش بحس كومان بيك؟ ده انا الوحيد اللي واقفه في صفك دايما وده مش عشان جوزي وحبيبي بس لا عشان شايفك قد ايه بتعاني عشان تمشي العدل اللي كله كان بيحلف بي بشرفك وبيجولك من اخر الدنيا عشان عارفين أنك مستحيل تظلم أيتها حد حتى لو كان امك ولا ابوك نفسهم .
مط فمه للحظةٍ بفتورٍ وعلق بشيء من الضيق
= و إيه اللي حصل دلوج يا غالية بقيت ظالم في عيونك ومش عادل!.
لم ترغب في إثقال صدرها بالهموم والقلق دون داعٍ، لهذا طرحت عنها تفكيرها السوداوي، وهمهمت في خفوتٍ
= لاء يا ابن عمي لستك كبير عيله وبتعدل بس لأول مره تصيب معاك وكفت العواطف عندك هي اللي تنتصر علي العقل.. على العموم الشورى شورتك في النهايه و ربنا يخيب ظني.
❈-❈-❈
في الأسفل كانت فردوس تجلس واضعة ابتسامة متكلفة على محياها، بدت وكأنها غير راضية عن حديث ابنها البكري الذي طال مع زوجته في الأعلى فبعد إلغاء الاتفاق عن تقديم العرفان انسحبوا الاثنين الى الأعلى ولم يهبط حتى الآن، وكان ذلك يقلقها بالطبع خوفاً من أن تؤثر عليه غاليه ويغير رأيه للمره الثانيه وهي تعلم جيد حبه الشديد لها، أطبقت على جفنيها للحظةٍ، قبل أن تهمس في حنقٍ مزعوج
= هم عاملين يتحددوا في ايه كل ده؟ تلاقي بيتحايل عليها ويطيب في خاطرها عشان ترضى عنه بعد ما رفض اللي هي عاوزاه.. انا عارفه عقلي كان فين لما وافقت على الجوازه المنيله دي زمان.
مط شفيق فمه قليلًا ثم جاوبها بعدما استقر مجاورًا لها
= خلاص يا خالتي طالما سراچ بنفسه رفض والناس مشيت يبقى عمره ما هيرچع في حديده تاني! وحديد غاليه معاه ولا هيفيد ولا هياخر، و الحمد لله اني رچع في اخر لحظه وما عريناش وسط الخلق
لوت ثغرها باستهزاء ثم صاحت في حنقٍ
= وانت فكرك طالما الهانم اللي فوق دي وراه مش هتخليه يرچع في حديده انا اكثر واحده عارفاها كويس، مش هتسكت غير لما يرچع في كلامه ويقدم عربون الكفن من تاني
ليرد شفيق بصوته الخشن المرتفع وهو يطرق بيده على الطاوله بحده
= لا اكده يبقى فيها حديد ثاني هو لعب عيال ولا إيه، أكيد مهما تقول وتعمل سراچ مش هيسمعلها المره دي ولا إحنا كومان لعبه في يده شويه هنقدم الصلح وبعد شويه خلاص.
تدخل فؤاد في الحوار ليقول بصوته الصارم إليهم
=حتى لو عمل اكده ياما ما تخافيش انا اللي هاخد بتار اخواتي ومش عاوزين منه حاچه
رفعت فردوس سبابتها أمام وجهه تنذره بالتراجع عن اي شيء ويترك كل شيء لاخيه
= اكتم انت يا فؤاد وملكش دعوه بحديد الكبار طالما أخوك ربنا هداه وهو اللي هياخد بتارهم أن شاء الله، وبعدين انت لساتك صغير على الحديد ده .
اتسعت عينا فؤاد في ذهول من تغيرها المفاجئ نحوه، ثم تحدث بعصبية متهورة
= ما كانش ده حديدك ياما قبل اكده امال ليه خليتيني اتعلم النشال وامسك السلاح ودايما عماله تقوليلي لازم تاخد بتار اخواتك وانت اللي هتعمل اكده طالما اخوك مش عاوز! ولا كنتي بتاخديني سلم عشان ابنك يتحرك وهو اللي ياخد التار.. بس لا ياما انا مش عيل صغير وبكره تشوفي بنفسك أكده لما اقتلك حد من عيله البدري.
تجاهلت إياه والدته للمره الثانيه وذلك جعل فؤاد يغضب اكثر بينما في تلك اللحظه هبط سراج أخيراً لتخبره أمه في تعصبٍ
= ما لسه بدري يا كبير العيله، ها الهانم مراتك رضيت عنك خلاص ولا نطلع نستسمحها احنا كومان.. ما خلاص ما بقاش ورانا غيرها من ساعه اما دخلتها في اللي ما لهاش فيه
انتصب سراج بكتفيه للأعلى في زهوٍ، وعلق بجديةٍ كأنما يسد لها وجهه نظره التي لم تتغير وستظل كما هي
= اما فضيناها وخلاص اللي انتٍ عاوزاه عملتهلك اكثر من اكده ما تطلبيش مني، و بعدين مالكم متجمعين اكده ليه؟ آه لو فاكرين معنى أن أنا اتنازلت عن تقديم الكفن ان انا همسك سلاح زيكم واروح أقتل في عيله البدري تبقوا غلطانين.. انا تراچعت عشان اشوف حل تاني للموضوع بس قتل مش هقتل ولا انتم كومان، كفايه الارواح البريئه اللي راحت وذنبها في رقبتنا..
انقلبت سِحنتها بشدة، فما زال أبنها يسير على نفس النهج في عدم رغبته في أخذ الثأر و تطبيق حديث زوجته كما تعتقد، لتطلع له بنظرات مليئة بالاحتقار والتقليل من شأنه لتشعره بأنه غير كاملة مثل أخيه الصغير
= جالك كلامي يا شفيق قلتلك الهانم اللي فوق مش هتسكت غير لما تخليه يرجع في حديده، عيب لما تكون الإسم كبير عيله و حرمه تمشيك يا سراچ يا اللي محسوب علينا راچل
تحولت نظراته للنارية فكان فاقدًا للصبر، متوترًا للغاية لذا هلل بها في شراسه صريحة جعل قلبها ينقبض بقوةٍ
= هو انا في نظرك لازم اكون سفاح ولا قتال قتله واقتل ناس ملهاش ذنب عشان اكون راچل أكده؟ لاء ياما ده ذنب كبير عتحسب عليه قدام ربنا وانا مش عشان ارضيكي في الغلط اشيل الذنب ده اللي متأكد ان هيتردلي، كيف ما انتٍ رحتي اتفقتي مع شفيق من ورايا عشان يقتل عيل من عيله البدري و في نفس اللحظه اتقتل ابنك الثاني ويا ريتك حرمتي على اكده!
نظرت إليه بأعين مليئه بالشر بعدم اقتناع بينما هو رحل ولم يعطيها فرصه للحديث، و كان فؤاد يتابع الواضع وهو ينفث في غضب متصاعد داخله بالأخص بعد استهوان والدته والجميع به. لكن من ملامحه كانت غير مبشره بالخير ابدأ.
❈-❈-❈
مرت أيام دون جديد والوضع كما هو، تطلعت غاليه بتحيرٍ قلق إلى زوجها الجالس على الأريكة، واضعًا ساقه فوق الأخرى في البداية ترددت في سؤاله عن اذا يوجد جديد و تغلبت على خوفها وتساءلت باهتمام
= عملت ايه فكرت في حل للي احنا فيه، طبعا لع مش أكده.. صدقني ما كانش في حل احسن من اللي كنت هتعمله من قيمه اسبوعين واتراجعت .
نفخ سراج في سأمٍ شديد، ورد وهو ينهض يسير إلى فراشه
= وبعدها لك يا غاليه مش كل ما تشوفي وشي هتقوليلي الكلمتين دول، انا على اخري ومش طايق نفسي مش ناقص ضغط اكتر من اكده.
امتلأ جوفها بذاك المذاق المرير وشعرت بانها الفتره السابقه بالفعل ضغطت عليه لكن ذلك بسبب قلقها الدائم، فقالت بندم وآسف معآ
= حقك عليا انا اسفه بس اعمل ايه صدقني انا بعمل كل ديه من خوفي عليك سراچ انت لو بعد الشر جريلك حاچه انا مش هستحمل انا وبنتك اعيش من غيرك، عشان اكده شوف حل في اقرب وقت .
شعر بدمائه تحنقنٍ، بقدرٍ من الغليل يسري في عروقه ويحتل كل ذرة في كيانه ليجعلها على أهبة الاستعداد للانتفاض والثورة لما يسمعه منها عندما تضاعف ذلك الشعور الحانق بقوله الغير متوقع
= وانتٍ فاكره بالطريقه دي يعني هتخليني الاقي الحل بسرعه ما انا قدامك اهو مش بنام كفايه، وما بقيتش عارف الاقيها منك ولا من أمي ولا من كبير عيله البدري اللي عاوزاني اتجوز بنت من عندهم عشان يكون في نسب ما بينا و نوقف التار .
حدقت فيه مدهوشة للحظاتٍ ثم قطبت جبينها وسألته مستنكرة وبعض الضيق يكسو وجهها
= نعم تتچوز وانت قلتله ايه يا سراچ
امتقعت تعابيره وصار متجهمًا للغاية ومع ذلك
بادر بالقول كأنما يسمع ما يدور في رأسها
= تفتكري لو كنت وافقت كنت لسه هبقى قدامك بفكر هعمل ايه؟ بس شكل اكده ما فيش حل إلا ده دلوقيتٍ منهم بس خايف لاني المره الچايه مش عارف هتسيب مين.
رده فعله هذه جعلتها تشعر بالقلق والصدمه بنفس الوقت، فأحست بغصة مريرة تعلق في حلقها فراحت تردد بصعوبةٍ وهذا الشعور الخانق يزداد ضغطًا على صدرها
= هو انت بتفكر في الحل ديه ولا ايه يا سراچ
عاوز تتجوز عليا.. اصل معنى انك تقولي الموضوع ديه يبقى في حاچه في دماغك؟!.
توتر قليلاً ليخبرها بما أجج بداخله مشاعر الضيق والحنق والحيرة
= مش بالظبط يا غاليه بس كبير العيله ضاغط عليا وفهمني أن ما فيش حل إلا ده وأن ياما عائلات عملت أكده وهو ده اللي بيوقف التار ما بينهم لما يكون في نسب بين العيلتين، وقبل ما تفهمي غلط انا باخد شورتك بس وبفكر معاكي بصوت عالي آآ .
صمتت غالية للحظةٍ وقالت في فتورٍ
= ما قلتلك تعالى دغري يا ابن عمي ايه اللي في دماغك.. خد وادي معايا براحتك عاوز توصل لايه؟
هز رأسه بالايجاب وهتف بتريثٍ وهو يراقب ردة فعلها بحذر
= حج مؤمن بيقول أنها ست كبيره وعندها ولدين وعاوزه تربيهم يعني اكيد هتكون عاوزه اي چوازه والسلام حتي لو مش بحق وحقيقي، فانا بقول مش يمكن تكون بنت حلال وتتعاون معانا ونعاملها أهنأ كيف الضيفه بالضبط ولا واحده مننا حتى لكن عمرها ما هتكون اكثر من اكده وانتٍ عارفه زين يا غاليه
انتٍ بالنسبه لي ايه وعمري ما اغدر بيكي.
اتسعت عيناها بلا تصدق فما طلبه ليس بمسألة عادية يمكن توفيق أوضاعها عليها الأمر أصعب بكثير إنه متعلق بحبها له فكيف له أن يفكر في ذلك حتى، لوهلةٍ شردت مستعيدة لمحات سريعة وخاطفة من شريط حياتهم بما تضمنته من أحداثٍ سارة وأخرى مؤسفة، كان العامل المشترك فيها هو العشق بين الإثنين والتضحيه منها أكثر! فيكون يكون ذلك المعروف بالنهايه اول من يضحي بها هي!، أخرجها من سرحانها اللحظي صوته الرجاء والمحفوف كذلك بكلمات التحذير
= غاليه انتٍ ما بترديش ليه؟ انا بفهمك اللي في دماغي وباخد وادي معاكي في الكلام كيف ما قلتلك لكن لو مش موافقه خلاص بلاها.. انا بس كنت بقول ان يمكن يكون حل يخلصنا من كل ديه، انا في الأول والله رفضت اول ما الحج مؤمن عرض عليا حتى سمعني كلمتين ملهوش لازمه لما قالي معقول بتفكر في مرتك في وضع كيف اكده واحنا في عرض اي امل، لكن انا قلتله انا بحترمها وكرامتها من كرامتي واي حاچه ممكن تجرحها يبقى بلاها حتى لو على حسابي.
امتدت يده لتمسك بكفها نظرت له بعينين مدهوشتين وهو يسترسل بتعابيرٍ منزعجة، وبنبرة نادمة ومؤكدة
= هو مش انتٍ اللي عماله تزني عليا وعاوزه اي حل، حكايه الكفن دي صعب عليا وانا عملتها عشانك بس ما قدرتش اكملها، بس لما عرفت انها واحده معديه الاربعين مش عيله صغيره يعني هتكون كل اللي عاوزاه تعيش وخلاص تحت ضل راچل واحتياجاتها على قدها، لكن مش هقدر اعملها كزوجه زيك.. ما تردي عليا يا غاليه ساكته ليه انتٍ عارفه كويس ما بحبش أكلم حد وما يردش عليا؟؟
كانت كمن لامسها تيار كهربي فانتفضت مصعوقة وسحبت يدها من أسفل لمسته لتنهره بعينين جاحظتين
= أنت عاوز تتجوز عليا يا سراچ بعد كل اللي عملته معاك، ده احنا عدينا بمشاكل كثيره عمرك ما قلتها لي ولا فكرت فكده حتي، ده انت حتى حلفتلي لأجل خاطري لو كان انا اللي فيا العيب ومش مخلف كنت عمرك ما هتسمع حديد امك وتتجوز.. جاي تعملها دلوقتي، يبقى كل ديه كان كلام بقى وبتضحك عليا بيه وانت ولا بتحبني ولا حاچه .
نهض ناظرًا إليها بنظرات حانقة وردد مستنكرًا في زفيرٍ متشنج
= انتٍ مخبله انتٍ سامعه كويس انا قلتلك ايه
وليه عاوز اعمل حاچه كيف اكده! بقولك مش چواز بحق وحقيقي وعمرها ما هتكون ذيك يعني مجرد واحده كده انا ما ليش علاقه بيها وهشوفها بالصدفه في الدار كومان، انا لولا الوقت عمال يعدي ومش لاقي اي حلول تانيه وامي مش هتسكت غير لما تعمل حاچه ثانيه كنت ولا عمري هفكر في حاچه اكده، بس اديك شايفها متعقده من كل حته .
بالكاد منعت نفسها من ذرف العبرات وهي تعاتبه في حرقه
= طب ما انا قلتلك الحل و كنت هتعمله بس انت فضلت وجع قلبي وانا شايفاك مع غيري! قصاد هيبتك اللي خايف تروح.. ما كنتش اعرف أني ولا حاچه عندك اكده يا ولد عمي كيف ما كنت دايما تقولي.. وأي كانت الاسباب بقى إسمها عندي چواز !.
تجهم وجهه للغاية ناظر لها بضيق فقال نافيًا
= برده هتهبل في الحديد انتٍ حبيبتي ومرتي وعمرك ما هتنزلي من المكنه دي وبطلي هبل واوعي في مره تشكي في حبي ليكي بس في حاچات ممكن تحصل تخليني اعمل حاچه غصب عني، بس خلاص يا غاليه اعتبريني ما قلتش حاچه ولا هعمل حاچه ممكن تضرك حلو أكده.
التفتت تنظر إليه وهي تحتج على مقصده بانفعالٍ ملحوظ
= لع ما خلصتش يا سراچ وسواء رجعت في كلامك ولا كملت، فالموضوع بالنسبه لي بس انك فكرت كيف كأنك عملتها بالظبط وعمري ما هنسالك حديدك ديه، وان هنت عليك.
لم ننتظر أي رد منه بل تحركت من امامه الى الخارج وظل هو مكانه يتنهد بعمق ويأس بعدها سمع دقات هاتفه ليرد بنفاذ صبر
= الو يا حج مؤمن قلتلك انا هفكر في الموضوع مش لازم كل شويه تتصل بيا و عشان نخلص، أنا بصراحه اكده مش هقدر اتچوز كيف ما قلتلك فشوف حل ثاني.
جاء صوته صارم وحازم للغاية
= ما بقاش ينفع يا عمده، تعاليلي حالا اخوك فؤاد حاول يقتل حد من عيلتنا و لولا لحقته باخر لحظه وحابسينه أهنأ وانا بالعافيه وقفتهم وقلتلهم ده عيل صغير بلاش، و انك هتيجي دلوقتي وتحلها.. فتعالي خد اخوك وبالمره تكتب على زينب لا إلا تنساه لان عيله البدري مش هتسيبه حي بعد اللي كان ناوي يعمله.
اتسعت عيناه في شيءٍ من الاستهجان والخوف فاستشاط غضبًا من فعلت أخيه وصاح مذعور
= حج مؤمن اياك إلا اخويا فؤاد ما فاضليش غيره، خلاص هعمل اللي انتم عاوزينه بس محدش يقربله حتى لو هتجوز....!!!
❈-❈-❈
أمر سراج تلك السيدة أن تتبع إياه للداخل عند وصولهم السرايا، اكتفت بهز رأسها بطاعه و دخلت وراءه وهي تجذب اولادها الاثنين معها، بينما هو ما إن ولج للداخل حتى أغلق الباب خلفهم فأمسك أخيه الصغير من معصمه و جذبه نحو الأريكة ليسقط بقوه، وهو يردد بصوت غاضب
= ادخل يا سبع البرمبه عاجبك اللي عملته ديه والمصيبه اللي كنت هتلبسنا فيها، جبت السلاح ده منين ومنين جاتلك الجراه تعمل أكده ده انت لسه ما كملتش ١٧ سنه راح تقتل!
لوى ثغره ليتكلم في حدة طفيفة وكانه لم يخطأ
= بعد عني يا سراچ امال كنت عاوزني اعمل ايه وانت مش راضي تاخد بتار اخواتي اقف اتفرج عليك، وبعدين عشان تعرفوا كلكم ان انا راچل فعلا واقدر اعملها .
أبتسم بسخرية وهو يسأله بتحدي منفعل
= وما عملتهاش ليه يا فالح ده انا لسه جايبك من تحت أيدهم بالعافيه وبسببك بيتي ممكن يتخرب، ناقصين احنا مصايب وبلاوي عاد.. مش كفايه اللي عندنا تعرف وضعنا كان هيكون ايه لما تروح انت كومان مع اخواتك وانا اقف اخذ عزاءك ونترحم عليك.
اغتاظ من إهانته المبطنة والتحقير من شانه، فصاح بعبوسٍ
= هم اللي خدوني على خوانه لكن انا كنت هعملها.. وبعدين انا ما قلتلكش تعالي الحقني ولا تتجوز من عندهم عشان توقف التار
دفعه من كتفه ليمر وهو يغمغم في صبرٍ شبه نافد
= انت كومان ليك عين تتكلم، اطلع فوق و مش عايز اشوف خلقتك كفايه البلاوي اللي هتدبسني فيها دلوقيتٍ.. يلا على فوق وما تفكرش نفسك كبرت عليا انا غصب عنك هربيك من اول وچديد وكلمتي هي اللي هتتسمع.
في تلك اللحظه هبطت فردوس من الأعلى، و
اعتراها الفضول فسألته بحاجبين معقودين بحده
= في ايه عمال تزعق في الواد اكده ليه عملك ايه ومين الهانم اللي وراك دي كومان؟؟.
أسرع وقتها فؤاد يتحدث بتحدي
= دي مراته الچديده اتچوزها عشان يخلي في نسب بينا وبين عيله البدري عشان يقفل على حكايه التار.
أعتقد الاثنين أنها ستثور بعد معرفتها بذلك الخبر لكنهم تفاجئوا بها هادئه للغاية وبدأت تنظر إليها بتقييم ثم تساءلت باهتمام كبير
= برده عملت اللي في دماغك ويعني اتجوزت دلوقيتٍ عادي و زمان كنت بتحايل عليك مش راضي لأجل خاطر السنيوره بتاعتك، هم العيلين اللي معاها دول تبعها انطقي يا بنت انتٍ دول ولادك فعلا وانتٍ خلفتك صبيان؟.
هزت رأسها بالايجاب وهي تردد مبتسمة بفخر
= ايوه يا حچه فردوس دول ولادي! وكان معايا كومان اتنين بس الله يرحمهم وكانوا برده صبيان..و كل عيلتنا اكده اصلا بنخلف صبيان بس .
لحظتها أحست فردوس بالنشوة والابتهاج وفكرت بشئ ستفعله بأي طريقة، ثم لاحت ابتسامة عريضة على محياها وهي تخبره
= زينه مش بطاله على الاقل ارحم من حكايه الكفن ديه، وبالمره ممكن هي اللي تجيبلك الواد اللي نفسي فيه.. ساعتها ممكن افكر في حديدك واصرف نظر عن حكايه التار دي .
عقد فؤاد حاجيبة باستغراب وهو يقول بعصبية
= امي انتٍ بتقولي ايه بقولك دي من عيله البدري اللي المفروض نقتلهم مش نناسبهم.. وانا اللي فكرتك هتقوليله طلقها ويرجعها بيتها تاني وأننا لسه محروقين على اللي ماتوا
فما كان من سراج إلا أن فقد هدوئه واندفع تجاهه في عصبيةٍ، ليقوم بدفعه دفعًا إلى الدرج وهو يهتف بحمئةٍ
= هو انا مش قلتلك على فوق ولا عاوز تضرب تاني، وانتٍ يا تهاني تعالي خديها وطلعيها فوق في اي اوضه من اوضه الضيوف و اسمعوا كلامي بقى وبطلوا مناهده.
هزت زينب كتفيها متمتمة وردت في طاعة
= حاضر يا سي سراچ.
ظل فؤاد مكانه غاضب من رده فعل أمه وأخيه، لتقول فردوس بلهجه أمر حاده
= اسمع كلام اخوك واطلع فوق وما تتدخلش ثاني مره في كلام الكبار.. وبعدين لسه حسابي معاك لما افهم من اخوك اللي خلاه يتچوز و انت راچع معاه ليه؟ عشان لو اللي في بالي صوح هتاخد مني علقه كيف زمان عشان تعرف تتصرف من دماغك حلوه.
صعد بالفعل بخزي فكل يوم تثبت له بأنها لم تثق فيه ابدأ بيوم لكن كانت تستخدمه إلا مجرد وسيله لا أكثر لأجل اغاظه اخيه الكبير.
مطت شفتاها للإمام فاستغلت الفرصة كحرباء متلونة ونجحت في استثارة حفيظتها بقولها المسموم
= ما تيلا يا عريس انت كومان اطلع لعروستك مش عايزين نضيع وقت وهاتلي الواد وانا كيف ما وعدتك هفكر اصرف نظر عن حكايه التار ديه بس تجيبلي واد من صلبك كيف ما كان نفسي وبحلم.
نفخ عاليًا وقد فهم ما تقصده بكلامها المتواري
فأجابها ساخراً
=بتسوميني يعني ياما؟ طب عشان اجيبها لك من الناهيه اللي فوق دي هتكون كيف الضيفه أهنأ وانسي انها مرتي، ست الدور اهنا غاليه وهي الكل في الكل كيف الأول واكتر.. وانا اضطريت اتچوزها عشان فضلتي تشعليلي في ودن فؤاد يجيب حق اخواته واهو راحلهم وانا لحقتوا من ايديهم بالعافيه وكان لازم اتچوزها عشان يسيبوه.. فبطلي بقى عشان انا وانتٍ فاهمين كويس ان انتٍ بتستخدميه ضدي عشان تخليني اتحرك وانا اللي اخد التار لكن بسببك كان التالت هيضيع النهارده ولسه برده بتفكري في الانتقام.
كل ما فاه به أوحى بإدانة ملموسة ولكنها تظاهرت بأنها لم تكن متورطة في الأمر برمته، وأشاحت بوجهها للجانب هاتفه بسخط مستفز
= كان هيضيع بسببك انت مش بسببي! انا ما عارفاش اعملك ايه تاني عشان تتحرك وتجيب حق اخواتك، بس اللي فوق ده حسابه معايا
عشان أنا ما قلتليش يروحلهم، بس زينه حكايه النسب دي كيف ما فكرتش فيها من الأول ما انا في الحالتين نفسي انك تتجوز من زمان وتجيب الولد .
مسح علي وجهه بغضب مكتوم هاتفا بوجه غائم التعبيرات
= هو انتٍ بتنسي بسرعه، انا مش بخلف و بنتي الوحيده اللي ربنا رزقني بيها چايه بسبب عمليات الحقن المجهري غير اكده كان عمري ما هكون اب.. يعني سواء قربت منها ما قربتش مش هخلف منها، غير دلوقيتٍ فهمتك هي وضعها أهنأ ليه؟ وانا مش متجوز غير غاليه .
ردت بامتعاضٍ، ونظرة ساخطة تطل من عينيها
= ما خلاص وجعت راسي بغاليه بتاعتك دي، هم الدكاتره هيتدخلوا في حكم ربنا كومان ولا ايه ما يمكن ربنا ينفخ في صورتها لما تقرب منها وتحمل من غير عمليات و لو لازم الامر جرب تعمل كيف ما عملت مع غاليه، يمكن حتى بالطريقه دي تحمل وتجيبلنا الولد والبنت باين عليها خلفتها كلها صبيان يعني لو حملت هتجيب الواد من اول مره.
استشاط غضبًا من قولها المستمر باصرار حول إنجاب الصبي، فهدر صارخة بانفعال
= محروق أبو الواد اللي وجعي دماغي بيه انتٍ ليه ما عاوزاش تفهمي وقافله عقلك، غاليه ما عندهاش اللي يمنع انا اللي عندي زفت عيب، وانا برده اللي قلت مكتفي ببنتي ومش هنعمل عمليه تانيه.. وبرده عماله تلفي وتدوري وتتحددي كأني غاليه هي اللي فيها العيب مش العكس وهي اللي مستحملاني .
كادت أن تتحدث فحذرها بسرعه بصوت جاد متعباً من الجدال معها
=خلصت ياما وسيبيني في حالي انا خلاص جبت أخري منكم ومش طايقه اسمع لاي حد كلمه ولا نفس وكفايه اللي حصل.
تأملته بنظراتٍ شبه مغتاظة وردت بلا أدنى ذرة تعاطف
= خلاص يا ولدي هدي حالك واستهدى بالله واطلع لعروستك الچديده ممكن هي اللي تلاقي راحتك معاها وتعرف تغير مزاجك .
فقد آخر ذرات تحمله فانتفض يتحرك بتعصبٍ في السرايا باحث عن زوجته هادر بانفعال
= الصبر يا رب من عندك، غاليه يا غاليه هي فين دي كومان ما بتردش ليه .
أراحت ظهرها للخلف في مقعدها وقالت بخبثٍ قاصدة بذلك إشعال فتيل الكراهية بينهما
= هو انت ما تعرفش خدت حاجتها وبنتها و طلعت على دار ابوها من غير ما حد يكلمها ما لو كانت لاقيه اللي يحكمها صوح ما كانتش سابت الدار من غير اذنك لكن هنقول ايه.
❈-❈-❈
قامت في رأسها عواصف الأفكار المحيرات حينما سمعت باب منزل والدها يدق، فقامت لتفتح الباب وهي على علم جيد من الزائر بذلك الوقت، ففتحت له وعلقت غالية باقتضابٍ وبوجهٍ ذي ملامح متجهة لتقطع عليه سبل التودد إليها
= نعم يا ولد عمي چي في ساعه كيف دي ليه وعاوز ايه؟ ما يصحش تسيب عروستك لوحدها روحلها احسن حد من اهل البلد يشوفك وتبقى عيبه في حقك وحقها .
اقتضب زوجها جبينه، وهتف في شيءٍ من الغضب
= انا قلت برده اكده أكيد هو ده السبب اللي خلاكي تسيبي الدار مع اني قبل ما امشي فهمتك وعرفتك أني لو عملتها هيكون غصب عني وليا اسبابي وبرده نفذتي اللي في دماغك ومشيتي.
رمقته بنظرة جامدة غير نادمة أبدًا على ما عقدت العزم عليه، وقالت في قهراً
= ما خلاص بقى هي اسطوانه حافظها على العموم ريح نفسك ما بقيتش اكل من الحديد ديه، يمكن زمان كنت بصدق اي كلمه تقولها لي وبصدق عشقك ليا كومان، لكن كل ديه راح في ثانيه من اول بس ما فكرت انك تتچوز عليا.. واديك النهارده كومان عملتها رغم انك وعدتني انك هتصرف نظر عن الموضوع طالما في وجع قلب ليا، عرفت مين فينا بقى اللي بيخلف في الوعود.
أطلق زفرة بطيئة من جوفه وعقب بلهجةٍ شبه منزعجة
= يبقي تترزعي في دارك وتستني لما ارچع و تفهمي انا عملت اكده ليه، وان طالما قلتي بنفسك انا وعدتك يبقى مش هيمنعني إلا الشديد القوي ان ارچع في كلامي.. وانتٍ عارفاني زين .
أحست بغصة قاسية تحز في قلبها، قاومت انعكاس تأثيرها عليها وحافظت على جمود ملامحها وهي تردد بحسرة
= كنت عارفاك لكن دلوج إللي قدامي واحد ما اعرفوش مش ده اللي حبيته وعشرته سنين طويله.. مش ده إللي كان مستعد يبيع الدنيا كلها عشاني ولا عشان بس دمعه واحده من عيني ما تنزلش وابقي مكسوره.. لكن ادي كسرني وچاي كومان يجيب اللوم عليا أنا.. وقبل ما تحط مبرراتك ذي كل مره مش لاقيه ليك اي عذر للاسف يا ولد عمي.
نظر لها بنفاذ صبر ثم حذرها في جديةٍ
= طب تعالي نرچع دارنا وانا هناك هفهمك كل حاچه، واول واخر مره تعمليها يا غاليه وتسيبي دارك لاي سبب.
هزت رأسها برفض حزين قائلة بكرامةٍ وعزة نفسٍ عالية
= ما بقتش داري يا عمده بقت ملك واحده تانيه چايه تشاركني فيها وبعدين ريح حالك انا ولا راحه ولا چايه معاك ما فيش بعد اكده مكان واحد هيجمعنا انا وانت بعد اللي عملته.. يا أخي ده انا على اكده لو كنت انا اللي مش بخلف كنت زمانك عملتها من زمان بقى مش بقولك طلعت ما اعرفكش وبترسم عليا العشق
أبد تعبيرًا ناقمًا وغاضب من عنادها فحذرها بلهجةٍ صارمة
= قلتلك قبل اكده ما تحاوليش تشككي في حبي ليكي، انا هو نفسه سراچ اللي كان بيحبك زمان وعشقك دلوج وما يقدرش يستغنى عنك.. بس غصب عني اتحطيت في ظروف كانت اصعب مني، والله على عيني اجرحك بس كنت مضطر.
صوته الحاني والمهتم جعل الرعدات تنبجس في أعماقها، كانت متعطشة لهذا الشعور المفعم بالامان والحب منه هو بالاخص فقاومت التخبط الذي يداهمها وحافظت على الحاجز الرسمي القائم بينهما، وخاطبته في نفس اللهجة الجادة
= بطل كدب انت من قبل اللي حصل دلوج وانت عرضت عليا الفكره وكانت في دماغك وانا قلتلك مجرد التفكير فيها بس كأنك عملتها بالظبط، ما بالك شعوري دلوج واللي حاسه بيه والنار اللي جوايا، جرحي كان بالنسبه لك عادي وانت استهونت بيه يا ابن عمي.. انا مش قادره أصدق معقول انا كنت مخدوعه فيك كل ديه؟ ده انا يا اللي كان نفسي في حته عيل من زمان حرمت نفسي لأجلك وقلت طالما العيل مش منك يبقى مش عاوزاه و عمري ما فكرت اسيبك ولا غيرك يلمسني.. تقوم انت تعملها اكده ببساطة على اهون سبب.
رفرف بجفنيه متأثرًا بقولها ليقول بصوت صادم
= أول مره تعايريني يا غاليه! ولا تقوليلي في وشي أن كان نفسك في العيال فعلا وانا كنت حارمك .
صممت للحظةٍ ونكست رأسها في حزنٍ قبل أن تجاوبه
= مش بعايرك ويتقطع لساني قبل ما أفكر اعملها، لكن بفكرك ان انا زمان صنتك كتير لكن انت ما شلتش الجميل..
ثبتت نظراته عليها وأنهي كلامه قائلاً بحسمٍ غاضب
= مش محتاچه تفكريني عملت ايه عشان كل حاچه كبيره وصغيره جوه عقلي متقيده، و جمايلك كلها فاكرها وشيلها فوق راسي يا بنت عمي تشكري.. وخلينا نقصر في الحديد طالما هنبداها أكده لبعض ويلا على الدار .
أكدت له بترفعٍ يحمل في طياته التهديد
= قلت لك ما بقتش داري وشكلك ما بقتش تسمع زين انا قلت مش هرچع الدار ديه..و أقولك على الكبيره كومان طلقني يا سراچ
استعدت للالتفاف، فاستوقفها بإنذاره القاسي
= طب تمام! طالما هي بقى وصلت لكده، فاستعنا على الشقي بالله وغصب عنك هتيچي معايا يا غاليه.
لم تدم طويلًا لتعرف ما الذي حدث في التو و كلمح البصر، أنحني يحملها بين يديه كما نجح كذلك في تحجيم حركتها بقواه الجسمانية، فأصبحت أسيرته تمامًا، حاولت غالية التملص منه وهي تصيح في ضيق
= بعد عني انت اتجننت هتاخدني غصب عاد.. بقولك اوعى نزلني البنت نايمه فوق
انحنى عليها برأسه ليبدو قريبًا للغاية منها، مع نظرة مستمتعة مغيظة لها، وقبل ان تحاول الاعتراض مجدداً قاطعها بإصرارٍ وهو يرمقها بنظرة واثقة مملوءة بالغموض المثير
= مش هنزلك والغفير بره هبعته يجيبها، لكن مش مرات سراچ اللي تبات بره دارها بعيد عنه وهو يسيبها تمشي بدماغها حتى لو غصب وعافيه.
❈-❈-❈
نظرت إلي معظم الأثاث حولها بملل شديد، فما زالت مستيقظه في انتظاره لكن لم يأتي حتى الآن! حتى أولادها جعلتهم يناموا مبكراً على غير العاده حتى تتجهز له الليله، لكن منذ أن خرج لم يعود بعد، فمن المفترض بان تكون ليلتها هي اليوم، لتبدأ تفكر هل هذه مكيده من زوجته الأولى ربما.
فسألت زينب نفسها مدهوشة بشيءٍ من الشك
= هو في إيه بقيلي كتير في الاوضه ومحدش عبرني ولا چي! هي من اولها أكده هتقوي عليا وتدبحلي القطه لع انا لازم من الاول اعرفهم انا مين أهنأ ووضعي بقي ايه.. ده انا بقيت مرات العمده مش حاچه قليله يعني .
وقبل أن تكمل تفكيرها المحدود حول ضرتها استمعت الى أصوات بالخارج تدل على عودته، فنهضت على الفوري لتخرج بعد أن ارتدت الروب المحكم فوق جسدها.
جذب سراج غالية رغم عنها وهو يقول بلهجة حادة بأمر
= تعالي بقى وبطلي عند احنا خلاص وصلنا أصلا، وبعدين فاكره اني هسيبك تباتي بره بعيد عني. دي ما حصلتش عمرها ولا هتحصل.
وقبل أن يتكلم أحد استمعوا الى صوت رقيق أنثوي يأتي من فوق الدرج
= يا عمده.. يا سي سراچ
تركزت عينا غالية على تلك السيدة التي راحت تتمايل بدلالٍ مع ثوبها المثير لتشعر بالغيظ الشديد والغيره منها، بينما هتف الآخر مصدوم
= ايه ديه انتٍ لسه صاحيه.. احم محتاچه حاچه يا زينب ؟!.
انقلبت سحنتها وتعكر مزاجها وهي تردد بصوت جريئة
= إلا محتاچه حاچه هو مش النهارده برده دخلتنا انا بقيلي كتير مستنياك ونيمت العيال من بدري، بس شايفاك واقف مع اللي ما اعرفش اسمها ايه دي! بس لازما تكون عارفه وفاهمه ان النهارده ليلتي ولازم نقسمها بما يرضي الله وانت معروف عنك انك حكيم وعادل يا عمده.
استشاطت غالية غضبًا من كلماتها، وهتفت بسخرية طفيفة
= ما ترد يا عمده الهانم مستنياك وبتقولي في وشي اللي اسمها ايه دي لازم تكون عارفه أنك هتقسم الليالي بينك وبيني..و يا ترى انا هكون كام ليله يا عمده ما انا القديمه برده ولازم تكرمني مش اكده؟!.
اتسعت عينا سراج من جرأتها بالحديث فلم يتوقع طلبها ذلك ابدا، فأبد تعبيرًا مشمئزًا قبل أن يسمعها تهتف مجدداً بجدية
= بس المفروض انا الچديده برده ولياليه هتبقى اكتر في البدايه.. وبعد اكده يبقى نقسم
ما بينا ثلاث ايام وثلاث ايام ويوم الجمعه هو ومزاجه يشوف هيقعد مع مين و إللي مزاجه بيستريح معاها اكتر.
اقتضبت غالية جبينها باستهجان وضحكت بلا تصدق مردده بتهكم
= ده ايه العدل ده يا بنت لا ما فيش كلام بعدك مش اكده يا عمده ما تقولها هتقعد اليوم الزياده مع مين.. عشان انا فاضلي ثانيه و هقوم اجيبها لك من شعرها ولا هحترم انها ست كبيره عشان هي مستفزه لا بعد حدود وهتطلعني عن شعوري وانا على اخري اصلا.
اندفعت زينب ناظرة إليها بنظرة ضيقة و
ردت ببرودٍ استفزها أكثر
= چري ايه يا اسمك ايه انتٍ ما تحترمي نفسك ايه ست كبيره دي! ليه يا اختي عندك كام سنه شكلك معديه الثلاثين اصلا ناقص كومان تقوليلي يا طنط كيف المصاروه.. و بعدين زعلانه ليه وحساكي بتتريقي اكده هو مش ده عدل ربنا برده وانا ولا بطلب حاچه عيب ولا حرام و من البدايه لازم تكوني عارفه ان انا ما افرقش حاچه عنك سواء چديده ولا قديمه انا مرات العمده.
ابتلعت غالية ريقها بصعوبةٍ وقالت بتعابيرٍ شاردة ونبرة مهتزة
= صوح انتٍ مراته وبقيتي كومان ما تفرقيش عني حاچه! شوف يا عمده هتقسمها معاها كيف وانا طالعه أشوف بنتي اللي ما بقاليش غيرها أهنأ.
مسح علي وجهه بضيق شديد وزفر معللًا لها رغبته
= استني يا غاليه كلامنا لسه ما خلص، وانتٍ يا زينب اطلعي دلوج عشان الوقت اتاخر وانا بكره هفهمك كل حاچه .
تمسكت باعتراضها قائلة بغضب مكتوم
= بس انت اكده بتظلمني يا عمده المفروض الليله تكون معايا انا، هي من أولها هتحرضك عليا وتخليك تنسى شرع ربنا و...
لم يمهلها الفرصة للاعتراض أكثر وقاطعها بصوتٍ حاسم وملامح صارمة
= زينب خلص الحديد على فوق! وانا محدش يقولي اعمل ايه وما عملش ايه وكلامي من دماغي.. وقصري في يومك وما لكيش دعوه بيها هي بالأخص لو عاوزه تكملي أهنأ.. يلا علي فوق ومش هعيد كلمتي تاني.
❈-❈-❈
رفرفت بجفنيها انسكبت عبراتها على صدغيها، لتبكي في صمت مقهور تأثرًا الآخر بحزنها الجلي ليظهر تعاطفًا منه فربت على ذراعها في رفقٍ وهتف بنبرة هادئة
= أخويا فؤاد كان عندهم يا غاليه بسبب كلام امي اللي عماله تشعلله ضدهم وتشحنه خليته يتهور زيها وكان هيضيع، وكان قصاد ما هما يسيبوه سليم وما يروحش مني ان اتجوزها ويكون في بيننا نسب.. كنتي عاوزاني بقى اعمل ايه وانا محطوط بين نارين اكيد كان لازم اوافق بدل ما أخويا يروح مني .
سرت خفقة غريبة في قلبها بخوف من القادم فقالت بقهر وحسرة
= هي بتتكلم صوح على فكره ما ده شرع ربنا صحيح مش انت اتجوزتها وايا كان السبب بقى ليه فا للأسف مضطر تعملها اللي هي عاوزاه وتعاملها كيف مرتك، عرفت بقى انا ليه رافضه الموضوع من البدايه وبقولك انت ظلمتني!.
عندها تكلم مرة أخرى في صوتٍ هادئ لكنه جاد
= انا هفهمها كل حاچه كيف ما قلتلك اول مره وصدقيني يا غاليه وخديها وعد مني المره دي بجد انا مش هقربلها تحت اي ظرف! وهفهمها أنها هتكون اهنا كيف الضيفة واختي كومان .
زحفت الدموع إلى مقلتيها حتى بدأ وجهه مشوشًا في عينيها تجاهلت ما قاله وهتفت بصوت ساخراً بألم
= ما هي قالتها لك طول عمرك عادل يا عمده وانا اكتر واحده عارفاك حتى لو علي حساب أهلك، هتقدر تشيل ذنبها وترفض اللي هي عاوزاه وانت متاكد انه حقها..
صمت دقيقة بتوتر ثم تكلم في صوتٍ رزين بأمل
= لو هي قبلت بحديدي يبقى اكده معليش ذنب يا غاليه وان شاء الله هحاول اقنعها بكده.
ابتسمت بسخرية مريرة وهي تردد بصوت حزين
= وفكرك هي هتوافق اللي كانت واقفه مستنياك دي واحده مش هتتنازل عن حقها فيك، دي بكل جرأة قالتها لك انها عاوزاك ما استنتش تيجي منك.. الله يسامحك يا سراچ حطيتنا في موقف صعب وهتشيلنا ذنب احنا مش قده ومن ناحيه تانيه متاكده انت نفسك مش هتقدر تتحمل الذنب ده وهتخلف وعدك ليا لتاني مرة.
زفر سراج الهواء عاليًا فتنفس من بين أسنانه ببطءٍ وهو يقول بجدية
= لا يا غاليه مش هيحصل ورحمه ابويا و كل الغاليين ما هعملها واطمني وخديها مني كلمي، وحتى لو رفضت كيف ما انتٍ بتقولي هشوف اي حاچه اعملها غير أني اوجعك تاني! وهي يعني اكيد مش هتقبل على نفسها واحد مش عاوزها.
لوت شفتاها بعدم رضا وقالت باكية بحسرة
= مش عاوزه اقولك كان الحل قدامك التاني لا تزعل وتتلوي عليا، وخصوصا أن خلاص بقيت مرتك وليها حقوق عليك ودلوج كومان بتطالبك بيها.. وخلاص قصاد هيبتك اللي خفت تتهز في داهيه انا.
أطرق رأسه قليلًا ليبدو أقنعها قبل أن يقول بصوتٍ تحول للنعومة
= يا غاليه ما تقوليش اكده عشان خاطري انتٍ ليه حاسباها اكده يمكن لو ما كانش اللي اخويا عمله كنت هلاقي حل ثالث خالص، لكن انا اتحطيت في موقف صعب وكنت مضطر كيف ما فهمتك من شويه... ولو الحل ديه كان في دماغي ما كنت عملته اول حاچه لما اتعرض عليا.
سحبت نفسًا عميقًا لتعيد الهدوء إلى أوصالها، ثم تابعت وكأنها تعطيه تحذيرًا شديد اللهجة
= ما اتعودتش منك تكدب يا سراچ عشان انت أصلا قبل اللي اخوك عمله كنت فتحتني في الموضوع وبتلمح.. وعاوز تعرف رايي فيه لكن لما لقيتني رفضت رجعت وقلتلي خلاص انسي ولا اكني قلتلك حاچه ومش هعمل اكده بس عملت .
سقط القناع الواهي الذي اختبأ خلفه وطفا على وجهها التخبط والارتباك، وقال بضيق
= ماشي مش هنكر أن لما الكل فضل يضغط عليا بالحل ده وعرفت انها ست كبيره مش عيله صغيره هظلمها معايا ومش هيكون ليها طلبات في ذمتي كتير.. فكرت في اللي قلتلك عليه ان انا اجيبها أهنأ ونتفق معاها وان اي حاچه غير اكده هعملها لها.. لكن بعد اكده والله العظيم رجعت في كلامي فعلا لما شفت قد ايه حزنتي لمجرد كلام بس.. لكن بعد اللي اخويا عمله خلاني غصب عني اوافق .
ساد ملامح الحزن والتهكم عليها قبل أن تعلق بصوتٍ شبه مختنق
= واهي طلع ليها طلبات برده، وهو ده اول حاچه فكرت فيها واللي ما نرضاهوش على نفسنا ما نرضاهوش على غيرنا يا أبن عمي.. عشان احنا مش قد الذنب ده ما كانش لازم من البدايه نفكر فيه ولا نعمله.. فشوف هتحلها
كيف.
شعر بأنها محقه لكن الأمر حدث وانتهي، ليحاول رسم الهدوء والثبات وهو يردد بصوت عذب
= خلاص يا غاليه بطلي وجع دماغ قلتلك هحلها واحاول اقنعها.. ما تقلقيش عمرها ما هتكون زيك أهنأ ولا في قلبي والمفروض تكوني اكتر واحده عارفه أكده وانا عاشقك قد إيه يا بنت العم .
استسلمت مصدقة عذب كلامه وقالت بصوتٍ مهموم
= خلينا في الفعل وشوف هتعمل معاها ايه؟ بس حاچه اخيره يا سراج لو وعدك التاني خلفته معايا هتطلقني والمره دي ما فيهاش رچعه.. عشان انا ما استاهلش اكده منك وما فيش أي حاچه عملتها معاك وحشه تستحقي توجعني بالطريقه دي.. وكفايه اللي استحملته معاك كتير فما تجيش على آخر الزمن تبقى هي دي اخرتها .
نهضت فجأة وقد توقفت عن ذرف الدموع لتبدي له نواياها تجاهه وختمت كلماتها ثأرًا لكرامتها قائلة
= تصبح على خير يا ابن عمي.. وانا الليله دي هبات جنب بنتي ويبقى يحلها بكره لما أشوف رأي العروسه.