
رواية أنين القلوب الفصل السادس بقلم داليا السيد
بداية البداية
بالطبع لم تتحسن علاقتها بجاسر ولم تهتم لأنها تعلم أنها لا يمكن أن تناطح السحاب طولا وهو أيضا لم يهتم لأنه ليس هناك امرأة تستحق اهتمامه
"حبيبي اشتقت لك"
رفع رأسه من على الأوراق التي أمامه ورأى ندى وهي تدخل وتتجه إليه فقال "أهلا ندى لم تخبريني بقدومك"
جلست على طرف المكتب أمامه ووضعت ساقا فوق الأخرى وقالت "وهل أحتاج للإذن؟"
تجاهل منظر ساقيها وقال ببرود "لا ولكن أين كنت؟ هاتفك كي أخبرك عن المهندس الذي أردته فلم تجيبي"
قالت بلهفة "حقا؟ هل حصلت عليه من هو؟"
قام وتحرك بعيدا وقال "مهندس تعرفت عليه منذ يومين بالجيم وعرفت أنه كان يعمل بشركة صغيرة تركها لأنه اعترض على طريقتهم ففكرت بك"
اتجهت إليه ووقفت أمامه وقالت "مهندس صغير!؟ أنا أريد شخص بمهارة وذو خبرة لن أجازف بأي مهندس"
قال بهدوء "لا داعي للقلق، أنا اعرف عنه كل شيء"
لفت ذراعيها حول عنقه فجأة واقتربت منه وهمست "حبيبي لا أعرف كيف أشكرك، ربما.."
اقتربت منه أكثر بدعوة مفتوحة لامرأة تثير رجولته ولكنها لم تثيره، لا قربها ولا رائحة عطرها النفاذة حركت به أي شيء
أبعد ذراعيها وقال "ندى نحن بالمكتب"
ولكنها عادت لتحيطه بذراعيها مرة أخرى وزادت من قبضتها وهي تقول "جاسر نحن لا نقترب من بعض نهائيا، أنت دائما تبتعد هيا لابد أن نعتاد على بعض قبل الزواج ولن يدخل علينا أحد هنا دون إذنك، دعنا نلهو قليلا"
وتخللت يدها قميصه وهي تعبس بالأزرار حتر فتحتها ومررت أصابعها على صدره الرياضي وهي تقترب بوجهها من وجهه لتسقط أنفاسها عليه وتهمس "جاسر حبيبي"
دون أن يأخذ المبادرة بأي حركة كانت هي تقرب شفاها من شفاهه بدعوة مفتوحة لأي رجل وهو رجل لكن هي ليست المرأة التي يرغب بها ولكن تقريبا هو يجاريها لذا جذبها إليه ببرود حاول إخفائه وعبست يده بأزرار بلوزتها وكأنه يحاول أن يبادلها حركاتها ولكن دون أدنى رغبة منه مجرد مجاراة لها وكاد يكمل تحت تأثيرها المغري لولا أن انفتح الباب فجأة وسمع صوت لي لي تقول بحماس
"جاسر حبيبي مفاجئة.."
ولكنها لم تكمل عندما رأتهم في ذلك الوضع وما زاد الأمر سوء وجود جي معها والتي تورد وجهها مما رأت وتراجعت تخفض وجهها
ساوت ندى من ملابسها بلا خجل وابتعد جاسر وهو ينظر للفتاتين بضيق لأن أخته رأت مثل ذلك المشهد ولم يهتم بقميصه المفتوح وهو يقول "لي لي!؟ ما الذي أتى بك هنا؟"
نظرت لي لي نظرة ذات معنى لندى وهي تقول "مرحبا ندى"
ردت ببرود "أهلا لي لي"
نظرت لي لي لأخيها وقالت وهي تحاول تجاهل ما رأته "عيد ميلادي بعد الغد ودادي طلب مني أن أمر عليك لأطلب منك تدبير الحفل"
جلس خلف مكتبه ونظم أنفاسه وهدأ غضبه من الموقف وقال "كل عام وأنت بخير حبيبتي، وهل أتيت لذلك فقط؟"
أبعدت وعيونها عن ندى بل وتجاهلتها وقالت "لا بل سنذهب لشراء ملابس للحفل وسنتناول الغداء سويا"
نظرت ندي لهما وقالت "جاسر أنا ذاهبة عندي موعد هام بعد قليل، متي سأقابل المهندس؟"
عاد بنظراته ولها وقال "سأهاتفك ونحدد موعد"
نظرت لي لي إليها وقالت "ماذا عن عيد ميلادي ندى ألن تأتي؟"
ابتسمت ندى ببرود وقالت "نعم بالطبع سأكون موجودة، كل عام وأنت بخير، إلى اللقاء"
وتحركت خارجة ببرود فلم تهتم بها لي لي وهي تتحرك إليه وقالت "يدك علي بطاقة الائتمان، دادي قال أنك ستفعل، هيا"
ابتسم وأخرج محفظته وأعطاها واحدة وقال "ها هي، ستذهبين وحدك؟"
قبضت على البطاقة وهتفت "لا مع جي"
لم ينظر إليها وقال "فقط!؟ وأين صديقاتك أصحاب الذوق الرفيع؟"
بالطبق يقصد أن يضايقها وقد فعل بكلماته ولكنها لم ترد ولم تنظر له، بالتأكيد ابنة السائق وبملابسها السوداء البسيطة هذه تبدو كالحمقاء بجوار تلك المرأة المبالغة ندى لكن عليها ألا تهتم
قالت لي لي "أنت لا تعرف شيء عن صديقاتي، أنا لم اشتري ملابس إلا مع جي ولكن أنت لم تكن موجود لتعرف أم نسيت؟"
كانت على حق، كل عمره بالخارج ووجوده هنا كان زيارة قصيرة وتنتهي برحيله، نظر إلى ابنة السائق التي تأملته هي الأخرى ثم أخفضت عيونها بمجرد أن التقت بعيونه فقال "لا، لم أنسى ولكني الآن هنا"
حاولت أن تفهم كلماته لكن لي لي صاحت بحماس "هل ترغب بأن تأتي معنا؟ هذا حلم أتمنى تحقيقه، هيا من فضلك يا جاسر، أنت لم تخرج معي من قبل هيا، سنشتري الأشياء ثم تدعونا علي الغداء وتعيدنا البيت هكذا بكل سهولة، هيا لا تضيع الوقت"
وأمسكته من يده وجذبته ولكنه أوقفها قال "لي لي انتظري، أنا لا أعتقد أن وجودي سيكون شيء جيد كي تكونوا على راحتكم هيا اذهبي، كما أن لدي عمل كثير، هل تريدي أي شيء آخر؟"
شعرت بالإحباط ورحلت ابتسامتها وقالت "لا انتهينا، لن أتحدث معك مرة أخرى"
ابتسم وتابعها وهي تبتعد وقال "هل يمكنك أن تكوني قاسية علي هكذا؟"
قالت بجدية "نعم أنت تستحق طالما أنك لا تهتم لأمري، هيا يا جي"
قال بحنان غريب لم تراه به من قبل "تعلمين أن ذلك غير صحيح أنا فقط مشغول"
لم تنظر إليه وقالت "أعلم، ومن الواضح أن العمل أهم مني"
قام واتجه إليها وأمسكها من ذراعها فلم تنظر إليه ولكنه رفع وجهها بيده وقال "حبيبتي أنا لا أتحمل هذا الغضب، أنت تعلمين.."
قاطعته "العمل، نعم انتهينا أنا ذاهبة"
أعادها أمامه وقال "اهدئي حبيبتي، حسنا سآتي معك فقط كي لا تغضبي هكذا"
اتسعت عيونها وصرخت بسعادة "حقا!؟ حبيبي يا جاسر"
واحتضنته بقوة وهي تكمل "حبيبي يا أجمل وأحن أخ بالعالم، أحبك جدا، هيا بسرعة أنا أكاد أموت من الجوع"
كانت تشعر بارتباك في وجوده لا تعلم لماذا ولكن لم تعترض
انتقت لي لي فستان ولكن جي انتقت لها واحد آخر وعندما ارتدتهم أعجب جاسر بما انتقته جي دون إن يعلم أنه ذوقها وأصرت لي لي أن تشتري جي هي الأخرى فستان وبالفعل انتقت واحد وأعجبها واشترته مع كل ما تحتاج له وكذلك لي لي
وأخيرا جلس الثلاثة في قاعة الطعام في انتظار الطعام فقالت لي لي "لا تنسى أن تعد للحفل"
ابتسم وقال "وهل يمكن أن أنسى أختي الصغيرة المزعجة"
ضحكت بسعادة وقالت "نعم أعلم"
"ما رأيك في الفستان إنه ذوق جي دائما هي هكذا تملك ذوقا فريدا"
نظر إليها كما فعلت فلم يرد، رأت لي لي زميلاتها يدخلون ويشيرون إليها فقامت وقالت "جاسر أصحابي هناك سأذهب إليهم قليلا وأعود"
تفاجأ الاثنان بذهابها ولم تمنح أحد منهم فرصة للرد بينما أخفضت عيونها وواصلت صمتها إلى أن قال "لي لي متعلقة بك جدا"
رفعت وعيونها إليه، كانت عيونها العسلية تشع ببراءة غريبة وهي تقول "وأنا أيضا، نحن نشأنا معا منذ الصغر كنت آتِ عندكم كثيرا مع بابا رحمه الله حتى ينتهي عمله فأعود معه ومن وقتها وأنا وهي لا نفترق"
اندهش وقال "ولكني لم أراك من قبل حتى عندما كنت أنزل اجازة، أنا أصلا لا أعرفك"
صدقت على كلماته وقالت "نعم ولا أنا، عندما كنت حضرتك تأتي كان بابا يمنعني من الذهاب كي لا يزعجك وجودي"
لف بنظراته على وجهها وقال "هو على حق فقد كان يعلم أنك بالفعل مزعجة"
ظلت تنظر إليه بضيق وقالت بارتباك وحرج "أنا، لماذا؟ أقصد فيما أزعجتك؟"
لم يتحرك بوجهه عن عيونها الجميلة وقال "منذ ظهرت بحياتنا وأنت مصدر إزعاج؛ تنهارين بالمشفى ويلتف حولنا الجميع، تنتحرين بالمنزل ويسمع بنا الجيران، بالفيلا أثرت ضيق خطيبتي، أليس كل ذلك إزعاج؟"
احمر وجهها واختنقت من كلماته فنهضت وقالت "معك حق، من الأفضل أن أذهب إذن كي لا أزعجك هنا أيضا"
أغضبه عنادها وتحديها له فقال بقوة "اجلسي ولا تلفتي الأنظار تجاهنا، اجلسي"
ارتبكت من نبرته القوية والغاضب وشعرت بأنه على حق فالنظرات تحركت لهم فجأة فجلست دون النظر له قال "أنا على حق؛ تصرفاتك تسبق تفكيرك"
ارتبكت من هجومه الذي لا يتوقف وقالت "أنا، أنت، أنت حقا لا تعرفني كي تصدر أحكامك على شخصيتي، أنا لن أهتم برأيك ولا بتصحيح أفكارك عني فهي لا تهمني"
لو لم تكن مرتبكة أمامه لغضب من كلماتها ولكنه لم يفعل بل اقترب من المائدة التي تفصل بينهم ونظر بعيونها وقال "حقا!؟ لدي شك بذلك"
استجمعت قوتها وقالت بعناد "لا، لست بحاجة لتفعل لأن الأمر لا يهم فأنا أعلم أنني لست من اهتماماتك وحضرتك أيضا لست من اهتماماتي لأني أعرف من أنا ومن حضرتك"
ابتسم وقال "ما هذا العقل الذي تتحدثين به فجأة؟ أكاد أصاب بصدمة" ثم اقترب أكثر وقال "هل حقا تعرفين من أنت ومن أنا؟ أتمنى حقا أن تفعلي لأن أنا أصلا لا أعرف كيف تثق لي لي في فتاة مثلك لا مستواها ولا شكلها ولا أي شيء فيها يليق بنا ولا بابا أيضا بل وأنا ايضا لا أعرف كيف أجلس الآن معكي؟ حقا لا أعرف"
شعرت بالإهانة أكثر وشحب وجهها وتألم قلبها الرقيق من قسوة ذلك الرجل وكادت تنهض لولا أن عادت لي لي بروحها المرحة وهي تهتف "هيا يا أخي الحبيب، أطلب لنا الغدا بسرعة"
ولم تنتبه لتلك الدمعة التي كادت تفر من عيونه جي قبل أن تمسحها ولكن هو انتبه وتراجع في ارتياح ربما تبتعد عن طريقه..