رواية أنين القلوب الفصل الثامن والعشرون28بقلم داليا السيد

 رواية أنين القلوب بقلم داليا السيد
رواية أنين القلوب الفصل الثامن والعشرون28بقلم داليا السيد
ومضت الأيام 
"الحمد الله على السلامة مستر جاسر، لندن أضاءت بعودتك" 
نظر إليه بتلك العيون التي انطفأ بريقها ورحلت منها نظرات الغرور والقوة وتلك اللحية التي أطلقها منذ كان بالسجن فزادته وقارا ووسامه ولكن كأن الحزن زاده عمرا فوق عمره.. 
قال "شكرا مايكل، شكرا على ما فعلته من أجلي" 
زادت ابتسامة مايكل وقال "الشكر لمسز جاسر فهي التي خططت ونفذت، لماذا لم تأتي معك؟" 
حدق به وهو يخفى أحزانه وقال "متى آخر مرة رأيتها؟" 
أجاب مايكل بدهشة "من؟ اقصد لا أفهم" 
نفخ وقال بحدة واضحة "المدام مايكل، جي" 
زالت ابتسامة مايكل "يوم أخذتها مع الضابط المصري للمطار ليعودوا إلى مصر، لقد أصرت على أن تعود معه بالأدلة حتى تتأكد من وصولها إلى القاضي" 
حدق فيه ثم قال "تقصد أنها عادت مصر منذ ذلك الوقت؟" 
هز رأسه وقال "نعم أنا متأكد من ذلك لقد رافقتها للطائرة الخاصة بنفسي" 
أغمض عيونه وهو في حيرة، لقد بحث عنها بمصر ولم يصل لشيء فجاء هنا ربما يجدها ولكن انتهى الأمل فقال "أريدك أن تبحث عنها؟ لقد اختفت وبحثت عنها بمصر ولم أجدها والآن ربما تكون هنا" 
حدق مايكل به لحظة قبل أن يقول "أنا لا أفهم شيء" 
أبعد وجهه وقال بعصبية "ليس هناك ما تفهمه، افعل دون سؤال، ابحث عنها بأي مكان هنا أو بمصر أو بأي مكان في العالم المهم أن تجدها يا مايكل هل تفهم؟" هز مايكل رأسه في صمت ولم يرد "أين جاسر يا حسام؟ كيف لم يأتي حتى الآن؟" 
جاءها صوت حسام عبر الهاتف "لقد وصلت الطائرة وأعتقد أنه في الطريق حبيبتي، هل تهدئي وتكملي زينتك؟"
قالت بغضب يخفي حزنها الداخلي "لن أفعل إلا عندما يأتي،  لماذا لم نؤجل يوما آخر حتى يكون هنا؟" 
حاول أن يهدئ منها "لي لي اسمعي، جاسر وعد أنه سيكون موجود وأنتِ تعرفين كلمته ثم من الذي سيضع يده في يدي أمام المأذون لأنال المراد حبيبتي؟" 
تضايقت ولم تعد تهتم بتلك الكلمات، ما أصاب عائلتها -ذهب كل السعادة من قلبها، قالت "أنا أبحث عن أخي وأنت لا تفكر إلا في نفسك، حسنا يا حسام لن نفعل أي شيء بدون جاسر هل تفهم؟" 
وأغلقت الهاتف وألقته على الفراش وبدأت البكاء إلى أن انفتح باب غرفتها فنظرت ورأت جاسر أمامها، لم تتردد وهي تندفع له بقوة أكثر من كل مرة فاحتضنها بحنان وهو لا يعلم سر دموعها وهي تقول " كيف تتأخر هكذا جاسر، ظننتك لن تأتي وستتركني وحدي، كان يجب أن تكون معي من أول اليوم، أنا ليس لي سواك، أنا هنا وحدي جاسر وحدي" 
تألم من أجلها وشد بذراعه عليها وهو يعلم ما تشعر به لكن من الصعب عليه البقاء هنا بعد ما كان، قال بحنان "حبيبتي تأخرت الطائرة أنا لم أقصد أن أتأخر، ثم كيف تكوني وحدك وحسام معك ألن يكون زوجك؟" 
لم تبتعد عن أحضانه ولم تكف عن البكاء وهي تشهق وتقول "حسام ليس عائلتي وأنت تعلم أنها لولا وصية داد لما تزوجت الآن، أنت كل من لي جاسر، أنت أبي وأخي وكل من لي" 
أبعدها وأحاط وجهها براحتيه ونظر بعيونها الباكية وقال "هل تكفي عن البكاء الآن فأنا هنا؟ العروسة لا يمكن أن تحزن يوم الزفاف هيا أريد أن أرى ابتسامتك، هيا تعالي لتشاهدي ما أحضرته لكِ"
أمسك يدها وجذبها إلى داخل غرفتها ولكنها أوقفته وقالت "هل وجدتها جاسر؟ هل وجدت جي؟" 
توقف ولم يرد ولم ينظر إليها وقلبه ما زال يؤلمه وبقوة فاقتربت ووقفت أمامه وقالت "شهرين جاسر وأنت تبحث فهل وجدتها؟"
ازداد الألم والحسرة داخله والكلمات تجدد أحزانه التي لا تنتهي، هز رأسه نافيا وقال "لا، لم أجدها لأنها لا تريدني أن أجدها، أنا أعلم أنها حولي تراني ولا وأراها، وتعرف مكاني ولا أعرف مكانها، هي لم تعد تريدني يا لي لي لذا لن أجدها" 
أمسكت يده بحنان وقالت "امنحها عذرها يا جاسر" 
هز رأسه موافقا وقال "نعم منحتها كل العذر، هيا دعينا نستمتع باليوم الذي سأراكِ فيه أجمل عروسة، هيا حسام يشتاق إلى تلك اللحظة" ابتسمت ونست ما كان 
سنة، اثنين، وربما ثلاث مروا كأنهم ريح عاصفة تهب فجأة تزيل الأخضر وتترك اليابس.. لم يعد يبحث عنها فقد أدرك انها ذهبت ولم تعود واقتصرت حياته على العمل 
عاد جاسر؛ الرجل الذي يعيش بدون قلب أو مشاعر ليس لأنه لا يؤمن بها وإنما لأنها كانت كالريح أخذت مشاعره وقلبه ورحلت وتركته كاليابس لا حياة به، ماتت الضحكة على فمه فقط الذكريات هي ما يعيده للحياة ثم ما يلبث أن يعود للواقع، كان يعلم أنها حوله تراه وتشعر به خاصة عندما يكون في مصر ولكن مع ذلك لم يراها، فقط يوم زواج لي لي ظن أنه لمحها وما أن اسرع وراء شبحها حتى كانت قد اختفت وكأنها نسمة عابرة ألقت بريحها الطيبة حوله ثم رحلت وأخذت معها الأمل والسعادة التي لم يشعر بها إلا ربما عندما يرى لي لي، هي فقط من تعيده إلى الأيام الجميلة ودفء الأسرة واليوم لم يعد يملك إلا العمل والنجاح فقط 
رن هاتفه وابتسم عندما رأى اسم لي لي فرد "حبيبتي كيف حالك؟ اشتقت لكِ" 
قالت بطريقتها التي يحبها "وأنت أيضا جاسر متى ستأتي؟ أنا قاربت على الولادة ولا أريد أن أنجب إلا وأنت معي لترى ابنة أختك" 
قال "حبيبتي سأفعل، أيام قليلة وأكون عندك سآخذ اجازة كبيرة لأكون معك لن يتلقى ابنتك سواي"
هتفت "حقا؟ أنا سعيدة جدا فأنت تعلم أني أنتظرها بفارغ صبر، ثلاث سنوات جاسر وأخيرا أكرمنا الله" 
قال بحنان وسعادة من أجل أخته "نعم الحمد لله، أين حسام" 
أجابت باستسلام "في مأمورية ولا أعلم متى سيعود كالعادة لذا لابد أن تأتي بسرعة" 
ابتسم وقال "حاضر حبيبتي، لن أتأخر أعدك" 
ردت "حسنا وأنا أنتظرك"
****
استيقظت لي لي على ألم بظهرها وبطنها شديد، نهضت وهى تحاول أن تتحمل الألم، أمسكت الهاتف واتصلت بحسام ولكن كالعادة مغلق، اتصلت بجاسر الذي رد في الحال كالعادة فقد تعود أن يترك أي شيء من أجلها "أهلا حبيبتي، كيف حالك؟" 
أسرعت تقول بألم "جاسر أنا ألد الآن ولا أعلم ماذا أفعل؟ ألم شديد يا جاسر"
دار حول نفسه والخوف والذعر تملكه على ابنته وأخته فقال "اهدئي لي لي وأنا سأتصرف، هيا حوالى أن تجهزي كي تذهبي للمشفى، أين الخادمة اطلبيها لتأتي بجانبك حتى اتصرف" 
أجابت بتعب "حاضر" 
وعاد الألم إليها بينما اتصل بعلى وأخبره أن يطلب الإسعاف ويذهب لأخته وبالفعل لم يتردد علي، بينما طلب جاسر مايكل كي يجهز الطائرة ليعود لأخته والقلق يقطعه عليها والندم يأكله لأنه تأخر عليها 
وصلت الإسعاف بلي لي إلى المشفى وهي تصرخ من الألم وأسرع إليها الجميع ومنهم صوت عرفته يقول "لي لي حبيبتي أنتِ بخير؟"
لم تصدق أذنيها وظنت أن ألم المخاض جعلها تتهيأ ولكنها رأتها من بين الدموع والألم وقالت "جي، يا الله! جي أنا لا أصدق أنكِ هنا، جي الألم شديد" 
سمعت جي وهي تقول "إلى العمليات فورا واطلبي دكتور عبد الله الآن"
صوت آخر كان يجيب "ولكن دكتور سالم هنا" 
قالت جي بإصرار وكأنها تمنح أوامر "قلت دكتور عبدالله هيا"
أجاب الصوت "حاضر" 
انطلق الجميع بها إلى العمليات ولم تتركها جي ولي لي تقول بألم "أنا أموت يا جي، أموت" 
أمسكت يدها وعيونها مليئة بالحنان والخوف وقالت "بل أنتِ بخير لا تقلقي، أنا هنا معك أين حسام؟" 
أجابت من بين لحظات الألم والراحة للتقلصات "في مأمورية، أنا وحدي علي هو الذي أحضرني" 
ثم عادت إلى الصراخ لحظات ووصل الدكتور ليباشر عمله 
لم تتركها لحظة واستمرت الولادة ساعات لم تعرف عددها وفي النهاية اضطروا إلى إجراء القيصرية لإخراج الطفلة وإنقاذ الأم وظلت معها حتى أفاقت 
نظرت لي لي إليها وقالت بضعف "جي أين أنا؟" 
ابتسمت جي لها وقالت "أنتِ بالعناية حبيبتي، ضغط الدم ارتفع بشدة واضطر الدكتور لإجراء القيصرية" 
أغمضت عيونها بتعب ثم فتحتها وقالت "ابنتي يا جي" 
كانت تمرر يدها على رأس لي لي وهي تقول "بخير والحمد لله بالحضانة مع دكتور الاطفال فقط يطمئن عليها، ماذا ستطلقين عليها؟" 
نظرت إليها وقالت "أمل" 
ذابت ابتسامتها وتذكرت وصية كاظم فلم ترد فقالت لي لي "هل تذكرين؟" 
ابتلعت الذكريات بلا رغبة بتذكرها وقالت "نعم، هيا سأتركك الآن  كي ترتاحي أنتِ هنا منذ اكثر من ست ساعات وأنا معك فلابد أن أذهب الآن، لدي اجتماع وسأعود إليكِ صباحا" 
هزت رأسها بلا فهم وقالت "اجتماع؟ أين؟ لا أفهم" 
ابتسمت جي وقالت "ليس الآن عندما تتحسن حالتك ستفهمين، هل تريدين شيء. لا تقلقي إذا احتجتِ أي شيء اطلبيه الجميع هنا في خدمتك، هم يعرفون أنك أختي" 
ابتسمت لي لي وقالت "نعم أختك، بالطبع أنا كذلك، شكرا جي" 
ابتسمت وتركتها وخرجت مع الدكتور الذي قال باستفسار "قريبتك؟" 
قالت بلا رغبة بذكر تفاصيل "نعم أختي وربما أكثر لذا طلبتك" 
قال بهدوء "نعم يبدو ذلك، على العموم لابد أن نسرع، الجميع بانتظارنا لقد تأخرنا" 
ابتسمت وقالت "أين المشكلة في أن أتأخر؟ لن يبدئوا بدوني أليس كذلك؟" 
ضحكت وضحك الدكتور وقال "طبعا" 
كانت تتحدث وتنظر للدكتور وهما يصلان أمام باب المصعد ولم تنتبه للرجل الذي خرج من المصعد مندفعا ليصطدم بها بقوة فتراجعت كما تراجع هو والتفت كلاهم والتقت العيون وانقطعت الأنفاس وتوقفت ضربات القلوب لحظة اللقاء


تعليقات



<>