رواية أنين القلوب الفصل الثالث عشر13 بقلم داليا السيد


رواية أنين القلوب الفصل الثالث عشر13 بقلم داليا السيد




"لا يا عمي، أنا قراءتها كلها" 
نظر كاظم إليها وقال "لا، هناك رواية أخرى لا أتذكر اسمها، هيا اذهبي وأحضريها" 
شعرت بالضيق لأن الوقت تأخر وجاسر على وصول وهي لا تريد أن تراه كما اعتادوا ولكن كاظم أصر فلم تملك إلا ا أنن تذهب للبحث عما يريد..
عادت إليه بأكثر من رواية وأخذ يجادلها إلى أن حدث ما كانت تخشاه ورأته وهو يدخل سقط الكتاب من يدها بمجرد أن التقت عيونهم وتجاوز الجميع عن الكتاب المفقود
لم تستطع أن تبعد عيونها عنه ولا هو فقد شعر أنه اشتاق لرؤيتها وتمنى أن يراها وها هي أمامه؛ نفس الجمال، نفس البراءة بعيونها ولكن ذلك الحزن ارتسم داخل مقلتيها، هالات سوداء دارت حول عيونها أضاعت بريق بهجتها، لم يعد وجهها مشرق وإنما شاحب أصفر كأوراق الخريف الذابلة 
لا يعلم لماذا شعر بحزن أو ألم؟ تمنى لو أسرع إليها وأخذها بين ذراعيه ليشعرها بالأمان ويسالها هل تشعر بما يشعر به؟ ولكن لا، لن يعود للضعف لقد اتخذ القرار وسينفذ ولن يتراجع 
أبعد عيونه عنها ونظر لوالده وتقدم قائلا "ما زلت مستيقظ اليوم!؟" 
أبعدت عيونها عن عيونه التي كانت تتمنى رؤيتها؛ كم افتقدته، كم تمنت لو ظل حتى جاسر الذي عرفته قبل أن ، حدث ما حدث كان وقتها يحدثها وتحدثه يراها وتراه، ولكن فات الأوان، أخفضت عيونها لتداري أنين قلبها الحزين 
نهضت لتنجو بنفسها من الآلام التي ستنهال عليها وقالت "اسمحوا لي"
لم ينظر لها أما كاظم فقال "اجلسي جي، لن تذهبي قبل أن ننتهي، تعالى يا جاسر أنا أنتظرك لم أراك منذ يومين" 
جلس أمام والده وأمامها ولكنها لم تنظر إليه فقال "كنت سأوقظ حضرتك عندي أمور كثيرة أريد رأيك فيها" 
ونظر إليها فقال كاظم "أمور سرية أم ماذا؟" 
أجاب بهدوء ظاهري لكن داخله كانت نيران مشتعلة ومؤلمة قاومها ودفنها داخله "لا، عائلية" 
تراجع كاظم وقال "إذن تحدث جي من العائلة" 
كادت تنهض أثناء كلماته ولكنه أمسك يدها وأكمل ما قاله فجلست ونظر جاسر إليها ثم قال "لي لي" 
رد كاظم "ماذا بها؟ لقد كانت معي منذ قليل هل حدث شيء" 
قال "لا، هناك خاطب تقدم لها" 
وأخيرا عادت بعيونها إليه وكانت عيونه تحدق بها فشعرت بالخوف أكثر ولا تعلم لماذا تشعر أن عيونه تتوعدها؟
سمعت كاظم يقول "خاطب؟ من هو؟" 
عاد لكاظم وقال "حسام، الرائد حسام الذي كان يباشر قضيتك الأخيرة، هو ضابط ناجح أنا شخصيا لا أحبه ولكني معجب بنجاحه، بصراحة هو ابن ناس أسرته معروفة والده لواء سابق، والدته ابنة مستشار، عمه رجل أعمال معروف، شقته موجودة كما قال وفوق كل ذلك" 
وصمت فنظرت إليه وكذلك فعل ولاحظ كاظم النظرات فتركهم قليلا قبل أن يقول "ماذا؟ أكمل" 
لم يبعد عيونه عنها وقال "معجب بها و، يحبها" 
دق قلبها ورأى صدرها الذي يرتفع مع أنفاسها وعيونها التي تحدق فيه، لم يعرف ماذا تريد منه قال كاظم "وأنت؟ جاسر!؟" 
انتبه لوالده وقال "ماذا!؟ ماذا قلت؟" 
كانت عيون كاظم تعلن عن إدراك لما يدور أمامه ومع ذلك تجاوز عنها وقال "أسألك أنت عن رأيك؟" 
أجاب وهو يبتعد عن مواجهة والده "هو جيد ولكني لم أعطيه أي رأي طبعا قبل الرجوع لحضرتك ثم رأيها فقد تكون هي أيضا تحبه" 
وعاد لعيونها التي كانت تواجهه وكأنها تخبره أنها هي التي تحبه وتريده وتتمناه ولكن قلبها يتفق مع عقلها أنها لابد أن تبتعد فقط من أجله لابد أن تعيش في الأنين إلى الأبد 
نظر كاظم إليها وقال "جي هذا دورك؛ أريدك أن تعرفي رأيها وتخبريني به" 
هزت رأسها ولم ترد فعاد ونظر لجاسر وقال "أرى بعيونك كلام آخر هيا تحدث" 
قام مبتعدا وقال وقد عرف أنه آن الأوان أن يعرفوا بالأمر فلا يمكن إخفاؤه خاصة هي، لابد أن تعرف لتبعد تلك العيون عنه فقال "أنا وندى" 
ارتعشت يداها وتسارعت دقات ذلك القلب الذي لا يمكن مسامحته على ما فعله بها، قال كاظم "ماذا!؟ أتمنى أن تكون قررت تركها" 
نفخ وهو يمرر يده بشعره وقال "بابا! حضرتك تعلم أن ذلك لن يحدث بل العكس" 
تعلقت عيونه بها وقد عرفت هي بما سيفعله بها وبقلبها، سيقطع كل شيء، قد أدرك أنها على حق؛ حياته ونجاحه مع ندى، هكذا قالت له وهكذا سيفعل قال سنقيم زفافنا آخر الشهر" 
ترقرقت الدموع بعيونها فأغلقتها لتمنع نزولها وشعرت بالدنيا تدور بها، شعرت بيد تمسك بيدها فتحت عيونها فرأت يد كاظم وهو ينظر إليها بحنان ثم نظر لابنه وقال "أنت متأكد من قرارك هذا؟" 
ابتعد وقال "نعم لقد اتفقت مع محسن على كل شيء، الاتفاق الأمريكي والشراكة و، والزواج" 
تجهم وجه كاظم وأدرك اندفاع ابنه الذي لا يمنح قلبه فرصة ليعيش فقال " فلتفعل ما تشاء يا جاسر، هي حياتك وأنت حر فيها ولكن أنت تعلم أني لا أوافق عليها" 
هز رأسه بالإيجاب وقال "وأنا سأريحك منها سآخذ لها فيلا ولن تراها إلا بالمناسبات" 
لم تعد تتحمل فالألم أقوى من أن تتحمله، أرادت أن تنهض وتبتعد لأبعد مكان ولكن يد كاظم منعتها حتى من التفكير وكأنه يرغب بأن يهبرها ألا تضعف وتخبر ذلك المغرور -نها أقوى منه ولكنها ليست كذلك
قال كاظم "ستتركنا جاسر؟ ابني الكبير يتركني ويقيم بعيدا عن بيت العائلة؟ هل أنت في وعيك يا جاسر؟" 
نظر إليها، عيونه تبحث عن عيونها المتألمة ولكنها لم تعد معه في الواقع، لقد ضاعت مع كلمات الزواج التي نطق بها، سيتزوج ويرحل، سيكون بأحضان امرأة أخرى غيرها 
لماذا؟ لماذا يفعل القدر بها ذلك؟ هي لم تفعل أي شيء ليحدث لها كل ذلك، على ماذا تعاقب؟ على حبها له\ ليتها لم تفعل 
"بابا من فضلك هذه حياتي وهذا قراري وأنا لن أتراجع وحضرتك تعلم أني لن أتركك سأكون هنا في كل وقت ولن تشعر بغيابي" 
هز كاظم رأسه وقال "الأمر بيدك، هي حياتك، هيا اذهب ونام أم أن هناك شيء آخر" 
عاد بعيونه لها ولكنها لم تعد تنظر إليه لقد هزمها ونفذ لها ما أرادت وفعل كما قالت فهل ارتاحت الآن؟ بل هل ارتاح الاثنان؟ قال "أنا راحل للخارج بعد الغد، مايكل يريدني هناك سأترك الشركة بيد علي وسيأتي كل يوم ليطلعك على كل شيء" 
هز الرجل رأسه ولم يرد فتحرك جاسر وقال "هل تريدني في شيء؟" 
قال كاظم دون النظر له وكأنه لا يرغب برؤيته "لا" 
نفخ مرة أخرى وقال "طابت ليلتك" 
وألقى عليها نظرة وتمنى لو تنظر إليه، تمنى لو يعلم ماذا ستفعل وإلى أي مدى ستتحمل ولكنها لم تنظر إليه ..
لاحظ والده نظراته وتركه يفعل إلى أن قال "هل أنت بخير جاسر؟" 
نظر لوالده وأدرك نفسه فقال "ماذا؟ نعم، أقصد نعم أنا بخير، هل تريد مني شيء؟" 
هز كاظم رأسه وقال "نعم أريد، أريدك أن ترحم قلبك وتمنحه فرصة لأن يعيش، أنت تقتله يا جاسر" 
نظر لوالده وضاقت عيونه وهو ولا يفهم ما يقول فقال "قلب!؟ أي قلب؟ حضرتك تعلم أن قلبي وظيفته أن يمنحني الحياة، ليس له عندي أكثر من ذلك" 
ابتسم الأب بحزن على ابنه وقال "حياة، أي حياة التي تتحدث عنها؟ هل لديك حياة تعيشها؟ أنت تضحك على نفسك يا جاسر وتوهم نفسك بأن ما تفعله صواب، أنت ترى الحياة أمامك تتمنى رضاك، الحياة الحقيقية، السعادة، الحب والحنان ولكنك تغمض عيونك عنها وتتصنع عدم الرؤية وتجرحها فلا تفعل ذلك يا بنى كي لا تندم" 
سالت دموعها غصبا عنها ولم تعد تتحمل فنهضت واندفعت خارجة لتهرب من هذا الجحيم الذي تستعر بنيرانه، لا يمكنها أن تبقى أكثر من ذلك، الألم أصبح أقوى من أن تتحمله 
تابعها بعيون حزينة وهي تفر من أمامه، هو سبب كل ذلك، هو من تعمد أن يؤلمها كما كانت السبب بالألم الذي عاش به منذ عادوا من شرم، هي السبب بالحيرة التي لفته وجعلته لا يعرف ماذا يفعل وما الذي حدث له؟ 
كاظم أيضا تقطع قلبه عليها، هو من أحضرها هنا كي يسعدها ولكنه لم يعرف أنه يدمرها ويقتل سعادتها بيده، نظر لوالده فأخفض الرجل عيونه لم يعد هناك أي كلمات يمكن أن تقال فتحرك خارجا هو الآخر، هل يمكن أن يكون والده فهم ما بينهم؟ هل يقصدها هو الآخر وتألم لألمها وشعر بأنه جرحها جرح لن يمكنه مداواته في أي وقت؟ 
لم يتجه لغرفته وإنما نظر إلى باب غرفتها وسمع صوت بكائها، أغمض عيونه وتعالت أنفاسه واتجه إلى الباب، أمسك المقبض وأداره حتى كاد يفتحه ويدخل ليأخذها بين ذراعيه ويطلب السماح ولكنه تراجع، أي سماح الذي يطلبه جاسر المنياوي من ممرضة؟ إنه لم يعدها بشيء، هي التي فعلت ذلك بنفسها 
أعاد المقبض وتركه واستدار وهو يتجه إلى الخارج وانطلق بسيارته وما زال صوت أنينها وبكائها يملأ أذنه، توقف بالسيارة بجانب البحر ولم ينزل ما زالت عيونها الباكية تطارده، ما الذي يربطه بها بتلك الدرجة؟ هل هو الحب الذي تحدث عنه حسام؟ 
لم يعد يعلم أين الإجابة وأين الإجابة على الأسئلة، عاد إليه صوت بكائها فوضع يديه على أذنه عله لا يسمعه ولكنه لم يدري أنه كان صوت أنين قلبه هو أيضا وليس فقط قلبها


تعليقات



<>