رواية أنين القلوب الفصل الثالث3 بقلم داليا السيد


 رواية أنين القلوب بقلم داليا السيد
 




حيرة
انتهت مراسم الدفن والعزاء ولم تتركها لي لي لحظة، حضر جاسر العزاء رغم انشغاله لأن والده أصر على ذلك وما أن انتهى العزاء حتى اتصل بأخته ليأخذها ولكنها أخبرته أنها ستبقى مع  جي، حاول أن يعترض ولكن لم يجدي معها نفعا.. 
اتجه لمقر المجموعة وراجع الأعمال المتوقفة وسهر عليها ورغم أن له يومان لم ينام إلا أنه لم يعبأ وعند الفجر انتهى فخلع جاكيته وتمدد على الأريكة وذهب في النوم 
أيقظه هاتفه نظر في ساعته، كانت السابعة والنصف، مرر يده في شعره واعتدل ثم نظر لرقم مايكل فأجاب "نعم مايكل" 
جاء صوت مايكل هادئ "مستر جاسر الرجال بالطريق أنا أعطيتهم كل التعليمات لن يتواصلوا معك كالعادة" 
نهض لمكتبه وقال "تمام أريد نتيجة في أسرع وقت، من فعلها يتم تسليمه للشرطة أما من هو وراءها فهو لي أنا" 
أجاب الرجل "أعلم مستر جاسر لا تقلق أي أوامر أخرى؟" 
أجابه بهدوء "لا فقط اطلعني على  الأخبار أول بأول، ما أخبار العمل عندك؟ وصلتني الايميلات أمس وأرسلت لك الرد هل هناك جديد؟" 
رد الرجل "لا يا فندم" 
رد باختصار "تمام" 
أغلق الهاتف الذي رن مرة أخرى زفر بضيق عندما رأى اسم ندى خطيبته فرد "مرحبا"
جاءه صوتها "جاسر ما الذي حدث؟ ها أنا أتيت بمجرد ما عرفت أين أنت؟ أنا بالمشفى" 
قال وهو يجلس ويغمض عيونه "بالمكتب ساعة وأكون عندك، لماذا أتيت؟ أعلم أن لديك عمل هام" 
قالت "كيف تقول ذلك؟ أنت خطيبي وعمو كاظم والدك" 
لم يرد فهو يعلم أن هناك أشياء أخرى كالسفر أو ربما العمل والنزهات والخروج الدائم، كل ذلك أهم عندها من الإنسانيات التي يعيشها الناس فاندهش من أنها تركت ما سافرت من أجله وعادت.. 
عاد لصوتها "حبيبي أين ذهبت؟" 
قال "معك" 
عادت وسألته "هل آتي إليك؟" 
قال "لا أنا قادم ربما أتأخر قليلا ولكن أنا قادم" 
ردت "تمام حبيبي سأنتظرك" 
تذكر ظروف هذه الخطوبة التي اضطره العمل إليها؛ كانت اختياره أراد أن يكون له السطوة الأولى والأخيرة في مجال الأجهزة الطبية فكان عرض محسن الدمياطي حماه أن يشاركه في شركاته التي تنافسه في نفس المجال ويحصل له على توكيل أمريكي من شركة كبيرة في مقابل أن يخطب ابنته التي سبق لها الزواج وخرجت من تجربتها محطمة وأراد محسن أن يعيد لابنته الحياة بشاب ناجح وغني مثل جاسر ووافق جاسر لأن الأمر لا يمثل أي فارق معه فهي صفقة.. مجرد صفقة.. 
كانت حالتها لا توصف، حاولت أن تتماسك كما وعدت والدها ولكن كل مكان بالبيت يذكرها به 
حاولت لي لي أن تخفف عنها ولكن دون أي فائدة وبالطبع لم يكن أحد معها فليس لها أحد، اضطرت لي لي ان تتركها عندما مر عليها جاسر وأخذها لترى والدها وأصبح البيت فارغا، لم تعرف كيف ستعيش وحدها أنها لم تتعلم ذلك ولكن الآن جاء الوقت لأن تتعلم ولكن لماذا تعيش أصلا؟ ربما تترك نفسها فتموت وتذهب لوالدها، نعم وقتها ستعود لصحبته ولكنها تذكرت كلام والدها وكأنها الآن تسمعه 
"لا يا جي، هل تريدين إغضاب الله؟ هل أنا علمتك ذلك؟ لابد أن تعيشي كي أكون مطمئن عليك، مازالت الحياة أمامك، عيشيها يا ابنتي، عيشيها ولكن بما علمتك إياه، إياك أن تغضبي الله، كوني مؤمنة أنه لن يتركك أبدا" فتحت عيونها وأدركت أنها كانت تحلم فعادت للدموع.. 
قابلته ندى بهدوئها المعتاد وهي تقول "جاسر كيف حالك؟ لي لي، ألف سلامة على بابا" 
نظرت لها لي لي بدون اهتمام فهي لم تحبها وكذلك والدها، أشاحت بوجهها بعيدا واتجهت لطبيب العناية مع جاسر وسمعته يقول "هو أفضل اليوم، ساعات قليلة ونخرجه من العناية" 
تنهد جاسر وقالت لي لي بسعادة "حقا! أي سيكون بخير ويخرج من المشفى؟" 
نظر إليها الطبيب وقال "لا ليس بعد، أنه بحاجة للتمريض الخاص وبعض العلاج الدائم وبالطبع لابد أن يرافقه أحد كما تعلمون" 
نظرت لي لي لجاسر وقالت "لا أفهم" 
شكر جاسر الطبيب ثم نظر لأخته وقال "بابا لم يسلم من الإصابة فقد أصابته بالشلل" 
تراجعت لي لي بفزع وابتعدت ندى قليلا فعاد وقال "على فكرة هو يعلم وتقبل الأمر فلا داعي لأفعال تضايقه أو تثير أحزانه" 
قالت بحزن "أنت تظن ذلك ولكني لست مثلك لا أملك مشاعر أنت تتحدث وكأنه أمر عادي، كاظم بيه يصاب بالشلل كيف؟ وهل يتقبل الأمر هكذا؟ أنت ماذا؟ لا قلب لك؟ أنه دادي" 
وتركته وابتعدت ودموعها لا تتوقف حزنا على والدها الذي كان الجميع يهاب من ذكر اسمه بينما لم يهتم هو لكلماتها، كان يعلم أنها عاطفية ولكنه ليس كذلك، اقتربت منه ندى وقالت "هل أنت بخير؟ أنا آسفة لتلك الأخبار، عمو كاظم لا يستحق ذلك" 
نظر إليها وقال "المهم أنه ما زال على قيد الحياة، ندى أنا لا أرى أي داع لوجودك، أعلم أن لديك عمل هام، عودي للمؤتمر" 
ابتسمت بعيونها الخضراء الناعسة وقالت "لا لقد حجزت طائرة الثامنة حتى نكون قد اطمئننا على عمو كاظم" 
كان يعلم أنها مثله لا تهتم بالمشاعر وزواجها منه فقط للمصلحة؛ هو لتحقيق هدفة من السيطرة على السوق وهي كي تكيد زوجها السابق الذي فضل امرأة أخرى عليها 
رن هاتفه فتابع أعماله ثم عاد ورأى حماه يدخل فهو الآخر وصل من أمريكا، احتضن الرجل ابنته ثم حياه وقال "آسف، لم أستطع الوصول قبل اليوم" 
هز رأسه بتفهم وقال "أعلم ظروفك جيدا" 
كان حماه هادئا وهو يقول "كيف هو الآن؟" 
أجاب بروتينية "الحمد لله بخير" 
ضاقت عيون حماه وسأل "هل وصلت لمن فعلها؟" 
نظر إليه وقال "سأصل لا تقلق" 
هز محسن رأسه وقال "أعلم أنك ستفعل" 
بعد العصر انتقل العجوز إلى غرفة عادية وما أن دخل الطبيب حتى قال "الحمد لله على سلامتك كاظم بيه" 
رد الرجل "شكرا يا دكتور، متى يمكنني الخروج؟" 
أجاب الطبيب "يومان، نطمئن على الجرح وطبيب العلاج الطبيعي يراك ويقرر ما سيكون بحالتك ثم أين الممرضة التي سترافقك؟ ألم تحضرها بعد جاسر بيه؟" 
نظر جاسر للطبيب وقال "ظننت أنه لن يحتاجها الآن" 
رد الطبيب بجدية "لا بل لابد أن تأتي وأراها وأمنحها التعليمات اللازمة وتبقى معه هنا تحت الملاحظة قبل الخروج" 
هز جاسر رأسه وقال "تمام لا تقلق" 
انصرف الطبيب وكذلك محسن بينما استأذنت ندى في الذهاب لتلحق بالطائرة فلم يتحرك معها ولم يبدي أي اهتمام برحيلها 
جلس أمام والده في إرهاق واضح فقال الرجل "هل تذهب للمنزل؟ أنت بحاجة للراحة، خذ أختك واذهب" 
ولكن لي لي قالت بإصرار "لا أنا لن أذهب إلا معك دادي" 
ربت على يدها وقال "أنا بخير حبيبتي، جاسر كيف حال جي؟ " 
قال بلا تفكير "جي من؟" ثم أدرك نفسه وتذكر فقال "آه ابنة عم صبري، اسال لي لي هي التي كانت معها" 
لم ينظر كاظم لابنته وقال "أنا كلفتك أنت  بالأمر فماذا فعلت؟" 
قال بعملية واضحة "توليت الدفن والعزاء وتركت لي لي معها منذ أمس فماذا أفعل غير ذلك؟" 
قال الاب "أن أريدها أن تكون الممرضة الخاصة بي هكذا تكون أمامي ولا أتركها، لابد أن أوفي ديني للرجل الطيب صبري، اذهب وأحضر ها" 
نظر جاسر لأخته لحظة ثم عاد لوالده والدهشة تملأ عيونه وقال "هذه الفتاة ممرضة لك! كيف؟ أنها لا تفقه شيء، هي تبدو كالبلهاء بابا، أنا سأحضر لك أفضل ممرضة و.." 
قاطعه الرجل بحزم "وأنا لا أريد إلا هي هل تسمع؟ وفر على نفسك خططك أنا عاجز القدمين لا العقل واللسان هيا تفضل أذهب و أحضرها" 
أشاح جاسر بوجهه بعيدا في ضيق فرغم شخصيته التي لا تقبل أن يتحكم بها أحد إلا أن والده هو الشخص الوحيد الذي لا يستطيع أن يراجعه في كلماته أو طلباته لذا تحرك مبتعدا إلى الخارج  وهو في حيرة من أمر والده وهو يتساءل؛ أي فتاه تلك التي يريدها؟ أنها تبدو كمن لا يعيش في الدنيا... 


                  الفصل الرابع من هنا

تعليقات



<>