رواية اسد مشكي الفصل الخامس والعشرون25بقلم رحمه نبيل


رواية اسد مشكي
 الفصل الخامس والعشرون25
بقلم رحمه نبيل



| هدوء ما قبل العاصفة | 


 



وقع الصفعة عليها كان أقوى مما تخيلت يومًا، مقدار القسوة والغضب الذي وضعه ذلك الرجل في قبضته كان أشبه بتوجيه صخرة لوجهها، شعرت سلمى ولأول مرة في رغبة عارمة بالبكاء والصراخ، دون إرادتها طافت الانثى داخلها على السطح، تلك الأنثى التي ترفض أن تُعامل بشكل لا يليق بها .

الله وحده يعلم كيف قاومت تلك الرغبة في البكاء وهي ترفع وجهها له بصعوبة ونبضات الألم تتردد على طول وجهها، تنظر لوجه أصلان والذي كان يرمقها بضيق وغضب وتحذير أن تعترض على ضربته كما فعلت مع أنمار.

لكن كل ما صدر من سلمى هو بسمة لا معنى لها، لا تدرك حتى كيف اخرجتها من بين كل ذلك الألم الذي تشعر به، تعتدل في وقفتها وهي تنظر لعيونه تحاول البحث بها عن مدخل لنفسه، لكن الرجل كان صلبًا مخيفًا بحق، ورغم ذلك قالت بكل هدوء : 

_ يمكنني ردها لك كما فعلت سابقًا مئات المرات مع غيرك، لكنني لن أفعل، ليس لأنني لا أستطيع، بل لأنني سأترك أخذ حقي منك بيد زوجي، لذا تلك الصفعة سأجعله هو يردها لك، فلا اعتقد أن صفعة من يدي قد ترد لك ما فعلته معي، لذا حقي مردود حين يأتي زوجي .

ابتسم لها أصلان بسمة واسعة وهو يحرك عيونه عليها من أعلى وأسفل، قبل أن يشير بعيونه صوب بعض الرجال خلفه :

_ نعم سنتحدث بهذا الشأن حينما يأتي زوجك أو يستيقظ من غفوته، والآن تحركي مع الرجال خارج هذا المكان فقد انتهى دور الحامية والمنقذة وحان الوقت لينال كلٌ مكانته المستحقة، وعصر الدلال الذي كان يغرقك به أنمار انتهى .

ولم يكد أحد يصدر ردة فعل حتى أبصرت هي العديد من الرجال يندفعون داخل المنزل يحيطون بهم لتعود هي للخلف وهي تفرد ذراعيه مرتعبة مما يمكن أن يحدث تحاول الثبات وهي تبتلع ريقها مرددة بصوت بدأ يهتز تبصر ذلك الرجل الذي كادت تقتله في الخارج يبتسم لها بسمة شيطانية وهو يتحرك صوب الفتاة الصغيرة يحاول جذبها بقوة .

_ لا يقتربن أحدكم منهن، اقسم أنني....

ولم تكد تكمل تهديدها أو حتى تتخذ الخطوة لتحمي النساء خلفها، حتى وجدت رجل يكبلها بقوة وهو يجذبها بعيدًا عن الجميع وقد بدأ الجميع يخرج النساء من الغرفة ويجذبون الفتيات بعيدًا عن امهاتهن وأصوات الصرخات تعلو، اتسعت عيونها وهي تحاول الإفلات من يد ذلك الرجل، لكن قبضته بدأت تشتد ويده بدأت تتحرك على جسدها بشكل جعلها ترتجف تسمع همسه من خلفها بصوت منخفض :

_ وفري صرخاتك هذه لحين يأتي دورك ... جلالة الملكة .

ولأول مرة تشعر سلمى بالرعب، الرعب وهي تبصر النساء يُسحبن للخارج والفتيات يُجبرن على السير بطرق سبق وسارت بها امهاتهن مجبرات، الزمن يُعاد والخوف كل الخوف أن يكون دورها هو التالي .....

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يقف الجميع داخل غرفته يراقبونه بأعين صامتة متعجبة أو بالاصح مصدومة مما يفعل، يراقبون أفعاله العجيبة وغير المتوقعة منذ أن استيقظ .

فأرسلان فتح عيونه بهدوء شديد، ثم نظر صوب كهرمان يطمئنها ببسمة صغيرة لا علاقة لها بأي شكل من الأشكال بالابتسامات، كان الأمر مجرد حركة قام بها فقط ليمحو خوف كهرمان، ومن ثم سأل عنها ينتظر ردًا بفارغ الصبر .

_ أين هي ؟؟ أين زوجتي ؟؟

نظر له إيفان بأسف وغضب من نفسه قبل أي شيء فحتى هذه اللحظة وما يزال رجاله في الطريق للتفتيش عن تلك البقعة التي يقبع بها أنمار ورجاله .

لكن حتى الآن، لا شيء .

ونظراته كانت خير إجابة لأرسلان، إجابة توقع سماعها حينما يفيق، لكنه فقط كان يأمل أن يخيب ظنه .

_ مازال البحث عنها جاريًا، لا تقلق سنجدها .

وعلى عكس المتوقع من أرسلان، تحرك بهدوء شديد وحرص كبير يخشى أن يتأزم الوضع الخاص به تحت نظرات كهرمان المرتعبة والتي انتفضت تساعده :

_ أخي فقط استرخي رجاءً، كل شيء سيكون بخير لا تقلق، اقسم أنني....

ابتسم لها يمسك يدها يقبلها قبلة حنونة، ثم ربت على رأسها بلطف شديد يهمس لها بصوت هادئ :

_ جوهرتي الحبيبة أنا بخير لا تقلقي عليّ، لكنني ... جائع، اشتاق لطعامٍ من بين أناملك، فهل تفعلين لأجلي؟؟

نظرت له كهرمان بصدمة كبيرة من كلماته، وكذلك إيفان الذي حاول فهم ما يحدث في المكان، وكهرمان لم يكن في يدها سوى التحرك بالفعل بعدما أبصرت نظراته التي تطالبها بتنفيذ ما يريد، نظرت صوب إيفان بتردد ولم يصدر من الأخير، سوى نظرات تدعوها لتنفيذ ما يريد أرسلان.

وبمجرد أن خرجت من الغرفة حتى تحرك أرسلان عن الفراش الخاص به ينهض دون إهتمام لجرحه، تحت أعين إيفان الذي كان يراقب ما يحدث دون كلمة واحدة، يعلم جيدًا أن أرسلان لن يقبل منه حرفًا واحدًا إن حاول الاعتراض على ما يفعل .

ولم يصدر من أرسلان بعد ذلك سوى جملة واحدة :

_ استدعي الجميع رجاءً إيفان، لحين انتهي من أخذ حمام دافئ.

ومن بعد هذه الكلمات اختفى أرسلان داخل المرحاض لوقت طويل بينما الجميع ينتظرون في الخارج بترقب وقد بدأ القلق ينتشر في الإرجاء .

انتفض جسد سالار وقد شعر بالريبة :

_ سأذهب للطرق عليه لربما حدث شيء له في الداخل .

نظر المعتصم بقلق صوب باب المرحاض وهو يحاول أن يمنع نفسه من النهوض والتحرك لتحطيم الباب والتأكد أنه بخير .

أما عن زيان فقد ألتزم الصمت يراقب الجميع بملامح هادئة عكس إيفان الذي كان ولأول مرة يجلس بين الجميع بملامح حادة لا تفسير لها ولا توحي شيئًا مما يخفي داخل صدره .

دقائق قليلة وانفتح باب المرحاض مظهرًا جسد أرسلان الذي خرج منه بكامل ثيابه وكأنه يتحضر لقيادة جيشه، خرج يسير بهدوء حتى توقف أمام الجميع ينظر لهم بهدوء :

_ سوف نتحرك لسبز الآن...

نهض إيفان بينما اتسعت أعين المعتصم بعدم فهم، في حين أن أرسلان نظر صوب سالار يهتف بجدية وهو يدرك أن سالار قد التقط ما يريد :

_ سنتحرك الليلة .

نظر له إيفان ثواني قبل أن يتنهد بصوت مرتفع :

_ أدرك مقدار عنادك أرسلان، لذا لن اناقشك كثيرًا في قراراتك لكن على الأقل انتظر حتى نصل لمكان أ.....

قاطعه أرسلان وهو يتحرك صوب خزانته يستخرج منها سيفه يضعه في الغمد الخاص به، ثم تحرك صوب الباب يهتف بقوة :

_ تخيل أنك تدرك عنادي فيما يتعلق بمجرد اشياء عادية يمكنني التخلي عن عنادي بها، لكنني ارفض فقط لأجل كبريائي، أتتخيل أن أفعل وهذا عِرضي وامرأتي ؟!

بلل إيفان شفتيه يدرك ما يقصده، لكن الرجل تلقى سهمًا مسمومًا منذ أيام قليلة وهو ليس بكامل صحته ليقود جيشًا :

_ أرسلان صدقني أنا لا اوفر أي طريقة لإيجاد زوجتك و....

قاطعه أرسلان مجددًا وهو يتحرك صوب الباب الخاص بغرفته يفتح بعنف يقاوم جميع اوجاعه وملامح وجهه كانت جامدة بشكل غريب على دماء أرسلان الحارة الذي كان لا ينتظر هجومًا ليشحذ قواته ويهب ثائرًا في الجميع :

_ اشكرك إيفان، أنا سأتسلم الأمر من هنا واعيد زوجتي. 

ومن بعد تلك الكلمات اختفى عن الأنظار يتحرك بين ممرات قصره بشكل مرعب وخطواته معلومة الإتجاه، وصل صوب غرفتها يقف أمامها ثواني، قبل أن يفتحها بسرعة يبصر قردها يجلس على النافذة بحزن وهو يراقب المارة وكأنه يبحث عنها، نظر له ثواني قبل أن يتحرك للخارج يشير للحارس بهدوء :

_ أخبر أحد أن يحضر بعض الفاكهة رجاءً...

ختم كلماته يعود مجددًا صوب النافذة الخاصة بها يراقب موزي والذي لم يتحرك عن النافذة حتى بعدما أبصره، بل ظل يتابع الجميع عله يلمحها تسير بينهم .

_ أنا أيضًا اشتاق لها .

لكن موزي بالطبع لم يكن يدرك ما يقال أو حتى يعلم أن كلمات أرسلان موجهة له، فهو لم يبصر من ذلك الرجل سوى الغضب منذ جاء .

_ ستكون بخير لأجلي ولأجلك و...... 

صمت ثواني فقط ينظر من النافذة وهو يراقب المارة مع موزي عله يبصر ما لا تبصر عيون موزي، عله يدركها بين الجميع ويرى ما يغفل عنه ذلك القرد .

ابتسم بسمة صغيرة يكمل جملته التي قطعها وهو ينظر لموزي بوجه بدأ يشتد وغضب بدأ يلتمع في عيونه وكأنه وجد وأخيرًا متنفسًا لعجزه وغضبه بعيدًا عن الجميع :

_ بل لأجلي أنا فقط، فهي كل ما أملك، هي كل ما تبقى لي في حياتي المقفرة هذه، الجميع لديه من يحب، وأنا ليس  لدي سوى سلمى، ولن ادعهم يسلبوني إياها...

ختم كلماته وهو يتنفس بصوت مرتفع وقد بدأت عروقه تنفر من فكرة أنها قد تكون تأذت أو حتى مُست بسوء ولو كان ذلك السوء مجرد نظرة لا تعجبها وُجهت لها .

همس يوجه محتقن من الغضب وملامح غير مفسرة إن كانت حزن أم قهر :

_ يستكثرونها عليّ، فوالله لأستكثرن عليهم أنفاسهم.

ضرب أول شيء قابله مسقطًا إياه ارضًا بغضب :

_فقط يمسونها بسوء، ولن أجد خير من ابادتهم هدفًا أحيا لأجله المتبقى من حياتي.

انتهى من جملته بقهر ووجع شديد وقد شعر برغبة عارمة في الصراخ بصوت مرتفع، يشعر بالضيق والاختناق، تسامح مع كل ما حدث له رضي بقضاء الله وما يزال يرضى وسيرضى دون نقم أو تأفف والعياذ بالله، لكن الحمل كان اثقل من الجبال على صدره.

_ ظننت أنني....ظننت أنني أخيرًا سأحيا كما الجميع براحة وسعادة و....ظننت أنني سأحيا .

كانت يتحدث بصوت موجع متقطع قبل أن يسمع طرق الباب ليبعد عيونه صوب النافذة يسمح للطارق بالدخول وقد كان الجندي الذي وضع الفواكه لموزي وخرج بعدما أذن لها أرسلان، بينما الأخير راقبه ببسمة صغيرة وهو يهمس بصوت منخفض :

- هذا لا يعني أنني أطيق وجودك، أنا فقط أكرمك لأنني أعلم أنها ستحزن إن أصابك سوءًا في غيابها و...

قاطع كلماته صوت خالد خلفه يتحدث بعدم فهم :

_ أنت ما تزال حيًا ؟!

اغمض أرسلان عيونه وهو يكمل همسه بضيق :

_ وكذلك هو، كلكم تُكرمون فقط لأجلها .

استدار ببطء صوب خالد الذي كانت ملامحه ذابلة ووجهه غير مفسر، يتقدم صوب موزي يربت على ظهره بحنان يراقبه وهو يتناول طعامه، قبل أن يرفع عيونه لأرسلان يقول بصوت مترقب :

_ هل علمت شيئًا عنها ؟! هل وصلت لأختي ؟!

نظر له أرسلان ثواني قبل أن ينهض بهدوء شديد وهو ينفض ثيابه وقد شعر بعدم رغبته في النقاش أو الحديث، فقط اكتفى بكلمات قليلة :

_ سأفعل .

ولم يكد يتحرك حتى توقفت أقدامه عن الحركة حين سمع صوت خالد الذي هتف بصوت منخفض وحزن شديد :

_ أرجوك أفعل، هي لا تستحق أن تتأذى لشيء لا علاقة لها به، هي لم تكن ترغب من البداية بالتواجد هنا وحاربت كثيرًا لتهرب من قدرها بالتواجد هنا، لكن فشلت في ذلك، وفي النهاية جاءت لهذا المكان والذي صدقني لم يكن ليرضيها ولا تقبل أبدًا بالعيش به، ولا يلائم سول التي أعلمها بأي شكل من الأشكال .

ضغط أرسلان على قبضته بغضب شديد وقد أصابته تلك الحقيقة في مقتل، وكأنه لم يكن يبصر مقتها لهذا المكان ورغبتها الواضحة بالهرب منه .

ولم يكد يكمل طريقه حتى أوقفته جملة خالد الذي حمل موزي بين أحضانه يربت عليه بحنان يهمس بصوت شارد :

_ لكنه يلائم وبشدة سلمى التي لم تكن تسمح لها بالظهور لأحدهم، تلائم المرأة التي رفضت الرحيل عن هنا حينما طلبت منها ذلك ورفضت متحججة أنها لا تستطيع الرحيل وترك زوجها، سلمى والتي لم تكن تعترف بأي علاقات أو تسمح لأحدهم بتجاوز دائرتها المغلقة، كانت تتحدث متفاخرة عن زوجها، لقد ... سلمى كانت تتحدث عنك بأعين ملتمعة وكأنها وجدت واخيرًا عالمها الذي يلائمها، لذا لا تخذلها ...لا تخذلها بعدما تعلقت بك .

اغمض أرسلان عيونه بقوة يقاوم صرخة تخنق صدره، قبل أن يستدير له نصف استدارة يتحدث بصوت موجوع :

_ لا أستطيع أن أفعل حتى وإن أردت، إن كانت سلمى قد وجدت عالمها فيّ كما تقول، فهي عالمي بأكمله، زوجتي وامرأتي وحدودي التي لا أسمح لأحدهم أن يقترب منها مقدار لا أسمح أنا به، وبهذا المقدار اقصد بُعد المشرق والمغرب .

ختم حديثه يتحرك بقوة كبيرة خارج المكان وقد كادت خطواته تحطم الأرض أسفله وهو يوصي حارسه في الخارج على خالد وموزي يدرك أنهم لا يفقهون شيئًا عن المكان، لذا لا يريد أن يتأذى أحدهم في غيابه، ولاجلها فقط.

لأجلها فقط يُكرم الجميع .

تحرك في الممرات وهو ينظر أمامه بأعين ضبابية لا يسمع سوى صوتها ولا يشعر سوى بها وهي بين أحضانه ولا يبصر سوى بسمتها .

لن يتركها لهم، ولو عني ذلك إحالة حياة الجميع لرماد، سيفعل ......

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ لا لم تعد حتى الآن، أنا كل ثانية اذهب للمنزل كي اتفقدها وأرى لربما عادت، لكنني لا أجدها، أخشى أن تكون قد تأذت وحدها دون أن يكون أحدنا معها، الفتاة بريئة لا تدرك شيئًا عن هذه الحياة ..

كلمات ألطاف كانت تتردد داخل آذان المعتصم وهو يتحرك بين طرقات المدينة تائهًا وكأنه لا يعلم الطرق، يحرك عيونه في المكان يبحث عنها لربما أبصر لها طيفًا بين المنازل، وكلمات الجميع التي تنفي رؤيتهم لها تزيد من ألمه.

وصل أخيرًا صوب حصانه يصعد على ظهره وقد بدأ يشعر أن جسده بثقل الجبال، يشعر بالعجز عن التنفس بشكل طبيعي، وكل شيء توقف أمام عيونه، يحاول أن يجدها ويطمئن قلبه، كي لا ينشغل بها عن واجبه .

مقسم بين هذا وذاك. 

تحرك بحصانه وهو ينظر لمنزلها مرة ثانية وثالثة عله يلمحها تعود له فيهرول لها يلومها على تركه، ثم يستأنس باحضانها.

ودون إرادته ابتسم وهو يتذكر انكماش جسدها بخجل بين أحضانه وهي تهمس بكلمات غير مسموعة يكبتها هو بضمته  .

أخذته ذاكرته لذلك العناق الذي طالبته به قبل رحيله آخر مرة، وكأنها كانت تطالب بحقها في أحضانه قبل اختفائها ..

_ كان الأخير فاطم، كان الأخير واستكثرتي عليّ أن يدوم للأبد، والله لو علمت أنه سيكون الأخير ما تركتك ترحلين عنه .

شعر أن هناك خطب بها ذلك اليوم، لكنه للحظة واحدة لم يشك في أنها قد ...قد تتركه .

كانت الكلمة ثقيلة على قلب المعتصم وبشدة، كيف تفعل هذا به، كيف هان عليها، كيف ...كيف هي الآن ؟؟

أكمل طريقه وهو يناجيها بقلبه يتوسلها بعيونه أن تظهر أمامه ويقسم أنه لن يعاتب ولن يلوم، بل فقط سيأخذها في أحضانه يربت عليها ويخبرها كم يحتاج لها، فاطمة لم تكن الطرف المحتاج في هذه العلاقة، بل كان هو أكثر من يحتاج لوجودها جواره.

وصل واخيرًا بعد وقت طويل للقصر وقد انهكه البحث حتى بدأ يشعر باليأس من إيجادها، وحينما وصل أبصر أرسلان الذي كان يتجهز للرحيل ومعه سالار وايفان .

أبصره أرسلان وشعر بوجود خطبٍ به، لذا ترك الجميع وتحرك صوبه ينظر له بهدوء، ثم رفع يده يربت عليه يتساءل :

- بخير ؟؟

رفع له المعتصم عيونه يحاول رسم بسمة صغيرة على وجهه، قبل أن يهز رأسه بهدوء بنعم، لكن لسانه لم يستطع الكذب وادعاء ما لا يشعر به القلب، فبدا في هذه اللحظة كغريق يستنجد بقشة تنتشله من أمواج الحزن :

_ لستُ كذلك، لستُ كذلك مولاي .

خفق قلب أرسلان بصدمة من مقدار الوجع الذي ظهر بكلمات المعتصم ولم يكد يستفسر عما يحدث، حتى بادر المعتصم وفاض له بما يكتمه في نفسه وكأنه لا يصدق أن أحدهم يسأله حالته :

_ لا ...لا أجدها، بحثت عنها في كل مكان ولا أجدها، أنا اخاف عليها، هي ليست ...ليست ....لا قبل لها بمواجهة هذا العالم، لا يمكنها العيش وحدها دون رعاية .

كان أرسلان لا يدرك ما يتحدث عنه المعتصم والذي تحدث بعد شهقة خرجت منه دون شعور :

_ لا أجد فاطمة لقد اختفت من القصر بأكمله ومن حياتي . .

اتسعت عيون أرسلان بعدم تصديق، قبل أن يقص عليه المعتصم ماحدث، فشعر أرسلان يالوجع لأجله، وهو أكثر من يفهمه في هذه اللحظة وكيف لا وهو يحيا نفس الجحيم في هذه اللحظة .

_ يبدو أن سوء حظي طالك يا المعتصم ...

صمت قبل أن يستغفر ربه وهو يمسح وجهه :

_ استغفر الله أن اعترض على إرادته، اختبار لك يا أخي وستكون على قدره أثق بك، خذ ما تريد من الرجال وأبحث عنها في كل مكان في المملكة، ووالله لولا ما أمر به من الظروف لخرجت بنفسي معك بحثًا عنها .

ابتسم له المعتصم بتقدير واحترام شديد :

_ أشكرك مولاي أقدر لك كلماتك .

ربت عليه أرسلان يحاول أن يؤازره وهو يحتاج من يؤازره، يواسيه ويحتاج من يربت عليه يخبره أن كل شيء سيكون بخير .

ورغم أن أرسلان كان يتكلم بنبرة هادئة قد تبدو البعض حنونة مهتمة، إلا أنها كانت باردة مخيفة مرعبة متحفزة، وبعد كلماته تلك ربت للمرة الأخيرة على كتف المعتصم يتحرك صوب الجيش الذي سيصحبه معه لسبز وقد قرر أن يبحث عن ذلك الجحر بنفسه وأن يذهب للأميرة توبة علها تعلم أكثر قد يوصله لزوجته .

كان يجهز حصانه وهو شارد بملامح جامدة لا يصدر أي ردة فعل تحت أعين إيفان والذي كان يتجهز للتحرك صوب سفيد وقد غاب عنها وقت طويل واضطر للعودة لها لينهي بعض أموره الخاصة بالحكم .

لذا تحرك بهدوء يضع يده على كتفه بهدوء :

_ عدني أنك ستكون بخير ولن تلقي بنفسك للتهلكة أرسلان، عدني أنك ستعتني بنفسك يا أخي، والله لولا أنني غبت عن المملكة طويلًا ما تركتك، لكنني سأنتهي والحق بكم، سأترك معك سالار و..

_ سأكون بخير إيفان لا تقلق، خذ معك سالار و...

قاطعه سالار هذه المرة وهو يبتسم بسخرية، يلقي بالسرج أعلى ظهر حصانه، ثم بدأ يعقده بشكل سريع :

- سالار ليس طفلًا صغيرًا ستحمل همه أثناء رحلتك أرسلان، الحمدلله يمكنني إطعام نفسي وأستطيع التحرك دون الحاجة لتسندني .

ختم كلماته ومن ثم نظر صوب إيفان يحرك رأسه له بهدوء وقد التقط إيفان رسالته ليبتسم له بامتنان، ومن ثم نظر صوب أرسلان والذي لأول مرة لا يجيب حديث سالار بكلمات لاذعة أو سخرية أو حتى يستفزه، بل فقط وضع جل اهتمامه بتجهيز حصانه، وهذا ما جعل إيفان يقلق أكثر .

هذا الرجل أمامه لم يكن أرسلان بأي شكل من الأشكال، فحتى في أكثر لحظاته غضبًا وجنونًا لم يكن يصمت، بل كان يشتعل ويشعل الجميع حوله .

_ أرسلان بالله عليك، هونها على نفسك، صمتك هذا يخيفني، هذا ليس أنت أرسلان، هذا ليس أرسلان الذي أعلمه، هذا الهدوء لا يلائمك بأي شكل من الأشكال أين أرسلان المشتعل والثائر، هل تحاول أخذ دوري في هذه الحكاية يا أخي ؟؟

ختم جملته بمزحة صغيرة عل كلماته هذه تخفف من جمود أرسلان، والذي استمر في التأكد من عقدة الحصان قبل أن يبدأ في وضع أسلحته داخل السرج في الأماكن المجهزة لها يهتف بصوت هادئ:

_ لن أتعامل مع اختفاء زوجتي كما اتعامل في العادة إيفان مع المشاكل، لن افعل ذلك بالطبع .

لم يفهم إيفان ما يقصد لينظر له أرسلان يضغط على كل كلمة ينطق بها :

_ أنا وإن كنت اثور وانتفض في كل شيء يحدث فلن افعل المثل إن تعلق الأمر بزوجتي، لن أتعامل مع حياة زوجتي بتهور إيفان.

صمت ثم أضاف بهدوء شديد :

_ لن اغامر بحياتها بأي شكل من الأشكال، ولن أسمح لثوراني أن يقودني صوبها إن كانت النتيجة اذيتها أو خدش يمسها .

ختم حديثه يلقي بجسده فوق الحصان، ثم نظر صوب جيشه يلقي عليهم تعليماته تحت أعين إيفان المتسعة وسالار المصدومة، فأرسلان حتى في اسوء المواقف كان أكثرهم اشتعالًا وثوارانًا .

_ يبدو أن أرسلان وجد أخيرًا ما يستحق الحياه لأجله.

وكانت هذه جملة سالار الذي ابتسم بسمة صغيرة يراقب أرسلان الذي بدأ يروض شياطينه لأجل أحدهم والعجب كل العجب أن هذا الأحدهم كان امرأة...زوجته .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

انتفض جسده عن الفراش حينما سمع صوت الطرقات التي بدأت تعلو على الباب لتتسع بسمته بقوة وهو يعلم هوية الزائر، فمن غيرها يعلم بوجوده في المكان ويأتيه كل يوم بالطعام .

تحرك بسرعة صوب الباب يفتحه مرحبًا :

_ السلام عليكم سمو الأميرة .

رمشت توبة بسرعة من أسفل غطاء الوجه والذي كان يخفي كافة ملامحها متعمدة، كي لا يتطلع على تأثيره عليها .

تراجعت للخلف كردة فعل طبيعية حينما أبصرت اندفاعه هذا، ليشعر نزار بالحمق مما فعل وهو يبتلع ريقه بسرعة :

_ اعتذر لقد ...كنت فقط أترقب حضورك لأن... لأن الوليد يتضور جوعًا منذ ساعات حتى كاد يتناول ذراعي، المسكين .

ختم حديثها وهو يغلق الباب أكثر يخفي الجزء الظاهر من الغرفة بجسده كي لا تبصر جسد الوليد الذي كان مسطحًا على الفراش كالقتيل في أحد الحروب بعد وجبة الغداء الدسمة التي تناولها منذ ساعات قليلة .

أما عن توبة فقد عقدت حاجبيها بعدم فهم، لكن رغم ذلك مدت يدها بصينية الطعام وهي تهتف بصوت منخفض :

_ أوه نعم، آسفة للتأخر، تفضل هذا الطعام رأيت أن أحضره لك قبل انشغالي في أمور القصر مع القائد و....

_ قائد من هذا ؟؟

ونعم لم يكن سؤالًا تتوقعه هي أو حتى هو، هو فقط مجرد سؤال أحمق خرج منه دون أن يكبت غضبه الذي بدأ ينتشر بشكل واضح على ملامحه، أما عنها فقد شعرت بالريبة من كلماته .

_ ماذا ؟!

_ ماذا ماذا ؟؟ قائد من هذا ؟؟ هل نصبوكِ مسؤولًا عن الجيش حتى تجتمعي بقادة رجال ؟! على حد علمي هذا ليس مسموحًا حتى ؟؟ منذ متى وتختلط النساء بالرجال حتى ولو كان هذا لدواعي الحكم، أوليست هذه إحدى اسباب منع المرأة في الإسلام من تولي حكم بلاد سمو الأميرة ؟؟ 

صدمت توبة وتعجبت من هجومه ذلك، وكان كل ما فعلته هو أنها دفعت الصينية صوبه بقوة ليتلقاها بسرعة قبل أن تسقط ارضًا، ثم هتفت بصوت بدا كما لو أنه خرج من أسفل أسنانها:

_ بالهناء والشفاء سمو الأمير، أنصحك باراحة جسدك وعقلك بعد تناول الطعام .

ختمت كلماتها ثم ودعته بهدوء دون قول كلمة واحدة تدافع بها عما تفعل، بل فقط عمدت لتركه يحترق في نيران فضوله وسخطه، إذ تحرك بسرعة يلقي الصينية على الطاولة المجاورة للفراش الذي ينام عليه الوليد والذي انتفض يفرك عيونه بعدم فهم :

- ماذا ...ماذا حدث هنا ؟؟ 

فجأة صمت حينما أبصر الطعام جواره يجذب الصينية له بهدوء وكأنه نسي ما حدث أو ما كان على وشك قوله، يرتشف بعض المياه وكأنه يحضر معدته لهجوم الطعام عليها، ومن ثم شرع في تناول الطعام يراقب بعيونه نزار الذي بدأ يتحرك في المكان بسرعة وهو يرتدي ثياب الجنود التي يرتديها عادة للتنكر وقت معالجة الملك .

_ ماذا تفعل ؟! إلى أين تذهب الآن ؟! هذا ليس وقت علاج الملك .

اجابه بسرعة وهو يضع لثامه:

- نعم لكنه وقت تحطيم القائد.

نظر له الوليد ثواني يحاول أن يفهم ما قيل لكن حتى ذلك لم يمنحه نزار وقتًا لفعله إذ اندفع خارج الغرفة لا يبصر أي شيء أمامه سوى ذلك الاجتماع المزعوم الذي تعقده سمو الأميرة مع المستشار الخاص بالبلاد .

أخذ يردد كلمات غاضبة أثناء طريقه لا يعي أنه خلع عنه رداء الحرص وتسلح بالتهور وقد يُكشف في أية لحظة .

توقف أمام المبنى الخاص بشؤون الحكم وهو ينظر له بترقب وكأنه يستجوب كل حجر أُستخدم في بنائه ليقر بمكانها وما تفعله، لكن يبدو أنه لم يكن في حاجة لعقد جلسة اعترافات، إذ أنه أبصرها تتهادى أمامه مع بعض العاملات صوب إحدى الغرف .

توقفت وهي تنظر للحارس بهدوء :

- أخبر القائد أنني انتظره في الخارج إذا سمحت .

اخفض الحارس رأسه باحترام يفتح باب القاعة يشير لها بالتحرك تاركًا الباب مفتوحًا وهي تسير مع العاملات وفي الداخل أبصرت بعض معاوني والدها، هزت رأسها باحترام للجميع، ومن ثم نظرت صوب القائد تهمس بصوت خافت :

_ سيدي القائد السلام عليكم .

نظر لها زبير مبتسمًا بسمة صغيرة يشير صوب مقعدها والذي كانت تتوسطه في العادة جوار والدها، تاركًا مقعد الملك بارق فارغًا ينتظر عودته :

_ سمو الأميرة انرتي المكان .

احتفظت توبة بملامحها مخفية خلف غطائها كما كانت جميع العاملات معها، بينما الجميع انتبه لكلمات زبير وهو يهتف بصوت قوي هادئ في الوقت ذاته .

_ أشكركم لتلبية الدعوة، واعتذر إن تسببت في تعطيلكم عن اشغالكم، لكن كان لا بد من عقد هذا الاجتماع للتشاور بيننا في أمور البلاد .

وبدأ زبير يهتف بالعديد والعديد من التعليمات والكلمات وغيرها من الأمور التي كانت لا تعني نزار بشيء، بل فقط تقدم للداخل يتحرك صوب صف الجنود الذي يصطف على جانب القاعة، لينظر له أحدهم بعدم فهم :

_ لماذا ترتدي لثامًا يا أخي نحن لسنا في غارة .

لم ينزع نزار عيونه عنها وهو يراقبها باهتمام شديد دون أن تنتبه هي له :

_ فقط أشعر بالتوعك فخفت أن اتسبب في إصابة أحدهم بمرضي فهو معدي .

نظر له الشاب نظرة جانبية، ثم أبتعد عنه مقدار خطوتين بحذر وهو ينظر أمامه بخوف يمسح ثيابه وكأنها ينفض عنه أي ذرات مرض قد يكون التقطها بالخطأ من ذاك الموبوء .

أما عن نزار فابتسم وهو يراقبها لا يعي ما يفعل ذلك الحارس أو غيره ولا يعنيه ما يقال في هذا الاجتماع، في الحقيقة أدرك في هذه اللحظة أن لا شيء يعنيه في الوقت الحالي .....عداها .

تحدثت وأخيرًا لتسلب بسمة أخرى ظهرت في عيون نزار منه وهي تهتف بصوت خافت :

_ لا بأس أمور القصر المتعلقة بالعاملات وما يخص توزيع المزروعات أنا اتولى أمرها، لا تحمل همًا .

هز زبير رأسه بهدوء وهو ينظر صوب الرجال :

_ لا احمل همًا لشيء سمو الأميرة أدرك أنكِ دون غيرك تستطيعين فعل ذلك دون أي مشاكل، أثق في قدراتك على إدارة هذا الجزء .

ابتسمت وهي تهز رأسها بامتنان، بسمة لم تظهر لأحد لأنها كانت تغطي كافة ملامحها، بل وتخفض رأسها، لكن نزار والذي عاصر منها ما لم يعاصر غيره، يدرك بل يكاد يقسم أنها في هذه اللحظة تبتسم امتنانًا وخجلًا وهذا ما جعل ملامحه تنكمش ضيقًا وغيظًا وهو يوجه نظرات قاتلة صوب زبيرة وكأنه يلومه لجعل الفتاة تبتسم خارج غرفتها حتى وإن لم تكن بسمتها واضحة لكن يكفي أنها كانت ظاهرة في صوتها وهي تنهض بهدوء شديد تردد بصوت جاد :

- إذا كنا انتهينا مما يعنيني فاسمح لي بالرحيل يا قائد.

هز زبير رأسه باحترام ينهض لها وهو يشير صوب الباب وقد ناقش أمامها كل ما سيحدث في المملكة لتكون على معرفة بكافة الأمور .

_ شاكر لوجودك سمو الأميرة، اتمنى لكِ يومًا سعيدًا .

انكمشت ملامح نزار أكثر وأكثر حتى تجعدت المنطقة حول عينه بشكل ملحوظ جعل الحارس جواره يهتف بخوف وهو يبتعد أكثر:

_ ما بك يا أخي هل أنت بخير ؟!

_ نعم هذه اعراض المرض فقط يبدو أنه يزداد داخلي حتى كدت انفجر .

ومن بعد تلك الكلمات والتي أخذها الحارس بمعنى حرفي تمامًا تحرك ليقف في نهاية الصف حتى إذا انفجر نزار لا يطوله أي سوء .

بينما الأخير نظر نظرة قاتلة صوب زبير وهو يلحق بتوبة التي خرجت من المكان بسرعة ليبدأ الرجال في مناقشة أمور الجيش، وبمجرد خروجها أُغلقت الابواب واخيرًا على الرجال .

أما عنها فشكرت العاملات بلطف :

_ اشكركن، رجاءً اذهبن صوب المطبخ وسألحق بكن لفحص الأعمال اليومية.

ابتسمت لها العاملات وتحركن بهدوء في طريقهن .

وبمجرد أن اختفى الجميع عن انتظارها حتى سارت في الممرات صوب الحدائق الخاصة بسبز تود أن تستنشق عبير الزهور والذي يذكرها بطفولتها .

وعلى ذكر طفولتها اتسعت بسمتها وهي تتذكر زيارة الملك آزار لهم يومًا يصطحب معه ولده العزيز نزار والذي ما إن أبصرها تقف بين الزهور حتى هرول لها، يقف بعيدًا عنها خطوات يهندم هيئته، ثم ضم كفيه خلف ظهره في تقليد لوالده وتوقف على بعد خطوات منها وهي تلعب بالزهور يهتف بصوت حاول إخراجه خشنًا قويًا :

_ سمو الأميرة مرحبًا ..

استدارت توبة صوب نزار وهي تحمل الكثير من الزهور بين أحضانها تهتف ببسمة واسعة :

_ نزار مرحبًا بك، هل جئت مع العم آزار ؟!

نظر نزار حوله نظرات حاول جعلها غامضة قوية :

_ أوه نعم، جئنا للتو وقد أخبرني أبي أن آخذ جولة في المكان حتى ينتهي من الحديث مع والدك و.....

صمت يحدق بها وهو يبصر خصلاتها التي تلتمع أسفل الشمس قبل أن تتسع عيونه يهتف بانبهار :

_ شعرك يلمع ؟ هذا جميل أريد أن يكون لدي مثل شعرك و...

صمت ثواني يفكر في الأمر وكأنه استوعب واخيرًا :

_ أوه لا اعتقد أن هذه الخصلات تليق بالرجال .

نظرت توبة الصغيرة صوب خصلاتها بعدم فهم ليقاطع نزار تأملاتها وقد وصل أخيرًا لحل يمكنه من امتلاك خصلات مثل تلك :

_ ربما أحصل على شقيقة بمثل خصلاتك أو ربما حينما أكبر اتزوج امرأة تمتلك خصلاتك اللامعة تلك، ما رأيك تتزوجيني أنتِ ؟!

اشتعلت وجنة توبة في الواقع بعيدًا عن كل تلك الذكريات وهي لا تدري كيف تذكرت هذه الذكرى والتي لم تخطر يومًا على عقلها، ربما اختلطت رؤية الحدائق بأفكارها الأخيرة هذه الأيام فانتجت لها ذكرى قديمة كادت تندثر بين صناديق عقلها المخزنة .

ودون إرادتها تمنت لو أنه فعل، لو أنه قديمًا جاءها يطالب بها، لكن هل كانت ستقبل حينها ؟؟ كانت ستقبل برجلٍ وهي من كانت مفتونة بغيره؟؟ وهو كان يحب زوجته ؟؟ 

ربما لو جاءها سابقًا لرفضت، ولكل شيء أوانه ....

_ سمو الأميرة مرحبًا .

نفس الجملة خرجت من عقلها، لكن هذه المرة كانت خشونة الصوت ليست تظاهرًا، بل كانت حقيقية نابعة من رجل يقف خلفها وهذا الرجل لم يكن سواه ...

استدارت ببطء صوبه وهي تنظر له من خلف الغطاء تنظر له مطولًا دون أي ردة فعل بينما هو اقترب منها وتوقف على بعد مناسب ينظر لها ثواني ثم قال بهدوء :

_  مرحبًا .

وفقط صمتت وهو صمت لا يعلم ما يجب قوله، فهو لم يتحضر لهذه الوقفة كان كل غرضه هو فقط اللحاق بها والتأكد أن أيًا من الكائنات الذكورية ذوي اللحى لا يحومون حولها، لكن رؤيتها بتلك الصورة بين الزهور جعلته يخرج عن هدوئه ويتحرك صوبها وينطق بما نطق ومن ثم لا شيء، هو لم يتحضر لشيء حتى ..

نظر حوله وكأنه يبحث عن كلماته بين الحقول، بينما هي تقف تتابعه بهدوء وصبر قبل أن ينفذ وتتحدث بصوت بدت به بعض السخرية :

- إذن ؟؟ هل لي أن اساعدك ؟!

نظر لها ثواني قبل أن يهتف دون تفكير وباندفاع غريب على مثل شخصه والذي كان يتأنى في الحديث حتى عن أتفه الأمور، الآن يندفع كما الثور حينما يتعلق الأمر بها :

- نعم أسدي لي معروفًا لو سمحتي وتوقفي عن الحديث مع الرجال ......

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كان يجلس على أحد المقاعد في الحديقة وهو يضم له موزي يراقب السماء ويدعو الله أن يعيد له أخته بخير حال، وكل ما يدور في عقله أن الحياة تعيد نفسها .

_ ها نحن مجددًا يا صاح نجلس على قارعة الطريق ننتظر عودة اميرتنا، وهذه المرة نراقب بعجز كامل في مكان لا ندري عنه شيئًا .

ضم له موزي بحزن شديد وهو يشعر بالوجع لأجل شقيقته يكبت دموعه :

_ ألن تجد سلمى سلواها يومًا، لقد ظننت أنها سترتاح حينما تأتي هنا، لكن يبدو أن مصيرها الوجع، تلك المسكينة .

ختم حديثه يضم موزي أكثر وأكثر وهو يكبت دموعه بصعوبة، ولم يكد يفضي بباقي شكواه حتى شعر بضربة موزي في معدته مما جعله يبتعد بسرعة مفلتًا إياه صارخًا بصوت مرتفع حانقًا مما فعل ذلك القرد، وانتقل بسرعة مرعبة من الشجن والحزن إلى حالة من النقم والغضب :

_ أيها الاجرب اللعين، حتى أنت يا أجرب تضربني ؟؟ أولم أكن أنا من يمنحك الفاكهة من خلف ظهر سول كل يوم لتضرب بها الجيران في الطرقات؟! أوف منك ومن غدرك.

ختم حديثه ولم يكد يكمل صرخاته حتى ضربه موزي على رأسه بموزة كان يحملها، ثم أصدر صوتًا منزعجًا وقد كاد خالد يخنقه من شدة ضمه، يركض بين الطرقات مبتعدًا عن خالد الذي صرخ بجنون :

- تبًا لك يا أجرب اقسم أنني إن أبصرتك يومًا سوف انتف لك شعيراتك القذرة تلك .

ختم حديثه يتنفس بصوت مرتفع وصدره يعلو ويهبط، يمسح خصلات شعره وهو يحاول تهدئه نفسه ينطق بكلمات لاتينية غير مفهومة لمن يسمعها :

- أهدأ لود لن تفسد مزاجك الفاسد بالفعل لأجل قرد اجرب، يكفيك ما تمر به الآن لتشغل عقلك الجميل بمثل هذا الاجرب .

_ هل تحاول إلقاء تعويذة أو ما شابه ؟؟

انتفض جسد خالد على ذلك الصوت واستدار ببطء صوب صاحبته والتي لم تكن سوى تلك الساحرة صاحبة الملامح المنقبضة.

نظر لها ثواني وابتسم باغراء وقد ظن أنه جذبها بلغته المختلفة، لكن فجأة انكمشت بسمته يهتف بضيق حينما تذكر ما فعلت به آخر مرة :

- هذه أنتِ أيتها الساحرة الشريرة؟؟ 

نظرت له ديلارا من أعلى لاسفل، ثم ابتسمت بسخرية من خلف لثامها تتحرك تاركة إياه يقف مكانه لا يفهم ما حدث منذ ثواني فقط ألقت له بكلمات قليلة ورحلت ببساطة .

نظر لاثرها بغيظ شديد يهتف :

_ تلك الساحرة .

توقفت ديلارا فجأة واستدارت له فعلم أنها سمعته، فعاد للخلف خطوة تحسبًا لرفع كفها في وجهه مجددًا، لكنها فقط نظرت له بسخرية مشيرًا صوبه :

_ انضج قليلًا وتصرف كما الرجال .

ختمت كلماتها تتحرك بعيدًا عنه صوب المشفى وهي تحمل سبتًا من القش ويبدو أنها جاءت بالطعام لشقيقها، بينما هو راقبها بتشنج واضح حتى اختفت عن عيونه ومن ثم تحدث بحرية :

_ اتصرف كما الرجال ؟!

أطلق صوتًا ساخرًا يكمل بحنق :

_ معذورة لم تبصري من هو لود الحقيقي ورأيتي مني فقط لود متواضع لا يشبه بأي شكل من الأشكال حقيقتي .

- هل جننت يا بني تتحدث مع نفسك ؟؟

انتفض جسد خالد ينظر صوب والده الذي اقترب منه وهو ينظر له بعدم فهم، بينما خالد نظر صوب الجهة التي صارت بها ديلارا :

- لا يا أبي، بل مع الساحرات ...

ــــــــــــــــــــــــــــــ

انتهى من عمله واطمئن على الملك ومن ثم هرول صوب جناحه وهو يتنفس بصوت مرتفع يحاول أن يهدأ يدعو الله أن تكون قد استيقظت من غفوتها والتي لا يعلم كيف سُحبت لها في مثل تلك الحالة التي كانوا عليها وبين كل تلك الضوضاء التي كانت تحيطهم .

تنفس بصوت مرتفع وهو يضع يده على مقبض الباب يشجع نفسه بكلمات قليلة، ومن ثم واخيرًا فتح باب غرفته ببطء شديد مخافة أن يتسبب في إزعاجها إن كانت ما تزال نائمة .

لكن لم يكد يخطو خطوة واحدة داخل الغرفة حتى شعر بسكين يوضع على رقبته، الصدمة الجمته واتسعت عيونه بعدم فهم وكأنه يحاول إدراك ما يحدث .

فتح فمه للحديث أكثر من مرة، لكن فشل في ذلك وفي النهاية استسلم يستدير برأسه صوبها ينظر بتعجب لما تفعل.

زوجته والتي ظنها ميتة تقف الآن أمامه تحمل سكينًا تحاول نحره، تنظر له بشر سرعان ما اختفى حينما أبصرت ملامحه مجددًا .

تهمس بانشداه وشحوب غزا وجهها :

_ أنت لست ... أنت لست حلمًا، أنت.... أنا استطيع ...لمسك و....

فجأة عند هذه الحقيقة انتفضت للخلف بقوة مسقطة السكين ارضًا ترتجف بصدمة وهي تهمس بشفاة مرتجفة :

_ ز...زيان ؟؟ زيان هذا .... أنت كنت ...لقد ....القبر هناك .... أنت أمام عيوني قُتلت و....لقد ....

فجأة توقفت عن الحديث وهي تضع يدها على فمها بصدمة تتراجع للخلف أكثر وقد بدأ جسدها يرتعش وهي تبتهل أن يكون ما ظلت تدعو به ليالٍ حلم، لا يمكن أن تكون ما تبصره  الآن حقيقة، تتمنى وللأسف أن يكون حلمًا ورديًا .

أما عن زيان فلم يبصر كل ذلك القهر الذي على عيونها يحاول أن يتجاوز صدمته لأجلها فقط يبتسم بسمة صغيرة خرجت بصعوبة من بين ملامحه التي ما تزال تحتفظ بصدمتها .

_ هذا ...هذا أنا زيان نازين، لا يعقل أنكِ نسيتني بهذه السرعة صحيح ؟! لا اعلم كيف لكنني حقيقة .... أنا هنا نازين وأنتِ كذلك و...

قاطعته نازين تهتف من بين دموعها بصوت متقطع وقد بدأت تهز بكلمات غير مفهومة :

_ ليتك لم تكن، ليتك لم تكن حقيقة زيان، ليتك لم تكن .

توقفت يد زيان في طريقها لها وتجمد جسده بالكامل وهو يشعر وكأن أحدهم أمسك صخرة والقاها فوق رأسه بقوة يتراجع للخلف بوجه شاحب لا يفهم ما قالته منذ ثواني :

_ مــ...ماذا تقصدين نازين أنا....لا ادري كيف لكن ... أنا.... أنا زيان نازين زوجك، أنا.....زوجك نازين .

أخذ يردد الكلمات وقد شعر للحظة أنه ربما أخطأ في المرأة وأن هذه ليست زوجته، ربما كانت امرأة أخرى تشبهها أو ...لكنها كانت تجلس باكية عند قبر صغاره وعرفته حين أبصرته .

أما عن نازين فقد كانت تحيا في هذه اللحظة جحيمًا، وكأنها لم تكن مستعدة لمواجهة نتائج دعائها، دعت الله يوميًا أن يكون كل ذلك حلم وأن تعود لها عائلتها، لكن ليس وهي ....راقصة وملوثة، ليس بعد كل هذا، ليس بعدما ظنت أنها خسرت كل شيء وتعاملت في حياتها أن لا شيء آخر تخسره الآن يعود .

عند تلك الفكرة انهارت ارضًا وهي تضم جسدها لصدرها تنزوي بنفسها في ركن الغرفة جوار الباب منهارة بشكل هستيري باكية بصوت مرتفع :

- لا ارجوك ... ليس بعد كل هذا زيان، ارجوك قل أن هذا حلم أرجوك زيان لا تفعل بي هذا .

نظر لها زيان برعب من انهيارها وقد ظن أنها تتحدث عنه وأنه تخلى عنها ليقترب منها بلهفة وهو يحاول رفع رأسها لتنظر له وتعلم أنه لم يتخلى عنها، لكن أفكار نازين كانت أبعد مما يظن هو .

_ لا لا نازين أنا لم ابتعد ولم اتخلى عنكِ اقسم بالله الواحد الأحد لم أفعل نازين لقد ....لقد كنت اموت كل يوم شوقًا لكِ، أقسم بالله أن دعوتي كل يوم كانت أن ألحق بكِ وبالصغار، لقد عانيت في بعدك والله يشهد، لقد ... أبصرت بقايا جسدك و....اخرجوا بقايا...

تهدجت كلماته وشعر بجسده ينتفض كلما تذكر البقايا التي خرجوا بها من أسفل الركام وقالوا أنها زوجته، فمن غيرها وأطفاله يسكن المنزل :

- حملت كفنك فوق اكتافي...ودفنتك....دفـ ...دفنتك بيديّ .

ختم حديثه بصوت ملئته غصات البكاء وغطته اصوات الشهقات التي خرجت، يرفع وجهها وهو يمسكه بين كفيه وهو ينظر لها بحب :

_ اقسم بالله أنني لم اتخلى عنكِ نازين أنا...

قاطعته وهي تبكي بقهر ووجع :

_ لكنني فعلت زيان، أنا فعلت ..

نظر لها زيان بصدمة كبيرة لا يفهم ما تقصد قبل أن تهتف هي من بين شهقاتها وبكامل الأسف والوجع الذي تحمله داخل صدرها :

_ لقد ...لقد تخليت أنا عن نفسي زيان، أصبحت... أصبحت مجرد امرأة ملوثة ... امرأة عـ

أوقفها زيان عن الحديث بفزع وهو يجذب جسدها لاحضانه بقوة مرتعشًا من تلك الكلمات يمنعها حتى من إكمالها :

_ لا لا لا أرجوكِ لا تفعلي، لا ...لا تقولي مثل هذا عن نفسك، نازين لا تفعلي لقد ....أنا اقسم أنني لم ...لم اتخلى عنكِ، أنتِ لستِ ...لستِ كما تقولين ما كان لكِ أن تكوني وأنتِ اطهر نساء الأرض حبيبتي .

انفجرت نازين أكثر وكأن زيان بكلماته تلك رش ملح على جروح لم تُشفى بعد، بل كان القيح يسكنها، انفجرت وهي تهتف من بين شهقاتها :

_ لم أعد زيان، لم أعد وقد شاركك الكثير من الرجال في رؤيتي دون ساتر و...

جذبها زيان له أكثر بقوة يضع رأسها في كتفه وكأنه يحاول كتمان كلماتها يهزي بصوت مرتفع :

_ لا لم يفعلوا ...لم يفعلوا نازين لم يفعلوا ارجوكِ لا تعاقبيني هكذا والله لم أكن أعلم بوجودك والله دفنتك بيدي لم أكن أعلم نازين .

كان يهزي بكلمات كثيرة لا يعي منها شيء ولا تدركها هي، كل ما تدركه نازين في هذه اللحظة أنها عادت لزوجها لكن بعد فوات الأوان، عادت ملوثة لا تليق لأن تكون زوجة له، ليس بعد كل هذا .

لكن حالة زيان في هذه اللحظة والذي كان أشبه بمن فقد عقله، جعلها تصمت وهي تراه يشدد على احتضانها رافضًا أن يسمح لها بالتنفس بعيدًا عنه :

- لن ترحلي مجددًا، أرجوكِ لا تفعلي، لا أصدق كيف وجدتك، الله كان أرحم بي من نفسي وأعادك لي، لا يهمني أين كنتِ وماذا فعلتِ، لا يهمني شيء، والله لا يهمني سواكِ، لا يهمني كيف ومتى ولماذا، فقط أنتِ هنا بيت أحضاني هذا ما يهمني .

بكت نازين بقوة وهي تضمه لها تهتف بكلمات غير مفهومة له، وهو فقط يضمها يحاول أن يستوعب حقيقة وجودها بين أحضانه واخيرًا ومازال يهزي بنفس كلماته السابقة :

- لا يهمني سواكِ نازين، لا يهمني .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تجلس في الغرفة وحدها وهي تحدق في الظلام أمامها بهدوء شديد، تجلس تحاول أن تدرك ما يحدث حولها، جميع النساء أُخذن من الغرفة دون أي مقاومة من طرفهم أو حتى طرفها، وكيف تقاوم وهي كانت مكبلة بأيديهم بشكل مزري .

سقطت مقاومتها وسقطت قوتها، لكن رغم ذلك لم تهتم وهي تنظر لأصلان بتوعد مرعب وقد كانت عيونها تتلو عليه عهود نهايته .

سقطت دموعها تدفن رأسها بين قدميها بقوة تحاول أبعاد أصوات الصرخات في الخارج عن أذنها، تشعر بالعجز عن المساعدة وقد سُجنت في تلك الغرفة وحاولت الخروج مرات ومرات حتى يأست .

ارتفعت أصوات البكاء في الخارج وصرخات أم مقهورة وهي تندب وتبكي ابنتها التي سلبت من بين أحضانها لأحضان رجال بعمر والدها.

فجأة انتفض جسدها وقد شعرت أنها لا تستطيع الصمت أكثر تتحرك صوب الباب تطرقه بقوة صارخة :

_ هيييييه أنتم اخرجوني من هنا، دعوا الصغار وشأنهم، فقط اخرجوني، ستندمون، اقسم أنكم ستندمون، سوف أخبر أرسلان بكل ما فعلتموه معي وهو لن يرحمكم، والله لن يفعل .

كانت تصرخ بقهر وهي تتمسك بآخر خيوط الأمل والضحكات في الخارج تصل لاذنها مستهينة مما جعل دموعها تسقط تعي تضرب الباب بغضب، قبل أن تتحرك بسرعة صوب أحد المقاعد تحمله متقدمة للباب تضرب حتة كادت تحطمه وهي تصرخ :

_ اخرجــــــوني لعنة الله عليكم اخروجني من هنا.

بدأت ضرباتها تزداد أكثر وأكثر حتى بدأ الجميع في الخارج يرتاب وقد بدأ الباب يهتز على وشك التحطم، تراجع أحد الحراس للخلف بريبة وقد أبصر بعيونه ما هي قادرة على فعله .

_ ليتحرك أحدكم ويخبر القائد بما تفعله، المرأة جُنت .

فجأة هدأ صوت التحطيم وقد بدأ بعضهم يبتلع ريقه يتنفس الصعداء :

_ لقد ...لقد ...استسلمت واخيرًا و ..

قبل إكمال جملته وجد المقعد المعدني يطير من النافذة بعدما تحطمت لاشلاء، ثواني من الهدوء المريب وهم يحدقون بالزجاج المتناثر بصدمة كبيرة، وفجأة أبصروا جسدها يخرج من النافذة ترفع أطراف فستانها وفي ثواني كانت تهرول، تركض بشكل مرعب جعل الرجال يتصنمون لثواني دون قدرة على استيعاب ما حدث .

ثواني حتى انطلقت صرخة أحدهم يضرب أجهزة الإنذار لديهم جميعًا وهو يهرول خلفها صارخًا :

- أمسكوا بها، أمسكوا المرأة.

أما عن سلمى كانت ترفع فستانها وهي تركض بشكل مخيف، تركض وتركض وهي لا تبصر أمامها أحد لا تبصر سوى أمل خافت للهروب من المكان وإحضار المساعدة لأجل النساء، تركض وتركض حتى كادت أنفاسها تتوقف والإصرار يعلو وجهها، والشر بدأ يسيطر عليها .

ركضت وركضت حتى شعرت أن أقدامها أصابها الخدر فلم تعد تشعر بها .

وحينما وجدت نفسها وصلت لحائط سد توقفت مرتعبة وهي تتنفس بسرعة تنظر حولها تبحث عن شيء تدافع به عن نفسها، وفجأة وجدت يد تجذبها بسرعة لأحد الابواب الجانبية ويد تكتم صرختها وصوت امرأة تهمس لها :

_ اهدأي، ارجوكِ لا تصرخي أنا هنا لأساعدك ...

كبتت سلمى أنفاسها بصعوبة وهي تسمع صوت الخطوات حولها وأصوات الصرخات والسبات التي تخرج من الرجال حولها، وبعد دقائق سحبتها المرأة بسرعة صوب إحدى الغرف تلقي لها بفستان خاص بها :

_ ارتديه بسرعة .

نظرت سلمى للفستان بين يديها بقلق لتهتف الأخرى:

_ ألا تريدين الخروج من هنا ؟؟ سأساعدك، لكن عديني أن تعودي لأجلنا، أنتِ أملنا الأخير في النجاة من هذا الجحيم، سنساعدك فلا تتخلي عنا جلالة الملكة .

نظرت لها سلمى بعدم فهم وهي تنظر للملابس بين يديها لتبصر امرأة أخرى تخرج من الغرفة تقف جوار المرأة الاولى تهتف بصوت منخفض وهي تنظر لها بوجع وأمل :

_ ارتدي الفستان الخاص باختي، سنخرجك اليوم من هنا، فقط عودي لأجلنا ارجوكِ .....

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ ماذا ؟! 

نطقت الكلمة دون فهم لما يتحدث بشأنه، بينما نزار توتر مما نطق منذ ثواني وكأنه لم يستوعب بعد ما فعل، لذا اختار أفضل وسيلة للتهرب من حمقه ( ادعاء حمق أكبر ) .

رفع حاجبه وهو يردد بعظم فهم مصطنع :

_ ماذا ؟؟ 

- ماذا أنت ؟! ما الذي قصدته بحديثك السابق ؟!

_ أي حديث سابق وضحي ؟؟

ازداد حنقها وهي تنظر له بغيظ ولم تكد تتحدث بكلمة تخبره ما تقصد، حتى سبقها هو يتحدث بهدوء وهو ينظر حوله :

_ جميلة هذه الحديقة، تجعلني اشعر بالاسترخاء، هل هذه زهرة الاوركيدا؟

استدارت توبة نصف استدارة وهي تنظر خلفها، ثم عادت بنظراتها له تبتسم بسخرية بسمة لم يبصرها وهي ترفع حاجبها :

_ لا يعقل أنك لم تفرق بين زهرة دوار الشمس والاوركيد ؟! كيف بالله تختص بصنع السموم والمصل وأنت لا تميز بين النباتات .

_ هذه زهور وليست نباتات .

_ ولا تستطيع التفريق بينهم ؟!

ابتسم بسمة صغيرة وقد وجد ردًا مناسبًا لولا أنه لا يجوز نطق ما يدور بخلده لكان ابهرها برده وهو يلقي في وجهها ردًا سيلجمها المتبقي من عمرها ( لا اعرف من الزهور عدا زهرة واحدة فقط ) .

ويبدو أن رده كان واضحًا في عيونه إذ أبعدت توبة عيونها عنه تتحرك خارج الحديقة بأكملها وهي تهتف :

_ حسنًا اسمح لي بالأستئذان فلدي الكثير من الأعمال لانتهي منها سمو الأمير.

شعر نزار برغبة عارمة في إيقافها وقت أطول، لكن بأي حجة وهو يفقد قدرته على النطق والتفكير بشكل صحيح أمامها، لكن وقبل أن تبتعد وجد نفسه يقول بسرعة كبيرة :

_ صحيح هناك بعض الأعشاب التي أحتاج لها لأجل علاج جلالة الملك .

توقفت هي ونظرت له ثواني قبل أن تهز رأسها بحسنًا :

- لا بأس أي شيء تحتاجه أخبرني به رجاءً وسوف ارسل لإحضاره و.....

فجأة توقفت عن الحديث حينما سمعت صوت المنادي يعلو في الإرجاء وهو يهتف بجملة جعلتها تعقد حاجبيها بعدم فهم :

_ جلالة الملك أرسلان ملك مشكى يدخل للقصر .

رددت توبة دون إرادة وبتعجب شديد :

_ أرسلان هنا ؟؟ 

نظر لها نزار بضيق من نزعها الألقاب ولم يكد يعترض على ما قالت حتى أبصر إحدى العاملات تتحرك صوبهم مخفضة رأسها وهي تردد بجدية :

_ سمو الأميرة وصل الملك أرسلان ويرغب في رؤيتك لأمر هام .

ابتسمت توبة بعدم تصديق :

_ طلب رؤيتي؟ للتو أعلن الحارس عن وجوده، هو حتى لم يكد يهبط عن حصانه ليطلب رؤيتي بهذه السرعة، ماذا يحدث هنا ؟! 

اخفضت العاملة رأسها ولم تتحدث بكلمة أو تخبرها أن الملك أرسلان الآن كان أشبه بقنبلة تسير بين الجميع وبملامح مرعبة جعلتها تهرول حينما أخبرها أن تستدعي الأميرة لأجل حوار هام .

نظرت توبة خلفها لنزار الذي رفع حاجبه بعدم فهم، لتنظر مجددًا صوب العاملة :

_ حسنًا أخبريه أنني آتية و...

_ لا يمكنني .

نظرت لها توبة مبتسمة بعدم فهم :

_ عفوًا لا افهم ما تقصدينه بلا يمكنك ؟!

_ لقد ....لقد أمرني الملك ألا أعود سواكِ، ارجوكِ .

ختمت جملتها بتوسل، ثم أكملت بصوت منخفض :

_ هو مخيف للغاية والآن هو ...يبدو غاضبًا بشكل جنوني .

اتسعت أعين توبة واشتعل صدرها بالضيق وهي تتحدث بعدم فهم :

_ أخبرتك أنني سألحق بكِ، هل ستسير أوامر أرسلان عليّ في مملكتي ؟! 

ختمت حديثها تبصر خوف العاملة لتتحرك صوبها وهي تشير لها متقدمة المسير :

_ الحقي بي لنرى ما يريده .

وحينما ختمت جملتها تحركت خلفها العاملة مهرولة وهي تبتلع ريقها، بينما توبة تسير مرفوعة الرأس متحفزة لما يريد أرسلان والذي لا يتحمل تأخيرًا .

تحرك خلفها نزار بسرعة كبيرة بشكل متواري كي لا يُكشف .
يراقبها تتحرك بين الممرات وفي المقابل أبصر جسد أرسلان يتحرك صوبها بقوة وكأنه يتقدم جيشه في حربٍ ضروس .

وحينما التقيا في منتصف الممر ابتسم أرسلان بسمة ميتة وهو يهتف بصوت حاول إخراجه هادئًا :

_ اعتذر عن المجيء دون رسالة مسبقة أو احضارك بهذا الشكل العاجل، لكنني احتاج مساعدتك سمو الأميرة. 

نظرت له توبة بعدم فهم :

- مساعدتي أنا!! في ماذا ؟!

نظر أرسلان حوله قبل أن يهتف بهدوء شديد وقد كان صوته يصل لنزار الذي يختفي بجسده في أحد الممرات القريبة منهما :

_ الجحر، أين هو بالتحديد ؟

نظرت له بعدم فهم :

_ وكيف أعلم، أخبرتك كل ما أعرفه مولاي، أنا لا أتذكر المكان تحديدًا وإن كنت أفعل فلن اخفي عنك الأمر وأنا أكثر من يتطلع لحرقه .

- صدقيني سمو الأميرة الأمر لا يحتمل جهلك بتلك المعلومة، أخبريني أي شيء قد يوصلني له حتى ولو كانت به شجرة تختلف عن غيرها أي إشارة توصلني له .

كانت توبة تسمعه دون فهم وهي تبصر سالار يقترب منهم يقف خلف أرسلان، كل ذلك وهم ما يزالون يقفون في منتصف الممر .

_ لا افهم ما تريد، لكنني لا أدرك تحديدًا فقد كنت فاقدة للوعي أثناء خروجي ودخولي له و....

_ من أخرجك منه ؟؟ 

شحب وجه توبة فجأة وقد شكرت ربها أنها تخفي وجهها خلف غطاء الوجه، وأرسلان يبدو أنه جاء ليحصل على إجابه لن يرحل دونها .

بينما نزار اتسعت عيونه وقد شعر بالصدمة من سؤال أرسلان، أما عن أرسلان نفسه فقد كان يتعلق بكل قشة قد توصله لزوجته، يردد بجدية وهو يحدق فيها وجسده ينتفض بغضب غير موجه لها بقدر ما هو موجه لنفسه قيل الجميع :

_ لا يعقل أنك اغمضتي عيونك لتفتحيها وقد خرجتي من الجحر، هناك من ساعدك صحيح ؟؟ وهذا الشخص بالطبع يعرفك وتعرفينه، فلا ينبت الخير في مستنقعات السوء سمو الأميرة، هذا حتمًا شخصًا يعلمك تمام العلم وتفعلين أنتِ المثل .

كان سالار يتابع مايحدث بهدوء وهو يدرك أن أرسلان لن يصمت حتى يصل لها، وهو في الحقيقة يشجعه على فعل كل ما قد يوصله لزوجته .

أكمل أرسلان بصوت مذبوح :

_ اخبرتيني عن كم تعرضتي للسوء في ذلك المكان وما اصابك هناك، لذا ساعديني لأُجنب زوجتي المرور بمثل ما مررتي به، ساعديني لإخراجها قبل أن يتعرض لها أحدهم وقبل أن تُفلت شياطيني من عقالها .

اتسعت عيون توبة بصدمة وهي تهمس بعدم تصديق :

_ زوجتك ؟!

لكن أرسلان لم يهتم ولم يسمع ما قالت يهتف بجدية وقوة مصرًا على استخراج الإجابة التي يطمح لها :

_ السؤال الآن من هو الشخص الذي أخرجك من الجحر سمو الأميرة ويعلم طريق الذهاب هناك ؟؟؟؟؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كان يجلس وهو ينظر أمامه دون كلمة واحدة فقط يراقب الطريق المؤدي لبوابة القصر بشرود واعين لا تعي شيئًا حوله عدا سواد الليل الذي ينافس سواد قلبه في هذه اللحظة وسكون الليل الذي يشبه سكون ضربات قلبه .

جواره يجلس خالد الذي كان شاردًا في البوابة كذلك وكأنه ينتظر أن تُفتح وتدخل منها شقيقته مبتسمة تسير بكل قوة كعادتها :

_ هل تعتقد أنها ستكون بخير ؟؟ 

وكان خالد يتحدث عن سلمى وقلبه يبكي خوفًا، لكن يبدو أن كلًا يبكي ليلاه، إذ أجابه المعتصم وهو يشعر بالخوف يزداد داخل صدره وقد جن عليهم الليل ولم يصل بعد لزوجته 

_ ستكون إن شاء الله، عليها أن تكون بخير وإلا سأنتهي أنا.

نظر له خالد بعدم فهم :

_ تنتهي أنت ؟؟ ما الذي تقصده أنت ؟؟ ما علاقتك بأختي ؟!

لكن المعتصم لم يكن يدرك ما يقول خالد أو يهتم به حتى، بل فقط كان يجلس يشعر بجسده بأكمله وكأنه فقد كل ذرة طاقة أو رغبة في الحياة، يتساءل يتعجب كيف كان يحيا قبل فاطمة ؟؟ إن كان هذا ما يسببه غيابها فكيف عاش سنوات عمره قبلها ؟! أم أنه لم يكن يدرك سابقًا أنها تنقصه ؟!

دفن وجهه بين يديه وهو يحاول أن يتماسك، بدأ يشعر باليأس والرعب، فقط لو ترسل له أي إشارة أنها بخير، أي إشارة أنها بخير وسيتخلى عنها إن كان هذا ما تريده .

أبصر خالد صراعه الظاهر ليشعر بالشفقة فرفع كفه يربت على كتف المعتصم مرددًا بحزن :

_ لا تقلق ستعود هي قوية وقد مرت باسوء من هذا من قبل أنا اعلمها جيدًاء وصدقني إن كنت تحبها بهذا القدر سأقف معك لتكون لك أفضل من ذلك المتجبر، حتى وإن تضررت لأخرج شياطيني من قبورها .

يتحدث عن سلمى ظنًا أنها سبب أرق المعتصم، بينما الأخير فقط يجلس ينعي حياته وقلبه، يعيد كل كلماتها داخل عقله، صوتها ونبرتها وهي تناديه ( يالمعتصم ) يقسم أنه يكاد يسمع صوتها في أذنه الآن.

مسح وجهه وهو يقاوم رغبة عارمة في البكاء و...

فجأة توقفت يده عن التحرك على وجهه وهو ينظر أمامه بأعين واسعة مصدومة مما وصل له، يردد كلمات لم تصل لخالد الذي كان يردد كلمات لا علاقة لها بما يحدث :

_ لا أدري ما يحدث هنا، حتى زين مختفي، هذا المكان يصيبني بالاكتئاب أشعر أن الكوارث توزع مع الوجبات هنا ورغم حلاوة الطعام إلا أنني لا اريد أن....

وقبل أن يكمل كلماته انتفض يطلق صرخة مرتفعة بسبب اندفاع جسد المعتصم بشكل مرعب وهو يركض في المكان بشكل مخيف صوب حصانه يصعد على ظهره وقد شعر بقلبه يكاد يتوقف من اللهفة .

بينما خالد يضم يده التي كان يربت بها على كتف المعتصم، بريئة من انتفاضة الأخير، ولم يكد يتساءل عما يحدث حتى أبصر جسد المعتصم يختفي مع حصانه من أمامه .

ردد بلغته البرتغالية وهو ينفخ يضيق :

_ ليخرجني الله بعقلي من هنا .

انطلق المعتصم بحصانه صوب جهة وهو يدعو الله أن يصدق إحساسه ويجدها هناك، كيف لم يبحث عنها هناك ؟؟ كيف أهمل هذا المكان ؟؟

ظل ينغز حصانه بقوة حتى وصل واخيرًا لمكانه المنشود يهبط عن حصانه بسرعة كبيرة يتحرك صوب البوابة الحديدية يدفعها بيد مرتجفة وهو يهمس باسمها يتمنى أن تكون هنا وفي ذات الوقت لا يتمنى لها قضا كل ذلك الوقت  هنا .

دخل المكان بخطوات مترددة وقد كان الظلام مخيفًا يكاد لا يبصر يديه، يمر بجانب لافتة كبيرة مكتوب عليها بخط واضح ( المقابر الغربية ) .

تحرك بين المقابر وصوت فاطمة يرن داخل عقله، صورتها وهي تجلس معه مبتسمة بسمة صغيرة لطيفة تخبره بكل هدوء :

" لم أزر قبر أبي أو أحمد كثيرًا، هذا كان يحزن أمي لذلك لم أكن أذهب هناك، لا أنا أو هي، لقد ...كنت أشعر بهم معي طوال الوقت أراهم في كل مكان، لولا أمي لفقدت عقلي "

ابتلع ريقه يبحث عنها بين القبور وقلبه يكاد يتوقف من الرعب عليها، يتمنى ألا تكون اضطرت لعيش كل ذلك الوقت هنا وحدها بين القبور .

" ربما يومًا ما أذهب لزيارة قبورهم مع أمي، حينما تصبح بخير سأذهب، و.... أخبرك سرًا يا المعتصم، أحيان كثيرة كنت أذهب هناك اجلس مع أبي وأحمد دون علم أمي، كنت اشتاق لهم كثيرًا "

كان يبحث بعيونه عن القبور الخاصة بعائلتها، وقد كانت المقابر الغربية والتي تقع جوار الحي الذي كانت تقطن هي به كبيرة لا يدرك أين قد يجدها، نظر حوله وقد شعر بالعجز، يدور في مكانه يحاول إيجاد أي قبس نور قد يرشده لها وحينما شعر أنه لن يصل لها بهذه الطريقة ناداها بصوت مرتفع :

_ فـــــــــــــاطــــــــمة هل أنتِ هنا ؟؟ فاطمة ؟! 

لكن لم يصل له أي رد ليشعر بالرعب وهو يتحرك بين القبور وقد شعر أنه ربما بنى آمالٍ على أعمدة من التراب، أخذ ينظر حوله وهو يكاد يصاب بالجنون .

وفجأة من بين امواج اليأس الخاصة به وأصوات الغضب التي تدوي داخله، تسللت اصوات خافتة له، اصوات جعلت قلبه يكاد يتوقف وهو يسمع همسات غير مفهومة لم يصل له منها سوى همسة ( أمي) 

تحرك خلف الصوت بقدم مرتجفة يهمس بصوت أشد ارتجافًا :

_ فاطمة ؟؟؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    
تحركت بين طرقات الجحر وهي تخفي نصف ملامح وجهها باللثام الذي حصلت عليه من الفتاة، وجوارها تسير إحدى الشقيقتين واللواتي علمت أنهن من سكان مشكى تم أسرهن وقت نكبة مشكى الأخيرة بعدما قُتل جميع أفراد أسرتهما .

كانت الفتاة تسير بتوتر جوار سلمى وهي تتحرك معها ترشدهة صوب الحدود وقد بدأت ترتعش بخوف لولا يد سلمى التي امسكت خلصتها وهي تنظر لها بنظرة قوية تحاول أن تطمئنها .

- فقط اهدأي كي لا يظهر توترك لهم فيرتابوا، ارشديني للمخرج ودعي الباقي عليّ .

ابتلعت الفتاة ريقها وهي تهمس لها بصوت خائف:

_ فقط انتبهي فلم تحاول واحدة الخروج من هنا إلا وكان مصيرها الموت، فقط انتبهي أرجوكِ .

هزت سلمى رأسها وهي تحدق حولها في المكان وكأنها تحفظه كي تعود له، وحينما أصبحت على مشارف الجحر حتة سحبت الفتاة يدها من يد سلمى تنظر لها بأسف:

_ لا يمكنني الاكمال معكِ أكثر أنا آسفة، اقسم أنني لو استطعت لحاولت بنفسي قبلًا لكنني ...لدي طفل صغير أخشى تركه لهم إن حدث لي شيء .

ابتسمت لها سلمى وهي تربت على كتفها بحسرة وقهر كبتتهم بصعوبة وقد اشفقت على الفتاة والتي لم تكمل الثامنة عشر وقد كانت أم لطفل في الثانية من عمره .

_ وفقكِ الله يا اختي، سأدعو لكِ .

ابتسمت لها سلمى وهي تعانقها بحب ثم ودعتها بهدوء وهي تكمل طريقها وحدها، تاركة الفتاة وهي تلوح لها :

_ لا تقلقي سأعود لاجلك واخرجك من هنا أنتِ وشقيقتك وطفلك الصغير ياقوت.

ومن بعد تلك الكلمات تحركت بسرعة تستغل ظلام الليل وهي تتحرك صوب الثغرة التي أخبرتها إياها الفتاة تخبرها أنها لو كانت تمتلك الشجاعة لكانت حاولت بنفسها الخروج منها، لكنها أضعف من ذلك ولديها طفل صغير لا يمكنها تركه، لذا وحينما أبصرتها شعرت بالأمل ينتعش داخل قلبها .

أبصرت سلمى الحدود تلوح لها في الإرجاء لتزيد من الخطى صوبها وكما أخبرتها "ياقوت " كانت خالية من الحراس في ذلك الوقت .

ابتسمت بأمل وهي تركض صوب الحدود وقلبها زادت ضرباته وهي تأمل في حرية قريبة، واخيرًا وصلت لحدود الجحر ولم تكد تخطو خارجه حتى سمعت صوتًا خلفها يهتف بنبرة خشنة :

_ ظننتك أذكى من هذا جلالة الملكة، لا حراس لا خطر لا عائق أمامك، أوليس الأمر مريب بعض الشيء ؟؟ كثرة الأمان تثير الريبة تعلمي هذه النقطة جيدًا .

توقفت أقدام سلمى فجأة ولم تستدر صوب ذلك الصوت الذي تعلمه جيدًا، كان الأمر بهذه البساطة، هي لم تحاول حتى.

أما عن أصلان فابتسم يتحرك صوبها بخطوات مثيرة للرعب، يخرج سيفه يشهره أمامه وعيونه أظلمت بشكل مرعب، وقبل أن يصل لها انتفض جسد سلمى بشكل مرعب، تركض بشكل مخيف ليرفع أصلان يده يود الإمساك بها وكان كله ما امسكه هو حجابها لتخلعه هي بسرعة وهي ترفع أطراف الفستان تركض بجنون دون أن تستدير  خلفها حتى تركض وتركض في طرقات لا تعلم عنها شيئًا تبصر غابة أمامها وأشجار في كل مكان وهي تحرك يديها تبعد النباتات الكثيفة من أمامها، واصوات الصرخات حولها تعلو .

_ أمسكـــــوا بهـــا .

وسلمى تكمل ركضها وملامح الغضب تظهر على وجهها وهي ترفض التوقف فليس حياتها فقط ما يعتمد على ركضها، بل حياتها وحياة العديد من النساء، لم تنظر خلفها مرة واحدة تركض بسرعة كبيرة وقد بدأت أنفاسها تعلو وتعلو لا تدرك أين تذهب، تسير في طرقات تجهلها الأهم ألا تقودها لهم .

لكن ...ليس كل ما يتمناه يدركه .

فجأة وأثناء ركضها لم تشعر سلمى سوى بشيء يضرب جسدها مسقطًا إياها ارضًا وجسد يشرف عليها طاحنًا رأسها بغضب وجنون ارضًا، وقد رنت صرخاتها في المكان تفزع الطيور من أعشاشها ........

محاولتك قطف الزهرة، لن يقودك سوى للتعرض إلى اشواكها .


تعليقات