
رواية نذير شؤم الفصل الاول1 بقلم ناهد خالد
بصى يا حبيبتى كل شئ قسمه ونصيب , وابنى مش نصيبك .
ردت بهدوء أقرب للبرود :
-والسبب ؟
ردت المرأه بفظاظه مفصحه عن السبب الحقيقى :
-بصى أنا مش هلف وادور , أنا ابنى لسه شاب صغير وأنا مش مستغنيه عنه وأنتِ منكرش أنك حلوه , بس الحته كلها عارفه أنك نذير شوم على الى حواليكِ , ورغم إنى رفضت لما قالى أنه عاوز يتقدملك بس هو أصر بس بعد ماخسر شغله والحادثه الى عملها من يومين هو نفسه مبقاش عاوز الموضوع ده .
وقفت بهدوء تام وكأن كل هذه الكلمات التى قالتها المرأه ليست موجهه لها ودلفت لغرفتها جالبه ذهب الخطبه ثم عادت لها ووقفت أمامها قائله بنبره جامده :
-اتفضلى حاجتكوا اهى .
وقفت المرأه بلهفه تلتقط الذهب منها وقالت :
-تسلمى , وإن شاء الله ربنا يرزقك بنصيبك قريب ..
قالتها وركضت للخارج بسعاده كأنها قد تخلصت من كارثه ما في حياتها !
جلست فوق الأريكه بإنهاك , رغم تعدد الموقف وحدوثه لأكثر من خمس مرات سلفًا ولكنها فى كل مره تشعر بنفس الشعور , الخذلان , واليأس ,وقلة الحيله ! , كيف تثبت لهم أن كل ما يحدث معها ليس سوى .....هى نفسها لا تعلم تفسير لِمَ يحدث ولكنها تشعر أنها ليست كما يقولون , ليس نذير شؤم , ليست لعنه تصيب من يقترب منها بالأذى , لملمت خصلات شعرها الأصفر المتساقطه بضيق , وأسندت رأسها لظهر الأريكه المتهالكه وهى تفكر فى حياتها الماضيه منذُ ولادتها ..
طفله وُلدت فى يوم عاصف بالرياح والأمطار , صرخات والدتها تشق الأجواء حتى أتت هى بسلام , ولكن لم تحضر معها السلام , فى نفس اللحظه أتى أحدهم يركض لوالدتها ليخبرها بوقوع زوجها قتيلاً فى شجار كان دائرًا بينه وبين كبير المنطقه المجاوره , فقد كان والدها كبير منطقتهم حينها , وكان يريد أن يجلب صبى كى يكون خليفه له , ولكن أتت هى لتأخذ روحه فى نفس اللحظه ! هكذا قال عنها الجميع , وطُردت هى ووالدتها حين بلغت اليوم السابع فقط , طُردوا من بيت كبير المنطقه حين اجتمع الأهالى على اختيار الخليفه الجديد , وجاءت لهذه الشقه القديمه المتهالكه , ومرَّت بهم الأيام ومستواهم المادى فى الحضيض وكانت والدتها تعمل فى أحد المحلات الموجوده فى المنطقه , ولم تخلُ حياتهم من المصائب , حتى جائتها المصيبه الكبرى يوم نتيجة الثانويه العامه حين عادت بملامح تطير فرحًا لأنها قد حصلت على مجموع يضمن لها مكانًا جيدًا فى أحد الجامعات حسب التنسيق , كانت تود أن يتنهى الطريق فى غمضة عين لتصل لوالدتها وتبلغها بنجاحها , وليتها لم تصل , وصلت لتجد والدتها قد قررت تركها وصعدت روحها كى تنقص فرحتها وتتحطم على صخرة الواقع , وحينها وجدت نفسها بمفردها فى مواجهة الحياه التى لم ترحمها منذُ أتت عليها , تخلت حينها عن حلمها فى الإلتحاق بالجامعه , وقررت العمل كى تستطيع تولى أمور معيشتها , وعملت فى نفس المحل مكان والدتها , ومرَّت بها الأيام وهى على نفس الوضع حتى مرَّ عام , وبدأ الخطاب يدقون بابها ومن هُنا وعُرفت بأنها نذير شؤم , رُبما كان الجميع يقول هذا عنها منذُ ولادتها ولكن ترسخت لديهم الفكره أكثر منذُ بدأت تستقبل الخطاب , وبدأوا يقولون هذا فى وجهها ويبتعدون عنها ويخشون وجودها فى أى مناسبه كى لا تُفسد بسببها , تتذكر أول شاب جاء لخُطبتها حين اتفقوا على موعد قراءة الفاتحه توفت والدته , ولكنه لم يضع بالاً للأمر , وحين اتفقوا على موعد جديد نشبَ حريق فى منزلهم فى نفس اليوم المُتفق , حينها لم يأتى الشاب مره أخرى , وتكرر نفس الشئ مع الثلاثه الذين تلوه مع اختلاف الأحداث , حتى الشاب الأخير الذى جاءت والدته الآن لتنهى الخُطبه , ولهذا يتحاشاها الجميع كأنها وباء , وعُرفت فى المنطقه أن " نواره إبنة حسن " نزير شؤم .
" نواره حسن " فتاه فى الخامسه والعشرون , جميله جمال يشهد له الجميع , بخصلاتها الشقراء التى تختبئ أسفل وشاحها , ووجه الأبيض الممتلئ قليلاً , وأعينها البُنيه الجذابه , وجسدها المتوسط بشكل ملائم , لا يُنكر أحد جمالها ورُبما هذا ما يجعل الشباب يغامرون ويتقدمون لخُطبتها على الحظ يُحالفهم ويستطيعون الإستمرار معها , ولكن للآن لم يحدث هذا ..وكل قصة تنتهى بنفس الجمله "كل شئ قسمه ونصيب "
________( ناهد خالد )__________
_______( ناهد خالد )_________
ترجل درجات السُلم بقدميهِ الطويلتان قاصدًا شقة والده , فمنزلهم يتكون من ثلاث طوابق وكل طابق بهِ شقتان كبيرتان , ولِمَ لا أليس هذا منزل كبير منطقة " الحدادين " هكذا سُميت منذُ قديم الأزل لشهرتها بكثرة الحدادين الماهرين بها , مرَّ على شقة أخيهِ الأكبر أثناء نزوله فوجد زوجته تخرج منها توقف بغته كى لا يصطدم بها , وتوقفت هى تبتسم له بلُطف وقالت :
-صباح الخير يا دكتور .
ابتسم بهدوء ورزانه كعادته وردَّ :
-صباح الخير يا زينب , هو إبراهيم لسه نايم ؟
ردت نافيه :
-لا نايم إيه ده راح يوصل عمرو للمدرسه .
ضحك بخفه وهو يقول :
-عمرو ده بيربيه من أول وجديد , عالأقل بقى بيصحى بدرى .
أومأت بتأكيد وهى تقول :
-معاك حق , الأول كان بيصحى الضهر من يوم ما عمرو اتولد وهو من الساعه 7 تلاقيه واقف على حيله .
رأى أخيهِ الأصغر يخرج من الشقه المجاوره فهتف :
-يلا عقبال الباقى .
ابتسم الأخير وهو يغلق باب شقته وقال :
-باقى أيه بقى قصدك مين يا دكتور ! أنا الحمد لله الحاج مطلع عينى وبيصحينى من بدرى زى ما أنت شايف .
-لا مانا مش قصدى على الصحيان , قصدى عقبال ما يتصلح حالك وتبطل سهر للفجر .
ردت زينب بضحكه خافته :
-سهر إيه بقى كلها يومين ويتجوز , ولو سهر فى يوم هيلاقى بوظ مُنى شبرين قدامها .
ضحك " محمد " وهو يتجه لأخيه الأكبر وأحاط كِتفه وهو يقول :
-أنت تسكت خالص مش كفايه دبستنى اتجوز قبلك .
-ليه وأنا مالى مش أنت الى قولت عاوز اتجوز !
-ماهو أبوك مش سايبنى فى حالى لكن لو كنت أنت قلتها قبلى كان زمانه مشغول فيك .
أزاح يديهِ وقال :
-طب اوعى يا أخويا أنزل أشوف الحاج عاوز إيه باعتلى بقاله مُده .
أكمل النزول ليستمع ل محمد يقول :
-يارب يكون عاوز يجوزك .
ضحك بخفه وهو يرفع صوته قائلاً :
-ده بعينك ..
عائلة " المهدى " كِبار منطقة " الحدادين " الموجوده فى أحد المناطق النائيه فى القاهره والمتسمه بالشعبيه الباحته .
تشمل العائله " منتصر المهدى " الأب , وزوجاته " سُريه ورحاب ", الساكنتان فى الطابق الأول من المنزل كلاً منهما فى شقه , وفى الطابق الثانى " إبراهيم وزينب " و مقابلهما شقة " محمد " , إبراهيم ومُحمد أولاد سُريه الزوجه الأولى , وفى الطابق الثالث يقطن بطلنا فى أحد الشقق والشقه الأخرى جعلها والده فارغه لا تحتوى سوى على مكتبه والأوراق الهامه ويقضى بعض وقته بها حين يريد الإختلاء بنفسه .
دق باب الشقه التى بعث له والده فيها ففتحت شقيقته الصغرى " سمر " وهى تبتسم له :
-صباح الخير يا أبيه .
قبل جبينها وهو يدلف :
-صباح الفل يا سمر , اومال الحاجه فين ؟
قالها وهو يمشط الصاله بعيناه لتخرج والدته " رحاب " من المطبخ وهى تقول :
-أنا هنا يا حبيبى .
اقترب مقبلاً يدها وقال :
-صباح الخير يا حاجه .
ابتسمت برضا وهى تجيبه :
-صباح القمر على عيونك ياقلب الحاجه .
-آه ماهو حبيب القلب بقى .
كانت هذه جملة " منتصر " الذى قالها وهو يخرج من غرفة مكتبه وأكمل وهو يشير له :
-ورايا يا دكتور مش وقت غرميات .
همس لوالدته وقال :
-شكل الحاج بيغير اما الحقه ليقلب عليا .
ضحكت بخفه وهى تراه يلحق بوالده وعادت للمطبخ كى تنهى إعداد الإفطار .
________( ناهد خالد )______
-أؤمر ياحاج .
-أقعد يا يوسف عاوزك فى موضوعين .
جلس أمام والده منتظرًا حديثه ..
" يوسف المهدى " صاحب الثلاثون عامًا , طبيب نساء , قضى سنوات دراسته بالجامعه فى القاهره وعمل هناك ولم يعود إلا من عام فقط , حين قرر إفتتاح عياده كبيره فى منطقته كى يفيد أهالى المنطقه بعلمه خاصًة مع قلة الأطباء الموجودين فلا يتعدى عددهم ثلاث , ووجود مستشفى عام يقل فيها عدد الأطباء أيضًا , عيناه بُنيه غامقه , وشعره أسود غزير ورغم بلوغه الثلاثون لم يظهر فى خصلاته البياض , بشرته خمريه وملامحه قريبه لملامح الرجل العربى الأصيل , ورُبما هذا سر جذبيته .
-أولاً عاوزك تروح للحاج محروس كبير " العزايزى "
قطب حاجبيه باستغراب وقال :
-واشمعنا أنا ياحاج ؟ أنت عارف أنى معرفش المناطق الى حوالينا !
-إبراهيم راح يوصل ابنه للمدرسه وبعدها هينزل القاهره يجيب بضاعه للمصنع بتاعنا ومش هيرجع غير بكره على ما يخلص الى وراه هناك , ومحمد مشغول فى تجهيزات الفرح ونازل طنطا يشتري العفش , ومينفعش ابعت حد من رجالتى لازم أقدر الراجل وابعتله حد منا .
أومئ بموافقه وقال :
-ماشى يا حاج هروح , حاجه تانيه ؟
-آه أنت ناوى تشوف حياتك امتى بقى !
ضحك بخفه وقال :
-ياحاج ده الواد لسه متجوزش وبتفكر فى الى بعده !
رفع منتصر إصبعه وهو يقول مُصححًا :
-قصدك الى قبله .
تنهد بهدوء وقال :
-بص ياحاج أنا مش رافض الموضوع وأكيد هييجى يوم وأنا بنفسى هقولك عاوز أتجوز بس لما النصيب ييجى .
أومئ له منتصر بتنهيده وقال :
-ماشى يا يوسف زى ما تحب أما نشوف أخرتها .
وقف وهو يبتسم وقال :
-أخرتها فل إن شاء الله .
_____( ناهد خالد )______
مساءً .....
ارتدت ثيابها وعدلت وشاحها فوق رأسها ووضعت الكحل فى عيناها الساحره وبعض الحُمره على شفتيها وخرجت من منزلها قاصده منزل صديقتها الوحيده " نسمه " كى تحضر حفل زفافها ..
وصلت للمنزل وكادت تدلف لتلتفت على صوت والدة نسمه القريب منها وهى تقول :
-أنتِ داخله فين ؟
وقفت محلها وهى تهتف بتوتر :
-داخله لنسمه ياخالتى هى مش صاحبتى وده فرحها ! لازم أباركلها وكمان هى عزمتنى .
لوت المرأه شفتيها بضيق وقالت :
-مهى عبيطه عاوزه تبوظ ليلتها عشان تعزمك , بقولك إيه أنا ساكته على صحوبيتكوا غصب عنى عشان ياما كلمتها ومفيش فايده , بس أنا ماصدقت بنتى تتجوز ومش عاوزه ليلتها تبوظ بسبب حد , مباركتك وصلت بس دخول جوه مش هتدخلى , واتفضلى يا حبيبتى شرفتى .
قالت الأخيره بضيق واضح وهى تشير لها بالعوده ...
سارت بالطريق للعوده لمنزلها بعدما كُسر خاطرها للمره التى لا تعلم عددها , لكن هذه المره أشدهم كسرًا , كانت تريد أن تحضر زفاف صديقتها الوحيده خاصًة أنها ستتزوج من خارج المنطقه وستذهب مع عريسها ورُبما لن تراها إلا بعد فتره طويله , كانت تريد أن تشاركها فرحتها , لكن رغم كل هذا هي أيضًا كانت تخشى أن تحضر الزفاف فيصيبه لعنتها , بدأت تصدق ما يقوله الناس عنها , لا هى منذُ زمن وهى تصدق وليس الآن فقط !
تساقطت دموعها على غفله منها وهى تفكر فى كل ما يحدث معها منذُ جاءت لهذه الُدنيا لم يحدث معها شئ واحد جيد , وكأنها جاءت لتتعذب فقط !
_____( ناهد خالد )_____
كان يسير بسيارته الفارهه والتى لا يمتلكها أحد من منطقته سوى أفراد عائلته , يتطلع حوله للمنطقه بتفحص فهذه المره الأولى التى يأتى فيها هُنا , ولولا والده الذى ألح عليهِ ليأتى كى يدعو كبير المنطقه لزفاف شقيقه لمَ جاء من الأساس , رأى فتاه تسير بجانب الطريق مقبله في اتجاهه فتوقف بسيارته ليسألها عن مكان منزل كبير المنطقه , ترجل بجسده المُعضل وطوله الفارهه وثيابه التي يظهر عليها الترف , ببنطاله الأسود وقميصه الأزرق الغامق وحذاءه الأسود المماثل للبنطال , رأى الفتاه تقترب أكثر بفستانها الواسع الذي امتزجت ألوانه بين الأسود والأخضر , ووشاح رأس أسود يغطى معظم وجهها ( البطله نفس شكل البنت الى في الغلاف بنفس الوشاح ) ..
انتبهت لوقوف أحدهم على بُعد قريب منها فمسحت دموعها والتفت حولها لتجد المكان خالِ من أهالى المنطقه فجميعهم فى الزفاف كعادتهم , حاولت تحاشى مكان وقفته فانزوت قليلاً للجهه الأخرى ومرت من جواره فاستمعت لصوته الأجش يهتف :
-لحظه يا آنسه ...
وقفت تنظر له بتوتر ظهر فى عيناها , فهتف هو بجديه :
-ممكن أعرف فين بيت الحاج ... ؟
زفر بضيق حين نسى الإسم فأكمل :
-هو كبير المنطقه هنا .
جذبت الوشاح أكثر تدارى بهِ وجهها فمن سِمات أهل المنطقه أنهم لا ينكشفون على غريب ..هتفت بصوتها المختنق قليلاً أثر بكائها منذُ قليل ورغم هذا ظهرت نبرته المميزه وقالت بتساؤل
قصدك الحاج محروس !
صمت قليلاً وهو يستمع لنبرتها المميزه لكنه قال بإدراك :
ايوه محروس صح ..
كادت تجيبه لكنها شهقت بخضه حين استمعت لإصطدام قوى خلفها , نظرت للخلف بأعين متسعه لتجد سيارة الغريب قد صُدمت بسياره أخرى , هل بدأت لعنتها فى العمل بهذه السرعه
يتبع