
رواية أنين القلوب الفصل السادس عشر16بقلم داليا السيد
غِلط أنا
بالطبع اتصل بمحسن وشرح له الأمر وبدى الرجل مقتنعا بكلامه فلم يهتم بجنون ندى فهي لا تهمه من الأساس فقط العمل والعبود
استعد للزفاف وهو لا يعلم ما الذي فعله ولماذا ومع من سيكون؟ بالطبع كان الذهول من نصيب لي لي والذهول الأكبر من نصيب المأذون الذي اندهش من هذا الجنون الذي يراه أمامه، رجل يتزوج امرأتان بنفس اليوم ولكن بالطبع لم يستطع أحد أن يناقشه أو يعارضه
أخرجتها لي لى من حجرتها وقالت "جي لقد تم عقد القران، هيا دادي ينتظرك بالخارج"
رفعت وجهها لها وبدا الخوف والقلق يسيطران عليها وبالنهاية نهضت ومسدت يداها فستانها الأبيض الرقيق وتحركت داخله للخارج حيث كان الجميع ينتظر، رأت ندى هي الأخرى تخرج من الحجرة البعيدة
بالطبع لن تضاهيها جمالا وهي تبالغ بكل شيء، كان يقف بمنتصف الممر مع محسن والتفت لينظر لها وتوقف عليها وقد كانت جميله ورقيقة بل فاتنة، ندى لا تمثل شيء بجوارها، احتفظت بطرحتها تغطي شعرها ومع ذلك زادتها جمالا ..
أبعد عيونه عنها بصعوبة وتوقف عن الكلام مع محسن وأجبر نفسه على أن يتجه إلى ندى التي نظرت لها بغضب وحقد مما آثار خوفها أكثر ولكن صوت كاظم أعاد لها الأمان وهو يقول "جي، هيا يا ابنتي الجميع ينتظر"
تحرك هو وندى، حسام ولي لي وهي بجانب كاظم، لم تفكر أن يكون هو بجانبها أو تتعلق بذراعه مثل أي عروسة فهي تعلم أنها ليست مثل أي عروسة
بالطبع كانت الدهشة واضحة بعيون المدعوين عندما رأوا جاسر يجلس بين عروستان ولكن لم يستطع أحد أن ينطق بكلمة بوجهه، ربما همسات من هنا وأخرى من هناك لكن ولا أحد واجهه بكلمة ولكن النظرات كانت كافية
افتتح الحفل بالرقص تجاهلها تماما وهو يأخذ ندى لأرضية الرقص وحسام مع لي لي التي بدت عليها السعادة ونست مأساة جي ولم تحاول أن تفهم ما يحدث فكل ما اهتمت به أنها نالت الرجل الذي تمنته
نظرت ندى إليه وقالت "لا تظن أنني وافقت هكذا إنه دادي الذي ضغط عليّ ولم أنس ما فعلته بي"
قال بضيق وهو ليس مستعد لأي كلمات جديدة "ندى"
قالت بلا استسلام "حسنا جاسر، أنا سأنسى ولكن ستمضي الليلة معي أليس كذلك؟ وشهر العسل"
أسقط عيونه عليها وقال "سأمضي الليلة معكِ نعم ولكن شهر العسل تأجل، تعلمين أن المندوب الأمريكي لم يرحل ولابد أن أكمل معه"
تراجعت بنظرات مستنكرة وقالت "ماذا؟ ولكن"
انتهت الموسيقى فلم تكمل وهو لم يكن مستعد لسماعها، كاد يتحرك لمقعده ولكن المسؤول قال "بالطبع الرقصة القادمة للعروسة الأخرى جاسر بيه"
توقف ونظر للرجل ثم لف وجهه إليها ولكنها لم تكن تنظر له وهو لم يشأ أن يلفت الانتباه فهز رأسه واتجه إليها ومد يده لها فاستوعبت وجوده وهو يعيدها من شرودها ورفعت عيونها له، لم تعد بريئة كما اعتاد وإنما كساها الحزن والخوف
لحظة مرت قبل أن تمنحه يدها التي شعر بارتجافها بين أصابعه، تلك اليد الصغيرة التي تعلقت به من قبل بشرم بسعادة الآن باردة بلا أي مشاعر بلمستها، جذبها فقامت معه وعادت الموسيقى وما أن أحاطها بذراعه حتى ارتجف جسدها كله ربما من قربه من نظراته من لمسة يده على خصرها من أنفاسه التي تتطاير حولها رغم أنها ليست أول مرة يضمها له ولكن الآن اختلف الأمر
ولكن ما تلك الكلمات التي انسابت مع الموسيقى، صوت الفنانة آمال ماهر بأغنية "غلط أنا"
'غلط انا ومين مش بيغلط كل يوم...علشان دخلت فى حب كان مالهوش لزوم. وانا برضوا فى الاول وفى الاخر بشر ومفيش حد فى الدنيا معصوم ..زمان غلط علشان امنت بسرعة ليك...وشفت عكس اللي لازم اشوفه فيه .. احساسي بيك كان غلطة انا بدفع تمنها وحبي ليك كان ذنب حتحاسب عليه..."
وكأن الكلمات كانت تقصدها، حبها له كان خطأ وها هي تدفع الثمن، اندفعت الدموع أكثر إلى عيونها ولم تعد تتحمل تلك الكلمات
"بصعوبة بعد اما انتهيت تانى ابتديت. بصعوبة ويا الوقت بنسي انى اتأذيت. كلمة يا ريت لو بيها انسي الحب ده ممكن بقية عمرى افضل اقول يا ريت "
هو الآخر أدرك الكلمات ولعن بسره من اختارها ورأى الدموع بعيونها فزادت قبضته على خصرها وكأنه يرغب بأن يواسيها، يخفف عنها ويخبرها أنه يشعر بما تشعر هي به، لكن بالتأكيد هي تظن أن ما كان بينهم غلطة وها هو يجعلها تدفع الثمن، لم لا يزيح تلك الأفكار من عقله ويعترف؟
يعترف بماذا؟ إن أفكاره هي الصحيحة ولن يتراجع، لم تعد تتحمل أن تسمع أكثر من ذلك، الكلمات تؤلمها نعم ستظل طوال العمر تقول يا ليت، تركت يده وابتعدت من أمامه وهو تركها فعادت إلى مقعدها دون أن تنتهي الموسيقى ولم يلتفت أحد لها إلا ندى التي ابتسمت في خبث وانتصار فهي التي أصابت في اختيار الأغنية، إنها بدأت حرب ولابد أن تفوز.
عاد إلى مقعده وهو يلاحظ دموعها التي تحاول هي إخفاءها فأبعد وجهه وعاد الزفاف وكأن شيء لم يكن واستمتع الجميع عدا هي، حتى عندما كانت لي لي تجذبها معهم للرقص كانت تبتعد بعيدا عن الجميع ليس هذا مكانها وهو اختفى، خرج بعيدا للهواء وهو لا يعلم ما هو مقبل عليه
انتهى الحفل مبكرا وقاد حسام لي لي إلى السيارة وتحركت هي بجواره دون أن تمسكه أو يلمسها إلى سيارة كاظم الذي كان ينتظرها بالداخل وما أن دخلت حتى عاد للسيارة الأخرى وانطلق هو مع ندى
نظر كاظم إليها وقال "هل أنتِ بخير؟"
هزت رأسها بالنفي وقالت بألم "لا، أنا لست بخير ولن أكون بخير بعد اليوم، أنا أتألم، الألم يعتصر قلبي، لماذا فعلت بي ذلك؟ كنت تركتني ابتعد كان أهون من ذلك الألم"
أمسك الرجل يدها وقال "سيعود لكِ"
نظرت إليه بدموعها وقالت "وأنا؟ هل من المفترض أن يظل قلبي يتألم ويموت في كل لحظة وأنا أعلم أنه بين أحضانها؟ هل لابد أن أعيش هكذا مع الألم وأنا حبيسة بين الجدران أنتظر منه نظرة حنان أو كلمة جيدة؟ أبقى فوق الرف حتى يغطيني التراب ويدفني في مقبرة الأحزان؟ لا لن أتحمل، من أين لي بتلك القوة؟ أنا لا أملكها، لا أملكها، أنا أضعف من ذلك، أنا أحبه يا عمي، أحبه حب أعلم أنه خطأ ولا أمل به، أحب رجل لا يفكر إلا في نفسه ولكن مع الأسف لا أملك أن أوقف قلبي أو أمنعه من التفكير به، أنا أشعر بنار، نار تحرق قلبي، ليتني ما قابلته ولا عرفته ولا أحببته، ليتني أكرهه بدلا من أن أكره نفسي التي تحبه، ليتني ما أحببته، ليتني ما أحببته"
وانهارت في البكاء بقوة وجذبها الرجل لأحضانه ودمعت عيونه من أجلها وربما ندم لأنه فعل بها ما فعل..
وصل هو وندى إلى الفيلا وما أن دخلا حتى توقف فنظرت له وقالت "جاسر لماذا توقفت؟"
ابتلع ريقه وهو يبحث عن كلمات حتى قال "سأطمئن على بابا ولي لي ثم اتبعك"
ولكنها توقفت أمامه وقالت بغيرة واضحة "وعليها أليس كذلك؟"
أغمض عيونه وهو يشعر بصداع تجاهله وعاد يفتح عيونه ليواجه نظراتها وقال "ندى لن نبدأ الآن، أنا مرهق حقا ولا أتحمل أي جدال، ماذا أفعل أكثر من ذلك؟ أنا كنت معك طوال الوقت وها أنا معكِ الآن، ألا يكفي ذلك"
اندفعت له وأحاطته بذراعيها وقالت "لا، لا يكفي دعنا نصعد لغرفتنا الآن ربما أكتفي عندما أذيقك ما ينسيك كل شيء"
لا شيء يمكن أن يجعله ينساها أو ينسى دموعها والألم بعيونها، أبعد ذراعيها من حول عنقه وقال "اصعدي غرفتنا واجهزي وأنا سأتبعك، لن أتأخر"
نظرت إليه وهي ترى الإصرار بعيونه فتحركت بعصبية تحمل فستانها إلى الأعلى، دخل المكتب ورمى نفسه على أقرب مقعد وأغمض عيونه وفك ربطة العنق وتذكرها بحزنها وألمها
ما الذي فعله؟ كل يوم يقتل كل جميل كان بيوم بينهما، وتساءل؛ أي جميل إنها هي التي فعلت، هي التي رحلت ورفضته وهي التي فضلت ذلك الطبيب وأرادت أن تكون له لكن ل، لن تكون لأحد، ولكن يظل السؤال يلح داخله لماذا هي؟ وما الذي دفعه لكل ذلك؟ لماذا يريدها ولا يريدها؟ يتمنى نظرة عيونها ويغضب للقياها؟ يحزن لألمها ويؤلمها؟
أي جنون هذا الذي يعصف به؟ أنه كالسباح وسط الأمواج لا يرضى أن يخرج من وسط الأمواج ولا يتمتع بوجوده وسطها، ماذا يريد منها؟ ولماذا يفعل كل ذلك! وهل سيمكنه أن يكمل؟