
رواية جاسم الفصل الاول1 بقلم داليا السيد
الجزء الثالث من سلسلة آل دويدار
الفصل الأول
طلب ودي
خرج جاسم من النيابة بعد أن انتهى من التحقيق الخاص بحمزة أخيه وزوجته حلا، أخيها حاول قتلهم كانتقام، اليوم انتهت أخيرا التحقيقات وقيدت الدعوى كدفاع عن النفس
تحرك لسيارته وأخرج هاتفه واتصل بعامر أخيهم الكبير
آل دويدار، أربعة أشقاء رجال كونوا أنفسهم من مجهودهم وتعبهم بعد ما استقلوا عن رفيق دويدار، والدهم الذي اكتشفوا بعد الكثير من السنوات أنه مهرب آثار كبير
عامر بالحقيقة هو من اكتشف الأمر وتشاجر معه ثم ترك البيت وساهر سمع الشجار وبلغهم جميعا واتبعوا خطى أخيهم وانضموا لشركته الصغيرة حتى أصبحت مجموعة استثمار متحدة تعمل بكل المجالات خاصل السياحة والقرى السياحية
بلغ عامر بالأخبار وتحرك للمشفى لرؤية حمزة وزوجته كلاهم هناك، لكن بمجرد أن قاد حتى رن هاتفه برقم غريب فأجاب بصوته الرخيم عندما رد صوت لا يعرفه أو ربما نساه
"جاسم دويدار رجل الأمن الشهير"
ضاقت عيونه التي عرف الجميع أنها مميزة خليط من الوان والده ووالدته هدى لتصبح عيونه خضراء داكنة وأحيانا تميل للعسلي القاتم
رد "نعم أنا جاسم من المتحدث؟"
الصوت كان مجهول له لكن وكأنه سمعه من قبل "قاسم المصري، واضح أنك نسيتني لنا سنوات كثيرة لم نلتقي"
ظل صامتا يسترجع ذكرياته، تقريبا منذ التجنيد، نعم هو كان معه بسنة التجنيد ولكن علاقتهم لم تكن وطيدة فما الذي وضعه بطريقه لذا قال "قاسم، مهلا يا رجل كيف تذكرتني بعد كل تلك السنوات؟"
قال الرجل بجدية مماثلة "لقد التقيت بوالدك بالأمس بحفل افتتاح هنا بالإسكندرية وهو من تحدث عنك وعن خبراتك الأمنية ووقتها تذكرت التجنيد ومعاناته، هل لديك ساعة من أجلي؟"
كان يقود وسط الزحام ويفكر ثم قال "أنت تتحدث عن الإسكندرية، أنا أقيم بالقاهرة"
صمت حل عليهم حتى قال قاسم "لا ليس اسكندرية أنا أيضا هنا بالقاهرة، ما رأيك بعشاء عمل الليلة بالتاسعة؟"
صمت يفكر قبل أن يقول "قلت عمل؟"
رد الرجل "نعم، كلانا ليس لديه وقت سوى للعمل"
كان قد وصل المشفى فأوقف السيارة بالمكان المخصص ونزل وهو يقول "حسنا بالتاسعة أرسل لي المكان وسأكون هناك بالموعد"
اندمج مع إخوته وتفاجأ بنور وضي إخوته البنات وهما يزوران حمزة وحلا وكان سعيد بخبر حمل زوجة أخيه فهو يعشق أولاد عامر بل كل العائلة تعشقهم والآن هناك وافد جديد ابن حمزة الذي تعثر زواجه من ابنة عمهم كثيرا ولكنه أخيرا استقر
هدى والدتهم هي الأخرى كانت موجودة، الجميع حضر للاطمئنان على حمزة الذي كان مصاب ولكنه هو وزوجته بخير الآن
عامر تولى والدته هدى وإخوته البنات، ساهر أخيهم الصغير كان لا يبدو بخير منذ عاد من لندن ولكنه لا يتحدث، كلا منهم يحتفظ لنفسه بمشاكله، إلا لو فاض به الكيل كان اجتماعهم بالخميس من كل اسبوع بالإسكندرية يجعلهم يتبادلون الأحاديث من كل الأشكال أو بالطبع القائد، عامر هو موجود بجوارهم جميعا
خرج قبل وقت العشاء وقاد للمطعم الشهير الذي حدده قاسم، كان قريب مما أسعده بسبب الزحام
المكان كان مزدحم ولكن الرجل قاده إلى حيث قال "قاسم المصري" هو ابن مصطفى المصري كان رجل أعمال معروف توفى منذ وقت طويل وتولى قاسم كل شيء رغم أنه كان طبيب على ما يذكر ولكنه لم يكن يهوى الطب والدته هي من تمسكت بأن يكون طبيب ولأنه أحبها جدا فقد نفذ رغبتها رغم موتها
قاسم كان يتحدث بالهاتف، كان لا يقل وسامة عن جاسم ولكن جاسم كان أقوى ببنيته الشاهقة كإخوته، رياضي واضح وعاشق للأمن بكل طرقه درس القانون وتخرج في كلية الحقوق، أراد أن يكون وكيل نيابة ولكن عندما وقعت فضيحة والدهم لم يضع نفسه بالشبهات وقرر ممارسة الشؤون القانونية للمجموعة ولكن مع الوقت تحول لأعمال الأمن الخاص بالأجهزة والأنظمة وحراسات خاصة وأنشأ شركة لنظم الأمن والتأمين الخاص وضمها لمجموع دويدار
رحب قاسم بجاسم وقال "سعيد أنك قبلت دعوتي"
فك جاسم جاكته وقال وهو يجلس "من الصعب رفض دعوة رجل كان رفيق الصعاب بيوم ما"
بسرعة وصل المسؤول لهم وحصل على الطلبات فنظر قاسم له وقال "سأدخل بالموضوع، أنا أعلم أن لديك شركة لتأمين الشركات ونظم خاصة لذلك"
هز جاسم رأسه وقال "نعم، هي ضمن المجموعة ولكني المسؤول عنها"
هز قاسم رأسه وعرض سجائر على جاسم ولكنه رفض فأكمل "منذ شهر تقريبا تعرض فرع من فروع الشركة لمحاولة هجوم وتم اختراق السيستم من الداخل وسرقة بيانات غاية بالأهمية أدت لبعض الخسائر لم يمكننا تجنبها"
وضع الرجل الأطباق فقال جاسم "التحقيقات؟"
نفخ الدخان وأجاب "لم تصل لأي شيء، تعطيل الكاميرات بالطبع صعب الأمر، تلك الأيام هناك تسريبات لاحظتها أيضا بالشركة الأم وبالطبع طالبت بتعديل نظم الأمن وعندما تحدثت أمام والدك أرشدني لك"
بدأ الرجلان تناول الطعام وجاسم تغاضى عن ذكر والده وهو يقول "لم أفهم المطلوب بالضبط قاسم"
رفع قاسم نظره له وقال "أحتاج خدماتك الأمنية لفحص الأمر، معرفة سبب التسريبات ووضع نظام أمني جديد"
هز رأسه وقال "لدي خبراء بأنظمة الأمن الحديثة للبرامج والشركات لو كان هذا طلبك"
عاد قاسم ينظر له وهو يقول "والأمن الشخصي جاسم هذا هو ما يعنيني بالحقيقة"
وهنا رفع جاسم نظره له بتساؤل وردد "أمن شخصي؟ هل يهددك أحد؟"
انتهى قاسم من الطعام ودخن سيجارة قبل أن يقول "ليس أنا يمكنني حماية نفسي لكن الأمر يتعلق بمايا أختي الصغيرة والوحيدة، هي ما زالت تدرس بآخر عام لها بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ولديها العديد من العلاقات ولكن بالأسبوع الماضي تعرضت لحادث طريق وهي تقود بسيارتها على الكورنيش وأعتقد أن ذلك كان مجرد تهديد"
كان جاسم هو الآخر قد انتهى من الطعام وارتد بالمقعد ليتابعه حتى صمت فقال "الأمن الشخصي أمر ليس وارد بشركتي قاسم، نحن نتحدث عن برامج وأنظمة وشركات لا أفراد"
ضاقت عيون قاسم الجميلة وقال "ولكني عرفت أنك تهوى تلك الأمور فقد أنقذت والد صديق لك من قبل من عملية نصب، وكذلك أعدت طفلة مخطوفة لابنة موظف لديك بالشركة"
رفع جاسم حاجبة بدهشة وقال "تلك معلومات لا يعرفها الكثيرين قاسم من أين لك بها؟"
الدخان تطاير حول قاسم وهو يقول "بالتأكيد لي مصادري الخاصة جاسم، أنا حاولت تعيين حراسة شخصية لها ولكنها رفضت، هي عنيدة وترفض ذلك المظهر كما تقول"
مرر جاسم يده على فكه الذي لم يذيل شعره فهو لا يهتم بذلك بالأساس، العمل يأخذ الكثير من وقته وقد يأخذ بالأيام قبل أن يعود للبيت
فكر قليلا ثم عاد وقال "ألم تعرف من وراء تهديدها؟ ربما لو أجريت تحرياتك لعرفت، لديك رجالك الخاصة"
أطفأ قاسم السيجارة وقال "لقد فعلت ولكن لم أصل لشيء ولم أجد سوى فكرة والدك بالاستعانة بك، سواء تأمين الشركات أو تأمينها هي شخصيا"
أبعد وجهه لحظة ثم عاد وقال "يمكنني تأمين نظام الشركات بالتأكيد فهذا عملنا لكن التأمين الشخصي ليس مجالنا أنا فعلته بشكل ودي"
انحنى قاسم للأمام وقال "إذن لنعتبره طلب ودي جاسم فنحن زملاء وكان بيننا الكثير، إنها أختي الوحيدة جاسم، والدينا رحلوا وهي صغيرة جدا وأنا من توليت أمورها أنا أكبرها بعشر سنوات لذا فهي بالنسبة لي كابنتي ولا أعلم كيف يمكنني دفع الخطر عنها لكن أنت بحكم خبرتك تستطيع أن تفعل وأكيد لديك طرقك الخاصة"
ظل صامتا يتابع نظرات قاسم وهو يعيد ويزيد بالتفكير حتى قال "قلت أنها ترفض الحراسة الخاصة؟"
تنهد قاسم وقال "نعم وتشاجرت معي وهربت منهم"
رفع يده لفكه مرة أخرى ولمس وجنته الخشنة ثم قال "هذا يعني أنها ستفعل المثل معي"
هز قاسم رأسه فقال جاسم "هذا يعني أن ألعبها بشكل آخر؟ ستثق بي؟"
اعتدل قاسم وقال "أنا أمنحك حياتها لتحافظ عليها فكيف لا أثق بك؟"
لم يعترض وهو يتناقش معه بطريقة مناسبة لتحقيق الهدف ولكن بالنهاية منحه حرية التصرف
الكلية كانت مزدحمة جدا بالطلبة آخر يوم بالامتحانات والجميع يجهز حفل للوداع وكانت مايا واحدة منهم ورغم مشاجرتها الأخيرة مع أخيها بسبب الحادث وتلك الخيالات التي ترتاده عنها إلا أنها لم تهتم، هي تعرف كم يخاف عليها، هو من رباها وهي تعشقه ولكن ترفض خوفه الزائد عليها
تحركت منار صديقتها إليها وقالت "لقد انتهينا من الجزء الخاص بنا متى سنتجمع؟"
التفتت لمنار وقالت "نصف ساعة ونتقابل بحديقة انطونيادس"
ابتسمت منار وقالت "لا أصدق أننا انتهينا من الدراسة، سنوات كثيرة من التعب ولكن الكلية أحلاها"
ضحكت ضحكتها الجميلة وهتفت "الصحبة هي التي تجعل من كل شيء جميل منار"
انضم لهم العديد من الشبان والشابات وخرجوا للحديقة حيث كان الشبان من باقي الدفعة قد أعدوا المكان للاحتفال وبدأت الموسيقى من الدي جي واندمج الجميع بالهتاف والغناء، لم تهوى الرقص كالباقين ولا الاختلاط بالشبان، الكل يعلم ذلك عنها ولكنها كانت تشجع
شعرت بجسد يدفعها للأمام فالتفتت ولكنها لم تجد سوى البنات يرقصون، عادت للتشجيع والغناء ولكن دفعة أخرى كادت تسقطها أرضا، تحركت ملتفته حول نفسها ولاحظت شباب اقترب منهم فتحركت لتنفصل عنهم وتبتعد عن الزحام وشعرت وكأن هناك من يدفعها بعيدا أو يراقبها ولكنها لا ترى أحد
ما أن خرجت من الدائرة حتى وجدت نفسها وحدها والدائرة مغلقة على الشباب والموسيقى مرتفعة بالإضافة لصوت الشباب
ضحكت وأخذت تشجع ولكن فجأة لاحظت جسد يقترب منها مرتديا جاكيت اسود طويل ويضع غطاء الرأس فلم يظهر حتى وجهه
لا تعلم لماذا شعرت بالخوف للحظة وتذكرت كلمات أخيها فتحركت بخطوات متعثرة دون هدى وهي تنظر خلفها ونفس الشخص يتبعها، تقريبا تاهت بالمكان وكلما نظرت خلفها رأته يتبعها وهي لا ترى ملامحه حتى وجدت نفسها بين أشجار كثيرة والتفت حول نفسها وهي لا تعرف أين المخرج وفجأة رأته يخرج أمامها من حيث لا تدري وتراجعت ولكن لم تنتبه للشجرة التي كانت خلفها فاصطدمت بها وهتف الصوت
"لن تفري مني هذه المرة"
وأدركت أنه نال منها ولن يمكنها الفرار منه وهو يهجم عليها ويطوق عنقها بشدة لتختنق ولا تجد هواء لتتنفس وهي تغمض عيونها من الدوار الذي ضربها وشعرت أن لا مجال للخلاص
يتبع