
رواية جاسم بقلم داليا السيد
رواية جاسم الفصل الثالث عشر13بقلم داليا السيد
العسل لا يدوم
عاد الجميع الإسكندرية بالليلة السابقة للزفاف وذهبت معه للقاء هدى التي ما إن رأته حتى تحركت له والغضب بعيونها وهتفت "كيف لا تخبرني بما أصابك؟"
ابتسم وهو ينحني لها ليقبلها ويقول بحنان "كفاكِ ما نالك من حمزة لن نكون جميعا عليكِ ثم أنا بخير الآن"
ابتعد وقالت "ما زلت غاضبة جاسم"
تراجع وقال "ليس بعد أن أقدم لكِ مايا، زوجتي"
التفتت هدى لها وتبدلت ملامحها للابتسامة الرقيقة وقالت "مرحبا يا ابنتي لقد أنساني غضبي منه الترحيبِ بكِ، تعالي"
احتضنتها المرأة بحنان وكانت سعيدة بذلك الحضن، كلا من ليل وحلا تحدثوا عن حنان تلك المرأة وجمالها ورقتها وها هي تتأكد من ذلك
****
نظر له عامر وقال "تبدو قلقا يا رجل، ماذا بك؟"
كان يلف بنظراته بكل مكان، المدعوين من مشاهير المجتمع، بالضبط كما كان بزفاف إخوته وأضف عليهم من دعاهم قاسم، الجميع أتى لحضور زفاف ابن دويدار الذي لم يصدق أحد أنه سيتزوج أخيرا
قال "لا شيء، تعلم أني لا أحب تلك الأجواء"
ابتسم عامر وقال "لو فعلت المستحيل هدى لن تهتم وستنفذ ما تريد"
هز رأسه وقال "نعم، هل مايا تأخرت؟"
مال عامر عليه وقال "هل هناك شيء؟"
لف وجهه لأخيه بدهشة ولكن نظرات عامر كانت واضحة وأكمل "هو لا يطرق الباب أخي، صدقني، هو فقط يجعلنا فاقدين لأي عقل"
ظل يحدق بأخيه وكأنه لا يفهم ما يعنيه وقبل أن يسأل سمع ساهر يقول "هيا جاسم ضي قالت أن عروستك جاهزة"
انتبه لساهر واستعاد نفسه وهو يجذب طرفي الجاكيت والموسيقى أعلنت عن موعد العروس
تقدم للداخل بين إخوته حيث انضم لهم حمزة كما اعتاد الأربعة ولم يمنح أحدهم أي اهتمام لرفيق الذي كان يقف وسط مجموعة من رجال الأعمال
تقدم قاسم يصعد سلم القصر الفاخر حيث ظهرت العروس بالأعلى ومن حولها ليل وحلا وضي ونور
توقف قاسم أمامها ونظر بوجهها حيث لمعت عيونه وقال "مثل القمر بليلة تمامه حبيبتي، لا أصدق أني رأيت ذلك اليوم وأنتِ ترتدين الأبيض كالأميرات"
ابتسمت له فقبل جبينها وقال "مبارك حبيبتي"
وضعت يدها بذراعه ويدها الأخرى كانت تمسك بوكيه الورد الأحمر، ضي قالت أن جاسم من أرسله لها، الأحمر يعني الكثير لها ولكنها لا تعرف ماذا يعني له؟
رأته يقف بين إخوته بكامل أناقتهم جميعا ولكن هو كان الأكثر وعندما انتهى السلم تحرك تجاها واحتضن قاسم الذي قال "لم أندم أني سلمتك حياتها ولن أندم الآن"
ابتسم جاسم الذي تركه والتفت لها وهي لا ترفع وجهها له، قلبها كان يدق بسرعة لم توافق على أن يراها قبل الحفل ولا أن يلتقط لهم أحد صور والآن لا تسمع شيء مما حولها وهو يأخذ يدها من يد قاسم ويرفعها لفمه ويقبلها فرفعت عيونها له
كان رائعا، وسيما وجذابا خاصة بعد أن أزال شعر ذقنه لأول مرة، التقى بعيونها الزرقاء التي لمعت من بين مساحيق التجميل الرقيقة، بدت فاتنة، أخذته بلحظة، جعلت عيونه تلتصق بها ولا يريد نزعها عنها
انحنى وقبل جبينها ثم همس "خدعتني مايا، كنتِ تخفين هذا الجمال عني"
تورد وجهها وابتسامتها تخفي خجلها وهو يضع يدها بذراعه وسط تصفيقات المدعوين، هدى قبلتها وضي ونور قبلوا أخوهم وافتتح الرقص برقصتهم سويا فلم يتراجع وهو يجذبها له بقوة وهي توقفه بيداها على صدره وقالت
"ألا تنسى أنك رجل أمن أيها القوي؟"
قربها أكثر وعيونه تأسر عيونها وقال "هل تتراجعين الآن أيتها الرقيقة الفاتنة؟"
ضحكت وقالت "بهذا الفستان؟ هذا مستحيل سأحتاج لمن يساعدني للهروب"
ضغط على خصرها وقال "لا مجال ليقترب منكِ أحد بعد الآن، أنا، وأنا فقط من سيحاصرك لشهر قادم"
رفعت يداها لعنقه وقالت بتهكم "شهر فقط؟ ظننت أنه لنهاية العمر"
ابتسم وأحنى وجهه لوجهها وقال "تظنين أنكِ المنتصرة؟"
قالت بجدية "بالتأكيد من تتزوج رجل مثلك هي أكبر فائزة"
لم يمكنه سوى أن يقبل جبينها مما جعل الجميع يصفق لهما فانتبها للناس وابتعدا
عامر تقدم منه بعلبة كبيرة وفتحها ورأت عقد ماسي رائع جذبه فقالت "من الذي خدع الآخر الآن؟ أنت أخبرتهم ألا يمنحوني عقد؟"
لف ووضع العقد حول عنقها وقال "هل فعلت؟"
هي تعشق طريقته هذه ومرحه، وضع المحبس الماسي فوق دبلته بإصبعها والخاتم الماسي بالإصبع الآخر ثم قبل يدها وقال "مبارك عليّ زوجتي الفاتنة"
منحته أجمل ابتسامة وهو بادلها إياها، كانت سعيدة جدا والجميع يحيونهم وانتقلت الموسيقى لأخرى جماعية ودخل مطرب شهير أحيا الحفل وبالطبع كانت منار سعيدة وهي تحتضن صديقتها وهتفت بها
"أخبرتك أن نظراته كانت تعني الكثير"
ضحكت وتمنت لصديقتها رجل مثل زوجها ولو أنها تعرف أن لا رجل سيكون مثله، علي كان موجود هو الآخر وتعرفت على زوجته وكانت سعيدة بوجودهم جميعا حولها
وأخيرا انضموا للعشاء على مائدة العائلة بسعادة والجميع ما بين متحدث وضاحك وسعيد وهي أيضا كانت سعيدة بعائلتها الجديدة
مطرب آخر دخل وظل حتى وقت متأخر جدا تقريبا قارب على الفجر عندما ودعت الجميع وقاسم قبلها بسعادة متمنيا لها حياة سعيدة
فتح لها جاسم باب السيارة وساعدتها ضي بالدخول وقبلتها ومن بعدها حلا ونور وليل، الجميع كانوا رائعين، هدى قبلته بسعادة وقالت "استمتع فأنت تستحق حبيبي"
قبل وجنتها وتحرك ليجلس بجوار زوجته وما أن جلس حتى جذب يدها بيده وقال "سعيدة؟"
التفتت له وذراعيهم متلاصقين وقالت "جدا، شكرا لك"
ابتسم وقال "ما زال أمامنا وقت قبل موعد الطائرة يمكننا استبدال ملابسنا بالفندق"
تركيا كانت بلد رائعة وجميلة ولكن وصولهم بالليل لم يجعلهم يشاهدون شيء وقد كانوا متعبين فأخذتهم السيارة الأجرة لفندق حيث تم الحجز به مسبقا مع الفوج السياحي
لفها بذراعه عندما نزلت وتحركا للداخل، أنهى الإجراءات وقادهم الحاجب لغرفتهم بالحقائب، كان قلبها قد بدأ يدق بانتظار ما سيكون، هل آن الأوان لتكون زوجته حقا؟ لقد تركها كثيرا ربما كان جرحه السبب وربما كما قال منحها زفاف تستحقه..
الغرفة كانت كبيرة ورائعة، تحركت للشرفة والمشهد الرائع يواجها حتى شعرت به يلمس خصرها فالتفتت لتسقط بين ذراعيه وهو يقول "اشتقت لكِ، اشتقت لكِ وكأني لم أراكِ منذ سنوات"
وانحنى ليأخذ قبلتها وهي نست مخاوفها وقذفت أفكارها بعيدا فقط لا تريد سوى أن تكون معه وها هو يفعل كما وعدها، هو يريدها وليس كما ظنت
يده فكت كل الدبابيس التي تربط شعرها فانساب على أكتافها فترك شفاها وقبل وجنتها وهو يهمس "دعيه هكذا طالما أنتِ معي"
لم تعارض ويده تداعب خصلاتها فتعلقت يدها بعنقه وهو يهمس "انتظرت كثيرا مايا ولم يعد بإمكاني الانتظار أكثر"
همست "إذن لا تفعل"
كلماتها كانت الإذن له ليفك سحاب فستانها ويبعده عنها منسدل حول جسدها حتى تكوم حول حذائها العالي ويده تنساب على جسدها الناعم فثقلت أنفاسه وأدرك أنه يريدها بجنون وقبلتها تدفعه للمزيد ويداها تبعد جاكته ليسقط هو الآخر بجوار فستانها
بلحظة كان يحملها ويضعها بالفراش وفك قميصه ودفعه بعيدا ولمعت عيونها لمرأى صدره بعيدا عن الضمادة الصغيرة التي تغطي جرحه، مررت يدها على صدره وقالت "أجدني محظوظة لأن زوجي له مثل هذا الجسد الرائع"
ابتسم وهو يعود لها ويقول "بل هو أنا من تمنى امتلاك هذا الجسد الفاتن والمثير زهرتي، أنتِ لي مايا، كلك لي"
لم تتحدث لأن لمساته كانت تذهب العقل وتجعلها تغمض عيونها من الخجل والمتعة والسعادة
لا تعلم لماذا شعرت بتوتره عندما اقتربت اللحظة الحاسمة ولكنها كذبت نفسها وظنت أنه توترها هي حتى نالها وعندما تأكد أنها لم تكن سوى له أدرك أيضا أنها ليست جبانة وهي تكتم صرخة الألم وتغرز أصابعها بالغطاء
لم يتوقف وملامحها لانت حتى انتهى وظل ينظر لوجهها المتعرق مثله تماما وكلاهم يلتقط أنفاسه بصعوبة حتى فتحت عيونها والتقت بنظراته وهو يقول "مبارك علي أجمل وأرق عروسة بالعالم"
ابتسمت وهو عاد لها وقبلها لينهي ما كان ثم انفصل عنها ليتمدد بجوارها وانكمشت هي بجواره ولكنه جذبها لأحضانه وقال "كيف تشعرين؟"
لم ترفع وجهها له وهي تقول "بخير؟"
ثم عادت وقالت "وأنت؟"
اندهش من سؤالها هل شعرت به، هل تدرك ما كان يفكر به؟ لا، لا أحد يعلم ما مر، تجاهل أفكاره ووضع قبلة على رأسها وقال "بأفضل حال"
رفعت وجهها له فالتقى بزرقاء عيونها وهي قالت "هل يمكنني أن أمنحك السعادة التي تستحقها"
مرر أصابعه على وجنتها وقال "هل لديكِ شك بأنكِ فعلتِ بالفعل؟ أنتِ كل ما أردته مايا وتلك الليلة كانت الأجمل بحياتي"
رفعت يدها لوجنته وقالت "تبدو وسيما جدا بدون ذلك الشعر"
أمسك يدها وقبل راحتها وقال "هذا يعني لا تدعه مرة أخرى"
ضحكت كما فعل وضمها له أكثر حتى ناما والسعادة فقط هي شريكهم الثالث، بالصباح نهضت قبله للحمام وعندما شعر بها اعتدل ورأى دليل عذريتها وكم امتلأ عن آخره بذكريات لا يريدها وعليه ألا يفعل فقط يستمتع مع المرأة الوحيدة التي أدرك أنها بدلت حياته للأفضل وهي سبب سعادته
كان شهر من السعادة والمتعة وكل ما يمكن أن يوصف مشاعرها ومشاعره، ولكن كل الأيام تمر وتنتهي والعسل لا يدوم
ما أن دخلا الفيلا حتى شعرت براحة غريبة تضربها، تلفتت حولها وقد اشتاقت لها ولكل مكان بها، لها ذكريات كثيرة معه بها وهنا عرفت أنها تحبه وهنا ستمضي باقي حياتها معه
سمعته يقول "البيت"
التفتت لتراه يتحرك تجاها حتى وصل لها وضمها له وقبلها قبلة طويلة ثم ابتعد وقال "عامر هاتفني وكأنه ينتظر وصولنا كي ينتقم مني"
لفت يداها حول عنقه وقالت بجدية مصطنعة "أنا لن أفتح الباب بعد العاشرة ولو فكرت بالبقاء بالخارج دون العودة لا تبحث عني بفراشك، العمل ليس شريك لي ولن أقبله"
تذمر دون إفلاتها وقال "تلك قوانين ظالمة، أنا لم أكن أبقى بالبيت يوم كامل"
قالت "بقيت معي أكثر من اسبوعين وستبقى معي للأبد"
ابتسم وقال "لا مجال للنقاش عندما نتحدث عن الأبد، الحياة معكِ هي كل ما أريده"
قبلها مرة أخرى ثم ابتعد وقال "سأذهب الآن حتى يمكنني العودة قبل إغلاق الأبواب، لا عشاء دسم مايا أحتاج للتخفيف"
قبلها مرة أخرى وتحرك خارجا وهي تسرع لتتابعه حتى رحل بسيارته فعادت للداخل وهي ترتب أفكارها بما ستبدأ به
قبل التاسعة كانت سيارته تدخل، نزلت مسرعة وهي تلف الروب عليها وشعرها يلحق بها، ضمها له وهو يقول "لا أصدق أني اشتقت للبيت"
ابتعدت وهتفت "حقا؟ اشتقت للبيت؟ دعني إذن وتمتع بالبيت"
ضحك بقوة ثم عاد وقبلها مرة أخرى وقال "أنتِ البيت مايا، أنتِ الوطن والاستقرار، أنتِ الحياة"
ابتسمت وقبلته هي تلك المرة وقالت "هكذا يمكنني السماح لك بالدخول، العشاء أولا"
هز رأسه وقال "كما أخبرتك مايا، أحتاج حقا للتخفيف"
جذبته من يده للمطبخ وقالت "عشاء دايت"
بالفعل نفذت كما طلب وما أن انتهى حتى قالت "اصعد، أنت تبدو متعب"
نهض وقال "أحتاج حمام وتبديل تلك الملابس"
التفتت لحوض الغسيل ولكنها فزعت من أنفاسه على عنقها وهو يطبع قبلة ويقول "وأنتظرك، الليل لي وحدي"
ضحكت وهو يتحرك للخارج وهي تنتهي من الأطباق ثم تحركت للأعلى ورأته يخرج من الحمام ويلف المنشفة حول خصره وهي تدخل فقال "ليل تدعونا للعشاء بنهاية الاسبوع الجميع، عامر يحب أن نجتمع ببيته من وقت لآخر"
كانت تمشط شعرها وقالت "كما تشاء، تعلم أني أحببتهم جميعا"
يداه تخللت خصرها ولفها له وهو يبعد الروب وقال "وأنا لا أحب شركاء بقلب زوجتي"
وقبلها ولكنها شردت بكلماته، القلب لغة لم يتحدثا بها منذ تقابلا فكيف يذكرها الآن؟
العشاء كان رائع وليل امرأة جميلة ورقيقة وتحب زوجها بشكل واضح كما هو الآخر يعشقها ويعشق أولاده، مازن جعل الجميع بحركة لا تتوقف وميرا تحاول التذمر بجذب الانتباه لها مما جعلها سعيدة جدا بمكانها بينهم
حلا هادئة جدا والحمل بدا عليها ولكن الحب أيضا ينبض من عيونها ونظراتها لزوجها وهو أيضا لم يتركها وحدها وبدا خائفا عليها من أي شيء وكأنهم حديثي الزواج
وجود الأولاد من حولها ورؤية يد حلا التي تضعها على بطنها من وقت لآخر لف نظرها وربما جعلها تتساءل هل يمكن أن تكون أم؟
ساهر كان مختلف، جاسم أخبرها أنه كان أكثرهم مرحا ولهوا مع النساء ولكنه اليوم كان مختلفا، عيونه كانت تحمل معاني غريبة لم يفهمها أحد ومع ذلك كان أكثرهم تعلقا بالأولاد وهم أيضا استحوذوا عليه كل الوقت تقريبا وهو لا يتذمر
جاسم كان بجوارها الوقت كله تقريبا ولم تشعر بالغربة بينهم بل كانت سعيدة بأنها حازت على أسرة جديدة وكلها حب وسعادة
انتهى العشاء ورحلوا للبيت بوقت مبكر وما أن دخلوا حتى لفها بذراعه وطالب بالمزيد وكاد يأخذها بغرفة الجلوس لولا رنين جرس الباب
توقف مبتعدا وهو يتأكد من الصوت الذي عاد مرة أخرى فنهض ولم يغلق قميصه بينما اعتدلت هي وأغلقت أزرار بلوزتها وقالت "أحد رجالك؟"
أعاد تمشيط شعره بأصابعه وقال باهتمام "لم يعد هناك رجال مايا هل نسيتِ؟ إنها الحادية عشر من يزور أحد بذلك الوقت هل قاسم أخبرك بزيارته؟"
كان يتحرك للخارج وهي تنهض وتتبعه قائلة "لا"
ما أن فتح الباب حتى شعر أن صاعقة كهربائية ضربته بقوة جعلته يرتد للخلف وهو لا يصدق ما رآه وتسمرت مايا بمكانها وهي تنظر للباب وعيونها لا تعرف ماذا يحدث أمامها؟