رواية انت عمري الفصل الثاني2 بقلم امل مصطفي


 رواية انت عمري الفصل الثاني2 بقلم امل مصطفي


رفضت عشق أن تترك روان للغداء وحدها، وطلبوا الطعام.

داخل الغرفة، ظلّت عشق تحكي لها عن أصدقائها المجانين واختلاف شخصياتهم، ورغم ذلك، علاقتهم قوية ولا يفارقون بعضهم.

قاطع تواصل حديثها صوت الأذان بهاتف عشق، فعتذرت من روان حتى تقوم بتأدية فرضها.

قالت روان باستفهام:
– أنتي كمان بتصلي يا عشق؟ ما شاء الله عليكي، جمال وتدين!

أجابت بتأكيد:
– عمري ما سيبت فرض، الحمد لله.

أخفضت روان عينيها بحزن، وهي تتمتم:
– أنا نفسي أصلي يا عشق.

توجهت لها عشق، وضمتها بقوة، وهي تردف بسعادة:
– بس كده؟ من النهارده نصلي كل الفروض مع بعض.

---

عاد أدهم، فوجد والدته في ريسبشن الفيلا تستقبله بوجهٍ مشرق على غير العادة. نعم، هي دائمًا

 تستقبله بحبٍ وابتسامة، لكن اليوم يشعر أنها مختلفة، أكثر إشراقًا، كأنها عادت لطبيعتها قبل حادثة أخته الصغيرة.

قالت له بابتسامة:
– الحمد لله على سلامتك يا حبيبي.

اقترب منها، وانحنى على يدها يقبّلها:
– الله يسلمك يا حبيبتي.

جلس بجوارها بإرهاق، وهو يضع جاكيت بدلته على يد الأريكة التي يجلس عليها، ثم سألها بحنان:
– كل يوم بيعدّي عليكي، جمالك بيزيد يا غادة... وشك النهارده زي البدر.

ابتسمت بخجل، كأنها فتاة في التاسعة عشرة، وهي ترد:
– فعلاً النهارده يوم مميز جدًا، والفرحة اللي حاسة بيها ما فيش فرحة تعادلها غير يوم فرحتي بيك.

انكمشت ملامح وجهه بضيق:
– إنتِ عارفة إن ده مستحيل يا أمي... بس خلينا في سبب فرحتك النهارده، فرحيني معاكي.

سألته والدته عن وضع عشق.
لم يعلم سبب تهربها من سؤاله، لكنه احترم رغبتها. دلّك جبينه بيده، وهو يردف:
– كل كلامها صح، الأمير شخص سيء السمعة، وكل يوم يغيّر سكرتيرته لأنهم بيهربوا من سوء أخلاقه، وتُعتبر هي الوحيدة اللي استمرت معاه. وصراحة مستغرب جدًا، لأن لبسها وتصرفاتها بيقولوا إنها متديّنة... إزاي اتحملت شخص فلاتي زي ده؟

أكمل بتوضيح:
– بس من وجهة نظري، في واحد من سببين: يا إما هو كان بيتلاعب بيها لحد ما يقدر يوصلها، أو إنها تحملت بسبب ظروفها الصعبة، لأنها محتاجة الشغل ده.

خرجت من غادة تنهيدة ارتياح:
– يعني البنت طلعت مظلومة، الحمد لله إن ربنا نجاها منه.

كأنه تذكّر وجودها في منزله من حديث أمه، حرّك عينيه في المكان، وهو يسألها:
– أمال هي فين؟ مش شايفها؟

تحدثت غادة بفرحة:
– ما هو ده سبب سعادتي... هي مع روان في غرفتها.

عقد حاجبيه باستغراب:
– روان؟ وروان وافقت إن حد غريب يدخلها؟!

اتسعت ابتسامتها وهي تحكي له ما حدث:
– براحة... دي من الصبح الضحكة ما فرقتش وشها، واتغدّوا مع بعض.

عقله لم يستوعب ما يحدث، أخته التي انقطعت عن العالم الخارجي منذ سنوات، ورفضت تواجد أقرب أصدقائها في محيطها، تستقبل شخصًا غريبًا لا تعلم ماهيته؟!

لكنه الآن يريد أن يأخذ قسطًا من الراحة، ثم يتفرغ للقادم.

وجّه حديثه لوالدته:
– ياريت تخليهم يجهزوا الغدا على ما أشوف روان.

صعد غرفته، أخذ شاور، ثم توجه إلى غرفة أخته وطرق الباب.

أمرت روان الطارق بالدخول، فابتسم لها:
– أخبار حبيبتي إيه النهارده؟

نظرت له بفرحة، هناك ما يحدث... يرى أخته أكثر إشراقًا من والدته، ولمعة عينيها خير دليل. لقد اختفى الحزن والانكسار الذي لازمها سنوات.

– من تلك العشق؟! وكيف يكون تأثيرها سريعًا وقويًا بتلك الطريقة؟!

لا يعلم، هل يفرح أم يترك للشك مكانًا؟ أن وجودها السريع هذا خلفه كارثة أو خطر على عائلته الصغيرة... يجب أن يُخرجها من هنا في أسرع وقت.

أفاق على صوت أخته، لقد شرد في تلك البهجة التي زارت منزله بعد أن هجرته منذ سنين طويلة.

قالت له:
– بخير يا حبيبي... أنا حبيت عشق جدًا، ياريت تخليها هنا على طول.

جلس بجوارها، وهو يتحدث بهدوء:
– ما ينفعش يا حبي... هي ليها حياتها، ويوم ولا اتنين وترجع لها، بس ممكن تبقى تيجي تزورك!

تغيرت ملامحها للحزن، مثل شمس النهار عندما تحجبها سحابة مطر.
قبّلها، وهو يسأل عن سبب حزنها، فخفضت وجهها:
– أنا ما صدقت ألاقي حد أرتاح معاه.

اعتصر الحزن قلب أدهم على صغيرته، التي اشتاق لابتسامتها ومرحها، لكنه أراد إفاقتها، وهو يردف بهدوء:
– حبيبتي... ما ينفعش نجبر حد يفضل معانا. هي ليها حياتها، وجودها هنا حل مؤقت وخلاص... يوم أو اتنين وينتهي.

تعلم أن كلامه صحيح، لكنها تُجرب إحساس وجود أخت لأول مرة. إنه شعور مختلف... عندما تجد من يشاركك يومك بكل شيء. حتى صديقاتها، لم تشعر معهن بنفس حالتها الآن، يمكن لأن أدهم لم يوافق على تواجدهن هنا، وكل مقابلاتهم كانت بعض الساعات في النادي.

وجدته ما زال واقفًا ينتظر ردها، فاضطرت أن ترد بحزن:
– حاضر يا أبيه.
تركها وخرج.

بعد مرور ساعة، أتت عشق. ظلّوا يتسامرون حتى أتى الليل.

وقفت عشق:
– كفاية كده يا ريري، أنا هطلع أنام وأشوفك بكرة إن شاء الله.

هتفت روان برفض:
– لا! نامي معايا هنا، بليز! نفسي أحس بإحساس الأخوات اللي بيشاركوا بعض نفس الغرفة... أرجوكي، انتِ ما تعرفيش إنك أول بنت تدخل البيت هنا! مش متخيلة الوحدة اللي أنا عايشاها من غير أخت.

ابتسمت عشق بحزن:
– لا... متخيّلة، وعايشة نفس إحساسك.
أنا كمان كان نفسي في أخت تشاركني غرفتي وسريري، وتأخذ هدومي وتلبسها من ورايا، وأنا أتخانق معاها وأطلب منها تغسلهم!

ضحكت روان:
– تخيّلي! نفس تفكيري... وأخبّي منها الحاجات اللي بحبها علشان ما تلبسهاش وتبوّظها!

جلست عشق جوارها مرة أخرى، وهي تحارب دموعها، ألا تحتضنها وتبكي بقوة، وتُخبرها كم تتمنى عدم مغادرتها أبدًا. وللوهلة الأولى، جعلتها أختها التي لم تنجبها أمها.

لكنها بدأت تحدثها:
– أنا مش عايزه أزعجك... أنا بصحى قبل الفجر أصلي قيام الليل.

– ما فيش مشكلة، براحتك... بس أهم حاجة تفضلي معايا.

مسدت عشق على خصلات شعرها:
– خلاص، هروح أجيب بيجامة.

صعدت غرفتها، وأتت بملابسها، ثم عادت إلى غرفة روان، ونامت بجوارها كأنهما أصدقاء منذ سنين. لقد وجدت كل منهما من تعوّضها عن وحدتها التي استمرت سنين.

---

في الصباح

استيقظ أدهم كعادته، أخذ شاور، ارتدى ملابسه وتوجه إلى غرفة أخته ليصبح عليها ويُقبّلها وهي غافية، كعادته كل يوم قبل أن يذهب إلى شركته.

دخل الغرفة بهدوء حتى لا يوقظها، تيبست أقدامه في مكانها عندما وقعت عيناه على هذا الملاك النائم. اقترب ليتأكد مما يراه، خفق قلبه بجنون عندما طالع ملامحها الجميلة، بشعرها البني ذات الخصلات الذهبية الربانية وملامحها البريئة، وطريقة نومها الطفولية.

فاق على صوت عقله: "أنت اتجننت؟ بتفكر في إيه؟ اعقل كده، افتكر اللي حصل لأحمد ووعدك ليه."
حرر عينيه من أسر هالتها الخاطفة، واتجه نحو أخته، انحنى عليها، وضع قبلته الصباحية.

فتحت عيونها الرائعة فجأة، كانت شفتاه على جبين أخته وعيونه على عشق، التي صرخت بقوة عندما رأته وهو على تلك الهيئة.

استيقظت روان من صوتها المرتفع، وصُدم أدهم من فعلتها عندما جذبت الغطاء عليها كله حتى اختفت تحته.

جلست روان بعدم اتزان وهتفت بفزع:
ـ "إيه في إيه؟ إيه اللي حصل؟"

تحدث أدهم بعصبية من ردّ فعلها:
ـ "مش عارف، دي مجنونة ولا إيه؟!"

تحركت قدماه للخارج بعصبية مفرطة، ونسي أنها في الأساس محجبة.
سبّ تحت أنفاسه:
ـ "أنا غلطان إني جبتها هنا!"

بعد خروجه، جذبت روان الغطاء من فوق عشق المتشبثة به وهي تهدئها:
ـ "حبيبتي، ما حصلش حاجة لكل ده."

جلست عشق تبكي:
ـ "أنا خدت ذنب علشان شاف شعري وجسمي!"

ضمتها روان:
ـ "لا يا حبيبتي، ربنا غفور رحيم، وأنتِ مش تقصدي. الغلط من عندي، هو متعود كل يوم يدخل يطمن عليّا ويبوسني قبل ما يروح شغله، وأنا نسيت أعرّفك أو حتى أقول له إنك هتنامي معايا، وهو كان خبط... أدهم شخص محترم وبيحافظ على خصوصية الغير حتى لو في بيته."

---

خرج أدهم وهو غاضب مما حدث.
سمع نداء أمه:
ـ "أدهم، رايح فين يا حبيبي؟ تعال، الفطار جاهز."

لم ينظر إليها وهو يرد:
ـ "لا، مش عايز حاجة."
ترك والدته في حيرة من أمره بسبب غضبه الظاهر.

توجهت غادة إلى غرفة ابنتها، وجدتها تبكي.
غادة بقلق:
ـ "إيه حصل؟ مالها عشق؟"

روان بتعجب من حالة انهيار عشق:
ـ "علشان أدهم شاف شعرها وجزء من ذراعها، وهي اللي كانت دايمًا تتفاخر بلبسها اللي كان يظهر أكتر من كده!
أبدًا يا ماما، أدهم دخل زي كل يوم، ما يعرفش إنها معايا. شاف شعرها بس، وهي بتعيط من وقتها."

اقتربت منها غادة تحاول تهدئتها:
ـ "أكيد أنتِ عارفة أكتر مننا في الأمور دي، الحاجة لما بتحصل بدون قصد، ربنا مش بيحاسبنا عليها.
هو ما يعرفش إنك هنا، ولا أنتِ تعرفي إنه بيدخل كل يوم لأخته. استغفري ربنا وقومي اغسلي وشك عشان نفطر."

---

استجابت عشق لغادة، دخلت الحمام لتتوضأ، خرجت، صلت ركعتين لله، ثم تناولت هاتفها لتصبح على فاتن وتطمئنها عليها.

أتت الخادمة بطعام الإفطار، لكن عشق طلبت منها وضعه في حديقة المنزل.
نظرت إلى روان بابتسامة:
ـ "نخرج النهاردة الحديقة؟"

وافقت روان دون مجهود، كأن ليس لها شأن بنفسها.

ساعدتها عشق للجلوس على الكرسي المتحرك، دفعتها للخارج.

كانت غادة تجلس في الصالون تتناول قهوتها، لكن يدها توقفت في الهواء واتسعت عيناها بعدم تصديق عندما رأتها تخرج من غرفتها وهي تدفع كرسي ابنتها، التي تتحدث بابتسامة معها.

سألت نفسها بتشتّت:
ـ "مين دي؟ مستحيل تكون بشر!"

لأن بنتها حبيسة غرفتها منذ ثلاث سنوات، حتى الكشف كانت رافضة له.
لماذا تستجيب في لحظات لعشق؟
هي متأكدة أن خروجها فكرة عشق، وليس فكرتها.

وقفت غادة وهي تسيطر على صدمتها، ركضت بسرعة، احتضنت روان بدموع الفرح من تلك الخطوة التي قد تغيّر من نفسيتها، وقد تجعلها تعود راغبة في الحياة، وتوافق على القيام بتلك العملية التي رفضتها منذ سنتين.

ظلّت تُقبّل كل إنش بوجه صغيرتها، وهي تردف بدموع:
ـ "أنا مش مصدقة، روان كسرت سور الوحدة وخرجت للنور!"

مسحت روان دموعها وهي تنظر لعشق بامتنان:
ـ "الفضل يرجع لعشق، لولا وجودها ماكنش ممكن أقدر أهدّ السور ده لوحدي أبدًا، وأشوف النور من تاني، وأحس بالحياة."

جذبت غادة عشق لصدرها بحنان:
ـ "حبيبتي، ربنا يخليكوا لبعض. ومن النهاردة أنا عندي بنتين زي الورد، وأنا بعد كده اسمي ماما عبير، مش طنط!"

زادت عشق من ضمّها بسعادة:
ـ "حاضر يا ماما."

جلسوا في الحديقة، المنظر جميل ومهدئ للأعصاب.
استنشقت روان جزءًا كبيرًا من الهواء، حبسته داخلها.
تناولوا الفطور في جو من السعادة.

تركتهم غادة لتذهب إلى النادي. الآن فقط اطمأن قلبها على ابنتها.

جلسَت الفتاتان تتحدثان.

عشق بإحراج:
ـ "ممكن أسألك سؤال؟"

ابتسمت لها روان:
ـ "أكيد طبعًا، تقدري تسألي في أي حاجة عايزاها."

ـ "أنتم ما شاء الله مبسوطين ماديًا، والطب كل يوم في تقدم، ليه ما فكرتيش تسافري برّه تشوفي علاج لحالتك عشان تمشي وتعيشي حياتك؟"

غامت عيناها بوجع، وشردت أمامها:
ـ "أنا مش عايزة أمشي. أنا كرهت الناس والنفاق. عايزة أكون لوحدي.
أنتِ عارفة، لما عملت الحادثة، خطيبي وحبيبي جه وقال: (معلش، مش هعرف أكمل مع واحدة عاجزة).
ما تتخيليش الكلمة دي جرحتني إزاي... لا، دي دبحتني في عجز احتياجي ليه!

وبعدها بشهر، أعلن خطوبته على صاحبة عمري!
مافيش عندهم قلب! لما نزلوا صورهم، خلوا الصورة توصلي في عز دماري النفسي، وتكون الضربة القاضية ليّا بإمضاء أقرب اتنين ليّا!"

بكت وهي تكمل:
ـ "جرحهم ليّا أقوى من عجزي!"

حضنتها عشق، وهي تحدثها برفض:
ـ "لا يا حبيبتي، ما تبكيش. هم ما يستهلوش دمعة منك.
أنتِ عارفة، ربنا بيبتلي كل إنسان على قدّ قوة احتماله، وده معناه إنك قوية جدًا. ما تستسلميش للعجز والضعف."

---

في الصباح

استيقظ أدهم كعادته، أخذ شاور، ارتدى ملابسه وتوجه إلى غرفة أخته ليصبح عليها ويُقبّلها وهي غافية، كعادته كل يوم قبل أن يذهب إلى شركته.

دخل الغرفة بهدوء حتى لا يوقظها، تيبست أقدامه في مكانها عندما وقعت عيناه على هذا الملاك النائم. اقترب ليتأكد مما يراه، خفق قلبه بجنون عندما طالع ملامحها الجميلة، بشعرها البني ذات الخصلات الذهبية الربانية وملامحها البريئة، وطريقة نومها الطفولية.

فاق على صوت عقله: "أنت اتجننت؟ بتفكر في إيه؟ اعقل كده، افتكر اللي حصل لأحمد ووعدك ليه."
حرر عينيه من أسر هالتها الخاطفة، واتجه نحو أخته، انحنى عليها، وضع قبلته الصباحية.

فتحت عيونها الرائعة فجأة، كانت شفتاه على جبين أخته وعيونه على عشق، التي صرخت بقوة عندما رأته وهو على تلك الهيئة.

استيقظت روان من صوتها المرتفع، وصُدم أدهم من فعلتها عندما جذبت الغطاء عليها كله حتى اختفت تحته.

جلست روان بعدم اتزان وهتفت بفزع:
ـ "إيه في إيه؟ إيه اللي حصل؟"

تحدث أدهم بعصبية من ردّ فعلها:
ـ "مش عارف، دي مجنونة ولا إيه؟!"

تحركت قدماه للخارج بعصبية مفرطة، ونسي أنها في الأساس محجبة.
سبّ تحت أنفاسه:
ـ "أنا غلطان إني جبتها هنا!"

بعد خروجه، جذبت روان الغطاء من فوق عشق المتشبثة به وهي تهدئها:
ـ "حبيبتي، ما حصلش حاجة لكل ده."

جلست عشق تبكي:
ـ "أنا خدت ذنب علشان شاف شعري وجسمي!"

ضمتها روان:
ـ "لا يا حبيبتي، ربنا غفور رحيم، وأنتِ مش تقصدي. الغلط من عندي، هو متعود كل يوم يدخل يطمن عليّا ويبوسني قبل ما يروح شغله، وأنا نسيت أعرّفك أو حتى أقول له إنك هتنامي معايا، وهو كان خبط... أدهم شخص محترم وبيحافظ على خصوصية الغير حتى لو في بيته."

---

خرج أدهم وهو غاضب مما حدث.
سمع نداء أمه:
ـ "أدهم، رايح فين يا حبيبي؟ تعال، الفطار جاهز."

لم ينظر إليها وهو يرد:
ـ "لا، مش عايز حاجة."
ترك والدته في حيرة من أمره بسبب غضبه الظاهر.

توجهت غادة إلى غرفة ابنتها، وجدتها تبكي.
غادة بقلق:
ـ "إيه حصل؟ مالها عشق؟"

روان بتعجب من حالة انهيار عشق:
ـ "علشان أدهم شاف شعرها وجزء من ذراعها، وهي اللي كانت دايمًا تتفاخر بلبسها اللي كان يظهر أكتر من كده!
أبدًا يا ماما، أدهم دخل زي كل يوم، ما يعرفش إنها معايا. شاف شعرها بس، وهي بتعيط من وقتها."

اقتربت منها غادة تحاول تهدئتها:
ـ "أكيد أنتِ عارفة أكتر مننا في الأمور دي، الحاجة لما بتحصل بدون قصد، ربنا مش بيحاسبنا عليها.
هو ما يعرفش إنك هنا، ولا أنتِ تعرفي إنه بيدخل كل يوم لأخته. استغفري ربنا وقومي اغسلي وشك عشان نفطر."

---

استجابت عشق لغادة، دخلت الحمام لتتوضأ، خرجت، صلت ركعتين لله، ثم تناولت هاتفها لتصبح على فاتن وتطمئنها عليها.

أتت الخادمة بطعام الإفطار، لكن عشق طلبت منها وضعه في حديقة المنزل.
نظرت إلى روان بابتسامة:
ـ "نخرج النهاردة الحديقة؟"

وافقت روان دون مجهود، كأن ليس لها شأن بنفسها.

ساعدتها عشق للجلوس على الكرسي المتحرك، دفعتها للخارج.

كانت غادة تجلس في الصالون تتناول قهوتها، لكن يدها توقفت في الهواء واتسعت عيناها بعدم تصديق عندما رأتها تخرج من غرفتها وهي تدفع كرسي ابنتها، التي تتحدث بابتسامة معها.

سألت نفسها بتشتّت:
ـ "مين دي؟ مستحيل تكون بشر!"

لأن بنتها حبيسة غرفتها منذ ثلاث سنوات، حتى الكشف كانت رافضة له.
لماذا تستجيب في لحظات لعشق؟
هي متأكدة أن خروجها فكرة عشق، وليس فكرتها.

وقفت غادة وهي تسيطر على صدمتها، ركضت بسرعة، احتضنت روان بدموع الفرح من تلك الخطوة التي قد تغيّر من نفسيتها، وقد تجعلها تعود راغبة في الحياة، وتوافق على القيام بتلك العملية التي رفضتها منذ سنتين.

ظلّت تُقبّل كل إنش بوجه صغيرتها، وهي تردف بدموع:
ـ "أنا مش مصدقة، روان كسرت سور الوحدة وخرجت للنور!"

مسحت روان دموعها وهي تنظر لعشق بامتنان:
ـ "الفضل يرجع لعشق، لولا وجودها ماكنش ممكن أقدر أهدّ السور ده لوحدي أبدًا، وأشوف النور من تاني، وأحس بالحياة."

جذبت غادة عشق لصدرها بحنان:
ـ "حبيبتي، ربنا يخليكوا لبعض. ومن النهاردة أنا عندي بنتين زي الورد، وأنا بعد كده اسمي ماما عبير، مش طنط!"

زادت عشق من ضمّها بسعادة:
ـ "حاضر يا ماما."

جلسوا في الحديقة، المنظر جميل ومهدئ للأعصاب.
استنشقت روان جزءًا كبيرًا من الهواء، حبسته داخلها.
تناولوا الفطور في جو من السعادة.

تركتهم غادة لتذهب إلى النادي. الآن فقط اطمأن قلبها على ابنتها.

جلسَت الفتاتان تتحدثان.

عشق بإحراج:
ـ "ممكن أسألك سؤال؟"

ابتسمت لها روان:
ـ "أكيد طبعًا، تقدري تسألي في أي حاجة عايزاها."

ـ "أنتم ما شاء الله مبسوطين ماديًا، والطب كل يوم في تقدم، ليه ما فكرتيش تسافري برّه تشوفي علاج لحالتك عشان تمشي وتعيشي حياتك؟"

غامت عيناها بوجع، وشردت أمامها:
ـ "أنا مش عايزة أمشي. أنا كرهت الناس والنفاق. عايزة أكون لوحدي.
أنتِ عارفة، لما عملت الحادثة، خطيبي وحبيبي جه وقال: (معلش، مش هعرف أكمل مع واحدة عاجزة).
ما تتخيليش الكلمة دي جرحتني إزاي... لا، دي دبحتني في عجز احتياجي ليه!

وبعدها بشهر، أعلن خطوبته على صاحبة عمري!
مافيش عندهم قلب! لما نزلوا صورهم، خلوا الصورة توصلي في عز دماري النفسي، وتكون الضربة القاضية ليّا بإمضاء أقرب اتنين ليّا!"

بكت وهي تكمل:
ـ "جرحهم ليّا أقوى من عجزي!"

حضنتها عشق، وهي تحدثها برفض:
ـ "لا يا حبيبتي، ما تبكيش. هم ما يستهلوش دمعة منك.
أنتِ عارفة، ربنا بيبتلي كل إنسان على قدّ قوة احتماله، وده معناه إنك قوية جدًا. ما تستسلميش للعجز والضعف."

عشق بتشجيع :

------

قومي، وأنا هنا معاكي، مش هسيبك أبدًا، صدقيني، كله خير. أنتي عارفة، هم كانوا منافقين، ما فيش حد منهم حبك أصلًا، لأنه لو كان حبك، كان رضي بكل ظروفك، وكان سند ليكي في ألمك قبل فرحك.

الشدة هي اللي بتبين معادن الناس. ده إنسان ندل، ما يتزعلش عليه أبدًا، وهي لو كانت بتحبك، عمرها ما تقبل تكسرك بالشكل ده، حتى لو بتحبه.

انسي الصفحة دي، وربنا هيبعت لك الأحسن. عشان كده، عايزاك قوية، ترجعي تمشي وتثبتي له إن "بيك أو من غيرك هعيش، وبالعكس، هكون أحسن وأقوى." إيه رأيك؟

---

ضمتها روان: "أنتِ كنتِ فين من زمان، يا عشق؟ أنا كنت محتاجالك."

حضنتها عشق: "كل شيء بأوانه، يا حبيبتي. قولي دايمًا: يا رب، وهو يكون أمانك وسندك."

---

دخل أدهم مكتبه وهو يشتعل من كل شيء؛ من مشاعره التي تحركت لها، ومن صراخها لرؤيته لها وهي بتلك الهيئة، ومن تمنيه للقرب.

أردف مراد بتعجب من حاله صديقه: "مالك يا عم؟ داخل تخبط في الكل ليه كده؟ أنا أول مرة أشوفك كده!"

أدهم يحدث نفسه: "أنا غبي عشان أدخل واحدة زي دي بيتي. كان فين عقلي؟ وإزاي أكسر قواعد حياتي اللي مشيت عليها سنين؟"

مراد بتعجب من حالته: "مين دي؟ أوعى تكون قصدك على البنت اللي أنقذتها؟"

نظر له، ومازالت ملامحه تحمل الغضب: "آه، يا سيدي، هي."

تحدث باستغراب: "هي لسه عندك؟"

نظر له بضيق: "آه، بقالها تلاتة أيام داخلة الفيلا. أمي وأختي اتعلقوا بيها." زادت ضربات قلبه عندما سمع اسم معشوقته، فهو لم يرَها منذ ثلاث سنوات.

سأله بلهفة وفضول واضحين: "أنت عايز تفهمني إن روان خرجت من غرفتها؟"

أردف أدهم بالنفي: "لأ، بس قبلت إنها تدخل تقعد معاها، وكمان خلتها تنام معاها في سرير واحد. تخيل! أختي اللي رافضة العالم الخارجي لمدة تلات سنين، دخلت واحدة ما تعرفهاش غير من يوم، كأنها مسحورة أو عليها جني!"

رد مراد بفرحة كبيرة: "أكيد حست معاها بحاجة مش موجودة في الناس اللي تعرفهم، وده كل اللي يهمنا، إنها تخرج من قوقعتها."

نظر له بأعين خبيرة، لأنه يعلم عشقه الدفين لأخته: "مش عارف، عمومًا أنا ريحتها من أمير ده خالص، ومش ممكن يتعرض لها. بس هي كانت محتاجة الشغل ده ضروري، لأنها بتصرف على نفسها منه."

أردف مراد بحكمة: "خلاص، ما فيش مشكلة. شوف لها شغل عندك."

ثار غضبه بدون سبب مقنع، وهو يردف بقول: "عايز أمشيها من الفيلا، تقول لي هاتها شغلها عندك! وبعدين من إمتى بشغل معايا حريم؟"

أردف مراد بملل: "يا ابني مالك! هي هتقعد معاك في مكان واحد؟ شغلها في أي فرع من الفروع، وبعدين أنت عندك عمال ما تعرفهمش من كترهم. خلينا في شغلنا، ولما أرجع بالليل أشوف الموضوع ده."

---

في المساء، عاد أدهم وسأل والدته عن عشق: "لو سمحتي يا أمي، ابعتيها المكتب، عايزها ضروري."

تعجبت غادة من طريقته، لكنها استجابت لطلبه، ونادت الخادمة التي أتت على وجه السرعة.

"انادي عشق من غرفة روان، قولي لها إن أدهم عايزها في مكتبه."

وقفت بحيرة عندما أبلغتها الخادمة. روان، وهي ترى توترها: "روحي شوفي هو عايز إيه. أكيد حاجة خاصة بمشكلتك."

لا تعلم كيف تخبرها أن مجرد وجودها معه في نفس الفيلا يخطف أنفاسها، عندما تسمع صوته الذي تعشقه.

تتصارع ضربات قلبها بشكل جنوني، كأنه سوف يخرج من بين ضلوعها ليركع بين يديه ويطالبه بالاحتفاظ به بين أضلعه. فكيف لها بالجلوس أمامه في مكان ضيق لا يوجد به غيرهم؟

"يلا يا عشق، اتحركي. أدهم أخويا ما عندوش صبر إن حد يتأخر عليه."

تحركت بتوتر تجاه مكتبه، وقفت برهة تنظم ضربات قلبها، وتضم يدها بقوة حتى تسيطر على ارتعاشهم.

طرقت الباب بضعف، لكنه سمعه وطلب منها الدخول. دخلت بخطوات بطيئة، تخفض عينيها حتى لا تفضح لهفتها لرؤيته. خرج صوتها ضعيفًا زاد من نعومته: "حضرتك عايزني؟"

شاور لها دون أن يرفع عينيه عن يده: "تفضلي اقعدي." دخل في صلب الموضوع، كأنه يخاف من الضعف: "أنا خلاص خلصت لك موضوع أمير، تقدري تعيشي حياتك عادي، وترجعي بيتك."

رفعت عينيها بسعادة: "والله بجد؟ يعني مش هيضايقني تاني؟"

لم يرفع عينيه عن الجهاز أمامه، وهو يردف بثقة: "لأ، خلاص. هو حتى ساب البلد ومشي."

تحدثت باستغراب: "ساب البلد مرة واحدة؟"

أكمل عمله على الحاسوب أمامه، وأردف بلا مبالاة: "طبعًا، اللي بطلبه بيتنفذ على طول."

نظرت له بخوف: "طيب، شكرًا جدًا، تعبت حضرتك. أنا خارجة أفرّح ماما، وبكره الصبح أروح."

أخرج تلك الكلمات بصعوبة، وهو يردف: "طيب، وبالنسبة للشغل؟ ممكن تشتغلي عندي في الشركة لو حابة، رغم إني مش بشغّل حريم، بس دي مكافأة مني، لأنك سبب خروج روان من غرفتها."

وقفت بكبرياء: "شكرًا لحضرتك، لحد كده أنت عملت معايا الواجب وأكثر. بعد إذنك."

---
خرجت عشق بفرحة:
"ماما! ماما!"

غادة:
"خير يا حبيبتي؟ كان عايزك ليه؟"

عشق:
"خلاص يا ماما، موضوع أمير انتهى. إن شاء الله الصبح أمشي وأرجع بيتي وحياتي... ياااه، همّ وانزاح!"

غادة بفرحة:
"طيب يا حبيبتي، خير، الحمد لله إني اطمنت عليك.
بس موضوع إنك ترجعي البيت، ما كانش ليه لازمة، ما أنتِ تعيشي معنا هنا، كده كده أنتِ عايشة لوحدك."

تحدثت عشق بامتنان:
"لو كان لي أهل، ما كانوا عملوا معايا اللي أنتم عملتوه... وكفاية لغاية كده.
وكتر خير أدهم بيه، إنه اهتم بموضوع واحدة ما يعرفهاش. وإن شاء الله من الصبح آخذ حاجتي وأرجع بيتي."

سمعوا صراخًا خلفهم، فالتفتوا، فوجدوا روان خلفهم، والدموع تغرق وجهها، وصرخت بصوت عالٍ:
"أنتِ خاينة زيهم!
أنتِ زي وائل وماهي، كلكم شبه بعض!
أنا بكرهك!
عارفة؟ بكرهك!
مش عايزة أشوفك!
يلا، امشي!"

ظلت تصرخ حتى خرج أدهم على صراخها بفزع، وجدها في حالة انهيار، فسأل بعصبية:
"في إيه؟ روان مالها؟"

توجّه لعشق، جذبها من ذراعها بعنف، وصرخ في وجهها:
"أنتِ عملتِ فيها إيه خلاها توصل لكده؟ انطقي!"

عشق، وهي ترتعش بين يديه من الخوف:
"والله ما عملت حاجة، أنا بكلم مع ماما..."

صرخ بغضب:
"دي مش ماما!
وأنا غلطان إني دخلت واحدة زيك بيتي!
اطلعي، خدي حاجتك وامشي حالًا من هنا، يلا!
مش عايز أشوف وشك هنا مرة تانية!"

بكت بقهر من إحساس الظلم وطريقته الحادة معاها.

صعدت غرفتها، تناولت حقيبة يدها، ونزلت درجات السلم ببطء، الحزن يعتصر قلبها من تفكيرهم السيئ بها 

تعليقات



<>