رواية جاسم الفصل العاشر10 بقلم داليا السيد


رواية جاسم بقلم داليا السيد
 رواية جاسم الفصل العاشر10 بقلم داليا السيد 
فسحة
أغلقت باب غرفتها واستندت عليه وهي تتنفس بصعوبة من دقات قلبها المتسارعة، هل حقا كانت بين ذراعيه مرة أخرى؟ لقد قَبلها حقا، نعم هي لم تكن تحلم، قُبلة حقيقية ولم يوقفهم شيء 
التفت واستندت بظهرها على الباب وأغلقت عيونها وما زالت تشعر بفمه على فمها بل وذراعه تلفها بقوة، ما زالت تشعر بأكتافه تحت يدها، ليته لم يتوقف 
فتحت عيونها وتحركت للفراش وجلست على طرفه وهمست "يا حُسين لقد فهمت الإشارة، أنا أحبه، نعم أحبه ومن قلبي أتمنى لو أحبني أو على الأقل يريدني كما أريده
تمددت على الفراش وجذبت الوسادة لأحضانها وعادت تقول "هو لم ينهي علاقتنا رغم كل المدة السابقة، لم يتركني، اشترى الخواتم وما زال يحتفظ بها كل هذا يعني ماذا؟"
أغمضت عيونها وهي تذكر كلماته "قبلتك مميزة مايا، كلك مميزة"
أنت أيضا مميز أيها الرجل، كل ما بك مميز وأنا أعشقه كما أعشقك أتمنى لو تبدلت حياتي لأكون زوجتك بحق لآخر العمر
لم تنم كثيرا وارتدت ملابس سهلة ومريحة ونزلت لتعد الإفطار ولكنه سرعان ما لحق بها وقال "لا، بالخارج، سنفعل كل شيء بالخارج، الطعام والتنزه والسياحة، هيا" 
كان رائع بالتي شيرت الأخضر الذي عكس لون عيونه والجينز الأسود القاتم، توقف أمامها وهي تحدق به فقال وهو يضع نظارة الشمس على رأسه "ماذا؟ هل أنتِ متعبة؟" 
هزت رأسها وانتبهت لنفسها وقالت "تبدو مختلف بتلك الملابس، القميص هو ملابسك المعتادة"
ابتسم وقال "أحب التمرد على الروتين، هيا" 
ابتسمت وجذب يدها فلم تمانع وهي تركب بجواره وانطلق بالسيارة ليبدأ معها يوم جديد
زارا القلعة وانبهرت بها وبجمالها من الداخل والخارج، ثم تفاجأت به يأخذها للأهرامات، بالتأكيد، كيف لم تطلب زيارتها!؟ استمتعت جدا بالمكان وبالأهرامات وجمالها وعظمتها
بالطبع ركبت الجمل رغم معارضتها ولكنه أصر وكانت خائفة لكنه شجعها، الحصان رفضت تماما ركوبه فلم يضغط عليها
أخذت صور كثيرة بمفردها ومعه وله وحده ولم تتراجع وهو يحيطها بذراعه أو يضمها له بالصورة بل كانت سعيدة جدا بقربه ولمسته 
وأخيرا الغداء واكتشفت أنه على مطعم عائم بالنيل فهتفت بسعادة وهي تستدير لتنظر له فابتسم وهتفت "شكرا جاسم، شكرا حقا على كل شيء" 
كان سعيد بنظراتها السعيدة وضحكاتها التي لم تتوقف وتعليقاتهم الساخرة التي كانت تجذب الضحك بينهم
بعد الغداء شردت بالنيل والباخرة تتحرك به وظل يتأملها وقد بدت فاتنة أمامه لكن لابد من إخبارها بالأمر
وأخير لمس يدها فانتبهت له ولم تبعد يدها وهي تنظر له فقال "سعيدة؟"
هزت رأسها وأجابت "جدا، منحتني كل شيء" 
لم يترك يدها وهو يقول "ليس كل شيء، ما زال هناك المتحف، القديم والجديد" 
قالت بدهشة "حياتك توقفت بسببي" 
ظل ينظر بعيونها وكأنه يطير بالسماء بلا أجنحة، وكأن سعادته تلك هي ما تحمله، تلك السعادة التي عرفها من قبل، لا لم يعرفها هي مختلفة
ترك يدها وارتد بالمقعد فجأة فتبدلت ملامحها وقالت "جاسم ماذا حدث؟ هل أغضبتك كلماتي؟"
شرد بعيدا للحظة ثم ارتد لها وقال "لا، تذكرت العمل" 
ولكنها شعرت بشيء مختلف ظهر بعيونه، حزن؟ ألم؟ لم تعرف ولكنه ليس نفس الرجل
قالت "سنظل هنا حتى متى؟" 
حدق بها وقال "تحدثنا بهذا الأمر من قبل مايا" 
أخفضت وجهها فاعتدل وقال "هل هناك شيء ترغبين به وتخفيه عني؟" 
رفعت وجهها له وقالت "أنا لا أخفي عنك أي شيء جاسم فقط أنت تنسى أن كل ذلك مؤقت وعندما ينفض الأمر لابد أن تعود لحياتك" 
دق على المائدة مما لفت الانتباه لهم ولكنه لم يهتم وهو يقول بغضب "هذه هي حياتي مايا، أنتِ جزء منها، عملي وإخوتي الجزء الآخر فأين مشكلتك؟"
ظلت تنظر له وهي ترى غضبه ولكن لا تفهمه لذا قالت "ومروان؟"
لم يقل غضبه وهو يجيب "ماذا عنه؟ هو ليس مارد خارق حتى تخافي منه بهذا الشكل، أنتِ تخافين حتى وأنا معك وكأنك لا تؤمنين بقدرتي على الدفاع عنك"
هتفت باستنكار صادق "لا، أبدا، أنا أثق بك وبأنك الوحيد الذي يمكنه حمايتي ولكني" 
وصمتت ولم تكمل فتراجع بالمقعد وفاض غضبه حتى كاد يصرخ بوجهها ولكنه لم يتحدث فعادت تنظر له وقالت "أنا أخاف عليك أنت أيضا جاسم، من الواضح أنه تحول لمجرم خطير أنا عرفت أنه هرب ورحل للخارج ولكن من الواضح أنه عاد ويلاحقني"
ضاقت عيونه لحظة وظل صامتا ثم تنفس بقوة ليهدأ وقال "هو بالفعل عاد من الخارج ويلاحقك ولكنه لا يعلم أني أنتظره ولا تخافين عليّ مايا يمكنني التعامل مع أمثاله جيدا"
الصمت لفها لحظة ولكنها عادت وقالت "لابد أن أخاف عليك جاسم"
قالتها وأخفضت وجهها فهدأ غضبه ونفخ بقوة ثم اقترب من المائدة وقال "مروان يعلم الآن أين نحن"
رفعت وجهها له والفزع يضربها بقوة فالتقت بنظراته الهادئة وهو يكمل "هو يعلم أنكِ معي ويعرف أنني هنا لحمايتك ويخطط لينالك مني وأنا أنتظره" 
الآن أصبح قلبها يتهاوى داخل صدرها، مروان، جاسم وهي، يا الله رحمتك! لا، لن ينال مروان من حياتها مرة أخرى، لن يكون جاسم الضحية
تراجعت بالمقعد واختنقت أنفاسها وهي تستوعب كلماته وقالت بصعوبة "أنت من فعل ذلك، منحته معلومات عن مكاننا"
هز رأسه بالإيجاب وقال "تلك اللعبة لابد أن تنتهي، لا أحب الفرار فلست جبان أنا فقط كنت أدرس خصمي جيدا قبل مواجهته والتأكد أنه هو من يلاحقك والآن وقت المواجهة" 
تماسكت وقالت "والخطة؟" 
أعجبه تماسكها وقال "لن تعودي معي البيت الليلة، هناك بيت آخر مستأجر ستبقين به تحت حراسة مشددة" 
هتفت بخوف "وأنت ستنتظره وحدك؟"
ابتسم وقال "بدونك لن أكون مقيد"
هزت رأسها بالنفي وقالت "لا جاسم، لا تدعنا نفترق، مروان ليس بغبي وربما يفهم الخطة و" 
قاطعها "حتى لو، لن يعرف مكانك" 
هتفت بقلق تحول لغضب "لا جاسم، لن أتركك"
ظل يحدق بها ثم مد يده على المائدة فنظرت ليده لحظة حتى رفعت يدها له فقبض عليها وقال "لست وحدي، سيكون معي رجالي، هل هذا أفضل؟"
ظلت تنظر له وهي تحاول تصديقه ونظراته قاتمة لا تتحدث بشيء فقالت "من فضلك جاسم لا تجعلنا نفترق، تعلم أني لا أشعر بالأمان سوى معك"
قلبه دق وضغط على يدها وقال "نحن لن نفترق، هذا وعد" 
هزت رأسها وصدقت على كلماته "نعم وعد" ابتسم كما حاولت أن تفعل
عندما نزلا من الباخرة لاحظت أنه لم يكن نفس المكان الذي ينزل منه الجميع ولكنها لم تتحدث وما أن وصلا للرصيف حتى وجدت سيارة مختلفة تنتظرهم فتح لها رجل الباب فدخلت وهتف هو بالرجل 
"هل وصل علي؟"
أجاب الرجل "ليس بعد يا فندم، لكن الرجال وصلت" 
قذف له بمفاتيح أخرى وقال "عد الفيلا" 
ركب بجوارها وارتبكت والخوف يجتاحها فقال وهو يقود "الشقة صغيرة وبمكان شعبي لا يلفت الانتباه والرجال حولك من كل مكان وفتاة ستكون معك بالداخل وهاتفك لا يترك يدك، لا تفتحي لأحد ولا تخرجي حتى أعود لن تزيد عن ليلة" 
تحول لرجل مختلف تماما، جاد جدا، لا يتحدث سوى بالأوامر، لا مساحة لديه ليسمعها، عيونه تلتف حوله بكل اتجاه ويقود بمهارة بين الشوارع وهي لم تتحدث حتى وصل لمنطقة لا تعرفها بالطبع وتوقف بالسيارة
لاحظت القهوة والبائعين والمحلات، الظلام كان قد حل حولهم وهو ينزل ويفتح لها فبدى الخوف بعيونها ولكن يده كانت الأمان وهو يمسك يدها ويجذبها للخارج
البيت كان قديم ولكنه قوي وجيد، جذبها للداخل دون كلمات وبالدور الثاني ظهر رجل من حيث لا تدري فقال جاسم "آمن يا حسن؟" 
هز حسن رأسه وقال "نعم يا فندم، الفتاة بالداخل ومحمد بالأسفل" 
هز رأسه ودق باب خشبي قديم فتحته فتاة بأوائل العشرينات، تراجعت وهي ترى حسن خلفهم، جذبها من يدها برفق للداخل وقال حسن "سلمى، مدام مريم وصلت، حقيبتها ستصل فيما بعد، سيد خليل زوجها، وهذه سلمى يا فندم" 
لم تنظر لأي مكان حولها على عكسه هو، ترك يدها وتحرك بالشقة، فتح الغرف والحمام وكل مكان تقريبا حتى عاد وقال "تمام" 
أحنى الرجل رأسه وتحرك للخارج فنظر للفتاة وقال "قهوة مضبوطة من فضلك"
تحركت الفتاة للمطبخ فجذبها لغرفة لم تراها وهو يغلق الباب وعاد ليقف أمامها وقال "مايا هل أنتِ بخير؟" 
نفت برأسها فأحاط وجهها براحتيه وقال بحنان "ما أفعله من أجلك وأجل حياتك، لابد أن تفهمي ذلك جيدا وتساعديني عليه" 
دمعت عيونها وقالت "ليس مقابل حياتك"
ابتسم وقال "هل تظنين أن من السهل قتلي؟" 
سقطت دموعها وهي تردد "لا تتحدث هكذا، أنا أحتاج لك"
لم يقاوم وهو يجذب وجهها له ويقبلها بقوة فتركت شفتيها له وهي تريد قبلته ربما تمنحها قوة وشجاعة أو تؤكد الوعد أنهم لن يفترقا
أبعد شفتيه لكن ورأسه يستند على رأسها وما زال يحيط وجهها بيداه حتى فتحت عيونها لتواجهه فهمس "وأنا أريدك، أريدك كزوجة حقيقية بعد انتهاء كل ذلك فهل تقبلين؟" 
هزت رأسها بالموافقة بلا تفكير فترك وجهها وأخرج علبة الخواتم وجذب دبلتها ووضعها بإصبعها وهي لم تنتظر وهي تأخذ دبلته وتضعها بإصبعه وقالت 
"هذه هنا لتذكرك أني أنتظرك وعليك الحفاظ على نفسك من أجلي"
ابتسم ورفع يدها لفمه وقبلها وقال "سنتناول العشاء غدا سويا لنحتفل بزواجنا" 
ابتسمت رغما عنها وقالت بدموع "بالبيت وطعامي" 
جذبها لأحضانه وضمها له بقوة كما فعلت وهي تحيط خصره بذراعيها حتى أبعدها وتحرك خارجا قبل أن يوقفه شيء مجنون كقلبه مثلا الذي يدفعه للبقاء بجوارها وعدم تركها وتابعته هي من بين دموعها ومنعت نفسها من أن تهرع خلفه وتترجاه ألا يتركها ويذهب لأنها كانت تعلم أنه لن يسمعها فهو يريد إنهاء ذلك الجنون ولكن ترى كيف ستكون النهاية؟؟ 
تعليقات



<>