رواية جاسم الفصل التاسع9 بقلم داليا السيد


رواية جاسم الفصل التاسع بقلم داليا السيد
 
 



كوابيس
رفعت يداها وهتفت "ابتعدوا عني" 
ضحك الرجلان من مظهرها والآخر يقول "سنبتعد وأنتِ معنا يا قمر، لدي مكان رائع هيا تعالي، كم ثمنك؟" 
أجاب صوت جاسم "حياتك هي الثمن"
التفت الرجل ليجد قبضة جاسم بوجهه فاختل توازنه وهو يرتد للخلف بينما صرخ الرجل الثاني بوجه جاسم "أيها المجنون ما دخلك.."
ولم يكمل وقبضة جاسم تلحق بوجهه هو الآخر ليرتد للخلف وجاسم يقول "دخلي أنها زوجتي أيها الجبان"
نهض الرجلان وهم يستندان على بعضهما البعض وفرا للخارج وصاحب المكان يسرع لهم ومعه رجل آخر وهتف "يا فندم ماذا حدث؟" 
نظر هو لها ووجها الشاحب يدل على حالتها فقال "هل أنتِ بخير؟" 
هزت رأسها دون كلمات فالتفت للرجل وقال "كانا يضايقان زوجتي، الحساب"
ترك المال على المائدة وهي نهضت معه وتحركا للخارج حيث السيارة، قال بهدوء "تحتاجين لبعض الشجاعة مايا" 
هي تعلم ذلك ولكن ليس بيدها، الماضي دائما يحيط بها، الخوف، نظر لها ولكنها لم تكن معه، كانت الذكريات هي كل ما يحيط بها، مروان وهو يطاردها بالفيلا، صرخاتها بلا منقذ، محاولته تمزيق ملابسها حتى وجدت تمثال فضربته به وفرت ولكنه لحق بها و.. 
صوته قاطعها "مايا، مايا هل تسمعيني؟" 
عندما انتبهت له كانت دموعها تسيل على وجنتيها وهي لا تشعر، حدقت به وعلى الفور أدرك ما تمر به فمد يده ليدها المتصلبة بحجرها وأمسكها ليجدها باردة كالثلج، قبض عليها فلم ترفض ولكنها أبعدت وجهها والصمت هو كل ما أجابه
عندما وصلا البيت نزل وتحرك تجاها ولكنها لم تكن تراه، تحركت وهو يتابعها بعيونه، ما زالت تعاني من الماضي، ذلك الكلب كان يستحق الإعدام
كانت تتحرك للسلم ولكنه قال "ستنامين؟" 
لم تكن تسمعه وظل يتابعها حتى اختفت بالأعلى فرفع يده لشعره وهتف بغضب "سأقتلك أيها الكلب" 
أخرج الهاتف واتصل بعلي الذي أجاب فقال "أين هو؟" 
أجاب علي "بصالة ليلية على البحر" 
حدق بالفراغ وقال "لابد أن ننهي تلك المهزلة" 
هتف علي "أوامرك" 
نظر للفراغ أمامه للحظة ثم قال "سأخبرك" 
عادت الكوابيس، عاد كل شيء، الخوف، الذكرى، الألم، نفس الكابوس، مروان يهجم عليها ويحيط عنقها بأصابعه ويهتف "سأقتلك، هل تسمعيني؟ سأقتلك"
حاولت أن تصرخ ولكن صوتها ضاع مع قبضته حول عنقها كما ضاعت أنفاسها وهي تحاول أن تصرخ به ليتركها حتى رحلت أنفاسها ففتحت عيونها لتستقبل الموت الذي كان يهزها وكأنه يجذبها له لترى جاسم يمسكها من أكتافها ويهزها ويناديها ووجدت دموع كثيرة وأنفاسها تتلاحق والفزع يملأ كل جزء بجسدها وهو يقول بجدية 
"مايا أفيقي أنه كابوس، مايا هل تسمعيني؟" 
هتفت بلا وعي "لا، كان يخنقني، سيقتلني، هو قال أنه سيقتلني، كان يخنقني، أبعده عني" 
عاد يهزها ولكنها كانت لا تسمعه وكأنها عادت للانهيار الذي أصابها بتلك الأيام، أعادها للفراش وهي تهزي بكلمات لا يفهمها واتصل بأحد الأطباء ممن يعرفهم
خرج الطبيب من غرفتها فوجد جاسم أمامه فقال "منحتها مهدئ وهي نائمة الآن، من الواضح أنها تعرضت لضغط نفسي، هل سبق وأصيبت بانهيار عصبي؟"
كان يعلم فقال "هي أصيبت به منذ عدة سنوات وشفيت لكن الليلة تعرضت لموقف مشابه" 
هز الطبيب رأسه وقال "لا تقلق ستكون بخير الأمر ليس خطر، استعادة الذكريات المؤلم منها بالذات هو ما يفعل ذلك لكن المهدئ سيعيد لها الهدوء والراحة، هي فقط بحاجة للأمان، هي تخشى من شخص بذاته وتظن أنه سيقتلها"
هز رأسه بتفهم وقال "هي كانت تصرخ بذلك"
تحرك الطبيب وهو معه وقال "إذن توفير الأمان لها هو العلاج، وكذلك التخلص من سبب الخوف أيضا، هي من الأشخاص الحساسة أكثر من اللازم أقل المشاكل تدمر أعصابها"
تفهم وهو يصحب الطبيب للباب ثم عاد لها ليجدها نائمة والتعب واضح على وجهها، لم يظن أن موقف كهذا قد يعيد لها كل شيء
جلس أمام فراشها وتذكر الضغوط التي تعرضت لها بالأيام السابقة، ما حدث الليلة ليس وحده السبب، محاولات قتلها السابقة وعودة ذكرى مروان وإدراكها أنه قد يكون هو السبب، بالتأكيد كل ذلك أسقطها بالانهيار
عندما استيقظت وجدت نفسها بالفراش والظلام يحيط بها، اعتدلت وهي لا تذكر شيء، عندما جلست ورفعت شعرها المنساب بحرية وربطته للخلف ووجدت نفسها بملابس النوم، وضعت يداها على صدرها 
ماذا حدث؟ آخر ما تذكره هو، آه نعم المطعم، الرجال، جاسم، هتفت بلا وعي "جاسم" 
وكأنه كان ينتظرها عندما رأته يفتح الباب ويدخل وهو يقول بقلق "كابوس؟" 
هزت رأسها بالنفي وهي تتنفس براحة لرؤيته وهو يقترب ليجلس على طرف الفراش مواجها لها وما زالت شاحبة فقال "سمعتك تناديني" 
قالت وما زالت تنظر له "لا أذكر ماذا حدث بعد عودتنا من المطعم"
ابتسم وقال "كنتِ نائمة وأصابتك كوابيس و.." 
فهمت فأكملت "وانهرت بالصراخ"
هز رأسه وقال "الطبيب منحكِ مهدئ وقال ستكونين بخير" 
أخفضت وجهها وقالت "آسفة" 
رفع وجهها بأصابعه ونظر بغيونها وقال "على ماذا؟ أنا السبب ما كان يجب تركك وحدك بمكان كهذا"
ظلت تنظر له وهو يخفف عنها الشعور بالذنب وقالت "كان عليّ التحلي بالشجاعة، أنا لا أجيد التصرف" 
ابتسم وقال "الفتيات الجميلات لا يتركن وحدهن فهم مطمع خاصة الرقيقات منهن" 
كانت شاكرة له كلماته ولكنها قالت "أنت تجمل الحقيقة جاسم، سأظل طوال عمري أعاني مما كان"
أمسك يداها بين يديه وقال "أنتِ من تسمحين للذكرى بأن تسيطر على حياتك، لابد أن تؤمني بنفسك وقوتك، لا تنسي أنكِ من أنقذتِ نفسك منه وهذا يعني أنك قوية وشجاعة، تهديدات مروان لا تعني شيء عندما تواجهيها بقوة وصدقيني أنتِ وحدك من بيده علاجك"
كانت تشعر بالراحة من كلماته كما هو وجوده فقالت "الصدف لا تتكرر"
قال بصدق "لا علاقة للصدفة بما حدث، لقد كان موقف سقطتِ به وأجدتِ التعامل معه لذا عليكِ التفكير بأن لديكِ القدرة على مواجهة أي شيء"
قالت "الانتقام يكون أشد"
لم يتراجع وهو يجيب "الانتقام أعمى لن يجعله يرى جيدا" 
قلبها زاد خوف وهي تقول "إذن هو مروان بالفعل؟"
ابتسم ورد "هذا يجعلنا متقدمين عليه بخطوة والانتقام كما أخبرتك يجعله لا يرى جيدا كما وأنه يعرف جيدا أنكِ خصم ليس سهل"
ابتسمت أخيرا وقالت "كما أنه يعلم بوجودك"
لمس وجنتها وقال "ربما، هيا أنا أعددت لكِ حساء رائع، أعلم أنك لا تفضلين الطعام الجاهز، بدلي ملابسك وانزلي" 
نهض وتركها وهي أخذت حمام وبدلت ملابسها ونزلت لتجده بالمطبخ، وجدت الأطباق بمكانها فقال "اجلسي"
جلست بالفعل وهو يسكب الحساء والخضار به ثم ابتعد وعاد بالفراخ المسلوقة فقالت "لا، أنت تمزح، أنا لا أتناولها هكذا"
تراجع وقال "ستفعلين، لن يضيع مجهودي هكذا"
ضحكت وتناولت الحساء وبالطبع توقف لينتظر النتيجة ولكنها لم تنتبه فقال "ماذا!؟" 
نظرت له بدهشة حتى قال "المذاق؟" 
ضحكت وقالت "رائع سيكون لك مستقبل مشرف" 
ابتسم وقال "سيكون لي مكان بمشروعك، لن تكوني وحدك"
قالت بجدية "لا أريد أن أكون وحدي"
التفت لها ولكنها كانت تتناول الطعام وهو يعلم أنها كانت جادة لكنه لا يعرف هل لأنها تخاف من الوحدة بسبب مروان أم لأنها تريده معها؟ هل ترغب به كما يرغب بها؟ ما زال يفكر بالوقت الذي قضاه بجوار فراشها وهي نائمة تتقلب بانزعاج وأحيانا براحة وقتها تمنى لو تمدد بجوارها ولفها بين ذراعيه ومنحها الأمان
عاد لنفسه عندما قالت "لن تفعل بي ذلك مرة أخرى" 
هز رأسه بلا فهم وردد "ماذا؟" 
أبعدت الطبق وقالت "تلك الفراخ" 
ابتسم وهو يبعد الأطباق وقال "الأمر بيدك، لا تمرضي مرة أخرى" 
لم ترد فهي أيضا لم تكن تريد ذلك ولكن الأمر ليس بيدها، وضع كوب عصير أمامها فقالت "أنت لم تتناول أي شيء" 
جلس والقهوة بيده وقال "سبق وفعلت، الطعام الجاهز، لقد كنت أعد برنامج للزيارات ولكنك"
هتفت وقد نست التعب "حقا؟ متى سنبدأ؟ أنا بخير، دعنا نذهب بالصباح"
هز رأسه وقال "حسنا سنفعل بشرط، أن تنامي جيدا حتى يمكنك تحمل الرحلة" 
قالت بتذمر "لا، هذا ظلم أنا نائمة منذ الأمس، لن أنام" 
حدق بها وقال "ما زالت العاشرة، لدينا بعض الوقت قبل النوم، ماذا تريدين أن نفعل؟" 
تراجعت وهي تفكر وقالت "ما رأيك لو نشاهد أفلام أجنبية، سلسلة جون ويك، أنا رأيتها كلها، أو أي أفلام تريدها"
هز رأسه بلا تصديق وقال "أتعلمين منذ متى لم أشاهد أي فيلم؟ تقريبا لا أذكر، حسنا دعينا نخرج من هنا وبعدها نقرر"
تحركا لغرفة الجلوس والتلفاز يعمل، جلسوا وبدلا من مشاهدة الأفلام تركوا التلفاز وظلوا يتناقشون حول عمله وإخوته حتى وصل الفجر فقال "إلى هنا وكفى، ستنامين تلك الساعات المتبقية حتى يمكنك الذهاب بالرحلة"
كان قد نهض فقالت "رحلة؟ أنا لا أفهم ألن نذهب سويا؟"
انحنى عليها وقال "وهل تظنين أن من السهل التخلص مني؟" 
ابتسمت وقالت "ومن تحدث عن التخلص منك؟ وحتى لو، هل الضعيفة لله يمكنها ذلك مع هذا الجسد، أنا بالكاد ألاحق خطواتك؟"
ابتسم ومد يده لها فوضعت يدها بيده وجذبها لتنهض حتى وقفت أمامه ولم يبتعد ولا هي بل ظل كلاهم يحدق بالآخر حتى رفع يده لوجنتها ولمس نعومتها وعيونها لا تترك عيونه وهو يقول 
"لأول مرة لا أريد الخروج من البيت"
ولم يعد بإمكانه المقاومة، سقطت نظراته على شفاها وهو يحني رأسه ويرفع وجهها له ليأخذ شفتيها فأغمضت عيونها وتركت نفسها تتذوق قبلته ونست أي شيء من حولها
الحياة توقفت عند تلك اللحظة، شفاهه احتوت فمها بقبلة هادئة لكنها بسرعة تحولت لقبلة قوية وذراعه التفت حول جسدها ضاما إياها له ليشعر بليونة جسدها وشعر بأصابعها تقبض على أكتافه وكأنها تخشى السقوط وشعر بجسده يطالب بالمزيد لكنه يعلم أنها ما زالت متعبة ولا يمكن أن يستغل ضعفها والظروف التي مرت بها لذا توقف ولكنه لم يبعدها وظلت الأنفاس مختلطة والوجوه قريبة حد الجنون وعيونها مغلقة ووجهها يشع بالأحمر وصدرها يرتفع وينخفض كالأمواج العاتية، حتى هو كان يلتقط أنفاسه 
همس "قبلتك مميزة مايا، كلك مميزة" 
فتحت عيونها وتجرأت ونظرت لعيونه القريبة وهي تتنفس أنفاسه ولم تجيب، لكنه وضع قبلة رقيقة أخرى على فمها وقال مبتعدا "هيا، لابد أن تنامي، ستذهبين وحدك أم أحملك" 
تراجعت وهو يطلقها بصعوبة وتمنى لو لم تبتعد عنه شبر واحد وهي تقول "لا، لن تفعل، طابت ليلتك"
هز رأسه فتحركت مسرعة لتختفي من أمامه بينما أطلق هو أنفاسه ورفع يده لشعره ولف حول نفسه وهو يهتف "بالتأكيد لا رياضة ولا حمام بارد سيفيد جهنم الذي أشعر به الآن" 


تعليقات



<>