
رواية انت عمري الفصل السادس عشر16 بقلم امل مصطفي
صرخ أدهم بجنون:
"عشق اتخطفت! مراتي اتخطفت وأنا موجود على وش الدنيا! ده يوم أسود على الكل!"
وقف فهد لا يقل عنه غضبًا وهو يهتف:
"مين جاله الجرأة يبص لحريمنا؟"
وجه كلامه لفهد قائلاً:
"أنا عايز حد يقفل مداخل ومخارج البلد. أما أبعث أجيب رجالتي."
رد فهد بغضب:
"ماذا حدث؟ تبعت تجيب رجالتك ليه؟ إحنا مش قليلين!"
زين بقوة:
"يلا على المول، أشوف الكاميرات."
فهد برفض:
"لا! إحنا نقسم نفسنا لمجموعات: مجموعة تروح المول، ومجموعة تقفل الدنيا، وحد يروح المستشفى، ماما نعمة هناك تعبانة."
ركب الجميع سياراتهم، وتوجهت كل مجموعة إلى وجهتها.
فهد وأدهم وزين إلى المول. وصلوا إلى هناك.
وباقي رجال العائلة توجهوا لقفل جميع مخارج البلد.
وصل فهد وأدهم وزين، الذي طلب من صديقه أن يحضر له إذن تفتيش. طلب زين رؤية الكاميرات بإذن.
في المستشفى، وصل محمد ومروان إلى نعمة، حيث وجدوا الجميع في حالة انهيار ونعمة تصرخ بصوت مرتفع:
"هاتولي بنتي! أنا عايزة بنتي!"
ركض محمد نحوها:
"اهدي يا ماما، إن شاء الله ترجع."
نعمة بالصراخ:
"فين فهد؟ أنا عايزة فهد! هو كبيرنا، هو اللي يقدر يرجعها!"
محمد، وهو يتناول المهدئ ليحقنها، قال:
"مروان، امسكها."
"لا! أنا عايزة بنتي! مش عايزة أنام! هاتوا لي بنتي!"
"لو كان محمود هنا، ما كانش في حد قدر يلمسها!"
سيطر مروان عليها، وأعطاها محمد حقنة مهدئة.
بعد أن غابت عن الوعي، قال مروان:
"إيه اللي حصل يا أمي؟"
حميدة:
"إحنا كنا خارجين."
فلاش باك
خرج الجميع من المول، وكانت عشق تتعلق بنعمة، قائلة:
"إيه رأيك يا موزتي في الحاجات اللي خلود وياسمين اختاروا؟"
"جميلة يا قلب أمك، بس كنت عايزاك أنتِ اللي تختاري وتفرحي بحاجتك."
مالت عشق على وكتبت قبلة على جنتها، وقالت:
"أنا وهم واحد، بس أنتِ ما تزعلش يا قمر."
جذبتها نعمة فجأة إلى حضنها، وهي تصرخ:
"حاسبي يا عشق!"
وجدت سيارة كادت تصدمها. وقبل أن يفوقوا من صدمتهم، جاءت سيارة أخرى (هامر)، وقبل أن تعتدل، جذبها رجلان من أحضان نعمة، التي صرخت بكل قوتها:
"عشق!"
صرخت عشق بخوف:
"ماما!"
مدت يدها إليها على أمل إنقاذها، لكنهما لم يستطيعا اللحاق ببعضهما. كانت معالم الفزع مرسومة على ملامحهم، واختفت السيارة في لمح البصر.
سقطت نعمة فاقدة للوعي.
---
في المول،
عندما رأى أدهم الكاميرات، شعر بنار في قلبه وأراد إحراق البلد بأكملها. تكرر المشهد أمامه مرارًا وتكرارًا، وأحدهم يجذبها بعنف. تواصل مع هاني وتحدث بقوة وغضب:
"عايزك تجمع كل رجالنا، وتكتر السلاح، وتيجي في طيارة تكون عندي في خلال ساعات. فاهم؟ متسيبش حد!"
ثم أغلق معه.
وجد زين يعيد تكرار المشهد وتوقف عند اقتراب السيارة.
فهد بغضب:
"مش ده من رجاله فاروق؟"
زين:
"أه."
"طيب، العربية اللي خبطتهم دي غريبة."
أدهم، وهو يقترب، وقف أمام الصورة ثم رجع العربية.
أدهم بغضب:
"العربية دي من عندنا، وما فيش حد يقدر يعمل كده غير أشرف السلاموني. هو إيه اللي بيحصل بالضبط؟ إيه لم الشامي على المغربي؟ وليه الاثنين قصدينها هي بس؟"
******
---
في السيارة – عند عشق
أجرى أحد الرجال اتصالًا هاتفيًا، وانتظر الرد الذي جاءه سريعًا، ليهتف بلهجة متوترة:
– "أيوه يا باشا، هي معانا... بس في مشكلة. أهلها اتحركوا بسرعة، وقفلوا كل المخارج."
جاءه صوت الرجل الآخر غاضبًا:
– "طيب، والراجل اللي تبعنا؟"
رد الرجل:
– "مافيش غير طريق الجبل، وبرضه مش هينفع. زعيم المطاريد كان باعت ياخدها، وإحنا سبقنا وخدناها من رجّالته."
علّق أشرف بدهشة:
– "ليه؟ ما بينهمش مشاكل، وهو أصلًا عمره ما راح المكان ده. علشان كده قلت دي نقطة ضعف، وبعيدة عن رجّالته."
قال الرجل بحيرة:
– "مش عارف يا باشا، أنا بحكي اللي حصل."
أشرف بنفاد صبر:
– "طيب، إديني أنا... هكلمه بنفسي."
---
في مكانٍ آخر
رنّ هاتفه، فتحه ببرود، فصدمه صوت أشرف الغاضب:
– "مش كنا متفقين إنك تطلع رجّالتي بيها؟!"
ردّ عليه الرجل بنبرة حادة:
– "أنا ماعرفتش إنهم اتحركوا بسرعة كده! ما قدّامكش غير الحل اللي عرضته من الأول!"
أشرف بعصبية:
– "إنت عايز تكسره؟ أنا هعملك الأصعب من كده
فكرتي دي ممكن تدمره على الآخر، لو هي فعلاً بالنسباله زي ما بتقول."
تابع مهددًا:
– "أنا سايب رجّالتي في عربية مختلفة، عند النقطة اللي اتفقنا عليها. ينقلوا رجّالتك لحد ما الدنيا تهدى. غير كده؟ قول على رجّالتك: يا رحمن يا رحيم."
هدد مجددًا:
– "لو رجّالتي اتمسكت، هيعترفوا إنك ساعدتهم في دخول البلد ووصولهم ليها، وساعتها الأذى هيطولك. أدهم نابه أزرق، ومابيحبش يسيب حقه، اسألني أنا عنه!"
ضحك الرجل بسخرية:
– "لو كنت بخاف، ماكنتش حطيت إيدي في إيدك. وأنا عندي ولاد المنشاوي أصعب كمان. أنا واحد ما بسيبش حقي، ولو بعد سنين!
شوف... مافيش ليك هنا غيري، ولولا الباشا الكبير حط الصفقة الأخيرة مقابل مساعدتك، أنا عمري ما كنت وافقت."
أشرف، وقد أدرك أنه بلا خيارات:
– "طيب... تمام، لما نشوف آخرتها!"
قال الرجل بنبرة خبيثة:
– "بس... في تغيير بسيط في الخطة."
صاح أشرف بغضب:
– "إيه الكلام ده؟! مش ده كان اتفاقنا؟!"
---
عند عشق
كانت ترتجف رعبًا مما حدث، وتمتمت ببكاء:
– "أنتم مين؟ وعايزين مني إيه؟!"
مرر أحد الرجال نظراته عليها باحتقار، وقال ببرود:
– "لو على اللي عايزينه، فإحنا عايزين كتير... بس للأسف، الموضوع مش في إيدينا."
همست عشق بخوف:
– "بس أنا ما عملتش لكم حاجة..."
رد الآخر بنبرة ثابتة:
– "دي أوامر، وأنا عبد المأمور. بصراحة، خسارة الجمال ده كله في الموت... بس زي ما قالك، إحنا رقبتنا في إيديه، وهو ما بيرحمش."
نظرت إليهم عشق بيأس، كانت وجوههم بعيدة كل البعد عن الله.
فضلت الصمت، وتقوقعت على نفسها، واستسلمت لما لا يغفل ولا ينام، تناجيه سرًّا بكل ما تحفظ من آيات، وتودّع أدهم بقلبها المكسور.
---
في منزل المنشاوي الكبير
خرج الجد إلى بهو المنزل، يتلفت حوله باستغراب، فلم يجد أحدًا. بدا أن الجميع قد غادر دون أن يخبروه بشيء، خوفًا عليه.
زاد استغرابه، فخرج إلى حديقة المنزل يبحث عن أي وجه مألوف، لكن المكان كان خاليًا. نادي بأعلى صوته:
– "الغفر!"
لم يجبه أحد.
عاد إلى الداخل، ينادي الخادمة:
– "بنت يا زهرة!"
حضرت زهرة، وعلى وجهها مسحة حزن واضحة:
– "نعم يا سيدي؟"
سألها باستغراب:
– "فين الناس اللي في البيت؟"
أجابت بتوتر:
– "خرجوا..."
قطّب حاجبيه وقال بحدة:
– "كله خرج؟! إزاي؟ مش في تجهيزات بتحصل؟! إزاي يسيبوا البيت كده؟!"
ابتلعت ريقها بصعوبة، وهمست:
– "بيقولوا... الست عشق اتخطفت!"
صُدم الجد، وصرخ:
– "إتخطفت؟! وإحنا موجودين؟! اتصلي بفهد حالًا!"
******
---
في طريقهم إلى الجبل
خرج أدهم من المول وهو يهتف بحزم:
– "أنا طالع الجبل."
رد فهد بعزم:
– "كلنا هنطلع."
تدخّل زين قائلاً بجديّة:
– "لازم نستدعي قوات، الموضوع مش نُزهة... إحنا عايزين نرجع بيها."
نظر إليه فهد ببرود وثقة:
– "إحنا ما بنخافش من حد، بس أنا محتاج منافذ البلد تفضل مقفولة."
هتف زين:
– "كل المخارج مقفولة، البلد كلها خرجت!"
استعد الجميع سريعًا، وركبوا سياراتهم، منطلقين نحو الجبل.
رن هاتف فهد، نظر إلى الشاشة، فإذا به رقم جده. فتح الخط بسرعة قائلاً:
– "أيوه يا جدي، خير؟ متقلقش، مش هنرجع من غيرها.
مش عارف هي فين، ولا مين اللي عمل كده، بس إحنا طالعين الجبل... رجالة فاروق كانوا في المكان،
بس اوعى تقلق يا جدي، هتكون في حضنك النهارده."
---
في الجبل
بعد وقت طويل، وصل الجميع إلى المكان المنشود.
نزل أدهم، وفهد، وزين، وأبناء عمومتهم، ومعهم مجموعة كبيرة من الرجال المدججين بالسلاح.
خرجت لهم مجموعة من قطاع الطرق، يرفعون أسلحتهم في وجوههم.
تقدم فاروق، بجسده القوي ووجهه الصارم كالحجر، وهتف بضيق:
– "خير يا فهد بيه؟ إيه سبب الزيارة؟ وليه كل الرجالة دي؟"
رد فهد بصوت عاصف:
– "فين بنت عمي يا فاروق؟"
رفع فاروق حاجبيه، متظاهرًا بالهدوء:
– "أنا أعرف مين بنت عمك؟ وإيه جابها هنا؟"
صرخ أدهم بغضب:
– "رجالتك كانت في مكان الخطف، ولولا إن العربية خبطتهم، كانوا خدوا البنت!"
ابتسم فاروق بلا مبالاة، وقال بسخرية:
– "يعني هتمنع رجّالتي يروحوا أي مكان؟ إنت منعتهم ينزلوا البلد، لكن مش كل مكان.
دي الحكومة مش قادرة علينا، وإنت عايز تتحكم فينا؟"
تقدم فهد بثبات، صوته مليء بالقوة التي يعرفها فاروق جيدًا:
– "إنت عارف كويس إني سايبك براحتي، وواثق إني أقدر أعمل معاك اللي الحكومة نفسها ما تقدرش تعمله.
فلم الدور، وقول: هي فين؟"
أجابه فاروق بنبرة خبيثة:
– "أنا ما أعرفهاش، لكن لما سمعت عن جمالها، قلت آخذها وأكمّل نص ديني...
بس البهايم ما عرفوش يجيبوها."
في لحظة، سُمع صوت طرقعة حادّة... ثم سقط جسد فاروق جثة هامدة تحت أقدام أدهم!
رفع الجميع أسلحتهم، فيما رمقهم أدهم بنظرة قاتلة.
صرخ زين، مذهولًا:
– "إيه اللي إنت عملته ده؟!"
أما فهد، فألقى نظرة باردة عليه، دون أن يعلّق.
قال أدهم ببرود قاتل:
– "دفع تمن تفكيره في مراتي..."
ثم أشار إلى الجثة، وتابع بقوة:
– "وده مصير أي حد يفكّر يبصّ لها."
لم يكن أحد يتوقّع هذه الوحشية. نعم، كانوا يعلمون عنف أدهم وقوته،
لكن أن يقتل فاروق بتلك السرعة؟ أن يكسر عنقه كمن يكسر عودًا من القش؟
لم يستطع أحد إنقاذه. وحين همّ رجال فاروق بالتحرّك، أشار لهم الذراع الأيمن لفاروق بخفض سلاحهم... فاستجابوا.
تقدّم أحدهم – حمد – وتحدث قائلًا:
– "إحنا ما لناش مشاكل معاكم، يا فهد بيه... اللي خدها ناس غريبة مش من البلد.
رجالتنا جابوا رقم العربيات، وسألنا عليها... طلعت مش من هنا،
بس أكيد لسه ما خرجتش من البلد. وإحنا معاك في الخدمة لو احتجت حاجة."
---
تفتيش البيوت
وقف فهد، يفتش بعينيه عن أي أحد قد يحمل لهم ضغينة.
لكن الحقيقة المؤلمة ظهرت أمامه... لا أحد يكرههم.
رغم سلطتهم وقوتهم، لم يكونوا طغاة، ولم يظلموا أحدًا يومًا.
قال أدهم بلهجة حاسمة:
– "أنا هفتّش البيوت... بيت بيت. مش هفضل ساكت وأنا مش عارف هي فين، ولا مع مين."
حاول فهد تهدئته:
– "إحنا هنا محبوبين، ومافيش حد يشارك في أذانا مهما كان.
بس هنحدّد البيوت اللي ممكن يكون فيها شر مدفون."
بدأوا التوجّه إلى منازل عديدة. استسلم أهلها خوفًا من سطوة السلاح وعدد الرجال الكبير...
فرجال فهد لا يظلمون، لكن لا يرحمون من يتعدى حدوده.
أدهم كان غاضبًا، وعصبيته أرعبت الأهالي. حاول فهد تهدئته، لكن دون جدوى.
مرّ الوقت ببطء، وجنّ جنونه. قلبه يتمزق، لا يعلم ما بها، لكنه يثق أنها خائفة، وتحتاجه.
صرخ فهد بقوة:
– "ماعداش غير بيت كبير عيلة شعلان... وده أكتر واحد بيكرهنا."
---
أمام بيت حمدان
وصلوا إلى المنزل، فخرج حمدان عند البوابة حين أبلغه الحرس بوصول فهد وأبناء عمومته.
نظر إليهم بحقد وشماتة، وقال ساخرًا:
– "خير يا أحفاد المنشاوي؟ بيت إيه اللي عايزين تفتشوه؟"
رد فهد بقسوة:
– "بيتك يا حمدان، زيه زي أي بيت... لازم يتفتش."
صرخ حمدان بصوت عالٍ:
– "المنشاوي الكبير نسي يربي أحفاده، إزاي يتكلموا مع الكبار؟!"
رد فهد بحدة:
– "إحنا بنحترم الكبار لما يكونوا محترمين. وقصرناش، ومش فاضيين لكلامك."
هتف حمدان غاضبًا:
– "مافيش راجل يدخل بيتي! اللي يفكر يهوّب من البوابة، يتشهّد على روحه!"
أشهر أدهم سلاحه، وقال ساخرًا:
– "يبقى تتشهّد على روحك... أنا مش باقي على حد!"
تقدّم إبراهيم، أحد أفراد عائلة شعلان، وقال بحنان:
– "مش محتاجين كل السلاح ده، يا فهد. البيت بيتك، تفضّل في أي وقت."
نظر له والده بغضب:
– "جلبي اتحرّج عليهم... خلّيهم يجرّبوا بنفسهم."
رفع فهد سلاحه، وأشار للرجال:
– "ادخلوا، واللي يقف في طريقكم... طخّوه!"
ثم وجه حديثه لإبراهيم:
– "بلّغ الحريم يا حاج إبراهيم ياخدوا ساتر، وسامحنا على اللي بيحصل."
رد إبراهيم بأسف:
– "حجّك يا ولدي... تفضّلوا."
جذب والده بعيدًا عن الطريق، وساعده بعض أفراد العائلة الذين لا يريدون إشعال فتنة.
أما حمدان، فظل يضحك بسخرية... يعلم أنهم لن يجدوا سوى جثة هامدة، وهذا يُشفي غليله،
حتى لو فُنيت عائلته، ما يهمه الآن أنه أخذ بثأر ابنه.
قلب أدهم والرجال المنزل... ولم يعثروا لها على أثر.
خرج الجميع محبطين... فقد كان ذلك آخر أمل في عودتها.
*********
---
في اليوم التالي...
شعر إبراهيم بحركة غريبة في المنزل، فهبّ مسرعًا ليستطلع ما يحدث. وما إن نزل إلى الطابق الأرضي، حتى وقعت عيناه على رجال غرباء جالسين وسط الدار، فهتف بدهشة:
— "مين دول يا أبوي؟! واللي مقعدهم وسطنا؟! وإحنا معانا حريم؟!"
رفع والده نظره إليه بحدة وردّ ببرود:
— "مالكش صالح، ده بيتي وأجيب فيه اللي أنا رايده! مش كفاية اللي عملته امبارح؟! خليت أحفاد المنشاوي يدهسوا حرمة بيوتنا وانت واقف زي النطع؟! شوفت كيف الرجالة اللي ما بتسيبش حقها ولا بيهمها مين ما يكون؟! والله أنا بحسد المنشاوي على خلفته الزينة... كلهم رجال، زي الأسود! مش خلفتي العار... حتى ما قدرت تجيبلي حفيد ولد يعوض خيبتي فيك!"
نكس إبراهيم رأسه في خزي وهمس:
— "عندك حق يا أبوي... علشان كده أنا هاخد مراتي وبنتي وامشي قبل ما نار الغضب تطولهم."
صرخ الأب بغضب وهو يشير إليه:
— "مافيش حد خارج من البيت اليومين دول، لحد ما أنا أقول! بعدها غور انت ومراتك وبنتك، وشي الشؤم دول!"
تنهد الابن بأسى، غير مدرك لحجم الكارثة التي ارتكبها والده، وردّ:
— "بكيفك يا أبوي... بكيفك."
---
عند أدهم...
لم يكن يدري ما يفعل، بحث في كل مكان، والمخارج جميعها مغلقة، ولا أثر لها. تمنى الموت على أن يعيش في هذا العذاب، فصورتها وهي تصرخ وتمد يدها لنعمة، لا تفارق عينيه، وتلك الأيادي التي جذبتها من خصرها... وكأنها سلاسل من نار تلتف حول عنقه تخنقه.
رنّ هاتفه، فردّ بصوت متعب:
— "ألو؟"
أتاه صوت مراد بمرح:
— "إيه يا عريس! نسيتنا ولا إيه؟! إنت لسه ما اتجوزتش، أومال بعد الجواز هتعمل إيه؟! بقالنا ساعتين في المطار وماجيتش تاخدنا!"
خرج صوت أدهم مثقلاً بالهموم:
— "آسف يا مراد... نسيت، هابعتلك هاني بالعربية."
شعر مراد بقلق من نبرة صوته، فسأله:
— "مالك يا أدهم؟! فيك إيه؟! صوتك مش عاجبني."
حاول أدهم كتم اختناقه، ولكن حزنه كان طاغيًا، ولولا خوفه الشديد عليها، لترك نفسه يغرق في تلك المشاعر القاتلة.
هتف أخيرًا بصوت خافت:
— "لما تيجي... تعرف، سلام."
نظر مراد إلى الهاتف باستغراب، فسألته غادة:
— "ماله أدهم؟ نسي ميعادنا ليه؟"
ردّ مراد بقلق:
— "مش عارف... قال لما نيجي هنفهم، بس حاسس إن في حاجة كبيرة مضايقاه."
تغيرت ملامح غادة فورًا، وتمتمت:
— "خير يا رب..."
---
في غرفة المنشاوي...
وقف فهد بجوار سرير جده، يحايله:
— "وبعدين يا جدي؟! كل وخد علاجك، علشان لما عشق ترجع، تلاقيك بخير."
هتف الجد برفض حاسم:
— "لا! تحرُم عليّ الحياة بعدها... أنا مش قادر أصدق إن بنتنا تتاخد من وسطنا، وإحنا كبارات البلد، وما نعرفش نحميها!"
قال فهد، وهو يحاول تهدئته:
— "والله يا جدي، أنا مش ساكت، وأدهم قالب البلد يدور في كل البيوت، ومافيش حد فينا قادر يوقفه... لدرجة إن الناس خافت منه، ومش عايز يفهم إننا محبوبين وسط أهلنا، ومافيش حد ممكن يساعد في أذانا."
نظر إليه جده بحدة:
— "سيبه يعمل اللي هو عايزه... إن شاء الله يحرق البلد باللي فيها!"
خفض فهد رأسه قليلًا، ثم همس:
— "ما أنا ساكت يا جدي، علشان عذره... وحاسس بالنار اللي جوه قلبه."
---
وصول مراد وغادة...
أتى هاني بهما من المطار، ودخل من البوابة، فخرج الجميع لاستقبالهم، وعلى رأسهم نساء العائلة. نظرت غادة حولها بقلق، لم تجد ابنها بينهم. شيء ما بدا غير طبيعي.
بعد السلام والترحيب، بادرت بالسؤال:
— "عشق فين؟!"
انتفضت مم برعب، وقصّت عليها روان باكية ما حدث، وهي بين أحضان والدتها.
في الخارج، كان مراد يبحث عن أدهم، حتى أوصله إليه أحد رجال فهد. رأى ملامح الحزن وقد غيّرت وجهه، فأسرع نحوه وضمه بلهفة:
— "أجمد يا أدهم... صدقني هتلاقيها، وهترجع لحضنك تاني."
ردّ أدهم بصوت موجوع:
— "ضاعت مني يا مراد... ضاعت! ومش لاقي ليها أثر. قلبي بيوجعني قوي، مش قادر أتحمل، روحي بتروح مني. حاسس بخنقه بتوقف قلبي... أنا بمر بنفس تجربة أحمد، خسارة اللي بنحبه مش سهلة. كل المشاعر المؤلمة اتجمعت في قلبي. هموت من التفكير... مش عارف هي مع مين؟! يا ترى بيعاملوها حلو؟ ولا بتتهان؟! يا ترى بتبكي من الخوف وبتستنجد بيا أنقذها؟!"
وضع يده على قلبه، وأغمض عينيه بقوة، لا يقوى على تصور فكرة أن تُنتهك حرمتها.
هتف مراد، والقلق ينهش قلبه:
— "والله هترجع سليمة وبصحة... وهنجيب حقها كامل من اللي أذاها!"
صرخ أدهم بقسوة:
— "ترجع بس! وأعرف مين فكر مجرد تفكير... وأنا أخليه يندم على اليوم اللي اتولد فيه، ويتمنى الموت وما يطولوش!"
*******
عاد مراد إلى الداخل...
وجد غادة تقف عند باب المنزل، وعيناها تحملان القلق، فسألته على الفور:
— "فين أدهم يا مراد؟"
نظر إليها مراد بخوف دفين، خوف من أن يفقد صديقه الوحيد، ثم تمتم بصوت حزين:
— "أدهم حالته صعبة... خايف يحصل له حاجة زي أحمد."
شهقت غادة بذعر:
— "بعد الشر عليه، ما تقولش كده!"
أخفض رأسه وقال بأسى:
— "مش بيأكل، ولا بينام، ولا بيهدى... عمال يلف زي المجنون، كأن عقله طار منه."
تقدّمت أم علي بلهفة، وهي تتحدث عن ولدها:
— "طب خليه يكلمني... ولا أخرج أنا أشوفه؟"
هز مراد رأسه مؤكدًا:
— "لأ، أخرجي أنتِ أحسن."
خرجت غادة مسرعة، تبحث عنه، حتى رأته يتحدث في الهاتف بعصبية وغضب بالغ. أنهى المكالمة بعنف، ثم التفت إليها:
— "خير يا أمي؟ في حاجة؟"
مدت يدها إليه بطبق الطعام، وقالت بحنان:
— "أنا كنت جايبة لك حاجة تاكلها، علشان تقدر توقف على رجليك."
هتف برفض قاطع:
— "لا، مش عايز... عمرك شفتي ميت بياكل؟!"
شهقت غادة بفزع:
— "بعد الشر عليك يا حبيبي!"
وضع أدهم يده على قلبه، وتمتم بألم:
— "أنا ميت يا أمي... ميت من يوم ما ضاعت مني. أنا موجود، بس هي اللي كانت مخلّيني أعيش، أبعافر، ولسه واقف على رجلي... كل ده علشان إحساسي إنها محتاجة وجودي. كان زمانك بتدعي لي بالرحمة!"
احتضنته بذعر، وقالت:
— "بعد الشر عليك يا عمري! هو أنا ليا غيرك أنت وأختك؟! أوعى تقول كده تاني!"
مسح أدهم دموعها، وهمس بندم:
— "سامحيني يا حبيبتي... غصب عني، سامحيني."
---
في الخارج...
— "السلام عليكم."
— "وعليكم السلام، عايزة حاجة؟" سأل الغفير.
قالت بتردد:
— "ممكن أقابل فهد بيه؟"
أجابها وهو يشيح بوجهه:
— "معلش، هو مش فاضي دلوقتي."
تمسكت بفرصتها الأخيرة:
— "معلش، خلّيني أقابله... الموضوع يخص عشق هانم."
نظر إليها الغفير باندهاش، ثم ارتسمت الفرحة على وجهه وقال:
— "طيب، تعالي ورايا."
تحركت خلفه بخطى مرتعشة، قلبها ينبض بالخوف من رد فعله... هل يمكن أن يقتلها؟!
صرخ الغفير وهو يطرق الباب:
— "يا فهد بيه! يا فهد بيه!"
التفت فهد وقال بحدة:
— "عايز إيه يا مغاوري؟"
ردّ مغاوري بنبرة متوترة:
— "في واحدة برّه رايدة تشوف سعادتك... وبتقول إن الموضوع يخص عشق هانم."
تحرّك فهد وأدهم بسرعة، حتى وصلا إلى الفتاة الواقفة في توتر ظاهر. أشار فهد للغفير أن يتركهم وانصرف.
صرخ أدهم بعنف:
— "إنتي مين؟ وتعرفي إيه عن عشق؟!"
كشفت الفتاة عن وجهها بخجل، فتجمدت نظرات فهد نحوها، وتعلّقت أنظاره بها بدهشة صادمة، وهمس:
— "إنتِ...؟!"