رواية أنين القلوب الفصل الثامن8بقلم داليا السيد


 رواية أنين القلوب الفصل الثامن8بقلم داليا السيد

رحلة
وصلت الطائرة في المساء وحملتهم السيارة التي كانت تنتظرهم إلى القرية وحصل الجميع على مفاتيح حجراتهم التي كانت تطل على حمام السباحة، ما أن وضعت حقيبتها حتى غيرت ملابسها بملابس خفيفة من شدة الحرارة 
كانت رقيقة وهي تطمن على مظهرها وما أن انتهت حتي اتجهت لكاظم حتى تطمن عليه ودخلت لي لي وبعدها جاسر الذي اختلف في ملابسه الصيفية بذلك السروال القصير الرياضي والتي شيرت الضيق ولأول مرة يبدو جسده الرياضي بتلك العضلات المرسومة خلفه
ابتسم والده وقال "لي زمن طويل لم أراك في زيك الرياضي" 
ضحكت لي لي وقالت "نعم وأنا أيضا، حقا إن جسدك الرياضي هذا رائع، محظوظة هي ندى" 
نظرت جي إليه وكذلك هو بلا اتفاق ثم أبعد الاثنان نظرهم بنفس الوقت وقال هو "ألن نتناول أي طعام؟ أنا جائع بابا هل تأتي معنا للمطعم؟" 
ابتسم الرجل وقال "لا اصحب أنت البنات ألى هناك واطلب لي العشاء هنا" 
أسرعت جي تقول "لا أنا سأبقى مع حضرتك" 
لكن كاظم قال بإصرار "لا، أنا سأتناول العشاء وسأنام، هيا اذهبي لا أريدك" 
لم تنظر اليه بينما جذبتها لي لي وقالت "هيا يا مجنونة نحن سنخرج مع جاسر هل تفهمين؟ جاسر المنياوي، هيا" 
وجذبتها للخارج وابتسم جاسر وكاظم وتحرك جاسر خلفهم.. 
لم تقبل لي لي بمطعم الفندق وطلبت جولة بالمدينة فلم يمانع، استأجر سيارة لتكون معه وتحركوا بها وقد كانت البلد صغيرة وتوقفوا أمام محلات الملابس فقالت لي لي "جي تلك الملابس ستكون مناسبة لكِ جدا هيا تعالي لنراها عليكِ" 
تفاجأت من كلمات لي لي وهزت رأسها بالنفي وقالت "لا" 
ولكن لي لي هتفت "جاسر قل لها أن تأتي معي، أليس رائعا؟ ثم أنتِ بحاجة لمايوه للبحر وملابس أخرى من أجل المكان هنا لن نقضيها بهذا الأسود" 
حاولت أن تعترض ولكن لم ترحمها لي لي ولم يتحدث هو، جربت ملابس كثيرة وكذلك لي لي وعند المايوه قالت "لا أنا لا أجيد السباحة لا أحب البحر" 
ولكن لي لي أصرت، حاولت أن تدفع ثمن أشيائها ولكن نظرته كانت كافية لأن تتراجع 
وأخيرا اختاروا مكان للعشاء وجلسوا لتناوله ولم تصمت لي لي إلى أن رن هاتفها فنظرت إلى جي ثم قالت "إنها رقية صديقتي، عن إذنكم" 
تابعتها وهي لا تصدقها لأنها تعلم أن ليس لها صديقة باسم رقية ولكن لن تتحدث أمامه، وصل الطعام فتناولوه في صمت إلى أن قال "لا تظني أن ما فعلتيه مر هكذا" 
نظرت إليه وعاد قلبها للحياة بعيدا عن تأثيره وقالت "لست نادمة" 
حدق بها وقد أثارته جرأتها فقال "أنت جريئة وستدفعين ثمن ذلك غاليا" 
قالت بعناد "تهديد هذا أم ماذا؟" 
أجاب بقوة "نعم حتي تتعلمين كيف تتعاملين مع جاسر المنياوي" 
لم تتراجع وقالت بتحدي "أنا لا أخاف من التهديدات وحضرتك جربتني من قبل خاصة لو كنت على حق وقتها لا يهمني شيء أي شيء" 
ظلت نظراته ثابتة عليها، عيونه قاتمة ولم تكن مفهومة كما أن عيونها لم تفصح عن شيء، قال "ماذا تحاولين أن تثبتِ بتصرفاتك هذه؟" 
قالت بصدق "ولا أي شيء، أنا أرد على مواقف وجدت نفسي فيها دون اختيار" 
لم ينظر إليها وقال "أي مواقف؟ هل ظننتِ أنك ِ من العائلة حقا؟ أنتِ مجرد ممرضة فلم تتجاوزين حدودك؟" 
اختنقت الكلمات بحنجرتها ونظرت إليه ثم قالت "وأنت لماذا تتعمد جرحي وإهانتي؟" 
انتبه لنبرتها فنظر لها ورأى تلك الدموع بعيونها، لا يعلم لماذا شعر بالضيق ولكن لم يعرف هل منها أم من نفسه؟ كادت تنهض لولا أن أمسك يدها وقال "اجلسي، أنا لم أقصد إهانتك" 
سقطت دمعتها رغما عنها فمسحتها وهي تنظر إليه بلا رغبة بالبقاء، أبعدت يدها عن يده ولانت نبرته وقال مرة أخرى "اجلسي" 
جلست فقال "كل ما في الأمر أن عنادك معي يثير غضبي فلم لا تتوقفين" 
قالت بصدق "أنا لا أفعل، أنا فقط أدافع عن نفسي، حضرتك منذ رأيتني وأنت تهاجمني بدون أي أسباب وبالطبع لا يمكنني الصمت، ربما أندفع أو لا أعلم، ربما تجاوزت حدودي" 
تجول على ملامحها وكذلك هي فقال "على العموم لقد انتهى الأمر ولا داعي للحديث به مرة أخرى" 
أخفضت عيونها وشعرت بقلبها يدق بقوة لا تعلم سببها ولكن رغم حزنها إلا ان أن طريقة حديثه المختلفة أعادت لها السكينة حتى عادت لي لي وتناولت الطعام معهم في صمت 
في الصباح زاروا دير سانت كاترين والجبل ورأت لي لي الجِمال فطلبت أن تصعد عليها فلم يمانع، ساعدها علي الركوب أما هي فحاولت أن تفعل وحدها وتابعها وهي تفشل فلاحظ الرجل يتجه إليها ليساعدها ولكنه اتجه إليهم وقال 
"اتركها أنت" 
التفتت إليه فواجها بعيونه وهو يمد يده لها ليساعدها، طالت النظرة إلى أن أعادتهم الأصوات من حولهم فأعطته يدها فساعدها حتى ركبت وركب هو الآخر وانطلق الرجل بهم في رحلة حول الجبل وصعد بهم الجبل قليلا ثم نزل وقد كانت سعيدة ولكن مع بعض الخوف لأنها اول مرة 
أما هو فقد كان مستمتع بعيدا عن العمل ونسى ما كان بينه وبينها خاصة بعد كلمات الأمس وتسللت الألفة بينهم والضحك والسمر، أعجبه حديثها، ضحكتها، التزامها  تدينها وكل شيء بها جعله يكتشف فيها شخص آخر غير التي ظنها وغير باقي من عرفهم من النساء
وأخيرا عادوا للقرية ما بين الضحك والتعب من الحر ولكن لا تنكر أنها كانت سعيدة 
 بالطبع حكت كل شيء لكاظم وهي تجلس على الارض بجانبه وهو رأى السعادة بعيونها فقال "أنت سعيدة؟" 
أخفضت عيونها وهزت رأسها بالموافقة، ربت على رأسها وقال "وأنا سعيد لذلك جدا، وجاسر؟" 
دق قلبها واهتز صدرها من أنفاسها وقالت بارتباك "ماذا، ماذا عنه؟" 
قال وهو يرى ذلك البريق بعيونها "هل يحسن معاملتك أم.." 
قالت بشرود " ربما، لا أعلم، ولكننا لم نتشاجر سويا، أمس تعودت و.." 
قاطعها بابتسامة لم تفهمها "أمس؟" ولم يكمل وهي لم تفهم ... 
في المساء خرجوا في رحلة بين الجبال والخيم البدوية حتى جلسوا لتناول العشاء على ضوء النيران فقالت لي لي "لولا هذا الجو الحار لكان المكان رائعا" 
قال جاسر "نحن في ذروة الصيف لي لي والحرارة هنا مرتفعة جدا المفروض أن نأتي بالشتاء سيكون الجو أفضل" 
تعالت أصوات شبابية حولهم فانتبهوا لهم عندما هتفت لي لي "الشلة كلها هنا، جاسر من فضلك هل يمكن.." 
نظر إليها ثم إلى جي وقال بتردد من ذهابها ليبقى هو وجي وحدهم " ولكن .." 
قالت بدلال "من فضلك أخي حبيبي، لن أتأخر ثم أنت معك جي" 
بالطبع ضعف أمامها فأسرعت إليهم نظر إليها وقال "وأنتِ ألا شلة لكِ؟" 
قالت بصدق "لا، لم يكن لي سوى لي لي، وحضرتك؟" 
نظر إليها بدهشة وقال "أنا!؟ أنا ماذا؟ أنا لا وقت لدي لتلك الأمور هذه أول مرة أصلا أحصل فيها على إجازة وطبعا لولا بابا لما حدث ذلك" 
قالت برقة جذبته "تعيش حياتك كلها للعمل فقط؟" 
لم يبعد عيونه عنها وقال "وماذا يوجد حولنا أهم من العمل؟" 
لم تتراجع من مواجهته وقالت "الحياة، حياتك أين هي؟" 
جال بعيونه على معالم وجهها المضيء تحت ضوء القمر ثم قال "لا أفهم، هذه هي حياتي بالفعل، العمل، بابا وأختي" 
لم تتراجع وهي تقول "وحضرتك، أين أنت من الحياة؟ كيف تراها؟ كيف تشعر بها؟ تجرحها وتجرحك، تحزنها وتحزنك، تحبها وتحبك أو حتى تكرهها وتكرهك تمنحك الحب أو تأخذ منك من أحببت، أين أنت من كل ذلك" 
تأملها بصمت وهو -بدا لم يرى ذلك من الحياة ولم يفكر به بأي وقت، أبعد عيونه وقال "لا أعرف، كل ما أعرفه عن الحياة أن أنجح في عملي وأن أحصل على كل ما يبقيني في الصدارة وسط مجالنا أما ما تتحدثين عنه فلا أعرفه، السعادة في الإبقاء على سمعة المجموعة وشهرتها ونجاحها" 
ابتسمت وقالت "إذن انت لست بشر ولا تعيش، أنت مجرد آلة ما عليها إلا إنجاز عملها بدقة، أهنئك على ذلك" 
ضاقت عيونه وقال "سخرية هذه أم فلسفة أم ماذا؟" 
ابتسمت بنفس الرقة وقالت "لا صدقني ولكن أشعر أن حضرتك لا تدري بأن الدنيا بها حياة داخل الحياة" 
تراجع بدهشة وتساءل "حياة داخل الحياة؟ وكيف ذلك؟ 
أجابت بهدوء "العمل والنجاح والبقاء في الصدارة حياة والمشاعر والأسرة والإنسانيات حياة أخرى هي التي تحتوى كل ذلك" 
تأملها ثم قال "تتحدثين مثل بابا ولكن أنا لا أوافق على رأيكم، العمل والنجاح هو لذتي الأولى والأخيرة" 
قالت "والناس أين هم في حياتك؟" 
اقترب من طرف المائدة وحدق بعيونها التي تنبض بالحيوية وقال "أي ناس تقصدين؟ الرجال منهم أم  النساء؟" 
لم تهتم بالمعنى خلف سؤاله وقالت "بالتأكيد الرجال هم رجال الأعمال ممن حولك لكن.." 
قال بإدراك لكلماتها "فهمت، علاقتي النسائية هي أمر طبيعي كأي شاب، مجرد وقت فراغ أمضيه لأرتاح قليلا من العمل ولكن للأسف ليس به أي متعة" 
تراجعت في دهشة من كلماته، لم تجادله وقالت "هل يمكن أن ننهض لمكان آخر أشعر بحاجة للهواء" 
هز رأسه فقامت وتحركت نحو الشاطئ وهو يتبعها وقد أثاره كلامها سار بجانبها وقال "لم تجيبي؟ " 
كانت تعلم ولم تظنه سيهتم بالرد لكنه يفعل فقالت "كلامك أصعب من أن أرد عليه" 
ضحك وقال "خجل هذا أم ماذا؟" 
لم تنظر إليه ولم ترد فقال "أنتِ شخصية غريبة حقا، لأول مرة يتحدث معي أحد عن تلك الأمور ويأخذني لذلك الحديث" 
قالت بهدوء "لأن كل من حولك مثلك يبحثون عما تبحث عنه، لا يعيشون" 
قال وهو يضع يديه بجيوب بنطلونه "أنتِ تعيشين إذن؟" 
نظرت إليه ببراءة وقالت " بالتأكيد طالما أحزن وأفرح، أبكي وأضحك، أحب وأكره فأنا أعيش" 
وصلوا بالقرب من الشاطئ وهو أكمل ليضع قدمه بالمياه ولكنها توقفت فتوقف والتفت إليها بدهشة وقال "لماذا توقفتِ؟" 
ظلت تحدق بالبحر أمامها حتى قالت "لا أحب البحر، أخاف منه ومن حمام السباحة وأي مكان للسباحة" 
عاد إليها حتر وقت أمامها ورأى شحوب وجهها فقال "لماذا؟" 
عادت بوجهها إليه وقالت "ماما ماتت غرقا وأنا صغيرة ومن وقتها وأنا لا أتحمل فكرة نزول البحر أو السباحة" 
لا يعلم لماذا أحب أن يسمعها وأنجذب لكلامها وربما تأثر الآن بحكايتها فقال "لم أقصد أن اعيدك للذكريات" 
نظرت إليه وقالت "الذكريات تعود دون أي مناسبة، لا تقلق أنا بخير" 
كان ضوء القمر يعكس ضي عيونها، كانت نظراتهم تحمل معاني لا يفهمها الاثنان ولكن وكأن هناك جاذبية خفية بينهم جعلته يقترب منها ونظراتهم لا تنفصل وهو يقول "هل أنتِ بهذه البراءة حقا أم.." 
ولم يكمل وهي لم تبعد عيونها عنه وعاد قلبها لدقاته وقد وقع فريسة لهذا الرجل الذي لم تفهم أبدا نظراته فقالت "لا أعرف ما تقصده ولكن أنا هو أنا؛ جولي" 
قال "لا يوجد أحد بمثل هذه البراءة التي تبدين عليها" 
ضحكت برقة جعلته مأخوذ أكثر وهي تقول "ربما لست بريئة كما تقول وربما أكون فأنا لا اعرف ولكن أنت أكيد تفهم الأشخاص جيدا وستعرف حقيقتي" 
أبعد عيونه وقال "ربما بحياتك أسرار تخفيها بهذه البراءة" 
تأملته وقالت بصدق "أسرار!؟ أي أسرار؟ ولماذا أتخذ البراءة سبيل لإخفائها؟ أنا حياتي أبسط من ذلك بكثير" 
عيونه بحثت عن الكذب بعيونها بلا فائدة فقال "وائل مثلا، ما السر وراؤه؟" 
أدركت أنه ما زال يظن بها الظنون فنظرت بعيونه وقالت "لم لا تصدق أنه ليس بيني وبينه أي شيء؟ أنا لا أعرفه أصلا فهو مجرد طبيب والدك، أنا أصلا لم أتعامل معه إلا عدة مرات في وجود والدك ويوم عيد الميلاد" 
اقترب منها أكثر وقال "وماذا فعل في ذلك اليوم؟" 
ارتبكت من قربه الغريب وتجمدت قدماها عل  رمال الشاطئ ورغم الحر إلا أنها شعرت برجفة تجتاحها وهي لا تعرف كيف تجيب
سمعته يقول "لماذا لا تجيبي؟ إذن أنا على حق هناك سر" 
لفها الضيق بسرعة وقالت "لا، أخبرتك أن لا أسرار بحياتي، هو أخبرني أنه يريد أن يتحدث معي في أمر شخصي" 
زاد اقترابه وكأنه يضغط عليها لتعترف بشيء هو يريده بشدة وهي لا تعرفه وقال "وما هو هذا الأمر الشخصي؟" 
كانت عيونها تبحر في عيونه وتطلب الرحمة مما يفعله قربه منها وجعلها تشعر وكأنها مخدرة ولا تشعر بما تقوله "أراد أن يعرف، أقصد.." 
تعثرت بالكلمات فابتعدت ولكنه أعادها أمامه وقال بحزم "لن تبتعدي، تحدثي" 
نظرت له مرة أخرى وقالت وكأنها تحت تأثير عيونه "سألني ما إذا كان بحياتي أحد ثم أخبرني بأنه، بأنه معجب بي" 
لم يترك ذراعها وانما اقترب أكثر ولم يفكر أنها مجرد كلمات لتمنح نفسها اهتمام على حساب وائل بل صدقها وهو يجذبها إليه ولو زاد لسمع دقات قلبها التي تعلن عن التحذير ولسمع عقلها وهو يلقي عليها تحذيراته مما هي مقبلة عليه من خطر ولكنه لم يرحمها واقترب أكثر وكأن عيونها تجذبه إليها بخيط رفيع لا يراه أحد 
همس "وهل هناك أحد بحياتك؟" 
شعرت بأنفاسه على وجهها مما دفع بالحرارة لجسدها وشعرت بضعف يلفها وهي ما زالت تنظر بعيونه التي تحدق بها وهزت رأسها نفيا لتجيبه ووجدت نفسها تغلق عيونها من قرب وجهه وتصاعدت أنفاسها وهو شعر بأن ضوء القمر أسكره وربما أضاعت رائحة البحر الباقي من قوته وعقله حتى كاد يجذبها لأحضانه ويأخذ شفتيها بقبلة قوية دون وعي   لولا أن سمع صوت لي لي بشكل مرتفع وكأنها تشتبك مع أحد فانتفض الاثنان ونظر إلى المخيم وقال 
"هذا صوت لى لى" 
ولم يزيد وهو يهرع إلى المخيم وهي خلفه تحاول أن تبقي على البقية الباقية داخلها من القوة  
كانت لي لي تقول بصوت مرتفع "أنت قليل الأدب وسافل.." 
رفع الشاب الذي أمامها يده ليصفعها ولكن بالطبع كان جاسر قد وصل وقبض بقوة على يده وهتف "هل جننت لترفع يدك عليها؟" 
التفت الشاب له وقال بوقاحة "وما شأنك أنت!؟" 
هتفت لي لي بغضب بعد أن وصلت جي لها واحاطتها  بذراعيها لتحميها "جاسر أنه وقح ظل يضايقني أنا وأصحابي منذ وقت" 
قال الشاب " أنتِ كاذبة، وأنت لا شأن لك.." 
ولكنه لم يكمل لأن جاسر لكمه في فمه ثم أنفه بقوة ولكن باللحظة التالية هجم عليه شابان آخران وانقلب المكان وأشتبك الجميع 
أسرعت هي بعيدا مع لي لي إلى أن فر الشباب وانفض الجميع إلا من رجال البدو الذين حاولوا إيقاف الأمر 
لف حول نفسه يبحث عنهما واقترب منه أحد الرجال يهتف "سيدي هل أنت بخير؟ هناك دماء على ذراعك" ل
م ينتبه وهو يتجه إليهما ويقول "هل أنتما بخير؟" 
قالت لي لي "نعم" 
ولكن جي رأت الدماء على ذراعه فقالت "أنت مصاب، دعني أرى الجرح" 
ولكنه أوقفها وقال "ليس الآن، هيا إلى السيارة وأنا سألحق بكما"
عاد إلى صاحب المخيم الذي أخذ يبدي اعتذاره لجاسم ولكنه قال "لقد انتهينا، هل تعرفهم؟" 
أجاب الرجل "نعم بالطبع، كل ليلة يثيرون المشاكل هكذا، أنا مللت منهم، آسف يا فندم"
أخرج جاسر مبلغ كبير من محفظته وأعطاه للرجل وقال "لا تقلق، سأهتم أنا بالأمر فقط أعطيني اسم، أي اسم" 
عاد إليهم وقاد إلى القرية بصمت، اتجه إلى غرفته وجلس وهو يخرج هاتفه حتى أجرى اتصاله وقال "ميمو، كيف حالك يا رجل؟" 
أجابه الصوت "بهير، مرحبا جاسر بيه، أنا لا أصدق أني أسمع صوتك هل أنت بمصر أم لندن؟" 
أجاب بهدوء "مصر وأنت؟" 
رد الرجل "أين تريدني أن أكون يا باشا؟" 
ضاقت عيونه وقال "شرم" 
لم يفكر الرجل وهو يرد "اعتبرني موجود هناك، ما هي أوامرك؟" 
تحركت بالغرفة بلا هدى وهي تذكر ما كان بينهم، الخجل ارتفع لوجنتيها وهي لا تعرف كيف ضعفت هكذا أمامه بل وكيف سيفسر تصرفها هذا؟ 
تذكرت جرحه وتوقفت بمكانها، هل تتركه ولا تهتم، لا لا يمكنها تركه لن يطاوعها قلبها على تركه ينزف لذا اتخذت قرارها وأخذت حقيبة الإسعافات واتجهت إلى غرفته، دقت الباب لحظات ورأته يفتح لها
 كان مازال بملابسه والدماء تسيل على ذراعه، تراجع من رؤيتها وقد تذكر فجأة ما كان بينهما على الشاطئ وقد فقده وسط ما حدث 
عليه أن يبعد الأمر من ذهنه فلا مجال لأي تجاوزات معها، سمعها تقول "هل يمكن أن أرى ذراعك ؟" 
ابتعد وقال بجدية "لا، لا داعي لذلك أنا بخير" 
ظلت واقفة بإصرار وقالت "ربما يكون الجرح عميق وبحاجة للقطب وأنت تنزف كثيرا و.." 
لم ينظر إليها، خشي لو فعل يضعف مرة أخرى وقد تساءل في نفسه عما أصابه هناك ولم يجد إجابة ومع ذلك لم يمكنه رفض وجودها فابتعد وقال "حسنا" 
دخلت ولم تغلق الباب وتحركت حتى وقفت أمامه وقالت بخجل "أنا، أنا لا أعلم ما الذي حدث ولكني.."
لم تكمل ولا تعرف لماذا نطقت بتلك الكلمات، نظر إليها وقال "انسي ما حدث، لقد فقد كلا منا وعيه لذا تجاهليه واعتبريه لم يحدث أصلا" 
رفعت وجهها له ولكنه لم يكن ينظر لها، شعرت بألم من كلماته ولكن هي تستحق وهو على حق فأخفضت عيونها مرة أخرى وشحب وجهها فقال "هل سأنتظر كثيرا؟" 
تضايقت وكادت تذهب لولا أن تذكرت جرحه فقالت بقوة "ألن تجلس؟ كيف سأقوم بعملي؟" 
نظر بعيونها وهو لا يعلم ما الذي تفعله به عيونها؟ أنها تقوده بصمت للجنون، تدفعه إليها ولا تبدي أي ضعف بمواجهته، ما هذه القوة التي تبديها أمامه رغم كلماته الجارحة؟ من تلك الفتاة؟ ومن أين أتت؟؟..
كان الجرح بكتفه فخلع قميصه الصيفي وبالطبع شعرت بالخجل أمام جسده الرياضي ولكن عملها يأمرها ألا تبالي بأي مؤثرات فمسحت الدماء وخاطت له الجرح ثم وضعت الضمادات وأخرجت بعض الأقراص ومنحتها له وقالت 
"هذا مضاد  كي يساعد على تضميد الجرح إذا شئت، بالصباح أعيد النظر عليه" 
كانت تركع بجانبه على الأرض وقريبه منه مما يثير جنونه أكثر فقال "هذا يعني أنك انتهيتِ؟" 
هزت رأسها وقالت "نعم" 
لملمت أشيائها وحاوات النهوض فأمسك يدها وساعدها حتى نهضت ولم يترك يدها فنظرت إليه فقال "إلى أين؟" 
حدقت بعيونه ثم قالت وهي تنظر ليده التي لم تترك يدها "أطلب لك عصير، أنت فقدت الكثير من الدماء" 
جذبها إليه بقوة كادت تسقطها ولكنه تلقاها بين ذراعيه ونظر إليها وقال بأنفاس تلهب وجهها القريب منه "تتلاعبين بالنار جي، أنا أحاول أن أفهم تصرفاتك صح" 
كان وجهها قريبا منه مرة أخرى، يقودها إلى مصيدته ولكنها لن تفعل فحاولت أن تفلت نفسها منه ولكن بالطبع هو الأقوى فقالت بضعف من قربه لم تبديه "أنا لا أفعل، أنا اؤدى واجبي هذا ما عليك فهمه والآن اتركني من فضلك" 
ولكن قبل أن يتحرك أيا منهما سمع الاثنان صوت ندى تقول "ولماذا يتركك؟ أعتقد أن الوضع مريح لكما" 
أفلتها على الفور فنهضت وهى تشعر بالأحراج والخجل والخوف وهي تواجه نظرات ندى بينما لم يبدي هو أي رد فعل سوى أنه ارتدى قميصه ولم يهتم بندى ولا كلماته وهي تتقدم لتقف أمامه ونظراتها تعني الكثير فقال 
"جي يمكنك الذهاب وشكرا لما فعلتيه" 
تجولت عيونها عليهم بصمت ثم تحركت لتذهب ولكن ندى أوقفتها قائلة "انتظري، بالطبع أنت أمضيت وقتا سعيدا معها وتشكرها عليه لهذا لم تخبرني أنك قادم هنا كي تلهو معها كما تشاء فلم لا تمنحها بعض المال نظير خدماتها؟" 
شعرت بالإهانة أكثر والغضب فقالت بقوة "كفى، لا شيء مما قلتيه صحيح أنت أسئتِ فهم ما حدث" 
واجهتها ندى بعيونها وقالت بغضب "أنتِ اخرسي، كيف يمكن أن أفهم وجودك بين أحضانه هكذا؟ أنت أرخص من أن أجادل معك من الأساس" 
لم يمكنه قبول كلمات ندى أكثر من ذلك وارتجفت المرأتان من صوته وهو يهتف "ندى كفى، احفظي لسانك هذا، أخبرتك أنها كانت تؤدى عملها" 
لكن ندى لم تقتنع وهي ترد "أنت تدافع عنها؟" 
واجها قائلا "أنا أقول الحقيقة ولن أسمح لكِ بإهانتها هل تفهمين؟ وذلك لأن الأمر كما تظنين بل لأنها لم تفعل أي شيء من الجنان الذي برأسك" 
هتفت بجنون "وأنت تريدني أن أصدق" 
أجاب بقوة "هذا أمر يعود لكِ أما هي فلن تنطقي كلمة أخرى عليها هل فهمتِ؟ جي اذهبي الآن" 
كانت تحدق به وهو يدافع عنها وعيونها كلها دموع وحاولت أن ترد جزء من كرامتها وهي تتعثر بالكلمات "ولكن.." 
قاطعها بإصرار "جي من فضلك اذهبي الآن وأنا أعتذر بالنيابة عن ندى تفضلي" 
زادت دموعها بينما صرخت ندى "جاسر كيف.."
ولكن هي لم تتحمل أن تسمع كلمات أخرى لن يمكنها الرد عليها فأسرعت خارجة إلى غرفتها بألم وحزن وأغلقت الباب واستندت عليه برأسها وهي تحاول أن تلتقط أنفاسها وتهدئ من ضربات قلبها ودموعها وتمنع عقلها من ذلك الخوف والألم الذي أصابها.. 
كانت تعلم أن ندى لن تتركها ولكن هي لم تعد تهتم إنها الآن تتساءل عما فعلته بنفسها وما يخفيه ذلك القلب الذي يدق بصدرها أو ذلك العقل الذي يجذبها للتفكير فيه؟ أغمضت عيونها وهي تتذكر لحظة أن كانت بين ذراعيه بين البحر والنجوم والقمر أو حتى الآن
هل كانت سعيدة؟ نعم ولكن لماذا كانت سعيدة؟ لا يا قلبي لن أسمح لك بأن تلقي بنا بين النار هو ليس لي ولا أنا أصلح له أفق يا قلبي وعد للواقع كي لا تتألم 
فتحت عيونها المليئة بالدموع وتحركت للداخل وجلست على فراشها وهمست "للأسف فات الأوان، لم أعد أملك التراجع لقد سرقه، سرق قلبي، لم أعرف كيف أو متى ولكنه فعل، لن اهنأ بعد اليوم لقد فتحت باب الألم على نفسي، لماذا ظهرت في حياتي؟ كيف سأعيش بعد الآن


تعليقات



<>