
رواية جاسم الفصل السابع بقلم داليا السيد
الزواج هو الحل
صوت قاسم كان قوي وهو يهتف بجنون "هل هذه هي نتيجة ثقتي بك جاسم؟"
انتفض جسدهما من الصوت خاصة أنه لقاسم وابتعد هو محررا إياها على الفور وتورد وجهها وشحب بذات الوقت واتسعت عيونها التي كانت باكية وهي تحدق بأخيها بينما التف هو واقفا بينها وبين أخيها وقال
"اهدأ قاسم لم يحدث شيء"
رفعت وجهها لظهره المواجه لها وهي لا تفهم شيء، لم يحدث شيء؟ كيف؟ لقد حدث الكثير، تلك القبلة، تلك القبلة شيء لم تعرفه من قبل ولم تسمح بها لسواه دون أن تدري كيف؟ لم يحدث شيء كيف وهي كانت كالعجينة بين أصابعه؟ بل حدث شيء وشيء لا يمكن تجاهله وكلاهم يعلم ذلك
هتف قاسم وهو يندفع تجاههم "حقا؟ وما رأيته ماذا كان جاسم؟"
وتوقف مواجها لجاسم والغضب يملأ عيونه وجاسم يعيد ترتيب أفكاره وهو يحدق بوجه قاسم مدركا أنه خطأ وأن هناك شيء ما حدث، شيء هو لا يفهمه منذ رآها، هو أرادها، أراد وجودها معه، أراد حمايتها، أراد طعامها، ضحكتها حتى دموعها
هتف وهو يستعيد تركيزه "كانت تتحدث عن ذلك الكلب مروان والذي جعلها تبكي و.."
ظلت تحدق بكتف جاسم العريض الذي يصنع حاجزا بينها وبين أخيها الذي هتف "وماذا جاسم؟ هل كنت تواسيها بين ذراعيك؟ إلى هنا وانتهينا، هي لن تبقى هنا يوما آخر"
تراجع هو من كلمات قاسم وقال بنبرة غاضبة "لا، لن أتركها الآن قاسم ليس بعد ما اقتربت من معرفة ذلك المجنون"
رفع قاسم يده بينهما وقال "لم يعد يهم، سأطلب حرس خاص والشرطة تبحث لكنها لن تبقى معك ألا تدرك ما كنت تفعله معها جاسم؟ كيف تخون ثقتي بك؟"
وتخطاه ليقبض على ذراعها ولكن يد جاسم أمسكت يد قاسم والإصرار بعيونه وهو يقول "فقط امنحها فرصة لتختار ولو طلبت الذهاب لن أمانع"
تخلص قاسم من قبضة جاسم وهتف "أنا أخيها جاسم ولست بحاجة لرأيها فيما يخص صالحها هل تريد مني أن أتركها لتعيد ما كان مع ذلك الشاب مروان؟ صدمة جديدة وهي لن تتحمل؟"
ضاقت عيونه وردد "مروان؟ هل تقارني به قاسم؟ هل ظننت أني سأفعل بها المثل؟ هل جننت؟"
هتف قاسم "وهل تمنحني مسمى لم كان؟ أنت لست رجل زواج ولا تعبأ بالنساء وكنت تقبل أختي منذ لحظات فماذا ستفعل بها لو تعلقت بك كما تعلقت بذلك النذل؟"
شهقت ورفعت يدها على فمها لتمنع شهقتها من الخروج وهي تهتف "قاسم كفى"
نظر لها وهتف "اخرسي ولا تتحدثي، أليس هذا هو نفس الرجل الذي فررتِ منه ولم توافقي على البقاء معه؟ ما الذي تبدل الآن لتكوني بأحضانه؟"
هتف هو به بغضب "قاسم لا تتمادى الأمر لم يتجاوز"
لكمة قوية أصابت وجه جاسم على فجأة وقاسم يهتف بغضب "كيف فعلت بها ذلك؟"
صرخت بأخيها من المفاجأة "قاسم!"
ورفع جاسم يده على ذقنه مكان اللكمة دون أن يتحدث أو يرد اللكمة، ليس ضعف منه ولكن لأنه يدرك ضعف موقفه، تحركت هي لتواجه أخيها وهتفت "كفى قاسم لم يحدث أي شيء، ذلك الرجل أنقذ حياتي مرتين لولاه لكنت بعداد الموتى"
قبض على ذراعها بقوة وهتف "وهذا المشهد كان مكافأته؟ هل تسمعين نفسك؟ لن تبقي هنا يوما واحدا، هيا أحضري حقيبتك قبل أن أقتلك وأقتله الآن"
كانت دموعها تغرق وجهها بينما هتف هو بلا تفكير والغضب يتصاعد "هي لن تذهب لأي مكان قاسم أنت تعرف أن حياتها بخطر، أنا لن أسمح لك بتدمير كل ما فعلته"
ما زال قاسم ممسكا بها ورفع إصبع يده الأخرى بوجه جاسم محذرا وهو يقول "أنت من دمر كل شيء جاسم، أنت طمعت بها وخنت ثقتي وأنا لن أتركها حتى تفقد كل شيء، لن تتعرض لذلك مرة أخرى هل تسمعني؟"
وعاد لها وهو يجذبها بقوة من ذراعها ويهتف "والآن هيا، لن تبقي هنا لحظة أخرى"
حاولت إيقافه وهي تهتف "قاسم كفي"
وقبل أن تفعل أي شيء كانت قبضة جاسم تمسك بيد قاسم وعاد ليقف بينهما وهو يقول بحزم "كفى قاسم، اتركها"
ناطحه قاسم الطول والتحدي وهتف "أنت لا شأن لك بنا، لقد انتهت مهمتك"
وحاول جذبها ولكن قبضة جاسم كانت قوية على ذراع قاسم وهو يقول "لن تذهب من هنا قاسم، ليس قبل أن أنتهي من هذا المجنون"
هتف قاسم "أنت لم تعد تريده هو، أنت تريدها هي، هذا هو غرضك وأنا لن أتركها هنا أبدا، هل تسمعني؟ لن أتركها، لم يعد من الصواب تركها مع رجل غريب عنها، كنت مجنون وقت وثقت بك، معك حق لا أنت أخيها ولا زوجها وكان عليّ فهم ذلك"
هتف بجنون لم يدركه "إذن سأتزوجها إذا كان الزواج هو الحل"
توقف قاسم عن جذبها واتسعت عيونها وهي تحدق بجاسم الذي لم تتبدل ملامحه الغاضبة والجامدة بينما هتف قاسم "ماذا؟ أنت ماذا؟"
لم يترك ذراع قاسم وهو لا يعلم ما الذي يزج نفسه به وهو يرد "أنا سأتزوجها سأعقد قراني عليها الآن لو شئت كي يمكنها البقاء تحت سطح بيتي بلا خزي"
لانت قبضة قاسم على ذراعها حتى تركها فتركه جاسم وقاسم يحدق به وهو يردد "أنت لست رجل زواج جاسم، لن تتزوجها يوم أو عدة أيام ثم"
لم يتحرك جاسم، هو لم يعارض بوجودها ببيته، لكن زواج؟ ما الجنون الذي يفعله؟
ظل ثابتا بمكانه وهو يرد بلا تفكير فلو فكر يعلم أنه سيتراجع عن هذا الجنون فلم يفعل "هذا يعود لها، لو أرادت حريتها بعدها فلها كلمتي، سأمنحها حريتها ولكن الآن لن أتركها تذهب وأنا أعلم جيدا ما يهددها"
ظلت العيون الستة تتواجه بلا انقطاع والأفكار تنهمر كالأمطار بلا توقف حتى التفت قاسم لها وقال "الآن هو رأيك، هل تريدين الزواج منه؟ هو يتحدث عن قرارك فيما بعد وأنا أتحدث عن حياتك، لو فكرتِ بالطلاق وهو ما أعلم أنه سيكون فلابد أن تفهمي أنه ليس رجل زواج ولا بيت ولا أسرة، الكل يعرف ذلك عنه، مايا لا تحكمي على نفسك بأن تكوني مطلقة، أنتِ.."
قاطعته بلا تردد "أوافق"
لف وجهه لها ولكنها كانت تواجه أخيها، نظراتها الباكية كانت مليئة بإصرار غريب لم يفهمه ولكنه كان سعيد أنها لم تخذله، هو لا يريد تركها والخطر أصبح قريب ولا يمكنه التقيد بحياة زوجية لم يفكر بها بيوم لكنه فعل ولا يعلم هل سيندم فيما بعد أم لا ولكنه فعل..
تراجع قاسم من إصرارها وقال "مايا أنتِ بحاجة للتفكير، تلك الأمور لا تتخذ هكذا، أنتِ كنتِ ترفضين كل من يتقدم لكِ فلماذا هو؟"
قالت بهدوء "لأنه لا يريد شيء من وراء زواجه مني، لا طمع بي كامرأة ولا بأموالي كأخت لملياردير ولا أي شيء مما كان الرجال السابقين يسعون له، فقط حمايتي، أراد حمايتي وهو يتخلى عن مبادئه بعدم الزواج وضحى بحريته كي لا يتخلى عني، فهل تظن أني سأرفض وكلاكم يتحدث عن الخطر الذي يهددني، أنا لا أنام قاسم، لا أنام إلا عندما أدرك أنه موجود ولن يتركني ألا يكفيك ذلك؟"
كلماتها لم تكن لقاسم بل له هو، وكأنها تتحدث بدلا منه، هو اختار الزواج طريق لحمايتها، لكنه لا ينكر أنه أرادها كامرأة بدليل فقدانه لنفسه وسيطرته منذ لحظات وهو يأخذ شفتيها ويضمها له
أن تتحدث عن أنه الأمان لها فهذا كان يعني له الكثير، أكثر مما تصور وهذا جعله غير نادم على قراره وها هي توافق وتؤكد صحة أفكاره
أبعد قاسم وجهه ثم قال "هذا هراء، ليس هذا هو الزواج الذي تتمناه أي فتاة مايا، هذا فقط حل وقتي، فقط دعينا نذهب من هنا وبعدها يمكنك التفكير بهدوء وأنا واثق أنكِ ستجيدين التفكير ولن يكون هذا قرارك"
ظل صامتا، لم يتحدث، هو قال قراره والآن هي من بملعبها الكرة، وهي أجابت "لقد فكرت وقررت قاسم، أنا أوافق على الزواج وأنا أيضا أمنحه الاختيار بإكمال الزواج من عدمه بعد انتهاء كل هذا"
أشاح قاسم بيده وهتف "هذا جنون، حتى لو وافقت فزواج بهذا الوقت يعني زفاف وإعلان مما سيرشد ذلك المجنون عن مكانك"
تحدث أخيرا "إذا رغبت لنعقد القرآن الآن بيننا وبعد انتهاء الأمر لو استمرينا سأقيم لها الحفل الذي تستحقه، هذا وعد"
حدق قاسم به لحظة ثم عاد لها وقال "زواج سري"
عاد يكمل "ليس عن أخوتي سيكونون هنا وأنت وكيلها وتعرف بالأمر أين السر بذلك؟"
لم يجد قاسم أي كلمات، كلاهم يرى الأمر سهل وليس زواج وحياة قد تدوم للأبد وقد لا تدوم من يعرف؟
تحرك قاسم لمقعد وسقط عليه وأمسك رأسه بيداه وظل كلاهم يحدقان به بانتظار قراره حتى رفع رأسه وقال "جاسم هل أنت تعي ما يحدث هنا؟ إنه زواج جاسم، زواج وليس علاقة عابرة وتنتهي، أختي بالنهاية صغيرة ولا تعي ما تفعل لذا لننتهي هنا وكلا منا يعود لطريقه"
الصمت سقط لحظة حتى قال جاسم "وحياتها؟ والخطر الذي يلاحقها؟"
رد بصوت غاضب "سأفعل المستحيل لحمايتها لكن لا أوافق على الجنون الذي تتحدثون عنه هيا مايا لنذهب من هنا كي لا تندمي"
أخفضت وجهها ولم تعرف ماذا تفعل؟ هل تتمسك به ولكن ماذا سيظن بها؟ أنها هي من تريده؟ هي لم تعد تعرف ماذا تفعل أو تقول ولم يعد عقلها يعمل
التفتت لتذهب ولكنه قبض على ذراعها فرفعت وجهها له ونظراته قاتمة، رحل الأخضر منها وأصبحت بنية جدا وقال بصوت عميق "أنا ما زلت أريد حمايتك ولن أتخلى عنكِ"
كلماته تمنحها راحة لا يدركها فقالت "الزواج الثمن جاسم، قاسم محق وجودنا سويا وحدنا خطأ، لا أنا تلك الفتاة السيئة ولا أنت رجل سيء السمعة والزواج ليس طريقك كنت واضح معي فأين الحل؟"
اقترب منها دون اعتبار لقاسم والعيون لا تفترق وهو يقول بجدية واضحة "هل توافقين على الزواج أم لا؟"
للحظة ظلت تنظر بعيونه الجادة وهو ينتظر الرد حتى اتخذت قرارها وهزت رأسها بالإيجاب فالتفت لقاسم وقال "لتأتي بالمأذون قاسم وأنا سأهاتف إخوتي"
حبس قاسم أنفاسه وترك هو ذراعها ليخرج هاتفه ليخبر إخوته بقراره المجنون...
عامر بالطبع أول من وصل وتلقاه جاسم الذي استبدل ملابسه ببدلة قاتمة وقميص أبيض وربطة عنق ملائمة ولم يزيل شعر ذقنه، قاسم لم يكن قد عاد بعد وعامر يتحرك بجوار جاسم ويقول
"ستشرح لي سبب كل ذلك بالطبع؟"
لخص له الأمر فجلس عامر وقال بهدوء "الجنون له حدود جاسم، الحماية أبدا لم تكن سبب للزواج، الزواج حياة، أنت تعرف ذلك جيدا، لن نعيد الخطأ مرتان، الزواج رجل وامرأة والتزام ومن بعده أولاد وأيضا التزام فهل يمكنك تقبل ذلك؟"
تناول البيرة وقال "ألم تفعل أنت وحمزة أيضا؟ كنت سأفعلها بيوم ما واليوم من أجل هدف جيد"
ابتسم عامر وقال "أنا أحببت ليل من أول نظرة وحمزة كلنا نعلم ظروف زواجه والآن هو أيضا يعترف بحب زوجته لكن أنت لا تعترف بالحب ليس بعد تجربتك القديمة فهل ستقدم على ذلك وتتعهد بألا تؤلم الفتاة بيوم ما؟"
نفخ بقوة وقال "هل تراني وحش بلا مشاعر عامر؟ تجربتي ستظل تلاحقني للأبد ولكن الفتاة لا شأن لها بها، أنا أعلم أنها فتاة رقيقة ولا تستحق مصير سيء، أنا أريد حمايتها وقاسم يمنع ذلك"
تحدث عامر بنفس الهدوء "وهو على حق، لدينا اختان جاسم وسنقف بالمرصاد لأيا من كان يحاول حتى النظر لهم من بعيد، هل حقا ترغب بذلك الزواج من أجل الحماية فقط أم هناك شيء.."
كان ينظر لأخيه لحظة والسؤال جعله يبعد عيونه وهو يعيد السؤال مرارا وتكرارا بلا إحابة، أنهى زجاجة البيرة وقال "لا أعلم"
ربت عامر على ساق أخيه وقال "حسنا انتهى الحديث"
وصل حمزة وبعده ساهر وبكلمات مختصرة عرفوا كل شيء ولم يتناقشوا مع جاسم بشيء كلمات عامر تكون حاسمة لهم جميعا، دقائق ووصل قاسم والمأذون، تم التعارف بين الجميع وتحرك قاسم لاستدعاء أخته وعندما دق بابها ودخل رآها تقف أمام نافذة غرفتها ببدلة وردية، جاكيت محكم على جسدها وتنورة ضيقة تغطي ركبتيها وتظهر ساقها البيضاء، حذاء عالي، هي لا تعلم لماذا وضعتهم بحقيبتها ولكنها فعلت، رفعت شعرها كله بالمنتصف وتركت خصلات متناثرة حول وجهها، بسيطة وجميلة وبدون أي مساحيق تجميل
تحرك تجاها حتى وقف أمامها وقال "ما زال أمامك فرصة للتراجع حبيبتي"
نظرت له ولم تجيب فعاد وقال "حبيبتي جاسم لم يفكر بالزواج، الكل يعرف أن علاقاته بالنساء كلها تنتهي بنفس اليوم وقبل أن يخرج من المكان الذي تقابل فيه مع المرأة، حياته كلها قانون وأمن وعمل، لا شيء سوى عمله وإخوته فهل تظني أنه سيريدك بعد أن ينهي عمله بنجاح كما اعتاد أن يفعل؟ مايا أنا لا أرغب بجرحك مرة أخرى"
سقطت دموع من عيونها وقالت "وأنا تعبت من الخوف قاسم، منذ ذلك اليوم مع ذلك النذل مروان وأنا أخاف من كل شاب ورجل، لا أستطيع حتى التحدث معهم دون أن أرتبك وأغضب لأني أخفي خوفي تحت غضبي إلا هو، هو فقط من وثقت به وشعرت بأني لا أخاف بوجوده، اعتدت على أن أعيش بطبيعتي وهو موجود، انتهى خوفي معه وتوقف غضبي وعصبيتي بوجوده لذا وافقت على الزواج منه"
تحرك وأمسك يدها وقال بنفس الحنان "أنا لا أتحدث عن الآن مايا بل بعد انتهاء هذا الكابوس، ماذا سيفعل معك؟"
سقطت دموعها ولم تهتم وهي ترد " لا أعلم ولا أحد يعلم ما يخفيه الغد قاسم، فقط أحظى بأيام من الراحة والأمان وبعدها يحدث ما يحدث"
رفع يده لوجنتها وقال "الطلاق أمر مؤلم مايا"
لم تفر منه وقالت "وقد لا يحدث، ربما نظل زوجان حتى ولو كان بلا رغبة ولكني سأكون بأمان قاسم أنا أعلم أن جاسم لن يبخل عليّ بالأمان الذي عرفته معه"
لم يجد كلمات أخرى يقولها فجذبها له واحتضنها بقوة وهو يربت على رأسها وقال "حسنا حبيبتي كما تشائين لكن تذكري دائما أني سأكون موجود بأي وقت"
أزال المأذون المنديل من على يدي قاسم وجاسم وهو يقول "مبارك الزواج، بالرفاء والبنين إن شاء الله"
لم تنظر لأحد، كان الخجل يشوب كل وجهها ويمتزج بالضياع الذي تشعر به والأسئلة التي لا إجابات لها حتى سمعت صوت عامر يقول
"زواج مبارك مايا"
رفعت وجهها له فنهضت وقد عرفته بعد التقديم الذي تم قبل عقد القران، قالت بهدوء "شكرا.."
ابتسم وقال "عامر"
انضم صوت ثالث مازح يقول "القائد، عامر هو القائد زوجة أخي، مرحبا بكِ بالعائلة"
ابتسمت لطريقته المريحة وقالت "أنا أيضا سعيدة لذلك ساهر، جاسم جعلني أتمنى حقا أن أكون بينكم"
أجاب عامر "بيننا وجزء منا، عندما تنتهي تلك المشكلة سيمكنك ملاقاة البقية"
حمزة وصل وقال "أشعر أن اللعبة تعاد، زواج بالإكراه، لا أقصد الإساءة مايا ولكن زواجي كان كذلك والآن أدرك أني كنت سأندم لو لم أقابل حلا"
ابتسمت وقالت "أتشوق للقائهم جميعا لقد عشت وحيدة كثيرا ومن الرائع أن يكون لي أخوات بنات"
عامر أجاب "هن سيسعدون أيضا بذلك مايا"
كان جاسم قد ودع المأذون وتوقف مع قاسم الذي قال "أنا لا أجد كلمات أنطق بها جاسم"
هز رأسه بتفهم وقال "لست بحاجة لأي كلمات قاسم، منذ عدة أيام وضعت حياة أختك بين يدي صديق كعمل لكن الآن أنت تضعها بين يدي زوجها هل تعي الفارق؟"
ظل قاسم ينظر له ثم قال "بالطبع ولكن ماذا عن بعد ذلك جاسم؟ مايا عانت كثيرا بعد حادثها مع مروان، مشفى وأطباء، لذا أنا لا أريدها أن تعاني مرة أخرى"
كان يدرك مدى الألم الواضح بعيون قاسم فقال بصدق "لن تتألم قاسم صدقني لن أتسبب لها بأي ألم بأي يوم"
بالنهاية تناول الجميع المشروبات للاحتفال البسيط حتى رحل الجميع وجاسم يودعهم بينما ظلت هي واقفة بمنتصف البهو ولا تعرف ماذا عليها أن تفعل؟ كيف سيكون زواجهم؟ لم يكن بينهم سوى قبلة لم تكتمل فهل هي كافية لإقامة علاقة وزواج كامل؟
عندما توقف أمامها كان قد تخلص من الجاكيت وربطة العنق، عامر وساهر يميلان جدا لتلك الملابس الرسمية أما هو وحمزة فيقتنصان أي فرصة للتخلص منها
كان ينظر لها وقال "ألم تشعري بالجوع؟ أليس هناك بعض من طعامك؟"
للحظة ظلت تحدق به، هل حقا يعني ما يقول؟ ناداها مرة أخرى "مايا هل تسمعيني؟ حسنا يمكننا طلب طعام"
تحرك ولكنها قالت "لا، أقصد هناك طعام فقط سأقوم بتسخينه، لكن عليك بإحضار الكثير بالغد، الثلاجة فارغة"
تراجع وهي تتقدم للمطبخ وتبعها وهو يقول "كان هناك شخص ما يتحدث عن الأوامر هل فقدته بالطريق؟"
كان قد تبعها داخل المطبخ وجلس على المقعد وهي تبتسم وتقول "أحببت إخوتك والروح الرائعة بينكم"
عقد ذراعيه أمام صدره كعادته وقال "هذا هو كنزي الكبير"
وضعت الطعام بالميكروويف وعادت له وقالت "وهل هناك كنز صغير؟"
أبعد وجهه عنها وقال "صغير ومتوسط وكل الأحجام، قاسم يحبك جدا"
وضعت الأطباق وقالت "هو بمثابة أبي"
لم يتحرك وقال "ومع ذلك لم تقيمي معه"
أخرجت زجاجة عصير وسكبت له بعضها ولنفسها وقالت "قاسم لا يقيم بأي مكان" ثم رفعت عيونها له وأكملت "مثلك، البيت لا يعني له شيء، لا أنكر أنه كان متواجد بأوقات كثيرة وأنا صغيرة ولكن بالثانوية كان قد كبر جدا بمجاله وأصبح السفر والاجتماعات تأخذه بعيدا ثم اتخذ الفيلا سكن ولكني رفضت وظللت بالشقة حتى هدم البيت وحدث ما حدث فعدت للشقة الجديدة"
صافرة الجهاز جعلتها تخرج الطعام وتضع له بالطبق ثم لنفسها وبجوارها السلطة ثم جلست بجواره، بدأ بتناول الطعام بصمت حتى قال "لم تخافي من إقامتك وحدك؟"
نظرت له وقالت "لا، الوحدة كانت شريك جيد والقطط أيضا، قطتي المفضلة ماتت العام الماضي والأخيرة كانت هدية قاسم لكني لم أتعلق بها كثيرا أو ربما مللت منهم"
قال "هذا يعني عدم رغبتك بواحدة؟"
رفعت وجهها له وقالت بلا تفكير "أظن أني لم أعد أميل للتعلق بأي شيء حاليا خاصة القطط، هل تظن أن مروان هو من يفعل معي ذلك؟"
أنهى الطعام بسرعة وقال "أنتِ خطر عليّ"
نهض واقفا فتراجعت بدهشة وهتفت "ماذا؟ أنا ماذا؟"
تحرك للباب وقال "طعامك هذا خطر على رجل مثلي، أحتاج للجري لميلين زيادة عن المعتاد"
وابتعد فأسرعت خلفه وهي تناديه "جاسم، جاسم انتظر، أنت.."
ولم تكمل لأنها اصطدمت به عند الباب وقد ارتد عندما نادته وهي لم تنتبه له وصدمتها به جعلتها تشعر أنها اصطدمت بحائط عملاق، جامد كالصخر، حار كالشمس المحرقة بمنتصف أغسطس، ذراعيه احتوتها كي لا تسقط من الاصطدام يداها ارتفعت على صدره لتوقف التصاقها به، نظرات الفزع ارتسمت بعينها، نظرات لا معنى لها تسلقت لعيونه وهو يواجها
استوعب كلاهم الأمر وهو لم يتركها وهي لم تدفعه بعيدا فقط قالت بارتباك "أنت، أنت لن تتركني وحدي؟"
كان ينصهر داخليا من الحرارة التي ارتفعت بشده بكل جسده، عيونه التصقت بعيونها الفاتنة، عطرها الفرنسي أخذه لعالم آخر لم يعرفه منذ وقت طويل
حاول السيطرة على نفسه وجسده وهو يقول "تعلمين أني لن أفعل أبدا"
نست ما قالت والخوف الذي أخذها منذ لحظات وفقط عيونه هي ما سيطرت عليها، قربه، حرارته التي تضربها بقوة ولكنها كانت تستعيد نفسها وهي تتراجع للخلف فأفلتها بلا رغبة وهي قالت
"قلت أنك ستجري"
هز رأسه وقال وهو يفرك وجنته "بالخلف غرفة بها عدة آلات رياضية كنت قد اشتريتها منذ فترة وخزنتها هنا"
وظل كلاهم يحدق بالآخر حتى قطع هو الاتصال وتحرك للخارج ودخل الغرفة وتوقف بالظلام وهو يتنفس بصعوبة ويحاول إيقاف رغبته التي تتحكم به كحيوان بدائي لا يعرف عن السيطرة شيء، هو عرف نساء كثيرة لكنه أبدا لم يتجاوز لتلك المرحلة التي تأخذه هي لها، كانت علاقته بأي امرأة تنتهي قبل أن يخرج من المكان بلا رغبة بأي شيء آخر لكن هي مختلفة
خلع قميصه وأضاء النور وتحرك للأجهزة ولا يعلم كم مر عليه وهو يمارس الجري وغيرها من الأشياء المرهقة
تحركت لحوض الغسيل وتوقفت أمامه وقلبها يدق بسرعة، هذا الرجل لديه قدرة على أن يجعلها تنهار أمامه، هي تشعر أنها ضعيفة جدا وهي بقربه، له تأثير على جسدها وقلبها وحتى عقلها ينتهي من الوجود لحظة وجوده معها
ولكنها تعلم أن لا امرأة استطاعت أن تجعله مختلف، الميديا ذكرت ذلك عنه، حتى قاسم صدق على ذلك، هو رجل قابل الكثيرات من قبلها، ستة وثلاثين عاما كافية ليعرف كل الأشكال والألوان فأين هي منهن؟ هي حتى لا تهتم بمظهرها
بلا وعي رفعت يدها المغرقة بالصابون إلى شعرها المربوط بالمنتصف بلا اهتمام، ملابسها البسيطة، لا تجميل مما تقوم به كل الفتيات أمثالها فهل سيراها من الأساس؟
انتهت وتحركت للأعلى هي تعلم أنه لن يريدها، هو واضح بتصرفاته ولم يمنحها أي شيء يدل على العكس لذا هي لابد أن تكف عن التفكير بتلك الأمور فهي ستظل هكذا، بعيدة كل البعد عنه
أنهى التمرينات عندما شعر بألم بكل عضلاته ومع ذلك لم تخرج من رأسه، عاد للداخل وتحرك للأعلى حيث الغرفة الرئيسية وهو يعلم أنها لم تتخذها لنفسها، الآن يمكنه البقاء بها، أخذ حمام وخرج ثم أجرى عدة اتصالات برجاله رغم تأخر الوقت وعلى جهازه المحمول أكمل
كان سعيد عندما اكتشف رجاله التسريب الموجود بنظام الأمن بشركة قاسم وقاموا باللازم وبلغوا قاسم بانتهاء العمل
اندمج بالعمل القانوني حتى لاحظ ظهور النهار فدخل الفراش ورأى عيونها تنظر له فابتسم ونام
كانت العاشرة عندما استيقظت، كانت قد نامت بشكل مريح بلا كوابيس ولا قلق، نهضت وأخذت حمام ولم تفكر بتغيير أي شيء بنفسها ولن تفعل
ما أن نزلت حتى رأته يأخذ أكياس من رجل عند الباب فتوقفت حتى انتهى، كان كل يوم يزداد وسامة وجاذبية ما أن أغلق الباب حتى تحركت وقالت "صباح الخير"
نظر لها وقال "صباح النور، ها هي الطلبات"
تحركت خلفه مسرعة، خطوته باثنان منها، وضع الأكياس على المائدة وتحرك فهتفت "إلى أين؟ ألن تساعدني؟ لن أفعل كل ذلك وحدي"
نفخ ورفع ذراعيه بالهواء ثم استدار لها وقال "هل الأمر يحتاج مساعدة حقا؟ إنها بعض الأشياء"
هتفت بجدية "إذن لن ترهقك بعض الأشياء وأنت تساعدني بوضعها بمكانها، هيا ما زلنا لم نفطر بعد"
وتحركت للأكياس وهو لا يصدق أنها هي من تملي عليه الأوامر وهو بكل غباء يتحرك لينفذ لها أوامرها
وضعت له الطبق أمامه ورأى البيض بالبصل والطماطم والفلفل الألوان فعرفه وهو يقول "هدى اعتادت على صنع مثل ذلك الطبق"
لم يتناول منه شيء فقالت "أنت لا تفضله؟"
لم يكن يريد إحباطها ولكنه حقا لم يكن يفضله وهي أدركت ذلك فنهضت بسرعة له وقالت "كان عليك إخباري"
جذبت الطبق ولكنه أمسكه فنظرت له وهو فعل المثل وقال "أنتِ لم تسألي والآن أيضا لم تسألي"
احمر وجهها وشعرت بالغضب من نفسها فتركت الطبق وقالت "معك حق، آسفة، هل تفضل شيء آخر؟"
دس الشوكة والسكين بالبيض وأخذ قطعة منه، وانتظر حتى يجد ذلك الطعم الذي تتخصص هدى به ولكنه وجد طعم آخر مختلف فرفع حاجبه وقال "إنه مختلف، لماذا؟"
لم ترد وهو يتناول منه مرة أخرى ثم عاد وقال "البهارات أليس كذلك؟"
ابتسمت وقالت "أظن ذلك هناك طرق مختلفة لصنعه والبهارات أهم شيء به، لقد جربت طرق كثيرة له وهذه كانت أفضلهم بالنسبة لي"
لم ينظر لها وهو يجذب العيش ويقول "ولي"
لم تذهب ابتسامتها وهي تعود لمكانها لتجلس وهو يقول "ولكن هذا لا يمنع أن عليك السؤال أولا"
لم ترد وهي تبتسم أكثر فروحه جعلتها ترتاح، ترتاح جدا وتتخطى مرحلة لم تكن تعرف كيف ستتخطاها، عدم مطالبته بأي حقوق كزوج جعلها تدرك أن الزواج فقط لحمايتها، شرعية حمايتها، وما بعد ذلك لن تسأل عنه كما أخبرت أخيها
انتهوا من الطعام وتركها بسبب هاتفه وانشغلت هي بالمطبخ، كانت تشعر أنها ببيتها وتهتم بأموره كامرأة متزوجة، تفكر بالغداء الذي قد يفضله وملابسه، نعم عليها أن تهتم بهم وبراحته هي زوجته حتى ولو كان على الورق
بحثت عنه فلم تجده سوى بالمكتب، كان منكب على الحاسوب المحمول فدقت الباب، رفع رأسه لها فقالت "دقائق قليلة من وقتك"
تراجع بالمقعد وهي تتقدم وقالت "لدي بعض الطلبات"
أغمض عيونه ونفخ وهو يقول "أنتِ تمزحين، حسن سيدعو علينا لغدا"
ضاقت عيونها وهي تتساءل "حسن؟ من حسن؟"
نظر لها وقال "واحد من حراس الفيلا، اكتبي قائمة بطلباتك مايا لننتهي من ذلك"
ظلت واقفة والغضب تسرب لها من طريقته فقالت "أنت لم تسألني"
كلماته هي تنطق بها، أبعد وجهه وقال "حسنا أنا أفعل الآن، ماذا تريدين؟ أنا لا أملك النهار كله من أجل طلبات الأرز والفراخ وتلك الأمور التافهة"
شعرت بالإحراج من كلماته وهجومه فقالت "شكرا لوقتك الثمين، لست بحاجة لشيء"
وتحركت خارجة وهي تتحرك لأعلى حيث دخلت غرفتها وهي تقاوم الدموع وقد جعلها تشعر كم هي فارغة ولا..
دقات الباب جعلتها تلتفت لتراه واقفا أمام الباب، منحته ظهرها وهي تمسح دموعها فتحرك للداخل وعطرها سكن الغرفة مما جعله يشعر برغبة بالبقاء
توقف خلفها وقال "تقريبا سنمضي كل الأيام نعتذر لبعضنا البعض"
لم تنظر له وقد كان على حق عندما لم ترد قال "مايا بالتأكيد تعلمين أنني لست رجل منزل ووجودي بالمنزل كل تلك الأيام يسبب لي إزعاج بكل شيء لذا أفقد أعصابي بسهولة فهل يمكن أن تتعاملي معي على هذا الأساس"
التفتت لتواجه وهي تقول "أنا السبب بكل ذلك، أنا من صنع ذلك العبث بحياتك، يمكنك تركي هنا بين رجالك والعودة لحياتك لا يمكن لحياتك أن تتوقف وتتدمر بسببي"
أدرك أنه زاد الأمور سوء فابتعد وهو يمرر يده بشعره وقال "والآن زدت الأمور تعقيدا، مايا"
قاطعته "لا تجعل ذلك الزواج يعوقك عن حياتك جاسم، أنا أعلم أنه شكلي لذا تأكد أني لن أتجاوز بأي شيء أنا فقط أردت أن"
ولم تكمل واختنقت الكلمات بحلقها فالتفتت مبتعدة هي الأخرى وظل الصمت لحظة حتى التفت لها وقال "لا شيء يعوقني عن حياتي مايا، وجودي هنا جزء من العمل الذي أفضله ولن أتوقف حتى أصل لذلك المجنون"
قالت بغضب "وكيف ستصل له ونحن لا نعرف عنه أي شيء؟ أنا هنا بعيدة عن كل ما كان يعرفه عني لذا يمكنك تركي والعودة لحياتك"
تحرك تجاها وجذبها من ذراعها لتلتفت وتواجهه وهو يقول "أي حياة التي تريديني العودة لها لأني لا أفهم معناها من بين كلماتك؟"
نفضت ذراعها منه وقالت "العمل وإخوتك والأماكن الليلية التي كنت تعتاد عليها والنساء، ألم تكن هذه حياتك؟"
ضاقت عيونه من كلماتها التي لا يعرف من أين حصلت عليها ولم يصوبها وهو يقول بعناد واضح "عندما تنتهي مهمتي هنا أعدك أن أعود لحياتي خاصة الأماكن الليلية"
وتحرك ليخرج ثم توقف وقال "والنساء"
ثم عاد وخرج وانهارت هي بالبكاء وهي لا تعلم ما الذي يحدث بينهم؟ جنون، كل ما يحدث جنون وكلاهم لا يتوقف عنه، سقطت على الفراش وهي لا تعرف إلى أين سينتهي كل ذلك؟