
رواية أنين القلوب الفصل الثالث والعشرون23 بقلم داليا السيد
حبس
تحسنت كثيرا بعد عدة أيام وانتقلت إلى شقة أخو وائل وكانت تلك المرأة القصيرة تأتي لترى طلباتها، وائل كان يتصل بها ليطمئن عليها. بالطبع غيرت رقم هاتفها وأخيرا بدأت تستعيد نفسها
أحضرت المرأة الطعام وقالت "هل تريدين خدمة أخرى يا ست جي؟"
هزت رأسها نفيا وقالت "لا شكرا يا أم زينة، يمكنك الذهاب"
قالت المرأة بطيبة وحنان "لا لن أذهب إلا بعد أن تتناولين الطعام كله، أنا أيضا أريد مشاهدة المسلسل معك مثل كل مرة، هل أفتح التليفزيون؟"
ابتسمت وقالت "نعم افتحيه"
فتحته المرأة وما أن فعلت حتى رأت صورة جاسر، كادت المرأة تغير القناة ولكنها اسرعت تقول "انتظري، انتظري لا تغيري"
اندهشت المرأة بينما حدقت هي بالتلفزيون واستمعت للأخبار والمذيع يقول "وقد تم القبض على رجل الأعمال المعروف جاسر المنياوي بعد أن ثبت تورطه في إدخال شحنة أدوية منتهية الصلاحية وغير مطابقة للمواصفات"
وضعت يدها على فمها ودق قلبها بلا تصديق، هل يمكن أن يحدث له ذلك؟ لم تنتظر وهي تنهض رغما عن رفض المر-ة لذلك ولكنها لم تستمع لها وهي تستبدل ملابسها وأم زينة ما زالت تحاول أن توقفها أو تفهم أي شيء ولكنها لم تتحدث
أسرعت إلى القصر فهو كل ما أمكنها التفكير به وما أن فتح لها الخادم لها حتى اندفعت إلى الداخل ورأت لي لي بقاعة الاستقبال منهارة من البكاء وحسام يحاول أن يخفف عنها
توقفت وهتفت "لي لي"
حدقت بها الفتاة بدموع وبلا تصديق حتى هتفت "جي، يا الله! جي"
واندفعت الفتاة إلى أحضان صديقتها الوحيدة وهي تنهار من البكاء وتقول "هل رأيتِ ما حدث؟ جاسر لا يمكن أن يفعل ذلك، لا يمكن"
شدت عليها وقالت "أعلم لي لي، أعلم، اهدئي الآن كي نستطيع أن نفكر ونعرف ماذا سنفعل؟"
ابتعدت ونظرت إليها وكأنها عادت من اللا وعي للواقع فجأة وقالت "أين كنتِ جي؟ ما الذي حدث؟"
لكن اقترب حسام وقال "لي لي هل نجلس أولا ونتحدث بهدوء؟ موضوع جاسر أكبر منا جميعا"
نظرت إليه وقالت "كيف حدث ذلك؟"
قالت لي لي "جاسر أخبرني أن محسن هو الذي قدم له ذلك المندوب فبالتأكيد هو الذي دبر كل ذلك"
نظرت إليها وقالت "هل التقيتم به؟"
نظرت لي لي إليها بحزن وألم وقالت "لا، ليس مؤخرا، لقد رفض لقائنا جميعا وأعتقد أنه"
ولم تكمل فأخفضت هي عيونها ولي لي عادت تقول "اذهبي إليه جي هو بحاجة إليك" بادلتها النظرة ثم لفت وجهها لحسام الذي كان يتفهم نظراتها ثم أبعدت وجهها ودمعت عيونها وقالت
"لا، لا يمكن أن أفعل"
قالت برجاء "جي جاسر يحبك ويحتاج إليكِ"
قامت وابتعدت وهي تقول "جاسر ليس بحاجة لأحد ولن يضعف أمام أحد خاصة أنا وأنا لن اذهب إليه، لن أفعل"
تبعتها لي لي وقالت "جي أنتِ بريئة أليس كذلك؟ أنا لم أصدق ما حدث"
نظرت إليها وإلى حسام الذي ابتعد وقال "سأجري مكالمة بالخارج"
لم يهتم به أحد وكلاهم تحدق بالأخرى حتى قالت "أنتِ تسالين أم تجيبين على السؤال؟"
ظلت تواجها حتى قالت "أنا لم أعد أعرف أي شيء، لقد انقلبت كل الموازين؛ أنتِ أصبحتِ خائنة وأخي أصبح مجرم، أنا لم أعد أعرف شيء، أنا لا أعرف ماذا أخبر دادي عندما يسألني عن جاسر؟ هل تعلمين أن جاسر لا يتحدث مع دادي منذ ما حدث بينكم؟ يعتبره المسؤول عما حدث بينكم ومن وقتها وهو طريح الفراش، لقد تدمرت أسرتنا يا جي وأنا أصبحت وحدي ولا أعلم ماذا أفعل؟"
وعادت إلى البكاء فجذبتها جي إلى أحضانها وقالت بحنان "أنا آسفة حبيبتي، انها ندى، ندي هي السبب؛ دمرتنا جميعا ولكن أنا لن اتركها تهنئ بما فعلت فقط أحتاج للوقت وخطة، دعينا نذهب للمحامي ربما يمنحنا مفتاح البداية"
واجهت لي لي عيون جي القوية بشكل أدهشها وقالت "ستسامحينه يا جي أليس كذلك؟ تعلمين أنه كان لديه العذر ليفعل ما فعل"
حدقت بها وقالت "وأنا؟ ألم يكن لدي عذر أنا أيضا؟ ألم يكن من حقي أن يسمعني؟ أو يمنحني حتى الفرصة للدفاع عن نفسي"
أخفضت لي لي وجهها وقالت "لا تنسي أن ما رآه ليس بهين، هو شرفه وكرامته جي"
هتفت بألم "وما كنت أعانيه أيضا لم يكن هين كيف صدق أصلا أنني يمكن أن أفعل ذلك؟ متى سيعرفني لي لي؟ متى سيدرك أن الممرضة ابنة السائق ليست بتلك الأخلاق؟ هذه هي المرة الثانية التي يصدق فيها ويصدق من؟ ندى؟ صدقها هي وكذبني أنا، أعلم أني أخطأت لأني صدقتها ولكن هو أيضا صدقها أنا لم أعرفها مثله وصدقتها وهو الذي يعرفها أكثر صدقها أيضا فمن منا المخطئ؟"
حكت لها ما حدث فابتعدت لي لي وقالت "لا أعلم؟ كلاكما صواب، ولكل منكم أسباب تبرر موقفه فكيف تلتقيان مرة أخرى وتتفاهمان؟"
سالت دموعها وقالت "لم يعد هناك أمل في اللقاء أو التفاهم، لقد انتهى كل شيء، جاسر قطع كل أمل في العودة؛ إذا كانت كرامته تأبى عليه أن يعترف أنه أخطأ في حقي فأنا أيضا كرامتي تأبي عليّ أن أسامحه، هذا إذا اعترف بخطئه وهو ما لن يفعله بأي يوم، لقد انتهى الأمر كما قال وأنا هنا ليس من أجل كل هذا، أنا هنا من أجلكم أنتِ وعمي، سأظل بجانبكم إلى أن يعود جاسر وبعدها لن يراني مرة أخرى للأبد"
عندما وصلوا إلى المحامي نظر إليها وقال "الأمر ليس بسهل مدام جي، جاسر بيه وقع على الأوراق سواء برضاه أو دون علمه والمندوب اختفى ولم نصل إليه وكذلك محسن وابنته"
سكتت قليلا ثم قالت "وإذا وصلنا لندى ومحسن هل نستفيد شيء؟"
ضاقت عيونه وقال "لا، بالتأكيد لا لأنهم لن يعترفوا على أنفسهم، إنهم هم من فعلها ولن يعترفوا على أنفسهم وإثبات أن جاسر بيه برئ"
كانت تفكر بالكلمات وتتحدث بثقة جديدة عليها وهي تقول "كم من الوقت أمامي قبل صدور الحكم على جاسر؟"
قال "أسابيع قليلة، القضية محكمة والنيابة لديها أوراق وأدلة مادية "
قالت "ولكني بحاجة للوقت"
اقترب من حافة مكتبه وقال بعيون كلها فضول "لماذا؟"
نظرت إليه بنفس القوة وقالت "لأثبت براءة جاسر أو أعود باعتراف ندى ومحسن وأيضا لأنقذ ما تبقى من الشركات فحضرتك تقول أن كل شيء ينهار، أنا بحاجة للكثير، أولا ليست لي سلطة على شركات جاسر وأنا لا أعرف كيف سأتحرك"
تراجع المحامي ونظر إلى لي لي وقال "توكيل من جاسر إلى أخته ومنها إليكِ ويصبح الأمر بيدك فقط أخبريني بما برأسك لوضعه في إطار قانوني صحيح" نظرت إلى لي لي ثم إليه وبدأت تتحدث..
نظر جاسر إلى لي لي التي كانت تجلس بمكتب المأمور في انتظاره، ما أن رآها حتى كاد يعود لولا أن أسرعت إليه وقالت "جاسر انتظر، أرجوك لا تذهب"
نظر إليها وقد تغيرت معالمه وبدت بعيونه نظرات لا معنى لها وأطلق للحيته العنان وتحلقت عيونه بالأسود، اقتربت منه وأمسكت يده وقالت برجاء "اشتقت لك جاسر، اشتقت لك جدا"
لم يستطع أن يقاومها فجذبها إلى أحضانه رغم كل ما يمر به إلا أنها أخته الصغيرة التي اعتبرها ابنته المدللة ومنحها حبه وحنانه، أغمض عيونه من الألم ثم أبعدها وقال ب-لم وحزن "بابا؟"
قالت "لا يعرف شيء، جي أخبرته انك سافرت"
شعر بالغضب يجتاحه فدفعا بعيدا وقال "كيف تسمحين لها أن تدخل القصر؟ هل تظن أنها ستملك كل شيء بغيابي؟ لا إياكِ أن تأمني لها إنها خائنة، بلغي مايكل وهو سيتعامل معها لابد أن أقتلها"
قالت باستنكار "لا، لا جاسر أنت لن تفعل بها ذلك، لابد أن تسمعها جاسر، جي بريئة ندى هي من دبر كل شيء، كيف صدقت ندى وأنت تعلم أنها لا تبغي سوى الدمار لنا جميعا؟ جي لم تفعل أي شيء سوى أنها صدقت ندى ولم تظن أنها تتلاعب بها، أنت جاسر، أنت تعلم مدى براءة جي ومدى خبث ندى، جاسر.."
ولكنه ثار وهو يقاطعها "قلت لا أريد أن أسمع اسمها ولا أي شيء يخصها، لابد -ن تكذب لتبرئ نفسها، لو استطعت أن أخرج من هنا لذهبت لها وقتلتها بيدي"
هزت رأسها بالنفي مستنكرة كلماته وقالت "لا جاسر جي تحبك و.."
قاطعها بقوة "لا تذكري الحب أمامي فهو الذي دمرني، هو الذي جعلني ضعيفا وجعل ندى ومحسن يتلاعبون بي وفي النهاية من بعت الدنيا من أجلها باعتني فأين الحب؟ أين؟"
وضرب الحائط بقبضته بقوة والألم يعتصر قلبه وهي تتألم له وقالت بألم مماثل "لا جاسر، الحب ليس ضعف وإنما قوة، أنت ظلمت جي، جي بريئة جاسر ولم تفعل شيء خطأها الوحيد هو أنها صدقت ندى وأنت أيضا صدقت ندى وأنت تعرف النتيجة فلماذا لا تصدق آنها الحقيقة؟"
ابتعد وهو يستمع كلامها فهو أيضا صدق ندى ولكنه في النهاية صدق عيونه التي رأتها فقال بنفس الغضب "بل صدقت عيوني التي رأتها بين أحضانه، ماذا كان مطلوب مني وقتها أن أفعل؟"
قالت برجاء واضح "أن تدرك أنها خدعة وقعت هي فيها، أن تسمعها، أن تبحث وتتحرى الدقة خاصة إذا جاء النبأ من شخص مثل ندى، لماذا لم تجعل رجالك يتحروا عن ذلك الرجل؟ أو يبحثون وراء ندى؟ أنت فقط ظلمت جي"
أغمض عيونه ربما هي على حق وعندما لم يرد عادت لي لي تقول تستبدل الموضوع "على العموم أنت وحدك من يمكنه معرفة الحقيقة هذا إذا كنت تريد أن تعرفها أصلا، والآن أنا جئت لأمر آخر؛ الشركات واقفة ولا يوجد من يديرها والمحامي طلب مني أن أنزل وأدير كل شيء ولكني بحاجة لتوكيل منك فهل تفعل"
نظر اليها وقال "أنتِ؟ وكيف تستطيعين وحدك؟ أنتِ لا تعرفين شيء عن عملنا"
قالت محاولة إخفاء ارتباكها "المحامي سيساعدني وبابا وأنت وحسام، المهم إنقاذ ما تبقى من أملاكنا جاسر"
هز رأسه وقال "حسنا اجعلي المحامي يأتي ليقوم باللازم ولكن لا أي شيء دون الرجوع لبابا أو للمحامي وهاتفي مايكل هو سيساعدك في كل شيء"
هزت رأسها فاستدار ليذهب ولكنها نادته "جاسر"
توقف فقالت "لآخر مرة أخبرك أن جي بريئة وتحبك وكانت ضحية ندى ولا تنسى أنها ما زالت تحمل ابنك أو ابنتك"
لم يرد وانطلق إلى الخارج حيث أعاده الحارس إلى الحبس الذي أصبح دنيته الجديدة والغريب أنه لم يشعر بالفارق؛ لقد شعر بالحبس منذ أن طلقها، لقد حبس نفسه في ذكرياته معها وسعادته القليلة التي عاشها ....
عيونها، أنفاسها، ضحكتها، لمساتها، أحضانها، لماذا لا يريد أن يصدق براءتها؟ لماذا صدق ندى وكذبها؟ أخته على حق ندى ليس الشخص الذي يمكن أخذ أي خبر منها والآن بعد الذي هو فيه بسببها، عليه أن يعيد تفكيره في امر جي وربما يرسل من يتحقق من براءتها...
أمسك رأسه واستند إلى الحائط وهو لا يعلم من أين أتى كل ذلك ولماذا؟ ولكن مرة أخرى أدرك أن أخته على حق؛ إنها ندى، فهي التي فعلت كل ذلك