رواية انت عمري الفصل الخامس والعشرون25 بقلم امل مصطفي


 رواية انت عمري الفصل الخامس والعشرون25 بقلم امل مصطفي

توقّفت عشق فجأة، حين لمحت رقم خالد يسطع على شاشة هاتفها. رفعت الجهاز إلى أذنها قائلة بقلق:
– أيوه يا خالد، خير؟! إيه؟ بتقول إيه؟ صوتك مش واضح!

– مول إيه؟! طيب... تمام، استناني، همشي وراك، لأنّي معرفش مكانه. أوك، سلام.

بعد فترة قصيرة، توقّف الجميع أمام مول كبير، ونزلوا معًا.

راحت فردوس تتأمل المكان بانبهار، قبل أن تسأل باستغراب:
– هو إيه المكان ده؟

عشق أجابتها مبتسمة:
– ده يا طنط مول لتجهيز العرايس، فيه كل حاجة، بدل ما تلفّي من مكان لمكان، جمعوا كل حاجة هنا.

تدخلت سيدة، تحدثت إلى ابنة أختها بنبرة ساخرة:
– إيه يا أختي؟ المكان ده! هو إحنا اللي زيّنا يعرف يجيب حاجة من هنا؟

ردّت الابنة بعدم رضا:
– ربنا يستر يا خالتي، وميفضحناش في المكان... الأسعار هنا غالية جدًا.

قالت السيدة بشماتة:
– يعني غرف النوم هنا أغلى من السعر اللي طلبته علشان نفركش الجوازة!

ضحكت ابنة أختها بسخرية:
– كتير يا خالتي، مش هتلاقي السعر ده هنا أصلًا.

دخل الجميع إلى المول، فاستقبلهم المسؤول عن المكان بأوامر من أدهم. وسأل بصوتٍ رسمي:
– مين مدام عشق؟

أشار خالد إليها، فاقترب الرجل منها باحترام قائلاً:
– تفضّلي معايا يا فندم، شرف كبير إن حضرتك تشرفينا في مكانّا المتواضع.

نظر الجميع إلى بعضهم بدهشة، باستثناء خالد، الذي كان يعلم جيدًا مدى قوة ونفوذ سيده.

– تحبّي تشوفي إيه الأول؟ غرف النوم؟ مش كده يا ندي؟

لكن ندي لم تستطع الرد، فقد كانت منبهرة تمامًا بالمكان وفخامته.

قال الرجل وهو يفتح باب المصعد:
– تمام، تفضّلي سيادتك.

وصلوا إلى الدور الثالث، وتوقّفوا أمام قاعة ضخمة تمتلئ بغرف النوم بمختلف الأشكال والتصاميم.

اقتربت عشق من ندي وهمست لها:
– اختاري اللي يعجبك، مالكيش دعوة بالسعر.

مالت مريم على خالتها وهمست:
– معقول يا خالتي تجيب أوضتها من هنا؟ ده أخوها كان مستغل أوضة بـ ١٥ ألف! يقدر على الأسعار دي إزاي؟ أنا مش مرتاحة للموضوع أصلًا.

قالت السيدة بغيظ:
– إنتي مش شايفة البنت اللي ماشية معاها؟ راكبة عربية ثمنها كام! والراجل استقبلها إزاي؟!

مالت فردوس على عشق وقالت بدهشة:
– معقول الأوض هنا رخيصة كده؟! ماكانش حد تعب! شوفي دي ٣٠ جنيه، ودي ٤٥... يا بلاش!

ضحكت عشق وقالت:
– ٣٠ ألف يا طنط، مش جنيه!

اتسعت عينا فردوس بصدمة:
– يعني دي بـ ٦٠ ألف؟ ودي بـ ٧٥؟! آه يا طنط!

تقدّم سيد من خالد وندي وقال بانزعاج:
– إحنا جينا هنا ليه يا خالد؟ الأسعار غالية جدًا، وبعدين أنا كنت طلبت من صاحب المعرض يعمل لنا أوضة شبه اللي أمي مصمّمة عليها بنص التمن!

تأمّل خالد المكان من حوله، وقال مترددًا:
– والله ما عارف يا سيد...

ردّ سيد بنبرة حاسمة:
– طيب يلا نمشي، علشان الإحراج... نقول مافيش حاجة عجبتنا!

همس خالد لنفسه بتشتّت:
– عشق مصمّمة على المكان ده...

غمز سيد بخبث وهمس له:
– خالد بجلالة قدره واحدة تمشي كلامها عليه؟! غريبة! هي السنارة غمزة ولا إيه؟

اتسعت عينا خالد بصدمة، وهتف بحدّة:
– سنارة إيه يا عم! دي مرات أدهم الشهاوي! محترمة وبتعشق جوزها جدًا، وهو كمان بيدوب فيها! لو سمع حاجة زي دي، هيفجّر الحارة كلها!

ضم سيد حاجبيه بتعجّب وسأله:
– أدهم الشهاوي؟ اللي بتشتغل عنده؟

– أيوه، هو... بشحمه ولحمه.

سيد بدهشة:
– بس اللي يتعامل معاها ميحسش كده! شوف، حاطه إيديها في إيد أمك إزاي؟ وماشيين يضحكوا!

خالد قال بنبرة غير مصدقة:
– أنا نفسي مش مصدق اللي بيحصل! أصل الناس دي معدّية خالص... حتى أهلها من كبار الصعيد، وغنيين جدًا!

---

تابعت عشق  نظرات ندي  التي كانت تترقّب تعبيرات وجهها، وكأنها تحاول أن تعرف ما الذي يعجبها أكثر.

قالت عشق برقة:
– خلاص يا ندى، آخر كلام؟
وقبل أن تجيب، جاء صوت خالد:
– آه يا ندى...

تدخلت عشق:
– بس دي أجمل، يا ندى.

ردّت ندى وهي تنظر إلى السعر:
– آه، جميلة... بس التانية عجباني أكتر.

شدّتها عشق من يدها وهي تضحك:
– لا، دي اللي عجباكي أكتر!

أخفضت ندى وجهها بإحراج:
– عرفتي إزاي؟

ابتسمت عشق بثقة:
– أنا متابعاكي ومتابعة نظرتك... خلاص، حضرتك، ناخد دي؟ ولا إيه رأيك يا طنط؟

فردوس، وقد نظرت للسعر بحرج، تمتمت:
– اللي تشوفيه يا بنتي، أنا مش بعرف في الحاجات دي.

اقترب الموظف وسأل:
– طيب العنوان يا فندم؟ و الفاتورة بإسم مين؟

عشق:
– الفاتورة بإسم خالد، والعنوان في الآخر، لأن لسه هنروح أقسام كتير.

سألت ندى بحيرة:
– إيه رأيك نجيب مراتب فايبر بدل القطن؟
– مش عارفة...

التفتت عشق إلى السيدة:
– إيه رأيك يا طنط؟ لو بتجيبي لبنتك، أنهي أفضل؟

أجابت السيدة:
– الفايبر أحسن كتير، وبنات العيلة الوقت بيشتروا الجاهز... أنضف و أقيم. خلاص، توكّلنا على الله.

اختاروا جميع "الشوار"، وكان كله على ذوق ندى التي كانت تتهرّب من الاختيار، لكن أمام إصرار عشق كانت تفعل ما تطلبه منها.

قال خالد بإرهاق:
– تعالوا نأكل... أنا تعبت.

جلس الجميع في كافيتيريا المول يتناولون السندوتشات والعصائر.

قالت فردوس بفرحة:
– الحاجة كلها جميلة وفخمة... بس غالية.

خالد ابتسم:
– يا أمي، المول ده للناس المرتاحين ماديًا.

تدخلت السيدة بسخرية:
– ويا ترى الفلوس دي منين؟ سالفهم؟ ولا نصبتِ على الراجل اللي شغالة معاه؟

رفع خالد نظره بضيق وقال:
– كفاية، أنا لو حرامي ولا بقبل على نفسي قرش حرام، كنت جوزتها من زمان. وبعدين، جبتهم منين ده ما يخصش حد. أنتي طلبتي أوضة بـ١٥ ألف، جالك أوضة بـ٤٠ ألف!

عوجت السيدة فمها وهتفت:
– مش بطمن على فلوس الحاجة اللي داخلة بيت ابني!

سيد، وقد ضاق صدره، قال بحزم:
– كلام حضرتك غلط، وما يصحش يتقال... ولا أنتي مش شايفاني راجل قدامك؟

أجابت بسرعة:
– فشر! مين يقدر يقول كده؟! إنت راجل وسيد الرجالة.

عشق تضايقت من أسلوبها، وهتفت:
– حضرتك، خالد فوق مستوى الشبهات... ولو ماكانش راجل وأمين وأخلاقه عالية، عمر جوزي ما كان خلاه الحارس الشخصي ليا.

نظرت ندى إلى ملامح أخيها والدموع تملأ عينيها، فقد كُسرت فرحتها بإهانة أخيها وأبيها. لم ترَ والدها منذ أن كانت طفلة صغيرة، فقالت بانكسار:
– آسفة جدًا يا أبي... أنا السبب في كل ده.

ثم التفتت نحو السيدة، تلك التي كانت تنتظر هذه اللحظة منذ سنوات، وقالت:
– أنا ممكن أتحمّل منك أي حاجة... إلا إهانة أخويا والتشكيك في أخلاقه.

خلعت دبلتها وقدّمتها إليها.

نظر لها سيد بألم، وقال في نفسه:
"لهذه الدرجة؟ لا أعني لها شيئًا؟ أم أني رخيص في نظرها؟ لعبة بين يديها وأمها؟"

لم يعجب خالد تصرّف أخته، فهتف بعتاب:
– إيه ده يا ندى؟!

مسحت ندى دموعها بحزن:
– بعفيك يا حبيبي من أي إهانة... أنت عندي حاجة كبيرة... يلا يا ماما.

وقف سيد متألماً، يطالع ملامحها الحزينة:
– للدرجة دي أنا رخيص عندك؟ بتخلعي دبلتي بكل سهولة؟! شكرًا ليكي... بعد إذنكم.

حاول خالد إيقافه:
– استنى يا سيد!

لكنه مضى دون رد، يمشي بخطوات سريعة، يريد أن يبتعد عن المكان بقدر ما يستطيع. شعر بالاختناق... لم تهتم بمشاعره أمام الجميع، رغم أنه يعلم تمامًا أن أمه تجاوزت كل الحدود، وأنهم تحمّلوا منها فوق طاقتهم. لكن لم يتوقع هذا الموقف من ندى... بالذات منها.

أما ندى، فسالت دموعها بعجز. كانت في حيرة بين كرامة أخيها... وقلبها.

ضمّتها عشق وهمست:
– خلاص يا قلبي... دي لحظة شيطان وهتعدّي.

لكن فردوس انفجرت بعصبية وهي تغادر المكان:
– ياريت تكوني ارتحتي الوقت لما كسرتي قلوبهم وفرقتيهم... مبروك عليكي وعلى أختك!

نزل الجميع وتوجهوا إلى سيارة عشق، ما عدا السيدة ومريم، وقفتا على جانب الطريق.

رجعت لها عشق وسألتها:
– هو حضرتك واقفة ليه كده؟

أجابت:
– هنشوف تاكسي ونرجع.

قالت عشق بإصرار:
– لا، حضرتك جاية معانا، وترجعي معانا... حتى لو كل واحد هيروح لحاله، بس إحنا أكلنا مع بعض عيش وملح.

ركبت السيدة وابنة أختها جوار فردوس، التي كادت تترك السيارة لكنها خافت من زعل عشق.

ندى، منهارة من البكاء، حاولت السيطرة على نفسها أمام أكثر اثنين يشمتان بها، لكن قلبها كان ينزف قبل عينيها.

ركبت ندى وابنة أختها في الخلف، بجوار فردوس.

السيدة لم تعد تتحمل بكاء ندى... كانت تريد لابنها نسبًا يرفع الرأس، يكون سندًا له عند غدر الأيام، وكانت تحلم أن تدخل عروسه وهي تفتخر بها بين أهلها وجيرانها.

حاربت كثيرًا لإبعاد ابنها عنهم، لكنها الآن لا تعلم لماذا تألم قلبها لبكاء تلك الفتاة، ولانكسار نظرة ابنها...

أخرجت الدبلة من حقيبتها، وهمست بصوت نادم:
– كفاية يا ندى عياط... خدي يا حبيبتي، إلبسي دبلتك.

مريم هتفت باستنكار:
– إنتي بتقولي إيه يا خالتي؟! إنتي عايزاها ترجعله بعد ده كله؟

تمتمت السيدة بضيق، وهي تلعن أختها التي ظلت تبث السم في أذنها كل يوم:
– إن العروسة وأهلها لا يناسبوا ابني... وبدل ما يرفعهم لمستواه، هيسحبوه هما لمستنقعهم... ويبقى عزاله المتهالك محل سخرية الجيران.

لكن... شافت نظرة الانكسار في عين ابنها.
– أنا... أنا مش ممكن أكون سبب في كسر خاطره ولا قلبه أبدًا... خدي يا ندى، وربنا يهنيكم.

التفتت ندى لها بعدم تصديق، فهزّت السيدة رأسها بالموافقة.
أخذت ندى الدبلة، ولبستها وهي تقبّلها بحب.

تابعت السيدة فعلتها بندم... فقد رأت بعينيها كم تعشق تلك الفتاة ابنها.

بينما تمتمت عشق في نفسها بحمدٍ لله.

---

تحدث خالد بعتاب وهو ينظر إلى صديقه:
– إحنا سيبنا الحريم لوحدهم! ما ينفعش كده يا سيد.

رد سيد بصوت يملؤه الحزن:
– عايزني أفضل؟ بعد ما خلعت دبلتي بالشكل ده؟!

اقترب منه خالد، نبرة صوته تحمل دفئًا وودًا:
– سيد، أنت صاحبي قبل ما تكون خطيب أختي، وعارف أخلاقي كويس. بس بصراحة، كلام مامتك كان صعب جدًا.

تنهد سيد ورفع حاجبيه بأسى، ثم قال معتذرًا:
– آسف يا خالد، حقك عليا. أنا عارف وفاهم... وتعبت، والله، وأنا بتكلم معاها، بس خالتي وبنتها مغميين عنيها.

شرد خالد للحظات، ثم قال بصوت خافت ينزف ألمًا:
– أختي، بسبب كلام والدتك، فكرت تنتحر... وكانت هتروح مني. وأنت عارف، أنا مش مجرد أخ كبير، أنا أب ليها...
حد غيري كان فسخ الخطوبة من زمان، واللي مصبرني عليك إنك بتحبها، وهي بتحبك.
البنت لسه صغيرة، ومحتاجة أمان... وأنا مش هسمح لحد يبهدلها.

خفض سيد رأسه بندم، وقال بصوت حزين:
– يعني أنا اللي ممكن أوافق على كده؟!

ثم تنهد، وتابع:
– طيب، خليها تركب معايا... وأنا هرضيها بكلمتين. أكيد الوقت ده، مموّتة نفسها من العياط.

---

رن هاتف عشق، وكانت المتصلة خالد. ردّت بسرعة:
– أيوه، يا خالد... طيب، تمام.

وقفت عشق على جانب الطريق، وأمامها توقفت سيارة سيد.
نزل خالد، وفتح الباب لأخته، وساعدها على النزول. مسح دموعها بحنان، ثم همس:
– روحي لخطيبك، وارضيه بكلمتين... لأن اللي عملتيه غلط، وعيب في حقه. يلا.

تحركت ندى بسرعة، وركبت إلى جوار سيد داخل السيارة، بينما عاد خالد إلى عشق، وطلب منها أن تنزل، ثم قاد هو السيارة بنفسه.

---

جلست ندى بخجل بجوار خطيبها، عيناها لا تجرؤان على النظر إليه.
نظر لها بسخرية ممزوجة بالعتاب، وقال:
– يعني لبستي الدبلة تاني؟!

أجابته بصوت خافت:
– مامتك هي اللي عطتها ليا.

هز رأسه بحسرة:
– ما كنتش مصدق إنك تخلعيها بسهولة كده! ده وعد... وعدناه لبعض.
الدبلة دي ما تتشالش من إيدك غير يوم الفرح، ولما تتنقل، تتنقل لإيدك التانية... وبعد كده، ما تطلعش من إيدينا إلا بالموت.

تألمت ندى لوقع كلماته، وتمتمت بأسف:
– أنا آسفة... بس كلام مامتك دايمًا لينا قاسي، وجارح.
وخالد... تعب معانا، وبيستاهل التقدير والاحترام.

أومأ سيد بتفهم:
– أنا عارف... عارف إن كلامها صعب، وتصرفاتها مش عاجباني.
بس مش عارف أعمل معاها إيه...
وأنتي... يرضيكي أزعلها وتغضب عليا؟
لكن، يكفيكِ إني رغم كل ده، ما قلّتش حبي ليكي، ولا لحظة.

أخفضت ندى رأسها، وتمتمت بشكوى:
– بس أنا تعبت من إحساس إننا أقل منكم، يا سيد...

وضع سيد يده فوق يدها (علمًا أن هذا شرعًا غير جائز، لأن لم يُكتب كتابهم بعد)، وقال بنبرة حانية:
– مين يقدر يقول كده؟ أنتي تاج فوق راسي.
وأخوك... طول عمره راجل من وهو صغير، جدع وصاحب صاحبه، وبمليون راجل.
كفاية إنه ضيّع عمره علشان يحميكم من غدر الأيام، وهو مش دوره أصلاً...
أنا بتباهى بيه وسط أهلي وأصحابي.
*******

عشق وأدهم

عادت عشق إلى منزلها في غاية الإرهاق. صعدت إلى غرفتها، أخذت حمامًا سريعًا، وارتدت قميصًا رقيقًا، ثم جلست تنتظر عودته، والحزن يخيّم على ملامحها.

بعد مرور أكثر من نصف ساعة، سمعت صوت فتح باب الغرفة. دخل أدهم وهو يحمل باقة ورد وعلبة من الشوكولاتة، ووضعهما أمامها، ثم قال بابتسامة:
– مساء الخير، يا حبيبتي.

ردّت عشق بصوت خافت:
– مساء النور... حمد لله على سلامتك.

ثم أدارت جسدها إلى الجهة الأخرى.

ابتسم أدهم على تصرفها، فقد كان يعلم جيدًا سبب حزنها. دار حول الفراش واقترب منها، رافعًا باقة الورد أمام وجهها وهو يقول بأسف:
– آسف يا قلبي... غصب عني.

تناولت عشق الورد وضمّته إلى صدرها. جلس أدهم إلى جوارها على الفراش، وقال ممازحًا:
– يعني تحضني الورد وتدوّبي فيه، وحبيبك لأ؟

نظرت إليه وقالت بعتاب:
– الورد ما زعلنيش... ولا أهملني.

اقترب منها أكثر، وهمس بنبرة ندم:
– وأنا إمتى زعلتك؟ أنا حبيبك، وإنتي عمري.
بس والله غصب عني، يا عشق. كنت مضغوط جدًا النهارده، وعارف إن خالد مش هيسيبك لوحدك.
أنا كنت بس عايز أسمع صوتك... لكن كنتي قافلة فونك طول اليوم.

احتضنها، وتابع:
– والله المفروض أكلمك كل فترة... وأشوف عملتي إيه. سامحيني بقى.

لانت ملامحها، وتمتمت بصوت مفعم بالشوق:
– وحشتني... ما تعنتش تغيب عني كده. لازم تكلمني أكتر من مرة، أنت بتوحشني قوي.

هتف بشغف وهو يضمها بقوة:
– وإنتي بتوحشيني أكتر... وطول اليوم طيفك ما فارقنيش.
سامحيني يا عمري، آخر مرة، ووعد.

ناولها الشوكولاتة، ففتحتها بسعادة ورفعت قطعة نحو فمه. قبّل يدها برقة وهو يتناولها، ثم نهض وقال:
– هاخد شاور وارجعلك، أشوف عملتي إيه النهارده.

---

منزل خالد

في منزل خالد، جلس أمام والدته وهو يشرق بفرحة لا تُضاهى، وسألها بحماس:
– إيه يا أمي، ندى مبسوطة؟

اتسعت ابتسامتها، وردّت بحنو:
– هي مبسوطة بعقل!
مين كان يصدق إن ده كله يحصل؟ نجيب كل الحاجات في يوم واحد... وأغلى وأجمل من اللي كنا بنحلم بيه.
وحماتها كمان تقبلتها أخيرًا!

هتف خالد بحمدٍ ورضا:
– الحمد لله على كل حال. إن شاء الله الحاجة توصل شقتها بعد بكرة... ونروح نستقبلها كلنا، ونستلم الحاجة ونحدد معاد الفرح.
إنتي عارفة إن شقتها خلصانة... وكانت واقفة على شوار ندى بس.

ثم صمت لحظة، وقال بتردد:
– بس مش عارف أعمل إيه في كتب الكتاب... أبلغه؟ ولا لأ؟

لاحظت والدته الحيرة في عينيه، فقررت أن تحسم الأمر وقالت:
– بلاش تروح، يا حبيبي. إحنا مانفرقش معاه بحاجة، وكده كده هو آخر مرة شافها من ١١ سنة، ولا هيهتم... ويمكن كمان مش فاكر إن عنده ولاد.

تنهّد خالد بحزن، وقال بصوت خافت:
– أنا عارف كل ده، يا أمي... بس الأصول إن والدها عايش، وهو اللي يكون وكيلها.
أنا هعمل الأصول والواجب... أروح أبلغه، وهو حر. عايز يحضر ويكون وكيلها؟ أهلاً. مش عايز؟ عادي.

نظرت إليه والدته بدهشة، وسألته:
– يعني إنت عارف مكانه؟!

طافت سحابة حزن في عينيه، وهتف باشمئزاز:
– آه، يا أمي. أنا متابع كل خطواته... وعارف بيتنفس كام مرة، وأكل إيه.
هو أب ما يشرفش... بس أنا مضطر علشان أريح ضميري قدام ربنا.

ربتت على كتفه بحنان، وقالت:
– ربنا يخليك لينا.

ثم دخلت غرفتها سريعًا، حتى لا يرى الخوف الذي زار قلبها من مجرد ذكر اسمه.
هي لا تتمنى رؤيته أبدًا، ولا تريد أن تعطيه الفرصة ليعود إلى حياتها، تلك الحياة التي أصبحت أكثر راحة في بعده.

جلست على طرف الفراش، ومسحت دمعتها التي تسللت رغماً عنها، وهي تتذكر تلك الليلة التي هجم عليها كقضاء مستعجل...

---

فلاش باك

بعد انقطاع أخباره ثلاث سنوات كاملة – كانت الأسعد في حياتها – ظهر فجأة في ليلة سوداء، تُعدّ الأسوأ على الإطلاق.
زارها وهي وحيدة، وكان مخمورًا، تحكمه شياطينه.

حاولت منعه من دخول المنزل، لكنه ظل يطرق الباب بعنف، حتى تجمّع الجيران، فاضطرت إلى إدخاله خوفًا على ابنها الغائب من شره.
لكن الشرّ الأكبر كان في انتظارهـا...

دخل، وبعد قليل، علمت السبب المشين من زيارته.
ذهبت لتطمئن أطفالها، وطلبت من ندى، التي كانت تبكي بخوف من صراخ والدها في الخارج – ذلك الأب الذي لم تره من قبل ولا تعرف ملامحه – أن تحتضن أخاها وتنام، وألا تفتح الباب لأي أحد إلا لأخيها خالد فقط.

عندما خرجت من غرفة الأطفال، وجدته ينظر إليها بنظرة شهوة أقشعر لها جسدها، رغم أنه زوجها... لكنها لم تتقبّل لمسته يومًا.
اقترب منها ليقبلها. حاولت أن تتحمل، حتى ينتهي، خوفًا من أن يتصادم مع خالد الذي كان عمره اثنين وعشرين عامًا وقتها...
خافت عليه من بطش والده منزوع الرحمة.

لكنها لم تستطع كبت نفورها، فانهال عليها بالصفعات حتى تورم وجهها.
ورغم الألم الذي مزّق جسدها، كانت تبتلع صرختها، خوفًا على طفليها في الغرفة المجاورة.
وحين انتهى منها، بصق عليها... وخرج من المنزل، ولم يعد منذ ذلك اليوم.

اكتشفت بعدها أنها حامل بطفلها الأخير، الذي لم يعلم بوجوده حتى اليوم.

وعندما عاد خالد من عمله، وعلم بما حدث، أراد الذهاب إليه ليأخذ حقها، لكنها ارتعبت عليه، وبكت بحرقة، طالبة منه أن يتراجع، مؤكدة له أنها ستموت قهرًا إن ذهب.

استجاب خالد لدموعها، وضمها إلى صدره، حزينًا على حالها...

---
في منزل "سيدة"...

عادت سيدة وابنة أختها إلى المنزل، وهي تعلم جيدًا ما ينتظرها من ثورة أختها الكبرى "حنان"، التي استقبلتهما بغضب حتى قبل أن تجلس.

صرخت حنان بحدة:
ـ إيه اللي انتي عملتيه ده يا سيدة؟! إزاي بعد كل ده، توافقِي تدخّلي بنت البلطجي الإماراتي علينا؟! تسيبي بنت الحسب والنسب وتاخدي دي؟!

جلست سيدة تنهار من قلة الحيلة، وهتفت:
ـ أعمل إيه يا حنان؟! عملت كل اللي طلبتيه... حتى يوم ما حاولت تنتحر، لما هددت بفسخ الخطوبة، كنت هخسر ابني! ومن يومها وهو مش بيبات في البيت، وقالي لو كان حصلها حاجة، كان هيخسرني معاها.
وإنتي قلتيلي ده كلام مؤقت، وهتختفي من حياته، وهيعيش، بس النهارده نظرته ليها بعد ما خلعت دبلته... وجعتني!
أنا كل مرة بتعب... ابني بيتعب قبلي! لحد كده كفاية، مش هأذي ابني تاني!

ردّت حنان بحدة وقسوة:
ـ إنتي عارفة معنى كلامك ده إيه؟ إنك بتخسريني... بتخسري أختك الوحيدة!

أخفضت سيدة وجهها بحزن وهمست:
ـ ابني بيضيع مني... وأنا ما يهمنيش غير مصلحته.

اتسعت عينا حنان بعدم تصديق، وكأنها لا تصدق تمرد أختها بعد كل تلك السنين، ثم وقفت وقالت بحدّة قاطعة:
ـ خلاص يا سيدة! إنتي اخترتي! انسِي إن ليكي أخت اسمها حنان... وعمري ما هسامحك على كسر قلب بنتي! يلا يا مريم!

وقفت سيدة برجاء، تحاول استمالتها:
ـ بلاش نحط الأولاد بينا! إنتي عارفة إني بحب بنتك، وبتمنى ليها الخير، وبكره ربنا هيعوضها... وإحنا هنفضل طول عمرنا إخوات.

لكن حنان دفعتها عن طريقها دون رد، وغادرت.

جلست سيدة تراجع نفسها فيما حدث، لتشعر ـ رغم الحزن ـ براحة غريبة، وكأن قلبها يخبرها أن قرارها كان صائبًا... وأن راحة ابنها أهم من أي شيء في الدنيا.

---

في منزل المنشاوي...

في غرفة "فهد"، جلس بجوار "ماسة" الغافية، يتأمل ملامحها بحنان، وحرّك أنامله برقة على وجنتها. لم يكن يصدق نفسه، ولا مشاعره التي جعلته ينتظر نومها حتى يجلس جوارها كل هذا الوقت دون ملل.

اقترب الفجر، وتذكّر مشهد أدهم وهو يحمل "عشق" أمامه على ظهر الفرس... وتمنّى أن يعيش نفس التجربة، ولكن معها هي فقط.

ابتسم برضى، وقرر تنفيذ فكرته.

أخذ يهزها برقة، وهو يهمس:
ـ ماسة... حبيبتي، اصحي نخرج شوية.
ثم كرر بلطف:
ـ ماسة... اصحي يا حبيبتي.

فتحت عينيها بكسل، وهي تحاول استيعاب ما يحدث، فقالت بتثاقل:
ـ هو النهار طلع؟ ولا إحنا لسه بالليل؟

طبع قبلة على جبينها وهو يقف:
ـ إحنا في الفجر... يلا قومي.

اتسعت عيناها بدهشة، وهمست في سرها:
"نخرج الفجر؟ نروح فين؟!"

لكنها وقفت، وتوجهت للحمام تغسل وجهها، ثم خرجت مرتدية عباءتها السوداء، وسارت بجواره في صمت، حتى وصلا إلى إسطبل الخيل.

نظرت له بحيرة، لكنه ابتسم، وصعد فوق صهوة جواده، ثم مدّ يده لها.

أمسكت بها بقوة، فرفعها بين أحضانه بسعادة، وانطلق بالفرس مسرعًا، بينما تمسكت به بشدة، لا تصدق ما يحدث.

لقد ذاب جبل الجليد، وظهر وجهه الحقيقي. "فهد"... الشخص الرومانسي المدفون تحت أنقاض الهيبة والمسؤولية والقوة.

وضعت رأسها على صدره، تستمتع بسيمفونية أنفاسه، ودقات قلبه.

وصل إلى مكانه المفضل، أنزلها من على الحصان، وجلس جوار شجرة ضخمة، بينما كانت تتأمل المكان من حولها بفرح.

سألته بلهفة:
ـ مش ده المكان اللي كان فيه فرح عشق؟

ابتسم وقال:
ـ أيوه... ده مكاني الخاص، ولما طلب أدهم فرس علشان ييجي هنا، جيتي في بالي على طول.
كنت بتمنى أركب حصاني زيّه، وإنتي في حضني... بس ماكنتش متخيّل إن اللحظة هتكون بالروعة دي!

ثم جذبها بشوق، فتاهت بين كلماته، وتمتمت بتقطع:
ـ يعني... يعني أنت بتحبني من زمان؟

أجابها بصدق:
ـ مش هقدر أقول حب، بس كل مرة شفتك، كنت بحس بحاجات غريبة عليا... مافيش عندي خبرة في التعامل مع الحريم، بس الإحساس دايمًا كان حلو ومريح.

تابع بابتسامة:
ـ "عشق" وجهّتني في نفس اليوم، وقالتلي إن نظرتي ليكي كلها حب... وأنا مصدقتش.
أتاري حبي ظاهر للكل إلا أنا!

ضمّت نفسها له أكثر، وقالت بصدق:
ـ أنا بحبك قوي يا فهد... ومش مصدقة حبك وحنانك عليّ.
ربنا يخليك ليا... وخايفة كل ده يكون حلم جميل!

طبع قبلة على شفتيها، يتمنى من قلبه ألا يصحو من هذا الحلم أبدًا.
********

خرج أدهم، فوجدها في انتظاره.

صعد إلى الفراش، فتمدّد وهو يضمّها إلى أحضانه، ثم جمع خصلات شعرها إلى جانب واحد وهمس بحنان:

– ها؟ كان يومك عامل إزاي يا حبيبتي؟

جذبت يده، تضمها بين يديها وهي تسرد ما حدث:

– ندى كانت فرحانة، وجبنا كل حاجة ناقصة... كنت مبسوطة من الفرحة اللي كانت في عيونها هي وخالد وأمها، بسّ حماتها عملت مشكلة ونكّدت على الكل!

تعجب أدهم من تلك المرأة، وقال مستنكرًا:

– دول جابولها كل اللي هي عايزاه وزيادة! ليه النكد تاني؟! مش جالها أحسن من اللي كانت بتحلم بيه؟

– أيوه، بس طعنت خالد في أخلاقه، وقالت له: "إنت نصبت على الراجل اللي شغال معاه ولا سلفت الفلوس؟"

اشتعل الغضب في عيني أدهم، وهتف بحدّة:

– خالد من الشباب المكافحين، محترم وعنده ضمير... وإلا عمري ما كنت شغّلته معايا!

– الحمد لله، الموضوع عدى على خير.

لم تعلم كيف انتهى بها الحال، إذ وجدت نفسها على الفراش وهو فوقها، يهمس بخبث:

– أنا موضوعي لسه ما عداش على خير...

ثم أغرقها في بحر من القبلات الدافئة، يعتذر لها عن تقصيره طوال اليوم، ودون أن يشعر، غرق هو أيضًا في بحر عشقها...

---

في اليوم الثالث...

وقف خالد أمام ملهى ليلي وهو يشعر بالضيق والاشمئزاز. لم يرَ ذلك الرجل منذ سنوات، ولكنه كان يعلم أنه أسوأ مثال للأبوة، رجل ركض خلف الراقصات وبنات الليل وترك أبناءه دون أن يلتفت إليهم يومًا، حتى ليطمئن على حالهم. كان خالد في الثامنة عشرة حينها، وأخته الصغيرة لم تكن قد رأت نور الحياة بعد.

نزل من السيارة، فسأله صديقه عامر:

– أدخل معاك؟

هتف خالد بحزم:

– لا، خليك... مش هتأخر. أنا أصلاً قرفان إني داخل مكان زي ده، وعارف إني هشوف مناظر تكسرني.

تحرك نحو النادي الليلي بخطوات واثقة، متعمدًا المجيء قبل الزحام كي لا يرى ما يزيد من كرهه لوالده. السمع شيء، والرؤية شيء آخر...

أوقفه الحراس عند الباب، يرمقونه بريبة لطريقة دخوله. سأله أحدهم:

– إنت جاي لمين؟

رد خالد بضيق:

– زبون! وبعدين غريبة، من إمتى الكباريه يمنع حد من الدخول؟

أجاب الحارس:

– لا مش بنمنع حد، بس إنت وجه جديد، ولازم نعرف سبب الزيارة.

نظر له خالد بسخرية وتحرك للداخل. أما عامر، فلم يرتح للوضع، ودخل خلفه دون أن يراه، تحسبًا لأي طارئ.

تحرك خالد بهيئته الجذابة... شاب وسيم بجسد رياضي، يرتدي قميصًا يناسب بشرته، وقد ثنى أكمامه، يسير بخطوات ثابتة، لفتت أنظار الفتيات الموجودات.

راح يبحث بعينيه حتى توقّف فجأة، وقد رأى ما كان يخشاه. والده، شهاب، يجلس بين فتيات الليل، إحداهن على قدمه، يقبّلها وهو يضحك.

توجه إليه، يشعر بثقل في صدره. لم يتمنّ يومًا أبًا بهذه القذارة... لكنه مجبر.

توقف أمام طاولته، يخفض عينيه، يستغفر ربه مما يرى، ثم تمتم بصوت منخفض حاد:

– أخبارك؟

رفع شهاب عينيه، ولما تعرّف على ملامحه، قال بسخرية:

– أهلاً بابن أمه! إيه ده؟ كبرت وبقيت راجل ملو هدومك!

رمقه خالد بغضب مكتوم. كيف يقابل ابنه بعد عشر سنوات بهذا البرود؟ ألا يملك قلبًا أو مشاعر؟

تدخلت إحدى الفتيات بإعجاب:

– مين ده يا شهاب؟

أجاب شهاب بسخرية لاذعة:

– ابني البكري يا أختي!

صرخت الفتيات بإعجاب:

– ابنك؟! بالحلاوة والشياكة دي؟!

إحداهن وضعت يدها على كتفه تتحسسه:

– ما تقعد معانا، تنوّرنا...

نفض خالد يدها بتقزّز:

– ابعدي إيدك دي!

ضحك شهاب بقوة:

– ابعدي عنه... أصله طالع زي أمه، بتاع مبادئ وأخلاق! تلاقيه عمره ما لمس واحدة قبل كده!

اتسعت عينا خالد من وقاحته. كم هو فظ! ماذا يفعل مع شخص مثله؟ لا بد أن يغادر المكان فورًا.

قال بصوت غاضب:

– ممكن كلمة لوحدنا؟

رد شهاب وهو يحتضن الفتاة:

– دول عيلتي، اتكلم براحتك قدامهم.

– بس أنا عايزك لوحدك.

– ده مكان شغل، والزبائن بدأت تهل... مش شؤون طلبة إحنا!

تأمله خالد بحزن داخلي، ولعن نفسه ألف مرة لأنه فكر أن يمنح هذا الرجل اعتبارًا. قال بمرارة:

– أنا كنت جاي أقولك إن كتب كتاب ندى بعد بكره... لو حابب تكون وليها.

ضحك شهاب وهو يقف، ابتلع ريقه بصعوبة حين لاحظ فرق الطول والبنية، ولكنه حاول إخفاء قلقه:

– هتتجوزها؟! صغيرة ليه كده؟! ما كنت شغّلتها تجيب مصروفها الأول بدل ما تبقى عالة زي أمك!

اقترب خالد منه خطوة افزعته، وهتف بغضب:

– تجيب سيرة أمي في مكان زي ده تاني، ومش هتعرف غير شغلك!

ضحك شهاب بقوة، فهو وسط رجاله، والكثرة تغلب الشجاعة. لكن الغضب والانكسار يمنحان الإنسان طاقة مضاعفة.

قال شهاب بسخرية:

– هتعمل إيه يا ابن فردوس؟ جايلي في شغلي وبين رجالي تهددني؟

نظر له خالد ساخرا وهويهتف بقوة ::

 أنا لا يهمني إنت ولا رجالتك!

وضرب على صدره بقوة أرعبت شهاب:

– القلب ده جمد وقسى من يوم ما رميتني صغير وجريت ورا العاهرات! 

ولولا أمي اللي ربتني، كنت عرفتك مقامك! 

أنا كنت جاي ابن لأبوه... علشان أختي. بس من اللحظة دي، كل حقوقك عندنا سقطت،

 وحتى أمي... هطلقها منك غصب عنك! مستحيل أسيبها على ذمة واحد زيك!

اعتدل شهاب في وقفته، يهتف بوقاحة:

– روح العب بعيد يا شاطر! وأمك مش هطلّقها لآخر يوم في عمرها! خليها كده معلقة تحت مزاجي!

أشار لأحد الرجال:

– هو وزميله!

فجاء الرجل على وجه السرعة:

– خير يا معلم؟

أشار شهاب إلى خالد:

– بصوا للوش ده كويس واحفظوه... ما يعديش من الباب ده تاني! وإلا تخسروا شغلكم!

– أوامرك...

هتف خالد بحقد:

– تفتكر واحد زيي يشرفه يكون في مكان زي ده؟! إنت كده قفلت آخر باب بينا.

اقترب منه أحد الحراس، يضربه على كتفه:

– يلا قدامي...

التفت خالد إليه بغضب:

– إنت قد الحركة دي؟

نظر الحارس لزميله بسخرية:

– أأأه...

ولم يكمل، فقد هجم عليه خالد وأفرغ فيه جام غضبه المتراكم من أبيه ومن الأيام.

ابتعد شهاب مع البنات، مرتعبًا من غضب ابنه، الذي أسقط الحارس من أول ضربة، ثم وجّه لكمة قوية لزميله جعلته يسقط على الطاولة.

نادَى شهاب باقي الحراس. جاء أحدهم يحمل سلاحًا... نظر خالد لأبيه، تساءل في داخله: هل هان عليه ابنه لهذه الدرجة؟

لكن، وقبل أن يستوعب ألمه، انطلقت رصاصة غادرة... استقرت في صدر خالد 


تعليقات



<>