
رواية نذير شؤم الفصل الخامس5 بقلم ناهد خالد
هو فى ايه فى بيت الكبير ؟
رد الأخير بحزن :
بيقولوا الست رحاب تعيش أنت .
شهقت " نواره " بفزع وهى تضرب بيدها على صدرها مُردده :
-يالهوى ماتت !
وبعدها وجدت نفسها تركض للأسفل متجهه لبيت المهدى ..
دلفت من بين الحشد المجتمع أمام باب البيت بصعوبه حتى استطاعت الوصول للداخل وأصوات الصراخ قد توقفت ...
وقفت أمام باب الشقه المفتوح متردده فى الدخول , فهل من حقها أن تدخل أم سيبدو الأمر تطفل سخيف منها , أنهى ترددها خروج "زينب " زوجة إبراهيم وهى تسند " سمر " المنهاره فى البكاء حتى أن قدميها لا تحملها , هتفت " زينب " ببكاء فور أن رأت " نواره " :
-نواره ساعدينى ندخلها شقة حماتى .
أسرعت " نواره " تسندها معها ودلفوا بها للشقه المجاوره " شقة سُريه " , أخذت " سمر " تبكى بنحيب وصراخ خافت خوفًا من أبيها الذى صرخ بها بالداخل رافضًا صراخها , أجلساها فى صالة الشقه الأخرى فأخذت تضرب بكفيها على فخذيها وهى تغمغم :
-آه يا أما آآآه ..مشيتِ بدرى يا أما سبتينى ليه ده أنا لسه محتاجاكِ .
انهمرت دموع " نواره " على حالتها وهى تتذكر حالتها المشابهه لها حين توفت والدتها مع اختلاف الوضع , فهى كانت مصيبتها مصيبتان , فقدنها أمها وأنها أصبحت بمفردها , أما سمر فلديها أسره كامله , تعلم أن لا أحد يعوض مكان الأم لكن تبقى مصيبتها أهون ومع الوقت ستهدأ قليلاً وتنشغل مع عائلتها , لكن هى حين تعود يوميًا لتجد نفسها بمفردها وتأكل بمفردها ولاتجد أحد يؤنسها ...
تنهدت بحزن وهى تقترب من " سمر " لتواسيها فقد أصبحت قريبه لها فى الفتره الأخيره :
-اهدى يا سمر اهدى يا حبيبتى وادعيلها بالرحمه .
شهقت ببكاء وهى ترد :
-كانت لسه بتكلمنى يا نواره , قالتلى هدخل اصلى العشا واعملى كوبيتين شاى نقعد نشربهم فى البلكونه , دخلت بعد شويه لما استغيبتها لاقيتها واقعه على سجادة الصلاه ومبتردش عليا , ماتت ..أمى ماتت يازينب ..راحت وسابتنى خلاص .
اقتربت " زينب " منها تحتضنها ببكاء , وهتفت " نواره " وهى تجلس بجوارها من الجهه الأخرى :
-أمك ماتت أحسن موته يا سمر , ده أنتِ المفروض تفرحيلها بحسن الخاتمه يا حبيبتى .
__________( ناهد خالد )______
جلس أمام والدته على الفراش ينظر لها بصمت , الصدمه لم يدركها بعد ,مازال مصدومًا من رحيل والدته المفاجئ , لم تشتكِ من شئ ولم تكن مريضه ! , ذهبت فجأه هكذا دون أى مقدمات ! , ظل ينظر لها بعدم استيعاب حتى دلف والده بثِقل وهو يستند على عصاهُ يرمى حمله عليها وقال بصوت مختنق :
-المُغسله زمانها على وصول ...وبعت إبراهيم يجيب الكفن , سيبنى مع أمك شويه يا يوسف .
توقف بآليه تامه وعقله بدأ يستوعب الأمر , خرج ولم يخرج من الغرفه فقط بل من الشقه بأكملها وجلس على الدرج أمام باب الشقه يشعر بالاختناق وكأن المنزل أصبح كفتحة الإبره ...
جلس أمامها على الفراش بعد خروج ولده وأدمعت عيناه وهو ينظر لها وبدأ بالحديث :
-متفقناش إنك هتسبينى بدرى كده يا رحاب , كنت فاكر أنى هفارق قبلك , بس أنتِ سبقتينى , عشتِ معايا على الحلوه والمره , واستحملتِ معايا كتير , كنتِ ونعمه الزوجه وكنتِ بتعاملى إبراهيم ومحمد كأنهم ولادك وعمرك ما قبلتى إنى أظلم سُريه رغم أنك كنتِ يادوب مفتش أسبوع على جوازنا وقولتيلى روحلها يا حاج وأقعد معاها كام يوم عشان متحسش أنك هتملها وترمى طوبتها عشان لاقيت بديل , طول عمرك طيبه وحقنيه , وأولادك طالعينلك , هتوحشينى يا رحاب , هتوحشينى ويعز عليا فراقك , ربنا يجمعنى بيكِ قريب على خير .
________( ناهد خالد )_______
دلف " محمد " لشقة سُريه وهو يقول :
-حد ييجى عشان المُغسله جايه وأمى هتبقى معاها جوه بس هيحتاجوا حد يناولهم المايه .
هتفت " نواره " حين وجدت " زينب " هى الأخرى مُنهاره بالبكاء مع " سمر " التى بين أحضانها :
-ينفع أجى أنا ؟
أومئ بإرهاق :
-تعالى يانواره عشان يمنى مش هنا عند أهلها أنا بعتلها بس بيت أهلها بعيد .
وقفت سريعًا وهى تقول :
-مش مشكله تيجى براحتها .
سبقها " محمد " للخارج فوجد يوسف جالسًا على الدرج أمام باب الشقه لم يلاحظه فى بداية الأمر لبُعد الدرج قليلاً عن باب الشقه لكنه انتبه له الآن , اتجه له حتى وقف جواره فوضع كفهِ على كتف الأخير وهو يقول :
-وحد الله يا يوسف .
غمغم بهدوء رغم ملامحه التى تصرخ حزنًا :
-ونعم بالله .
خرجت من شقة " سُريه " لتجد يوسف جالسًا على الدرج و أخيهِ يقف بجواره , كادت تتجه له لكن قطعها وصول المُغسله فوقف يوسف سريعًا متجهًا للشقه دون حديث ..
اتبعه الجميع فاستمعوا ليوسف يقول لأبيه الذى خرج من الغرفه للتو :
-أنا عاوز أقعد معاها شويه .
نظر " منتصر " للمُغسله والمغسله التى دلفت يحملها صبيان من أهل المنطقه , وأعاد النظر لولده فقال بتنهيده :
-متتأخرش .
دلف سريعًا للداخل مُغلقًا الباب خلفه ...
لتشهد الدقائق التاليه انهياره كطفل صغير بين أحضان والدته للمره الأخيره ...
______(ناهد خالد )_____
أسبوع مرَّ ولم ترى يوسف من حينها , لقد اعتكف بعيدًا عن كل شئ , حتى أنها عندما تذهب لترى سمر وتطمئن عليها لا تراه فقد فضل البقاء فى شقته مبتعدًا عن الجميع , ذهبت اليوم كعادتها فى الأيام الماضيه للإطمئنان على " سمر " فقابلته أثناء دلوفها من باب المنزل , وقفت تنظر لهُ بصمت تتفحص مظهره الذى بدى عليهِ الاختلاف .. بدا وجهه أنحف وعيناه غائره والهالات السوداء ظهرت بوضوح أسفلها , وذقنه الناميه على غير العاده , لم يكن بحاله جيده أبدًا .. قطع شرودها صوته المبحوح الجاد :
-تعالى عشان هنفتح العياده .
أومأت له سريعًا موافقه وارتدت للخلف كى تفسح له الطريق فخرج متجهًا لعيادته وتبعته هى بصمت ...
_______( ناهد خالد )____
وصلا للعياده ودلف لغرفة الكشف فتبعته وهى تسأله بهدوء :
-تحب اعملك قهوه ؟
أومئ بصمت فنظرت له لثوانى بتفحص ثم هتفت :
-بس هو أنت كلت ؟
زفر بإرهاق وقال :
-أعملى القهوه يانواره .
أومأت بموافقه وهى تدرك أنه لم يأكل , فحين كانت جالسه ذات مره مع زينب وسمر , قالت زينب حينها أنه لا يهبط للأكل معهم وحين تبعث له بالطعام يأكل منهِ القليل جدًا وأحيانًا لا يأكل أساسًا ..
____( ناهد خالد )_____
غابت لدقائق ثم عادت دقت الباب ودلفت لتجده مستندًا برأسه على ظهر الكرسى الهزاز , وضعت ما بيدها على المكتب بعدما أزاحت ما عليهِ , جعد أنفه يشم جيدًا حينما عجت الغرفه برائحه طعام شهيه , فتح عيناه باستغراب فبصرها تفتح أغطية الأوانى , اعتدل فى جلسته باستغراب , فوجدها تهتف بحماس :
-حظك حلو أنا بقى عامله النهارده شوية ملوخيه ورز وفراخ هتاكل صوابعك وراهم وجبتلك عيش كمان لو عاوز .
قطب حاجبيهِ باستغراب متسائلاً :
-فين القهوه ؟
نظرت له ببراءه وقالت :
-بعد الأكل يا يوسف .
التمعت عيناه بنظره خاصه حين نطقت باسمه مجردًا من لقب " دكتور " لأول مره , وجد نفسه يبتسم وهو يتابعها بعينيهِ وهى تُكمل فرد الطعام ووضعه أمامه فى طبق مُخصص لهُ , لكنها توقفت فجأه حين أدركت ما قالته سهوًا فنظرت له لتجده يتابعها بعينيهِ فهتفت بحرج :
-أنا آسفه يا دكتور أنا بس مخدتش بالى.
ابتسم بهدوء يقول :
-ياريت متخديش بالك على طول ..
نظرت له ببلاهه وهى تردد :
-ها !
ضحك بخفوت وهو يقول :
-ها ايه بس ! , بصى بلاش دكتور دى غير لما نكون فى وقت العياده غير كده قوليلى يا يوسف عادى .
حمحمت بخجل وهى تضع الملعقه أمامه وقالت :
-دوق بقى وقولى رأيك .
نظر للأطباق أمامه فوجدها وضعت الأرز والدجاج فى طبق وطبق صغير وضعت فيهِ الحساء الأخضر , ذم شفتيهِ برفض وهو يقول :
-هو أنتِ مالك حطتيلى الأكل فى طباق لوحدى زي الكلب كده ليه ؟!
ردت سريعًا بتبرير :
-لا والله مش قصدى , أنا بس قولت عشان تاخد راحتك .
التقط طبق الحساء وأعاده للطبق الرئيسى مره أخرى , ثم وقف وهو يقول :
-تعالى نقعد على الكنبه أحسن .
نقل معها الأطباق للطاوله الصغيره الموضوعه أمام الأريكه وجلسا فوقها مع الحفاظ على مسافه مناسبه بينهما .
بدأو فى تناول الطعام فهمهم يوسف بلذه وهو يقول :
-الله , ايه الملوخيه دى طعمها حلو اوى ..
ابتسمت وهى ترد عليهِ :
-مسكره .
نظر لها بعدم فهم فأوضحت :
-لما بتبقى الملوخيه طِعمه بيقولوا عليها دى مسكره .
ابتسم بإيجاب :
-هى فعلاً مسكره تحسى فيها حاجه غريبه كده بس مميزه , والفراخ بقى نفس الفراخ الى كانت بتعملها ماما بالضبط .
قال الأخيره بخفوت وهو يعود للطعام مره أخرى ...
مرت دقائق حتى انتهى من الطعام وأنهى عليهِ ! لم يتوقع أنه سيأكل بكل هذا القدر فردد بحرج :
-معلش بقى خلصتلك الأكل وأنتِ مكلتيش غير حاجه بسيطه أصلاً!
بادلته الإبتسامه وهى تقول :
-أنا أصلاً كلت من ساعه , بس قعدت أنقنق معاك عشان ترضى تاكل , وبعدين بالهنا والشفا بقالك كتير مكلتش وعامل اضراب كأن الإضراب على الأكل هيرجع الى راح!
نفى برأسه وهو يتنهد بحزن :
-لأ , وأنا مكنتش عامل إضراب ولا حاجه أنا بس مكنش ليا نفس .
لملمت الأطباق وخرجت لتُعد القهوه .. ثوانِ وعادت لتجده واقفًا فى الشرفه فاتجهت له ووقفت بجانبه واضعه القهوه على السور , تنهدت وهى تنظر للأمام ثم قالت :
-لما ماما ماتت , حسيت أنى تايهه ومبقتش عارفه المفروض اعمل ايه , حسيت إنى اتشردت فجأه وده فعلاً الى كان حاصل , كانت آخر حد ليا , كنت راجعه بعد ماعرفت إنى نجحت فى الثانويه وهعرف أدخل كليه كويسه , لاقيتها ماتت , بقيت لوحدى , ممعيش حد , والناس كلها بتبعد عنى , وبقيت منبوذه , واجهت الدنيا لوحدى واتخليت عن حلمى , وبقيت برجع الشقه اقعد بين اربع حيطان لاحد يكلمنى ولا أكلم حد , ولما كنت بتعب مكنتش بلاقى حد يناولنى كوباية مايه , اعتقد إن حالك أفضل من حالى يا يوسف .
ألمه قلبه عليها من حديثها وتخيله لحالتها , بالطبع حالته أفضل بكثير , هتف بتأثر :
-متجوزتيش ليه ؟ وليه الناس كانت بتبعد عنك ؟
كادت تجيبه لكن قاطعها صوت هاتفه , أخرجه من جيبه ليجد أخيهِ " إبراهيم " ..
-السلام عليكم .
قطب حاجبيهِ بضيق وهو يقول :
-أنت بتقول ايه يا إبراهيم , طب هى كويسه ؟
صمتت قليلاً ومن تقف أمامه يتآكلها القلق ..
-لا حول ولا قوة إلا بالله , طب ومحمد عامل ايه ؟
-خلاص طيب أنا جاى .
أغلق المكالمه فسألته نواره باستفسار قلِق :
-فى ايه ؟
تنهد بحزن وهو يقول :
-يمنى كانت حامل وسقطت .
شهقت بحزن وهى تقول :
-هى مكنتش تعرف أنها حامل ؟
-لأ ملحقتش إبراهيم بيقول كانت حامل فى 3 أسابيع وأنتِ عارفه الأسبوع اللى فات محدش ارتاح .
غمغمت بحزن :
-ربنا يعوض عليها .
-يارب هضطر امشى بقى هروحلهم المستشفى .
تسائلت باستغراب :
-هم مجاوش ليك ليه ؟
-يمنى كانت عند أهلها عشان والدها تعبان ولما تعبت اتصلت بمحمد راحلها .
-طب ابقى طمنى .
نظر لها قليلاً ثم قال :
-ماتيجى معايا أنتوا مش بقيتوا صحاب فى الفتره الأخيره .
-ايوه .
دلف للداخل وهو يقول :
-خلاص يلا .
________( ناهد خالد )______
فى اليوم التالى عصرًا ...
دلفت بعد خروج الحاله وهى تقول :
-دكتور يوسف فى حالة ولاده بره .
وقف سريعًا وهو يقول :
-دخليها هى الأول اكشف عليها ولو لازم تولد دلوقتِ أجلى باقى الكشوفات .
خرجت وفعلت كما طلب منها ودلفت الحاله ومعها زوجها , وبعد دقائق طلب يوسف نواره , فدلفت وهى تقول :
-نعم يا دكتور ؟
-المدام قدامها شويه خديها تستريح فى الأوضه التانيه , ودخلى باقى الكشوفات ..
بعد ساعه كامله كان قد انتهى من الكشوفات فدلفت له نواره :
-خلاص الكشوفات خلصت , مبقاش غير الست الى هتولد .
استند على ظهر الكرسى بارهاق وهو يقول :
-كويس ..هو فين الأكل يا نواره ؟
قطبت حاجبيها باستغراب متسائله :
-أكل ايه ؟
قطب هو الآخر حاجبيهِ بضيق وقال :
-هو أنتِ متبخطيش النهارده ؟
-لا طبخت , كنت عامله مسقعه .
نظر لها شرازًا وهو يقول :
-طب ماتخلى عندك شوية إحساس , شايفانى بقالى 3 ساعات شغال والعياده زحمه النهارده , ولسه هقعد لحد ما المدام الى جوه تفرجها علينا , يعنى غذينى لأقع منك وتشيلى ذنبى .
ضحكت بشده على حديثه ونظراته لها , فطالعها بابتسامه وهو يشعر بقلبه يرقص طربًا على صوت ضحكتها التى يستمع لها لأول مره ..
انتبهت لنظراته لها فتنحنحت بخجل وقالت :
-هنزل اجيبلك أكل ....
وقد كان ولأكثر من عشرة أيام الآن , اعتادت أن تصنع الطعام لها وله حتى أصبح لا يأكل فى بيته أساسًا ..وذات يوم وهو يجلس معها بعدما جلبت له الطعام قال :
-أنا شكلى اتعودت على أكلك ولا ايه ! مبقتش أعرف أكل غيره .
ابتسمت له بلطف :
-بالهنا والشفا , هطلع أطلع الأطباق واجى .
خرجت من باب الشقه تنوى الصعود لأعلى لكن توقفت حين وجدت الصبى " بليه " يصعد الدرج سريعًا وهو يلتقط نفسه بصعوبه :
-فى ايه يا بليه ؟
رد بسرعه :
-عمرو تعبان اوى , وقاطع النفس .. ( عمرو ابن ابراهيم )
أنهى حديثه وركض ليوسف سريعًا ..
وقفت تنظر لأثره برعب , وعقلها يردد حتى الطفل الصغير لم يسلم من أذاها !! لقد تأكدت الآن أنها السبب لا يمكن لهذه العائله أن تُصاب بكل هذه المصائب فجأه وتباعًا ! لولا تعرفهم عليها لِم حدث كل هذا ...
هكذا ردد عقلها ولم تضع فى الحسبان أن المصائب لا تأتى فرادى كالجواسيس , بل سرايا كالجيوش .. " ويليام شكسبير .
يتبع