
رواية أنين القلوب الفصل الرابع والعشرون24 بقلم داليا السيد
موت
بالطبع لم يمكنهم إخفاء الأمر أكثر من ذلك على العجوز خاصة عندما رآها موجودة، لم يقتنع بأنها جاءت في غياب جاسر وستعود مرة أخرى بعودته وبالطبع تداولت الأخبار ليقع الخبر أمامه دون قصد وعندما دخلت هي عليه رأت وجهه شاحبا
أسرعت إليه وهي تقول بفزع "عمي ماذا بك؟"
قال بضعف "ستخرجينه أليس كذلك؟"
لم تفهم شيء فقالت "لا أفهم شيء عمي"
أغمض عيونه وهو يحاول أن يتنفس وقال "جاسر، هو برئ مثلك تماما كلاكما مظلوم وأنا أعلم ذلك وأعلم أن قلبك مجروح منه ولكن عليكِ ألا تتخلي عنه، أنتِ من سيثبت براءته أشعر بذلك، فقط أريدك أن تخبريه أنني سماحته على ما قاله لي وأني أحبه أكثر من نفسي ويوم أن اخترتك له كنت أتمنى أن يرى السعادة ويشعر بالحب ولو كنت سأعيش إلى أن يخرج كنت سأفعل مرة أخرى وأعيدك إليه ولكن لم يبقى في العمر أجل"
كلماته جعلتها تشعر بالخوف عليه فقالت "بابا ماذا تقول؟ أرجوك لا تتحدث هكذا أنت بخير"
حاول أن يبتسم ثم قال "أنتِ ما زلت حامل في حفيدي أليس كذلك؟"
سالت دموعها غصبا وهزت رأسها بالإيجاب فابتسم بضعف وقال "لو بنت امنحيها اسم أمل لأنني ما زال لدي أمل في أن يعود إليكِ، لن أجبرك على شيء فقط هو طلب واحد؛ لا تتركيه"
عادت إلى البكاء فقال "أريد أن أرى لي لي، هل تخبريها؟"
هزت رأسها بلا كلمات وأسرعت بإحضارها وما أن وصلت لي لي ووضعت قبلة على رأس والدها حتى قال "تزوجي حسام بمجرد خروج أخيكِ من السجن، هو شاب ناجح ويحبك ولن تجدي أفضل منه حاولي أن تعيدي أخيكِ لزوجته وإذا لم تستطيعي لا تقطعي صلتك بها طالما كان الأمر بيدك"
حاولت لي لي أن تقاطعه ولكنه أكمل "أخبريه أني أردت له ما لم أستطيع أن أمنحه له وأخبريه أنه أخطأ، كان عليه أن يتأكد قبل أن يظلم ويتبع قول الله تعالى "يا ايها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا عسى أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" صدق الله العظيم
والآن اتركوني أريد أن أبقى معهم وحدي"
نظرت لجي وقالت "معهم من دادي؟"
لم يرد عليها وإنما تركت يده يدها وأدركت جي أنه ذهب وتركهم، لم يتحمل صدمته في ابنه، نادت لي لي عليه ولكنه لم يرد
أمسكتها جي وقالت والدموع تغطي وجهها "لي لي لقد رحل وتركنا"
صرخت لي لي بألم "ماذا تعنين؟ لا دادي لم يرحل، لن يتركني، لا، لا تتركني أنت أيضا دادي، أرجوك أنا ليس لي سواك، ماذا أفعل وحدي؟"
تذكرت جي حالتها وقت وفاة والدها فأشفقت على لي لي وتألمت لفراق الرجل الذي أحاطها بحبه وحنانه ولكن لا مفر من الموت فلكل أجل كتاب..
كانت أصعب لحظة عندما نظر بعيون أخته المليئة بالدموع وردائها الأسود، اقترب منها إلى أن وقف أمامها وقلبه يدق بقوة وكأنه سيخرج من صدره ليخبره بأن ما يخشاه حدث "مات؟ بابا مات؟"
نظرت إليه ولم يمكنها التماسك فانهارت في البكاء، تسارعت دقات قلبه ولم يجد ما يقوله أو يفعله، اندفعت أخته بأحضانه تلتمس السلوى ولكنه تجمد مكانه، لم يتحرك، لم يرفع ذراعيه ليحيطها بهم، لم يعرف أصلا ماذا يجول داخله، ضائع
كان دائما جاسر القوى الذي لا يضعف حتى أمام والده ولكن مع ذلك كان والده أمامه كاظم بيه؛ الرجل الذي يستمد منه قوته، يحبه ويحترمه ويهابه ولا يملك إلا أن ينفذ له كل رغباته فكيف يتركه والآن وهو هنا دون أن يغفر له ما فعل أو قال؟
رفع يداه لأخته وأبعدها وقال بحزن لم يظهره "مات دون أن أطلب منه أن يسامحني"
هزت رأسها وقالت "بل أراد مني أن أخبرك أنه سامحك وأنه كان يعلم أنك برئ وستخرج من هنا وأنه أراد لك السعادة يوم أن ألقى بجولي في طريقك ولو ظل على قيد الحياة لأعادها إليك مرة أخرى لأنه يؤمن ببراءتها"
ثم تلت عليه الآيات فأغمض عيونه بألم وك-ن يغمضها عن الظلم الذي أسقطه عليها أو عن الألم الذي يجتاحه لفقدان أعز الناس لقلبه
لم يرد فاتجهت لي لي إليه حتى شعر بها بجواره ففتح عيونه التي تلونت بالأحمر دون دموع وقال "لن آخذ عزاء أبي"
مسحت دموعها وقالت "بلى ستفعل، لقد طلبت جي من حسام والمحامي أن تحضر جنازته وبالفعل حصل استطاعوا الحصول على تصريح بأن تحضر الدفن والعزاء اليوم ثم تعود بالمساء وهم ينهون الإجراءات الآن"
نظر إليها ولم يرد لطالما كانت مشاعره له وحده هي فقط من كان بحاجة إليها الآن ليبث لها حزنه، هي فقط من احتاج لذراعيها ليلقي نفسه بينهما فتحتضنه بحنانها وتعيده للدنيا، هي فقط من أراد أن يبكي أمامها دون أن يشعر بالضعف ولكن هي لم تعد معه لذا كتم مشاعره داخله كما اعتاد أن يفعل وتألم في صمت لفراق أعز الناس إلى قلبه
تابعت الدفن من بعيد ورأته واقفا بين الموجودين، تألمت من مظهره وحزنه وتمنت لو كانت بجواره لتحتضنه وتبكي معه فقد مات آخر من كان يعطف عليها ويحميها ولم يعد لها أحد، تذكرت والدها فعادت للدموع ثم مسحتها
الآن ستبدأ طريق جديد، طريق يحتاج إلى جي أخرى؛ جي القوية التي لا تضعف ولا تنهار، نظرت إليه؛ كم كانت غبية عندما ظنت أنها ستكرهه ها هو قلبها يدق لرؤيته ولكن لم يعد يجدى .
انتهت مراسم الدفن وبالطبع لم تحضر العزاء كي لا يراها وأخيرا عاد إلى الحبس وكأن الدنيا لم تعد له ولا رغبة له فيها، لقد فقد كل شيء؛ النجاح والعمل الذي تمناه، ضاع الحب الوحيد بحياته، فقد الأب والسند ولم يعد له أي شيء ولا أي دافع للحياة، انكسر جاسر المنياوي وسقط من برجه العالي ولم تعد له أي رغبة في الحياة، موت والده هزمه، كسره، هز كل كيانه ودنيته
تمنى لو رآه قبل أن يموت أو أن يسمع صوته ويطلب منه السماح على ما قال ولكن حرمه القدر من كل شيء وعاقبه على ما فعل والآن هو هنا في تلك الحجرة الباردة المظلمة لا فرق بينه وبين كل اولئك المجرمين، نعم لقد أصبح مثلهم
لماذا هذا العقاب المؤلم وعلى أي ذنب يعاقب؟ للأسف ليس هناك أي إجابة على اسئلته..
"هيا موعد الطائرة"
نظرت جي لحسام والمحامي وقالت "لي لي يا حسام لا تتركها"
هز رأسه وقال "اطمئني هي بعيوني، المهم أنتِ نفذي ما اتفقنا عليه وبالطبع خطتك ستنجح إذا ساعدنا مايكل"
هزت رأسها وقالت "أستاذ حلمي أرجوك لا تخبر جاسر بأي شيء، ربما لو عرف لهدم كل ما نفعله"
هز رأسه هو الآخر وقال "أعلم المهم أنتِ، كوني على حذر لابد أن تصلي لندى ومحسن بأسرع وقت"
قالت "سأفعل بإذن الله، ومايكل هل أخبره جاسر بطلاقنا و.."
قاطعها المحامي "الطلاق لم يقع بعد مدام، ما زلتِ بالعدة، أنتِ ما زلتِ زوجته وأنا استطعت أن أحصل على توقيع جاسر على ورق سفرك دون أن يدري"
تذكرت أنها بالفعل ما زالت بالعدة إلى أن تلد ولكن لا أحد يعلم بالحمل، كاظم فقط من كان يعلم حتى لي لي لم تسالها..
قال حسام "خذي حذرك ولا تأمني لأحد أي أحد"
قالت وهي تودعهم "إن شاء الله، لا تخف إلى اللقاء"
صعدت إلى الطائرة وراودها الخوف وتذكرت عندما كانت معه وكيف كانت خائفة وهو يمسك يدها ويضحك من منظرها، سالت دموعها ولكنها مسحتها في الحال ومن داخلها صوت يقول "لم يعد هناك مجال للضعف أو الخوف أو الدموع، الآن بدء الطريق، الطريق إلى الانتقام ولابد أن أسير فيه بكل شجاعة دون خوف أو تردد أو ضعف، ستخرج جاسر، ستعود ولكن ليس لي....