
رواية أنين القلوب الفصل السابع7 بقلم داليا السيد
عيد الميلاد
تمنت لو رحلت من البيت فورا فما الذي يجعلها تتحمل طريقته معها وكلماته المهينة كل وقت؟ لاحظ كاظم شرودها وهما جالسين بالحديقة فقال "ماذا بك؟ منذ الأمس وأنت لست بخير"
أبعدت عيونها عنه وقالت "لا شيء، أنا بخير"
ولكن الرجل أمسك يدها وقال "تعلمين أني أعتبرك مثل لي لي أليس كذلك؟"
هزت رأسها وهي لا تفهم سبب سؤاله فأكمل "إذن من المفترض ألا تخفي عن والدك شيء"
ظلت تنظر إليه وقالت "أريد أن أعود بيتي، لم أعد أستطيع البقاء هنا"
تمنت لو تكمل لم أعد أتحمل الإهانات ولكنها لم تفعل
لم يترك يدها وقال "لماذا؟ من الذي ضايقك هنا إلى الحد الذي يجعلك تتركيني؟"
لم تنظر له وقالت "لا أحد ولكن أنا.."
لم تمنع دموعها التي منعت كلماتها فربت علر يدها وقال "أنا أعلم أن لي لي تحبك ولن تضايقك ولا أنا إذن هو جاسر أليس كذلك؟"
أخفضت عيونها فقال "لا تحزني يا ابنتي، جاسر اعتاد على هذه الطريقة فهو لا يبالي بأحزان أحد خارج العائلة ولا حتى أفراحه، هو أصلا لا يظهر ما بداخله لأحد؛ أحيانا لا أفهمه ورغم ذلك هو لا يتحمل غضبي أو غضب أخته فلا تغضبي منه وامنحيه عذره، هو اعتاد على تلك الحياة ومع ذلك أنا أتمنى أن يأتي يوم ويتغير ويجد الحب الذي يشعره بلذة الحياة"
نظرت إليه وقالت "ولكن هو خاطب وبالتأكيد يحبها و"
قاطعها الرجل بضيق "خاطب نعم ولكن حب لا، خطبها من أجل العمل فقط.."
ثم نظر إليها وقال "أنا أريده أن يتذوق الحب، الحنان والسعادة بعيدا عن المصالح، هل تفهمين؟"
هزت رأسها نفيا فابتسم وقال "لا يهم المهم ألا أرى ذلك الحزن بعيونك مرة أخرى، لن يسامحني صبري أبدا، تعالي يا ابنتي، تعالي"
احتضنها الرجل بحنان ولم يلاحظ أن جاسر كان يتابعهم من بعيد وتلاعبت الأفكار برأسه هل يمكن أن تفكر هذه الفتاة بهذه الطريقة؟ ولم لا ربما، ولكنه لن يتركها أبدا، لن تفعل وهو لن يسكت..
استعد المنزل كله لعيد الميلاد حتي كاظم ساعدته هي على ارتداء تلك البدلة الجديدة التي انتقوها له وما أن انتهى حتى نظر لها وقال "هيا اذهبي واستعدي أنت، أنا انتهيت"
قالت بعد تفكير "لا تهتم بأمري فأنا لن أحضر"
تجهم وجهه وارتفع الغضب له وقال "ماذا؟ بالطبع ستحضرين لي لي لن تقبل بذلك ولا أنا، هل ستتركينها في مثل هذا اليوم وحدها؟ هيا اذهبي واستعدي ودعي هذا الحديث الفارغ جانبا"
لم تستطيع أن تفكر أو ترد حيث دق الباب ودخل جاسر الذي بدا جذابا جدا في بدلته الكحلي وقميصه الأبيض ووضع ربطة العنق حول رقبته دون أن يربطها، نظر لها ثم إلى والده وقال "أراك قد انتهيت يا باشا"
ابتسم له كاظم وقال "نعم، لكني أراك لم تنتهي، المدعوين قاربوا على الوصول"
نظر إليها بنظرات قاتمة فأبعدت عيونها وقالت "اسمحوا لي"
تحركت خرجة لحجرتها وما أن دخلت حتى رأت الفستان الملقى على الفراش وأسئلة عديدة تضرب رأسها، هل لابد أن ترتديه وتنزل الاحتفال؟ هل سيكون وجودها مهم حقا؟ أين هي من هؤلاء الناس أصلا؟ كيف ستبدو بينهم؟
جلست على طرف الفراش بلا إجابات حتى رأت لي لي تدخل، رفعت عيونها لها فبدت جميلة حقا، أسرعت إليها وقالت "ها جي، ما رأيك؟ جميلة أنا أليس كذلك؟ هل أضع هذا العقد أم ذلك؟ وطلاء الشفاه هذا أم ذاك؟"
ابتسمت جي لها وقالت "اهدئي وتعالي اجلسي وأنا سأرى الميك اب، أنت متهورة"
جلست ليلي بالفعل أمام المرآة وهي تقول بلهفة "نعم هيا بسرعة، ماذا عنك جي!؟ أنت لم تستعدي بعد لن أنزل بدونك" هزت رأسها في صمت وقد حسمت لي لي الأمر
"جميلة أنا يا جي، يداكِ رائعة في الميك اب وتسريحة الشعر شكرا لكِ، هيا اجهزي أنتِ وأنا سأضع عطري وأعود إليكِ"
وتركتها دون انتظار الرد وأسرعت خارجة وهي ارتدت فستانها ولفت طرحتها بشكل راته علي الميديا ووضعت ميك اب خفيف وما أن انتهت حتى دخلت لي لي ووقفت أمامها وهي تتأملها ثم هتفت
"يا الله! ما هذا الجمال جي؟ أين كنتِ تخفين كل ذلك؟"
تورد وجهها وقالت وهي تشعر بتوتر من مظهرها الذي لم تعتاد عليه "لي لي لا تبالغين"
توقف ليل لي بجوارها وابتسمت وقالت "أبالغ! إذن تعالي ننزل وستعرفين ما إذا كنت أبالغ أم لا" ترددت والخوف يزعج قلبها ولكن لي لي جذبتها..
"أهلا سيادة الرائد كيف حالك؟"
حيا حسام جاسر وقال "شكرا لدعوتك جاسر بيه وشكرا على الرجال الذين أرسلتهم لي"
غمز لجاسر الذي قال "أنت ضابط جيد وأنا أتمنى لك مستقبل أفضل"
سمع صوت آخر يقترب منهم ويقول "مساء الخير، كل عام وحضرتك بخير أستاذ جاسر"
كان دكتور وائل الذي دعاه كاظم، رحب به جاسر وقال "أهلا دكتور، تفضل"
قدم الرجلين لبعضهم واندمجوا بالحديث إلى أن توقف حسام عن الحديث وتعلقت عيونه بالسلم فانتبه وائل أيضا دون أن يبعد عيونه فاضطر هو لأن ينظر
ما أن ثبتت نظراتها عليها حتى انجذب إلى تلك العيون وتساءل بدهشة؛ هل هذه هي نفس الفتاه الفقيرة التي عرفها بذلك الزي الأسود الذي لا تخلعه عنها؟ بالطبع لا وإلا من أين أتى هذا الجمال الذي كان يختفي خلف الفستان الأسود الذي لا ملامح له؟ لقد اختلفت تمام عن تلك الممرضة التي عرفها
كم بدت جميلة ورقيقة وأدرك حقا أن أخته كانت على حق عندما أخبرته أن تلك الممرضة تملك ذوق رفيع فكل ما بها رقيق وأنيق وبسيط، لا تغالي في أي شيء ومع ذلك جميلة تجذب عيونه بشكل لم يعرفه من قبل
اتجهت لي لي إلى والدها وهي معها وانتبه لنفسه ونظراته عندما سمع صوت ندى "جاسر!؟ جاسر أنا أتحدث إليك"
التفت لها، سقطت عيونه عليها، بالطبع كانت تبالغ في كل شيء؛ ملابسها، عطرها، شعرها، الميك اب كل شيء وبدون قصد وجد نفسه يقارن بين المرأتين ولكن أي مقارنه؟ لا مجال لأن يفعل وكأنه يقارن بين الشمال والجنوب، الأبيض والأسود
حاول أن يبتسم لندى وهو يرحب بها ولاحظ أن حسام ووائل انضموا إلى لي لي وجي مع والده فعاد لندى وقال "أهلا ندى"
حاولت أن تكتشف سبب شروده وقالت "ماذا بك؟ لا تبدو بخير"
ثبت نظراته على خطيبته وقال محاولا استعادة ثباته "لماذا؟"
قالت "عيونك زائغة وكأنك تبحث عن شيء أو أحد"
هز رأسه بالنفي وقال "لا ليس هناك شيء أو أحد لأبحث عنه"
ظلت تحدق به ثم قالت "حسنا، دادي يعتذر عن الحضور عنده عمل كثير"
عاد وهز رأسه بتفهم وعيونه تعود للجميلة التي جذبت الأنظار لها وهي تبتسم لوائل وتبادله الحديث ثم قال "تمام، أنا أعلم أنه مشغول"
بدأت الموسيقى تعلو فقالت "رائع ما رأيك لو نرقص"
****
"لم أعرفك حقا! تبدين مختلفة"
نظرت جي للدكتور بخجل وقالت "لماذا؟"
قال بإعجاب "تبدين جميلة"
ضحكت لتخفي خجلها فقال "بصراحة الملابس السوداء تلقي عليكِ ظلال من الأحزان تطفئ بريق تلك العيون فلا يظهر منهما إلا الحزن"
رحلت ابتسامتها وقالت "حضرتك تبالغ يا دكتور"
كان يتجول داخل عيونها وهو يقول "وائل، لا مجال للألقاب بيننا جي أنا سعيد لأنني أخيرا أستطيع أن أقف معكِ هكذا ونتحدث سويا"
نظرت إليه بلا فهم وقالت "نتحدث!؟ نتحدث بماذا؟"
بدأت الموسيقى الصاخبة ووصل باقي زملاء لي لي فأخذوها هي ولى لى وانطلقوا إلى الرقص وهي معهم ولكن دون أن ترقص مثلهم، ليس لديها الجرأة ولا الرغبة لتفعل ولم تعرف أنه كان يتابعها
انتهى الرقص والتف الجميع حول كعكة عيد الميلاد وأطفأت لي لي الشموع والتفت هي لأخيها الذي قال "كل عام وأنت بخير حبيبتي، هديتك"
رفع يده فتدلى مفتاح من ميدالية ذهبية فصرخت بسعادة وقالت "السيارة! لا أنا لا أصدق"
قبضت على المفتاح ثم احتضنته بقوة وقبلته وقالت "حبيبي يا أحلي أخ بالعالم"
ابتسم بينما قال كاظم "لم يترك لي شيء غير ذلك"
نظرت إليه فكان عقد ماسي بعلبة كبيرة لم تهتم به وهي تمسك بعلبة الهاتف، ايفون أحدث ما نزل، صرخت مرة أخرى ولكنه أكمل "وأربع أيام لنا جميعا بشرم ما رأيك؟"
احتضنت والدها وقالت "دادي حبيبي لا أصدق؛ إنه الهاتف الذي أردته تماما، لم ينزل مصر بعد"
هز رأسه وقال "أعلم، المهم أن تكوني سعيدة"
احتضنته مرة أخرى وقالت "جدا دادي، حفظك الله لي أنت وجاسر"
كانت جي تتابعهم بسعادة لأجل صديقتها الوحيدة حتى انتهوا فتراجعت وهي تفكر، من هؤلاء الناس وما مدي غناهم؟
خرجت للحديقة ربما تجد بعض الهدوء مع نفسها ولكن وائل تبعها وسمعته يقول "جي إلى أين؟"
نظرت إليه بحيرة لمتابعته لها وقالت "ليس لأي مكان أنا هنا"
حدق بعيونها وبدا وكأنه متردد بالحديث حتى قال "كنت أريد أن أسألك سؤال شخصي"
قالت ببراءة "ولم لا، تفضل"
تردد قليلا ثم قال "هل، هل أنت ِ مرتبطة؟ أقصد رجل أو.."
تفاجأت من السؤال وابتعدت لتخفي ملامحها وقالت "دكتور وائل من فضلك أنا لا أسمح لك بمثل هذا التدخل"
تبعها وقال برجاء "جي من فضلك لا تفهمي سؤالي خطأ، أنا فقط أردت أن أعرف هل هناك أحد بحياتك أم؟"
لم ترد، اتجه إليها وأمسكها من ذراعها ليعيدها إليه وقال "بصراحة جي أنا معجب بكِ و.."
وقبل أن يكمل كان صوت جاسر يقطع كلماته وهو يقول بغضب "هل يمكن أن أفهم ما الذي يحدث هنا؟" التفتت له ونظراته على ذراعها فانتبهت إلى أن ذراعها ما زالت بيد وائل فسحبتها بينما قال وائل
"لا شيء يحدث أستاذ جاسر، أنا كنت أتحدث مع جي"
ضاقت عيونه وقال وهو يرمقها بنظرات لم تفهمها "جي!؟ هكذا بدون ألقاب؟ هل أصبحت علاقتكم وطيدة لهذا الحد؟"
شعرت بالارتباك والغضب بآن واحد من كلماته وقالت "جاسر بيه ليس بيني وبين الدكتور أي علاقة، ليس أكثر من دكتور يتابع مريضه وأنا الممرضة الخاصة به"
نظر إليها وائل بقوة واستنكار ولكن جاسر قال "وهل هنا مكان ممارسة المهنة أم ماذا؟ اسمع يا دكتور نحن نرحب بكل ضيوفنا طالما التزموا بحدود اللياقة والأخلاق لكن أي تجاوز فهو غير مسموح به هنا"
كادت ترد على معنى كلماته لولا أن قال وائل "أنا لا أقبل هذا التلميح جاسر بيه، أنا هنا لمعرفة رأيها بأمر شخصي يهمها هي فقط ولم أفكر في أمر منافي للأخلاق"
ظل جاسر يرمقه بنظراته بقوة وقال "طالما هي ببيتي فلا شيء يخصها دون أن أعرفه ولا يمكنك أن تتجاوزني أو تتجاهل وجودي"
خرجت من صمتها وقالت "ولكن.."
قاطعها بإشارة من إصبعه لتصمت فتراجعت فقال وائل "إذن أنا ريد أن أطلب يدها"
اتسعت عيونها بينما لم يبدي جاسر أي رد فعل لحظات قبل أن يقول "حسنا أعتقد أن لتلك الأمور أصول ولكن على العموم نحن سنفكر ونرد عليك"
نظر وائل إليها ولكنها أخفضت عيونها فقال "ليس هناك أي مجال للتفكير، هي هنا أسألها و.."
ولكن جاسر لم يتحرك وهو يقاطعه بحزم "أنا أخبرتك أننا سنفكر وسنرد عليك أليس كذلك يا جي؟"
كادت ترد وتخبره أنها حرة في حياتها ولا دخل له بها ولكن لا تعلم لماذا تلجم لسانها ولم ترد تأملها وائل ثم عاد ونظر لجاسر قبل أن يبتعد..
التف إليها وتحرك حتى وقف أمامها فرفعت وجهها له وقالت "ليس من حقك أن تفعل ذلك"
قال بهدوء "كنتِ امنعيني"
قالت "لم يكن من الأدب أن أحرجك أمامه، أنا ببيتك وأنت ولي نعمتي"
ابتسم وقال بانتصار "تذاكرين جيدا"
شعرت بالغيظ منه فقالت "ولكن لابد أن تعلم أنها حياتي وأنا حرة ولا يملك أحد التصرف فيها"
وتحركت من أمامه لتذهب ولكنه أمسكها من ذراعها وأعادها أمامه لتجد نفسها قريبة منه وعيونها تنظر لعيونه بتحدي، بشرتها الناعمة تعكس ضوء النجوم، فمها المرسوم يدل على الغضب
لكنه لم يهتم بغضبها وقال "إياكِ أن تتركيني مرة أخرى دون أن أمنحك الإذن هل تفهمين؟"
ارتجف جسدها من لمسته وربما من قربه، رائحة عطره أسكرتها، عيونه الغاضبة أصابت قلبها فانكمش، أنفاسه الدافئة شلت عقلها، أوقفته عن التفكير، سمعته يقول
"هل سمعتِ كلماتي؟ ووقوف مع أحد وحدك مرة أخرى لن أسمح به، أنت ِ هنا ببيت محترم ولا يجوز أن نرى به تلك المسخرة"
لم تشعر بنفسها وهي تصفعه على وجهه وقد استفزها بكلماته وتحكمه وسخريته فلم تقاوم رغبتها بصفعه وهي تقول بغضب "كفى، أنا لا أسمح لك بذلك، أنا أشرف منك"
وجذبت ذراعها من قبضته وانطلقت إلى الداخل وصعدت لغرفتها وقد تابعها كاظم بعيونه..
تابعها وهو في ذهول مما فعلت، لم يجرؤ أحد على فعل ذلك معه من قبل فكيف تجرأت على ذلك؟ لابد أن يحاسبها ويجعلها تندم، لكن قبل أن يتحرك وجد ندى أمامه وهي تقول "إنها لفتاة جريئة لتفعل بجاسر المنياوي ذلك"
حدق بها بلا أي تعبير على وجهه فأكملت "ترى ماذا فعلت معها أو طلبت منها لتفعل بك ذلك؟"
تراجع مما يمكن أن تكون قد فهمت وقال "هل أنت مجنونة؟ انا لم أفعل أو أطلب منها شيء أنا كنت أوقفها عند حدودها"
وابتعد من أمامها فضحكت وقالت "جاسر يا حبيبي أنا امرأة وامرأة بالغة عاقلة وما حدث يمكن لأي طفل أن يفهمه"
هتف بغضب "ندى هذا ليس وقت إبداء الذكاء، أخبرتك أن الأمر ليس كما فهمتِ أيا كان ما فهمتِ، أنا لن أنظر لممرضة"
اتجهت إليه ووقفت أمامه محاولة النظر بعيونه الزائغة وقالت "ولكن نظراتك تقول غير ذلك جاسر وأنا رأيت نظرتك إليها و.."
قاطعها بغضب "أخبرتك أنك مجنونة، كل ما في الأمر أنني لم أكن راضي عن تصرفاتها مع ذلك الدكتور فأحببت أن يعرفوا أنهم بمنزل محترم لا يجوز فيه ما يفعلون"
سألته "وماذا كانوا يفعلون؟ شيء آخر غير الحديث"
حدق بعيونها ثم قال "كان يختلي بها هنا ويمسك بذراعها وهو ما لن أسمح به"
أخفضت رأسها وقالت "رغم أنها حياتها وهي خاصة بها إلا أني سأقبل بما قلت لأنك بالطبع صاحب البيت ورب عملها وسأصدق أن الأمر لا يتخطى ذلك، ولكن صدقني لن أقبل بأكثر منه جاسر أنا ذقت الخيانة مرة ولن أقبل بها مرة أخرى"
وتجه نظراتها بنظرات غاضبة أكثر وقال "ندى احذري في حديثك معي واعرفي مع من تتحدثين؛ أنا جاسر المنياوي ولست أحمد أحمى هل تفهمين؟"
أدركت غضبه الواضح فضحكت ورفعت ذراعيها حول عنقه وقالت "نعم حبيبي أفهم، فقط لا تغضب هكذا لا يليق عليك"
أنزل ذراعيها وقال "ربما لأنك لم تشاهدي غضبي من قبل فاحذري"
ثم تركها وذهب والغيظ والغضب يأكلها بينما هو يفكر بتلك الفتاة التي تجرأت عليه..
انتهت الحفلة بوقت متأخر وانطلقت لي لي إلى غرفة جي تبحث عنها، دخلت غرفتها وهي تهتف "جي أين كنت؟ أنا.."
توقفت عندما لاحظت عيونها الباكية فقالت "ماذا، ماذا حدث؟"
بالطبع لن تحكي لها أي شيء فقالت "لا أبدا لقد تذكرت بابا، تعالي احكي لي"
جلست بجوارها وقالت "هل رأيت ِ حسام الضابط؟ كان وسيما حقا وكلامه جميل"
وظلت تكمل وتحدثت عنه كثيرا إلى أن توقفت وهي تنظر إليها فقالت "ماذا!؟ لماذا تنظرين إلي هكذا؟"
أجابت "أنتِ معجبة به أليس كذلك؟"
شردت بنظراتها بعيدا ثم أجابت بصدق "لا أعلم جي، أنا كنت سعيدة بالحديث معه ولم أشعر بملل مثل باقي الشبان الآخرين ولكن لن أقول إعجاب، ما زلت بحاجة لأن أعرفه أكثر، ماذا عنكِ؟ وائل؟ عيونه كانت كلها إعجاب"
ارتبكت عندما تذكرت ما حدث وبالطبع فهمت لي لي فقالت ماذا حدث؟"
وقبل أن تحكي رن هاتف جي، انتفضت الفتاتان من صوته وقد كان اسم كاظم يظهر على الهاتف فنهضت وقالت "كاظم بيه يريدني"
أسرعت تخرج إلى غرفته وما أن دخلت حتى رأت جاسر يقف بعيدا وكاظم ما زال على كرسيه، نظر كاظم إليها وقال "تعالي وأغلقي الباب"
دقات قلبها كانت تخبر الجميع بخوفها، ترى ماذا قال عنها؟ ماذا سيفعل معها؟ هل ينصب لها محكمة للحساب؟
أغلقت الباب واستدارت فقال كاظم "عرفت أن وائل طلب يدك من جاسر"
كاظم لا يضع أي مقدمات، هزت رأسها بالموافقة فقال "وهل كان بينكم أي شيء من قبل؟"
أسرعت ترد "لا، بالتأكيد لا، حضرتك تعلم ذلك أنا لا أتركك طوال اليوم إذن متى وأين؟"
كان الرجل يعلم ولكنه كان يريد لابنه أن يسمع بنفسه فقال "أحب أن أعرف رأيك؟"
اخفضت عيونها وكادت ترد لولا أن اندفع هو يقول "بالطبع موافقة، أنا أعلم أن أمثالها يلقون شباكهم ولا يقبلون بها فارغة وهو دكتور ومناسب وهائم بها"
عادت الدموع إلى عيونها ولم تتحدث بل كاظم قال "جاسر، كف عن كلامك هذا، جي أريد رأيك الآن"
هي لا ترغب بأي رجال، لا وائل ولا سواه، نظرت للرجل بدموع لا تتوقف وقالت "لا، أنا لا أوافق"
تنهد العجوز براحة وابتعد جاسر وانسحب الغضب من داخله بطريقة أدهشته وقد صدمه ردها ولكن منحه راحة غريبة ولا يعلم لماذا
قال كاظم "جي الأمر يخصك بدون أي ضغوط هل تريديه؟"
هزت رأسها بالنفي وقالت "لا صدقني أنا لم أفكر به لحظة واحدة لا هو ولا سواه، ليس بحياتي أحد وحضرتك تعلم ذلك"
هز رأسه وقال "حسنا هيا اذهبي وجهزي الحقائب، سنرحل غدا عصراً"
مسحت دموعها وتحركت للخارج وتابعها هو بنظراته التي لاحظها كاظم فقال "هل تفسر لي تصرفاتك معها؟"
ابتعد وقال وهو نفسه لا يجد تفسير "بابا الموقف كان مثير للغضب؛ أن يقف معها وحدهم بالحديقة ويمسكها من ذراعها ويقربها منه بطريقة مثيرة للريبة بحيث أوشك أن يقبلها فهل من المفترض أن أسكت؟"
رفض كاظم أن يترك ظنونه تكبر فقال "كنت تمهل قليلا لترى رد فعلها قبل أن تتهمها دون ذنب"
هتفت بغضب يخفي ارتباكه من تصرفاته الغريبة "بابا أنت تعاملها بطريقة لا تناسب مركزنا" "
حافظ كاظم على هدوئه وهو يرد "أنا أعرف الصواب جيدا جاسر، أنت لن تعلمني ماذا أفعل"
شحب وجهه وأدرك نفسه فقال "آسف لم أقصد ولكن.."
أوقفه كاظم بقوة "اسمع يا جاسر لن يمكن أن تظل تعامل من هم خارج أسرتك بهذه الطريقة ثم إن جي أصبحت من أسرتنا و.."
قاطعه بحدة "بابا أنت تمنحها مكانة أكبر مما تستحق وأنا لا أفهم السبب"
أجاب كاظم بهدوء "أخبرتك أنها أصبحت من العائلة، أخبرني أنت لماذا أعطيتها أنت تلك المكانة عندما تعصبت عليها هي ووائل؟"
السؤال بمكانه الصواب ولكن بلا إجابة، ابتعد وقال "لأنه، لأنه حدث في بيتي وأنا لا أقبل بذلك بابا، ما سر ما تفعله معها؟ أنا لا أعرف"
أجاب كاظم "بلى أنت تعرف، والدها هو السبب، وحدتها هي السبب، براءتها، خوفي عليها من عالم الحيتان الذي يحيط بنا وهي لا تعرف كيف تواجهه، ليس كل النساء ند "
نظر إليه ولم يرد، ندى لا يمكن -ن تقارن بتلك الفتاة البريئة أبدا
قال كاظم "عليك أن تغير نظرتك إليها، أنها أنقى من كل من عرفتهم"
ظل ينظر لوالده حتى قال "ولماذا أفعل؟ إنها لا تخصني، هي الممرضة الخاصة بحضرتك تتعامل معك وليس معي لذا أنا لا أهتم"
ابتسم كاظم وهز رأسه وقال "حسنا أتمنى أن تتعامل معها من هذا المنطلق المرة القادمة"
حدق في والده وكأنه يشعر أن الرجل يخترق عيونه ويصل لعقله ويقرأ أفكاره المشتتة التي لا يفهمها، أبعد عيونه وتحرك إلى الباب ولكن كاظم قال "ستأتي معنا غدا أنا لن أذهب مع البنات وحدي"
لم يرد وخرج وأغلق الباب بقوة خلفه وتحرك حتى وقف أمام باب غرفتها وكاد يفتح الباب ويرد لها الصفعة ولكنه تراجع، لن يتصرف هكذا، هو ليس بمتهور وعليه الهدوء لذا تحرك مبتعدا إلى الخارج وهو يأخذ سيارته وانطلق بها ولم يدري أنها كانت تقف في النافذة تتابعه وهو يذهب بغضب وقد زادت دموعها من أنه يفكر بها هكذا وتتساءل تري لماذا؟