رواية ابتليت بحبها الجزء الثاني2 الفصل الحادي والاربعون41 بقلم نجمه براقه

 رواية ابتليت بحبها بقلم نجمه براقه  
 رواية ابتليت بحبها الجزء الثاني2 الفصل الحادي والاربعون41 بقلم نجمه براقه
رحمة

قال اللي في قلبه، واللي كنت مستنياه بقالي شهور، بس محستش لحظة إنه كان راضي عن اعترافه، كأنه ندمان أو بيجلد نفسه على اللي عمله.
عكس حالتي تمامًا.
كنت مبسوطة، وكل تفكيري إننا نلاقي حل يريحنا من اللي إحنا فيه.

واحنا قاعدين في الكافيه مستنيين العصير، لمعت في دماغي فكرة.

بصتله وقلت بحماس:

–بس، لقيت الحل!

بصلي بتركيز وقال:

– إيه هو؟

بصيت حوليا وبعدين ميلت عليه وهمستله:

– ندور على دكتور معدوم الضمير، نديله قرشين ويقول إني عندي إيدز!

بصلي بقرف وقال:

– إيدز؟!

– أيوه إيدز، مالك؟ ما هو مفيش غيره اللي ممكن يخليه يقولك "سيبها".

قال وهو متقزز:

– ويجيلك منين الإيدز؟ ماهو حاجة من الاتنين يا إما حقنة ملوثة، يا إما...

– يا إما إيه؟!

بصلي بصة غريبة، وسكت لحظة وبعدين هز دماغه وقال:

– ولا حاجة... بس إنتي برضو هبلة! فاكرة خالي هيصدق دكتور واحد؟ ده ياخدك يلف بيكي على مليون دكتور، وهيعرف.
وبعدين إيدز إيه اللي يجيلك؟ يخرب بيت عقلك

ابتدى يضرب كف بكف، وأنا سندت وشي على كفي وتأملته بإبتسامة وقلت:

– طب افترض إنه جالي فعلاً وخالك سابني... هتعمل إيه؟

– أعمل إيه في إيه؟ بطلي تخاريف!

– لا والله بجد، ممكن تبعد عني؟

تمتم بكلام مش مفهوم، وبعدين قال:

– على حسب هو جالك إزاي...

– يعني إيه على حسب؟ ده مرض زي أي مرض، يا حسن بلاش مخك التخين ده!

ضحك وقال:

– ده انا،  ماشي يا ذكية، بس مفيش حاجة تخليني أسيبك... غير خالي.

– يعني إيه؟ مش هتفكر في حل وتسيبني أتجوزه؟

– يا ستي هفكر، بس بقولك مفيش حاجة في الدنيا تخليني أسيبك... لا إيدز ولا كانسر، ولا حتي طاعون،  في حال ان خالي وافق يسيبك 

_ ولو مسابنيش يا حسن 

قال بضجر

– هنلاقيلها حل بعدين يا رحمة، بس بلاش نضيع اليوم في كلام يضايق. إحنا بدأنا اليوم بالغلط، خلينا نكمله غلط. النهاردة أنا طالبة معايا انطلاق... تنطلقي ولا ملكيش نفس!

– انطلق،  بس عارف يا حسن، أنا واثقة إنك هتروح، يا تعملي بلوك، يا متردش، يا ألاقيك مسافر!

– مشكلتك إنك مش بتحطي نفسك مكاني. يمكن لو شفتي الأمور من وجهة نظري انا كنتي فهمتي.

– إنت اللي عقدتها! كل حاجة كانت اتحلت لو قولتله إن البنت اللي كلمته عنها... هي أنا.

– وكنت هقوله إمتى؟ انتي ناسية إنك كنتوا كتبتوا الكتاب وبقيتي مراته؟
وبعدين، لو قلتله كان حصل شرخ كبير بيني وبينه.

– يعني إيه؟ هترجع تتنكرلي تاني وتبعد عني؟

تنهد وقال:

– رحمة، أنا بقول ننسى خالي النهاردة... ونكون مع بعض، وخلاص.

– وبعد النهاردة؟ هنرجع زي الأول؟

قال بحنق

– يارحمة من فضلك قلتلك هفكر في حل، في اية...

كنت عايزاه يطمني  ولكن كلامه قلقني وزعزغ ثقتي فيه اكتر من الاول، خلاني مش راسيه علي بر، لا انا معاه ولا مش معاه. 
كنت حاسة اني هحارب في معركة لوحدي وهو هيوقف يتفرج عليا من بعيد. 
ولما سكت وشعوري بان علي وشي مسك إيدي وقال :

– افهميني ممكن؟!،  انا بحبك  اكتر مانتي بتحبيني، وحلمي الوحيد هو انك تكوني ليا. 
بس بوضحلك الصورة من دلوقتي، علشان تكوني فاهمة،  لكن دي مش معناه اني هتخلي عنك،  هحاول، هعمل كل اللي اقدر عليه علشان نكون لبعض وفي نفس الوقت مخسرش خالي. 
وعلى أي حال، قدرت أحلها أو لأ، أنا بحبك، ولو مكنتيش لي، عمري ما هسمح لواحده غيرك تدخل حياتي.

- انا مش عايزة احتمالات غير اننا هنكون لبعض،  انت كده قالقني منك

- انا عارف، بس ممكن لو بتحبيني فعلاً، نأجل الكلام ده لوقت تاني،  ممكن؟ 

#رقية

الليلة دي خاصمني النوم، ما نمتش لحظة واحدة.
القلق كان بياكل فيّ، ومرعوبة من إن دي تكون آخر فرصة ليّ إني أنهي المسافة اللي بيني وبينه، وأصحى في يوم ما ألاقهوش جنبي، ويفوتني ولو لحظات قليلة أعيشها معاه قبل ما كل حاجة تتبدل.

وجه الصبح، فتحت الشباك أشوف لو الراجل حضر ولا لسة.
كنت متأملة إني ملقهوش، وإنه يكون حس إنه بيبوّظ له حياته بإيده.
ولكن خاب أملي لما لقيته واقف على بعد مسافة من البيت، ولما شافني دور صباعه بجانب رأسه بيقولي: "فكري".

رجعت بصيت لحمزة وهو نايم، وبدأت أحس إني في صراع مع الوقت... يا ألحق، يا ملحقش.

قفلت الشباك في وش الراجل، ورجعت قعدت على السرير أبصله وهو نايم.
كان في هدوء وسكينة في وشه، زي الطفل اللي مش حاسة باللي بيدور حواليه

رجليا خدتني لعنده، وأنا مطمئنة إنه مش هيصحى.
جلست القرفصاء وطالعته، كنت غرقانة في تفاصيل وشه، وكأني بشوفه لأول مرة من سنين.

اليومين اللي مروا وهو بعيد، كانوا أقسى أيام عشتهم في حياتي.
كنت حاسة نفسي بموت بالبطيء، وروحي ردت لما كلمني.

مديت إيدي بتردد، كنت عايزة ألمسه، أحس بوجوده معايا... يمكن ده يطمني شوية.
ومسحت على شعره بخفة. 

وفجأة، قلبي خبط بقوة، حسيته هيشق صدري ويخرج منه لما فتح عينيه وشافني!
قومت بسرعة وقلت بتلعثم:

_ "حشرة كانت على شعرك..."

ابتسم أثناء اعتداله، مسح وشه، وبعدين بصلي وقال وهو لسه مفقش بشكل كامل:

_ "أنا شاكر للحشرة، بس لو تيجي وأنا صاحي أكون شاكر أكتر."

اللخبطة ماسابتنيش، وقلت:

_ "أنا مبكدبش، كان في حشرة على شعرك."

_ "مصدقك... بس هدخل أغسل وشي علشان أفوق، واتعبي اعمليلي أي حاجة أفطر بيها علشان انتي نيمتيني جعان..."

حسيت بتأنيب ضمير وزعلت من نفسي، ازاي نسيت أسأله إذا أكل ولا لأ؟
اعتذرت له وخرجت بسرعة من الأوضة، وبدأت أجهز أسرع حاجة.
البيض والجبنة والمربى.

حطيتهم على الترابيزة في المطبخ، وقبل ما أخرج لقيته داخل.
بص للأكل وقال بابتسامة:

_ "إيه السرعة دي؟"

_ "دي حاجات خفيفة مش بتاخد وقت، تعاله."

سبقته بعد ما كان القرب منه موترني ومخليني مش على بعضي.
وقفت في زاوية بعيد عنه واستنيته لغاية ما قعد، وبعدين بصلي شوية وقال:

_ اية؟، مش هتفطري؟

_ هفطر.

قعدت وخفضت عيني على الأكل، مش متجرأة أبصله.
فلقيته بيقرب إيده بلقمة صغيرة ويقدمهالي.
بصيتله وقلت بربكة:

_ "بالهنا إنت..."

فضلت إيده قدامي، يفرض عليا الأكل من غير كلام.
زاد ارتباكي، وأنا باكل من إيده، ومبقتش قادرة أرفع عيني عليه تاني.
لغاية ما جاني صوته بيقولي بمرحه المعتاد:

_ "نتكلم شوية عن الحشرة؟ كان نوعها إيه؟ خنفسة ولا صرصار ولا البطة اللي جبتيها للغدا؟"

توترت عند سماعي لسؤاله ده، وافتكرت اللي منعني عن إني أشتريها. وقلت:

_ ما جبتش...

اكتست ملامحه بالجدية وقال:

_ ما جبتش إيه؟

_ ما جبتش بط...

بدأ الشك يدخل قلبه، ويبان في نبرته وهو بيقولي:

_ كنتي في السوق امبارح طول اليوم.

نزلت إيدي عن الأكل، وقلت بتوتر:

_ أيوه، بس كانت الدنيا زحمة و...

_ وإيه؟

_ ما جبتش، كان في خناقة وناس بتضرب بعض، سيبت كل حاجة ومشيت...

ثبت نظراته عليا بصمت مريب، وبعدين هز دماغه قال:

_ مفيش مشكلة.

مكنتش عاوزة أكدب عليه في حاجة تاني، بس اللي حصل أجبرني مقولش.
وهو فهم إني مخبية عليه حاجة، لكن متكلمش، وبدأ ياكل وهو ساكت.
وبعد دقيقة، ساب الأكل وخرج من المطبخ.

ولاني مكنتش عاوزة زعل تاني، ولا كنت عاوزة أسيبه لوحده، ف قمت ولحقته.
لقيته واقف قدام الدولاب، قالع قميصه وبيفتش على غيره.
قربت منه وقلت بتردد:

_ بتدور على حاجة معينة؟

قال بجفا من غير ما يبصلي:

_ لقيته.

طلع بروفل وبدأ يلبسه من غير ما يبصلي، كان متجاهل وجودي
وكنت شايفة إننا على أعتاب مشكلة جديدة، ولو متكلمتش وقلت حاجة، هتكبر والثقة هتتعدم.
تجرأت، وقفت قصاده بعد تردد وقلت:

_ مالك؟

قال وهو بيرتب نفسه:

_ مالي؟

_ زعلان؟

_ لا، وأنا أزعل ليه؟

_ علشان مصدقتنيش.

_ "ومصدقكش ليه؟ اتصلت بيكي فوق العشرين مرة، وبعتلك فوق المية رسالة، ولما رديتي قولتي مكنتش سامعة من زحمة السوق، ودلوقتي طلعتي ما جبتش حاجة، فـ ليه مصدقكش؟"

_ أيوه، أفهم من كده إني من دلوقتي هنجبر أحلف أو أجيب دليل على كل حاجة أقولها؟

قال بجدية وهو بيستدير في طريقه للتسريحة:

_ مش محتاجة... لو بتقولي الحقيقة، هصدقك.

بدأ بتمشيط شعره.
سكت شوية أفكر وفي النهاية قررت اقله نص الحقيقة واخي النص التاني وقلت:

_ أنا ما رحتش السوق...

التفتلي التفاتة سريعة من المرايا بعدم اهتمام بكلامي، كان متخيل اني هخترع كدبه  فقولت:

_ أنا كنت هتخطف.

توقف عن تسريح شعره، وبصلي من المرايا، وبعدين التفت لي وقرب، ونظراته اتحولت 180 درجة، وكأنه واحد تاني وقال: 

_ تتخطفي؟! 

_ اه، اتنين معرفهمش لقوني في الطريق وخدروني."

_ وبعدين؟

_ صحيت لقيت ناس حواليّ بيفوقوني، وقالولي لحقوني منهم.

_ رقية، الكلام ده مينفعش. إنتي كنتي هتتخطفي بجد، ولا بتداري على حاجة تانية؟

_ "والله هو ده اللي حصل، مكنتش عاوزة أقولك علشان متضايقش..."

هتف غاضباً، وقال:

_ "متقوليليش إزاي! كنتي هتخبي عني حاجة زي دي وتسيبيني نايم على وداني، مش عارف إن مراتي اتخطفت؟!"

انتفضت بفزع من صراخه في، انهمرت الدموع في عيني وقلت برجفة:

_ ربنا ستر...

كمل بنفس النبرة 

_ وافرضي إنه ستر، ومقدروش يعملوا فيكي حاجة، أنا معرفش! واقعد معاكي، مش عارف حاجة لغاية ما أتفاجأ بيهم بيكسروا علينا الباب ويخطفوكي من جنبي!"

_انت مكبر الموضوع، دول عيال صيع من الشارع، والحمد لله اتلحقت."

_ "يعني مش شايفة نفسك غلطانة؟"

هزّيت دماغي وقلت باختناق:

_ انا مكنتش عاوزة أضايقك.

هدي شيء ما وقال:

_ وهما مين دول؟ وقابلوكي فين؟

_ "قابلوني في الشارع... ومعرفهمش."

قال وهو بيتماسك علشان ميتعصبش :

_ رقية، من فضلك، قولي كلام يتفهم! يعني إيه ناس في الشارع يخطفوكي كده والسلام؟! 

_ "طيب والله العظيم هو ده اللي حصل... قابلوني في الشارع وخدروني."

سكت، وفضل باصصلي بعدم اقتناع.
كان شاكك إن في حاجة مخبياها عنه... حاجة كبيرة كمان.
خفضت عيوني ودرت ضهري علشان أهرب من نظراته، ومضطرش أقول حاجة أكتر من اللي قولتها.

فجأة، حسيت بإيده بتلمس كتفي، لفني ليه، طالع عيوني وقال بصوت هادي:

_ "رقية، اسمعيني. أنا فاهم إنك ممكن تكوني قلقانة من حاجة، بس طول ما المشكلة مش كبيرة، قوليها لي، واحنا نحلها مع بعض.
ولا... إنتي بتعملي حاجة تمس كرامتي وخايفة اعرف؟ 

_ "طيب أحلفلك بإيه إن ما في حاجة؟ وماعرف مين دول؟
هما باين عليهم صيع، حسيت من كلامهم ونظراتهم ليا إنهم عايزين يقلّوا أدبهم، بس ربنا ستر، ولحقوني منهم قبل ما يوصلوا للي عايزينه."

كلامي سكتّه، وكأنه افتكر اللي عمله معايا في الأول.
ارتخت إيديه عني، دار لي ضهره، ولما كلمته سابني وخرج من الأوضة في سكوت مريب.

لحقتُه فوراً على المطبخ، وهناك مسك الكاتل، ملاه،  وهم إنه يمسك المج.

لحقته، وخدته منه، وقلت:

_ "أنا هعمل..."

قبل ما أتحرك، مسك إيدي، خده مني، وقال وهو بيبعد عني...

– لا.

وقفت مكاني أتابعه بعيني، وهو بيتعصب على البرطمان والأكياس.
كنت خايفة أقربله ينفعل عليا، لحد ما بدأ يدور على حاجة في الدُرج، وسحبه بقوة.
خرج الدرج في إيده وكل اللي فيه وقع على الأرض.
نزلت بسرعة على ركبي ألمه، ونزل معايا يساعدني.

كنت شايفة وشه، متعصب، غاضب...
ف قلت :
– أنا هلمهم، سيبهم.

من غير ما يرد، ساب اللي في إيده.
وقف، حط إيده على جبهته، يدلكها، وكأن الصداع هيفرتك دماغه.

بعد ما خلصت، حطيت الدرج مكانه،
وقفت قدامه، جمعت شجاعتي حطيت ايدي علي دراعه وقلت:

–  ارتاح، أنا هعملها واجيبلك.

شال إيده من قدام عينيه، وبصلي وقال بضيق: 

– إشمعنا انتي اللي يحاولوا يخطفوكي من غير ما يكونوا عارفينك يا رقية؟
في كتير غيرك لبسهم ملفت، وتصرفاتهم تخلي أي حد يفكر يعمل فيهم كده...
فـ إشمعنا انتي؟

نبرة صوته، وكلامه، خلوني مش قادرة احدد قصده...
فقلت باستفهام وأنا بحاول أتمالك نفسي لغيت ما افهم

– يعني إيه إشمعنا أنا؟
انت شايف إني بغلط في حاجة فجم قصدني؟

هزّ إيده بنفي، وقال بسرعة:
– لا لا، مش ده قصدي.

تنهد، وأضاف بضيق:

– أنا مقدرتش مربطش اللي حصلك دلوقتي باللي عملته فيكي قبل كده.
بقول يمكن يكون ده... انتقام من ربنا.
أبوكي دعا عليّا ربنا يخلص مني،
وأنا مكنش عندي اللي ربنا ينتقم مني فيه...
بس دلوقتي... بقيتي انتي.

سكت، بيحاول يرتّب كلامه،
وبعدين قال بهدوء مكسور:

– هو انتي لسه مش قادرة تنسي... ولا تسامحي، في اللي عملته فيكي يا رقية؟

اتهزيت ولقيت صعوبة في الرد
مش علشان اللي قاله،
علشان اللي أنا عارفاه، واللي هو مش متخيله واللي لو عرفه هيفتكر دعوة بابا فوراً وهيعتبر ان ده انتقام من ربنا..
مسكت إيده، وبصوت متحشرج قلت:

– إيه اللي بتقوله ده؟
هو ربنا لو هيخلص منك ذنبي، هيخلص فيا؟
مفيش الكلام ده.
وأنا نسيت... ومسامحة،
حتى لو طريقتي معاك ناشفة شوية،
بس ده علشان مش جريئة كفاية،
ومبقدرش أغيّر حالي من حال لحال ببساطة...
بس أنا نسيت.

ضم إيدي، وقال بحزن :
– رُقيّة... أنا... بحبك، والله العظيم بحبك،
ومش متخيل حياتي من غيرك.
انتي أحلى حاجة حصلتلي في حياتي،
وأنا آسف على كل حاجة عملتها...
كانت لحظة طيش،
ولو رجع بيا الزمن... مكنتش فكرت أعمل فيكي كده... انا اسف 

غصب عني بكيت،
وكأننا في لحظة وداع.
جزبني ليه... حضني.
ضميته بكل قوتي،
وكأني بشبع منه... قبل ما كل حاجة تنتهي.

حمزة 

اتبدلت 180 درجة عن قبل ما أسافر. مكنش حبها ليا وحده كفاية عشان تتغير ولا تعيط بالشكل ده.
كانت بتستخبى في حضني، وإيديها مكلبشة فيا بقوة وكأنها مش هتشوفني تاني.
والحقيقة إني مكنتش مطمن قوي، وإحساسي بيقولي إن في حاجة معاها أنا معرفهاش.
لكن محبتش أبوظ اللحظة دي، وفضلت محتفظ بيها بين إيديا  لغاية ما بطلت عياط وبقت أهدى. وقتها بعدت عني وهي خافضة جفونها ورجعت رقية اللي انا اعرفها .

قلت بابتسامة 

– اتغيرتي قوي يا روكا.

قالت بارتباك ولسه عينيها في الأرض:

– متغيرتش ولا حاجة.

دارت ضهرها وقالت: 

– حابب تاكل إيه على الغدا؟

– اللي تعمليه هاكله.

– ماشي.

قالتها وطلعت من المطبخ كله.
كانت بتهرب من التوتر اللي حصل. توقعت إنها بتأنب نفسها علشان غلطت وحضنت جوزها.
لكن محاولتش ألحقها، وسيبتها تهدى لوحدها.

بعد ما شربت النسكافيه قلتلها هروح الفيلا ومش هتأخر، وطلعت من البيت وأنا مش مستني أخلص المشوار ده وارجعلها تاني.

وصلت الفيلا، فتحتلي جني.

نزلت لمستواها وقلت :

– إزيك يا بت أجوجو، وحشاني.

قالت بابتسامة واسعة:

– وإنت...

– عاملة إيه مع الناس دي؟ معذباهم ولا معذبينك؟

بصت حواليها بحذر وبعدين قربت من ودني وقالت بخفوت:

– دول ناس عايزين الحرق.

ضحكت على جرأتها وقلت:

– حرق مرة واحدة! بيعملوا معاكي إيه؟

– أمك بتزعق كل ما تشوفني، وأخوك ضرب مراته سقطها وضرب حسن علشان قفشهم مع بعض في أوضتها.

بعدت عنها وقلت باستنكار:

– بتقولي إيه يا زفتة إنتي؟

– وسيدي البدوي قفشهم واسأل أي حد في البيت...
(قربت من ودني وهمستلي)

– بس الولية أمك هي اللي خلته يدخل عندها. أنا شوفتها بعنيا دول وهي بتطرّق كل اللي في البيت. حتى ادتني 200 جنيه بحالهم علشان تطرّقني أنا كمان.

– لا والله! طيب وسعي...

قومت، فمسكت إيدي وقالت:

– ونبي يا بيه، متقولش إني قولتلك.

سحبت إيدي منها وقلت:

– إنتي مصيبة! ادخلي جوا، وإياكي تتكلمي مع حد في الكلام ده تاني. فاهمة ولا لا؟

– أنا بفطمك...

– جني! هقول لماما وهتضربك، يلا جوا.

مطت بوقها بقرف وسابتني ودخلت وهي بتمتم بكلام مش مفهوم.

وأنا بقيت أنادي على ماما لغاية ما خرجت سحر من المطبخ وقالتلي إنها فوق.
طلعت عندها وفتحت الباب من غير تخبيط.
ولما شافتني قامت من مكانها فورًا، جت تجري عليا، حضنتني وقالت بلهفة:

– يا حبيبي، حمدالله على سلامتك. وحشتني يا روحي.

بعدت عنها وقلت:

– إيه اللي سمعته ده يا ماما؟

جحظت عينيها بهلع وقالت:

– سمعت إيه؟

– صدام شاف حسن مع مراته 

تنفست بارتياح وبعدين قالت:

– ملكش دعوة. طمني عليك، انت عامل إيه؟

– لا يا ماما، فهميني إنتي الأول. إزاي ده حصل؟ بقى حسن يغلط مع يسرا؟ ولا ليكي دخل؟

– إيه الكلام الفارغ اللي بتقوله ده! أخوك زنقهم في أوضة النوم مع بعض، وهي بعتت كلمتين لمراته التانية وقالتلها إني شربتها حاجة فصدق زي العبيط، ضحكت عليه بدمعتين الهلفوت...

قولت بعدم اقتناع:

– ماما، إنتي عارفة إن حسن لا يمكن يعمل حاجة زي دي، ويسرا حامل وبرضو متوقعش تعملها. قولي الحقيقة، إنتي اللي عملتي كده؟

– حتى إنت يا حمزة؟ خلاص طالما مصدقين... يبقى أنا...

كانت بتمثل الحزن والبراءة. 
مصدقتهاش، ومحبتش أضيع وقت وأنا بحاول أفهم منها، لأني مش هوصل لحاجة، فقلت:

– فين صدام؟

– هتسيبني وتدور على صدام؟

– هطمن عليه وارجعلك، هو فين؟

– متطمنش، سيبك منه مش هتلاقيه. وتعالى انت، وحشتني...

– هجيلك تاني، لازم أشوفه.

فلِت إيدي منها وسيبتها، متجاهل مناداتها عليا.
واتصلت على صدام علشان أفهم، فرد عليا بصوت متلهف وقال:

– حمزة! إنت رجعت إمتى؟

– امبارح...

– إيه رجعك قبل عمك؟ في حاجة حصلت؟

شغلني القلق اللي باين في صوته
قلت:

– لا مفيش، رجعت عادي. إنت فين؟

– هبعتلك مكاني، تعال لي.

– ماشي، ابعت.

بعد ما وصلني الموقع، روحت على هناك.
لقيته واقف جنب عربيته، وشكله متبهدل، ودبلان. 

قرب مني بخطوات سريعة، حضني وكأني مسافر بقالي سنين.
ضميته وقلت:
– في إيه يا ابني، مالك؟ وحشتك ولا تعبان؟

بعد عني، تفحص ملامحي، والحزن كله في وشه، وقال:

– حمدالله على السلامة. عامل إيه؟

– إنت اللي عامل إيه؟ وإيه اللي سمعته ده؟

– سيبك من اللي سمعته، طمني عامل إيه مع مراتك؟

– مراتي إيه؟ في إيه يا ابني؟ مالك؟

قال بلخبطة:

– بطمن عليكم، عاوز أعرف بقيتوا تمام ولا لسه؟

– آه الحمدلله، أحسن بكتير، بس مسافرتش معايا.

هدّيت ملامحه وقال:

– ليه كده؟

– قفشنا شوية، فسافرت من غيرها.

– طيب ما تعوض الرحلة دي، وتاخدها وتروحوا تاني تقضوا شهر ولا شهرين؟

حسيت إن في حاجة مش مظبوطة.
مش معاه هو بس، مع ماما ورقية كمان.
كلهم كانوا متغيرين.
اهتمامهم زايد، ونظراتهم ليا فيها شفقة.

وبعد ما قعدنا ورفض يتكلم في اللي حصل مع يسرا وحسن، خدته ورجعته الفيلا.
وبعدين اتصلت بياسر علشان نتقابل.
سبقته على الكافيه، وبعد ما كنت رايح أقابله علشان أحكيله اللي حسيته من الباقيين، لقيته بيستقبلني نفس استقبالهم.
حضن طويل، وبعدين بيبعد عني وبيقولي، ونفس النظرة في عينيه هو كمان:

– عامل إيه؟

– هو في إيه؟ ليه كل اللي أقابله يحضني ويحسسني إني غبت سنين؟ في إيه يا ياسر؟

قال بابتسامة ظاهرية:

– يا هبل، في إيه يعني؟ واحشنا...

– مغبتش غير أربع أيام لحقت اوحشكم فيهم

– ولو يوم، برضو بتوحشنا. اقعد.

قعدت وقلت :

– بغيب عنك بالأسابيع، ما بوحشكش يا ياسر؟

– عادي يا عم، ما تدققش.

– كلكم مريبين النهارده. قولي عملت إيه مع أبو بسنت؟

– اتفقنا على كل حاجة، والخطوبة الأسبوع الجاي.

– ألف ألف مبروك. 

– الله يبارك فيك. إنت عامل إيه؟ عملت إيه في تركيا؟

– ما عملتش أي حاجة في تركيا. محسسني إني قعدت سنين. مالكم؟ في إيه؟

– يووه، ما بقولك واحشنا. المهم، إيه الأخبار مع رقية؟ عملت إيه؟

– مش هتصدق! دي استقبلتني بالحضن، وقالتلي إنها مسمحاني كمان.
كانت غريبة، وكأنها واحدة تانية.

#حسن

مشينا من الكافيه وروحنا الجيم. وقفنا قدام الأجهزة نبص عليها ونفكر نبدأ بإيه، وفجأة قالتلي بحماس:

– بقولك إيه يا حسن، أنا طالبة معايا ألعب ملاكمة.

– مش كفاية ملاكمة النهارده؟ الراجل عينه ضاعت!

– خليها تضيع، هو اللي جابه لنفسه.

– بُلطجية إنتي!

– مع البجح بس. 

مررت بصرها عليا وقالت 

_ بس عارف؟ نفسي ألعب مع مين ملاكمة من زمان.

نظراتها قالت من قبل ما هي تقول،  ابتسمت وقلت 

– مين؟

استدارت ناحيتي بكل جسمها، وقالت بثقة:

– إنت.

– وهتقدري عليا؟

– نجرب ونشوف.

زميت شفايفي وقلت وانا نيتي مش تمام 

– أووكي، بس اللي هيفوز هياخد إيه؟

قالت بعفوية 

– عشرين جنيه.

احتفظت بنيتي لنفسي وقلت بتحدي:

– ومية مني.

– موافقة!

مشينا سوا باتجاه الـ Boxing Ring، وأنا مبسوط بالمواجهة اللي جاية واللي كان نفسي فيها من زمان. 
بس فرحتي دي ما طولتش. فجأة اختفت، وتحولت لضيق ودمي بدأ يغلي لما شفت الكابتن أحمد جاي ناحيتنا، عينه عليها هي بالتحديد، ووقف قدامها وقال بابتسامة:

– رحمة! Welcome back. مكنتيش ناوية تيجي تاني؟

بصيت لها بطرف عيني، أراقب ردها عليه، فقالت له بابتسامة واسعة:

– وأنا أقدر؟ ده الجيم ده أحلى حاجة في الدنيا! إزاي ماجيش؟

زاد فوران دمي من ردها المرح وفرحتها، بس حاولت أمسك نفسي علشان ما أثيرش شكه.

قال وهو بيبتسم:

– أنا بحب قوي الحماس اللي بشوفه فيكي كل مرة... بس محتاجة تنتظمي.

رجعت بصيت لها وأنا بكتم غضبي، وشفت ابتسامتها بتزيد وهي بترد:

– حاضر، هنتظم.

وأشارت ناحية الحلبة:

– النهارده هنلعب ملاكمة.

قال بانبهار:

– Kickboxing?! Woow! You're amazing, girl!

ملامحها بهتت، مش فاهمة هو قال إيه، فهمست لي:

– قال إيه؟

همستلها:

– بيقولك إنك مذهلة

رجعت ابتسامتها تتجدد وقالت له بمرح:

– ربنا يكرمك.

ضحك وقال:

– ويكرمك. يلا نلعب؟

استنيت أشوف ردها على طلبه... لكنها بصت لي وبعدين مشيت معاه من غير حتى ما تسألني وكأني مش موجود ولا كأننا متفقين نلعب سوا

#رحمة

خوفت إن قلت له هلعب مع حسن يشك في حاجة، فيقول لياسين، لأني كنت متخيلة إنه عارف إننا كاتبين الكتاب او مخطوبين علي الاقل، لحد ما فاجئني بسؤاله وإحنا واقفين على الحلبة وبيلبّسني القفازات:

_ ممكن سؤال بعيد عن الجيم؟

ممكن...
(حك حاجبه وسأل بتردد)

_ في ارتباط بينك وبين الأستاذ حسن؟

تعجبت لسؤاله، وفورًا نفيت:

_ لأ، هو قريبي... أمهاتنا بنات عم،  لية السؤال ده 

رجع بنظره ناحية حسن اللي واقف مثبت عينه علينا والشر بيخرج منها

_ بلاحظ انه بيتضايق لما بكلمك او ادربك

رجعت بصتله وحاولت اخفي ابتسامتي قدام الكابتن. 
كنت متمنيه اقدر اجري عليه واحضنه في الوقت ده. 
وبعد لحظات من شرودي في النظر ليه فوقني كلام الكابتن وهو بيقول 

_ يعني انتي طلعتي حفيدة نبيل فياض؟

_ أيوه... بنت بنته.

_  أهلًا وسهلًا، تشرفت بيكي يا رحمة. نبدأ؟ حابة تتعلمي حركات دفاع عن النفس طبعًا؟

_ ممكن من ده على ده؟

_ هجوم ودفاع؟

_آه...

_ لا لا، لسه شوية على الهجوم، عضلات جسمك ضعيفة... محتاجة تتمرني أكتر.

ضايقني كلامه وقلت 

_ طيب ما تجرب، مش يمكن بعرف؟

ابتسم وقال 

_ قولتلك بحب الحماس اللي عندك. أوكي، يلا نجرب.

مسك إيديا وعدلهم في وضعية الدفاع. أربكني قربه ومسكة إيديه. حاولت أبعد، لكنه فضل ماسك إيديا وقال

جسمك ضعيف، فإحنا هنشتغل على السرعة وخفة الحركة أكتر، ولحد ما عضلاتك تقوى مع الرياضة والممارسة، هتتفادي الضربات بطرق تانية غير إنك تصديها مباشرة بايديكي، أوكي؟

قلت بربكة:

_ولما هو كده، إيه لازمتها حركة الدفاع دي؟

قال وهو بيسيبني ويتراجع خطوات للخلف

_ دي علشان تحمي وشكك الجميل من أي ضربة...  Ready

_ إيه؟

_مستعدة؟

_ أيوه مستعدة.

أوكي، يلا ابدئي بالهجوم، ومعاكي واحدة واحدة لحد ما تتعلمي.

كان مستهين بيا قوي، ودي أكتر حاجة بتضايقني...
قربت منه وفي عيني نظرة تحدي، وفورًا فاجئته بلكمة في وشه، وقبل ما يستوعب ضربته مقص في رجليه، وقع على الأرض.

ورجعت وقفت مكاني، حاطة إيديا في وسطي وبصاله بثقة زايدة، ناسية إني بتعامل مع مين.

وهو كان على الأرض بيضحك ونظرات الاندهاش في عينه، فقلت:

لقيتك فاكرني تلميذة، قلت أوفر عليك كلام كتير...

وقف بحركة خفيفة سريعة  وقال وهو بيوقف في وضع الاستعداد

_ واضح اني مدتلكش قيمتك، كنت فاكرك تلميذه،  بس طلعتي زميلة 

_مش قوي كده، بس أنا مبحبش اللي بيستهون بيا، أنا أقدر أهزم اتنين قدك في خناقة واحدة.

قال بإعجاب

_ حبيت العب معاكي،، يلا ابدئي بالهجوم.

بدأنا اللعب.
والحقيقة إني بكل الحركات اللي متعلماها مقدرتش عليه، ولا قدرت أضربه ضربة تانية.
هو كابتن وفاهم، وأنا مهما كان اللي اتعلمته بره مش هييجي حاجة جنبه.
واندمجت قوي معاه، لأني كنت بعمل أكتر حاجة بحبها، وده نساني حسن.

وبعد وقت، الكابتن طلب نوقف، ومدلي إيده نتصافح، سلمت عليه وأنا بنهج من التعب، فقال بإعجاب:

_ برافو عليكي، إنتي ممتازة، غيرك بيقعد شهور علشان يتعلم حركة واحدة صح من اللي إنتي بتعمليها.

_ أنا بحب الرياضة من صغري وبتعلم.

_ حلو، مين بقى اللي دربك؟

_ محدش... أنا اتعلمت لوحدي.

رفع حاجبه وقال بعدم اقتناع

_ بتهزري؟

ضحكت وقلت

_وربنا بتكلم جد.

قال بدهشة

_غريبة... أنا قلت إن حياتك كلها في الجيم.

_أول مرة أدخل جيم على إيدك.

رفع حاجبيه بتعجب وقال

_ إنتي بجد مدهشة... وخسارة كبيرة إن واحدة زيك متشتركش في بطولات ملاكمة.

بطولات مرة واحدة! ده أنا...

بترت كلامي لما عيني جت على حسن، اللي واقف بعيد، عاقد إيديه قدامه وعينيه عليا في صمت.
تلعثمت وأنا بكلم الكابتن، استأذنته ونزلت بسرعة عشان أتكلم مع حسن وأفهمه إنه مكنش قصدي أسيبه.
لكنه مشي وسابني.
مسكت الشنطة وجريت وراه وناديته

_حسن! استنى... في إيه؟

ما ردش عليا، وطلع العربية. وصلت وطلعت من الناحية التانية وقلت وأنا بنهج من التعب

ما تستنى، في إيه؟

طالعني بحدة أخرستني، وبعدين شغل العربية ومشي من غير ما يبص لي، ورفض يتكلم معايا لغاية ما وصلني المكان اللي جابني منه. وهناك وقف وقال

_انزلي.

مسكت إيده وقلت

_متزعلش... أنا اتهليت في اللعب...

قال بحدة

_ انزلي يا رحمة.

_حسن، متزعلش ونبي...

هتف بغضب

_بقولك انزلي!

تجمعت الدموع في عيني وقلت

_أنا كنت بـ...

قاطعني وقال

_ مش عايز شرح... أنا شفت بعيني، انزلي خليني أمشي.

_حسن...

_ يا رحمة انا مش عايز اتكلم، لو سمحتي انزلي 

ما اتكلمتش تاني، ونزلت من العربية ومشيت.
وقبل ما يتحرك... شفت صدام جاي بعربيته.

صدام 

لفتت انتباهي لما شوفتها نازلة من عربية واقفة في أول الشارع.
في البداية انشغلت بمين اللي في العربية ده وليه راكبة معاه، بس لما قربت وعرفت إنها عربية حسن، فهمت ليه واقف هنا، وراح اهتمامي وشكي، وصرفت عيني عن عربيته ومشيت كأني مشوفتوش.

وكملت طريقي للشقة.
فتحت الباب ودخلت.
كان في هدوء غريب، وبسبب اللي حصل المرة اللي فاتت مشيت لجوه بحذر.
بحرص من أي حركة غدر ممكن تعملها.
ولكن لما وصلت الأوضة وفتحت الباب، لقيتها نايمة، متوسدة كفوفها على المخدة.
رمتني بنظرة سريعة ورجعت بصّت قدامها بصمت.
قعدت على كرسي التسريحة المقابل ليها وقلت:

– عاملة إيه دلوقتي؟

تنهدت ساخرة من سؤالي.
قلت:

– فاهمك من غير ما تتكلمي. كل اللي عاوزة تقوليه عارفه.
بس مهما تكون حقارتي في عينك دلوقتي، مش هتكون أكبر من حقارتي في عين نفسي.
انتي خسرتيها غصب عنك، بس أنا قتلتها بإيديا، الشعور مضاعف.
وأهو، انتقام ربنا بدأ بدري قوي، من أول قتلي ليها، لغاية الحاجات اللي بتتكشف قدامي واحدة واحدة، وكل حاجة فيهم قادرة تقسم الضهر، ولسه مش عارف اللي جاي هيكون شكله إيه.

ابتسمت بتشفي وقالت :

– كلامك نزل على قلبي زي التلج يا صدام، حاسة ناري بردت شوية.
ربنا يبردها كمان وكمان بمنظرك وإنت بتقتل نفسك من حرقة قلبك.

– فرصتك يا يسرا، ادعي لو ده هيريحك.

قمت ومشيت باتجاه الباب، فجاني صوتها بتقولي:

– وقف عندك.

وقفت من غير ما أبصلها، فقالت:

– عايزة تطلقني ودلوقتي حالاً.

رديت من غير تفكير ولا محاولة لتغيير رأيها:

– ماشي.
الشقة دي بقت بتاعتك، خليكي فيها.
وتقدري تبعتي لأهلك لو شايفة إنك محتجاهم معاكي،
ولو في أي وقت احتاجتي حاجة، متتردديش تكلميني.

_ مش عاوزه منك غير كلمة واحدة بس، وهي انتي طالق،  قوليها وريحني

_ انتي طالق يا يسرا، ورقتك هتكون عندك.

تحركت عشان أمشي، فقالت بصوت متحشرج:

– وعايزة فيروز تجيني شوية.

– هقولها.

طلعت من هناك وروحت على المأذون فوراً.
كنت عارف إن طلبها ده مش طلب في ساعة غضب وهتروح لحالها،
وإنه نابع من جواها، وإنها تفضل على ذمتي أكتر حاجة هتتعبها، فطلّقتها، وعلى يد المأذون كمان.
وبعدين كلمت فيروز.

فيروز

لما شفت اسمه على شاشة الموبايل، قلبي دقّ بسرعة.
اتخيلت إنه عايز يتكلم معايا، يعتذر، يبرر، يقول أي حاجة تخصنا… نسيت كل حاجة وفرحت، لكن الفرحة ما طولتش.

و أول كلمة قالها كانت كفيلة تبدد اي امل  جوايا.

قال باختصار:

– يسرا طلبت تشوفك.

بلعت غصتي وسكت، فكمل:

– هي في الشقة الجديدة، لو عايزة تروحي، السواق مستنيكي. قولي له بس إنك رايحة ليها وهو يوصلك.

سألته بصوت مهزوز:

– هي طلبت

قال من غير تردد:

– طلبتك بالاسم.

قلت وأنا بحاول أخبي وجعي:

– ماشي، هروحلها.

– أوكي.

قالها وسكت، وبعد لحظة قفل السكة.

تناسيت الألم، وجهزت نفسي ورحت على الشقة.
أول ما فتحت الباب وشفتها، قلبي اتقبض.

كانت متعبانة… وشها شاحب، عينيها مطفية.
أول ما عنيها وقعت عليا، دموعها نزلت بغزارة، وبكت من غير صوت،
حضنتها وبقيت سامعة أنفاسها المتقطعة كأنها مدبوحة
حضنتها أكتر وطبطبت عليها، وقلت:

– ربنا يصبرك… تعالي.

سندتها لحد الأوضة، قعدت على السرير، قعدت جنبها وقلت :

– حمد الله على سلامتك.

قالت بصوت مختنق:

– هي فين سلامتي؟… مابقاش في حاجة سليمة.

طبطبت عليها، وقلت:

– ربنا كبير… بنتك هتستقبلك على باب الجنة شفيعة ليكي إن شاء الله.

ماقدرتش تمسك نفسها، خرجت من سكونها ودخلت في نوبة بكاء هستيرية.
حضنتها بقوة، وأنا بحاول أهديها، لحد ما تعبها هدها وسكتت شوية.

بعدت عني، وقالت بوجع:

– آه يا فيروز، لو تعرفي أنا حاسة بإيه دلوقتي… تعبانة، وهموت 
وأكتر حاجة دبحاني إن أبويا، اللي المفروض يكون ضهري وسندي، يزعق لأمي ويقولها "كتر خيره إنه بيطيب خطرها، ماتخربيش على بنتك!.
 كان المفروض يعمل فيا إيه عشان أبويا يوقفله؟
دول مشيوا لما طلب منهم، ما فكروش هيحصلي إيه بعد كده!

– ربنا موجود، هو الحامي والسند… ماتزعليش نفسك، علشان صحتك.

قالت ببكاء:

– تعبانة أوي… لو كنت قعدت لوحدي كنت انتحرت.
خليكي معايا والنبي.

– حاضر، مش هسيبك. تعالي، تعالي ارتاحي.

ساعدتها تنام، وغطيتها، وسألتها بهدؤء:

– خدتي دواكي؟

هزت راسها بالنفي.
قلت: 

– طيب أكلتي حاجة؟

– لأ…

– ليةكده، هتتعبي أكتر… هجبلك أكل.

– مش عايزة.

– لازم تاكلي… استني هجبلك واجي.
كامليا

اللي كان بيراقب قالي إنه راح الشقة التانية، وبعدها راح للمأذون، ومن هناك على الشغل…
بس ما جابش سيرة المعمل ولا اي مكان تاني وده خلاني محتارة وخايفة.
يعني لو ما راحش المعمل عشان يتأكد إن حمزة مش ابن زيدان … يبقى هيروح  فين؟. 

القلق كان بيأكل فيا، وحسيت إن النهاية قربت، وإن كل حاجة هتضيع مني…
هخسر كل حاجة، وهخسر ولادي الاتنين.
دماغي كانت هتنفجر، مش قادرة أجمع، فاتصلت بعز يمكن يقولي كلام يهديني

رد عليا :

– أيوه يا روحي.

قلتله وأنا متوترة:

– أنا واقعة في مصيبة كبيرة يا عز.

قال :

– الله، مصيبة إيه بقى؟

– صدام عرف إن زيدان كان عايز يقتل حمزة!

سكت ثواني وبعدين قال:

– مين قاله؟

– معرفش! وده اللي هيجنني!
أنا مرعوبة، خايفة يكون عرف أكتر من كده… الولد جالي بيقولي "بابا كان عايز يقتل حمزة ليه؟"،
وشاكك انه ممكن ميكونش ابن زيدان.

صوتي اتكسر:
– أنا بخسر ولادي يا عز… وصدام مبقاش ابني، ده بقى عدوي.

رد عليا بهدوء استفزني:

– اهدي يا حبيبتي، انفعالك مش في مصلحتك…
قوليله معرفش، واثبتي على كلامك.

– إيه الهدوء اللي بتتكلم بيه ده؟
أنا بقولك الولد شاكك فيا!

– ما يشك، هيعملك إيه يعني؟

– إنت بتهزر ولا مش فارق معاك اللي ممكن يحصلي؟

–فارق  يا حبيبتي وخايف عليكي، بس اللي ابنك عرفه يدين زيدان، مش انتي.
ومادام المعلومة ما جتش من أبوه، يبقى صدقيني مش هيعرف أكتر من كده.

كلامه خلاني أفوق على حاجة مهمة جدًا…
زيدان!
بقينا مش بنسأل عنه، ولا عن تطورات حالته.
أنا عمر عيني ما غفلت عن حاجة… بس فاتتني دي!

قفلت مع عز بسرعة، ونزلت على طول.
دخلت أوضة زيدان، وطلبت من الممرضة تخرج.
قربت منه، بصيتله كويس، يمكن أشوف أي حركة… أي تعبير.
بس مفيش…
كان ساكن كأنه جثة، ملامحه متجمدة.

هزيت وشه وقلت:

– زيدان!

ما اتحركش.
ف قرصته بكل قوتي… وبرضو ما اتغيرش حاجة.
قلقي بدأ يخف.

تنفست بعمق وقلت:

– الحمد لله إنك لسه ميت… وإلا كنت موتك بجد.

خرجت من الأوضة وأنا مطمنة، فلقيت صدام داخل من باب الفيلا.

كان ماشي بخطوات ثابتة، وقرب مني ووقف قصادي،
قال بجفاء:

– لحد ما نعرف الحقيقة… الأوضة دي متحرمة عليكي.

استجمعت قوايا اللي كانت راحت بسبب اللي حصل، وقلتله:

– ومين اللي حرمها 

– أنا.

قلت بسخرية:

– إنت؟! اممم… وليه ان شاءلله؟

– كده.

– والله؟! …
ده أنا بقيت في نظرك مجرمة رسمي وممكن أقتل أبوك.
أمال لو ما كنتش قلتلك إنه شاكك فيكم إنتوا الاتنين إنكم مش ولاده،
كنت عملت فيا إيه؟!

قال بهدوء غريب:

– هنعرف كل حاجة.

ودخل…
قلبي رجع يدق بسرعة، والتوتر مسكني من جديد.
مش عارفة بيفكر في إيه… ولا ناوي يعمل إيه.

---
صدام

كنت بفكر في مليون طريقة اعرف بيها المستخبي

أولهم: نعالج أبويا، ولما يفوق نسأله…
بس الطريقة مش مضمونة، مش هقدر آخذ راحتي،
ولو اللي شكيت فيه طلع صح، ممكن أكون بأذيه أكتر.

تاني طريقة: رقية.
بس لو كلمتها، حمزة هيشك… وده مش وقته.

فكرت أعمل تحليل…
بس التحليل يعني معمل وناس،
ولو طلع سلبي، تبقى فضيحة،
وحمزة هيعرف… وكل حاجة هتخرب.

لكن في كل الأحوال، كان لازم أبدأ والبداية من عند مديحة.
هي الوحيدة اللي ممكن تقوللي إذا كان شكي في محله… ولا لأ.

تعليقات



<>