رواية جاسم الفصل السادس6 بقلم داليا السيد


رواية جاسم بقلم داليا السيد
 
 رواية جاسم الفصل السادس6 بقلم داليا السيد

هذا أنا مايا.. 
عندما عاد كانت قد نامت على الأريكة فتوقف وهو يتأملها بدهشة، هل حقا نامت هنا؟ ببيته؟ رغم كل العداوة التي كانت بينهم؟ وهو، كيف أتى بها هنا؟ لم تدخل شقته أي امرأة من قبل، لن ينكر أنه تعرف على نساء كثيرة أثناء العمل وبالكافيهات التي يقضي بها معظم وقته ولكن ليس أكثر من وقت ممتع ينتهي برحيل كلا منهما بطريقه، لا صحبة دائمة ولا علاقة من أي نوع بل كان يعاملهن أسوء معاملة
شعرها تبعثر على وجهها وانكمشت حتى بدت صغيرة جدا ولكن جميلة جدا ولا يعلم ما الذي يدفعه ليلمس وجنتها 
جذب نفسه من الأحلام وتحرك لغرفته وجذب غطاء وعاد ليضعه فوقها وأطفأ الأنوار عدا واحدا خافتا وتركها تنام بلا إزعاج
عندما استيقظت كانت تمدد جسدها ولكنها كادت تسقط فانتبهت وهي تفتح عيونها لتجد نفسها بمكان لا تعرفه وعلى أريكة و.. 
الذكرى ضربتها، شقته، بيته، لقد نامت وها هو تقريبا منتصف النهار، هل نامت كل ذلك؟ وببيته؟ 
هبت واقفه والغطاء يسقط حولها فرفعته وهي ترتبه جيدا ثم لفت حول نفسها وهي تبحث عنه ولكنها فزعت على جرس الباب
لحظات ورأته يخرج من غرفة جانبية وابتسم لها وقال "ها أنتِ استيقظتِ" 
تحرك للباب وفتح ليأخذ الطلبات من الرجل وهي جامدة مكانها لا تعرف ماذا يحدث حولها، عاد بالأكياس وقال "الطعام، هناك حمام للضيوف على يمينك وآخر بنهاية الردهة لو فضلتِ الاغتسال حتى أعد الأطباق" 
ما زالت تحاول استيعاب ما يدور حولها ثم تحركت للحمام الكبير بنهاية الردهة الطويلة والمفروشة بسجادة طويلة فاخرة، الحمام كان واسع ومعد بشكل حديث جدا ومجهز بكل شيء، اغتسلت ومشطت شعرها ثم خرجت لتجده قد أعد المائدة بالمطبخ تحركت وجلست وهي تقول 
"آسفة لأني نمت بتلك الطريقة" 
لم ينظر لها وقال "كنتِ متعبة، تمنيت لو نقلتك للفراش ولكن" 
ولم يكمل وهي توردت ولم ترد وهي تتناول الطعام وعاد الصمت حتى انتهوا، صنعت الشاي ولملمت الأطباق وهو ساعدها فقالت "أنت حقا لا تتناول أي طعام منزلي" 
ابتسامته الرجولية تذيبها وصوته الرخيم يدفعها لركن بعيد "هذا صحيح، فقط عندما تصر هدى على دعوتنا لمناسبة عائلية وقتها لا أنهض من على المائدة حتى أنهي كل الأطباق" 
ضحكت كما فعل وقالت "ولكنك لا تبدو ممن يفرطون بالطعام، تملك جسد رياضي يتناقض مع كلامك"
تحرك معها لخارج المطبخ وقال "لذا ما أن أعود حتى أجري ثلاثة أميال زائدة، مرة كل فترة لن تهد شيء"
وقف أمام النافذة وجلست أمامه وقالت "تعلم أن الطعام الجاهز له أضرار كثيرة" 
تناول الشاي وقال "لا تبدئي، تلك النصائح لا تجدي معي نفعا، هدى فقدت الأمل"
لم ترد فنظر لها فقالت "أندهش لحياتك هذه، بلا هدف"
تحرك وجلس بالمقعد المجاور لها وقال "وما الهدف سوى العمل يمكن أن يثير اهتمامي؟" 
قالت بيأس "نعم نسيت العمل، ماذا عن صحتك؟ عملك لن يفيد لو فقدت صحتك" 
أنهى الشاي وقال "لم أصل لتلك المرحلة، أظن أني أتمتع بصحة جيدة" 
هزت رأسها ولم ترد فقال "نحن تقريبا متفقين"
رفعت وجهها له بلا فهم ورددت "متفقين؟ بماذا؟"
ظل يواجه عيونها وقال "الوحدة"
كان على حق ولكن بشكل مختلف، نهضت وقالت "ألن نذهب من هنا؟ أحتاج لحقيبتي"
نهض هو الآخر وقال "نعم دعينا نذهب"
ارتاحت لأنه لم يصر على التدخل بحياتها رغم أنها اخترقت حياته ولكنها لا تريد التذكر فالذكرى تؤلم وهي لا تريد الألم
الفيلا كانت بكمبوند سكني جديد بعيدا عن القاهرة، فيلات متماثلة ولم تكن كلها مسكونة فبدت هادئة جدا، قال "معظم السكان شخصيات معروفة من المشاهير وقليلين، الأسعار هنا مرتفعة لكن المزايا جيدة" 
كانت بالفعل فيلا رائعة ولا تقل عن شقته جمالا ولكنها كبيرة جدا وبدورين وحديقة، حمام سباحة، مطبخ واسع حمام بالأسفل ومكتب وغرفة للضيوف وأخرى للطعام
بالطبع الغرف بالأعلى للنوم ولكنه لم يخبرها بذلك، وضع حقيبتها وقال "سأبقى بالسيارة لن أبتعد"
التفتت له وهتفت "لا، أقصد لن يمكنني البقاء بكل ذلك وحدي" 
أدرك أن الخوف عاد للسطح فاقترب منها وقال "من الصعب البقاء هنا، نحن الاثنان معا" 
وتوقف فأخفضت وجهها وهي تعلم أنه على حق ولكنه عاد وقال "يمكنني البقاء بالمكتب لو كنتِ تثقين بي"
رفعت وجهها وهتفت بلا تردد أو تفكير "أنا بالفعل أثق بك، أقصد، أنت أنقذت حياتي فكيف لا أثق بك؟" 
كانت كلماتها ونظراتها تعني له الكثير وثقتها هذه ثمينة جدا وطوق حول عنقه، هز رأسه وقال "حسنا، سأبقى، هل تصعدي وترتاحي؟" 
هزت رأسها وهي حقا سعيدة بوجوده فقالت "شكرا لك، شكرا على كل شيء" 
تابعها وهي تختفي بالأعلى، مجنون، نعم هو مجنون وتصرفاته كلها غبية وبلا مسؤولية، أخذها لبيته، شقته وباتت بها والجنون كاد يلتصق به وهي تنام كالملاك أمامه والآن هنا معه بنفس البيت فكيف سيقاوم انجذابه لها؟ وماذا سيخبر قاسم؟ 
تحرك للمكتب ودخل وهو يغلق الباب خلفه وظل واقفا وهو يتنفس بقوة، ما هذا الجنون الذي يصيبه؟ هو أخبرها برأيه بالمرأة والعلاقات كلها فلماذا هي اختلفت؟ لماذا يجد سعادة بالحديث معها وراحة بأن يحكي بلا قيود؟ 
تحرك للمكتب وجلس خلفه ورفع قدميه عليه وأسند رأسه على المقعد وهو يفكر بها، يكاد لا يرى أو يسمع سوى عيونها وصوتها وضحكتها الرقيقة
هي تحمل سر داخلها ولم لا ألا يفعل هو الآخر؟ سر جعله يصفع الباب بوجه العلاقات، هي الأخرى عيونها تنطق بالألم عندما يخطو لتلك المنطقة.. 
• لم تنم وإنما أخذت حمام واستبدلت ملابسها ولم تفكر بصحة ما تفعله لأنها لو فكرت ستتراجع، لا صحة في أن تجعله يبقى معها بنفس البيت لكنها كانت خائفة ولا أمان إلا بوجوده
نزلت للمطبخ وجدت أشياء بالدواليب فابتسمت ومارست الشيء الذي يشتت أفكارها لكنها لم تنجح بإبعاده عن ذهنها ولا عيونه من أمامها
لأول مرة يجذبها رجل لتلك الدرجة، توقفت يدها عن تقطيع البصل وهي تشرد بكلماته عن الزواج والمرأة، ترى هل كانت له سابقة جعلته يتخذ ذلك الموقف من كل شيء ويرفض حتى البيت والأسرة؟ 
عادت للبصل ولا إجابة لأي سؤال، وضعت الزبدة بالمقلاة والبصل وهي تعود لكلماته عنها "أنتِ أنثى بكل ما تحمله الكلمة من معنى" ما زالت تردد الكلمات على ذهنها ولا تنكر سعادتها بها، عندما رجل متكامل من كل شيء يمدحها هكذا فلابد أن تكون سعيدة
بالعاشرة كانت تضع الأطباق وبها الطعام على المائدة، نزعت مريول المطبخ عنها وتحركت للمكتب وأخذت نفس عميق قبل أن تدق الباب، لم يجيب فدقت مرة أخرى حتى سمعته يأذن
فتحت فرأته يعتدل على مقعد المكتب وعيونه حمراء وشعره مبعثر فقالت "كنت نائم!؟" 
مسح وجهه بيداه ثم قال "تقريبا" 
نهض وبدا متعب وطال شعر ذقنه أكثر، هي لم تراه بدونه أبدا، ترى كيف سيبدو لو أزاله؟ ماذا لو فعلت هي؟
أفاقت من جنونها وهو يقف أمامها ويقول "هل هناك شيء؟ ظننتك ستنامين" 
رفعت وجهها له وقالت "لا لقد جهزت العشاء، هل تشعر بالجوع؟"
نظراته كانت تعني دهشة أو حيرة أو لا يعلم ولكنه قال "هل طهوتِ طعام؟" 
هزت رأسها وفرت هاربة من أمامه الضعف يسرع لها بقربه لذا لابد أن تظل بعيدة، تبعها واندهش وهو يقول "كان من الأسهل.. "
قاطعته "أنا لا أحب الأسهل ولا أهوى الطعام الجاهز مثلك، اعتدت على إعداد طعامي بنفسي، لو أردت يمكنك طلب طعام لنفسك" 
لم ينظر لها وهو يجلس وقال "وأنال ضربتان من عصا أبلة حكمت؟ لا شكرا مرة واحدة لا تضر" 
أرادت أن تضحك ولكنها لم تفعل ووضعت رأسها بالطبق وتركته يتعامل بمفرده
انتهت قبله وراقبته وهو ينهي طعامه ثم تراجع بالمقعد وقال "هدى ستغضب لو عرفت أني تناولت طعام منزلي ليس من يدها" 
أزالت الأطباق وقالت "لا أظنها ستغضب بل ستكون سعيدة لتوقفك عن طعام الشارع"
فزعت وهو يقول بجوار أذنها "لكن هذا لن يدوم كثيرا أليس كذلك؟" 
التفتت لتلتقي بنظراته التي انسدلت من ارتفاعه الشاهق لتلتقي بعيونها وتعالت الأنفاس وتسارعت دقات القلوب تعلن عن مشاعر غريبة تضربها بقوة وهي لا تترك عيونه ورائحة عطره تسيطر على الهواء 
عاد وقال بنبرة مختلفة "الطعام جميل حقا" 
ثم ابتعد من خلفها وهو الآخر يدرك ذلك القرب الذي يضعفه وتلك العيون التي تبهره وتجعله يريد التوقف أمامها دهر كامل بلا ملل
نعم هو محق، ذلك لن يستمر كثيرا بمجرد أن يجد ذلك الجبان سيعيدها لحياتها ويعود لحياته ويفترقا للأبد، من الغريب أنها لم تفكر بخطأ وجودهم ببيت واحد، ألا تظن أن ذلك جنون؟ وماذا عن قاسم؟ لو عرف ذلك قد يقتله
تبعته عندما انتهت ووجدته يتجول بالحديقة ثم عاد لها وهي تقف بانتظاره وهو يقول "لم تخبريني أنه كان هناك رجل بحياتك؟" 
ضربتها المفاجأة ولجمت لسانها بل وسرعان ما اخترق الغضب كل كيانها وتسرب ليخرج على وجهها ولكنه أسرع وأكمل "كان لابد من جمع كل المعلومات الخاصة بكِ لنعرف من أين يأتي الخطر" 
تركته وتحركت للداخل وهي تحاول ألا تثور بوجهه مرة أخرى وتنطق بكلمات تندم عليها، لحق بها حتى توقف أمامها فجأة مما جعلها تقف والغضب ودموع تجرح عيونها فقال 
"آسف" 
كانت عيونه صادقه تنم عن الأسف ولكن أيضا فضول، ولم لا وهي أيضا كان لديها فضول تجاهه، أبعدت وجهها وتنفست بانتظام لتهدئ من غضبها فعاد يقول "رجالي تتحرى عن كل شيء ولا يميزون الخاص من العام وعلاقة كهذه" 
هتفت بغضب "ليست علاقة، لم ولن تكون" 
والتفتت تمنحه ظهرها لتخفي دموعها فتفهم وتركها لتهدأ ثم قال "فقط كان لابد أن تخبريني" 
لم تنظر له وقالت "كنا نتراشق بالحجارة أم نسيت؟" 
رفع يده لشعره ودفعه للخلف وقال "لا، لم أنسى ولكنا أنهينا الخلاف وكان لابد من الصراحة"
التفتت له فأكمل "حياتك محل خطر كم مرة لابد أن أذكرك بذلك؟" 
هتفت "مروان لا يمثل أي خطر لقد خرج من حياتي ولم يعد له أي وجود وكذلك أنا" 
ضاقت عيونه وهو يرى الغضب المشتعل بعيونها ووجد نفسه يريد المزيد عن ما عرف بالتأكيد هناك حكاية وليس علاقة انتهت بوقت قصير كما تحاول التلميح والغضب الواضح بعيونها يعني جرح وألم
ظل صامتا حتى يمتص غضبها حتى مسحت دموعها وقالت "أنا أحتاج للنوم طابت ليلتك"
وتركته وتحركت للأعلى وهو لم يتحرك بل ظل ثابتا مكانه، لن يمكنه إجبارها على قول ما لا تريد قوله لكنه بذات الوقت أراد أن يعرف عنها ما لا تريد النطق به
الصباح أتى سريعا وهي كالعادة ما بين البكاء والذكريات ظلت طوال الليل حتى نزلت مبكرا جدا وظنت أنها ستكون وحدها ولكنها تفاجأت عندما رأته على حمام السباحة ويقوم بتمارين رياضية وبدا التي شيرت كله مبلل من العرق الذي انسكب من على وجهه وجسده 
لم تتوقف كثيرا كي لا يلاحظ وجودها ولم تحاول فعل أي شيء كي تخفي عيونها 
جهزت الإفطار مما وجدته وأعدت له عصير عندما سمعته يقول "صباح الخير" 
لم تنظر له وهي تمد العصير تجاهه وتقول "صباح النور، هذا عصير من أجلك" 
لم يرفضه وتناوله كله ثم قال "لم أعتد على تلك المعاملة" 
وتحرك للحمام السفلي واختفى داخله حتى وضعت الطعام والشاي وجلست تنتظره عندما خرج كان قد أخذ حمام واستبدل ملابسه ببنطلون جينز أسود وقميص رمادي وترك شعره مبلل 
جلس وقال "إفطار صحي"
لم تنظر له وقالت "المتاح بالثلاجة، ألا يمكن أن نحصل على أشياء للطعام؟"
تناول البيض وقال "سأفعل، هل تعرفين شخص اسمه سعد الشبراوي؟"
رفعت وجهها له ولكنه لم ينظر لها وصمتها جعله يكمل "من المفترض أنه معيد بالكلية أليس كذلك؟" 
ظلت تنظر له وهي بالفعل قللت من شأنه فهو عرف الكثير الآن وهي لا تستطيع الإنكار، عاد يقول "أنتِ تصعبين الأمر عليّ مايا، تجعليني أبحث بعيدا وأستهلك رجال ووقت بينما بيدك كل شيء"
دفعت المقعد للخلف وقالت وهي تزيل طبقها "لم أعتد أن أحكي عن مشاكلي مع أحد"
تابعها وقال "عقدنا معاهدة لو تذكري" 
التفتت له واستندت على طرف حوض الغسيل وقالت "كنت بأول عام لي بالجامعة عندما التقيت مروان"
أنهى الطعام وتراجع بالمقعد وهو يتابعها وقد عقد ذراعيه القويتين أمام صدره فأكملت "لم يكن تعارف بالجامعة، كان بالفيلا المواجهة لفيلا قاسم، وقتها كنت أقيم هناك، فقدت أول قطة امتلكتها، فرت من الحديقة ودخلت حديقته فأسرعت لهناك حيث قابلته، كان مؤدب وجذاب ويعرف جيدا كيف يسقط فريسته" 
التفتت لحوض الغسيل واستندت عليه وهي لا ترغب بالحديث ولكن هناك ما يدفعها لتفعل فأغمضت عيونها المتعبة وقالت "لم أكن أعرف شيء عن تلك العلاقات، فقط أسمع من البنات من حولي، هو لم يرحمني، لاحقني بالكلية والهاتف وتقريبا كل مكان حتى وجدت نفسي لا أستطيع التوقف عن التفكير به، قاسم لم يهتم بالأمر وظن أنها مجرد معرفة سطحية ومروان أخبرني أن والده رجل أعمال غني ومعروف يعيش بأمريكا ويترك له الفيلا، دعواته لي للحفلات بمكان غريب تكررت ولكني كنت أرفض دائما ولم ألاحظ أن ذلك كان يغضبه"
فتحت عيونها والتفتت لتراه منتبها جدا لكل كلماتها وملامحه جامدة لا تعبر عن شيء فأكملت "تبدلت معاملته معي وبدأ يهملني، نوع من الضغط لأوافق على الحفل"
صمتت فقال بهدوء "وذهبتِ"
هزت رأسها وهي تخفض وجهها وقالت والذكريات تعفر صفو حياتها "نعم ولكن صفا زميلة كانت بيننا أتت معي، طلبت منها ذلك بإلحاح فوافقت، هو لم يتوقع صفا وأنا لم أتوقع الكذب" 
هز رأسه وقال "لا حفل"
تحركت وجلست مرة أخرى وقالت "ذكر أسباب لا أذكرها وتحرك بغضب ليجلب شيء فرن هاتف صفا وما أن أجابت حتى صرخت بفزع، أحدهم أخبرها بتعب والدتها فاعتذرت مني وكدت أرحل معها لكنه عاد وثار غاضبا بينما اختفت صفا دون انتظار خلافنا وقد فهمت الخطة"
اشتدت عضلاته ونهض وهو يحاول إيقاف غضبه عندما فهم، جذب زجاجة بيرة من الثلاجة وتناولها وهو يراها شاردة بنظراتها فقال "لمسك؟ تحرش بكِ؟"
كانت تتذكر والدموع تهاجمها وقد تعبت منها شعرت بيده تلمس ذراعها فانتفضت مبتعدة فقال بهمس "هذا أنا مايا"
ظلت تنظر له بالدموع التي تخفي الألم وقالت "هو نطق بنفس الجملة؛ هذا أنا مايا، وبدأ.."
ولم تستطع أن تكمل، دفنت وجهها بين راحتيها والبكاء يتصاعد وتمنى لو يضمها له ليمنحها بعض الراحة ولكن لا يمكنه فعل ذلك
قال بنبرة هادئة كاذبة "هل تهدئي؟ لقد انتهى الأمر"
مسحت دموعها وهي تبعد يداها ولم تنظر له رغم قربه وهي تقول "أصبته إصابات عديدة كما قال قاسم وهو.. ملابسي.. لكني بعد أن أصبته هربت وظللت أجري بلا توقف حتى وصلت لقسم الشرطة وسقطت فاقدة للوعي" 
تنفس بقوة وهو يدفع شعره بيده للخلف وابتعد من أمامها وقال "تم القبض عليه؟" 
هزت رأسها بالنفي وهي تذكر ما حدث وقتها وقالت "لا، ما أن بدأت الإجراءات وإذن الإحضار حتى"
هز رأسه هو الآخر بتفهم وقال "فر هاربا، ذلك الروتين يأخذ الكثير"
نعم هذا بالفعل ما حدث قالت "نعم، صدر ضده حكم غيابي ولكنه اختفى واكتشفنا أنه كان يستأجر الفيلا وعليه شهرين لم يدفع، لا أب كما ادعى كله كذب كان يريد، يريد" 
ولم تكمل فابتعد أكثر وقال "اغتصابك وتصويرك وابتزاز قاسم من أجل المال" 
لم تجيب وهو لم يحتاج لرد لأن ذلك كان واضح فظل صامتا وهي ترفع وجهها له وقالت "لم يمسني" 
التفت لها ورأى شحوب وجهها ودموعها فأكملت "لم يستطع وضع يده عليّ وإلا لقتلت نفسي"
أدرك كلماتها وشعر بهدوء يمسه وقال "من المحتمل أن يكون هو من يفعل ذلك، نوع من الانتقام، من الواضح أنه شخص مجرم سأتحرى عنه جيدا، ماذا عن المعيد؟" 
مسحت دموعها وقالت "لا شيء، تقدم لقاسم يطلبني للزواج ورفضت، ليس هو فقط بل أكثر من واحد فقط هو مميز لأن تصرفاته معي بالكلية واضحة أمام الجميع، الكل يعرف أنه معجب بي"
لا يعلم لماذا تلك الأمور تضايقه؟ أنها قد تكون مع رجل حتى ولو كان زوجها فهذا يغضبه ويغضبه جدا
حدق بها ثم قال "ترفضين بسبب مروان؟"
"مروان كان أسوء مرحلة بحياتي أخذت مني الكثير لأتخطاها أنا أصبت بانهيار عصبي بعدها وتابعت مع طبيب نفسي حتى شفيت وقد تنبأ بانهيار عصبي لكني تجاوزت الأمر، أنا لا أعرف الآن كيف أدفع الخطر عن نفسي كما فعلت وقتها، عقلي يتوقف عن الاستجابة والخوف يسيطر عليّ لذا لم يكن من السهل دخول رجل جديد بحياتي" 
كانت حقائق جديدة تظهر أمامه فأدرك سبب رفضها له وعاد يقول "أفقدك الثقة بالجميع"
لم ترد ولم تواجه عيونه وهو يقترب ويقول "ولكنك هنا ومعي ولا تبدين خائفة"
رفعت وجهها له وقالت "لم أخاف منك بأي وقت، الغضب ربما لكن إنقاذك لحياتي لا يدفعني إلا للثقة بك"
تحرك ليبتعد فشعرت بالخزي من نفسها أمامه، بالتأكيد ظن أنها فتاة سيئة فوقفت وقالت قبل أن يختفي "أنا لست سيئة جاسم" 
لأول مرة تنطق باسمه ووضعته بجملة لم يرد أن يسمعها، لم يلتفت لها وقال "ومن أنا لأحكم عليكِ؟ أنا بالكاد أعرفك أنتِ ترفضين إزالة الحواجز"
اقتربت ولكن لمسافة آمنة وقالت "لم يمنحك ما قلته سبب لموقفي؟" 
التفت ليواجها ولم تفر من أمامه حتى قال "نعم فعل فقط تمنيت لو تحدثتِ بلا ضغوط" 
قالت "سأجيب نفس الرد، كان لدي عذري" 
اعترف أنها على حق فقال "أنا لا أجادل بأن لكل شخص حياته الخاصة وليس من حق أحد التدخل بها لكن ما بيننا مختلف مايا، ما بيننا عمل، أنا أحاول حمايتك، دفع الخطر عنكِ وبطريقي لتحقيق ذلك أحتاج كل معلومة ولو صغيرة لترسم طريق الوصول لذلك المجنون"
كانت تعلم أنها تبدو كالبلهاء أمامه ولكنها لم تهتم ولم يعد هناك ما يجعلها تتراجع، قالت "أنت الآن لديك كل شيء عني"
وجودهم سويا يعني الجنون، قربهم هكذا أكبر خطأ ارتكبه، لا يجوز أن يتحول اهتمامه بالعميل للحد الشخصي، سيهزم لو تعلق بها وهو يسقط بالشبكة دون أن يشعر 
همست "هل تصدق أني شريفة؟" 
كان ذلك يعني لها الكثير، لابد أن يفهم أن لا مروان ولا سواه لمسها، هي ما زالت الفتاة النقية، البكر العذراء، تحتفظ بنفسها للرجل الذي سيكون زوجها
لا يفهم سؤالها، هل تهتم برأيه؟ لم يكن يدري أنه كان يغلق المسافة بينهم وهو يقول "هل يهمك ذلك؟"
لم تشعر بقربه وعيونها ترتفع مع اقترابه لتظل ثابتة على عيونه بالضبط كما كان هو وهي تجيب "أكثر مما تتصور" 
وأخيرا رفع يده لوجنتها الناعمة ومررها عليها بشعور غريب جعله يدرك أنه يفقد السيطرة وهو ما لا يحبه، أسقط يده وقال "نعم أصدق" 
قلبها كان يعلن عن سعادته بدقات عنيفة وأنفاسها كانت تحاول أن تجاري بعضها البعض وهي لا تقطع اتصال العيون وقالت "شكرا لك"
أحنى رأسه واقترب من وجهها لتسقط أنفاسه على وجنتها، حارة، قوية وعطرة برائحة رجولته التي أخذتها بقوة، أغمضت عيونها بلا وعي وهو يلمس شفتيها بشفتيه الغليظة ويلمس نعومتها، قبلتها لا تسمى قبلة فهي مرتبكة جامدة لا تعرف ماذا تفعل، بريئة، وجميلة مثلها تماما
لم يتركها ولم يعرف متى لفها بذراعه وجذبها لجسده الذي استجاب بشكل جعله يرغب بالمزيد وهي لم تعترض بل وانفرجت شفتاها له محاولة أن تمنحه أي شيء ولكن صوت غاضب جعلهم يفترقان بفزع 


تعليقات



<>