رواية علي دروب الهوي الفصل الرابع4 بقلم تسنيم المرشدي


 رواية علي دروب الهوي الفصل الرابع4 بقلم تسنيم المرشدي


كُن راضيًا بما قسمه الله لك، كُن قنوعًا بما وهبه إليك وأعطاك من فضله، نِعم الله كثيرة وإن مَنَّ عليك بِنعمةٍ كُن له حامدًا شاكرًا فيعطيك من النِعم أضعافًا، وإن كُنتُ مفتقرًا لنعمةٍ لم يكتبها الله لك فكُن صبورًا محتسبًا يجازيك الله في الدنيا والآخرة، إن من أفضل وأسمَى درجات الإيمان 'الصبر' 

***

_ إحنا لازم نوقف مقابلتنا ونوقف كل حاجة بنعملها..
هتفها عبدالله بقلبٍ ينفطر حزنًا على قراره الجاد، والذي فاجئ به صبا، أطالت النظر وهي لا تصدق كم هو قاسيًا في طلبه، كيف تجرأ وقرر ذلك في عقله حتى؟! 

شعرت بغصة مريرة في حلقها، واغرورقت عينيها بالدموع  إلا أنها جاهدت نفسها، استشف الآخر ما يدور في عقلها وواصل بصوتٍ مختنق: 
_ لو قدرنا نخبي على اللي وثقوا فينا هنقدر نخبي على ربنا إزاي؟! أنا يمكن بعمل حاجات كتير غلط، يمكن مش منتظم في الصلاة، بشرب سجاير أوقات، بس مع الوقت أكيد هبطل شرب وأكيد هنتظم ومش هسيب فرض، عشان من جوايا عايز اتغير وربنا هيساعدني على دا، وعشان كدا أخدت قراري رغم إنه صعب أوي عليا، بس أنا مش عايز أخسرك يا صبا، عايز أحميكي حتى من نفسي عشان ربنا يجعلك من نصيبي، مش عايز أعمل حاجة حرام وربنا يحط بينا عقبات ومنعرفش نوصل لبعض في الآخر، أنا بحبك ولغاية ما علاقتنا تكون في النور ومش حرام مش عايز يكون لينا صلة ببعض أكتر من إني أوصلك زي ما ابوكي والناس كلها مفكرين كدا.. 

لم تعد تنجح في التماسك بعد، أجهشت في البكاء وانسدلت دموعها بغزارة، فأسرع عبدالله محاولًا ايقاف عبراتها التي آلمته: 
_ متزوديش وجعي يا صبا، على عيني إن أبعدك عني، هنصبر لغاية ما أقدر بس أقف قدام ابوكي وأنا قد مقام الدكتورة.. 

من بين بكائها كانت تصدر شهقاتٍ قوية تَهُز جسدها، حاولت التوقف مرارًا لكنها تفشل بالأخير، أغمضت عينيها لفترة تستجمع شتات نفسها، وكان عبدالله يُأزرها بكلماته الحنونة التي تطيب قلبها وتروي ظمأه: 
_ عبدالله من غير صبا يتوه والله، أنتِ متعرفيش إنك الطريق اللي ماشي في حياتي دي عشان أوصله، وواثق في ربنا إن في يوم هنولك وأكون ليكي، حتى لو أتأخر شوية بس كل طريق صعب نهايته حلوة، مش كدا ولا إيه يا دكترة؟ 

أعادت صبا فتح عينيها ثم سحبت منديلًا ورقيًا من حقيبتها وقامت بكفكفة عبراتها، صمتت لوقتٍ حتى شعرت بالقليل من التحسن ثم قالت وهي تطالعه بهُيامٍ: 
_ وليه نتأخر ونستنى لما الحل في ايدك.. 

بتلقائية سألها: 
_ ايدك عليه وأنا أعمله وقتي

سحبت قدرًا من الأكسجين التي امتلأت رئتيها به ليسع صدرها وقالت بترددٍ وهي تراقب عينيه لتستشف شعوره: 
_ تاخد حقوقك من....

_ متكمليش.. 
لم يدعها تُكمل وهتف بغضبٍ عارم، ثم انتفض من مكانه وتجهمت تقاسيمه حتى برزت عروق عنقه ويديه، باءت محاولاته بالمقاومة بالفشل فطوصاح عاليًا: 
_ متخلنيش أندم إني حكيتلك..

استدار بجسده ورمقها بنظراتٍ ثاقبة وأضاف: 
_ أنتِ الوحيدة اللي حكيتلك سري وقولتلك بلاش في يوم تستخدميه ضدي 

استنكرت صبا اتهامه، نهضت عن مقعدها وتوجهت ناحيته وهي تهتف: 
_ أنا مستخدمتوش ضدك، أنا بقولك خد حقوقك، حقوقك دي اللي هتخلينا لبعض ومش هنضطر نستنى كام سنة على لما نكون لبعض وعلاقتنا تكون في النور 

أولاها ظهره وبتمردٍ واضح هدر:
_ لو سمحتي يا صبا قفلي على الموضوع دا 

_ تمام 
قالتها بنبرة حزينة وعادت إلى المقعد، عقدت ذراعيها على صدرها ونظرت إلى النيل بوجهٍ عابس وحاحبين معقودين، انتبه عبدالله على الهدوء الذي عم فجأة فالتفت ليراها وتفاجئ بحالتها، تنهد ومشى بخُطوات متمهلة ثم قال بمزاجٍ غير ما كان عليه:
_ أنا كنت حابب أعملك كل حاجة تطلبيها النهاردة، يا عالم هقدر أعملك كدا تاني امتى.. 

رفعت بصرها صوبه دون تعقيب، فهي لا زالت غاضبة منه، استحث عبدالله عدم تقبلها للأمر بعد فحدثها بلهجةٍ حتمًا ستلين بعدها: 
_ من ترك شيئًا لله أبدله الله خيرًا منه، وأنا بصراحة مش عايز بديل أنا عايزك أنتِ، اتوسطيلي عند قلبك يرضى عني يا دكترة 

رمقته بحاجبان معقودان فهتف عبدالله ممازحًا بنبرةٍ مرحة:
_ ما أنا ماشي برضا ربنا ورضا أمي ورضاك علينا يا دكترة والله 

فشلت في إخفاء ضحكتها التي ظهرت عفويًا، أدارت رأسها سريعًا ناظرة للجهة الأخرى لكن هيهات له، فلقد رآها وعلم أنه نجح في صفو رونقها، تنهد قبل أن يردف متسائلًا: 
_ ها، نبتدي بإيه؟ 

لم تجيبه بعد وقد ظهر بائع البطاطا المشوية فنظرا كلاهما إليه ثم نظروا إلى بعضهما مرددين معًا: 
_ بطاطا مشوية.. 

نهض عبدالله وتوجه إليه بخُطى سريعة وقام بشراء اثنان لهما، ثم انتبه على مكبر الصوت الذي يمتلكه البائع، فراودته فكرةٍ ولم يتردد في فعلها، عاد ببصره إلى البائع وسأله بتلهفٍ: 
_ السماعة دي شغالة يا عمنا؟ 

اختلس البائع نظرةً سريعة عليه وقال:
_ ايوا يابني 

انفرجت شفتي عبدالله وابتسم بسعادة ثم أخبره ما يريده منه: 
_ طب ما تشغلنا حاجة كدا لميادة الحناوي، أصل أنا لما بحب حد بحب أسمعه أغانيها..

صمت وألقى نظرة على صبا التي تتابعه وابتسم ثم أكمل بهُيام: 
_ وأنا حبيت أوي يا عمنا 

ابتسم الرجل لحالة عبد الله العاشقة وقام بتشغيل مُكبر الصوت على أحد الأغاني القديمة لميادة الحناوي فصاح عبدالله قائلًا: 
_ عَلِي الصوت بقى يا حج 

أخذ البطاطا وعاد يتغنج على موسيقى الأغنية، انتبهت صبا على ذلك الصوت الذي اخترق أذنيها، أسرت السعادة قلبها لحظتها، قهقهت على تمايل عبدالله المثير للضحك، وصل إليها وناولها خاصتها ثم جلس بجوارها يتناولان بشهية، قطع عبدالله ذلك الصمت بغنائه مع كلمات الأغنية: 
_ يلي ابتديت الحب معاك، عمري الحقيقي ابتدا وياك... إحلو عمري آه والله إحلو بيك أنت يا دكترة 

قهقهت صبا ومن بين ضحكها سألته: 
_ ودي برده في الأغنية؟ 

_ لا دا من قلبي 
قالها بعفويةٍ سرقت قلبها كعادته، احمرت وجنتيها وأخفضت رأسها خافية ابتسامتها الخجِلة، تقوس ثغره ببسمةٍ عفوية لرؤيته خجلها الدائم معه، على الرغم من أنهما معًا منذ فترة لكنه دومًا ما يتفاجئ بخجلها الذي يزداد وكأنها المرة الأولى لهما. 

أنهيا ما يتناولاه ثم ألقى عبد الله سؤاله مهتمًا لسماع إجابتها: 
_ تحبي نعمل إيه تاني؟ 

نظرت صبا إلى السماء تُطالع النجوم لربما تأتي بإجابةٍ لكن لم يكن هناك ما تريده فِعلهُ، تنهدت ثم أعادت النظر إليه وقالت مختصرة: 
_ مفيش حاجة معينة، بس ممكن نتمشى شوية.. 

نهض عبدالله فجأة وقال: 
_ إذًا يلا بينا 

قهقهت عاليًا ثم نهضت وسارت بجواره محافظة على مسافةٍ بينهما، أدار عبد الله رأسه ناظرًا إلى النيل وهو يردد كلماته بشغفٍ: 
_ فاكرة أول مرة اعترفتلك بمشاعري؟ 

هزت صبا رأسها مؤكدة وأضافت من بين ضحكها: 
_ ايوا شغلتلي أغنية الحب بان في عيوني، أنا بجد نفسي أعرف ايه سر حبك لميادة؟ 

انعسكت نبرته وامتلأت بالحيوية وهو ينطق كلماته التي يُمجدها بها: 
_ ميادة دي في حتة لوحدها، احساسها عالي وأنا يومها قولتلك إيه؟ 

نظرا لبعضهما البعض وهتفا سويًا: 
_ اللي بحبه بحب اسمعه ميادة الحناوي 

ضحكا بسعادة ثم أطلق عبدالله كلماته الفخورة بذاته: 
_ طريقة كريتيف في الإعتراف، انكري بقى 

حركت رأسها نافية وانعكس وميض عينيها فكان أكثر لمعانًا وإشراقًا وقالت:  
_ أنت كلك مختلف يا عبدالله

إلتمعت عينيه وهو يرمقها بنظراتٍ عاشقة مُتيمة فخرج سؤاله عفويًا دون إرادة: 
_ بتحبيني يا صبا؟ 

_ مطمنة معاك.. 
قالتها وتلتها تنهيدة حارة فقطب عبدالله جبينه متسائلًا بفضولٍ: 
_ أكيد دي حاجة حلوة، بس برده مجاوبتنيش..

حمحمت صبا وتوقفت عن السير وبدأت تشرح له ما تقصده من خلف كلماتها: 
_ تعرف، فيه فرق كبير أوي بين الحب والأمان، الحب دا ممكن أي اتنين يحبوا بعض، لكن صعب يطمنوا لبعض، ياما علاقات انتهى  بينهم الحب، لكن الأمان مهما الحب انتهى بيفضل موجود، بتفضل ممتن للحظات اللي اطمنت فيها، وبيكون أول شخص يجي على بالك وقت الخوف، وقت احتياجك بتروح تلقائي للشخص اللي بتطمن له، وأنا اطمنت معاك، وقلبي حس بالأمان وبعدها حبك ..

إلتوى ثغره للجانب فارتسمت ابتسامة عذبة، أسرت السعادة قلبه، وشعر بعشقه يُجدد عهده لها، ثم انتبه على صوت ذلك الرجل الذي اقتحم لحظتهما وأردف:
_ ربنا يخليكم لبعض، أنا هنا مخصوص عشان العشاق اللي زيكم، بعمل سلاسل مرتبطة ببعض، أي اتنين بيلبسوها عمرهم ما بيتفرقوا أبدًا مهما عدى عليهم كتير بيكونوا لبعض في الآخر 

كلامه جاء على هوى عبدالله، فهو يتمنى بألا يفترق عن صباه أبدًا، وبدون تفكير هتف:
_ اعملنا اتنين واحدة عليها حرف العين وواحدة عليها حرف الصاد 

أشار الرجل إلى عينيه بإصبعه قبل أن يردف:
_ من عنيا الإتنين  

ثم أخرج من حقيبته بعض المعدات وقام بدق الأحرف على السلاسل ثم أدخلها في بعض فشكلت قلبًا يحمل حرفيهما، تبادل عبدالله نظراته مع صبا التي ابتسمت بعفوية ثم أخذ كلًا منها خاصته فانقسم القلب إلى نصفين، أسبق الرجل بالحديث فقال: 
_ القلب هيكمل طول ما أنتوا مع بعض.. 

ابتسم له عبد الله وقام بدفع الحساب، فغادر الرجل، نظر عبدالله إلى السلسلة وهتف بنبرةٍ شغوفة: 
_ حلوين أوي مش كدا؟ 

أماءت صبا مؤكدة، ثم تذكرت شيئًا فانتباها التوتر ورددت بقلقٍ سيطر على صوتها: 
_ الوقت أتأخر، إزاي بابا مكلمنيش لغاية دلوقتي

فتحت حقيبتها باحثة عن الهاتف فلم تجده، خفق قلبها رعبًا خشية إضاعته لكنها تذكرت أنها وضعته على مكتبها فكانت متعجلة لحظتها ولم تأخذه، تأففت بضيق وهتفت بحنقٍ يشوبه الإرتباك لتأخيرها في العودة: 
_ أوف بجد، نسيت موبايلي في المستشفى، أنا لازم أرجع أخده، اكيد بابا وماما قلقانين عليا دلوقتي

حاول عبدالله تهدئتها بقوله: 
_ اهدي، هكلم السواق يجيلنا ونرجع المستشفى نجيبه، حتى يبقى سبب تقوليه لأهلك على تأخيرك 

أماءت والقلق يطغوا عليها، أسرع عبدالله بمُهاتفة السائق الذي قَدِمَ في غضون دقائق قليلة، قاما بالركوب وإخباره بالعودة إلى المستشفى، بعد ثلاثون دقيقة قد وصلا بهم إلى هناك، ترجلت صبا برفقة عبد الله التي سار بجوارها فتعجبت من أمره وأرادت أن توقفه فقالت: 
_ رايح فين خليك هنا، أنا هجيبه وهرجع..

اكتفى بهز رأسه ووقِف مستندًا على التاكسي منتظرًا عودتها، تابعت سيرها إلى الداخل ثم إلى مكتبها، زفرت براحة حين وجدت الهاتف، قامت بالتقاطه وأسرعت في العودة لكنها تفاجئت بوجود ذلك العاصم أمام باب مكتبها مبتسمًا بسماجة فخفق قلبها رعبًا لحضوره المفاجئ دون سابق إنذار. 

أغمضت عينيها لبرهة تستجمع بها شتات نفسها ثم أعادت فتحهما وأردفت بصوتٍ متحشرج: 
_ بتعمل إيه هنا؟ 

أجابها وهو يخطو داخل المكتب: 
_ سألت عنك قالولي خلصت الشيفت بتاعها ومشت، فجيت أشوف مكتبك بس المفاجئة إني شوفتك كمان..

كان يتجول في المكتب وهو يتحسس جميع الأشياء بأنامله، نفخت صبا بضيقٍ وأرادت إنهاء تلك السخافة الحادثة: 
_ لو سمحت ارجع أوضتك، مكتبي مش للفرجة..

توقف عاصم فجأة ثم استدار ورمقها بنظراتٍ قشعرت بدنها، تفحصها جيدًا فشعرت صبا بالخوف وما ضاعف خوفها اقتراب خُطواته الثابته نحوها، تراجعت للخلف قليلًا وهي تخشاه، فلم يتوقف عاصم عن الإقتراب حتى بات مقابلها، قام بجذبها من يديها مجبرها على الدخول ثم أغلق الباب بقدمه فهتفت صبا مذعورة: 
_ أنت بتعمل ايه، سيب ايدي 

ترك عاصم يدها وقال بصوت أجش: 
_ أنتِ عجبتيني أوي يا دكتورة، وأنا نادرًا ما بحس الإحساس دا مع واحدة..

صمت فتراجعت الأخرى للخلف وعينيها نصب الباب لتفر هاربة بينما أضاف عاصم بلوعةٍ وهو يضع يديه على قلبه:
_ أول مرة قلبي يدق جامد بالشكل دا، وأنتِ السبب أنتِ اللي قدرتي تخليه يرجع للحياة تاني.. 

كانت تصغي إليه بتعجب وريبة، ابتلعت ريقها وتساءلت بتوجسٍ:
_ أنت عايز مني ايه؟ 

_ عايزك 
هتفها وهو يقترب منها فدعب الرعب أوصالها، بحثت بعينيها عن شيءٍ يمكنها حماية نفسها به فلم تجد أفضل من اللوح الخشبي المدون عليه اسمها، أسرعت نحوه وإلتقطته، آنذاك قد وصل إليها عاصم فقامت بضربه ضربًا مبرحًا على رأسه حتى خر أرضًا وسالت منه الدماء. 

صعقت صبا حين رأت حالته التي تسبب بها، أسقطت اللوح الخشبي من يدها ثم فرت هاربة إلى الخارج، كانت تتسارع قدميها في الوصول إلى الخارج، قلبها يخفق بشكلٍ عنيف، تنزلق قدميها من آن لآخر بسبب عدم توازن خُطواتها. 

وقع نظري عبدالله عليها وتعجب من ركضها فتوجه نحوها تلقائيًا، تملك منه القلق حين رأى شحوب وجهها، نظر إلى يديها المرتجفة وتساءل بتوجسٍ: 
_ مالك يا صبا، أنتِ بتترعشي كدا ليه؟ 

حدجت صبا يديها التي ترتجف بشدة ثم رفعت بصرها عليه وأجأبته بتلعثمٍ:
_ أنا قتلت واحد!! 

***

بعد العديد من الرنين على هاتف زكريا، قررت والدته الإجابة لحين انتهائه من الإستحمام، تفقدت المتصل أولًا ثم أجابت حين وجدتها ليلى، وما كادت تفعل حتى انفجرت الأخرى معنفة بصوتٍ باكي: 
_ أنت مش بترد ليه؟ هو التعامل هيكون صعب للدرجة دي؟ خلاص بعد اللي حصل هتتجاهلني؟ ولا هتسيبني؟ أنا مش قادرة استوعب أنك أجبرتني على حاجة زي دي إزاي؟ أنا هتجنن، مش قادر تصبر اسبوعين لما أكون في بيتك، أنا جسمي بيتنفض كل ما افتكر اللي حصل بينا، أنا مش كويسة وحاسة إن هيجرالي حاجة...

صمتت ليلى حين لم تجد ردًا منه، بينما وضعت والدة زكريا يدها على فمها مصدومة من هول ما سمعته، وعلى الرغم من أنها لم توضح بكلامها ما حدث بينهما إلا أنه ليس هناك داعٍ للتساؤل حول قصدها فهي استنتجت الأمر كاملًا حين ربطت رؤيتها لزكريا ينزل السُلم بحذرٍ معها، ناهيك عن الفوضى التي وجدتها ببيتهما حين صعدت، وأخيرًا رؤيتها نزول ليلى في وقتٍ متأخر مع زكريا. 

خرجت من صدمتها على سؤال ليلى: 
_ أنت مبتردش ليه؟ 

استمعت ليلى لأنفاسٍ عبر الهاتف أثارت قلقها، بينما أنهت الأخرى الإتصال حين انتبهت لخروج زكريا من المرحاض، أعادت الهاتف إلى الكومود وما كادت تفعل حتى تفاجئت بدخول زكريا الغرفة، نظرت إليه مطولًا وداخلها شعور بالنفور منه، لم يكن زكريا أقل مفاجئة بوجودها فلم يكن يعلم أنها هنا، حمحم وتساءل باستسفار: 
_ فيه حاجة يا ماما؟ 

شعرت بأن الكلمات حُشرت داخلها ولم تجد لهم مخرجا، حمحمت لتجمع كلماتٍ ترد بها ثم هتفت بصوتٍ خرج متحشرج: 
_ موبايلك كان بيرن كتير.. 

_ مين؟ 
تساءل وهو يتجه نحوه فأجابت وعينيها لا تُرفع عنه: 
_ ليلى...

التقط زكريا الهاتف وردد قائلًا: 
_ تمام هكلمها

لم تُحرك والدته ساكنًا بل مازالت واقفة تحدجه بنظراتٍ مختلطة بمزيجٍ من المشاعر المشمئزة والمصدومة، رمقها زكريا بطرف عينيه متعجبًا من وقوفها وبريبة سألها: 
_ عايزة تقولي حاجة يا ماما؟ 

ابتلعت ريقها ونظرت إلى جسده الذي يحاوط نصفه بالمنشفة تاركًا صدره عاري وأردفت بمزاجٍ غير سوي: 
_ بلاش تمشي كدا، في بنات في البيت، إحنا اتكلمنا في الموضوع دا قبل كدا 

تنهد زكريا بارتياح ثم قال وهو يأخذ ملابسه من الخزانة: 
_ أنا عارف إنهم نايمين فخرجت عادي

_ تمام..
قالتها ثم غادرت الغرفة، فأسرع زكريا في مهاتفة ليلى بعد أن ارتدى ملابسه وقال حين أجابت: 
_ معلش يا ليلى كنت بستحمى 

_ أومال مين اللي رد عليا؟ 
هتفتها بخوفٍ ثم أضافت بذُعرٍ: 
_ حد فتح الخط وأنا اتكلمت بس مردش.. 

توجهت أنظار زكريا نحو الباب تلقائيًا، وقد ربط وجود والدته بما قالته ليلى، لكنه أراد أن ينفي ظنونها وقال وهو يلقي بجسده على الفراش: 
_ يمكن بيتهيقلك يا ليلى أنا كنت في الحمام ولسه داخل الأوضة حالًا

أغمضت ليلى عينيها رافضة الإقتناع بما يحاول إقناعها به وهتفت بإصرار: 
_ أنا متأكدة من اللي بقوله كويس، أنا سمعت نفس والله سمعت نفس كأن حد بيسمع كلامي، ولما ملقتش رد منك سألتك أنت مش بترد ليه قام الخط مقفول 

اعتدل زكريا في جلسته، وقد سكن القلق جوفه، لم يرفع نظريه عن الباب متوجسًا من ظنونه التي تقوده إلى والدته، حاول طرد أفكاره التي تثير قلقه ورفض الإستسلام لحديثها وأردف مهاجمًا إياها: 
_ ليلى، الظاهر أعصابك تعبانة ولسه مش قادرة تسيطري عليها، اهدي كدا ونامي وريحي عقلك شوية، تصبحي على خير 

انهى الإتصال وألقى الموبايل جانبًا ثم عاود النظر إلى الباب لكن سرعان ما هرب من أفكاره بتمديده على الفراش واضعًا الوسادة أعلى رأسه في محاولة إجبار عقله على التوقف عن التفكير وأخذ قسطًا من النوم. 

على الطرف الآخر، بكت ليلى حتى جفت عينيها من الدموع، وجف قلبها وبات متعبًا لا يقدر على إصدار خفقاته بمعدلًا طبيعيًا، شعرت بأنفاسها تتثاقل وصدرها ينغلق يضيق رحبه ويزيد لهيب نيرانه فتحرق روحها المتآلمة. 

فقط آرادت الإطمئنان، أرادت كلماتٍ تآزر قلبها وتحمل له السكينة، آرادت تسكين جرحها النفسي الذي سببه لها، كم نحن ضِعاف الأنفس، نَبِيت بهشاشة قلبٍ متألم، وجراحًا نفسية ملعونة، لا تتركنا حتى تحرق روحنا وتزهق، لكننا نُزهِر من جديد، وتقوى نفوسنا ونظن بأننا نملك الأرض فقط بكلمة، كلمة تُطيب الآلام وتضمد الجروح. 

لكن هيهات لوضع ليلى التي لا تُحسد عليه، فلم تجد ما يطيب خاطرها ويطمئن قلبها، فقط كلمة لم تنالها فتضاعف خوفها وازداد حُزنها. 

***

انحنى برأسه يراقب المكان جيدًا، ثم تفقد الكاميرات الموجودة في الزوايا وعندما استدارت إحدى الكاميرات القريبة منه للجهة المعاكسة قام بالركض إلى السور، جسى على ركبتيه ثم قفز فجأة وتسلق الجدار حتى مر منه إلى الخارج. 

نفض عنه الأتربة التي تناثرت على يديه وملابسه ثم توجه إلى السيارة التي تبعدهم مسافة قريبة، اقتربت منه صبا بيدين ترتجفان بشدة وكذلك صوتها الذي خرج مهزوزًا: 
_ عملت إيه؟ 

مرر عبدالله أنظاره بينها وبين المستشفى ثم أجاب: 
_ ملقتش حاجة.. 

_ إزاي؟ دا وقع وراسه كانت بتنزف!! 
هتفتها بخوفٍ فأخبرها عبدالله ما فعله بالضبط:
_ أنا مشيت على وصفك بالظبط ووصلت للأوضة على بس ملقتش حد فيها

أغمضت صبا عينيها تحاول استجماع قوتها الهزيلة وبنبرة هاشة أردفت:
_ ما يمكن أنت دخلت أوضة غلط.. 

نفى بحركة من رأسه وأكد دخوله الغرفة الصحيحة معللًا: 
_ أنا فكرت كدا برده، بس قرأت اسمك على المكتب واتاكدت أنها أوضتك.. 

انعكس خوف صبا عليها فأظهر ارتباكها وخرجت نبرتها متلعثمة غير مفهومة: 
_ طب راح فين؟ حد شافه؟ أكيد وإلا كان زمانه في الأوضة زي ماهو؟ 

ثبتت عينيها على عبدالله وأضافت بخوفٍ عارم: 
_ أنا كدا روحت في داهية، أنا ممكن اتسجن!!

أجشهت في البكاء فرفعت كفوفها خافية وجهها لتتخلل عبراتها أناملها، فحاول عبدالله تهدئتها قدر استطاعته: 
_ اهدي يا صبا، طلاما مكنش في الأوضة يبقى فاق وقام مشى أو حد أخده، والمستشفى كانت هادية أوي مكنش فيها حركة معنى كدا إنه لو حصلوا حاجة كانت المستشفى اتقلبت، صح ولا إيه؟ 

أزاحت صبا كفوفها ورمقته متأملة ما يقوله، شعر عبدالله بنجاحه في تهدئة جزء من خوفها والآن حان سؤاله الذي يراوده منذ إخبارها بما فعلته أخذ نفسًا ثم سألها بنبرةٍ حادة آراد إخفائها لكنه فشل:
_ صبا، أنتِ متأكدة إنك عملتي كدا لما اتخضيتي، دا فعلًا اللي حصل؟ 

طالعته صبا بطرف عينيها فكان تصرفها يؤكد لعبدالله حدسه، لكنه انتظر إجابتها قبل إعطاء ردًا، هربت صبا بعينيها وكفكفت دموعها ثم أخذت نفسًا متذكرة الحادثة فلم تستطع منع سقوط دموعها، أسرعت في مسحهم ثم أعطته إجابة مختصرة: 
_ أيوا دا اللي حصل، حسيت بوجود حد ورايا وأنا من خضتي مسكت القارمة وخبطته بيها.. 

انتبهت صبا على رنين هاتفها الذي كان طوق نجاتها من أسئلته ونظراته وهتفت: 
_ بابا وماما مبطلوش رن، لازم أروح.. 

لم يرفع نظريه عنها ولم يُحرك ساكنًا، فلقد تأكد أنه تكذب، لم يعتاد عدم مواجهة عينيها عند إخباره بالأشياء الحادثة، ناهيك عن هروبها متحججة بعائلتها، رفعت صبا عينيها عليه بصعوبة فخفق قلبها رعبًا من نظراته التي شعرت بها اكتشافه لأمرها، ابتلعت ريقها وبإرتباك واضح قالت بخفوت: 
_ يلا يا عبدالله..

خرج عبدالله من حالته على صوت السائق المتذمر: 
_ مش هنتحرك ولا إيه كان فاتي أخدت توصلتين لغاية دلوقتي.. 

اقترب عبدالله من السيارة وقام بالخبط على سطحها مرددًا بعصبية:
_ خلاص يا عمنا.. 

عاود النظر إلى صبا وأمرها بنبرة غاضبة: 
_ اركبي..  

أسرعت في الركوب دون النظر إليه، أمر عبدالله السائق بالتحرك إلى منطقتهم، ساد الصمت حتى وصلا عند مدخل المنطقة، فقام عبدالله بالترجل اولًا ثم أمر السائق وهو يعطيه نقوده: 
_ اتفضل يا عمنا، ووصل الآنسة لجوا 

أماء السائق ثم تابع قيادته للداخل، بينما اعتدل عبدالله في وقفته، شعر بالبرودة تتخلل ملابسه فارتجف جسده لثانية، رفع كفوفه ثم نفخ فيهما حتى شعرا بالدفء فيهما ومشى ليعود إلى بيته بعقلاٍ منشغل بحادثة صبا وكذبها، داخله يخبره بذلك ولا سيما أن هناك ما يجهله، لكنه لم يريد الضغط عليها فهي في حالة يرثى لها. 

لم ينتبه على ذلك الذي خرج من أحد الأزقة وتابع سير عبدالله بعينين ضائقة ثم ردد بمكرٍ: 
_ إيه الحكاية دي؟ إيه اللي جاب عبدالله لصبا؟ 

نفث دخان سيجارته ثم مشى بعد أن تأكد من اختفاء عبدالله من المكان وهمس بينه وبين نفسه: 
_ مفيش حاجة هتخفى على حمادة، يا خبر بفلوس.. 

أخرج تنيهدة وتوجه إلى منزله مباشرةً، قابلته زوجته بترحاب ثم قبلته من وجنته قائلة برقةٍ: 
_ حمدالله على سلامتك يا حبيبي 

بفتورٍ رد عليها: 
_ الله يسلمك 

ولج حتى أقرب أريكة واعتلاها بإهمالٍ، بينما لم تبرح زينب مكانها فلم تتوقع أن يتجاهلها ولا يُبادلها القُبلة، طردت أفكارها التي حتمًا ستحزن قلبها واقتربت منه، حمحم حمادة ليُمهد لسؤاله وقال بصوتٍ أجش:
_ أومال إيه حكاية عبدالله مع الدكتورة؟ 

تفاجئت زينب بسؤاله وهربت بعينيها بعيدًا لألى يكشفها وتصنعت جهلها بسؤاله: 
_ حكاية إيه ودكتورة إيه؟ تقصد مين؟ 

اقترب منها حمادة حتى إلتصق بها ثم وضع إصبعه على ذقنها ليُرغمها على النظر إليه ورمق عينيها فتأكد أنها تخفي شيئًا، ابتسم بتصنعٍ وقال: 
_ صبا!! أنا شوفتهم وهما راكبين مع بعض التاكسي.. 

حاولت الهرب ثانيةً لكنه آبى وشد على ذقنها وهتف بحدةٍ: 
_ متهربيش، أنتِ عارفة، قولي فيه إيه بينهم؟ 

ابتلعت ريقها وقد شعرت بالألم من قبضته فأخبرته بعينين دامعتين: 
_ حمادة أنت بتوجعني 

انتبه الآخر على قبضته القوية فأرخى يده وأخذ يتنفس ليخمد غضبه، نهض وتصنع الحزن وقال وهو يوليها ظهره:
_ مش حابة تقولي براحتك، واضح إنه سر بين العيلة وأنتِ مش معتبراني منكم.. 

أسرعت زينب خلفه مُمِسكة بذراعه فأجبرته على التوقف وهتفت:
_ إيه اللي بتقوله دا يا حمادة، لأ طبعًا مفيش الكلام دا، الموضوع ميخصنيش فأنا مش حابة اتكلم فيه.. 

حدجها حمادة بطرف عينيه وصاح ببرود: 
_ تمام

ثم حرر ذراعه من قبضتها وتابع سيره إلى الغرفة فتبعته زينب وهي تزفر بضيق، ثم وقفت أمامه ووشت بسر أخيها لتُرضِيه: 
_ بيحبوا بعض! 

رُفع حاجبي حمادة واستدار بجسده ناظرًا إلى زوجته ثم أردف سؤاله الخبيث وهو يخلع سترته: 
_ يا سلام؟! دا على كدا الموضوع جديد بقى 

أجابته زينب وهي تقترب تساعده على خلع ملابسه: 
_ مش جديد اوي، بقالهم يجي سنة كدا.. 

اتسعت مقلتي حمادة بدهشة، أخفض رأسه عليها وتابع فكها لأزرار القميص وصاح متعجبًا: 
_ الله الله! دا إحنا كنا لسه صحاب يعني، عمره ما جابلي سيرة حاجة زي دي 

أخرجت زينب تنهيدة وتابعت إخباره بالأمر كاملًا وهي تأتي بملابس منزلية نظيفة له من الخزانة: 
_ أنت عارف عبدالله كويس وعارف إن الموضوع لو يخص حريم عمره ما بيتكلم فيه مع حد..

_ حتى أقرب صاحب ليه؟!
أردف سؤاله بتهكم، فرمقته زينب باسيتاء واضح ثم ناولته ملابسه وردت عليه بفتورٍ:
_ وأقرب صاحب ليه بينهم مشاكل، لو كان حكالك كان زمان الموضوع اتعرف في أي مشكلة من اللي بتحصل بينكم دي في مرة...

صمتت زينب واستشفت فداحة ما اقترفته، رمقته بأعين جاحظة ثم انتبهت على حديثه: 
_ وهو يعني كان يعرف وقتها أن فيه عداوة هتحصل؟ 

خرجت زينب من هدوئها وهتفت بنفاذ صبر: 
_ معرفش بقى معرفش 

اقتربت منه وأضافت بتوجس متوسلة: 
_ حمادة أنت مش هتقول لحد حاجة صح؟! عشان خاطري مش عايزة مشاكل مع عبدالله كفاية أوي اللي بينا 

أنهى تبديل ملابسه وبنبرة تريد إنهاء الحوار أردف: 
_ ربنا ما يجيب مشاكل أبدًا 

نظر إليها وقد تحول أسلوبه إلى الشدة بعد أخذ ما آراد معرفته وبأمرٍ صاح: 
_ مش هناكل لقمة ولا إيه؟ 

_ حالًا
قالتها ثم غادرت الغرفة على الفور لتحضر له طعامها الشهي التي قامت بإعداده، بينما نظر حمادة في الفراغ أمامه وشكل بسمةٍ خبيثة على شفتيه وهو يتلاعب بالأمر في عقله لكي ينفذه خِطته باحترافية. 

***

أخرجت مِفتاح المنزل من الحقيبة بيدين ترتجفان بشدة لتفتح الباب فسقط منها بسبب أعصاب يدها التالفة، خفق قلبها رعبًا حين فُتح الباب وظهرت من خلفه والدتها، كانت ملامحه صبا شاحبة وعينيها تجمتع فيهما العبرات التي تهدد بالسقوط. 

ذُعرت والدتها عندما رأت حالتها المثيرة للقلق، توجست خيفة خشية اصابها مكروه وهتفت متسائلة: 
_ مالك يا صبا، وشك مخطوف كدا ليه؟ ومبترديش على موبايلك ليه؟ إحنا موتنا من القلق عليكي، دا ابوكي كان لسه نازل رايحلك المستشفى 

ظهر والدها من خلفها وتفاجي بحالة ابنته وقام بإدخالها على الفور وهو يردد: 
_ دخليها الأول يا إجلال وبعدين اسالي 

ولجت صبا بخُطوات عرجاء أثر خوفها البالغ، جلست على الأريكة وحاولت استجماع قوتها أمامهما، تنفست بعض الهواء ثم لفقت أكذوبة لتخبرهما بها:
_ أنا كويسة متقلقوش، بس تعبت أوي اليومين اللي فاتوا دول مكنتش بنام، والنهاردة خلصت الشيفت بتاعي واتفاجئنا بحالات كتيرة داخلة المستشفى بسبب حادثة وطبعًا مكنش ينفع أمشي وإلا كان هيكون فيه عجز في الدكاترة مع كل الحالات دي، ومعرفتش أرد عليكم لأن كنت سايبة موبايلي في المكتب، معلش اعذروني غصب عني..

تنهد والدها بارتياح ثم قال بنبرة رزينة:
_ الحمدلله يابنتي إنك كويسة، دا المهم 

انتبه كلاهما على صوت والدتها المتزمجر: 
_ مش عارفة بس إيه آخرة الشغلة دي، دا وجع وقلب وقلق، أنا مش بيجيلي نوم طول ما أنتِ برا البيت، سيبك يابنتي من شغلك دا واقعدي في البيت استني عدلك 

تفاجئوا بحديثها وما كان من زوجها إلا أنه نهرها معنفًا رافضًا تفكيرها العقيم: 
_ إيه الكلام اللي بتقوليه دا يا إجلال، يعني بعد كل التعب والمذاكرة والمصاريف والمِرواح والمِجي نقعدها تستنى عدلها؟ كلام فارغ محبش اسمعه تاني، مفهوم!!

قلبت إجلال عينيها بإزدراء وعدم تقبل لكلامه، بينما وجه محمود حديثه إلى ابنته بحنو: 
ـ قومي يا حبيبتي خديلك دوش دافي يريح جسمك على لما أمك تحضرلك الأكل وتنامي وإن شاء الله بكرة تكوني أحسن 

أماءت صبا دون تعليق فهي بحاجة للهروب من أمامهما، دلفت غرفتها لتُحضر ملابس مريحة قبل أن تشرع في الإستحمام، بينما نهرت إجلال زوجها بحنق:
_ أنت يا راجل أنت مش بتحب تشوف ولادك مرتاحين أبدًا؟ ابنك الكبير فضلت وراه لغاية ما سافر يكمل تعليمه برا وأهو حب العيشة برا واتجوز وخلف وبعد ما كنا بنشوفه كام يوم في السنة معندناش بنشوفه خالص، كل شوية يتحجج بمشكلة عشان مينزلش، والتانية فضلت وراها لغاية ما دخلتها طب خاص عشان مجابتش مجموع الطب، وفرحان وهي شقيانة وتعبانة وبترجع كل يوم والتاني في انصاص الليالي، اللي قدها دلوقتي معاهم عيال وهي محدش بيتقدملها أصلًا، ماهو محدش يعرف إنها موجودة وفي الدنيا بسبب انشغالها بمذاكرتها وبعد كدا شغلها، أنت مبسوط بحياتهم كدا؟ 

رفض محمود الإقتناع بأنه سببًا في شقائهم وببرودٍ أجابها:
_ أيوا مبسوط غيرك يتمنى بس ضفر ولادك، واحد بسم الله ما شاءالله عليه مهندس وكون نفسه بنفسه وبيتشغل في أكبر شركة في روسيا والتانية دكتورة قد الدنيا بتشتغل في أكبر مستشفى خاص محدش بيدخلها غير اللي معاهم ملايين، تعليم وأحسن تعليم وشغل وأحسن شغل فأيوا يا إجلال مبسوط بحياتهم، روحي يلا سخني لبنتك الأكل عشان تاكل..

أنهى حديثه وغادر ناهيًا الجدال بينهما، وقفت إجلال تتابع خُطواته بغيظ حتى اختفى خلف باب غرفتهما، حركت رأسها باستنكار شديد وهتفت بضيق: 
_ لله الامر من قبل ومن بعد، ربنا يوفقكم يا ولادي يارب ويريح بالكم وقلبكم، وترجع يا جلال يا بني بالسلامة واشوفك قريب 

دلفت المطبخ لتحضر الطعام لصبا لحين خروجها من المرحاض لتأكل وتُشبع معدتها. 

*** 

في الصباح الباكر، كان يتقلب بضجرٍ على الفراش، يشعر بألمٍ في ثائر بدنه لاعنًا تلك المرتبة القديمة التي تُسبب لجسده الألم متمنيًا مرور تلك الأيام المتبقية بفروغ صبرٍ لينعم بنومٍ هنيئ على فراشه الجديد. 

صدح رنين هاتفه فأخرجه من حالته المذرية، فتح عينيه بصعوبة فكانت رؤيته مشوشة، مد يده والتقط هاتفه من على الكومود وحاول قراءة الإسم لكنه لم يجد، كان رقمًا مجهول المصدر، تنهد ثم أجاب بصوتٍ ناعس: 
_ الو، أيوا يا زكريا.. 

انتفض زكريا فجأة حين أخبره الطرف الآخر بشيءٍ أفزعه وقلق راحته، فهلل بصدمةٍ: 
يعني إيه القاعة جالها قرار إزالة؟ 
تعليقات



<>