رواية جاسم الفصل الثالث3 بقلم داليا السيد


رواية جاسم الفصل الثالث3 بقلم داليا السيد

شاليه
ما أن دخلت الشقة حتى رأت قطتها الصغيرة معلقة بالنجفة والدماء تتساقط منها فصرخت بفزع ووضعت يدها على وجهها وهي تصرخ والتفتت لتصطدم بجسد صلب جعلها تصرخ مرة أخرى ولكنها عرفته كان جاسم الذي بالطبع لم يتركها بل عاد بعد أن دخلت المبنى وتبعها للأعلى وكما توقع
أمسكها من ذراعيها وهي تدفن رأسها بصدره وتبكي بقوة حتى هدأت وهو لا يتركها وأخيرا أدركت نفسها والجسد الحار الذي يلفها فابتعدت وهي تهمس بخجل وفزع معا 
"آسفة، أنا، أنا" 
لم يتركها وهو يقول "لا أسف، لابد أن نبلغ الشرطة وأخيكِ، معنى دخوله البيت فهذا يعني أنه أصبح قريب جدا" 
لم تجيب وهو يتركها لتنهار على مقعد قريب فهاتف قاسم والشرطة وبدأت التحقيقات والبحث الجنائي وقاسم يحتضن أخته حتى هدأت وجاسم يتابع رجال الشرطة
التفت قاسم له وقال "جاسم الأمور تتعقد"
هز رأسه وهو يراها تضم رأسها ليدها فقال "لابد أن تترك هنا، لماذا لا تأخذها فيلتك؟" 
حدق به قاسم ثم قال "لديها ما يمنعها من ذلك، ذكريات سيئة هناك وقت ما كان البيت هنا تحت الإنشاء ومن وقتها رفضت بيتي" 
أخذه الفضول لمعرفة ذكرياتها ولكنه احترم الخصوصيات فقال  "عرضت عليها حل ولكنها رفضت، أنت تعلم بالقرى الخاصة بنا، أخبرتها أن لدينا شاليه هناك يمكنها البقاء به حتى نستطيع أن نصل لشيء وسيكون من السهل عليّ رقابتها ولكنها رفضت" 
هز قاسم رأسه وقال "نعم هي عنيدة، اسمع سأخبرها أنا بالأمر وكأني أنا صاحب العرض لكني أخشى من وجودها هناك وحدها على الأقل هنا وسط جيران"
تراجع جاسم وقال "وماذا قدم لها الجيران عندما اقتحم المجرم الشقة وقتل القطة؟ أنا لن أتركها قاسم ورجالي تعمل لديك بالمجموعة وآخرين سأكلفهم بالبحث وراء ما حدث"
عيون قاسم كانت على أخته وحالتها الصعبة ثم عاد لجاسم وقال "نعم أنت على حق، حسنا أنا بالفعل أثق أنك الوحيد الذي سيقوم بحمايتها ومعرفة من وراء ذلك"
هز رأسه ولم يرد وعاد يتابع التحقيقات ومنح قاسم فرصة للحديث مع أخته وبدا عليها الغضب وهي ترد عليه بل واحتد قاسم هو الآخر حتى سكن الاثنان وهي تبكي فضمها أخيها وتذكر هو وقت ضمها له عند الفزع كانت رقيقة جدا بين ذراعيه وعطرها بدا فرنسي وهادئ جدا وجميل جدا ولم يكن بها أي غش أو خداع
أبعد وجهه عندما رن هاتفه، اسم عامر يضيء فأسرع يجيب "أهلا يا قائد كيف حالك وحال ليل والأولاد؟" 
أجاب عامر "بخير جاسم كلنا بخير، أين أنت لم تظهر منذ المشفى؟" 
تحرك للشرفة وقال "بعمل بالإسكندرية هل هناك شيء؟ حمزة وزوجته بخير؟" 
صمت عامر قليلا ثم قال "بخير لقد خرجا اليوم وعادا البيت متى ستنتهي من عملك هذا؟" 
صوت عامر لم يكن جيد، هو الآخر لم يعجبه أن يخفي شيء عن أخيه الكبير لكن عامر لديه ما يكفي من المسؤوليات وليس بحاجة للمزيد
قال "لا أعلم عامر هو مجاملة لصديق قديم لو أمكنني حضور اجتماعنا بعد الغد سأخبرك بالأمر"
صوت عامر كان هادئ وهو يقول "هل تحتاج لأي مساعدة؟" 
كان عامر الأقرب لهم جميعا وهو بالأخص ربما لأنهم قريبين بالعمر وربما لأن عامر أكثر حنانا من أي أحد
عاد وقال "لا يا قائد شكرا لك تحياتي للجميع"
عاد لهم حيث بدأ الازدحام يخف ولم يتوصل أحد لشيء وأخبره الضابط أن التحريات ستبدأ، انصرف الجميع وبدت متعبة وهي جالسة بمقعدها ولم تنهض منه بينما رأى قاسم يتحرك تجاهه وبيده أكواب القهوة وقال 
"بالتأكيد نحن بحاجة لها" 
أخذ الكوب وقاسم يدخن سيجارته فقال "هي لا تبدو بخير" 
هز قاسم رأسه وقال "نعم، خائفة ولكن عنادها يطغى، أنا طلبت منها السفر للساحل معك" 
نظراته كانت تنتظر، هو يعلم أنها رفضت عرضه فماذا عن أخيها؟ فقال "و؟" 
تناول قاسم القهوة وقال "بالطبع كانت رافضة وظنت أنك ستقيم معها ولكنك لن تفعل كما أخبرتها وبعد جدال طويل وافقت" 
تنفس براحة وقال "الآن علينا بعمل إلهاء بسيط قبل أن نرحل"
نظر له قاسم بدهشة وهو يردد "إلهاء؟" 
أنهى القهوة وأخرج هاتفه وقال "بالتأكيد، الآنسة مراقبة وعلينا جذب ذلك المجنون بعيدا حتى نتحرك للساحل دون معرفته، هذا سيمنحنا بعض الوقت لنصل له ونسبقه بخطوة"
تفهم قاسم وترك جاسم يتحدث بالهاتف وعاد لها وقال "هل تعدين حقائبك؟ سنرحل بعد قليل" 
رفعت عيونها له وبدت متعبة من التفكير والخوف الذي حاولت ألا تبديه وقالت "ستتركه يتحكم بحياتي؟ أنا لا أعرفه قاسم كيف تثق به؟"
أمسك يدها وقال بحنان "أنا أعرفه جيدا، بل وكل إخوته، هم رجال محل ثقة بكل معنى الكلمة، تشاركت معه مواقف كثيرة وعرفت عنه أكثر لذا أنا أثق به وعليكِ أنتِ أيضا أن تفعلي" 
هزت رأسها بالنفي ولكنه ربت على يدها وقال "يمكنني أن أكون معك ولكن لا خبرة لي بأساليب التأمين حبيبتي، هو أكثر دراية بتلك الأمور"
لم ترد وهي تنهض وتتحرك لغرفتها وهي تحاول وقف الدموع والغضب، من هذا المجنون الذي يطاردها وماذا يريد منها؟ كيف يمكنها الذهاب لمكان لا تعرفه مع رجل لا تعرفه والحبس به؟ 
قذفت الحقيبة بغضب على الفراش ووضعت ملابسها بنفس الغضب، قطتها ماتت بطريقة بشعة، هل يمكن أن يكون..؟ لا ما كان انتهى ولن يعود ولا علاقة له بما يحدث الآن.. 
عندما خرجت وجدت فتاة تقف مع جاسم، شعرت بنبضها يتسارع وهي لا تفهم من هي، قاسم تحرك لها وقال "هي بديلتك امنحيها ملابس من عندك ومفاتيح سيارتك" 
حدقت بالفتاة التي كانت صامتة وجميلة، جميلة حقا، عيونها انتقلت له، ذلك الشاهق بطوله العملاق بجسده فضاقت عيونه من نظراتها فقالت "وكيف سأسافر؟" 
أجاب قاسم "مع جاسم، هيا مايا، لا وقت لكل ذلك، نريد استغلال الوقت لصالحنا"
كادت تنطق باعتراض جديد ولكنها نفخت وأسقطت الحقيبة بغضب وعادت لغرفتها فأشار جاسم للفتاة فتبعتها للداخل
سيارته كانت أمام البيت ولم تعرف كيف وصلت، وضع حقيبتها بالخلف بينما ركبت هي بسرعة بالجاكيت الذي منحه لها ثم دخل بجوارها وشعرت بلمسة كتفه تضربها فجأة فابتعدت 
عطره ملأ السيارة الحديثة جدا، موسيقى هادئة عملت بمجرد أن أدار السيارة ولم يطفئها، مرت لحظات صمت وعيونها تتجول هنا وهناك حتى قالت بضجر 
"هل أخلع ذلك الغطاء الآن؟" 
لم ينظر لها وهو يتابع القيادة ثم قال "نعم، لا أفهم سبب كل ذلك الغضب ونحن نحاول حمايتك" 
لم تحاول النظر له وهي تقول "أنا لست ضعيفة ليحميني أحد خاصة ولو كان غريب لا أعرفه" 
التفت لها ورمقها بنظرة حادة قابلته بنظرة باردة جعلته يرغب بالاستدارة والعودة وقذفها بوجه أخيها لينتهي هذا الصداع، تنفس بعمق ليوقف غضبه وأبعد وجهه للطريق وقال 
"لن يزعجك الغريب كثيرا بل لن تشعرين بي من الأساس، تأميني سيكون من الخارج هل هذا يشعرك بالراحة؟"
هي لا تفهم سبب غضبها وعصبيتها منه وهو من يقوم بعمل ليس أكثر، هو أخيها من فرضه عليها ولا ذنب له، أبعدت وجهها للنافذة وقالت "حسنا هذا أفضل أنا لا أحب الصحبة" 
الصمت حل عليهم طوال الطريق أبواب القرية فتحت بمجرد رؤية سيارته فانتبهت وقالت "هل يعلمون بوصولك؟ إنهم حتى لم يسألون من أنت؟" 
كان يسير بالقرية وهو يعرف أين بذهب والمكان رائع ولكنها لا تملك مزاج للمتابعة والصيف بدأ ولكن لا زحام فالتفتت له فقال "هم يعرفون السيارة" 
ظلت تنظر له ولكن ملامحه كانت جامدة لا يرد ولا يتحدث فقالت "أنت تأتي كثيرا؟"
أوقف السيارة ونظر لها وقال "شركتنا تملك القرية" 
تجمدت مكانها، لا يبدو عليه الثراء ولا يتعامل على أنه يملك أكثر من سيارته، بل هي التي لم تسأل لتعرف عنه أي شيء
أنزل الحقائب بينما جذبها صوت حقيبة السيارة وهو يغلقها فانتبهت للمكان، الشاليه صغير لكن جميل من دورين وعلى البحر مباشرة، سور خشبي صغير يحيطه وبجواره شاليه آخر من جانب واحد وخلفهم صفوف أخرى مشابهه
نظر لها وقال "بحاجة لمساعدة؟" 
كان ساخرا جيدا ولكن هي تستحق، فتحت الباب ونزلت ولم ينتظرها وهي تتبعه للداخل من الباب الخشبي للسور ثم تخطت الحديقة الصغيرة للباب الذي كان مفتوح
المكان كان جميل وبسيط وكأي شاليه على الساحل الغرف بالأعلى والمطبخ وصالة للجلوس وحمام صغير بالأسفل، شرفة ظهر بابها فتحركت تجاها وخرجت لتجد مكان واسع للجلوس ومقاعد خشبية، مائدة، زرع بكل مكان، والبحر، البحر هو كل ما أمامها وهو كل ما أعجبها
سمعته يقول "هذا الشاليه خاص بالشركة لا يتم تأجيره" 
التفتت له لتجده يضع يداه بجيوبه وينظر للبحر وبدا رائعا حقا، عادت للبحر وقالت "شركتكم؟" 
هز رأسه فسألت "من أنتم؟" 
لم ينظر لها وهو يقول "آل دويدار للاستثمار المتحدة" 
كلماته القليلة لم تشرح شيء لذا قالت وهي تجلس والهواء لا يستطيع العبث مع شعرها المربوط للخلف "ومن هم آل دويدار؟" 
لف وجهه لها وهو يلتقي بزرقاء عيونها القاتمة وقال "إخوتي، نحن أربعة والشركة أنشأها عامر الأكبر وكلنا انضممنا له بعد ذلك"
هي بالأساس لم تسمع عنهم من قبل لذا قالت "لم أسمع عنكم" 
التف للبحر ويداه تستند على سور الشرفة وبدا غاية بالوسامة بضوء الشمس الذي قارب على المغيب ثم قال "لا أظن أن أمرنا يهمك، لقد جعلتِ الأمر واضحا"
لم ينظر لها واحمر وجهها وهي تفهم كلماته، نهضت واقفة وقالت "هل هناك أي طعام هنا؟" 
قال بهدوء "بالطريق، لقد طلبته ليأتي بالسادسة" 
كانت تتحرك للداخل ولكنها توقفت والتفتت لتنظر له ولكنه ظل جامدا مكانه، كان طويلا، طويلا جدا عملاقا بضوء الشمس، وسيما بضي الغروب جذابا أينما تواجد
لم تتوقف وتحركت للداخل وجذبت حقيبتها وصعدت للأعلى ولم تسأله حتى أين سيبقى، قاسم أخبرها أنه سيبقى بمكان قريب حتى يمكنه تأمينها لذا لن تمنحه أهمية كي لا..
كي ماذا؟ ما الذي يدور بعقلها؟ الرجل يحاول حمايتها وهي تثور غاضبة بوجهه، بالتأكيد فهي لا تريد أي شيء مما يحدث لها، أخوها أجبرها على كل شيء حتى وجودها هنا ومرافقة ذلك الرجل كيف وثق به لهذه الدرجة؟ 
الحمام كان خارج الغرف بالطبع فجذبت ملابس وتحركت للحمام وبلا قلق لا تعرف كيف دخلت وأخذت حمام
عندما نزلت لم تجده، بحثت حولها ولكن لا وجود له، كان الظلام قد بدأ يدخل وهي تلف حول نفسها وبدأ الخوف يجتاحها، المكان مخيف، هادئ جدا ولا أصوات حولها، القرى تصبح مزدحمة بالصيف لكن هنا اختلف الأمر
لم تعرف ماذا تفعل، الشرفة كانت مغلقة فلم تجرؤ على فتحها، ماذا لو تهجم عليها ذلك المجنون الذي يريد قتلها؟ تحركت للباب فوجدته أيضا مغلق جيدا، هل أغلق عليها المكان ورحل؟ وماذا لو كسر المجنون الباب وهجم عليها هنا؟ 
صوت على الباب جعلها تقفز من الرعب وكل الأفكار الشيطانية تصاعدت برأسها، بالتأكيد ذلك المجنون عاد لها.. 
تعليقات



<>