الشيطان شاهين › الفصل الثالث
الفصل الثالث
:"جميلة.. انت يا ولية فين القميص الأزرق اللي انا جايبه امبارح؟"
هتف زكريا بحنق و هو يبحث عن قميصه الذي اشتراه امس عندما كان مارا بإحدى المحلات الرخيصة الموجودة قريبا من الحارة..
جميلة بتعمد
:"اهو يا حج زكريا... على فكرة القميص حلو اوي ذوقك يجنن خالص:"
زكريا بضيق و هو يخطف القميص من يديها
:" حج ايه يا بومة انت... أنا لسه في عز شبابي الظاهر انك انت اللي عجزتي و خرفتي يلا اطلعي برا و روحي شوفي وراكي ايه؟ قال حج قال...
جميلة و هي تتجه الي الباب :"جرا ايه يا راجل هو انا قلت إيه لكل داه... مالك مش طايقلي كلمة من امبارح ...
زكريا مقاطعا:"بقلك إيه روحي شوفي اللي وراكي و بلاش رغي عالصبح بدل ما اديكي على نافوخك...نسوان تجيب الغم...
خرجت جميلة و تركته يرتدي ملابسه، اتجهت الى غرفة ابنتيها لتوقضهما و تعدهما للذهاب إلى مدارسهم...
زكريا و هو يقفل بقية ازراز القميص بصعوبة و خاصة ببطنه الكبير
:"القميص داه يستاهل كل الفلوس اللي دفعتها فيه، داه رجعني عشر سنين لورا...اه لو ترضى عليا بس بنت سعيد ...،على العموم هانت كلها كام يوم و اكلم ابوها عشان اخطبها رسمي ماهو مش معقول اللي يشوفها يبقى عاوز يتجوزها...نثر بعض العطر على ثيابه قبل أن يكمل
:" اتجوزها بقى و اصطبح على الوش الحلو و العنين الزرقاء مش زي جوز الغفر اللي عندي...
انتهى من ارتداء ملابسه ثم خرج ليجد زوجته و ابنتيه يجلسون على الطاولة و يتناولون طعام الفطور...
البنات بصوت واحد:" صباح الخير يا بابا ".
زكريا :" صباح الخير...ايه انتوا لسه مرحتوش مدارسكم لحد دلوقتي..
جميلة بنبرة سخرية
:" لسه بدري يا معلم اصلك انت اللي صحيت بدري النهاردة، الظاهر عندك مشوار مهم مخليك حتى ناسي الوقت اد ايه ".
زكريا بعدم اهتمام:" عندي شغل بدري في القهوة... المهم محتاجين حاجة قبل ما انزل".
جميلة :"انت حتنزل كده من غير فطار؟".
زكرياء :"حبقى افطر في القهوة...يلا سلام ".
تابعت جميلة طيفه الذي اختفى وراء الباب بشرود، شرائه و ارتدائه لقميص جديد مختلف عن قمصانه القديمة و خروجه باكرا دون إفطار و هذا مالم يفعله من قبل جعلها تشك في حدوث امر جديد...لمعت عيناها فجأة عندما تذكرت ندائه لها البارحة باسم مألوف
فجأة ضربت صدرها بحركة شعبية:" يالهوي... كاميليا بنت سعيد البنت اللي حكالي عليها الواد سلامة ".
سلمى(البنت الكبرى) باستغراب:"مالك يا ماما... و مين كاميليا".
جميلة باستدراك:"و لاحاجة يا حبيبتي دي واحدة صاحبتي انت متعرفيهاش... يلا خلصي فطارك بسرعة الباص زمانه على وصول".
فرح(البنت الصغرى):"ماما انا عاوزة فلوس علشان الميس...".
جميلة :"خلاص يا حبيبتي حديكي اللي انت عاوزاه
خير ابوكي كثير... ثم اكملت بصوت منخفض و هي تخرج النقود من ملابسها
:"و يقدر يفتح بيت ثالث كمان، اما وريتك يا حج زكريا مبقاش انا جميلة يا انا يا انت يا بتاع النسوان، كل ماشوف بنت حلوة حيتجوزها لا و قد بنته كمان
يلا بنات..الوقت تأخر، خذي يا بنت الفلوس و متنسيش تاكلي الساندوتشات انت كل يوم بترجعيها زي ماهي".
فرح و هي ترتدي محفظتها:" حاضر يا ماما. "
هرعت جميلة الى الداخل متجهة نحو هاتفها لتتصل بأحد الأرقام.. جلست على الاريكة الذهبية اللون واضعة ساقها فوق الأخرى.
:" اهلا ،اهلا بضرتي ازيك؟
هتفت جميلة بعد أن اتاها صوت نعمة.
نعمة بملل :"اهلا بيكي يا ختي...خير عاوزة ايه؟ ".
جميلة:" وحشتيني قلت اسلم عليكي و اطمن عليكي و على البنات، عاملين إيه؟ ".
نعمة بتعجب :" فيكي الخير يا ضرتي...كلنا كويسين الحمد لله، لو عاوزة تقولي حاجة قصري اصلي مستعجلة دلوقتي".
جميلة باهتمام :"كنت عاوزة أسألك على المعلم، حالته اليومين مش عاجباني،بقى بيغير من شكله وهدومه هو ناوي على إيه، اكيد انت عارفة".
نعمة بضحكة عالية:"هو انت لسه مش عارفة ياختي، دا ناوي يتجوز الثالثة .. لا و ايه المرة دي عرف ينقي بصحيح بنت قمر لا قمر ايه دي بدر منور اسمها كاميليا أجمل بنت في الحارة كلها، و كمان متعلمة و كلها سنتين و تبقى مهندسة ...دا لغاية دلوقتي المعلم مطفش يجي الف عريس متقدميلنها و مفيش راجل في الحارة يستجري يبصلها بصة حتى...و الظاهر كده انه ناوي يخطبها الايام دي، على العموم انا بكرة رايحة عند اختي اسكندرية فهو حيبقى يجي يبات عندك و انت حاولي تعرفي منه التفاصيل
جميلة بغيرة :" ناوي يخطبها ... انا قلبي كان حاسس و الله دا بقى بيلبس و بيتشيك، اشي قمصان و برفانات....طب و العمل يا نعمة انت حتسكتي على اللي بيحصل داه "
نعمة بتشفي:" عاوزاني اعمل إيه ياختي انا لو كنت اقدر امنعه مكنش زمانه متجوزك دلوقتي... خليه على راحته هو راجل مقتدر و يقدر يفتح بدل البيت عشرة و كمان الشرع محلل اربعة".
جميلة بحقد
:" نعم يعني انت عاوزاه يتجوز علينا و بتشجعيه كمان.. انت جرا لعقلك حاجة يا نعمة... الظاهر كبرتي و خرفتي و مبقيتش عارفة مصلحتك فين، بقى في ست عاقلة تسيب جوزها يتجوز عليها دا مش بعيد بعد ميتجوز البت اللي اسمها كاميليا دي يطلقنا انا و انت و يرمينا احنا و عيالنا... دي كلت عقله خلاص و طول الليل بيحلم بيها ".
نعمة بلامبالاة
:" بقلك إيه يا جميلة انا مش فاضية للهري بتاعك انا لا عاد يهمني طلاق و لا جواز خليه يعمل اللي هو عاوزه... على الاقل ارتاح من وشه يوم كمان في الاسبوع.. مع السلامة عندي مشوار و مستعجلة".
انهت نعمة المكالمة تاركة ضرتها تكاد تنفجر من شدة الغيظ، رمت جميلة الهاتف و هي تصرخ غضبا
:" الله يحرقك يا نعمة زي ما حرقتي دمي، إلهي تولعي و متلاقيش حد يطفيكي... يا ولية يا بومة عاوزة المعلم يتجوز عليا زي ما تجوز عليها هي زمان، بس هي لسه متعرفنيش كويس، فاكراني سهلة زيها اما وريتك مبقاش انا جميلة بنت سمعة سيد المعلمين في الحتة كلها...مش حخليكي تشمتي فيا يا نعمة و مش حخليه يتجوز لا البنت دي و لا غيرها و بكرة تشوفي انا حعمل إيه ".
اخذت هاتفها من جديد لتطلب احد الأرقام ثم تقول :" بقلك إيه يا واد انت ترجع تراقبلي المعلم زكريا و كمان تجيلي قرار اللي اسمها كاميليا دي اوعى عينك تغفل عنه دقيقة و انا حبقى ازودلك اللي اتفقنا عليه... المهم تجيلبي الاخبار اول بأول ".
في منزل سعيد والد كاميليا
تقف كاميليا في المطبخ تساعد والدتها في إعداد الإفطار... انتهت من اعداد الشاي ووضعه على الطاولة لتقول لها الام
:" روحي انت يا كاميليا صحي اخواتك و لبسي كريم زمانه ابوكي صحي عشان نفطر كلنا..
كاميليا و هي تنشف يديها :"حاضر يا ماما... انا كمان لازم اجهز عندي محاضرة بدري الصبح و مش حقدر افطر معاكم...
الام بحنان :"طيب ححظرك سندويتش تاكليه في الطريق، مش معقول تروحي جامعتك و انت جعانة كده مش حتعرفي تركزي ".
كاميليا :" لا يا ماما مش عاوزة حاجة مليش نفس لو جعت حبقى آخذ اي حاجة من كافتيريا الجامعة...
اتجهت كاميليا الى غرفتها المشتركة مع اختها نور لتوقضها ثم تتجه الي غرفة أخيها الصغير لتجد مستيقضا و يحاول ارتداء ملابسه
هتفت كاميليا بابتسامة :"مش كده يا كيمو انت حتقطع البنطلون استنى حلبسك".
كريم بضيق :"اصل البنطلون داه مش مقاسي اكبر مني و ماما مصرة تلبسهولي انا زهقت منه و عاوز واحد جديد.."
كاميليا :"حاضر يا حبيبي حبقي اشتريلك واحد جديد بس مش دلوقتي ماشي يلا عشان تلبس الجزمة و تطلع تفطر، الوقت تأخر و بابا يا دوب يلحق يوديك المدرسة و يروح شغله".
خرج كريم من الغرفة و اتجه الى المطبخ ليتناول الإفطار مع عائلته لتذهب كاميليا بدورها الى غرفتها... وجدت اختها نور ترتدي ملابسها...
أخرجت بعض الملابس من الخزانة ليقاطعها رنين هاتفها..
كاميليا :" صباح الخير يا هبة،... لا انا لسه في البيت..... طيب مش متأخر مسافة السكة ماشي اشوفك في الجامعة".
رمت الهاتف ثم بدأت في ارتداء ملابسها المكونة من بنطال جينز اسود اللون و قميص ارزق غامق طويل يصل إلى فوق ركبتيها بقليل تركت العنان لشعرها البني الطويل، لململت بعض الأوراق و الملازم في حقيبتها المهترئة انتبهت لنظرات اختها التي تكاد تخترقها منذ دخولها لتقول و هي تكمل ترتيب اغراضها:"مالك يا نور في حاجة؟".
نور بانكار :"لا مفيش حاجة بس...
كاميليا بانتباه :" بس ايه...قولي
نور :"انت مش ناوية تحطي ميكاب زي البنات اللي في الجامعة ؟".
كاميليا بضحك :"مش كل البنات اللي في الجامعة بيحطو ميكاب و بعدين انا رايحة أدرس مش احط ماكياج"
نور بتحمس :" يا سلام يا كامي لو تحطي شوية روج و ماسكارا حتبقي أجمل من كده و مش بعيد تلاقي ابن الحلال اللي يخرجك من الحارة المعفنة دي هو مفيش اولاد أغنياء في جامعتك دي ".
زفرت كاميليا بملل فهي تعرف اختها و كرهها للحارة
:" مالها الحارة يا ست نور دلوقتي بقت مش عاحباكي و بعدين انا لا عاوزة احط روج و لا زفت و الاغنياء دول حيبصوا لواحدة فقيرة زي ليه ها و الا من قلة البنات الاغنياء اللي زيهم ".
نور بغيظ:" يعني عاحباكي عيشة الفقر و البهدلة دي، و الا انت ناوية ترضي تتجوزي العجوز اللي اسمه زكريا، داه واقفلك في الرايحة و الجاية و مطفش كل العرسان اللي جاييلك و مش ناوي يحل عنك و ابوكي و امك ملهمش قوة عشان يوقفولك...انا بس خايفة عليكي و الله مستخسراكي في الحارة الزبالة دي، انت حلوة اوي و كمان كلها سنتين و حتبقي مهندسة "
كاميليا و هي تعانق اختها :" متخافيش يا نور انا اقدر ادافع على نفسي كويس و مستحيل اتجوز او افكر حتى في المعلم زكريا و لا في غيره انا بس عاوزة اشتغل عشان اساعد بابا في مصاريف البيت... انت متفكريش في حاجة غير مذاكرتك اتفقنا و انا ربنا معايا وحيحميني ".
نور بطاعة :"حاضر انا حطلع دلوقتي علشان اتأخرت و زمانها زينب مستنياني تحت "..
كاميليا :" ربنا معاكي يا حبيبتي ".
بعد ساعة من عذاب المواصلات و الطرق الزحمة وصلت كاميليا الي جامعتها حيث وجدت هبة في انتظارها
هبة بعتاب :" انت اتأخرتي يا كامي و بصراحة مقدرتش ادخل المحاضرة من غيرك ".
كاميليا بتعب:" ما انت عارفة المواصلات و موال كل يوم داه...بس انت لو كنتي دخلتي على الاقل كنت نقلت منك المحاضرة".
هبة :"نبقى ناخذها من البنت شيماء... بقلك إيه انا جيبالك خبر حلو اوي... لقيتلك شغل إنما إيه زي الفل مرتب كويس مكنتش تحلمي بيه و كمان حتقدري تيجي الجامعة زي ما انت عاوزة "
كاميليا بفرح:" بجد يا هبة لقيتيلي شغل... طب احكيلي فين و ازاي...
هبة مقاطعة :"يا بنتي استني و انا ححكيليك كل حاجة...انا عندي خالتي بتشتغل مشرفة على الخدم في فيلا واحد من الاغنياء و انا كنت موصياها عليكي انها تلاقيلك شغل معاها فامبارح كلمتني..
كاميليا بتعجب:"عاوزاني اشتغل خدامة يا هبة...
هبة :"خدامة ايه يا بنتي اصبري بس انت مالك مستعجلة كده... المهم الراجل الغني داه عنده ولد صغير عمره حوالي اربع سنين فهما محتاجين مربية تكون متعلمة و ذكية و تتكلم مع الولد لغات اجنبية زي الفرنسي و الانجليزي..
كاميليا :"ليه هو مش بيتكلم عربي... هو مصري و الا من برا
هبة :" لا هما مصريين بس اولاد أغنياء.. يعني بيتعلموا لغات و هو ليه بيرضعوا مش زينا... ركزي بقى يا كاميليا مالك... المهم هما محتاجين مربية للولد و انا حكيت لخالتي عليكي و هي قالتلي لازم تيجي في أقرب وقت و يا ريت يكون النهاردة".
كاميليا و هي تخرج هاتفها ذو الطراز القديم
:" الساعة بقت تسعة و نص...خلينا نمشي و ساعة بالكثير و نرجع و لو اتفقت معاهم حبدأ شغل من بكرة... هما عيلة مين دول يا هبة ".
هبة بصوت بتردد:" شاهين الألفي و الولد يبقى ابنه ".
كاميليا ببلاهة :" شاهين الألفي مين؟"
هبة :"شاهين الألفي وحش المعمار انت مش عارفاه
ارتجفت كاميليا بخوف بمجرد ذكر اسمه لتهمس بصوت منخفض:" يا لهوي يا شاهين الألفي... انت عاوزاني اشتغل عنده ،دا شيطان يا هبة و كل الناس بتترعب منه و انت عاوزاني اروح للخطر برجليا ؟".
هبة بسخرية :" شيطان و الا ملاك يا كامي احنا مالنا بيه انت حتكوني مربية يعني مسؤليتك حتكون ابنه و بس و ملكيش دعوة بيه".
كاميليا بتفكير :" طب افرضي اني غلطت في حاجة، أو عملت حاجة تزعله... لالا يا هبه انسي اللي بتتكلمي عنه دا شيطان و مفيش قلبه الرحمة دا مش بني آدم زينا انت مسمعتيش عن جرايمه و بلاويه، انا مستحيل اشتغل عنده... خلينا ندور على شغل ثاني و اكيد حلاقي"...
قلبت هبة عينيها بانزعاج قبل أن تهتف :" احنا بقالنا ثلاث شهور بندورلك على شغر و مش لاقيين كلهم عاوزين وقت كامل، يعني شغل طول النهار انا كنت موصية خالتي انها تشرفلك شغل في قصر الألفي عشان مرتباتهم عالية اوي و اول ماقالتلي على شغل المربية انا فرحت جدا خصوصا انها كلمت الهانم الكبيرة و حكتلها على ظروفك و انك لسه بتدرسي فهي وافقت و حتظطري تروحي الجامعة وقت ما انت عاوزة فكثر خيرها الست باين فيها طيبة ووافقت. وافقي يا كاميليا انت حتلاقي فين شغل مريح و مرتبه كويس زي دا خصوصا انك محتاجة فلوس ظروري الايام دي ".
أطرقت كاميليا رأسها بحزن فهي بالفعل تحتاج بشدة لهذا العمل فمصاريف جامعتها تزداد يوما بعد يوم و كذالك احتياجات المنزل و اخوتها و والدها المسكين يعمل بدوام إضافي من أجل بعض الجنيهات...
قاطعت هبة تفكيرها مشجعة:" بتفكري في ايه يا بنتي انت جربي يومين كده و لو ما ارتاحتيش ابقي سيبي الشغل و متخافيش خالتي هناك يعني حتكون معاكي و توريكي كل حاجة...يلا بقى حنتأخر".
اومأت كاميليا برأسها لتتبع هبة بخطوات مترددة و و قد ازدادت دقات قلبها..
استقلت الفتاتان احد سيارات الأجرة للذهاب إلى الفيلا... مرت عدة دقائق قبل أن تدخل السيارة الى احد الأحياء الراقية و الهادئة...
نظرت كاميليا من نافذة السيارة بتعجب، أحست و كأنها دخلت الى بلد جديد...فيلات و قصور فخمة تحيط بها الحراسة من كل جانب، افاقت على صوت السائق و هو ينبهما بالوصول الي الجهة المنشودة، نزلت هبة من السيارة لتجد نفسها أمام فيلا فخمة تتوسط حديقة شاسعة خضراء، نظرت حولها لتجد عدة رجال صخام يرتدون ملابس سوداء و يحملون أسلحة مخيفة، ارتعشت كاميليا بخوف و هي تهمس لهبة :"ايه دا يا هبة انت متأكدة من العنوان... ومين دول هما حيقتلونا قبل ما ندخل".
هبة بضحك :"اسكتي يا مصيبة دول حراسة، انت مش شايفة حواليكي دا كومباوند للاغنياء و طبيعي يكون في عليه حراسة يلا خلينا ندخل خالتي قالتي انها حتسيب خير للقاردز عشان يدخلونا".
أمسكت هبة بكف كاميليا المرتجف ثم تقدمت بها نحو الغرفة الصغيرة الموجودة بجانب البوابة، اقتربت من احد الحراس ثم قالت :" صباح الخير... انا هبة بنت اخت الست خديجة اللي بتشتغل عنا. "
الحارس بتفهم :" ايوا احنا معانا خبر ندخلك...
طرق الحارس شباك الغرفة الصغير قبل أن يصيح :" افتح الباب يا أحمد دول الناس اللي قالت عليهم الست خديجة ".
توسعت عينا كاميليا بدهشة و هي تشاهد جمال الحديقة التي كانت تضج بأنواع الزهور و الورود المختلفة و أشجار و نباتات نادرة تراها لأول مره في حياتها،
بعد عدة دقائق من المشي وصلتا الى مدخل الفيلا،لتستقبلهما خالة هبة بسرور قبل ان تقودهما الى قاعة كبيرة يتوسطها صالون فاخر باللون البيج تطل على الحديقة و لايفصل بينهما سوى حائط زجاجي
خديجة و هي تشير لهما بالجلوس :"دقائق و أدى خبر الهانم الكبيرة هي اصلا كانت مستنية وصولك من الصبح و انت يا هبة تعالي معايا عاوزاكي في موضوع ضروري ".
اومأت لها هبة ثم وقفت من مكانها و تبعتها الي ان وصلتا الى المطبخ الذي لم يكن يقل فخامة عن باقي أجزاء الفيلا
طلبت خديجة من احدى الخادمات اخبار السيدة ثريا
بقدوم المربية الجديدة ثم جلست و أجلست هبة على احد الكراسي الموجودة في المطبخ.
نظرت خديجة حولها جيدا حتى تضمن عدم وجود أي شخص بقربهما حتى تستطيع التكلم على راحتها.
خديجة بصوت منخفض:"انت تجننتي يا هبة جايبلي بنت زي دي و عاوزاها تشتغل هنا...اش حال ماكنتش بحكيلك و قايلالك اخبار الناس اللي عايشين هنا.. عارفة لو صاحبتك دي شافها شاهين بيه و الا صاحبه الدكتور اللي اسمه ايهم ربنا ياخذهم هما الاثنين.. مش حتفلت من إيدهم، دي باين عليها غلبانة و دول شياطين و العياذ بالله و مبيرحموش ".
هبة بخوف :" قصدك إيه يا خالتو؟ مش فاهمة".
خديجة بغضب:" يعني مش حيسيبوها في حالها يا فالحة، البنت حلوة و حتشتغل هنا عندهم و كمان انت عارفة كويس ازاي البيه بيكره الستات و بيعاملهم زي العبيد عنده ".
هبة :" انا و الله مكنش عندي حل ثاني يا خالتو أصلها محتاجة فلوس ضروري و كمان ملقيناش شغل بقالنا شهور و احنا بندور في كل مكان بس مش لاقيين و بعدين متخافيش هي مش من النوع داه.. دي عاقلة و متربية و ملهاش في الغلط.. "
ضحكت خديجة باستهزاء و هي تقول :" انت مش فاهمة حاجة... شاهين بيه لو حط حاجة في دماغه مفيش حد حيمنعه دا... دا ممكن يعمل اي حاجة خصوصا ان صاحبتك حلوة بصراحة دا حتى الحارس اللي وصلكم لباب الفيلا كان حياكلها بعنيه...انا عشان كده مكنتش بحب تجيلي هنا ابدا خايفة عليكي من الناس دي، انا قلتلك تيجي النهاردة عشان البيه عنده شغل كثير و مش حيجي غير بالليل متأخر ".
هبة :" طيب انا حاخذها و امشي و بلاش شغل هنا قبل ما تتفق مع الهانم ".
خديجة بتفكير :" تمشي فين؟ داه زمان الحرس عرفوه انكم جيتو و كمان الكاميرات المزروعة في كل مكان هنا... بقلك إيه مفيش غير حل واحد ".
هبة :" حل إيه؟ "
خديجة باهتمام:" حقول للست ثريا دي طيبة و عارفة عمايل ابنها كويس و كمان لازم صاحبتك دي تغير شكلها شوية... خليها تلبس حجاب و نظارة و تعمل حاجات في وشها تخليها وحشة... مش عارفة ازاي بس اتصرفي لو عايزاها تشتغل هنا ".
هبة باستنكار :" دي لو غرقت نفسها في برميل طين بردو حتطلع حلوة... على العموم انت احكي للست هانم و انا حتصرف متقلقيش بكره حتيجي بس بشكل ثاني و مختلف".
جلست كاميليا باضطراب و هي تنتظر مجيئ السيدة ثريا... دقائق قليلة حتى وجدت سيدة تجلس على كرسي متحرك تقترب منها وقفت لتحييها باحترام لتبتسم لها الأخرى باعجاب بجمالها الباهر
كاميليا بترحيب :" اهلا يا ست هانم... انا كاميليا اللي حكتلك عني طنط خديجة.
ثريا بابتسامة :" أهلا يا بنتي... هي حكتلي بس مقتليش انك قمر كده.. ".
كاميليا بخجل :" داه من ذوق حضرتك ".
ثريا :" اقعدي يا بنتي خلينا نتفاهم... طبعا زي ما قالتلك خديجة انت حتهتمي بفادي... دا حفيدي الوحيد و ابن شاهين اللي هو ابني...هو عمره خمس سنين، بس ذكي جدا و بيتكلم فرنساوي و انجليزي و كمان مصري احنا حريصين اننا نعلمه لغات من دلوقتي... المهم انت المسؤولة عنه و عن كل حاجة تخصه حبقى افهمك كل حاجة عملي لما تستلمي الشغل انشاء الله... و متخافيش انا عارفة انك لسه بتدرسي و حسمحلك تروحي الجامعة من وقت للثاني دا غير المرتب الكبير اللي حتاخذيه ".
كاميليا بابتسامه :" ميرسي لحضرتك وانا ممكن ابدأ
الشغل من بكره انشاء الله ".
ثريا :" تمام.. اتفقنا بكرة تيجي بدري الساعة ثمانية و نص تكوني هنا و لما تعوزي تروحي الجامعة ابقي اديني خبر قبلها بيوم علشان اسيب وحدة من البنات تهتم بفادي".
وقفت كاميليا و ابتسامة كبيرة ارتسمت على وجهها، هاتفة بحماس:" انشاء الله يا هانم... ميرسي جدا لحضرتك استأذن أنا ".
صاحت ثريا لتنادي على خديجة بعد أن غادرت الفتاتان.
ثريا بسعادة :" انا اتفقت مع البنت و حتبدأ شغل من بكرة، باين عليها طيبة و في حالها... هي بتدرس إيه أنا نسيت".
خديجة :"هندسة زي هبة بنت اختي.. ست هانم انا كنت عاوزة اقلك على حاجة بس محرجة منك شوية
ثريا باهتمام :" اتكلمي في إيه... البنت عندها مشكلة
خديجة بنفي:"لا يا ست هانم مفيش حاجة بس بصراحة انا كنت عاوزة اقلك ان البنت زي ما شفتيها حضرتك... حلوة و صغيرة و حتيجي تشتغل هنا و انت عارف البيه و أصحابه يعني... ".
أشارت لها بيدها لتتوقف عن الكلام،و هي تفكر في ماقالته لها للتو....
ثريا باستدراك :"معاكي حق يا خديجة انا كنت ناسية الموضوع داه...البنت بصراحة حلوة اوي و ملفتة جدا و انا عارفة ابني كويس مش حيسيبها في حالها و انا ميرضينيش داه ابدا...شاهين من وقت الحادثة اياها و هو بقى بني آدم ثاني و انا مش مستعدة اشيل ذنب بنت بريئة في آخر عمري... اسمعي كويس و نفذي كل اللي حقلك عليه بالحرف الواحد... روحي ابعثيلي مجدي عشان يشيل كل تسجيلات الكاميرا اللي فيها كاميليا و بنت أختك و قوليلها اني رفضت انها تشتغل عندنا....اخترعيلك اي حجة و خلصيني من الموضوع داه. "
خديجة :" حاضر ياهانم بس البنت مسكينة ظروفها صعبة جدا و محتاجة الشغل داه اكثر من اي حد ثاني دي حتى هبة بنت اختي كانت حاكيالي انها بقالها شهور بتدور و مش لاقية و يمكن تسيب جامعتها عشان ممعهاش فلوس ".
ثريا بحنق:" حبقى اديكي مبلغ اديهولها عبال متلاقي شغل ثاني... مش حقدر اعملها أكثر من كده ".
خديجة بلهفة:" لا ياست هانم انا عندي فكرة احسن... انا قلتلها انها تغير من شكلها شوية يعني تلبس نظارة و تحط طرحة فوق شعرها... تعمل حاجات علشان تبين وحشة ".
ثريا بتعجب:"انت بتقولي إيه باين عليكي تجننتي يعني إيه تغير من شكلها ".
خديجة :" انا بس صعبانة عليا البنت فقيرة و محتاجة مساعدة و بعدين حضرتك بتدوري على مربية للبيه الصغير يعني حتشغليها هي أو غيرها، انا بقول نستنى لبكرة و نشوف شكلها إزاي و انا حبقى أكلم بنت أختي عشان أأكد عليها ".
ثريا بتفكير:" تفتكري كده...".
خديجة بتأكيد :"طبعا مفيش حل غير داه خصوصا ان البنت معرفة و نقدر نوثق فيها و هي مع البيه الصغير "..
ثريا :" معاكي حق يا خديجة انت عارفة اني انا بثق فيكي جدا اعملي اللي عاوزاه و متنسيش تبعثيلي مجدي بسرعة".
اومأت لها خديجة بطاعة و قد ارتسمت على وجهها علامات الفرح و قد عزمت على تنفيذ خطتها.
› الشيطان شاهين › الفصل الرابع
الفصل الرابع
نظرت كاميليا لصديقتها هبة ببلاهة قبل أن تهتف
متسائلة :"تقصدي إيه بأغير شكلي؟؟ هو انت عايزانى اتنكر يا هبة.. انا مش فاهمة حاجة".
هبة بنفاذ صبر :"اووف منك يا كامي انا ساعات بستغرب من غبائك اللي مش بيطلع غير في الأوقات المهمة بقلك إيه ركزي معايا علشان مفيش وقت و الظاهر اننا حنضطر منحضرش بقية المحاضرات و نبقى ناخذهم من البنت شيماء"
كاميليا :" ليه حنروح فين؟؟؟ ".
جذبتها هبة من ذراعها لتحثها على إكمال سيرها فمنذ خروجهم من فيلا شاهين الألفي و هي تحدثها و تحاول اقناعها بضرورة تغيير شكلها لتجنب مضايقات رجال الطبقة الغنية دون أن تبالغ في وصف الخطر المحدق بها حتى لا تخسر صديقتها الوظيفة فهي آخر أمل لها لتتمكن من تحسين احوالها و مواصلة دراستها.
هبة و هي تدخل بها احد المحلات الخاصة بالنظارات الطبية :"اول حاجة لازمك نظارة...دوري بقى على ابشع نظارة في المحل داه.
جربت كاميليا عدة انواع من النظارات قبل أن يقع الاختيار على نظارة بشعة خاصة بكبار السن دائرية الشكل غليظة ذات إطار اسود كلاسيكي قديم..
أصرت هبة على شرائها تحت أنظار صاحبة المحل المتعجبة و التي حاولت كثيرا ان تثنيها عن رأيها و تقنعها باختيار اي موديل آخر من النظارات الموجودة في المحل...
خرجت الفتاتان من المحل لتنفجر هبة من الضحك و هي تتحدث بصعوبة:" لايقة عليكي اوي النظارة دي يا كأني بقيتي شبه الدادة دودي...مش ناقص غير الطرحة و تبقي تمام".
نزعت كاميليا النظارة من على عينيها و هي تتنفس الصعداء فهي منذ أن ارتدتها و هي تتعثر في مشيتها و لا تستطيع النظر جيدا
كامي بضيق:"بقيتي بتتريقي عليا طب ايه رأيك اني مش حلبس البتاعة دي انا مش قادرة اشوف حاجة ادامي و ممكن اقع على وشي في اي لحظة...خذي البسيها انت، انا مش عاوزاها".
هبة بشهقة :"نعم... انت اللي حتشتغلي في بيت الألفي يعني لازم تلبسيها غصب عنك و دي أوامر الهانم الكبيرة على فكرة هي اللي طلبت من طنط خديجة انها تقلك ان من شروط قبولك في الشغل هو
عدم الاهتمام بالمظهر يعني لازم تكون المربية بشعة مش ملكة جمال زيك....
كاميليا بسخرية :" اول مرة اشوف شغل بيطلبوا فيه طلب زي ده...
هبة بتأكيد :" ما انت عارفة السبب هي بس خايفة عليكي علشان الناس اللي هناك مش زينا... يعني اي حد حيشوفك حيطمع فيكي و دول ناس قادرين و مش حيسيبوكي... دا كثر خيرها ست غيرها كانت مهمتمش باللي حيحصل معاكي مش قلتلك انها طيبة زي ماحكتلي طنط عليها و هي على فكرة بتختار البنات اللي بيشتغلوا عندها بالوحدة...".
كاميليا بملل :"انا ايه اللي خلاني اتزفت و اسمع كلامك و اروح الشغل داه هو يعني مفيش غيره.. تعالي ندور على شغل ثاني و بلاش وجع الدماغ داه كله ".
هبة بردح و هي ترجع خصلات شعرها الأسود القصير وراء اذنها بحركة عصبية :" نعم يا ختي انت تجننتي بقلك ايه يا بت اتلمي انا على آخرى منك شغل ايه اللي حتلاقيه ماهو على عينك اللي عاوز وقت كامل و اللي عينه زايغة و اللي مرتبه ميكفيش ثمن المواصلات....
احنا مش حنعيد الموضوع داه ثاني انت تسمعي الكلام و كل حاجة حتمشي تمام...غيري من شكلك شوية عشان تستلمي الشغل، دي فرصة كويسة جدا و المرتب حلو اوي انت تشتغلي شهرين بس و بعدين تقدري تبطلي انت و مزاجك بقى و انا بصراحة مطمنه جدا علشان ثريا هانم عارفة كل حاجة يعني مفيش قلق و لا خوف"
كاميليا :" ماشي يلا خلينا نمشي من هنا انا جالي صداع من زنك... حجرب الشغل الأول و بعدين أرد عليكي بس على الله الفلوس اللي صرفناها في حق النظارة دي متروحش هدر ".
هبة :" استني بس انت عندك طرح صح "
كاميليا ايوا ليه؟".
هبة :"ما انت لازم تلبسي الطرحة علشان تداري شعرك الحلو داه و كمان خدي دي كريم انا كنت اخذتها من شوية من البنت شيماء انت تحطي منها على وشك و ايديكي علشان تسمر بشرتك ماشي".
كاميليا و هي تأخذ منها العلبة:"نظارة و طرحة و كمان كريم فاضل إيه ثاني يا ام الأفكار".
هبة و هي تدفعها أمامها بلطف :" مفيش يا اختي عدي الجمايل بقى...بكرة لما تقبضي اول مرتب افتكريني بهدية انشاء الله حتى قلم روج من ناصية الشارع "
كاميليا بضحك :" روج ايه بس انا حشتريلك نظارة زي اللي عندي دي...".
هبة :" يلا يا اختي مش عاوزة منك حاجة المهم بكرة الصبح انا عاوزة اشوفك قبل ما تروحي الفيلا علشان احط التاتش النهائي بتاعي "
كاميليا :" ليه هو انت مش حتروحي معايا.. انا لسه محفظتش المكان يا هبة و خايفة اتوه و خصوصا و انا لابسه النظارة الكعب كباية دي ".
هبة بضحك :" حاضر ياختي انا حاجي معاكي و بالمرة اوصي خالتي عليكي و بعدين بصراحة عاوزة ادخل الفيلا ثاني...انا بصراحة عمري مارحت هناك قبل كده بس المكان حلو اوي زي اللي بنشوفه في المسلسلات... داه حتى الهواء متغير هناك".
كاميليا بضحك :" متغير ازاي يعني..."
هبة و هي تشير بيديها :" تحسيه كده صافي و نظيف و ريحته حلوة مش زي اللي عندنا في الحارة، يا بختهم الاغنياء دول عايشين في الدنيا و مستمتعين بيها مش زينا، قصور و فيلات و عربيات و فلوس... "
كاميليا :" بس... بس..يعني نور في البيت و انت هنا.. الواحد مش ناقص وقع دماغ و توتر بلاش احلام وردية خلينا في واقعنا المنيل يا اختي، و ركزي في حفلة التنكر بتاعة بكرة اللي وقعتيني فيها بذكائك الفذ اما اشوف آخرتها معاكي"
هبة و هي تغني بضحك :" بكرة تشوف بعنيك... يا حبيبي".
لكمتها الأخرى بخفة على كتفها قبل أن تجيبها ضاحكة :" طب يلا يا ست هيفاء...نشوف حنروح ازاي"
اتجهت الفتاتان الي إحدى محطات الحافلات لتركبا احد المواصلات العامة للعودة الى المنزل استعدادا ليوم غد....
..........................
في مشفى البحيري
نظرت ليليان الى ساعتها الذهبية التي كانت تزين معصم يدها الرقيق، ابتسمت بخفة قبل أن تقف لتغادر مكتبها استعدادا للقيام بجولتها التفقدية لبعض المرضى من الاطفال المسؤولة عن علاجهم.
فتحت إحدى الغرف التي يقبع بها احد المرضى، رامي ذلك الطفل الصغير الذي يعاني من مشاكل في رئته و التي استوجبت مكوثه في المستشفى لوقت طويل..
ليليان بابتسامة رائعة تزين وجهها :"ازيك يا بطل عامل ايه النهاردة؟؟".
رامي و هو يبادلها الابتسام :"انا بقيت كويس...الحمد لله".
ليليان و هي تقرأ تقارير حالته :"برافو يا بطل انت بقيت كويس علشان انت قوي و شاطر و بتسمع الكلام..".
رامي برجاء:"طب لما انا كويس امتى حخرج من هنا انا عاوز اروح بيتنا يا طنط لولو عاوز ارجع المدرسة و لصحابي دول وحشوني اوي".
أعادت ليليان التقارير الى مكانها ثم اقتربت من الصغير تربت على رأسه بحركات حانية قائلة بلطف:"
قريب جدا انشاء الله حتخرج من هنا و حتعمل كل اللي انت عاوزه بس لسه في شوية تحاليل لازم نعملها علشان نطمن عليك، انت طبعا علشان ذكي و شاطر حتسمع الكلام ماشي و انا اوعدك كلها اسبوع و كل حاجة حتبقى تمام ماشي...".
رامي بحزن :"حاضر يا طنط بس انا زهقت هنا اوي حتى ماما لسه مجاتش لحد دلوقتي ".
ليليان بحب :" اكيد زمانها في الطريق و بعدين هو انت عاوز تخرج كده و تسيبني لوحدي في المستشفى الكئيبة دي ".
رامي ببراءة:" لا انا حاخذك معايا مش حسيبك هنا علشان انا بحبك اوي يا طنط لولو".
ليليان بحب :" يا روح و قلب طنط لولو و انا كمان بحبك اوي... انا حسيبك دلوقتي تتفرج على الكرتون اللي بتحبه علشان عندي شوية اولاد صغيرين زيك محتاجيني اكشف عليهم و اول مخلص حرجعلك اتفقنا".
رامي بايجاب:" اتفقنا بس مش تتأخري عشان انا بحب اقعد معاكي اوي ".
ليليان :"حاضر يا استاذ رامي مش حتأخر أنشاء الله ".
خرجت ليليان من الغرفة بعد أن اطمئنت ان حالة رامي مستقرة ثم اخذت طريقها الى بقية الغرف للكشف على بقية المرضى...
تسلل الى اذنها صوت مالوف، رفعت رأسها لتجد والدة رامي تتحدث مع إحدى الممرضات اقتربت منها لتسمع والدة رامي تقول برجاء:" ارجوكي يا بنتي انت بس دليني على مكتب مدير المشفى و انا حتكلم معاه".
الممرضة:"يا فندم و الله ما حينفع، اصلا الدكتور ايهم مش بيقابل حد خالص انا مليش دعوة بكل دا هما بس قالولي اديكي الورقة دي انت روحي للحسابات و تفاهمي معاهم.
قاطعت ليليان حديثهم مسائلة:" في ايه يا ميساء، مالها مدام رقية و ايه الورقة اللي في إيدك دي؟".
ميساء و هي توجه حديثها لوالدك رامي :"اهي جات الدكتورة ليليان دي خطيبة صاحب المستشفى داه انت ممكن تتكلمي معاها و هي حتساعدك....
ليليان بغضب:" ميساء، انا قلتلك قبل كده بطلي تطلعي إشاعات على الناس انا مش خطيبة حد و اتفضلي دلوقتي اشرحيلي مالها مدام رقية".
ميساء بطاعة:" اسفة يا دكتورة...ادارة المستشفى بعثت الورقة دي للمدام علشان هي مدفعتش بقية مصاريف إقامة ابنها في المستشفى و الدكتور ايهم إداها مهلة ساعتين و الا حيضطر يرميهم برا و كمان حياخذ ضدهم كافة الإجراءات القانونية عشان وصولات الامانه اللي مضت عليهم المدام .... ما انت عارفة القوانين هنا و للأسف الدكتور ايهم مش بيسامح و لا بيتعاطف مع حد "
ليليان بضيق :" للأسف عارفة... طيب هاتي الورقة و انا حتصرف روحي انت شوفي شغلك ".
اعطتها الممرضة الورقة ثم غادرت لتقرأ ليليان الورقة بصوت عال :" 150الف جنيه ..
قاطعتها رقية قائلة بخجل :"انا عارفة اني تأخرت على دفع بقية المبلغ بس و الله بحاول انا قدرت اجمع تسعين ألف جنيه بس هما مش عاوزين يصبروا عليا يومين كمان و انا حجيب الباقي انشاء الله... ارجوكي يا دكتورة ساعديني و انا و الله اوعدك اني حتصرف ".
ليليان بتفكير :"متقلقيش يا مدام رقية انا حتصرف انت روحي لرامي اقعدي معاه و اطمني عليه و انا حشوف الدكتور ايهم و اتكلم معاه...متقلقيش انا حدفع الباقي داه مبلغ صغير مقابل صحة رامي ".
رقية بخجل:" ميصحش يا دكتورة كفاية حبك و اهتمامك لرامي دا لولاكي كنت خسرته. كمان المبلغ كبير انا بس عاوزاكي تساعديني فانك تطلبي منهم يستنوا عليا يومين بس. انا حتصرف...ثم تابعت بصوت خافت من شدة الحرج.. خصوصا اني الممرضة قالت إن صاحب المستشفى يبقى ..."
ليليان و هي تنتفض غضبا:"الكلام داه كذب هو مش خطيبي و لا حاجة هو بس ابن عمي. المهم انا وعدتك اني حتصرف انت بس روحي جنب رامي و خلي الباقي عليا ... ".
رقية بخجل:" انا مش عارفة اودي جمايلك فين انت ملاك نازل من السماء ربنا يجبر بخاطرك و يفرحك زي مافرحتيني يا رب انا و انا و الله يومين بالكثير و حجيبلك الفلوس ".
ليليان :" متقوليش كده داه واجبي عن اذنك ".
تركتها ليليان ثم اتجهت الى الاسانسير تاركة رقية تحمد الله على حل مشكلتها التي أرقت منامها طيلة ايام.
وصلت ليليان الى الطابق الأخير من المشفى و ني تمتم بغضب :" اما شوف اخرتها مع الشيطان داه اللي مفيش في قلبه رحمة.
طرقت الباب عدة مرات ليأذن لها ايهم بالدخول.
ليليان بضيق مخفي و هي ترى ابتسامته السمجة التي تكرهها :" صباح الخير يا دكتور ايهم ".
ايهم و هو يسلط نظراته المعجبة عليها:" صباح الجمال يا قلب ايهم...وحشتيني و كنت لسه حنزل عشان اشوفك".
ليليان و هي ترمي أمامه الورقة :"بقلك ايه انا مش فاضية لرزالتك مستعجلة و عندي شغل بس جيت علشان افهم منك إيه داه"...
ايهم و هو يضغط على احد الازرار:" دي ورقة إنذار بالدفع بس مش عارف لمين .... "
ليليان :" لرامي الولد الصغير اللي في الاوضة 360 "
ايهم بلامبالاة:"طيب و فيها ايه، شاغلة دماغك الجميل بحاجات تافهة كده ليه ".
ليليان بغضب جلي:" دا ولد صغير و في آخر مرحلة للعلاج لو خرج من المشفى دلوقتي ممكن حالته تتدهور و يرجع زي ماكان...".
ايهم :" و يطلع ليه؟ خلي أهله يدفعوا اللي عليهم و بكده مش حيخرج... اكمل و هو يقرأ الورقة... ممم فهمت يعني اخر موعد للدفع النهاردة و الا حيطرد".
ليليان :"ايوا مامته معاها اكثر من نص المبلغ و انا بكرة الصبح حدفع الباقي ".
ايهم بابتسامة لعوبة:" طب ما تدفعيه دلوقتي".
نظرت له ليليان بحنق قبل أن تجيب :" اكيد مش حيكون مبلغ زي داه في شنطتي.. انا بطلب منك مهلة بس لغاية بكرة الصبح الساعة تسعة حكون محولة المبلغ لحساب المشفى".
ايهم برفض :" لا عاوزه دلوقتي و الا حكلم السكيورتي يخرجوها هي و ابنها دلوقتي انت عارفة القوانين هنا ".
رفع ايهم سماعة الهاتف و هو يصطنع الضغط على الازرار لتختطف منه ليليان الهاتف و ترميه على المكتب هاتفة بحنق:" انت ايه مفيش في قلبك رحمة ازاي ترمي ولد مريض برا المستشفى علشان ممعوش ثمن العلاج... ".
ابتسم ايهم ابتسامه خبيثة كثعلب استطاع الإيقاع بأرنب صغير اقترب اكثر بكرسيه ليلف ذراعيه على خصرها دون أن تشعر به قائلا :"ليه حد قلك فاتحها جمعية خيرية و بعدين المستشفى دي للناس الاغنياء للي معاهم فلوس و يقدروا يدفعوا.. الفقراء و المساكين اللي بتعطفي عليهم دول يروحوا يشوفولهم مستشفى حكومي على قد امكانيتهم".
تراجعت ليليان الى الخلف بعد أن رمت الهاتف لكنها فوجئت بنفسها مكبلة و تقف مباشرة أمامه لتهتف بحنق:"انت بني آدم مش طبيعي.. سيبني دلوقتي و انا حتصرف و حجيبلك المبلغ كله دلوقتي... ".
أيهم :" مفيش خروج من المشفى ".
حاولت ليليان التخلص من قبضته التي كانت تزداد على خصرها يقربها منه صارخة بغضب:" طول عمرك حيوان...و مش حتتغير ،انا ححولك المبلغ دلوقتي و مش حخرج من الزفت بتاعتك...ابعد عني.. ".
ايهم بضحكة متسلية :"مش عارف ليه انت الوحيدة اللي بستمتع و انت بتشتميني... صدقيني لو كانت واحدة غيرك كنت دفنتها مكانها بس انت خطيبتي و قريب حتبقي مراتي ..."
ليليان بهيجان:" انت واحد مجنون...بتكذب الكذبة و تصدقها، انا مستحيل اقبل اتجوزك لحد امتى حفضل اقولهالك... فوق من اوهامك و بلاش غباء انا عمري مش حبص لواحد قذر زيك.. انت مكانك الأماكن الزبالة اللي بتروحها كل ليلة دور هناك يمكن تلاقي واحدة تناسبك... ااااه حيوان و مريض و بكرهك "
صرخت بألم و هي تشعر بأصابعه تنغرس في ظهرها كسهام حادة...
تسارعت نبضات قلبها خوفا بالرغم من لسانها السليط و و كلامها المسموم الذي تلقيه في وجهه كلما سنحت لها الفرصة دون خوف او تردد الا ان ذلك لا يمنع من شعورها بالرعب خاصة أمام نوبات جنونه التي تصيبه من حين الى آخر...ليهمس بصوت خافت مرعب بجانب أذنها ارسل الرعب في كامل اوصالها
:"هانت يا ليليان كلها ايام و نتجوز و حربيكي من اول و جديد... حخليكي تندمي على كل كلمة قلتيها و مبقاش انا ايهم البحيري لو مذلتكيش و خليتي تبكي بدل الدموع دم عشان أرحمك... ما انا حيوان بقى.
دفعها بقوة لدرجة انها فقدت اتزانها و سقطت ارضا تحت قدميه.. ليومئ لها باشمئزاز قائلا:"
و دلوقتي بقيتي في مكانك الطبيعي هنا خدامة تحت رجلي،
بس نقول ايه ناكرة للجميل... بعد ما والدتك توفت و ابوكي اللي هو عمي اتجوز ثاني و شاف حياته و رماكي عندنا...امي هي اللي ربتك و اعتبرتك بنتها زيك زي أميرة و عمرها ما فرقت بينكم في يوم... عيشناكي في بيتنا و صرفنا عليكي لحد متبقيتي دكتورة..حتى الشغل بقيتي بتشتغلي في أحسن مستشفى في القاهرة...
فمين بقى اللى يناسب مين؟ انت و الا انا... يلا على شغلك دلوقتي اما بالنسبة للمريض اللي جيتي علشانه فأنا حخلي الأمن يخرجوه برا حتى لو عيلته دفعوا مليون جنيه مش حسيبه هنا يوم واحد و مش حخلي مستشفى ثانية تقبله، عشان تتربي و تعرفي ازاي تكلمني ".
هزت ليليان رأسها بألم و قد بدأت دموعها تتساقط على وجنتيها الورديتين ليس على كلامه الجارح الذي تعودت ان يلقيه على مسامعها كلما رفضته بل على ذلك الطفل البريئ و الذي بسببها من الممكن أن يخسر حياته.
رفعت عيناها ببطئ لتجده ينظر إليها و قد تحولت نظراته المشمئزة الى أخرى جامدة خاليه من التعابير،
لم تعرف ماذا تفعل فابن عمها هذا ليس سوى كتلة من الحقارة و القسوة تمشي على قدمين...
ضغطت بيديها على الأرضية البيضاء التي تكسو قاعة مكتبه لتدفع بجسدها الى أعلى محاولة الوقوف.. مررت اصابعها بحركة وهمية على معطفها الطبي الأبيض قبل أن تهمس بضعف:"انت مش حتعمل كده"
استدار ايهم بكرسيه ليصبح مقابل مكتبه و هو يهتف بصوت حاد :"و مين حيمنعمي، على حد علمي المستشفى دي بتاعتي و انا اقدر اعمل اللي انا عاوزه"
مسحت ليليان دموعها الصامته و هي تتقدم ناحية المكتب بخطوات ضعيفة خايفة، تعلم جيدا انه يستطيع تنفيذ تهديده و إخراج رامي من المستشفي فلطالما فعلها من قبل...
لتقول بصوت راج
:"داه طفل بريئ و ملوش ذنب و عيلته حتدفع كل الفلوس ليه تخرجه"
ليجيبها بصوت جاف خال من الرحمة:"انا حر و دلوقتي اتفضلي على شغلك...مش عاوز اشوفك قدامي"
ابتلعت ليليان اهانته على مضض في سبيل اقناعه فكل ما يهمها هي المحافظة على حياة ذلك الصغير حتى على حساب كرامتها فليقل مايشاء الان المهم ان تصل إلى غايتها...
اما هو فمن المؤكد انه سيأتي يوما ما و ترد له الاهانه....وقفت بجانب حافة المكتب ثم رفعت كفيها
لتمسح دموعها بعنف و ترتب هيئتها قائلة بهدوء تحاول استعادته بعد ثورة الغضب التي انتابتها منذ قليل :"قلي عاوز ايه عشان تلغي قرارك داه"
ضحك ايهم و هو يتراجع بجسده على كرسيه واضعا يديه على حافة المكتب أمامه،صمت فجأة ثم وقف من مكانه ليخطو بخفة ليصبح ورائها... انحنى قبل أن يمد أصابعه ليقبض على خصلة من خصلات شعرها الشاردة و يتلاعب بها و هو يصدر همهمات كمن يدعي تفكير قبل أن يقول فجأة :" بالرغم من اني صعب جدا اغير قراراتي بس....انت دايما استثناء.... المهم انا عندي ليكي عرض لو قبلتيه حسمح للمريض بتاعك يكمل علاجه هنا و كمان ببلاش ايه رأيك ".
ارتجفت بشدة و هي تشعر بانفاسه التي تكرهها تضرب عنقها من خلف قبضت على اصابعها بعنف ثم اغمضت عيناها بقوة لتبدأ بالعد التصاعدي لتحث نفسها على تحمل وجوده الغير مرغوب فيه بجانبها
هامسة داخلها :"كله علشان رامي.. اتحملي يا ليليان اتحملي ".
لتقول بصوت عال:" ببلاش كمان طيب ايه هو العرض داه".
أكمل ايهم بعد صوت لم يدم طويلا :"الليلة عندي سهرة و عاوزك تروحي معايا".
فتحت ليليان عيناها بذعر قبل أن تسأله :"سهرة ايه دي؟ فين و مع مين؟".
اطلق ايهم ضحكة خافته قبل أن يجيبها :"سهرة عادية في فيلة شاهين الثانية احنا متعودين نسهر فيها ... و متخافيش مش لوحدنا اصحابي حيكونوا موجودين و معاهم بنات... ".
ليليان باستهزاء:"طبعا بنات ليل ماهو داه مستوا.."
قاطعها ايهم و هو يجذب خصلة شعرها بقوة قائلا :"لسانك داه حقصهولك في يوم من الايام ".
كتمت ليليان المها وهي تضع يدها أعلى خصلة شعرها بتجذبها من يده بعنف قائلة :" و مين قالي انك مش حترجع في كلامك داه بكرة او بعده... رامي لسه قدامه اسبوع كامل على الاقل علشان يكمل علاجه".
تنفس ايهم بقوة قبل أن يعود إلى كرسيه قائلا بملل:" من الاخر داه اللي عندي...في ايدك ساعتين تقرري فيهم مصير الولد يا اما يعيش و يا اما يموت".
اومأت ليليان براسها قبل أن تتجه الى باب المكتب
و تغادر، اغلقت الباب ورائها و هي تستنشق الهواء بلهفة كغريق رسى للتو على شاطئ الأمان....
هرولت بخطوات سريعة في اتجاه المصعد تريد الهرب بأقصى قوتها من هذا المكان، التفتت ورائها عدة مرات ناظرة بخوف و كأنها تتوقع لحاقه بها او خروجه فجأة من احد الجدران كما يحصل في الأفلام..
ضغطت ازرار بحركة عصبيه و هي تشتم في سرها
لاعنة تهورها في القدوم الى مكتبه، خرجت من المصعد لتعترضها زميلتها الدكتورة أمنية... متزوجة و لديها طفلين في الرابعة من عمرها و هي صديقة ليليان المقربة و ملجأ أسرارها...
بذلت ليليان مجهودا كبيرة بترسم ابتسامة مصطنعة على وجهها الفاتن و هي تلقى التحية :"صباح الخير يا ميمي ازيك"
أمنية بضحك:"ميمي في عينك يا بت انت مش حتبطلي تندهيني بالاسم دا... دا انا حتى دكتورة و ليا مركزي يعني فاكراني قطة قال ميمي قال ".
ليليان :"الحق عليا اني بدلعك"
أمنية وهي تتفرس ملامح ليليان :"دلعي يا اختي براحتك... بس مالك وشك مصفر كده و مش على بعضك فيكي ايه يا لولو".
ليليان :" مفيش حاجة يا أمنية...شوية إرهاق و تعب من الشغل ".
أمنية و هي تجذبها الى أحد الغرف :" طيب تعالي ارتاحي و انا حطلبلك عصير فرش ".
تبعتها ليليان بخطوات متثاقلة غير آبهة بتلك النظرات التي تكاد تفترسها من بعيد... و الذي لم يكن سوى الدكتور اسعد احد المعجبين بليليان.
ارتمت على السرير الطبي باعياء تشعر بأن كل قواها مستنزفة، و كأن جبلا من الحجارة يقبع فوق صدرها...
وضعت كفها على وجهها قبل أن تنفجر في بكاء مرير...
تبكي فقدان امها و هي مازالت فتاةََ صغيرة لم تتجاوز الثالثة عشر من عمرها ليسارع والدها بعد أشهر قليلة للزواج من فتاة تصغره سنا بأكثر من عشرون سنة طمعا في ثروته...و كأنه كان ينتظر موت والدتها ليتخلص منها هي الأخرى و يرميها في بيت عمها...
لا تنكر فضل زوجة عمها الحنونة التي عاملتها بكل حب و طيبة و كأنها ابنتها... أبناء عمها سيف و محمد الأول يفوفها بثلاث سنوات، اما محمد فاصغر منها بسنتين كانوا و نعم الأخوة لها..
لم يكن سواه هو ايهم الابن الأكبر لتلك العائلة الطيبة لم يكن مثلهم.. بل كان الأسوأ على الأطلاق.
طوال فترة مكوثها معهم و هو لا يعتبرها سوى دخيلة عليهم...ينتهز جميع الفرص لايذائها و اهانتها...
و تذكيرها بمكانتها الوضيعة في منزلهم...
افاقت على صوت أمنية التي دخلت الغرفة للتو و في يدها كوبا من العصير..
:"مالك يا ليليان انت كويسة، بتعيطي ليه؟".
ارتمت ليليان في أحضانها تبكي بعنف و هي تردد من بين شهقاتها:"بكره يا أمنية بكره... و مش عارفة ازاي اتخلص منه، الموت ارحملي كم اني اتجوزه".
ربتت أمنية على ظهرها بحنان بعد أن فهمت سر توترها قائلة باشفاق:"اهدي يا لولو متعمليش في نفسك كده...حتموتي نفسك من العياط على شان واجد ميستاهلش".
ابتعدت ليليان عنها و هي تمسح دموعها بصعوبة قائلة بتأكيد:" ايوا ميستاهلش داه حيوان..وواطي و قذر بيساومني على حياة طفل بريئ ملوش ذنب، طول عمره كده...انا لسه مش عارفة داه دكتور و بينقذ أرواح الناس ازاي ".
التفتت أمنية بنصف جسدها العلوي لتمسك كوب العصير من فوق الطاولة بجانبها و تقربه من فم ليليان لتساعدها على شربه...
وضعت ليليان يدها المرتجفة لتدعم يدي أمنية و تترشف بعضا من محتوى الكوب و هي تستمع الى صديقتها تقول:" اهدي كده و احكيلي بالتفصيل ايه اللي حصل".
بدأت ليليان في سرد كل ما حصل معها منذ صعودها الي مكتب ايهم الى لحظة خروجها منه... تحت نظرات أمنية المتعجبة و التي صرخت غاضبة بعد أن انتهت الأخرى من كلامها :"هي حصلت.... وصلت بيه الدناءة و الوقاحة انه يخيرك بين حياة طفل صغير ملوش ذنب و بين انك تطلعي معاه سهراته الوسخة اللي زيه...متروحيش يا ليليان داه واطي و ممكن يعملك حاجة".
ليليان بصوت مختنق :"طب و رامي اعمل فيه ايه.... انت عارفة انه ممكن يأذيه و يطرده من هنا و ميخليش و لا مستشفى تقبله... انا خايفة عليه اوي و معنديش حل غير اني اروح، ايهم كان دايما بيطلب مني اني اروح معاه سهراته مع أصحابه بس انا دايما كنت برفض.."
امنية باندفاع:"الواطي قليل الشرف عاوز ياخذك عشان يتباهى بيكي قدام أصحابه السكرانين و بنات الليل... عاوزك تدخلي العالم الوسخ بتاعه.... منه لله ربنا ياخذه عشان ترتاحي منه "
ليليان :"بيكرهني اوي يا امنيه و مصر يذلني من اول يوم جيت فيه بيت عمي و هو الوحيد اللي مش طايقني دايما بيعايرني و بيهنني في الرايحة و الجاية حتى لما ساب بيت عمي و بقى بيسكن في فيلا ثانية...ضغط على عمي علشان يخليني ادرس طب زيه و صمم اني آجي اشتغل هنا عنده علشان يكمل تعذيب فيا...بيستغل جميل عيلته بأنهم آوووني و ربوني علشان يتحكم في حياتي... سنين و انا بستنى اليوم اللي حطلع فيه من هناك علشان ابقى حرة و ملك نفسي و اقدر اعمل اللي انا عاوزاه بس هو مسابنيش في حالي اقنعهم بأنه بقى بيحبني فجأة و عاوز يتجوزني و انه هو أولى بيا من الغريب...لو شفتيه يا امنية ازاي بيعاملني قدام اهله... شيطان في ثوب ملاك....".
امنية بشفقة :" ربنا يعينك يا حبيبتي... انشاء الله حييجي يوم و تخلصي فيه منه داه مصيبة و مفيش حد بيحبه هنا بس بردو لازم تلاقي حل و متروحيش انا خايفة عليكي منه و من صحابه و خصوصا اللي اسمه شاهين... ".
ليليان بياس :" مفيش حل ثاني انا حروح و اللي يحصل يحصل ايهم داه كابوس و عمري ما حخلص منه ".
ساعدتها أمنية على الوقوف لتتجه الى حمام الغرفة لغسل وجهها و أطرافها علها تهدأ قليلا قبل أن تهاتف ايهم و تخبره بموافقتها.
في مكتب ايهم
:"مش جاي لوحدي الليلة... ليليان معايا ".
قال ايهم بفخر و هو يهاتف صديقهم
