
رواية أنين القلوب الفصل الخامس بقلم داليا السيد
حياه جديدة
استقر كاظم في فراشه بغرفته بمساعدتها ومساعدة لي لي وأخيرا شعر بالراحة ونظر لجاسر وقال "أريدك لا تذهب هيا يا لي لي اذهبي أنت وارتاحي وأنت يا جي هل رأيت غرفتك؟"
هزت رأسها بالإيجاب وقالت "نعم"
عاد وسألها "هل لي أي شيء الآن؟"
هزت رأسها نفيا فقال "إذن اذهبي وتعالي عندما أطلبك"
هزت رأسها وألقت عليه نظرة جانبية ولكنه كان يجلس في كبرياء ولا يلقي لها أي اهتمام فأشاحت بوجهها وخرجت خلف لي لي
بدأ كاظم الحديث "من وراء ما حدث؟"
ضاقت عيون جاسر وقال "المنصوري"
قال بغضب "الكلب، يعض اليد التي امتدت له ماذا ستفعل معه؟"
ابتسم جاسر وقال "لقد فعلت بالفعل وأرسلت بوكيه الورد للعزاء"
تراجع كاظم وقال "لا أفهم"
أجاب جاسر بثقة "أولاد حسن، لقاء مع عبد الجواد أثار الشك تجاه المنصوري مع بعض الأوراق التي تثبت كلامي فالمنصوري يلعب بقذارة باسمهم وأنا بالطبع أعرف فقدمته لأولاد حسن والليلة سيقام العزاء على روحه الطاهرة، لن ألطخ يدي بدمه ولكني لم ارحمه"
شعر كاظم بالضيق وقال "لم يعرف أنه انتقامي"
ابتسم جاسر وقال "اطمئن لقد عرف وأنا بنفسي من أخبره ذلك، هذا كان شرطي على أولاد حسن؛ أن أراه قبل قتله وهناك أخبرته بالأمر"
ابتسم كاظم بانتصار وقال "هذا هو ابني"
نهض جاسر وهو يفك ربطة العنق ويقول "هل تسمح لي الآن؟ أرغب بأن أنام"
كاظ يتحرك لولا أن أوقفه الرجل وقال "جاسر ما أخبارك مع ندى؟"
لم ينظر له فهو يعلم أن الأمر لا يروق له فقال "لا جديد"
لكن كاظم سأله "هل ما زلت تصر على الزواج منها؟"
مرر يده بشعره ونظر لوالده وقال "بابا ألم ننتهي من هذا الأمر؟ حضرتك تعلم.."
قاطعه الرجل "أنا لا أعلم إلا شيء واحد؛ أنني لا أريد تلك المرأة يا بني، أنا أريد أن أراك سعيدا، ليس النجاح العملي كل شيء بالحياة أين قلبك؟"
قال بهدوء "بابا بالنسبة لي النجاح بالعمل هو السعادة وقلبي وظيفته أن يمنحني الدم للحياة فقط وليس له عندي أي شيء آخر فهو خلق لذلك" "
نفى الرجل كلمات ابنه بغضب مكتوم "لا يا جاسر أنت مخطئ يا بني، الحياة بها أشياء أخرى غير العمل والحب أهمها"
ابتسم جاسر وقال "تعلم أني لا أعترف بالحب ولا وقت له عندي ولا توجد امرأة يمكن أن تجعلني أعترف بالحب من الأساس، أتركني حضرتك ولا تقلق"
صمت كاظم فهو يعلم أن ابنه الذي عاش بالخارج اعتاد على الحياة العملية التي ليس للعواطف أي مكان فيها، تابعه وهو يخرج والحزن يملأ قلبه..
اعتادت الحياة الجديدة وبدء الحزن ينكمش داخل قلبها وذكريات والدها تحفر في عقلها الباطن وبدأت تعتاد على الفيلا ولكن ليس بخارج غرفتها أو غرفة كاظم وكل خميس تذهب لزيارة والدها ولم تكن ترى جاسر إلا قليلا عندما يمر على والده لرؤيته فتتركهم وحدهم دون أي حديث فمنذ أن تصادمت معه حتى مات الكلام بينهم ولكن نظرات العيون المتبادلة لم يفهما أيا منهما وعرفت من لي لي أنه خاطب وبالطبع عرفت أن الجميع غير راضي عن ندى ولكنها لم تهتم
بدء العجوز يتحسن وشجعته على الخروج إلى الحديقة ولم يتركه دكتور وائل الذي كان يتابعه بالمشفى ولاحظ كاظم نظرات الطبيب لها فتضايق وحاول أن يقلل من زيارته وبدء العجوز يشارك أولاده على مائدة الطعام وبالطبع هي معهم ولكن جاسر لم تكن تراه إلا نادرا على العشاء
كانت تمضي وقتها بين القراءة لكاظم أو لنفسها أو مع لي لي عندما تكون موجودة إلى أن تغير الوضع بحضور ندى في ذلك المساء، بينما لم يعرف هو سر تعلق والده بهذه الفتاه ولكن الغريب أنه منذ أن وقعت في حياته وهو يفكر بها كثيرا
براءتها وهدوءها وربما كبرياءها، بساطتها في كل شيء، كلماتها ملابسها حتى ملامحها الجميلة بسيطة وهو ما يذيدها جمالا وعند هذا الحد كان يغلق باب التفكير، لم تجذبه أي امرأة من قبل، أي مغامرة له كانت من باب المتعة ليس أكثر وهم معدودين فالنساء في حياته قليلة لم يملك الوقت لهن العمل كان كل حياته متعته الأولى والأخيرة لذا حتى ندى لم يكن ينجذب إليها إلا لمجرد الشكل العام فقط وهي تعلم ذلك وهو لم يهتم..
"مساء الخير يا عمي كيف حالك؟"
نظرت جي إلى ندى ذات العيون الخضراء والفم الدقيق بذلك الطلاء الهادئ على شفتاها وشعرها الأصفر القصير وملابسها الأنيقة والثمينة ورأت جاسر يدخل خلفها بأناقته المعهودة ويقول وهو يلقى عليها نظرة لم تفهم معناها بل بادلته بنفس النظرة وكأنها تستفسر عما تخفيه عيونه
"مساء الخير"
لم تتحرك وهي تراهم يحيطون بالرجل الذي قال "أهلا يا ندى كيف حالك؟ متى عدت؟"
جلست أمامه ووضعت قدم فوق الأخرى لتظهر كل ساقها من تلك الجيب القصيرة ونظرت لجاسر الذي فتح جاكته وجلس بجانبها وسمعها تقول "اليوم صباحا، أخيرا انتهيت من إجراءات القرية السياحية ما رأي حضرتك لو عزمتك فيها لقد اختلفت بعد التجديدات"
نظر كاظم لجاسر وقال "وجاسر هل سيذهب هو الآخر؟"
رد جاسر بلا اهتمام "لا أعلم، لم أتفق معها على شيء عندي أشغال كثيرة"
قالت ندى بدلال شعرت جي أنه مصطنع "حبيبي لابد أن تتفرغ أنهم يومان فقط، من فضلك"
لم تعد تتحمل ربما ضايقها التصنع أو التكلف أو ربما شيء آخر داخلها لم تفهمه بعد فقامت وهمست لكاظم "هل أذهب أنا؟"
ولكن الرجل قال بإصرار "لا سنتناول العشاء وأنت معنا"
نظرت ندى إليها وكأنها تراها لأول مرة وقالت ببرود "من هي؟"
بالطبع لابد أن تتحدث عنها بهذه الطريقة فلا يمكن إجراء أي مقارنة بينهما، قال جاسر ببرود وهو ينظر إليها "الممرضة الخاصة ببابا"
تفحصتها عيون ندى وقالت "وكيف تتناول معنا العشاء؟ من المفروض أن تتناوله مع الخدم"
شعرت جي بالدماء ترتفع في وجهها وقالت "أنا ممرضة ولست خادمة، ثم ماذا بهم الخدم؟ هم بشر مثل حضرتك تماما ؛ يعملون ويكسبون المال، يأكلون نفس الأكل ويعيشون نفس الحياة"
هتفت ندى بضيق "كيف تتحدثين معي هكذا؟ أنت وقحة ولا تعرفين عن الأدب شيء"
حدقت بها جي بغضب وكادت ترد لولا أن قال كاظم بغضب "ندى أنا لا أسمح لك بإهانة أحد من أهل بيتي، اعتذري لها"
تراجعت ندى وقال "ماذا! لا، بالطبع لن أفعل، جاسر!؟"
نظر جاسر لها ثم قال "بابا هل نحل هذا الأمر بيننا؟"
ولكن الأب أصر "قلت اعتذري لها أو لا تبقي معنا"
احمر وجه ندى ووقفت وقالت "لن أبقى لأني لن أعتذر"
وتحركت إلى الخارج فنهض جاسر بنفس البرود ليتبعها دون كلمة واحدة ولكن كاظم قال "جاسر، لن تذهب"
لم يتوقف جاسر وهو يقول "بابا"
واختفى خلف خطيبته وحاولت هي أن توقف الدموع ولكنها لم تستطع، أمسك كاظم بيدها وقال بحنان "لا تبكي يا جي، هكذا هي ندى، أنا أعلم أنها جرحتك ولكن.."
قالت بحزن وألم خفي "حضرتك شفيت جرحي، أنا فقط تذكرت بابا وعرفت لماذا لم يكن يريدني أن أعمل وأواجه الناس لقد كان يرى هذا العالم الذي لم أراه"..
هدأت وهي تعطي العجوز دواءه قبل النوم وجلست تقرأ له ولكن دق الباب ورأت جاسر يدخل، نهضت لتذهب ولكن جاسر بحدة واضحة قال "انتظري، بابا من فضلك لابد أن أخبرها أن ما حدث اليوم لن يتكرر مرة أخرى"
قالت بقوة لم تعرف من أين تأتيها "أنا لم أفعل شيء، هي التي أخطأت أم حضرتك لم تلاحظ ذلك؟"
نظر إليها وإلى طريقتها الساخرة فقال "هذا لأن لسانك هذا طويل أكثر من اللازم ويحتاج إلى قصه وأنا سأفعل إن لم تتوقفي"
لم يردعها تهديده وقالت بشجاعة "لن أكف وأنا أنتظر أن تفعل، هيا أنا أنتظر"
لم تكن تعلم كيف تأتيها الشجاعة والقوة للرد عليه، رأته يتجه إليها والغضب يعمي عيونه ولكن رغم دقات قلبها القوية إلا أنها لم تخاف أو تتراجع وهو يتقدم نحوها ويقول بغضب "لا تستفزيني أنت لا تعرفين من أنا؟ أنا يمكنني أن أسحقك بأصغر إصبع لدي فابتعدي عني"
كان الغضب الذي تطاير من عيونه يكاد يحرقها ولكنها ثابتة لا تتراجع وتأملهم كاظم وكأنه سعيد بهم وهي ترد "أخبرتك أني لا أخاف ليس عندي ما أخاف عليه أو أهتم به، هل تريد قتلي؟ إذن لتفعل أم تريد تعذيبي لتفعل أيضا فلن أهتم فليس هناك ألم يمكن أن يؤلمني من بعد ألم فقدان بابا هيا تفضل"
توقف جاسر أمام عيونها الجريئة والمليئة بالدموع فتراجع وقال "بابا من فضلك ضع لها حد وإلا لن أكن مسؤول عن تصرفي معها"
تدخل كاظم أخيرا "جي هل تهدئي؟ جاسر على حق"
نظرت إليه فغمز لها فتراجعت ليكمل "ولكن لو كانت هي قد أخطأت فأنت تعلم أن ندى أيضا أخطأت"
عاد ونظر إليها، كانت عيونه السوداء تتأملها ولكن بغضب أسقطت عيونها العسلية بعيدا عنه وسمعته يقول "نعم ولكن لا يمكن أن تعتذر لها حضرتك تعلم ندى"
قال كاظم بجدية "أعلم ولكن من أخطأ يتحمل نتيجة خطئه"
نفج جاسر وقال "بابا هل ننتهي من هذا الأمر؟ هذه الفتاة لا يأتي من وراءها إلا المشاكل و.."
قاطعه الرجل بحزم "جاسر ندى هي التي افتعلت المشاكل وأنت تعلم أني لن أتنازل عن جي"
هتف "بابا"
تجاهله كاظم ملتفتا لها وهو يقول "هيا يا جي اكملي لي الكتاب أريد أن أنام"
شعرت بالانتصار وبالإحراج له وهو نظر إليها بغضب ثم اندفع إلى الخارج وهو لا يعلم سر تمسك والده بها