
رواية أنين القلوب الفصل السابع والعشرون27بقلم داليا السيد
الفصل السابع والعشرين
أين أنتِ
وقفت لي لي أمام القفص الحديدي الذي يقف جاسر خلفه وقالت بسعادة "حبيبي لا تقلق، براءة إن شاء الله"
لم يرد إلى أن بدأت الجلسة ونادى الرجل على اسم جاسر ولم يجد المحامي ما يقوله فقد تأخر الضابط في الوصول بالأوراق فقال "سيدي القاضي أنا أطلب التأجيل لتقديم أدلة جديدة كنت أتمنى تقديمها اليوم ولكن"
قاطعه القاضي "يا أستاذ لا يوجد مبرر للتأجيل القضية منتهية"
أغلق جاسر عيونه فهو يعلم بذلك ويستسلم لمصيره "
لم ينطق المحامي وتراجع بينما قال القاضي "حكمت المحكمة.."
ولكن قبل أن يكمل أوقفه صوت الضابط المصري الذي دخل فجأة القاعة وقال "لحظة يا فندم، أنا معي الأدلة الجديدة على براءة جاسر المنياوي"
فتح جاسر عيونه بذهول ونظر إلى الضابط وكذلك لي لي وهي ترى حسام يقف بجانبه وابتسم لها ليطمئنها فعاد إليها الشعور بالراحة والأمل..
احتضن جاسر أخته بقوة ثم حسام الذي قال "الحمد لله، ستخرج بعد لحظات فقط بعض الإجراءات، روتين كما تعلم تفضل اجلس"
نظر إليه وقال "كيف وصلت لهذا الاعتراف؟"
تحركت عيون حسام إلى لي لي التي بادلته النظرة فقال جاسر "لماذا لا تجيبون؟ أنا أريد أن أعرف من الذي فعلها؟"
دخل المحامي بنفس التوقيت وقال "مدام جي، مدام جي هي التي دبرت ونفذت بالطبع مع مايكل ومن حقها علينا أن نعترف بفضلها ونخبرك"
حدق به لحظة وهو يحاول أن يستوعب الأمر ونظر إلى لي لي التي واجهته بعيون حائرة وقالت "نعم جاسر، جي هي التي أخرجتك، دادي كان يعلم أنها هي التي ستفعل، أعادت شركاتك كما كانت وأثبتت براءتك جاسر وكذلك اعتراف ندى بأنها هي من دبر تلك الخدعة التي أوقعت جي بها"
مرر يده في شعره وابتعد وهو لا يعلم ما بداخله ولا أكد منهم يرغب بقطع لحظته قال المحامي "أختك على حق، على هذا القرص كل ما حصلت عليه مدام جولي و، وتركت لك هذا الخطاب وذلك التوكيل وتنازل عن الأموال التي كتبها كاظم بيه رحمه الله لها"
التفت إلى المحامي ونظر إلى الجواب والتوكيل والقرص الصلب ثم عاد لعيون لي لي التي دمعت عيونها وقالت "كان عليّ أن أثق بها جاسر، لم يكن أمامي سواها ولم أصدق يوما أنها خائنة"
تحرك للمحامي وأمسك التوكيل بيد مرتعشة فقال المحامي "لقد طلبت مني إلغاء التوكيل لأن مهمتها انتهت بخروجك"
لم ينظر إلى المحامي وإنما أخذ الخطاب ولم يعد يشعر بهم فأمسك حسام يد لي لي وجذبها إلى الخارج وتبعهم المحامي وتركوه وحده مع خطابها ونظراته تحتويه حتى رأى كلماتها "إلى جاسر"
فتح الخطاب بيد غير ثابتة وبقلب يفزع مما ينتظره وقرء "لا أعلم بماذا ابدأ؟ لا يمكن أن أقول حبيبي فقد قتلت أنت الحب، ولا زوجي لأنك أنهيت الزواج، ربما أقول جاسر بيه كي لا أنسى من أنا ومن أنت، ربما الآن يمكنني أن أكتب إليك كلمات بسيطة ليس لأخبرك أنني بريئة فلست بحاجة لأن أقول ما لم تعرفه وحدك، لكن لأقول أنني الممرضة ابنة السائق لم أكذب يوم أخبرتك بحبي لك فأنت من سكن قلبي ووجداني، أنا لا أخبرك بذلك لأستعيد ما كان فأنا لن أفعل ولن أعود ولكن فقط لأعلمك أنني آمنت بك وببراءتك دون أن تخبرني ولم أصدق إلا ما كنت أعرفه وهو أنك لست مجرم، كما أنني لست خائنة وأظن أنني قمت واجبي ووفيت بوعدي لوالدك. الوداع كلمة من السهل قولها ولكن من الصعب جدا تنفيذها ولكن أنا لابد أن أفعل، لابد أن أقوى الوداع فقد انتهى كل شيء وما زال طريقنا كقضبان القطار لا يلتقيان، لا تبحث عني فلن تجدني لأن قلبي لا يريد أن يجدك كي لا يعود للألم ولا تندم لبعادك فهو اختيارك وعليك تحمله"
قبض على الورقة بكلتا بيديه ولم يصدق تلك الدموع التي ترقرقت بعيونه وضم الجواب لصدره وقال بألم "لا يا جي، أنا لم أختار، لم أختار الوداع، بل أريدك أنتِ، لا، لا يجب أن ترحلي وإلا لماذا أخرجتني، آمنتِ بي وأنا لم أفعل، كيف لم أكن مثلك؟ كيف؟ أنا أستحق، نعم أستحق ذلك الألم مثلما تألمتِ بسببي، لا جي أنا لن أتركك، لابد أن أجدك، ستعودين، نعم أنا سأعيدك فأنتِ زوجتي، نعم أنا أعدتك لي"
اعتدل ومسح دموعه ونادى على حسام والمحامي فأسرع الجميع إليه وهو يقول "أنا أعدت جي لعصمتي وأنتم شهود على ذلك ولابد أن أجدها، لن أتركها أبدا، هي زوجتي ولن تكون لسواي"
ولكن لي لي قالت بحزن "تأخرت يا جاسر فهي رحلت ولن تعود، إنها الآن خارج مصر أخرجها الأستاذ حلمي من أجلك وهي أخبرتني أنها لن تعود"
جن جنونه واتجه إلى حلمي وقال بغضب " كيف تفعل ذلك؟ عليك أن تعيديها كما أخرجتها، أنا لن أرحمك هل تفهم؟"
أمسكه حسام ليوقفه وقال "جاسر اهدأ، لنخرج من هنا أولا ثم افعل ما شئت بعد ذلك"
نظر إليه بقوة وقد أدرك أنه على حق فابتعد وقلبه يدق بعنف وكأنه يتعمد إيلامه، وضع يده على صدره من الألم ولم يتحدث..
عندما عاد إلى القصر انطلق إلى غرفة والده، توقفت قدماه على باب الغرفة وكأنه ينتظر أن يرى ابتسامة والده وهو على كرسيه أو حتى على فراشه ولكن للأسف كلا المكانين كان خاليا والبرد يحيط بالمكان
أين الدفء الذي كان يملأ المكان؟ لم يجرؤ على دخول الغرفة دون أن يكون صاحبها بها فعاد وخرج وانطلق إلى المقابر حيث قبر والده ووقف أمامه وقال بتعب وألم وحزن "أعلم أنك سامحتني ولكن أنا لم أسامح نفسي، أنا آسف، كنت أعلم أنك على حق ولكن كذبت نفسي، دائما كنت على حق، كنت تعلم أني خطأ ولكني لم أسمعك، سامحني بابا أنا اسف، آسف ونادم"
لم تتوقف دموعه وهو يكمل "كنت أتمنى أن تنتظر حتى أقبل يدك ورأسك وأنال رضاك ولكن بخل عليّ القدر بذلك، لأول مرة أنا نادم ومعترف بخطأي ولا أعرف ماذا أفعل؟ كنت تعلم أني أحبها فأخبرني كيف أعيدها أخبرني أين هي بابا كي أعيدها إليّ، أنا بحاجة إليها، نعم الآن فقط و أمامك أنت أعترف أني بحاجة إليها كما أنني بحاجة إليك لتخبرني ماذا أفعل؟"
للأسف التراب لا يرد وإنما صدى الصوت، أغمض عيونه وترك دموعه تعبر عن ألمه وحزنه ومن داخله ظل يسأل أين أنتِ يا من خطفتي قلبي وروحي؟ لم أعد أستطيع أن أتنفس دون عطرك، لا أرى بدون عيونك، عودي جي لتعود معكِ السعادة التي رحلت متك، أنا آسف حبيبتي، آسف