
رواية مهمة زواج
الفصل الخمسون50
بقلم دعاء فؤاد
منزل مودة كان غارقًا في سكونٍ معتاد، يتخلله صوت النسيم الذي يتسلل من النوافذ المفتوحة. كان الجو يعكس هدوءًا ظاهريًا، لكنه كان يخفي في أعماقه الكثير من المشاعر المضطربة
دق الباب برفق، فتح محمد، والد مودة، ليجد آسر واقفًا خلفه. لمح في عينيه شيئًا مختلفًا هذه المرة، شعورًا بالتصميم الذي لم يعتده منه من قبل. ابتسم محمد ابتسامة خفيفة لكنه حذرة.
"أهلاً يا آسر، اتفضل."
دخل آسر بخطوات ثابتة، يحاول السيطرة على توتره. لمح مودة تجلس على الأريكة، مرتدية فستانًا بسيطًا و حجابا رقيقا على رأسها، وجهها يحمل ملامح هادئة، لكنها شاحبة قليلاً، وكأنها لا تزال تعيش في ظل صدمة الحقيقة التي اكتشفتها قبل أسابيع قليلة. رفع محمد يده ملوحًا نحو المطبخ.هجيب شاي وأسيبكم شوية تتكلموا."
نظر آسر نحو مودة، محاولًا أن يلتقط أنفاسه. جلس على كرسي قريب منها، وترك للحظات الصمت أن تملأ المكان قبل أن يبدأ بالكلام بصوت هادئ، لكنه مليء بالعاطفة:
مودة... أنا عارف إن الفترة اللي فاتت كانت صعبة عليكي، وأكيد ما كانش سهل تواجهي الحقيقة بالشكل ده. عشان كده... احترمت رغبتك لما طلبتي تبعدي شوية.
نظرت مودة إليه بعيون غامضة، وكأنها تتأرجح بين الحزن والرغبة في الحديث. لكنها لم تقاطعه، فتابع:
بس أنا مش هقدر أبعد أكتر. كل يوم كنت بحاول أعيش من غيرك، كنت بفشل. أنا عارف إن اللي عرفتيه عن قلب ميري، وعن الماضي، ممكن يكون عامل زي الجرح المفتوح، لكن أنا هنا النهارده علشان أقولك حاجة واحدة... أنا بحبك يا مودة، وبحبك عشانك إنتي، مش لأي سبب تاني."
مودة أغمضت عينيها للحظة، محاولةً استجماع شجاعتها للرد. لكن قبل أن تتكلم، دخل محمد حاملاً كوبين من الشاي. وضعهما على الطاولة، ثم جلس بهدوء على كرسي قريب منهما. نظر إلى ابنته أولاً، ثم إلى آسر. بعد صمت قصير، قال بنبرة هادئة لكنها حازمة:
آسر، مودة مرت بأوقات صعبة جدًا، وأنا شايف إنك شخص محترم وبتحبها. بس لازم تكون عارف إن العلاقة دي مش هتكون سهلة. اللي حصل مش مجرد خبر، دي حاجة غيرت حياتها بالكامل."
هز آسر رأسه بتفهم، ونظر مباشرة إلى محمد، ثم إلى مودة:.
"أنا عارف يا عمو محمد، وعارف قد إيه اللي حصل مأثر عليها. لكن اللي جوايا تجاه مودة أكبر من أي حاجة. أنا مش هنا عشان أتكلم عن ميري، ولا عن الماضي. أنا هنا عشان أقول إن حياتي مش هتكمل من غير مودة. لو هي تقبل، أنا مستعد أطلب إيدها بشكل رسمي، قدامكم، وقدام أي حد."
ارتفعت عينا مودة ببطء نحو آسر، وملامح وجهها بدأت تذوب من الجليد الذي كانت تضعه كدرعٍ. لكنها ترددت، وكأنها تخشى أن تكون هذه الخطوة سابقة لأوانها. والدها كان يراقب الموقف بعينين تحملان الحنان والمسؤولية. أخيرًا، قال
مودة، القرار في إيدك. أنا هكون جنبك في كل خطوة. بس لازم تتأكدي إنك جاهزة تفتحي قلبك من جديد."
مودة نظرت إلى والدها، ثم أعادت عينيها إلى آسر. تنفست بعمق، وكأنها تتحدى نفسها، ثم قالت بصوت مرتعش لكنه مليء بالصدق:
"آسر، أنا... كنت محتاجة الوقت عشان أفهم نفسي، وأحاول أتكيف مع الحقيقة اللي عرفتها. بس اللي اكتشفته كمان إني مش هقدر أهرب من مشاعري ليك... أنا موافقة."
ابتسامة عميقة ارتسمت على وجه آسر، وكأنها رفعت عنه ثقل سنوات. محمد ابتسم هو الآخر، وقال بلهجة ودودة:
"خلاص يا آسر، لو دي رغبتكم، يبقى على بركة الله. أنا مستني أشوفك مع أهلك قريب عشان نتكلم بشكل رسمي.
آسر وقف ومد يده نحو محمد بمزيج من الامتنان والاحترام:
"شكرًا يا عمو محمد. بوعدك، هتكون مودة هي كل حاجة في حياتي."
محمد أومأ برأسه، ثم ابتسم لابنته التي كانت تنظر إلى الأرض بخجل، لكنها كانت تبتسم بخفة. اللحظة كانت مليئة بالحنين، بالأمل، وببداية جديدة لمودة وآسر، طُويت صفحة الماضي لتُفتح صفحة مليئة بالوعود والمستقبل.
جتمع الجميع حول طاولة العشاء في منزل عائشة. معتصم كان جالسًا على رأس الطاولة، يتأمل وجوههم بابتسامة هادئة. عائشة كانت منهمكة بتقديم الأطباق، بينما زوجها هشام يجلس بجوارها، يتبادل أطراف الحديث مع صافية التي بدت خجولة بعض الشيء.
عائشة (بمرح):
ما كنتش متوقعة إنك توافق تيجي النهاردة يا معتصم! المرة اللي فاتت لما عزمتك، اعتذرت بحجة الشغل.
معتصم (مازحًا):
كنت محتاج دعوة رسمية مختومة من عم هشام!
ضحك هشام وقال:
آه، طبعًا، لأن معتصم باشا بقى مشغول جدًا دلوقتي... بس خلينا نكون واضحين، اللي خلاك توافق المرة دي حاجة تانية
ابتسم معتصم ابتسامة خفيفة، ثم قال بصدق:
يمكن عشان..... قررت أرجع لريم.
توقفت عائشة عن ترتيب الأطباق، ونظرت إليه بدهشة، بينما صافية رفعت رأسها سريعًا، وكأنها غير متأكدة مما سمعته.
عائشة (بتردد):
ترجع لريم؟.. بجد؟
معتصم (بحزم):
ـ أيوة... فكرت كتير، و... اكتشفت إن حياتي من غيرها ملهاش معنى.
صافية (بخجل):
ــ خطوة شجاعة يا أبيه... ريم... دايمًا كانت بتحبك، و... تستاهل فرصة تانية.
هشام (مؤيدًا):
ــ وأنا مع صافية... الحب الحقيقي مش بيتكرر، وأعتقد إنك بتعمل الصح.
عائشة (بحذر):
ــ بس لازم تكون واضح معاها، وتفهمها إنك مش راجع عشان تضحي أو تعوضها عن اللي فات... لازم ترجع بحب حقيقي، مش مجرد واجب.
هز معتصم رأسه موافقًا، وقال بهدوء:
ــ عارف يا عيشة... ودي أكتر حاجة متأكد منها دلوقتي.
هشام (متسائلًا)
ــ طيب، وأخبار حمد إيه؟ سمعت إنه قرب يرجع.
بتسمت صافية بخجل واضح، ثم قالت:
ــ أيو.. حمد هييجي كمان أسبوع... أخيراً خلص دراسة و هيستقر
عائشة (بفرح):أخيرًا!.. الحمد لله.. ربنا يجمع شملنا دايما يارب.
هشام (مازحًا):
ــ بس كفاية عليه سفريات... عايزينه يركز مع صافية بقى.
ضحكت صافية بخجل وقالت:
إن شاء الله... هو بيفكر يستقر و يرجع لشغله هنا بدل السفر...
نظر معتصم إليها بابتسامة مشجعة وقال:
حمد دايمًا كان عنده طموح كبير.. وأنا متأكد إنه هيحقق كل اللي نفسه فيه.