رواية أنين القلوب الفصل الثلاثون30بقلم داليا السيد

 رواية أنين القلوب الفصل الثلاثون30بقلم داليا السيد
آسف حبيبتي 
"ماما حبيبتي، اشتقت لكِ" 
احتضنت ابنها بشدة ربما يعوضها عن حزنها وقالت "حبيبي وأنا أيضا اشتقت لك، ما رأيك برحلة إلى الساحل في الشاليه الخاص بنا؟" 
ابتسم وصفق بيداه الصغيرة وقال "مع أبيه يوسف أم وحدنا؟" 
ابتسمت وقالت "لا، وحدنها فهو مشغول ربما لو انتهى منه يأتي" 
كانت تعامله على أنه شاب كبير وليس ابن ثلاث سنوات، تمنت لو يكن جريء لا يخاف، قوي لا يضعف فلم تتوانى في تربيته ويوسف كان يساعدها بحب
أرادت أن تبتعد به كي لا يعرف به الآن ولو أنها تعلم أنه سيعرف الأمر ليس بصعب عليه كأي شيء وهو لن يتركها وهي لن تظل على قوتها كثيرا ولكنها تعلم أن جاسر لو أراد أن يجدها مرة أخرى فسيفعل لأنه الآن عرفها وعرف طريقها ولم يعد من الصعب الوصول إليها 
****
"مرحبا جاسر بيه، أرسلت لحضرتك كل ما طلبته عن مدام جولي هل وصلك؟" 
أجاب وهو يخرج من المشفى "نعم هل من جديد؟" 
قال الرجل "هي الآن في طريقها إلى الشاليه بالساحل، العنوان مع البيانات التي أرسلتها لك" 
ضاقت عيونه وقال "تمام لقد انتهى دورك" 
رد الرجل " تمام يا فندم تحت أمرك" 
أغلق الهاتف وهو يحاول أن يجمع نفسه، لم ينظر إلى كل البيانات وإنما فقط عنوان الشاليه ولو فعل لعرف أن له ابن منها ولكنه لم يهتم خاصة وهو يتذكر كلمات حسام أمس فقد كانت كلماته مؤثرة إلى حد أنه لم يعد يعرف ماذا يفعل؟ هل من الممكن أن يعترف أنه اخطأ؟ ولم لا أنها جي، جي، الحب الوحيد بحياته فهل يتركها تضيع هكذا؟ هل كان يظن أنها ستجري عليه بمجرد أن تراه وتطلب منه الغفران؟ لا، هي لن تفعل لأن جرحها أكبر من أن تتركه دون علاج وهو كما قال حسام علاجها 
نعم لن يتركها إنها له، منذ أن عرفها وهو قرر ان تكون له حارب الجميع من أجل ذلك وقد كانت له إلى أن تخلى عنها كما قالت وسط الطريق لذا عليه هو أن يعيدها ولكن هل سترضخ له وتسامحه؟ هل ما زال حبه بقلبها؟ هذا هو السؤال؟؟ 
انطلق بها السائق إلى الساحل ومعها أحمد الصغير ومربيته، كان الشاليه على البحر مباشرة ورغم خوفها من البحر إلا أنها تغلبت على خوفها أيضا يوم أن اشترت الشاليه وسارت إلى المياه ووقفت أمامها ثم تحركت حتى وضعت أقدامها فيها ربما تتحدى مخاوفها 
أمضوا اليوم على الشاطئ يلعبون بالرمال ونزلت المربية بأحمد البحر ثم عادت إلى الشاليه، في المساء اطمأنت على أن أحمد نام ثم أنهت أعمالها على اللاب واتصالاتها وقررت أن تخرج إلى الشاطئ ربما تجد مع الليل سكينتها 
كلمات يوسف ما زالت تتردد بذهنها، هو يحبك، هل بالفعل ما زال يحبها؟ هي أيضا  تحبه وتريده نعم، ولكن الألم والجرح القديم يمنعها من الاعتراف بذلك
سارت إلى أن وقفت أمام البحر وتذكرت عندما كانت معه في شرم الشيخ، أغمضت عيونها وهي تتذكر قربه منها وسعادتها وهي بين يديه ...
"كانت أجمل لحظة بحياتي" 
كان صوته هو ما سمعته، فتحت عيونها ونظرت تجاه الصوت ورأته، نعم هو اقترب وقال "ما زلت أذكر فقد كانت أول مرة أدرك فيها حبي لك" 
كان قد وصل لها فابتعدت ولكنه أمسك يدها ليوقفها وقال "جي، أنا أحبك" 
أغمضت عيونها ولم تنظر إليه ولكنه جذبها برفق لتصبح أمامه ولكنها ظلت لا ترفع عيونها له فهمس كهمس الرياح "لم أعد أتحمل بعادك" 
رفعت عيونها إليه وقد امتلأت بالدموع وكانت عيونه هي العيون التي أحبتها، نفس الحنان، نفس الحب، قربها وقال وهو يرفع يداها لوجهها ويمسح دموعها "كفاكِ عنادا، ارجوك جي كفاكِ قسوة فلم أعتاد عليها منكِ" 
قالت وهي تبعد وجهها عنه وعن يداه "تعلمتها منك" 
أعادها أمامه وقال "هي غيرة وليست قسوة، تعلمين أني لا أملك أن أقسو على نفسي وأنتِ نفسي جي" 
عيونها استقرت عليه أخيرا وقالت "جرحتني وأنا نفسك، أهنتني وأنا أيضا نفسك" 
زاد قربه وقد رأى لين صوتها فتحرك الأمل لقلبه وقال "عشت معكِ ألم الجراح وشعرت بنفس الإهانة، لحظة جنون فقدت فيها كل شيء سلمت نفسي لندى والشيطان وندمت أقسم أنها ليست أعذار وإنما ندم حقيقي نابع من ألم بع ادك عني" 
تأملته بدهشة وتساؤل، هل هذا جاسر الذي تعرفه؟ هل يتنازل هكذا؟ أخفضت وجهها فهمس "أنا آسف" 
عادت ورفعت وجهها إليه فابتسم وقال "نعم أنا اخطأت وظلمتك ودمرت كل شيء في لحظة جنون ولكن كما قلت ندمت، جي أنا أحبك بل مجنون بحبك ولم أعد أستطيع أن أتحمل بعادك ولا أن أعود للحياة دون وجودك، أرجوك جي اغفري لي وسامحيني" 
زادت الدموع بعيونها وعاد القلب يدق بحبه وينبض بغرامه، تلك الكلمات أوقفت كل شيء فلم تعد تريد بعاده ولم تعد تريد للغضب أن يعود وإنما تريده فهي أيضا تحبه 
لامست يده وجهها فأغمضت عيونها، لقد اعتذر، تنازل وأدرك خطأه فلم تملك إلا أن تستجيب لذراعيه التي جذبتها لأحضانه وهو يجذبها بقوة، أحاطته بذراعيها كما أحاطها وهمس "اشتقت لك حبيبتي واشتقت إليك" 
أبعدها لينظر بعيونها وقال "اشتقت لعيونك، صوتك، ابتسامتك، كل ما بكِ سامحيني جي " 
هزت رأسها بالإيجاب وقلبها لا يتمالك نفسه من السعادة وقالت من بين دموعها "لا أملك إلا أن أفعل" 
ابتسم ومسح دموعها وقال "خشيت أن يموت حبي بقلبك" 
نفت وهي تهز رأسها وقالت "وقتها سيكون قلبي قد مات، فحبك هو الذي يبقيني على قيد الحياة، كان عليك أن تدرك أنني عندما أحببتك سلمتك قلبي وعقلي وروحي، أنت أيضا بدمي جاسر لم أملك أن أبدل دمي" 
جذبها إليه مرة أخرى وكان من السهل عليه أن يقول مرة أخرى "آسف حبيبتي، آسف على كل شيء ونادم على ما ضاع منا، أرجوك لا تتركيني مرة أخرى فقد كنت ضائع بدونك ولن أتحمل بعادك مرة أخرى حبيبتي" 
أبعدها وأحاط وجهها بيده وهو يتأمل ملامحها التي اشتاق لها حتى ثبتت نظراته على شفتيها وبلا تفكير أخذهم بفمه في قلبة شوق طويلة كلا منهما كان في احتياج إليها والمشاعر تفيض بينهم ودقات القلوب موسيقى تزف عودتهم بسعادة أخيرا بعد كل الأنين الذي عانى منه كلاهم
فجأة  تذكرت أحمد فابتعدت وأنفاسها تلهث وعيونها زائغة فنظر إليها بدهشة وقال "ماذا حدث؟ ماذا بكِ؟" 
ابتعدت والخوف يعود آليها ولا تعرف كيف تخبره ولكنها قالت "هناك شيء أخفيته عنك و.." 
أعادها أمامه وقال "أي شيء لا يهم طالما لن يبعدك عني" 
حدقت بعيونه بشك وقالت "بل هو يقربني منك أكثر" 
ضاقت عيونه وقال "تتحدثين بغموض جي" 
ابتعدت وقالت "لقد كذبت عليك" 
اتجه إليها ووقف أمامها وقد دخل الشك قلبه ولكن لا، لن يعود لجاسر الذي يخسر كل شيء بتهوره فقال بهدوء "هل تتحدثي؟ أنا لا أملك صبرا كثيرا وأنتِ تعلمين ذلك" 
ظلت تنظر اليه حتى استجمعت شجاعتها وقالت "أنا، أنا لم أفقد حملي كما أخبرتك" 
دقات قلبه تعلن عن أمل لاح في الأفق، أمسكها من ذراعيها ونظراته تعني الرجاء بما قالت وقال "ماذا تعنين؟ أنتِ قلتِ.." 
قالت تقاطعه "كنت غاضبة منك وأردت أن أجرحك مثلما جرحتني" 
لم يتركها ولم تتبدل ملامحه وقال "أنا لي طفل جي؟" 
عادت الدموع لعيونها وهي تهز رأسها، هزها برفق وقال بلا تصديق "حقا أم تتلاعبين بي، جي أجيبي، من فضلك أخبريني هل أنا لي طفل ولم يموت بسببي؟" 
قالت من بين الدموع "بعدما ضربتني كدت أجهض، ذهبت للمشفى وهناك أنقذني دكتور وائل وظللت بالمشفى عدة أيام حتى اطمئن عليّ الطبيب وثبت حملي" 
تركها وابتعد وهو يمرر يده بشعره ولم يصدق نفسه، ماذا يفعل ما هي مشاعره؟ لا يعرف، اقتربت منه وقالت بخوف "أنا آسفة ولكن أنت والده ولن أستطيع إخفاء الأمر أكثر من ذلك" 
لا يمكن للغضب ان يحل محل ذلك الشعور الذي ملاء قلبه الآن، كم تمنى أن يكون أب وأن يكون له ولد منها، كم حلم بالأسرة والاستقرار وهي بعيدة عنه والآن ها هي تحقق حلمه 
نظر إليها وقال "ولد؟ هو ولد؟" 
هزت رأسها بالإيجاب وقالت "أحمد اسمه أحمد حمدا لله على أنه نجا" 
لحظة مرت كالدهر ولم يملك إلا أن يمسكها من ذراعيها ويقول "أين هو؟ أريد أن أراه" 
مسحت دموعها فقد تأكدت أنه لم يعد جاسر الذي لا يهمه سوى كبرياؤه وإنما هو شخص آخر تمنته وأحبته، ابتسمت وقالت "وهو أيضا يريد رؤيتك" 
وامسكت يده وجذبته إلى داخل الشاليه وهي تقول "تعالى" 
تقدم معها ومع كل خطوة كانت دقات قلبه تزداد، هل أصبح أب وله ابن؟ هل سيعيش مثل باقي الناس؟ ستعود إليه أسرته سيصبح الحلم حقيقة؟ 
وقف أمام باب غرفته وهي تقف أمام فراش أحمد، شعر أن قدمه لا تحمله حتى استجمع قواه وتحرك ببطء إلى الطفل الجميل الراقد على الفراش وترقرقت الدموع بعيونه 
ركع على الأرض بجانبه ومرر يده على شعر الطفل النائم، فتح أحمد عيونه الاي تشبه عيون والده الذي ينظر له الآن بدموع، هب الطفل فجأة وقال "دادي، أنت دادي أليس كذلك؟ أنت تشبه الصور" 
سالت دموعه بلا اهتمام منه، لا مجال لأن يخفي مشاعره كما اعتاد أنه ابنه، جزء منه نما وكبر بعيدا عنه والآن هو أمامه، هز رأسه وقال "نعم هو أنا، والدك" 
اندفع الطفل لأحضانه بقوة فاجأته وأوشكت -ن توقعه ووجد نفسه يحيطه بذراعيه ويغمض عيونه وزادت أنفاسه وزادت دموعها وهو يشد على طفله ويستنشق عطره الجميل وأنفاسه الدافئة بسعادة حتى ابتعد الطفل وقال 
"مامي قالت أنك ستأتي من أجلي، لم أكن أصدقها ولكن الآن صدقتها، آسف مامي أنا أحبك جدا" 
ابتسمت له بحب من بين دموعها وهو نظر إليها ثم نهض وهو يحمل الطفل وقال "وماذا قالت مامي أيضا عني؟" 
قال ببراءة "قالت أنها تحبك جدا وتتمنى أن تراك، مثلي تماما" 
ظل ينظر إليها فأخفضت عيونها فقال "تعلم أني أيضا أحب مامي جدا وأحبك أنت أيضا وآسف لأني بعدت عنك وعن مامي ولكن أعدك لا أتركم مرة أخرى أبدا" 
ابتسم الطفل وقال "حسنا هل ستنام بجانبي؟"
عاد إليها بعيونه وقال "وأترك مامي تنام وحدها" 
قال الطفل بنفس البراءة "ليست وحدها كل يوم تأخذ صورتك بحضنها وتنام" 
تورد وجهها وشعرت بالحرارة ترتفع في كل جسدها فها هو ابنها يفشي كل أسرارها أمامه، ظل ينظر إليها وقال "هكذا إذن وأنت لا تحب صوري؟" 
رد أحمد "بلى، غرفتي بالبيت مليئة بصورك، مامي وضعتها بكل مكان" 
كم كان غبيا عندما تركها ولم يدرك حبها، كم حرم نفسه من السعادة ولم يرى كم ظلم نفسه وظلمها، قبل ابنه بحنان وقال "الآن أنا أصبحت معك ولن تحتاج إلى الصور مرة أخرى" 
مسحت دموعها وقالت "أحمد حبيبي هيا لتنام لقد تأخر الوقت" 
تذمر الطفل وقال "أريد دادي، من فضلك تعالى نام معي" 
وضع قبلة على وجنته بحنان وقال "حاضر حبيبي" 
ابتسمت وهي تراه يضعه في الفراش ويرقد بجانبه، أطفأت النور وتركته معه واتجهت لغرفتها، كانت سعيدة وتشعر بالراحة، رن هاتفها وكان يوسف، لم تعرف ماذا تفعل حتى سمعت صوته يقول "ألن تردي؟" 
التفتت إليه وقالت بصدق "إنه يوسف" 
اقترب منها ونظر بعيونها مباشرة وقال "لم اسالك" 
لم يعد للشك مكان بقلبه، ليس بعد كل ما أدركه ورآه وربما تعلمه من أنين قلبه في سنوات الفراق
 ردت "أهلا يوسف" 
ظل واقفا أمامها وهي تسمع يوسف "كيف حالكم وأنتم وحدكم؟ تفتقدوني؟" 
العيون كانت ثابتة وهو يتابعها ثم زاد قربه منها فارتبكت وقالت "لسنا وحدنا، جاسر هنا معنا"
طال الصمت وشعرت بيد جاسر تفك طرحتها ثم أزال مشبك شعرها ليتساقط كما يحبه، سمعت يوسف يقول "أنتِ بخير؟" 
قالت بضعف من لمساته "نعم، لقد عدنا" 
صمت مرة اخرى وشعرت بيد جاسر تتسرب بين خصلات شعرها وهو يقف خلفها قال يوسف "هذا هو الصواب إلى اللقاء" 
سمع جاسر هذه الجملة ليتأكد من أن زوجته له هو وأن يوسف كما قالت مجرد شريك فقط حتى ولو كانت عيونه تنطق بغير ذلك ولكن بالنسبة لها مجرد شريك....
لم يعد يريد أن يفكر في أي شيء سوى أنها معه، بين ذراعيه فجذبها إليه وأخذت شفتاه تتحرك على عنقها وهو يهمس "اشتقت لك" 
أغمضت عيونها وسقط الهاتف من يدها وهي تنهار أمام لمساته التي كانت تفتقدها، أدارها أمامه فنظرت إليه وعادت أنفاسه تخترق بشرتها وقال "أنا لا أصدق أنك معي أخيرا حبيبتي، لقد تعبت كثيرا في بعادك جي" 
لم تشعر وهي تحيطه بذراعيها وهمست "أنا أيضا تعبت كثيرا ببعادك جاسر، لا تتركني مرة أخرى، لا معنى للحياة بدونك" 
قبل وجنتيها برقة وداعب أزرار بلوزتها ثم قبض على شفتيها بقبلة طويلة وكأنما يستعيد كلا منهما الماضي السعيد ويطردون الذكريات السيئة وأخيرا ترك شفتيها وهمس "أعشق قبلتك تعيدني للحياة" 
أخفت وجهها في صدره فحملها وانطلق ليشبع عطش شوقه ليعتذر بحبه وحنانه عن اخطاؤه وليتأكد أنه أعادها لقلبه ولن تتركه مرة أخرى أبدا
تعليقات