
رواية جاسم بقلم داليا السيد
رواية جاسم الفصل الخامس5بقلم داليا السيد
شكرا لك
استوعب ما فعلته فأسرع يقفز السلالم حتى دخل سيارته واندفع بها للخارج وتوقف عند البوابة فاتجه له الأمن فقال
"هل مرت آنسة من هنا منذ قليل كانت تحمل حقيبة وشعرها بني مربوط للخلف؟"
هز الرجل رأسه وقال "نعم يا فندم، آنسة خرجت منذ قليل بحقيبة كبيرة وساعدتها بركوب سيارة ملاكي"
ضرب المقود بيده من جنونها وهتف "غبية، مجنونة ومتهورة، هل تصف لي السيارة؟"
منحه وصف للسيارة فانطلق بسيارته بالطريق والجنون يصيبه، لم يتخيل أن تفر منه وهو من يحميها، عليها أن تفر ممن يريد قتلها لا منه
ظل يتابع السيارات على الجانبين حتى لمح واحدة على الجانب الآخر بل ولمح منظارها الشمسي بالخلف، زاد من سرعة السيارة حتى وصلا للدوران ولف وعاد يضغط بنزين بلا اعتبار لأي شيء، لن يتركها، هو عمل التزم به ومنح قاسم وعد ولن يخلف وعده حتى ولو كانت أخته مجنونة ومندفعة
لحق بالسيارة وضيق عليها المسافة فأفسح له السائق ليمر لكنه مال عليه بسيارته ففزع السائق وهي أدركت ما يحدث فصرخت بالسائق "لا تتوقف، هو يريد خطفي"
صدقها السائق وراوغ جاسم بالطريق والسيارات القادمة تكاد تصطدم بهم حتى زاد هو من سرعته ولف بالسيارة وأوقفها بقوة صارخة أمام السيارة الأخرى فاضطر السائق للتوقف بقوة لتفادي الاصطدام به
كان قد نزل وترك الباب وتحرك بغضب تجاها وفتح بابها وهتف بقوة "انزلي، انزلي الآن قبل أن أحملك وألقيكِ بالسيارة بطريقة لن تروق لكِ، انزلي"
تراجعت بخوف من الغضب المرتسم على ملامحه وبنبرة صوته ولكن السائق كان قد نزل وهتف بجاسم "يا سيد ماذا تريد منها؟"
التفت جاسم له بنفس الغضب وهتف "لا شأن لك وابتعد من أمامي الآن هل تسمعني؟"
ما أن أنهى جملته حتى لاحظ أنها نزلت من الباب الآخر وأسرعت تجري دون هدى فتحرك خلفها حتى لحق بها وجذبها من ذراعها وهو يهتف بها "ألا تكفي عن جنونك هذا"
ضربته بقبضتيها بصدره وهي تصرخ به "اتركني، اتركني أيها المتوحش وابتعد عني"
أدرك أنها لن تتوقف فانحنى ووجدته يرفعها على كتفه بلا اهتمام وهي تضربه على ظهره وترفس بقدميها بالهواء حتى وجدت نفسها تلقى داخل سيارته وهتف بها
"لا تدفعيني لاستخدام القوة معك هل تسمعين؟"
كانت الدموع تضربها ويدها تؤلمها من ضربه وهو يصفع الباب عليها وعاد للسيارة الأخرى وأخذ حقيبتها وهو يمنح السائق أموال وقال "نحن زوجان وعلى خلاف، أموالك"
وعاد لسيارته واضعا حقيبتها بالخلف ثم دخل مكانه وقاد بالطريق دون أن يتحدث وهو يحاول أن يهدأ من غضبه فبذلك الوضع سيظلون يلعبون لعبة القط والفأر سويا بدلا من مهمته الأصلية
لاحظت أنه اتخذ طريق القاهرة كما قال فلم تناقشه، سيفعل بها ما يشاء، لقد انتهى الأمر، هي أسيرته
ساعة أو أكثر مرت عندما هدأ السرعة وقال "نحتاج لشيء نشربه، هل ستتصرفين بنفس الجنون؟"
لم ترد فأوقف السيارة بالمكان المخصص والتفت لها وقال "حسنا هل نوقف كل ذلك الجنون؟ كلانا لم يجيد التصرف والأمور لا تتحمل ذلك، هي حياتك من نتحدث عنها هل تستوعبين ذلك؟"
مسحت دموعها وقالت "أنا لست عبدة لك ولا سجينة لتتحكم بحياتي هكذا؟"
حدق بها وهو ينتبه لكلماته ثم أبعد وجهه وقال "لم أقصد ذلك لكن وقت الخطر لا يمكن تجميل الأوامر"
نظرت له بقوة وقالت "لم يأتي الخطر بعد وأنت تستمتع بوضعي تحت إمرتك فماذا لو وقع الخطر هل ستسحقني تحت قدميك؟"
ظل يواجه عيونها وهو يردد "هل فعلت بكِ ذلك حقا؟ هو أنتِ من يرفض تدخلي منذ أول لحظة، لو تقبلتِ الأمر من بدايته لما وصلنا لتلك المرحلة"
هتفت بغضب "لو منحني أحدكم الحرية بالاختيار لاختلف الأمر، هي حياتي من تتحدثون عنها وتضعون الخطط حولها كما تقول، حياتي وليس من حق أحد سواي التحكم بها"
وعادت تنظر أمامها وهي لا توقف دموعها، رفع يده لشعره ومرره به ثم عاد وقال "حسنا، ما نفعله لن ينجح، سأعيدك إلى حيث تريدين الآن"
وأدار السيارة وتراجع حتى اتخذ طريق العودة وهي لم تعترض وهو لن يتراجع بقراره، لن يبقى معها وهي ترفض وجوده بل وتفر منه، كيف سيحميها وهي ترفض أصلا حمايته؟ إلى هنا وكفى
مسحت دموعها وهي ترى أنها انتصرت، لقد تخلصت منه، سيعيدها لبيتها وستعود لحياتها ولن يهمها تهديد فبالتأكيد أخيها هو المقصود ولن يقتلها أحد
الصمت كان شريك ثقيل بينهم ولكن لا أحد قطعه حتى رأته يدخل من بوابة الإسكندرية وللحظة عاد الخوف رغم أنها كانت تشعر بالفخر بنفسها لأنها نفذت ما أرادت ولكن مع وصول الظلام وإدراكها أنها عائدة لشقتها التي ماتت بها قطتها حتى شعرت بخوف يسري بشرايينها ولكنها أبدا لن تنطق أمامه
توقف أمام بيتها وهو يخرج هاتفه ويرسل رسالة لأخيها بما يحدث ثم نزل وأخرج حقيبتها وهي تنزل وتتحرك لمدخل المبنى وهو يضع حقيبتها أمام المصعد الذي وصل مع وصولها ففتحت الباب ودخلت والتفت لتجر حقيبتها فلم تراه ورأت سيارته وهي تتحرك مبتعدة وللحظة جمدت مكانها من الخوف، بوجوده كانت تشعر بالأمان لكنه رحل وعادت وحيدة مرة أخرى
البيت كان قد تم تنظيفه من القطة ودمائها بالتأكيد قاسم فعل، هاتفها رن وعرفت أنه قاسم، كان عليها أن تجيب وهي تقول "قاسم أنا بخير حقا لا أريد ذلك الرجل"
هتف بغضب "ماذا حدث بينكم حتى تفري منه؟ هل تطاول عليكِ؟"
سقطت على المقعد الوثير وانكمشت به وهي تقول "لا قاسم، لم يتطاول لكنه مغرور ومتكبر وفقط يلقي بالأوامر بوجهي وأنا لا أقبل بتلك المعاملة"
نفخ بالهاتف فأغمضت عيونها وهو يقول "ألم يمكنك تحمله يومان آخران حتى أعود من ميونخ؟ هل ستبقين وحدك وهناك مجنون يتربص بكِ؟ ألا تفكرين بعقل؟"
هتفت بعصبية "لا تشغل بالك بي قاسم يمكنني حماية نفسي جيدا"
قال بغضب "نعم أكاد أذكر كيف دافعت عن نفسك بالحديقة وقد كاد يقتلك، أو حتى أمكنك إنقاذ قطتك، هل توقف عقلك عن العمل؟"
الدموع هرولت على وجنتيها وقالت بتعب واضح "كفى قاسم، أنا متعبة وأريد أن أنام إلى اللقاء"
وأغلقت الهاتف وقذفته على المائدة ولم تجيبه عندما رن مرة أخرى وهي تضع وجهها بين يديها وتبكي
أخذت حمام والرعب هو المسيطر عليها ورغم أنها أغلقت الباب بكل طريقة متاحة إلا أن كل صوت يبث الفزع داخلها
لم تنم وظلت طوال الليل جالسة بمنتصف الفراش حتى وصل الصباح أعدت شاي لنفسها وتذكرت عندما صنع لها الشاي وحديثهم سويا وعيونه الجميلة وهو يتأملها، هدوئه وهو يحكي عن نفسه، لماذا هاجمته بكل وسيلة؟ الرجال غير مرحب بهم بحياتها ولكنه تواجد لحمايتها وليس للغرض الذي ترفضه
انكمشت على الأريكة وهي تضم كوب الشاي بين أصابعها والتلفاز يعمل ربما بعض الصوت يمنحها الراحة، نهضت للمطبخ وصنعت غداء لنفسها واختارت الأصعب لتأخذ وقت أكثر حتى انتهت بعد العصر وجلست أمام التلفاز بلا شهية
تناولت القليل ثم رفعت الأطباق وعادت على رنين الهاتف، أجابت أخيها وبدا أفضل من الأمس ولم يتحدث عن جاسم ولا عن سواه مما أدهشها
ظلت على الأريكة أمام التلفاز حتى غفلت دون أن تشعر وقد تعبت من دوام الاستيقاظ
هبت مفزوعة على صوت لم تعرف مصدره، جلست على طرف الأريكة وضربات قلبها تؤلمها من الفزع، التلفاز ما زال يعمل، الظلام حل بالخارج، صوت هب مرة أخرى من الحمام
نهضت مفزوعة وهي تحيط نفسها بذراعيها من الخوف، التفت حول نفسها تبحث عن أي شيء تدفع به الخطر الذي لا تعرف مصدره
تقدمت بخطى بطيئة تجاه الحمام والصوت منخفض ولكنه يزداد بتقدمها من الباب، مدت رأسها لترى خيال يحاول فتح شباك الحمام، فرفعت يدها على فمها لتكتم صرختها وهي تتراجع للخلف وتتعثر بالمقعد لتسقط على الأرض بذات الوقت الذي نهضت لتعود للباب كان الصوت بالحمام قد توقف ولكن ظل سقط على الأرض فبدا لرجل شاهق يخرج من الحمام والتفتت وهي تفتح الباب وما أن فتحته حتى اصطدمت بجسد صلب يدفعها خلفه دون أن ترى شيء والجسد الصلب يسرع تجاه الظل وقد عرفته ولكنها شعرت بظلام يهاجمها ولم تستطع التماسك وهي تسقط فاقدة للوعي..
عندما تسربت رائحة عطر لأنفها فتحت عيونها ليضربها النور بعيونها وصداع برأسها، أغلقت عيونها ثم فتحتها لتعتاد النور وتراه واقفا بجوارها وهي ممددة على الأريكة وقد تبعثر شعره ومزق قميصه
تحركت لتجلس دون أن يساعدها وهو يقول "هل أنتِ بخير؟ هل أستدعي طبيب؟"
أخفضت عيونها من مواجهته بعد ما كان بينهم وقالت "لا، أنا بخير، ماذا حدث؟"
تحرك ثم عاد لها ومنحها كوب وقال "تناولي هذا، عصير محلى"
لم تعترض لولاه لم تكن تعرف ماذا كان سيكون مصيرها، لمست أصابعه وهي تأخذ الكوب فشعرت بكهرباء تسري بجسدها فرفعت عيونها له ولكنه ابتعد، لمستها جعلته يريد أن يختفي من هنا
جلس وهو يقول "صعد على المواسير ودخل من شباك الحمام، اشتبكنا سويا ولكنه فر مرة أخرى ولم أشأ تركك وحدك فاقدة للوعي ربما يكون له شريك آخر"
كانت تنظر له والفزع واضح بعيونها وابتلعت ريقها وقالت "ماذا كنت تفعل هنا؟"
لم يهتم بقميصه وهو يقول "شككت بجسده وهو يدخل العمارة فصعدت ولكنك تغلقين الكثير من الأقفال مما عطلني عن الدخول قبله"
تناولت العصير ولم تنظر له وهي تقول "أنت لم تتركني؟"
الحقيقة لا، هو لم يستطع تركها رغم غضبه فما أن تحرك بالسيارة حتى أوقفها على بعد أمتار وارتد عائدا ورغم أنه طلب من رجل آخر رقابتها إلا أنه لم يقبل وعاد وهو يلعن نفسه على عودته ولكن نظرة الخوف بعيونها وهي تركب المصعد جعلته يدرك مدى خوفها وكبريائها يمنعها من الاعتراف به
نهض وقال "للأسف خيبت أملك أليس كذلك؟ لا تقلقي سأذهب.."
قاطعته "شكرا لك"
توقف وهو يلتفت ليواجه نظراتها الدامعة ولكن امتلأت بالامتنان فاندهش ولكنها قالت "أنت أنقذت حياتي للمرة الثانية، أنا، أنا فقط لم أعتاد أن يلقي أحد أوامره بوجهي و.."
وأخفضت وجهها والدموع توقفها، تركت الكوب من يدها المهتزة والدموع تغشى رؤيتها فتحرك تجاها وركع أمامها وقال "هي ليست أوامر بقدر ما هي طرق لحمايتك"
هزت رأسها وهي تقول "نعم آسفة"
ورفعت وجهها له وكم كانت جميلة وهي مليئة بالدموع وشعرها مبعثر حول وجهها، بصعوبة منع نفسه من لمس وجنتها ومسح دموعها ونهض مبتعدا وهو يتعجب من رغبته الغريبة بلمس امرأة أي امرأة لقد ودع تلك الأمور بلا تفكير بالعودة فماذا يحدث الآن؟
قال محاولا استعادة هدوئه "لم يعد من الصواب بقائك هنا، هذا ما تحدثت عنه"
لم تعترض ولم تنظر له فعاد يقول "هل نعود للخطة السابقة؟ القاهرة؟"
هزت رأسها بالموافقة وقالت "حسنا ولكن قاسم"
قاطعها "سأهاتفه، يمكنك البقاء للصباح هو يعلم بوجودي الآن ولن يعود لمهاجمتك مرة أخرى"
رفعت وجهها له وقالت "ستبقى هنا؟"
تحرك للباب وقال "لا، بالخارج"
نهضت وهتفت "لا، لا تتركني هنا وحدي، لنذهب الآن"
تراجع وحدق بها والفزع بعيونها فهز رأسه وقال "حسنا أعدي نفسك، سأنتظرك هنا"
• أسرعت من أمامه وهي تدرك أنها لن تذهب لأي مكان بدونه، لقد أصبح هو الأمان بالنسبة لها وتأكدت أن هناك من يريدها
رجله أخبره أنه فقد ذلك المجنون ولم يستطع الإمساك به وهو بالطبع لم يستطع تبين ملامحه من القناع الذي كان يرتديه وتركه يفلت كي لا يتركها وحدها كالمرة السابقة..
نصف ساعة وكانوا يجلسون بالسيارة وهي قالت "كيف تتأكد من أنه لا يتبعنا؟"
نظر للطريق وفد تأخر الوقت وقال "لست متأكد ولكني سأفعل أثناء الطريق"
نظرت له وملامحه جامدة فنظرت لأصابعها وقالت "ملابسك ممزقة وتبدو بحاجة للراحة"
انتبه لها وقال "سأستبدل القميص بأي استراحة"
قالت "هل أنت معتاد على عدم النوم هكذا؟"
انتبه للطريق وقال "عندما يكون هناك ضغط بالعمل أفعل، الشهور الأخيرة كانت كذلك، أنا وعامر كنا وحدنا، حمزة كانت لديه مشاكل عائلية وساهر كان بلندن"
قالت وهي تحب حديثه عن إخوته "أحب تعاونكم هذا، هو بالتأكيد سبب نجاحكم"
هز رأسه بالإيجاب وعيونه تجوب كل مكان أمامه وخلفه فقالت "عامر هو الكبير ومتزوج وحمزة؟"
قال "حمزة هو الثالث بعدي ومتزوج ابنة عمنا، ساهر أصغرنا ومن بعده نور وبعدها ضي"
ضحكت وبدت ضحكتها رائعة ورقيقة، لأول مرة تفعل وهي تقول "بالتأكيد والدتك امرأة رائعة أتمنى لو تعرفت عليها"
قال بحنان صادق "هي أجمل وأرق وأقوى امرأة على وجه الأرض كما وأنها تمتلئ بالحنان بكل أشكاله، لم يستطع أيا منا البعد عنها أبدا، هي وحدها من تملك قلوبنا"
شعرت للحظة بالغيرة وهي تقول "تمنيت كثيرا أن تكون لي أم بيوم ما، تعرف ذلك الشعور عندما تعجز عن إيجاد من يسمعك بأوقات كثيرة"
التفت لها ونظرته كانت كلها تساؤل لكنها لم تكن تنظر له وهي تقول "لا أنكر فضل قاسم فلولاه لكنت بدار للأيتام أو لا أعلم ماذا كان مصيري؟ لكن قاسم كانت حياته الأغلب للعمل وهو رجل وأنا فتاة وأحيانا كثيرا كان عاجزا عن منحني ما أريد أو حتى فهم ما أتحدث عنه"
عندما صمتت قال "أفهمك، لدي أختان وأعلم أمور البنات جيدا ومدى تعلقهم بالأم أكثر، لكنك تعاملتِ جيدا مع الحياة وتبدين ناجحة فيها"
ضحكت بيأس وقالت "كان عليّ أن أفعل، لم يكن هناك مجال للضعف، قاسم كان يدللني ولكن بطريقته الرجولية وهذا ما صنع مني تلك الفتاة التي تشبه الرجال"
نظر لها وهتف "هل تمزحين؟"
نظرت له بدهشة وقالت "أمزح بماذا؟"
عاد للطريق وقال "من الذي وضع برأسك فكرة أنكِ تشبهين الرجال؟ أنتِ لا تمسيننا حتى من بعيد"
تورد وجهها واندهشت عندما دق قلبها وارتبك لسانها دون رد فاقدا أي كلمات وهو يكمل "أنتِ أنثى بكل ما تحمله الكلمة من معنى"
هو تقريبا كان يردد الكلمات على نفسه ليذكر نفسه أنه ينساق بطريق امرأة وهو طريق كان مغلق بالنسبة له فما الذي حدث الآن وجعله يرتاد طريق سد؟
لم ترد فنظر لها ووجد تورد وجنتيها وابتسامة رقيقة على شفتيها جعلته ينسى أنه على الطريق وتمنى لو اقترب من هذا الوجه وأخذ تلك الشفاه بقبلة
ضوء قوي من الخط المعاكس جعله يعود للطريق وأصابعه تقبض بقوة على المقود وعرق نبض على جبينه فجأة من تلك الحرارة التي سرت بكل جسده، أغلق النوافذ وأدار المكيف دون كلمات وهي شعرت بالسعادة من كلماته البسيطة ولا تعرف لماذا هو بالذات من مست كلماته قلبها وملأته بالسعادة
لم تنم فهي لا تنام بأي سيارة أو طريق سفر، تناولا قهوة على الطريق ولكنهم لم ينزلا من السيارة، بعد الفجر بقليل كان يتوقف أمام مبنى سكني فاخر جدا وسط العاصمة وقال
"شقتي، أحتاج بعض الأشياء"
قالت بلهفة "هل سأبقى هنا؟"
بالتأكيد الخوف بعيونها كان واضح فظل يتجول داخل زرقتهم ثم قال "لا، هيا لن نتأخر"
نزلت على الفور ورغم التعب وعدم النوم إلا أنها كانت نشيطة وهي تسرع له والمصعد يأخذهم للأعلى وكلاهم يقف بعيدا عن الآخر
شقته كانت رائعة، واسعة جدا وذات ذوق راقي، أعجبها كل شيء فقالت "جميلة حقا"
كان يضيء الأنوار فالتفت لها وقال "ساهر يتميز بذوق عالي بالديكور كما بالنساء"
ضحكت لتعليقه وقالت وهي تلف بالمكان "لماذا ستترك هنا؟"
قال وهو يسكب عصير لها وبيرة لنفسه من البار الصغير "لم أفعل، الفيلا الجديدة كانت عمولة من أحد عملاء الشركة وكانت من نصيبي لكني أخبرتك لم أنتقل لها"
أخذت العصير وقالت وهي ترفع رأسها لتصل لوجهه "ربما لو تزوجت؟"
ابتسم والجاذبية تلتصق به على الفور وهو يتناول البيرة ثم قال "ليس من ضمن خططي، الزواج قيد والتزام وأنا لست مؤهل لذلك، المرأة تريد كل شيء من الرجل وأنا ليس لدي أي شيء لأمنحه لها كل ما أعرفه هو العمل وليس هناك امرأة تقبل بشريك مثله"
شحب وجهها من كلماته عن الزواج والمرأة فقالت تدافع "ولكن الأسرة والعائلة هما أمر طبيعي ينتهي عنده كل الناس، بمرحلة ما الوحدة تخذل صاحبها وتجعله ينبذها باحثا عن الونس"
ظل يواجه عيونها وقال "لدي إخوتي وأولادهم لن يمكنكِ الشعور بالوحدة معهم أبدا"
تناولت بعض العصير لتبلل فمها الجاف وقالت "ولكنك لن تبقى معهم للأبد"
كانت على حق، كثيرا ما كان يجد نفسه وحيدا ويرحل للجري أو الجيم ولكن بالنهاية يعود للوحدة، ابتعد من أمامها وقال "للأسف لا طعام بالبيت فأنا لا أتواجد هنا إلا نادرا، أحتاج حمام سريع واستبدال ملابسي، يمكنك التحرك بحرية"
وتركها وابتعد وهي تعلم أنه يفر منها ومن مواجهة الحقيقة ولكنها أدركت أن اعتقاده الراسخ بالزواج والمرأة سيظل حاجزا لا تعلم متى يمكن أن ينهار؟