
رواية أنين القلوب الفصل الخامس عشر15بقلم داليا السيد
زواج
رأى الجميع جاسر وهو يقف ناظرا إليهم ودق قلبها هي لرؤيته وأدركت كم افتقدته؟ لقد كانت تظن أنها كرهته بعظ ما حدث بينهم ولن تتحمل رؤيته ولكن ها هي تشعر بنفس الضعف والخوف و، الحب
أسرع إلى والده وقبل يده وقال "بابا ماذا حدث؟ هل أنت بخير؟ كيف لم يخبرني أحد؟"
ربت الرجل على كتف ابنه بحنان وقال "الحمد الله على السلامة حبيبي، أنا بخير اطمئن لذا لم نشأ أن نقلقك"
ابتعد والتقى بعيونها وكم اشتاق لها ولنظراتها البريئة رغم غضبه منها مما قالت وفعلت، أخفضت عيونها لتفر من مواجهته بينما انطلقت لي لي إليه بقوة كادت تدفعه للخلف لكنه صدها ببنيته القوية ولفها بذراعيه وهي تقول
"جاسر حبيبي، كم اشتقت لك وافتقدتك، كنت بحاجة إليك"
احتضنها بقوة وهو اشتاق للجميع لأول مرة، أبعدها برفق وقال وهو يحيط وجهها بيداه بحنان "هل أنت ِ بخير؟"
شعرت جي بالغيرة من ذلك الحنان الذي يمنحه للجميع عظا هي ولكن هذا ليس من حقها فهم أهله لكن هي لا شيء
هزت لي لي رأسها له بالإيجاب فتركها والتفت لحسام الذي قال "لم يكن من اللائق ألا أكون معهم"
هز رأسه بتفهم ولكنه قال "هنا فقط ؟"
ضاقت عيون حسام وقال بضيق "ماذا تقصد لا أفهم؟"
تدخل كاظم قائلا "لا يقصد شيء حسام، شكرا يا حضرة الضابط على سؤالك"
كانت نظرات جاسر لحسام قوية ولا تخلو من معاني كثيرة ولكن حسام قال "لا شكر على واجب كاظم بيه اسمح لي"
واستأذن وتابعت هي عيون لي لي التي كان الخوف يملأها من أخيها، مرت عيونه والتقت بعيون وائل الذي قال "الحمد الله على سلامتك جاسر بيه وعلى سلامة الوالد، عن إذنكم"
لم يرد وهو يعود بعيونه إليها مرة أخرى باتهام، بالتأكيد كان موجود من أجلها وربما أمضوا الأيام الماضية سويا، لم تهتم بنظراته وحاولت أن تبدو أقوى مما بداخلها وقالت "حسنا عمي هل يمكنني أن أذهب أنأ أيضا؟"
نظر كاظم إليها وقال "نعم هيا اذهبي"
تابعها بعيونه الغاضبة ورغب أن يذهب خلفها فبالتأكيد ذاهبة وراء وائل، لقد خدعته فلم يسمح لها أن تذهب وهتف بقوة "انتظري"
ثبتت مكانها أمام الباب ولكنها لم تنظر إليه وهو يتجه إليها وقال "إلى أين؟"
لم يهتم بوالده ولا بأخته بل هي فقط من أخذت انتباهه كله، لم تنظر إليه وهي تقول بصوت منخفض "ليس من شأنك"
الغضب ارتفع داخله من ردها فأمسكها من ذراعها ولفها لتعود أمامه وقال بغضب "لا تتحدثين معي بتلك الطريق جي هل تفهمين؟"
لم تكن لتعود لضعفها فنفضت ذراعها منه وقالت "أتحدث كما أشاء واتركني وابتعد عني"
زاد غضبه واشتعلت نيرانه وكاد يكمل لولا أن تدخل كاظم بصوت مرتفع ليوقف ابنه عن جنونه "جاسر كفى، اتركها"
التفت لوالده والنيران تشتعل بعيونه وقال "أتركها!؟ كيف أتركها؟ أتركها لتذهب إليه وتفعل ما تشاء؟ لا، لن أفعل"
قالت بغضب من تلميحاته المستمرة "كفى، أخبرتك ألا تتحدث عني هكذا، لن أسمح لك"
عاد لها بنفس الغضب وقال "وماذا ستفعلين؟ هيا أخبريني، ألهذا كنت تريدين أن تبقي وحدك؟ كي تفعلي ما تريدين"
عاد كاظم يقول بغضب متصنع ليوقف جنون ابنه "جاسر أخبرتك أن تكف عن كلامك هذا واتركها تذهب أنا أعلم إلى أين ستذهب، جي ليست كما تظن جاسر لم ولن تكون، هيا اذهبي يا جي" نظرت له كما فعل نظرات تحدي، غضب أو غيرة
ذهبت وعاد هو لوالده وهتف بجنون "كيف توافق على هذه المهزلة؟ هي لذل دم تركت القصر ورحلت، كي تفعل ما تشاء وأنا الذي كنت أخاف عليها"
اقتربت لي لي منه وقالت "لا يا جاسر جي ليست كذلك، جي تركت القصر .."
ولكن كاظم قاطعها "لي لي كفى، جاسر ابتعد عن جي أنت لست الوصي عليها وأنا من أقوم بذلك الدور إلا إذا كنت لا تثق بي وبتصرفاتي"
ابتعد ولم يعرف سر كل ذلك الغضب وأدرك أن غضبه يفضحه ليس فقط أمام والده بل وأمام أخته أيضا ولكن لم يعد يهم فقال "لم أقصد يا بابا ولكن"
قاطعه الرجل بقوة "ليس هناك لكن، كف عن هذا الغضب الغير مفهوم"
لم ينظر لوالده الذي أكمل "تعالى واجلس هنا بجانبي وارتاح أنا أعلم كل شيء فلا تقلق، هيا تعالى واحكي لي عما فعلته بالخارج، هل استمتعت هناك مع ندى؟"
****
تملكها الغضب من كلامه وتحركت بشقتها بغضب وهي تجمع ملابسها حتى انتهت وأغلقت الحقيبة فتعبت وجلست على طرف الفراش وهي تفكر؛ كيف ستعود للقصر وتواجهه؟ كيف وافقت كاظم على ذلك؟ الأمر بسيط فهي ترغب بقربه ولا تستطيع تحمل بعاده
لكن هل تستطيع أن تفعل ذلك؟ هل ستتحمل الفترة القادمة والتي ستتخللها زواجه الذي أصبح واقع لا مفر منه؟ هل ستستطيع رؤيته كل يوم دون أن يدرك كم تتألم لخروجها من حياته ودخول وبقاء امرأة أخرى سواها هي بالأساس من كانت تملكه قبلها؟
أغمضت عيونها وتنهدت وتذكرت كلمات العجوز فعادت لنفسها وقامت ولم تملك أي رد لكل الأسئلة
عادت إلى المشفى في المساء بعد أن غيرت ملابسها لملابس أخرى من الجديدة التي لم ترتديها من قبل كما طلب منها العجوز وغيرت لفة طرحتها مما جعلها مختلفة
وصلت المشفى متأخرة حيث كانت لي لي ما زالت موجودة وما أن دخلت هي حتى نظرت إليها وقالت بعيون حائرة "جي ما هذا؟ تبدين جميلة حقا"
ابتسمت وارتفعت روحها المعنوية وابتسم العجوز وقال "هي جميلة بالفعل يا ابنتي ولكنها لا تعرف قيمة نفسها جيدا"
احمر وجهها وقالت "شكرا عمي، ألن نذهب؟ وائل قال أننا سنذهب بالمساء"
قالت لي لي "نعم نحن بانتظار جاسر لنذهب جميعا"
زالت ابتسامتها وعاد قلبها للخوف وما هي لحظات حتى دخل والتقى بعيونها، كاد يبعد عيونه ولكنه عاد على الفور إليها وحدق بها واندهش من أنها عادت ثم لاحظ أنها ليست الفتاة التي كان يعرفها بل اختلفت كثيرا، جميلة جميلة جدا بعيونها وجهها المستدير، قوامها البارز من ملابسها المختلفة، عيونها التي تلمع ببريق يأسر من ينظر لها
لم تنظر إليه مما جعله يستدرك نفسه وتقدم وهو يبعد عيونه عنها وقال "بابا دكتور محمود أخبرني أننا نستطيع الذهاب"
ابتسم الرجل بسعادة وقال "وأنا أريد ذلك فورا، هيا أخرجوني من هنا"
تقدم الاثنان في نفس اللحظة إلى الرجل وتلامست أيديهما واقتربت الوجوه والتقت النظرات وكأن كلا منهما يسمع دقات قلب الآخر وتخلل عطرها ليذيب الغضب داخله وجعله يرتد لشوقه لها ولكنها ابتعدت إلى المقعد المتحرك بينما استعاد هو نفسه وساعد والده ليذهبوا
ساعدت الرجل على الراحة في فراشه وهو معها وكذلك لي لي وما أن انتهوا حتى قال "بابا حضرتك بحاجة للراحة ومواعيد الدواء"
كان يريد أن يعرف إلى أين سيمتد بقائها فقد تأخر الوقت وهي لم تذهب، قالت لي لي "نعم جي تعرف كل التعليمات، لقد أخبرها دكتور وائل كل شيء"
نظر لأخته وقال "ولماذا جي؟ هي ليست باقية و.."
قاطعته لي لي "لا جاسر هي ستبقى، دادي أقنعها أن تفعل وهي وافقت، هي لم تتركنا منذ أول لحظة تعب فيها دادي"
نظر إليها وكذلك فعلت بقوة حسدت نفظلتها عليها فقال "ولكنها لم تعد تعمل عندنا أم.."
أوقفه كاظم "جاسر جي لا تعمل عندنا؛ جي من العائلة"
حدق بوالده ولم يرد وابتعد وهو يقول "هل حضرتك تريدني في شيء؟"
أجاب والده بحنان وهو مدرك ما يمر به ابنه "لا حبيبي، اذهب وارتاح يبدو عليك التعب أنا بخير"
هز رأسه وقال "حسنا، طابت ليلتك"
خرج وتابعته بعيونها في حزن، نظرت لي لي إليها ثم لوالدها وقالت "لماذا أشعر أن هناك شيء غريب يحدث دادي؟ ألن تشرح لي؟"
ابتسم الرجل وقال "لا تقلقي حبيبتي، لا شيء غريب يحدث، اذهبي لترتاحي أنتِ أيضا وعلى فكرة أنا معجب بحسام"
احمر وجهها ولم ترد فأكمل "هيا حبيبتي اذهبي"
ظلت هي فنظر إليها وقال "أحسنتِ، الجولة الأولى لنا، هل رأيتِ غيرته من وائل؟"
هزت رأسها بالنفي، لن تصدق أنه يحبها ويغار عليها فقالت "ليست غيرة عمي، إنه يتعمد إهانتي وتذكيري أني ملكه"
هتف بحزم "لا، بل غيرة، هو يغار من وائل لأنه يعلم أن وائل يحبك وطلبك للزواج من قبل، أنا رجل وأعرف نظرة الرجل جيدا، هيا اذهبي ودعيني أريد أن أنام"
جلست أمامه وقالت "تستطيع أن تنام سأبقى بجوارك قليلا اقرأ لك ثم سأذهب" ابتسم ولم يمانع..
ظل جاسر جالسا وهو يحاول أن يفهم ما يدور حوله؛ متى عادت؟ ما سبب التغيير الذى أصابها إن لم يكن وائل؟ سمع صوت أقدامها وهي تخرج من غرفة والده، انتظر حتى دخلت غرفتها فخرج واتجه إليها دق الباب وتأخرت قبل أن تفتح
نظرت إليه ثم ابتعدت إلى الداخل وعقدت يديها أمام صدرها، لن يمكنها إيقافه من تلك المواجهة وقد كانت تنتظره، سمعته يدخل ويغلق الباب ولكنها تفاجأت به عندما أمسكها من ذراعها بقوة معادته وأعادها أمامه وهو يقول بغضب
"والآن -ريد أن أفهم ماذا تظنين نفسك فاعلة؟ بمن تتلاعبين هذه المرة انطقي؟"
لم تستسلم له وخلصت ذراعها من يده وقالت بلا ضعف "أنا لا أتلاعب بأحد وأنت تعلم ذلك"
نظر لعيونها فرق صوته وقال "لم أعد أعرف عنك شيء، متى ستكفين عن عنادك هذا؟"
قالت وهي تبتعد من أمامه وهو لم يعد جاسر المنياوي بالنسبة لها بل رجل يؤلمها ويجرحها بلا حدود "أنا لا أفعل، هل اجرؤ على أن أتخذ العناد سبيل مع جاسر بيه؟"
أعادها أمامه لكن برفق وقد لانت ملامحه ونبرته وقال "جي أنا حقا لم أعد أفهمك، طلبت منكِ العودة معي ورفضتِ والآن تعودين"
قالت وهي تنظر بعيونه بلا هروب فلا مجال للهروب الآن "عدت من أجل والدك المريض، هل كنت تظن أنني سأتركه في هذا المرض وحده؟"
قال بصوت هادئ وقد أبعد الغضب جانبا "ووائل؟"
أغمضت عيونها بضيق لأنه لا يصدقها، ليس غيرة كما قال كاظم بل هو يظن أنها تتلاعب بالرجال، فتحت عيونها وهي تراه ينتظرها فقالت بصدق "أنا أخبرتك من قبل ولكنك لا تريد أن تصدق، لا شيء يربطني به"
قربها إليه ولانت نبرته حد الجنون حتى همس "ولكن نظراته إليك ِ تنطق بالكثير، إنها تثير جنوني"
تجولت على وجهها القريب وكم افتقدت ملامحه وابتسامته وقت كانوا معا بشرم، كم كانت السعادة ت-خذها للسماء ولكن كل شيء تبدل بلحظة، قالت وقد بدأت تضعف أمام قربه "هو جاسر، هو وليس أنا، أنا لست مسؤولة عن تصرفاته"
لم تعرف كيف لفها بذراعه وجذبها إليه لترفع يداها على صدره لتصده وهو قاوم كثيرا بعادها ولكن لم يعد يستطيع، لقد افتقدها وكلما نظر لعيونها أراد أن يجذبها له ويأخذها بأحضانه ..
رغم المفاجأة إلا أنها شعرت بالراحة وهى بين ذراعيه، راحة لا تعرفها إلا معه ولم تعد تستطع هي الأخرى مقاومة قلبها أو إخفاء حبها، شعرت به يزداد قربا ورأسه تنحني تجاه وجهها حتى شعرت بأنفاسه على وجنتها فأغمضت عيونها وتعالت أنفاسها التي رحلت وتركتها تماما عندما التقت شفاهها بشفاهه في قبلة شوق طويلة غاب فيها الاثنان عن الدنيا
لحظة من أسعد اللحظات على كلا منهما، لحظة قد لا تتكرر مرة أخرى تعود فيها قلوبهم للحياة وتتوقف عن الأنين الذي يلاحقهم بلا توقف وكأنه يتحداهم -ن يعيشوا بلا -نين
فجأة دق ناقوس الخطر داخلها واستعادت نفسها والخطر الذي تندفع إليه، لا، لن تكون دميته التي يهرع لها عندما يرغبها ويلقيها عندما يمل منها فدفعته بعيدا وعدلت نفسها وقد احمر وجهها وتسارعت أنفاسها وابتعدت مز أمامه بينما مرر هو يده في شعره وابتعد وهي يستوعب ما كان والضعف الذي يسقط فيه بقربها
هي فقط من رغب بها وبقبلتها وأحضانه، ما هذا الجنون الذي يصيبه بقربها؟
تنفس بقوة وقال "جي.."
ولكنها لم تسمح له ب-ن ينطق وقالت بدموع "اخرج، أرجوك اخرج"
ولكنه اقترب منها وقال بحنان عرفته عندما كان مع أخته "جي أنا.."
لم تعد تستطيع تقبل أي شيء، حتى ذلك الحنان فقد يكون زائفا، ابتعدت وقالت بألم "أنت لست حر، هناك امرأة بحياتك وهي أولى بك مني"
تذكره بالحاجز الصلب الذي بينهم وهو من اختاره، تؤلمه كما يؤلمها وقد شعر بالألم بالفعل وأدرك أنه نفس الذى يجتاحها فلم يملك أن يقول أي شيء فتركها وذهب وهو يعلم أنها على حق وهو لن يغير الواقع..
****
مرت الأيام وتجنب الاثنان اللقاء وحدد هو موعد لحسام للقائه مع والديه ووافق كاظم عليه ورضخ جاسر لرغبة والده وأخته وتمت الفاتحة بجلسة عائلية واتفقوا أن تكون الخطوبة في نفس يوم زفاف جاسر ولم يعترض أحد إلا هي اعترضت بصمت بين نفسها وقلبها، اعترضت لأنها بالتأكيد لن تكون من بين المدعوين رغم أنها تمنت أن تكون مع لي لي ولكن لم يعد الأمر سهل لأنها لن تتحمل..
بدأت الترتيبات للزفاف والخطوبة ولكن كاظم لم يكن يريد للأمور أن تسير هكذا ولكن خططه كان يحتفظ بها لنفسه
"نعم يا عمي؛ طلبتني"
رفع وجهه لها وقال "نعم جي، تعالي هناك موضوع يخصك، اجلسي"
نظرت إليه وقالت "ماذا؟ أي موضوع؟"
قال وهو يتجول على وجهها وكأنه ينتظر رد فعلها "دكتور وائل عاد وطلبك مني أمس، يريدك ومتمسك بكىِ"
لم تتبدل ملامحها وتنهدت وهي ترد "حضرتك تعلم أنني لن أوافق"
قال بنبرة غريبة "بل ستوافقين وأنا الذي ضغطت عليكُ"
نظرت إليه بعيون متسائلة وبلا فهم وقالت "لا أفهم"
قال "وائل هو النار التي سنكوي بها جاسر"
لا لن تلعب بالنار كي لا تحرقها فقالت "لا عمي، ما ذنب وائل؟ أنا لن أتزوجه وأنا لا أحبه"
هز رأسه بالموافقة وقال "أعلم، وأنا لن أتركك تفعلين ذلك أصلا ولكنه طريق لتحقيق ما نريد"
قامت وقالت بيأس "عمي باقي اسبوع على الزفاف فلا داعي لكل ذلك أنا تقبلت الأمر وسأعيش به"
هتف "هراء، ليس هناك مكان للضعف الآن هل تفهمين؟ ستنفذين ما أقوله ولن تعترضي هيا اذهبي ودعيني أكمل خطتي"
عاد جاسر متأخرا فهو يحاول إبعاد ذهنه عن الواقع الذي يعيشه؛ سيتزوج ندى، المرأة التي لا يعرفها من الأساس ولا يرغب بها ولا حتى بأنفاسها بالقرب منه وسيبتعد عنها، عن المرأة الوحيدة التي أرادها، كلما أغلق عيونه رآها وتذوق طعم قبلتها وتحسس دفء حضنها، نعم يريدها هي ولا امرأة أخرى سواها ولكن..
رن هاتفه كان والده فأغلق الهاتف واتجه لغرفته ودخل وهو يقول "مساء الخير"
أجاب كاظم "أهلا جاسر تعالى، خشيت أن تنام قبل أن أراك"
جلس أمام والده وهو يفتح أزرار قميصه ويلقي بربطة العنق المفكوك على صدره وقال "لماذا؟ هل هناك شيء؟"
قال كاظم بنبرة تحذيرية "نعم، جي!"
اعتدل بلا وعي وحدق في والده وناقوس يدق داخله تجاه أي شيء يخصها، هل سترحل مرة -خرى؟ سيند الدنيا تلك المرة ولم يهتم بمن سيأخذ بطريقه
ابتلع ريقه وهو يقول "ماذا عنها "
قال الرجل "وائل طلبها مني مرة أخرى وبصراحة أنا أراه شخص ممتاز ومناسب لها"
ارتفع الجنون لذروته داخله، لن يمسها رجل سواه، هي له، ملكه، كيف ومتى لا يعرف ولكن رجل آخر لا، لن يكون كم، ثار غضبه ونهض قائلا محاولا تهدئة جنونه العاصف "إذن أنا كنت على حق؛ الاثنان كانوا يتلاعبون بنا و.."
قاطعه كاظم وقال "إذا لم يأخذها هو سيأخذها غيره، هل ظننت أنها ستبقي بدون زواج إلى الأبد؟ إنها فتاة جميلة وذكية ومحترمة وكثير من الرجال يتمنون مثلها ولا يوجد سبب يجعلها ترفض، لذا وائل أفضلهم لأننا نعرفه وهو يريدها"
ابتعد أكثر، والده على حق، كيف لم يفكر أنها لن تبقى هكذا إلى الأبد؟ إن لم يأخذها هو سيأخذها سواه، لكن كيف تكون لرجل آخر؟ لا، لن يتحمل أن يراها تتحدث مع رجل آخر، إنه لم يتحمل نظرات وائل لها فكيف يقبل زواجها من الأساس؟ لا لن تكون لأحد مهما كان الثمن
نظر لوالده وقال "بابا هل نترك ذلك الموضوع إلى ما بعد الزفاف؟"
رمقه بنظرة حاسمة لم يلاحظها وهو يقول "وما الذي سيتغير؟ زواجك لن يغير أي شيء بل على العكس سيدفعها بعيدا أكثر"
كان على حق ومع ذلك هتف دون وعي "ولو هي لن تكون لأي رجل، لن أسمح بذلك"
ابتسم العجوز عندما سارت خطته كما أراد ثم عاد وأزاح الابتسامة وقال "ماذا تعني؟ إنه حقها فكيف سأمنعها إذا أرادت أن تعيش حياتها؟"
قال بغضب "لا أعلم ولكن أنا لن أسمح بذلك يا بابا فلا تتحدث معي في هذا الأمر مرة أخرى، اسمح لي"
وخرج إلى غرفته وهو لا يعلم ما الحل فقط زاد الألم الذي يشعر به كلما مرت عيونها أمامه والآن فكرة -ن تكون لسواه تزيد جرحه وألمه أضعاف
وأتى يوم الزفاف واستعدت لي لي كأي عروسة بيوم خطبتها منذ الصباح وظلت هي بغرفتها ولم تكف عن البكاء، لقد وصلت لمفترق الطرق سيذهب لأحضان امرأة أخرى وانتهى الأمر ومات الأمل
انتصف اليوم وعاد هو ولم يشعر أنه عريس في يوم زفافه هو حتى لم يرى ندى سوى مرات لا تحصى من أجل سؤاله عن شيء خاص بالفيلا الجديدة ولكن ها هو بطريقه ليقضي كل حياته القادمة معها
قبل أن يدخل غرفته استدعاه كاظم كما استدعاها والتقى الاثنان عند الباب، من عيونها أدرك كم الحزن الذي تعيشه، اللعنة على غروري الذي يدمرها ويدمرني
أخفض عيونه كما فعلت وهي تقول "عمي كاظم طلبني"
فتح الباب وأفسح لها لتدخل وتقدم الاثنان للداخل فنظر الرجل لهما وقال "اجلسوا عندي ما أريدكم فيه"
جلس الاثنان أمامه ولم يحاولوا النظر لبعضهم البعض ولكن قد يسمع كلاهم دقات قلب الآخر
نظر كاظم إليها وقال "جي أنا وافقت على طلب وائل وأخبرته أن يأتي اليوم لنتم الخطوبة مع خطوبة لي لي"
نظرت إليه بدهشة بينما نظر هو إليها ولم يرد لم يفهم ماذا يريد والده ولا هي لم تفهم ولم تهتم فليفعل ما يشاء لم يعد يهم مهما تقدم لها من رجال فقد ماتت روحها وستتزوج فقط بجسدها
عندما لم يرد الاثنان أكمل كاظم "وأنا لأنني لم أظن أن تتركينا في أي يوم أريد أن أُؤمن لكِ مستقبلك؛ سأكتب لكِ نصيب من الميراث مثل لي لي بالضبط، هكذا ربما أسدد ديني لصبري"
نظرت إليه بلا تصديق وهي في ذهول بينما اعتدل هو وقال "ماذا؟ بابا اسمح لي أنا.."
قاطعه الرجل بقوة وغضب "أنت ماذا جاسر؟"
نهض مبتعدا وقال "أنا لا أوافق، أخبرت حضرتك أنها لن تتزوج ذلك الرجل، لا هو ولا سواه"
رفعت وجهها له وزادت دموعها وقال والده "ولماذا؟ من أعطاك هذا الحق؟"
قال بلا تراجع وقد فكر وقرر "أنا، أنا أعطيت نفسي هذا الحق ولا رجعة فيه"
قامت وقد اكتفت من غروره وقالت "أنت ليس لك أي حق بحياتي"
التف إليها ليواجها بل وتحرك لها وقال بنفس الغضب وهو يمسكها بقوة "تريدينه أليس كذلك؟"
واجهته بقوة وقالت "أخبرتك أن هذا ليس من شأنك، إنها حياتي وأنت لا تملكها ولا دخل لك بها"
لم يتراجع ولن يفعل بل وقال بقوة "بل أملكها وأملكك ولن تكوني لأي رجل هل تفهمين؟ بل ولن تحصلي على أموالنا"
أثارها تحكمه فهتفت بلا تراجع "أي أموال؟ أنا لا أريد أي أموال وحياتي أنا حرة فيها ولن تملكني بأي يوم"
زاد العناد داخله وهو لن يتراجع وهي لن تنتصر عليه وهتف بلا وعي ولكنه قرار نهائي، مجنون متهور ولكن نهائي ولا أحد سيوقفه عنه "لا، أنتِ من الآن لستِ حرة لأنني سأتزوجك والليلة ولن يجرؤ أحد على منعي من ذلك هل تفهمين؟ سأتزوجك لأنك ملكي أنا وأنا فقط، هل تفهمين؟"
اتسعت عيونها والصدمة تضربها بقوة لتشل لسانها بل كيانها كله وهي لا ترى أي مزاح بعيونه، بل جنون، غضب، إسرار ولن يوقفه شيء بينما ابتسم كاظم وتركها هو دافعا إياها بعيدا حتى كادت تسقط لأن جسدها فقد اتزانه من جنون ذلك الرجل
ابتعد هو وقد أدرك -ن لا مفر مما قال، لن تكون لأي رجل سواه، لن يلمسها أحد ولن يجرؤ رجل على النظر لها بنظرات وائل لذا أكمل "اليوم سأتزوجك أنتِ وهي ولن تخرجي من هذا البيت لا الآن ولا بعد الزواج"
هتفت بقوة " لا، لن تفعل، لا أوافق"
التفت لها والجنون هو الوحيد الواضح عليه وهو يهتف "أنا لا أنتظر موافقتك، -نت لي ولن تكوني لسواي"
هزت رأسها بلا تصديق وهي تردد "لا، لن يمكنك ذلك، لديك امرأة أخرى"
كان يعلم ذلك ولكنه لم يهتم وهو يهتف "هذا شأني أنا"
حاولت أن تستوعب ما يقوله وهي ترد "لا تظن أنك ستتزوجني سرا أنا.."
قاطعها بقوة أكثر "لست أنا من يفعل شيء في السر لأنى لا أخاف من أي شيء، سيكون زواجنا علني وأمام الجميع، هيا اذهبي واستعدي فلا فائدة من الجدال معي لأن هذا قراري واعتراضك لن يغير أي شيء هل تفهمين؟ بابا أنا آسف ولكن هذا قراري ولن أتراجع فيه"
ولكنها لم تستسلم وقالت "ما زلت لا أوافق، أنا لا أريدك، لا أريد هذا الزواج، بأي حق تتزوجني؟"
اتجه إليها حتى وقف أمامها وقال بنفس الغضب "أخبرتك أن أنا الذي أعطيت نفسي هذا الحق وستفعلين إلا لو كنت ترغبين بأن أدمر حياتك وسمعتك وأجعلك لا تصلحين للزواج من أي رجل آخر، ستطيعين وأنتِ صامتة، أنتِ لا تعرفين من أنا وماذا يمكنني أنا أفعل لو ظننت أن بإمكانك الدخول معي بحرب"
نظرت اليه بدموع غزيرة ولم تعد قدماها تحملها فسقطت على المقعد بينما قال كاظم "جاسر كفى، هذا قرار صعب هل تدرك نتيجته؟ أن تعلن الحرب على ندى ومحسن فهذا وضع لن يقبلوا به بسهولة"
ابتعد من أمامها وقال "أنا قادر عليهم لا تقلق"
ثم عاد إليها ولكنها لم تكن معه وهي شاردة بعيد لا تستوعب ما يحدث فتحرك إلى الخارج دون أن يهتم بما فعله بها
نظر الرجل لها وقال "جي حبيبتي لا تهتمي بما قال لن يفعل أي شيء يضرك بل على العكس هو يدفعك داخل حياته، نحن نجحنا يا ابنتي، نفذنا أول خطوة في خطتنا"
نظرت إليه بانكسار وألم جديد يضاف للآلام المتراكمة داخلها وقالت "أي خطوة يا عمي؟ أنا لا يمكنني أن أوافق، لا يمكنني ذلك، جاسر يريد أن يتملكني كأي تمثال أو أنتيك في منزله ملكية خاصة لا معنى لها ولا قلب هو قال ذلك، أنا ملكه"
قال الرجل "هذا ما أرادك أن تفهميه لكن اليوم هو أعلنها صراحة، أنت ملكه وهو يعني أنه من داخله يتمناكِ ويريدك ويحبك، نعم يا ابنتي هو حب صدقيني، هو يرفض الاعتراف لذا عليك بالتحمل قليلا من أجل قلبك وأنا واثق أنه سيكون لكِ في النهاية، على الأقل سيكون زوجك وستكونين زوجته مثلك مثل ندى والأفضل منكما ستفوز وأنتِ بالأساس تملكين نصف قلبه فعليك الفوز بالنصف الآخر وهذا سيكون أسهل بكونك زوجته هيا اذهبي واستعدي، أنا لا أعرف كيف سيفعلها اليوم ولكن جاسر مجنون وأنا أعرفه جيدا لن يتراجع"
نظرت إليه وهي لا تعلم ماذا تفعل؟ ماذا سيكون مصيرها؟ كيف ستواجه ندى و الناس او حتى نفسها؟ أي حياة تلك التي ترمي نفسها بها؟ كل ذلك كان خطأها؛ هي التي أحبته رغم إدراكها أنه حب خطأ إلا أنها فعلت فماذا الآن؟
لم تعد تعلم واستسلمت لكلمات كاظم ربما هي المخدر الذي يغيبها عن الواقع، ربما لن يفعل ما قاله ولكن مع الوقت تأكدت أنه لم يكن يهذي فقد بدء معدي الحفلات يصلون والبيوتي سنتر أرسل متخصصين من أجلها وبعد وقت طويل وصل فستان الزفاف
نظرت إليه وهو ملقى على الفراش أمامها وتساءل، لماذا لا تشعر بفرحة كما كانت تظن وهي صغيرة؟ فرحة كل البنات بالفستان الأبيض وليلة الزفاف والفارس
ارتدته وساعدتها البنات في كل ما يلزم وهي تحاول أن تخفي الألم والخوف الذي بداخلها
أما هو فخرج من غرفة والده والغضب يملأه وانطلق بسيارته إلى أن وصل إلى الفندق الذي سيقام به الزفاف وانطلق إلى غرفة ندى وما زال الغضب يتملكه.
اندهشت ندى عندما رأته يدخل غرفتها وفي الحال انصرف الموجودين واتجهت هي إليه بروبها الأبيض وقالت بدهشة "جاسر!؟ ماذا حدث؟ لماذا أتيت؟ من المفروض أن.."
قاطعها بنبرة حاسمة "ندى اسمعيني، لقد حدثت أمور جديدة ولابد أن تعرفيها الآن"
شعرت بالقلق فضاقت عيونها المثقلة بظلال كثيرة والوان متعددة وقالت "أمور!؟ أي أمور؟"
نظر إليها ليستعيد قوته ثم قال "أنا سأتزوج"
ضحكت وقالت "هذه مزحة؟ بالطبع ستتزوج أليس اليوم موعد زفافنا؟"
ابتعد من أمامها وقال مفجرا قنبلته بوجهها "نعم سنتزوج ولكن أنا، أنا سأتزوج امرأة أخرى معكِ"
حاولت أن تستوعب الأمر وهي تهتف "ماذا!؟ هل تهزي جاسر؟ أي امرأة؟ كيف ومن أخبرك أني أوافق؟ بالتأكيد أنت مجنون لو ظننت أني سأوافق.."
ثم توقفت فجأة وجمدت نظراتها عليه وكأنها تذكرت شيء فهتفت "يا الله! الممرضة! بالتأكيد تلك الممرضة أليس كذلك؟"
التفت لها وقال بغضب "كفى واسمعيني لتفهمي"
ولكنها لم تكن لتسمع أن تفهم شيء، هو زوجها الذي يخبرها أنها سيتزوج امرأة أخرى عليها وبنفس الليلة، أي جنون هذا؟
هتفت بجنون "أفهم؟ أفهم ماذا؟ أنت تريد أن تتزوج امرأة أخرى معي وفي نفس يوم زفافي وتريدني أن أفهم؟ أفهم ماذا؟ أنا لا يمكن أن أوافق أبدا هل تفهم؟ لن أوافق ودادي أيضا لن يوافق، يا أنا يا هي يا جاسر"
تحرك لها والشياطين تلازمه وتتلاعب به كالدمية وهو لا يقاوم وأمسكها من ذراعها وهتف "أنا لا يهمني رأيك ولا أنتظره، أنا اخبرك فقط، لن أنتظر أن تأتي تلك الفتاة وتأخذ أموال الأسرة وأنا أقف صامتا، بابا كتب لها نصيب من الميراث مثل لي لي، هل تريديني أن أتركها تذهب بأموالنا هكذا؟"
توقفت ندى عن مقاومته حتى انتهى فخلصت ذراعها منه وقالت بلا وعي "أنت كاذب، تكذب كي تبرر زواجك منها"
رفع يده أمام وجهها وقال محذرا "ندى احذري في كلامك، أنا لا أكذب لأنه لا يوجد ما أخاف منه ولا أحد يجبرني على شيء، أنا أخبرك فقط كي لا تتفاجئين اليوم بوجودها، أردت أن يتم الأمر برضائك، هذا زواج شكلي كي لا يمكنها أن تخرج من القصر أبدا ولا ترتبط بأي رجل آخر يمكنه أن يحصل على أموالنا"
ابتعدت من أمامه محاولة استيعاب كلماته وقالت "تزوجها عرفي أو في السر ولكن أن تساويها بي فلا"
ابتعد وقال وهو واثق من ذلك "بابا لن يوافق هو يحبها ويساندها"
هتفت بجنون أخرجها عن وعيها "وأنت أجبن من أن تعارضه وتخاف.."
لم تكمل لأنه استدار وصفعها بقوة كادت تسقطها وهو يقول بغضب واضح "جاسر المنياوي لم ولن يكون جبان بأي يوم، أخبرتك أن تحذري في حديثك معي ولكن يبدو أنكِ لا تسمعين، سيتم الزواج اليوم وستوافقين وإياكِ أن تفكري حتى بالاعتراض"
كانت تضع يدها على وجنتها وأصابعه ما زالت تؤلمها وهي تقول من بين دموعها "ستندم جاسر على كل ذلك، دادي لن يتركك"
أمسكها من ذراعها ليجذبها له وينظر بعيونها بغضب وقال "محسن أعقل من أن يسمع كلامك المجنون هذا وسيفهم ما لم تفهميه ولن يتحدى جاسر المنياوي" ودفعها لتسقط على المقعد وتركها وانصرف ..