رواية ابتليت بحبها الجزء الثاني2 الفصل الثاني والثلاثون32 بقلم نجمه براقه

رواية ابتليت بحبها بقلم نجمه براقه 
رواية ابتليت بحبها الجزء الثاني2 الفصل الثاني والثلاثون32 بقلم نجمه براقه
خبطت على الباب بخفة، ولما سمعت صوتها تأذن، فتحت ودخلت.
كانت واقفة بتتسند على الحيطة، عرق خفيف بيلمع علي وشها، وتنهيدة مكتومة على شفايفها.
قربت منها بسرعة، مسكت إيدها، وساعدتها تقعد.

قالت بتعب، وملامحها بتتلوى من الألم:

– ابن الاية بيتشبح تشبيحة بنت كلب، هتجيب أجلي، اقل واجب مش ابوه صدام.

عينيا راحت تلقائي على بطنها المنتفخة، وقلت لها وأنا بحاول أطمنها:

– بيقولوا بيتعدل، انتِ الشهر الكام دلوقتي؟

– آخر السابع...

ابتسمت بهدوء، وقولت:

– هانت، ربنا يعديلك الباقي على خير. فكرتي تسميها إيه؟

هزت راسها وقالت:

– لسه محتارة...

ابتدى التعب يخف عنها شوية، وبصتلي بنظرة فيها حزن وكسرة وقالت:

– كنت بحلم سنين باليوم اللي أبقى حامل فيه وكان نفسي أحمل في بنوتة.
كنت بشوفها في خيالي، شعرها ناعم، وعيونها خُضر، شبه عيوني كدة، كنت بقول إن حظها هيكون أحسن من حظي وهتعيش اللي أنا معرفتش أعيشه، 

تابعت بخيبة 

_ بس أهو، اتأكدت إن حظها هيكون شبه حظي،
من قبل حتى ما اعرف شكلها هيطلع شبهي... ولا تطلع بومة، بوزها ناشف شبه كاميليا.

حاولت أخرجها من الحالة، فقلت:

– وماله حظها؟ صدام مهتم بيها من قبل ما تيجي.
بيدورلكم على شقة، وهيجيبلكم اللي تحتاجوه.
ولما تيجي بالسلامة، أكيد هيعمل المستحيل علشان تعيش في المستوى اللي نفسك فيه.
بس طلاقك منه كان ضروري مينفعش تزعلي بشكل ده.

دموعها نزلت بسرعة، ووشها اتملى بالحسرة:

– إنتِ فاكراني زعلانة علشان هيسيبني؟، يغور، الراجل آخر حاجة بتبكي عليها الست.
أنا زعلانة على عمري اللي راح، على أيام كتير ضاعت وأنا مستنية حاجة محصلتش، زعلانة إني هسيب المكان اللي اتعودت عليه، وإني هجيب بنتي تلاقي أمها مطلّقة...

قلت وانا بمسح علي درعها:

– فاهمة كل ده، بس أحمدي ربنا إنها عدت بالطلاق وربنا ستر علي الباقي

بصتلي بنظرة مكسورة، وقالت:

– لسه شايفة إني خُنتُه بردو...

سكت ف تابعت: 

_ انا مش شايفة نفسي انه خُنته ولو انه اقل حاجة اعملها فيه اني اخونه وأهينه ، بس لا مخنتهوش.
عيسى لما عرف إني رجعتله، اتجنن وهددني علشان أروحله شقته، ورحت، ولما حاول معايا تاني، دافعت عن نفسي ومرضتش .
مش علشان صدام، ولا علشان أنا محترمة،
بس علشان الفكرة نفسها مكنتش قابلاها مش عاوزه اكون مع اتنين ولا اعيش تعب اعصاب.

وحتى لما روحت لحسن، قلتله إني هتطلق،
ولو وافق، كنت عملتها فورًا.
أنا مكنتش بلعب...
كنت بدور على حد فيه اللي أنا بدور عليه في شريك حياتي، حسن كان غني، وبيحبني، لكن مكنش فارس أحلامي كان مايص ومش راجل يعتمد عليه ونحنوح.
ولما جه صدام...
كان هو بقى فارس الأحلام بكل تفاصيله،
شكله، طريقته، شياكته. 
كان غير حسن اللي كان بيخاف حتى يرفع عينه فيا، كان جبان... فضل شهور يبصلي من بعيد مش قادر ياخد خطوة،
ولما صدام اتجوزني علشان يكسره،
هو حتى ما اتكلمش، ماعملش أي حاجة ورضي بالامر الواقع.
وبعدين جه عيسى...
في وقت كنت محتاجة فيه اهتمام، كنت عاوزه احس اني ست بعد ما جوزك شككني في نفسي. عيسي كان بيحبني من وأنا صغيرة، بس عمره ما لقى طريق يدخلي منه، لحد ما الدنيا لعبت لعبتها،
ووصلي، ولسه بيحبني علي فكره، بس زي ما تقولي، مجروح.

قلت:

– هو خاين، وواطي، بس قدامك فرصة تجوّزيه.

ضحكت ضحكة باهتة، وقالت:

– لا، ماا خلاص، جوزك سد نفسي عن صنف الرجالة كلها...

بصّتلي، وابتسمت ابتسامة هادية، وقالت:

– عارفة؟

– إيه؟

– عمري ما قابلت حد زيك، يمكن لو عرفتك من زمان، حتى لو كنا ضراير، كان فرق معايا 
إنتي طيبة، وشكل صدام كان عنده حق لما حبك. 

قلت وانا ماسكة إيدها:

– وإنتي كمان مش وحشة، بس محتاجة تبصي جواكي، وتعرفي إنتي عايزة إيه بجد، وتقبلي إن مش كل حاجة نقدر ناخدها.

نزلت دموعها في صمت، وقالت:

– عندك حق. 
بس الحمد لله، زي ما قلتي، عدت على خير،
قدامي فرصة أعيد حساباتي، هشتغل على نفسي، وهعلم بنتي، وربنا يقدرني أربيها أحسن من اللي اتربيت عليه.

قالتها وبعدين فردت إيديها ليا، ابتسمت ابتسامة مصاحبة لدموع وحضنتها، وقلت:

– بإذن الله... هتكون زي ما بتحلمي، وهتقدري.

#صدام

تنقلت بين أوض الشقة، كل ركن كنت بصوره بالموبايل، علشان أوريه ليسرا تشوفه. ولما خلصت، رجعت للسمسار وصاحب الشقة وقلت:

– زي ما كنت عايزها بالظبط، كل حاجة فيها مريحة.

السمسار قال وهو مبتسم:

– الحمد لله إنها عجبتك يا باشا.

قال صاحب الشقة:

– زي ما شايف، كاملة مكملة، ناقصها الفرش بس.

قلت: 

–  مش مشكلة، بعد ما نكتب العقد ييجي على طول.

– علي خيرة الله، مبروكة عليكم

– الله يبارك فيك، هكلم حد يجهزلنا الورق، وخلينا ننجز في الاجراءات 

بعد ما انتهيت منهم رجعت على البيت وأول ما وصلت، شفت حسن واقف قدام عربيته في الجنينة. 
شكله كان محتار يدخل ولا لا. ركنت، ونزلت وقلتله بنفس النبرة اللي متعود اكلمه بيها، رغم إني في اللحظة دي ماكنتش حاسس نحيته بأي حاجة:

– أبو علي هنا، مبتدخلش ليه؟

اتنهّد بحنق وصرف وشّه عني. قلت ببرود استفزازي وأنا بقفل العربية:

– أوكي، البيت بيتك، ادخل وقت ما تحب.

سيبته، ودخلت.
وجوه، لقيت نادية مرات عمي قاعدة، ورحمة جنبها، ساكتة ووشّها حزين وكأن مات لها عزيز. رميت السلام، ردّت نادية وبعدين قالت:

– رجعت بدري؟

– مفيش حاجة مهمة، حضرتك عاملة إيه؟

– نحمد ربنا... تعال اقعد.

قعدت من غير تردد. كان عندي فضول أعرف مال رحمة، ف قلت لها بلطف:

– عاملة إيه يا رحمة؟

كلمتي فكتها من حالة السكون اللي كانت فيها، بصتلي وقالت:

– الحمد لله.

– انتِ كويسة؟

هزت رأسها بس، وملامحها كانت ساكنة، فـ قالت نادية:

– ولا كويسة ولا ردت عليا من الصبح... بسألها مالك، ولا كأني بكلمها.

تخيلت اني ممكن اقدر افهم مالها ف قلت

– طيب ممكن كباية قهوة من إيدك يا مرات عمي؟

اتنهّدت، وبعدين قالت وهي بتقوم:

– من عيني يا حبيبي، حاضر، ربنا يهديكي يا رحمة.

سابتنا، وأنا رجعت ببصري لرحمة وسكت شوية. لحظتني، وقالت:

– بتبصلي كده ليه؟

– آسف لو دايقتك، بس كنت حابب نتكلم شوية.

– ونتكلم في إيه؟

– أي حاجة... لو حابة، نكون صحاب أو حتى اعتبريني أخوكي الكبير.

سكتت، فـ كملت:

– بقول يعني لو وافقتي، هتكسبِي أخ كبير يسمعك، ويحاول يحللك أي مشكلة مضايقاكي.

بصتلي بتوجس وريبة. فهمت إني ماعرفتش أقدم العرض بشكل يطمنها ويكسبني ثقتها . فقلت:

– من يوم ما جيتي وانتي لوحدك. حبيت انك تخرجي، تتعاملي معانا، تحسي إنك وسط أهلك.

قالت بصوت حزين:

– أنا أهلي ماتوا... وانتو ناس غرب، معرفكوش.

– الله يرحمهم، محدش يعوّض غالي، بس ساعات الصحبة بتعمل فرق... يمكن لو جربتي تتفاعلي معانا، تلاقي حد يهتم بيكي زيهم.

– مش عايزة حاجـ...

سكتت لما سمعت صوت حسن. عينيها كانت جامدة، فيها غضب واضح، وقامت. ما فهمتش سر النظرة دي، بس أكيد مافكرتش في حاجة وقتها. بس أول ما رحمة دخلت أوضتها، حسن اتحرك ناحيتي. وقف قصادي، بصلي بنظرة كلها غضب.
لبست ثوب هدوئي، متعمد أستفزه، رغم إني مش فاهم هو بيبص كده ليه. قلت:

– البيت نور يا أبو علي، اتفضل اقعد.

– هقعد، ماهو بيت خالي. بس انت كنت بتتكلم مع مراته ليه؟ حاطط عينك عليها هي كمان؟

نبرته واللي بيلمح ليه خلي دمي يغلي في عروقي، بس مسكت نفسي، وقلت:

– شكلك شارب حاجة، أو عمتي جيهان زودتلك العيار حبتين ف دماغك هبت منك، اطلع احسن لنا احنا الاتنين 

وقف قدامي، منعني أعدّي، وقال بتحذير:

– إوعى عقلك يقولك إنك تقدر توصللها هي كمان عمّك المرة دي مش هيسكت... والرد هيبقى دمك.

قلتله باندهاش مصطنع:

– الله! ده انت بتحبه وخايف عليه مني اهو ، ولا يكون لسه قلبك مليان من نحيتي من ساعة ما يسرا سابتك واختارتني.. 

قابلت الغضب في عنيه ببرود وقلت:

– اه نمر جريح وكدة،  طيب عديني هروح اطمن علي مراتي وانت اشرب القهوه اللي هتجيبها مرات عمي وانت تخف

ربت علي كتفه ف دفع ايدي عنه،  ابتسمت قاصد اثارت غيظه اكتر ومشيت ناحيه السلم، وقبل ما أطلع، شفت فيروز واقفة فوق، بتتابع اللي حصل. طلعت عندها، وقفت قدامها، وقلت:

– بتعملي إيه هنا؟

قالت بجمود:

– دخلت أطّمن على يسرا. مالك انت وحسن؟

– متشغليش بالك.

– يعني إيه "متشغليش بالك"؟ انتو كنتوا هتمسكوا في بعض!

قالتها بعصبية ف قلت: 

– في إيه؟ مالك بتكلميني كده؟

– وعايزني أكلمك إزاي لما ألاقيك مهتم برحمة، لدرجة إن حسن خد باله؟

– مهتم بيها؟!!  في إيه يا فيروز؟ هتجنني زيه ولا إيه؟

– لا، مش هتجنن انا لسة بعقلي، بس اللي بيحصل ده ميصحش.

– إيه هو اللي ميصحش؟ فاهمة انتي بتتكلمي في إيه؟

دارت وشها عني، فقلت:

– أوكي... انزلي تحت، هخلّص وأنزلك نكمّل كلام.

سيبتها، وطلعت على أوضة يسرا. خبّطت، ودخلت فورًا. كانت متمددة على السرير، في عينيها أثر دموع. أول ما شافتني، حاولت تقوم، منعتها بلُطف، وقلت:

– خليكي... أنا ماشي على طول.

سكتت. فتحت تليفوني وقلت:

– لقيت الشقة، شقة دوبلكس بدورين، وفيها جنينة، والفيو هيعجبك... اهو، بصي الفيديو، صورت كل حاجة، ناقص العفش بس وبعدها تقدري تقعدي فيها. 

بعدت إيدي، وقالت:

– من غير ما أشوف... كويسة.

قالتها بكسرة وحزن. 
ولكن ماحبيتش أرجع لنفس الكلام وكأنها بقت غريبة عني خلاص. وقلت وأنا بقوم:

– أوكي... أول ما تجهز، هبلّغك. جهّزي اللي هتاخديه، وهظبط موضوع الشغالة تيجي تقعد معاكي وتشوف طلباتك.

بصتلي، وقالت بسخرية:

– لا كتر خيرك، تاعب نفسك...

– ده حقك انتي والبنت. أي حاجة تحتاجيها، مهما كانت، ماتتردديش تقوليلي، ربنا يكتبلك اللي فيه الخير يا يسرا.

سيبتها، ومشيت من غير ما أستنى أي رد وروحت على أوضة فيروز علشان أفهم هي بتفكر في إيه!

#حسن

كنت بفكر أقول لخالي على اللي شوفته، يمكن يحذر منه ويجبره ميقربلهاش، بس خوفت ياخد باله من خوفي  عليها، ويفهم إني مهتم فاخترت أسكت.

قعدت مع تيتا لما رجعت من المطبخ ومعاها القهوة، فضلت مستني رحمة تخرج، يمكن أشوفها وأكلمها حتى بالنظر يمكن تفهمني وتشيل البلوك.

لكن قعدتي طالت، وتيتا مبطلتش كلام وسؤال عن أمي والسفر والشغل، لحد ما جه خالي وأنقذني منها.

قرب مني وقال: 

– انت هنا؟

قلت:

– آه، كنت متضايق، قلت أعدي أشوفكم.

– يا إسلام، وإحنا نطول حسن ييجي عندنا! هطلع أغير واجيلك ونشوف اية مضايقك

– اتفضل.

طلع وفي طريقه صادف كاميليا، ولما وصلت رمت علينا السلام وقالت: 

– حسن هنا! وانا اقول البيت منور لية

– إزيك يا مرات خالي؟

– بخير يا حبيبي. جيهان وسعد عاملين إيه؟

– بيسلموا عليكي.

– الله يسلمهم. أمال جيهان مجتش ليه؟ دي يسرا مبطلتش تسأل عنها.

صرفت نظراتي بعيد عنها، وقلت: – مشغولة مع بابا.

–والله سعد ده عامل عيل صغير ميقدرش يقعد من غيرها، قولها تيجي نتغدى سوا وتعالوا معاها .

– حاضر.

رجعت لسكوتي، وهما الاتنين فضلوا يتكلموا، وسيرة يسرا ماقطعتش، وكلام عن إنها تعبانة، وإن شكلها دبل، كأنهم قاصدين يوصلولي حاجة… مع إن يسرا مبقتش فارقة عندي. لكن  سيرتها خدت حيز من وركيزي، واتصدمت لما قالت كاميليا:

– صدام هيطلقها.

اتلفت ليها ف قالت :

– مالك يا حبيبي؟ عايز حاجة

هزيت راسي بنفي، وبصيت قدامي ف قالت موجهة كلامها لتيتة بنبرة خافتة: – شوفي حتى حسن اتفاجئ… قولتله بلاش، دي حامل، وهو أبداً، راسه وألف سيف، لا يطلقها وبيني وبينك… بيقول حاسس إنها مبتحبهوش، وإنها ميّالة لحد تاني.

استرقت ليهم نظرة سريعة، وبعدين قومت لما لقيت نفسي مش قادر مشغلش نفسي بكلامهم

قالت تيتا: 

– رايح فين؟

– مروح، كفاية كده.

قالت كاميليا:

– أنا سامعة ياسين بيقولك هينزل، اطلعله بلاش يزعل منك.

– حاضر.

طلعت، وبعد كام درجة، سمعتها بتنادي بصوت عالي شوية وبنبرة هزار مش في محلها: 

– أوضة خالك على اليمين، أوعى تحوج علي اوضة صدام يا حسن!

وقفت وبصتلها باستغراب، وقلت في سري: من إمتى بلخبط؟

وبعدين وجهت الكلام ليها بابتسامة باردة: 

– لسه بعقلي يا مرات خالي.

وأول ما خلصت الجملة، شوفت صدام جاي من الناحية التانية، وقف بيني وبينها، عينُه عليا، كأنّه مسكني متلبس.
وأنا؟ ولا فارق معايا.

بصتله  بتعالي، وكملت طريقي لفوق وكل خطوة حاسس فيها بنظرة صدام بتلحقني… 

#بسنت

كلّمتني هدي وطلبت مني أشيل البلوك عن ياسر علشان  عايز يكلمني،
فـ شيلته،
لإني كنت حاسة إن خلاص، بقى مسموح إني أكلمه.
وبالفعل، أول ما شيلت البلوك، بعتله وقلت:

– نعم.

ماعدّتش ثواني وجالي رده:

– ده إنتي بنت أبوكي قوي.

– وماله بابا إن شاء الله؟

– راجل عسل.

ابتسمت ف بعت وقال:

– ده كفاية إنه خلّفك... بس ازاي مصعبتش عليكي تسيبيني كده من غير ما تكلمينيي وتقولّيلي وافق ولا رفض؟

– هو موافق مبدئياً، بس إحنا دلوقتي عندنا شوية ظروف تخلص وهيرد عليك.

– خير يا رب، ظروف إيه دي؟

– حاجات عائلية، متشغلش بالك.

–  محتاجين فلوس؟

– الحمدلله مستورة، متشكرين.

– مش بجامل، بجد لو محتاجين أنا جاهز.

– اكيد، بس مش مسألة فلوس

– المهم يكون خير.

– خير.

– طيب، إنتي عاملة إيه؟

– أنا تمام، وإنت؟

– حلو، مش ناقصني غير أسمع رد أبوكي.

رديت بابتسامة 

– هيرد قريب إن شاء الله.

– طيب طمنيني عنك، الدنيا عاملة إيه معاكي؟ وقررتي إيه في موضوع الشغل؟

– لسه، بفكر أأجله شوية، مش حاسة إني جاهزة.

– ليه؟ لا تكوني لسه خايفة؟

– مش خوف بالمعنى، بس الأيام دي بقت لبش.

– لبش ومليانة ذئاب بشرية. اسمعي مني، اتعزّزي في بيتك،
ولما نشحت اطلعي اشتغلي.

– هههههه موافقة.

– موافقة على إيه؟

– أتعزز في بيتي، ولما نشحت أشتغل.
نخلي الشهادة لو اتطلقت.

– أيوه كده! ينصر دينك،
عارفة؟ إنتي مثال للست اللي تعمر في بيوت.

– آه، وانتو كده، الست ما تبقاش بتعمر غير لو جت على مزاجكم وعلي حسب مقايسكم 
بقولك إيه، اخفا أنا خلاص هشتغل.
افرض طلقتني، أجيب منين صحة أدور على شغل؟

ضحك، ولسه بكتبله ،
سمعت صوت بابا بيفتح باب الشقة.

قفلت بسرعة وخرجت لقيته داخل بهدوء،  ساكت ومش عايز يتكلم مع حد ولا رد عليا لما سألته عن صحته وكمل طريقه على أوضته.

دخلت وراه، وقفت على الباب، وقلت:

– على فكرة يا بابا، رقيه كلمتني، وبتقول إنها عملت بلوك لسامح.

بصلي، بس ما ردش.
كان باين عليه إنه بيسمع،
بس مش قادر يفتح الكلام، أو يمكن مستني يشوف جدّية اللي بيتقال ف قالت ماما اثناء دخولها علينا:

– روحي دلوقتي يا بسنت، وسيبي أبوكي يرتاح شوية.

#سامح 

بقيت بتصل بيها من رقمي ألاقيه مشغول، أبعتلها واتس ألاقيه ملغي. في الأول اتلخبطت، قولت يمكن في حاجة، بس بعد شوية عقلي بدأ يربط الأمور... بلوك؟!
كانت دماغي هتشت ، بس في نفس الوقت كنت بقول لنفسي:
"أكيد غلطان... هي مش هتخدعني علشان فلوس!"

خرجت من البيت من غير ما أفكر، رحت على المحل اللي أسماء شغالة فيه، ناديت عليها، ملقتهاش...
قالولي "مجاتش النهاردة".
بدء شكي يزيد في رقية ومشيت، رجلي ودتني على المحل .
وهناك لقيت عثمان أخوه قاعد معاه وبيتكلموا، دخلت، عيني لفت عليهم هما الاتنين بحيرة وسؤال مالي نظراتي: "أخوه بيعمل اية هنا؟"

قاموا سوا، وقال عاطف وهو بيبتسم ابتسامة مصطنعة:
– أهلاً سموحة، اتفضل يا حبيبي... كنت لسه هجيلك.

قولت بريبة:
– هو في إيه؟

– في كل خير يا غالي، تعالى اقعد.

قعدت، بس مكنتش مطمن، خصوصًا لما عيني وقعت على كيس أسود محطوط على الترابيزة قدامه، باين إنه فيه فلوس.
مد عثمان إيده ربت علي ركبتي وقال بنبرة خبيثة:
– قلقان ليه يا معلم سامح؟

– وأنا إيه يقلقني يا عثمان؟ بس مش فاهم عاطف كان هيجيلي ليه؟

مسك عاطف الكيس وقال وهو بيحطه قدامي:
– كنت هجيلك علشان دول...

– إيه دول؟

– دول باقي الفلوس اللي ليك... عثمان باع دهب مراته، وجمع قرشين من هنا وهنا، ودخل بدالك.

– دخل بدالي في إيه؟

ضحكوا هما الاتنين، ضحكة فيها سخرية خفيفة كأنهم بيتريقوا على قلت فهمي، وقال عثمان:
– مش إنت اللي قولت لعاطف يشوف شريك غيرك؟ وخدت أكتر من نص فلوسك؟ أهو جالي وقالي على العبارة... وأنا دخلت بدالك.

بصيت للفلوس اللي يدوب يملوا الكف، وبعدين بصيت للمحل، للعدد اللي فيه اللي مالية كل رف  وبعدين رجعت ببصري لعاطف وسألته بنبرة فيها مرارة:
– يعني الفلوس اللي ادتهاني كانت لأخوك؟ مش سلف زي ما قلت؟

رد عاطف، ووشه مافيهوش نقطة خجل:
– سَلفها وغلاوتك عندي، بس عثمان هيسدها، ويدخل شريك.. 

- ايوه يعني كده مبقليش حاجة في المحل واخد الفلوس وامشي.. 

قال بخبث: 
- اخس عليك يا موحة، المحل محلك يا جدع تنور في اي وقت، مش كدة ياض.. 

_ كدة وابو كدة كمان،  ابقي تعاله وحياة ابوك، نشرب شاي،  نشد نفسين، نحكي حكيوة

طالعتهم ببغض وانا جوايا بيفور من الغيظ،  وخدت الفلوس ومشيت من هناك فوراً بعد ما الغضب بدء يتمكن مني ومكنتش هقدر اتحكم في  اعصابي بسبب مكرهم في الكلام وتلونهم الواضح. 

مشيت وانا متدمر نفسياً والدنيا كلها مسودة في عيني بعد ما خسرت كل حاجه، حتي اللي خدته مقدرتش افكر حتي في حاجة اقدر احافظ عليهم بيها.
ورجعت البيت مش طايق اكلم حد، لقيت امي واختي في وشي وعنيهم جريت علي الكيس،  التفوا حوليا وقالت اختي 

- اية ده يا خويا.. 

امي مستنتش ردي وقالت وهي بتشد الكيس مني 

- دي فلوس انا اعرفها حتي لو ورا خيمة، وري يا واد 

سيبتلها الفلوس واتجهت صوب تليفون اختي المحطوط علي التربيزة ودخلت اوضتي وإتصلت علي " رقية " والمرة دي وصل الإتصال مدنيش مشغول زي ما بيديني لما اتصل من تليفوني. الصورة وضحت مبقتش محتار وفهمت كل حاجة 

#حمزة

زي عادتها بتصل بيها مبتردش، وخلت دماغي تلف، مليون سيناريو دارت في مخي خلوني مقدرش أستنى أكتر. 

سيبت الشغل ومشيت بدري. 
أول ما فتحت الباب وناديت عليها بعصبية، وقفت مكاني.
ريحة الأكل كانت مالية البيت، وصوت القرآن شغال بهدوء في الخلفية، ومسحة راحة لفت قلبي كله.

ابتسمت رغم إن كنت ناوي أتنرفز عليها بسبب التليفون، ودخلت أدور عليها، لحد ما وصلت الأوضة ولقيتها واقفة هناك، بتزيح خصلة من شعرها عن وشها بارتباك واضح.

كانت جميلة وبسيطة، زي البيت اللي مهتمة بكل تفاصيله.
حتى لبسها كان بسيط، لكن باين قد إيه كانت حريصة تكون في أحلى شكل.

قربت منها وأنا ببصلها بإعجاب، وقلت بدون ابداء اعجابي بيها عشان متتعصبش:

–  شكلك تعبتي النهارده.

ردت وهي بتحاول تبان طبيعية:

– ليه؟

– البيت بيلمع، وريحة الأكل جايبة آخر الشارع، والمفارش والستاير متغيرين، واهو كمان بتطبقي هدوم.

قالت:

– ماعملتش حاجة جديدة، هجهز الغدا؟

ابتسمت وقلت:

– أوكي، أنا ميت من الجوع، بس هدخل اخد دش علشان أبقى ماشي مع الجمال ده كله.

تحمّحت وقالت بتوتر:

– طيب، هجهز يكون خلصت.

قبل ما تتحرك، وقفت قدامها وعوقت طريقها. 
تجمدت مكانها وحركتها اتشلت تقريباً، جسمها كله كان بيرتعش، وكنت سامع دقات قلبها بتخبط بصوت مسموع، ومن غير  كلام قربت وبوست دماغها، ومشيت سايبها واقفة مكانها مش قادرة تتحرك، وكأن الحركة دي بتشل كل عضلة في جسمها. 

خدت دش وطلعت، لافف الفوطة على نص جسمي، عيني بتدور عليها..
كنت عايز أحرجها، أستفز خجلها، لكن ملقتهاش.

لبست وخرجت، لقيت الأكل جاهز وهي واقفة بتفرك في إيديها بتوتر واضح.
وقفت على الجهة التانية من الترابيزة، وقلت بانبهار:

– اية كل ده، كل مرة بتبهريني بجمال الأكل وبطريقة تقديمك ، انتي ازاي بتعملي كدة.

قالت بخجل:

– مش قوي كده.

– بالعكس، كل حاجة بتعمليها فيها ذوق وباين شاطراتك فيها..

كملت ممازح لها: 
_ماعدا كيكة الشوكولاتة اللي بوظتيها المرة اللي فاتت.

ضحكت بخفوت وقالت:
– ربنا أراد ينصفني، وعملتها النهارده، بعد الأكل هتشوف إن العيب مش في.

ضحكت وأنا بقعد وقلت:

– ماشي، هنشوف.

قعدنا، ومسكت الشوكة، وغرفت من المكرونة وقدّمتها لها.

قالت بربكة وهي بتحاول تبعد ايدي:

– لا، هاكل لوحدي.

فضلت إيدي ممدودة بالشوكة، وبصيتلها بنظرة مفيهاش استعجال، بس فيها إصرار ناعم ف قالت.

– ماهو..

قربت الشوكة من بُقها، غمضت عينيها وخدت نفس عميق، وبعد تردد.. أكلت من إيدي. 

وفجأة الجرس ضرب وحرمني اشوف خجلها وارتباكها او رد فعلها واحتمالية انها تردلي الحركة وتأكلني هي، بصينا لبعض، سألتها:

– مستنية حد؟

– لا..

قالتها بحيرة، وقامت علشان تفتح، قلت:

– لا، خليكي.. أنا هفتح، يمكن يكون حد غريب.

قالت:

– طيب هدخل ألبس الطرحة.

دخلت، وأنا فتحت الباب...

وإذا بـ"أسماء"، أو شبحها.
واقف قدامي، مكياج تقيل مغيّر ملامحها، ولون شعر جديد يثير الاشمئزاز ولبس مفصل جسمها 

---

رقية

وأنا جوه بدور على الطرحة، صوت أسماء شدني. لحظة واحدة بس كانت كفيلة تقلب حالي وتخلي دمي يغلي من الغيظ. مش علشان جاية، لأ، علشان نيتها اللي باينة من غير ما تتكلم.

سحبت الطرحة بسرعة، حطيتها على شعري وخرجت. لقيتها واقفة مع حمزة، لابسة ضيق، مفسر جسمها ومغيرة لون شعرها، فوق المكياج الزيادة وصوتها اللي بيتصنع الأنوثة لدرجة تخنق.

كانت بتتصنع كالعادة، واقفة قدامه تستعرض نفسها بكل ثقة. قربت منهم وأنا بحاول أرسم ابتسامة على وشي تخبي اللي جوايا. أول ما شافتني، قالت وهي جاية تحضني:

– روكا! حبيبة قلبي، وحشتيني!

بعدت عنها شوية، وقولت بابتسامة باينة إنها متكلفة:

– وانتي، نورتي...

ضحكت وقالت وهي باصة لحمزة:

– منور بصحابه...

حمزة ضحك وقال بشيء من السخرية، كان بيسخر من منظرها والتغيير اللي عملاه:

– نيجي إيه في نورك؟ بس حلو التغيير ده، ليدي ليدي مفيش كلام،  إيه رأيك يا روكا؟

قولت وأنا ببص عليها من فوق لتحت:

– آه طبعًا، حلو قوي... قوي.

لفت قدامي تستعرض نفسها أكتر وقالت بمرح:

– قولت نغير شوية. بس إيه رأيك في لون وقصة الشعر؟

– جميل قوي... مبروك.

– الله يبارك فيكي، وعقبالك بقى لما تغيري، وترحمي أمي وترحمي جوزك المسكين ده، وتشيل الطرحة وتلبسي فستان زي الستات. إيه يا بنتي، مش نفسك تروحي للكوافير تعملي نيو لوك زي الستات؟

كنت هرد، بس حمزة سبقني و وقف جنبي، وبهدوء سحب طرف الطرحة من على شعري وقال:

– تغيير إيه ونيو زفت إيه يا أسماء؟ متبوظيش دماغها، دا أنا محبتهاش غير علشان كده، طبيعية، وجمالها مش مستنسخ زي اللي بنشوفهم في الشارع.

بصّلي وقال:

– ماتسمعيش كلامها.

ضحكت ضحكة باينة إنها محروجة وفضلت أتحرك من تحته علشان أبعد دراعه عني. قالت أسماء وهي بتحاول تخبي إحساسها بالغيرة والحرج:

– هي قمر، محدش يقدر يقول غير كده. ها، قولي بقى، لقيتلي الشغل ولا طنشتي؟

حمزة ضحك وقال بسخافة:

– طنّشت؟  بهزر. مفيش غير في فرع أسيوط، شغلانة في الأرشيف، بس قلت مش هتنفعك، المكان معزول وكله ستات، ومديرتهم صعبة ومشاكلها ما بتخلصش.

كنت شامة ريحة شياط بدأت تنتشر في المكان، افتكرت إني سايبة حاجة على البوتاجاز، بس بعد لحظة فهمت إنها جاية من عند أسماء اللي بتستشيط من جواها. 
ولأول مرة محاولش اظهر قدامها عكس اللي بيحصل وافهمها اني مش مرتاحة او إن هو وحش، وبرضو ماكنتش بخيلة، وطلبت منها تقعد تاكل معانا.

قعدت... وعلى عكس اللي توقعته، لا علّقت تعليق سلبي، ولا حتى إيجابي. طول الوقت كانت مركزة مع حمزة، بتكلمه، وتضحك، وتنعم في  صوتها ولاول مرة بردو محسش بالغيظ،  بالعكس حسيت بالشفقة عليها 

وقومت أعمل الشاي.

كنت مرتاحة، مش حاسة إني محتاجة أقعد جنبها أو أراقب او احرص منها لا تخطفه

وبعد شوية، وأنا بحط الكبايات، جت عندي، حطت الأطباق على الرخامة، وقالت بحماس وبهجة اقل :

– شوفتي جوزك...

لفيتلها بكل جسمي وقلت:

– ماله؟

– مشافليش شغل عندهم...

– ما هو قالك مفيش، أنا كنت شغالة هناك، فعلاً ماعندهمش أماكن، الموظفين كتار، بس أنتي ممكن ترجعي لشغلك القديم.

ساعتها بانت على وشها طبيعتها، من غير أقنعة، وقالت بنرفزة:

– شغل إيه اللي أرجعله؟ هو ده شغل؟ وإزاي مفيش؟

تابعت بتفخيم 

_ عيلة فياض بجلالة قدرهم ميقدروش يدبروا وظيفة؟!

– وانتي تعرفيهم منين؟

– يعني إيه أعرفهم منين؟ هو فيه حد ميعرفش عيلة فياض؟ ياسين فياض، زيدان فياض، صدام أخو جوزك!

– معروفين، بس إمتى اهتمينا نعرف تفاصيل عن الطبقات دي؟ دي انتي نفسك اتفاجئتي بالاسم أول ما جبتلك سيرتهم .

– دورت ياستي. فضولي خدني، وقريت كل تفاصيلهم، ولا ده سر؟

– لأ مش سر. بس متزعليش أنا هديكي الفلوس، افتحي بيهم مشروع، حتى لو صغير، واشتغلي... انتي شاطرة، وهتعرفي تكبريه.

ضحكت ضحكة كلها سخرية وقالت:

– وانتي فاكرة الفلوس اللي ادتهاني واللي لسة هتدهمني يعملوا مشروع توك اطفال حتي. ده شوية الالوان واللبس دول خدوا فلوسك وشوية كمان كنت محوشاهم

– ودي غلطتك يا أسماء، إحنا ناس تروح للكوافير يضربنا سكنتين معجون بردو ولا نلم ايدينا ونشد حيلنا .

– "وإحنا"؟ ليه وإحنا؟! ما تقولي "وانتوا"! انتي مبقتيش مننا خلاص. ده الاكل اللي علي السفرة اللي بتاكليه انتي وجوزك، إحنا مابنعملهوش غير في عزومات رمضان لعشرين نفر.

أنا مش بخاف من الحسد... بس في اللحظة دي، حقيقي حسيت معدتي بتتقطع ونفَسي ضاق. قلت وانا بحاول أتماسك:

– يا ستي، ربك بيرزق، والمهم الرضا. هزودلك ألفين، وتعملي بيهم أي شغل. النجاح بييجي بالجهد، وانتي قدها.

مطت بقها وقالت:

– آه... أو اتخطب لواحد وأديله فلوسي، ولما نسيب بعض أرجع آخدهم منه. كده بس هيكون معايا فلوس.

ساعتها، كانت بتصب جاز على النار اللي جوايا. ولو حمزة ماكانش موجود، كنت حرقتها بيها. اضطريت أساير، لحد ما تمشي... وأبعتلها فلوسها... وأخلص منها.

#حمزة

---

مختلفين اختلاف الليل والنهار، الأبيض والأسود، الصدق والكذب. صداقتهم كانت غريبة، حاجة مش داخلة دماغي، خصوصًا إن رقية دايمًا ملامحها مش مرتاحة وهي معاها، وبتحاول تبعدها عننا . ولكن قررت متدخلش، سبت لها المساحة تقرر، تكمل أو تديني إشارة، وساعتها أنا أخليها تختفي من حياتنا من غير ما تحس.

بعد ما جابوا الشاي وشربناه، ومشيت أسماء، رجعنا قعدنا تاني في الصالون. بصيت لها وسألت:

– هو انتي ملكيش أصحاب تاني غير أسماء دي؟

– ماليش.

– وإشمعنى هي يعني؟

– ومالها مضايقاك ليه؟

– بالعكس أنا شايف إنها مضايقاكي انتي.

سكتت ثواني، وبعدين قامت وقالت وهي بتحاول تبتسم:

– نسيت الكيكة، هجيبها.

دخلت المطبخ، وقمت وراها. مش فضول اني اعرف، ولا تصنع اهتمام، ولا رخامة وتطفل،، أنا فعلًا بحب أكون معاها في أي مكان... حتى لو مطبخ.

وهناك لقيتها بتخرج الكيكة من التلاجة وتحطها على الرخامة. جابت الأطباق، وقفت جنبها، ساندت بمرفقي. ابتسمت وقلت وأنا بتفرج علي الكيكة:

– شكلها حلو قوي قوي، أما نشوف الطعم هيطلع حلو زي شكلها ولا وحشة زي اللي عملتيها المرة اللي فاتت.

ضحكت وقالت وهي بتحط الكيك في الأطباق:

– ماشي،  بس الطعم المرة دي أجمل ميقلش عن شكلها.

قدمتلي الطبق وقالت:

– اتفضل.

خدت الطبق وقلت:

– هندوق ونحكم.

مسكت الشوكة، دوقت حتة صغيرة، وبعدين قلت:

– مش قد كده... بتاعة المرة اللي فاتت كانت أحلى، يمكن علشان انا حطيت ايدي فيها.

ضحكت وقالت:

– أمال إيه بقى؟

اتأملتها، وقلت وانا مش قادر اشيل عيني عنها وبنجذب ليها بقوة:

– جميلة زي اللي عملتها.

خفضت عينيها بخجل، ووشها احمر، فغيرت الموضوع بسرعة عشان عارفها بتقلبها غم :

– قوليلي، مستعدة للسفر؟

اومأت بالايجاب بدون رد، كانت لسة مكسوفة ف قلت: 

– علي خير،  بس ما تكتريش هدوم... ناخد غيرين ونشتري تاني من هناك.

– هو احنا هنقعد كتير؟

– مش عارف... بس مش أقل من أسبوع. ولو وافقتي، ممكن نقعد شهر... أو اتنين... وبعدين نرجع. إيه رأيك؟

– مش كتير؟

–  إحنا ورانا إيه؟ ده أنا حتى نفسي نعيش بره مصر 

– ومالها مصر؟

– مفيهاش حاجة  بس أنا مش مرتاح فيها حابب اكون بعيد عن الناس اللي هنا.

– ممكن أفهم السبب؟

تنهدت، حسيت الكلام فتح جرح قديم، فقلت:

– مفيش سبب معين  مش مرتاح وخلاص.

سكتت، وعنيها بتقرا ملامحي، وأنا كملت:

– بقالي فترة بفكر في السفر، مستني حاجة، لو حصلت، همشي.

وشها شحب، وقالت مستفهمه:

– حاجة إيه؟

عينيا لمعت وقلت 

– لما تحصل، هقولك.

كنت فاكر هتفهمني ولكن تفاجأت بيها بتتحول وتقولي:

– يعني لما تحصل هتقولي إنك قررت تسافر وتعيش بره وأنا أستنى لحد ما تقرر؟

حتي لو مفهمتش ولكن زعلها اني ممكن اسافر خلاني مبسوط،  بصتلها بابتسامة ف قالت بعصبية وهي بتتهرب من نظراتي

– سافر زي ما تحب أنا مش همسك فيك، بس ده معناه إنك راكني احتياطي، زيي زي اي خدامة موجودة في خدمتك وبعدين هتقولي امشي !

– مش تسأليني إيه هي الحاجة دي؟

– تكون زي ما تكون، المعنى واحد.

– لا، مش واحد، لو ما حصلتش مش هسافر. ولو انتي ما وافقتيش برضو مش هسافر.

هديت شوية، وقالت:

– وإيه هي الحاجة دي بقى؟

اتنهدت، وقربت منها خطوة، وقولت:

– إنك...

سكتت ، فقلت بعد صمت دام في انتظارها لردي بحبس الانفاس:

– إنك تحبيني... وتوافقي تتجوزيني وتسافري معايا، أخدك ونروح بعيد، بعيد خالص.

عنّيها اتبعثرت، والتوتر طلع في ملامحها، قربت أكتر، والنبرة جوايا اتحولت لدفا:

– مش عارف بقا لو ده حصل أهلك هيوحشوكي وهتحسي بالغربة من غيرهم ولا لا... بس أنا مش هحس بحاجة من دي، عشان هتكوني انتي أهلي ووطني والانسانة الوحيدة اللي عايز اعيش معاها عمري كله.

كانت بتبصلي بتوتر، سامع صوت ضربات قلبها، إيديها بترتعش، وشفايفها مش عارفة تنطق... بس ما بعدتنيش عنها ولا حاولت تبعد، حسيت إنها خلاص مش بترفض قربي.

وبدون ادراك قربت أكتر، عنيا كانت بتغوص في ملامحها، ومشتاق ألمسها، بس كنت بجاهد نفسي، خايف أندفع، وكل حاجة تبوظ. وقلت 

– دي هي الحاجة اللي مستنيها... تفتكري هتيجي؟ ولا هفضل مستني كتير؟

فضلت واقفة قدامي بتحاول تقول حاجة، شفايفها بتتحرك، بس مفيش صوت. 
كنت حاسس ان اللي هتقوله هيغير حياتنا سوا وغير اي كلام ممكن تكون قالته قبل كده، بقيت مستنيها بلهفة انها تنطق  ولكن من غير ما اضغط عليها ولا اتغابا وازود قربي او اعمل اي حاجة هي كانت رفضاها... لحد ما التليفون رن. قطع اللحظة... قاطع كل حاجة.

تنهدت بضيق، وقلت وأنا بتجاهل الرنّة:

– سامعاك... قولي.

فاقت من الحالة اللي كانت فيها وقالت بتوتر وهي بترجع للخلف

– يمكن حد مهم.

– محدش مهم بيتصل بيا انا... قولي يا رقية.

– أقول إيه؟ مفيش حاجة أقولها... روح رد.

اتنهدت، وقلت بغيظ:

– كان في حاجة هتتقال يا رقية والحيوان اللي بيتصل قاطعك. ماشي  هتف في وشه وراجعلك.

سيبتها وطلعت أشوف مين بيتصل. لقيته ياسر. فتحت المكالمة، ولسه هتكلم، قال :

– الوسخ اللي نسي صحابه، فينك ياض؟

– في البيت، في حاجة؟

– لا بس جيت علي بالي فجأة، قلت اكلمك، اخبارك اية طمني .

– اممم واحشك، وجيت علي بالك وفي الوقت ده بذات 

- علي طول علي بالي مبنسكش، حتي كنا في سيرتك انا والواد مروان من شوية

- اممم،  طيب افتح الواتس يا ياسر، هبعتلك حاجة مهمة .

– اوكي، هفتح اهو، ابعت .

قفلت معاه، وفتحت الواتس، وبدأت أكتبله رسالة كلها شتايم وسب وقذف  مكنش ينفع أنطقها بصوت عالي عشان رقية هتسمعني  وفضلت طول  اليوم ده  دمي بيغلي مش قادر اهدا وخاصة ان رقية رجعت تلبس الوش الخشب مجرد ما رجعتلها المطبخ

#عيسى 

كان جوايا شعور متشابك... مزيج غريب بين الفرحة، والحيرة، والخوف.
فرحان علشان خلاص هاتطلق، وده معناه إن في فرصة تانية معاها.
بس في نفس الوقت، كنت محتار...
هل أمد إيدي تاني؟
هل أفتح باب كنت مقرر اقفله بعد ما وجعني سنين

والخوف...
الخوف كان أشدهم، خوف إنها تقول "آه" مش علشان بتحبني، لا...
علشان مفيش غيري، ولما يظهر البديل، تسيبني تاني وتكسرني أكتر من الأول.

الفكرة فضلت تطاردني، حتى وأنا بلف في دماغي على رجالة أقدر آخدهم معايا علشان نمسك الغراب ده، كنت لسه بفكر فيها.
ويمكن علشان كده، وأنا بدور، نسيت حاجة مهمة... حاجة المفروض ما تتنسيش،
وما ركزتش غير بعدين.

اتصلت بالأعور، وطلبت منه يجيب اتنين معاه،
وقابلوني قريب من المنطقة اللي ساكن فيها الغراب.
وقعدنا هناك، مترصدين،
مستنين اللحظة اللي هيظهر فيها، علشان ناخده ونوديه لصدام.

#ياسين

مكنتش قادر أنام...
الذكريات كانت بتنهش في دماغي، محرماني من الراحة ومن أي لحظة هدوء.
كل شوية دماغي تتنقل من صورة لصورة...
مرة داليا،
مرة أنا،
والحالة اللي وصلت ليها،
والجنون اللي مسيطر عليّ مؤخرًا،
كأني مراهق تايه، مش قادر يحدد هو بيعمل إيه.

ومرة تانية... رحمة.
اللي علاقتي بيها بقت ملغومة،
مش عارف أنا صح في شكي ومعاملتي،
ولا فقدت عقلي وبقيت باخدها بذنب أمها.

كنت ممزق...
ما بين جرح مش راضي يلتئم،
وإحساس بالذنب بيظهر أوقات،
يخليني ألين،
ويرجع يختفي تاني.

قعدت أفكر كتير،
وف الآخر...
نزلتلها
مش عارف كنت نازل ليه،
ولا كنت ناوي أقول إيه،
بس كنت عايز أتكلم... وبس.

نزلت،
وفتحت باب أوضتها من غير ما أخبط.
قلت في نفسي لو لقيتها نايمة، هرجع.
لكن لقيتها صاحية،
ولما شافتني...
قامت بسرعة من مكانها،
واقفة، بتجمع نفسها...
كانت خايفة،
وشاكة في نيتي.

دخلت،
وقفت قصادها، بس على مسافة.
سكت شوية، وبعدين قلت بتردد:
_مجانيش نوم... قلت أنزل أطمن عليكي.

تراجعت بخطوة، وقالت بنبرة متوجسة:
_ أنا كويسة.

بصيت لها، شوفت قلقها وخوفها مني باين في عينيها، فقلت بهدوء:
_خايفة مني ليه يا رحمة؟

سكتت، والتوتر بينها وبين نفسها بيزيد. تنهدت
قولت بجدية علشان انهي التوتر ده:
_اقعدي يا رحمة.

ما اتحركتش فضلت واقفة،.
كررت، بنبرة أهدى:
_اقعدي على السرير، وأنا هافضل هنا... هنتكلم.

مشيت بحذر بتتفادا اي لمسة مني، ساعتها حسستني بالقرف من نفسي ولكن معلقتش
وقعدت وانا قعدت علي الكنب وقولت:
_ سامعك يا رحمة، عايزك تقولي اللي جواكي كله 

بدأت تتكلم بسرعة،
لكنها سكتت فجأة،
كأنها خافت تقول اللي أنا مش عايز أسمعه.
اللي لو قالته... ممكن يحولني لوحش،  ولكن مفهمتش سبب سكوتها هل خافت مني ولا في سبب تاني ومع كل الحيرة اللي جوايا ولكن مسألتهاش كانت هتقول اية وقولت:

_إيه اللي يريحك ويقربنا من بعض أنا مستعد أعمله. قوليلي إيه بيضايقك مني، وإيه بيفرحك.

ردت بامتعاض وهي مش عايزة تبصلي:
_إنت عارف اية بيضايقني.

_إيه؟

&إنت عارف...

آه، بتتضايقي لما أقربلك يعني؟

بصّت لي من طرف عينها... وسكتت.
قولت:
_ما هو احنا اسمنا متجوزين يا رحمة، وكلها شوية ونعمل الفرح، كنت عايز أكسر حاجز الخوف والكسوف بدري.

ردت وهي شدة في كلامها:
_والله اللي أعرفه... إن الحاجز ده ما بيتكسرش غير بعد الفرح.

ضحكت بخفوت وقلت وانا حاسس بالحرج من نفسي: 
_أوكي، أنا هاحترم رغبتك، ومش هاقربلك تاني.
قولي بقى، إيه اللي بيسعدك؟

طال عدم ردها، كنت مستني، وفي كل لحظة بتعدي من غير اجابة، كان دمي بيغلي، كأنها ممكن تقول "سيبني" والمشكلة اني طول الوقت كنت متوقع منها ده لدرجة اني استغربت انها مقالتهوش وقالت: 

_عايزة شوية حرية،  أخرج براحتي، ومحسش إني محبوسة.

إنتِ فاكرة إني ما بخليكيش تخرجي علشان أتحكم فيكي؟

_أمال إيه؟ مش أنت قايل للأمن ما يخرجونيش؟

_آه... بس ده علشان انتي كنتي هتتقتلي تلات مرات!

قالت باندفاع:

أنا أقدر على أي حد، أنا كنت منيمة البلد من المغرب!

ضحكت وقلت: 
آه أنا عارفك قوية،  بصرف النظر اني لحقتك من الموت مرتين بس انا خايف عليكي.

بعثرت نظراتها و وشها احمر من كتر الغيظ بسبب كلامي ف قلت بابتسامة: 
_ انا مش بضايقك انا بقولك خايف عليكي، وكمان ياستي الكترة تغلب الشجاعة وانتي كنتي لوحدك، والمرة التانية اتغافلتي، بس انتي قوية وتقدري عليهم ولا تزعلى نفسك،  بس انا بقول نصبر يكون اتنسيتي وبطلوا يحاولوا يتقلوكي، وكلها أسبوع وارجع من السفر، وهاخرجك كل يوم.
ولحد ما أرجع، حسن هياخدك يفسحك.

سكتت، وغضبها تبدل لتوتر وبدأت تفرك صوابعها
وفجأة تليفونها بيرن،
كان صامت،
بس اهتزازاته كانت كفيلة تغير لون وشها.

توترت اكتر،
وتلبكت وهي بتبص عليه. 
دخلت الشك جوايا ناحيتها قولت وأنا بقوم وبمشي صوبها علشان اشوف مين بيتصل ولية توترت كدة:
مين بيتصل

تعليقات



<>