
رواية انت عمري الفصل الخامس عشر15 بقلم امل مصطفي
تحرّكت "عشق" من جواره وقالت بلطف:
– أجبلك أكل وترتاح شوية من الطريق.
جذب يدها، وأجلسها مرة أخرى، وهمس بغرام:
– أنا ارتحت لما شوفتك... وارتحت أكتر وأكتر لما اتكلمت معاكي. خرجت حمْل قلبي اللي شلته سنين... لما هلكت.
وقبل أن ترد، سُمِع طَرقٌ على الباب. ارتدت "عشق" إسدالها سريعًا، وتوجهت لفتح الباب، لتجد أمامها الخادمة تحمل الطعام.
قالت لها بابتسامة:
– سي فهد باعت العشاء لسي أدهم.
تناولت الطعام منها شاكرة، ثم وضعته على الطاولة المستديرة وهي تنادي بحنان:
– حبيبي، العشاء جاهز.
ابتسم "أدهم" وهو يقول مازحًا:
– والله فهد ده حاسس بيا، بعت العشاء وعايزني منزلش! فاكرنا متجوزين بجد... وغمز لها: عايز يديني مساحة علشان أتدلّع.
ردّت بخجل:
– تفتكر ده قصده؟
نهض من الفراش وتوجّه إلى الطاولة، جلس جوارها وقال بثقة:
– طبعًا يا حبيبتي، هم عارفين إننا متجوزين من شهرين... يعني أكيد بقيتي مراتي فعلاً.
ثم احتضنها وقبّلها بحب، وهمس معتذرًا:
– آسف... لأني ظلمتك بسبب حاجة مالكيش ذنب فيها.
تعلّقت "عشق" بعنق "أدهم"، وضغطت وجهها في تجويف رقبته. أنفاسها اصطدمت ببشرته، تدغدغ مشاعره التي يُحكم سيطرتها بجبروت داخلي.
قالت بصوت خافت:
– أنا ما كانش يهمني غير وجودك معايا في نفس المكان... أسمع صوتك، وأشوفك. ما فيش حاجة تانية تهمني.
تنفّس بعمق، وأبعدها برفق قائلاً:
– لا كده غلط... أنا بحاول أسيطر على نفسي علشان أوفي بوعدي، وأنتي مش بتساعديني خالص.
وبعدين تلوموني علشان ما لبستيش الفستان!
هتفت بخجل من طريقه تفكيره:
– خلاص خلاص... آسفة، بس ليا عندك طلب.
نظر لها متسائلًا وهو يتناول الطعام:
– تؤمري.
– أنا نفسي أركب خيل معاك.
وضع قطعة طعام في فمها، وابتسم قائلاً:
– بس كده؟ حاضر، هخلّي فهد يجهّز لنا فرس، وأخدك الفجر نروح نتمشّى شوية.
---
بعد أن تواصل "أدهم" مع "فهد" وطلب منه تجهيز الفرس، ناما قليلًا، وقبل الفجر...
نزل "أدهم" السلم، ويده تحتضن يد "عشق" بحب.
توجّها إلى الإسطبل، وهناك وجد "فهد" بانتظارهما، يبتسم ابتسامة واسعة.
رأى "فهد" لمعة عيون "أدهم"، وتوهج وجهه ووجه "عشق" من السعادة والحب... كأنه ليس هو نفس الرجل الذي صعد إلى غرفته منذ ساعات قليلة.
سأله "أدهم":
– هو ده الفرس؟
أجابه "فهد" وهو يمرر يده على الفرس بحنان:
– ده فرسي، ما حدّش بيركبه غيري... بس هو عارف المكان اللي رايحين له.
ركب "أدهم" أولًا، بينما استمر "فهد" في مداعبة فرسه، كأنه يوصيه، حتى يطمئن أنه سيوصلهم بسلام.
ثم جذب "عشق"، وأجلسها بين ذراعيه، وانطلقا معًا...
كانت "عشق" في قمة سعادتها، مستسلمة لهيامها، وهي بين أحضان فارسها، تشعر بالأمان وكأن العالم كله يتلاشى ما دام هو بجوارها... أحضانه كانت درعها الواقي من شرور الدنيا.
وقف "فهد" يراقبهما بصمت. لمعت في خاطره صورة طيف امرأة غريبة... تخيّل نفسه يمتطي فرسه، وهي بين أحضانه، يأخذها إلى مكانه المفضّل...
همس مستنكرًا من نفسه:
– والله يا عشق... تأثيرك عفش عليّا! الله يسامحك.
---
وصل الفرس إلى مكان هادئ وجميل، عبارة عن بركة ماء صغيرة يحيط بها الزرع من كل الاتجاهات، وكأنها مزرعة أو استراحة خاصة في مكان مفتوح. تتوسّطها شجرة كبيرة، ظلّها يغطي مساحة واسعة تكفي لأكثر من خمسة أشخاص.
كانت "عشق" تتأمل المكان من حولها على ضوء الشفق الأحمر، ذاك الضوء الناعم الذي يفصل الليل عن النهار. همست بإعجاب:
– الله يا أدهم... المكان جميل جدًا.
قبّلها "أدهم" برقة وهو يهمس:
– جميل علشان عيونك شافته.
نزل من على صهوة جواده، وأنزلها برفق، ثم جلس تحت الشجرة، وأجلسها على ساقه، وأسند ظهرها إلى صدره، يحيط خصرها بذراعه، بينما وضعت يدها فوق يده بحب. قالت:
– الشروق من هنا هيكون تحفة.
ابتسم وهمس قرب أذنها:
– فعلًا... هيكون أجمل شروق شفته في حياتي، لأنك في حضني وبين إيديا.
بدأ يفكّ حجابها، ثم حرّر خصلات شعرها الناعمة، وأسدلها على كتفها برفق. أخرج هاتفه، وأخذ يلتقط لها صورًا كثيرة، وهي في أحضانه، في أوضاع رومانسية عفوية.
قبّل عنقها بنعومة، مشبعًا بالرغبة... فارتجف جسدها، وتحدثت بتأثر:
– أدهم... ما ينفعش كده، حد يشوفنا.
ردّ عليها بصوت خفيض:
– فهد بعِتنا هنا وهو متأكد إن ما فيش حد يشوفنا... شكل المكان ده خاص بيه، وبعدين لسه الدنيا ضلمة.
احتواها بين ذراعيه، وجعلها في حضنه من جديد، وانهالت قبلاته عليها. كانت رغبته بها في ازدياد، حتى وجدت نفسها فجأة على الأرض، وهو فوقها. شعرت بالفزع، وهتفت برجاء:
– وحياتي يا أدهم... بلاش كده، إحنا نعتبر في الشارع، وإحنا في الصعيد، كده تبقى فضيحة.
تراجع على الفور عندما رأى الخوف في عينيها. جلس مرة أخرى، واحتضنها بقوة، يحاول تهدئة البركان الثائر داخله من شدّة رغبته ومشاعره المشتعلة من قربها.
مكثا قليلًا في صمت؛ هو يحاول الهروب من ما شعر به، وهي تحاول فتح حوار بلطف، فتمتمت بخجل:
– ماما نعمة ومرات عمي عايزين يجيبوا الشوار النهارده، وأنا معاهم أختاره على ذوقي... إيه رأيك؟
ظل يتنفس بعمق ليهدأ، ثم سألها:
– شوار إيه؟ هو في حاجة ناقصاكي؟
ردّت برفض:
– لا، ما فيش... بس جدي مصرّ، وأنا مش حابة أزعله.
تأملها وهي تتحدث، ثم ابتلع ريقه بصعوبة، وقال ببطء:
– بلاش النهارده... أنتِ وحشاني، ومش عايزك تبعدي عن حضني.
شعرت بفرحة كبيرة تتملكها من حبه واشتياقه الذي بدا واضحًا في عينيه.
– حاضر... نخليها لبُكره.
وضعت رأسها على صدره من جديد، فرفع ذراعه يضمها إليه أكثر، ومرر يده الأخرى بين خصلات شعرها، وعيناه تنظران أمامه، يتمتم لنفسه:
– بعشقك يا عمري... ومهما قلت، مش قادر أوصف السعادة اللي حاسس بيها من وجودك في حياتي.
أما هي، فحدثت نفسها بصمت:
"آه لو تعرف أنت بالنسبالي إيه... أنت حلم عمري اللي عشت أستناه سنين."
وقبل أن تستوعب ما يدور، كان قد حملها بين ذراعيه، ونزل بها إلى تلك البركة، ثم أسقطها برفق، لتصرخ من المفاجأة، بينما هو يضحك ويلاعبها في الماء، ولم يتركا بعضهما لفترة طويلة.
---
في ألمانيا...
تتجول "غادة" بين المحلات، وهي في منتهى السعادة. لم تتخيل يومًا أن يأتي مثل هذا اليوم.
قطع أفكارها صوت "مراد"، وهو يقول بمرح:
– وبعدين معاكي يا غادة؟ هتشتري البلد لعشق ولا إيه؟
ضحكت "غادة" بحنان:
– طبعًا! أنا عندي أغلى من أدهم... لحد دلوقتي مش مصدقة إن ابني اللي كان كاره بنات حواء، يتجوز، وأشوف أولاده! دي أجمل لحظة في حياة أي أم.
ضحك "مراد" بشقاوة:
– طيب... وأنا يا قلبي؟ ما ليّش من الحب جانب؟
قرصته "غادة" في وجنته بحنية:
– طبعًا ليك، يا حبيبي... ده أنت واخد حتة من قلبي!
ثم سألته بفضول:
– تفتكر... هو حبها بجد؟ يعني هيكمّل؟ أصل أنا مش مصدقة... يقفل قلبه كل السنين دي، ويفتحه فجأة كده في شهر!
ردّ "مراد" بثقة:
– براءتها وطيبة قلبها اخترقوا قلبه... ده عشقها مش حبها! كل مكالمة بيني وبينه بتكون عنها هي وبس. ده بقى متيّم يا غادة!
ضحكت بسعادة:
– وهي تتحب... عاملة زي البلسم اللي بيشفي التعب. شوف "روان"، كام سنة بعده عن الناس، ومن أول يوم استجابت ليها وفتحت لها قلبها.
ردّ بغرام:
– "روان"... آه من روان! أنا كنت قرّبت أتجنن، وأشوفها... تعبتني قوي بنتك دي!
ضحكت "غادة" بمرح:
– آه يا خلبوص! وما قولتش لمامتك ليه؟ كنت ريّحتك من وجع القلب ده.
ردّ "مراد" بوجع:
– ما كانش يهمني غير إنها تشوفني، وده مش بإيد حد غير ربنا.
ثم أكمل برضا:
– الحمد لله، ربنا عوّض صبري وبقت ليا. وربنا يهدي ابنِك ويسيبني أتجوز بقى... شكل وجع قلبي هيكمل على إيد ولادك الاتنين!
*********
عاد أدهم وعشق بعد الشروق، فوجدوا الجميع مجتمعين على مائدة الإفطار.
– صباح الخير.
ردّ الجميع بتحية مماثلة: – صباح النور.
انحنى أدهم وقبّل يد الجد، وفعلت عشق مثله، ثم جلس الجميع إلى المائدة.
بادرت نعمة بالسؤال:
– قررتِ تروحي إمتى علشان جهازك يا عشق؟
ردت عشق بخفة:
– آه يا ماما، بس بلاش النهارده... نخليها لبُكرة.
تدخل زين بحماس:
– وأنا يا جدي عايز أروح معاهم أجيب شبكة خلود.
شعرت خلود بسعادة داخلية وهمست لنفسها:
أخيرًا... هلبس دبلتك.
لكن الجد رفض قائلاً بنبرة حازمة:
– لا، سيبوا الحريم مع بعض. يكونوا على راحتهم، وخلود تختار دهبها زي عشق.
ردّت خلود وعشق معًا بامتنان:
– ربنا يخليك لينا يا جدي.
---
ظلّت عشق طَوال اليوم في حضن أدهم، الذي رفض النزول لتناول العشاء. فأرسلت نعمة الطعام إلى غرفة عشق، حيث قالت الأخيرة بخجل:
– هيقولوا إيه دلوقتي؟
ردّ أدهم وهو يمرر أنامله بنعومة على وجهها:
– إنتِ وحشتيني جدًا، ومش عايز دقيقة تفوت وإنتِ بعيد عن حضني... وبُكرة هتقضي اليوم كله بعيد عني، ولا أنا مش واحشك؟
قالت بحب ولهفة:
– لا طبعًا، إنت بتوحشني... وأنا وياك.
ضمّها أدهم إليه، وقال:
– طيب أعمل إيه أنا بعد الكلمتين دول؟
ضحكت عشق بمرح:
– نتعشّى؟
قال مبتسمًا:
– يعني ده حلك؟ طيب اسمعي الحل اللي عندي...
وضعت عشق يدها تحت وجنتها، وسألته:
– إيه الحل؟!
ردّ ممازحًا:
– آخد حبيبتي في حضني، وأفضل أتملى في جمالها، وأنام وأنا مبسوط وشبعان... إيه رأيك؟
تمثّلت التفكير وقالت:
– أنا بقول حلي أنا أحسن!
ضحك أدهم بقوة:
– كنت عارف إنك هتختاري الأسهل... يلا!
---
في الصباح، وقفت عشق ترتدي ملابسها، فاقترب منها أدهم واحتضن خصرها من الخلف، وقبّل عنقها بنعومة. تأثرت عشق بلُطفه وهمساته، بينما هتف بغرام:
– هتوحشيني الشوية دول...
استدارت بين ذراعيه، وقالت بنبرة شوق:
– إنت وحشتني من دلوقتي.
نظر إليها بشوق، ثم رفعها بين يديه بحب مجنون:
– طيب أعمل إيه؟! ده إنتِ لو حد سلّطك عليا مش هتعملي كده! كلامك كله بيجننّي.
ابتعدت بوجهها عندما سمعت طرقًا على الباب، وحاولت ضبط صوتها:
– مين؟
جاء صوت هدى من الخارج:
– الست نعمة بتقول لحضرتك: يلا!
– حاضر، قولي لها ثواني ونازلة...
وضعت رأسها على كتف أدهم وهمست:
– عجبك كده؟ كنا هنتقفش ونروح في داهية!
ضحك أدهم وغمز لها:
– دي تبقى أحلى داهية، ويطلبوا مني أصلّح غلطتي... وأنا هموت وأصلّحها!
ابتسمت بخجل، فقال وهو يتنهّد:
– يلا، ادخلي اغسلي وشّك اللي بقى نار قبل ما تنزلي.
سمعت كلامه، وبعد قليل نزلت.
---
في الأسفل، كانت نعمة تتفحص وجهها بقلق:
– مالك يا حبيبتي؟ وشك أحمر كده ليه؟! إنتِ تعبانة؟
خفضت عشق وجهها من الخجل:
– لا يا ماما، أنا كويسة...
وكزتها عواطف في خصرها وقالت هامسة:
– إنتِ ناسية إن جوزها كان معاها فوق؟! بطلي تحرجي البنيّة!
شهقت نعمة وقالت:
– آه والله! أنا ناسية خالص...
عقّبت عواطف بسخرية:
– لا يا حبيبتي، متنسيش بعد كده!
خرجت خلود وهي تنادي:
– أنا جاهزة، وياسمين كمان... يلا!
---
خرجوا فوجدوا سيارة تنتظرهم في الخارج، ركب الجميع، وبعد وقت وصلوا أمام مول كبير.
نزلت عشق تتأمل المكان بدهشة:
– أنا معرفش إن عندكم مول بالحجم ده!
ابتسمت خلود وأجابت:
– إحنا بلدنا قريبة من مكان سياحي، وطبيعي يكون في زي القاهرة.
********
---
في منزل المنشاوي، وقف الجميع على قدم وساق، يجهزون المكان قبل عودة "عشق" التي لا تعلم أنها ستُفاجأ بحفل زفافها، وترتدي الفستان الأبيض بعد يومين فقط. لقد ظنت أن جدها يريد فقط تجهيز جهازها.
كان أدهم واقفًا بجوار فهد وإخوته، يتابعون تجهيزات الزينة والذبائح، لتكون مفاجأة مبهرة لعشق عند عودتها، ويرى السعادة في عينيها حين تعلم أنها ستُزف إلى حبيبها بعد يومين، وتصبح "ملكته".
مرّت أكثر من ثلاث ساعات، ولاحظ فهد التوتر والقلق الواضح على وجه أدهم، فاقترب منه وسأله:
– مالك يا أدهم؟ مش على بعضك كده ليه؟ روح كلمها.
لم يكن أدهم يعلم السبب الحقيقي لما يشعر به، لكنه كان يشعر بألم وضيق في صدره، فهتف بحيرة:
– مش عارف ليه قلبي مقبوض... كان لازم حد فينا يكون معاهم.
ردّ فهد نافياً:
– المشوار ده للستات بس، علشان كده جدي رفض زين يروح معاهم. كلمها، يمكن قلقك يروح.
ابتعد أدهم عنهم وهو يخرج هاتفه، واتصل برقمها.
---
كانت عشق تقف بين النساء، وعندما رأت اسم أدهم يضيء شاشة الهاتف، أشرق وجهها وابتعدت عنهن قليلاً. فتحت الخط وتحدثت بصوت منخفض حتى لا يسمعها من بجوارها:
– حبيبي... وحشتني.
ابتسم أدهم وهو يرد:
– وإنتِ أكتر يا عمري. وصلتوا فين؟
تأملت عشق المكان بملل، وردّت:
– إحنا لسه في قسم المفروشات... بيشتروا كل حاجة تقابلهم، وأنا زهقت جدًا.
تنهد أدهم بشوق، ثم قال بمشاكسة:
– علشان خاطري، طوّلي في قسم اللانچيري... عايز أعوض الحرمان اللي عشته وأدلع شوية.
ردّت بصوت خجول:
– أدهم! وبعدين معاك؟
قال بمرح:
– يعني أنا ماستاهلش أدلع يا حبيبتي؟
ورغم خجلها، دافعت عن مكانته في قلبها:
– حبيبي يستاهل كل حاجة حلوة، بس أنا بتكسف... ومش هعرف أجيب الحاجات دي.
ردّ بنبرة تهديد مازحة:
– لو الحاجات ما عجبتنيش... أشتري أنا على ذوقي! وما أدراكِ ما ذوقي! أنتِ حرّة... سلام يا قلبي.
---
عاد أدهم إلى الجمع بوجه مشرق، تزينه ابتسامة راحة.
غمز له فهد وقال:
– طيب، ما كنت كلمتها من الأول بدل النكد ده؟
صدمه أدهم بكتفه مازحًا وهتف:
– إنت ما فيش عندك حد تشتغل عليه غيري؟ أبعد بقى.
ضحك فهد بقوة وهو يردّ له صدمة الكتف:
– لا، عندي!
غمز له أدهم:
– طب خليك في حالك.
اتسعت عينا زين الذي التفت إلى مروان قائلاً بدهشة:
– إنت شايف اللي أنا شايفه؟ أنا مش مصدق إن اللي واقف يضحك ويهزر كده هو فهد! أخويا اللي الناس كلها بتتعامل معاه على إنه الأسكف... سايب واحد غريب يمد إيده عليه!
ردّ مروان، وهو يتابع انسجام أدهم وفهد الغريب والسريع:
– آه، شايف... ومش مصدق زيك.
أضاف محمد موضحًا:
– لا مش غريب، فهد طول عمره شايل مسؤولية العيلة. ملوش أصحاب، غير جدي اللي كان دايمًا واخده تحت جناحه. يمكن ماكنش لاقي اللي يستحق صداقته أو قربه... ويبدو إنه لاقى ده في أدهم، بدليل إنهم قربوا من بعض في وقت بسيط جدًا، يعتبر قياسي كمان.
قال زين، وهو لا يزال تحت وقع الصدمة:
– ده أنا لو هزار بس قدامه، بيبقى عايز يقتلني!
---
في المول، وبينما كانت النساء يتجولن، هتفت نعمة محاولة إقناع عشق:
– تعالي يا عشق، يلا اختاري الرسومات اللي تحبيها.
وقفت عشق قريبة منهن، ووجهها يكتسي بحمرة الخجل، وردّت برفض خافت:
– لا يا ماما... اتكسفت!
قالت نعمة بنبرة غير راضية:
– حبيبتي، أمال كنتِ بتلبسي إيه لجوزك؟
خافت عشق أن يُكشف أمرها، لكنها حاولت أن تبدو طبيعية، فردّت:
– لا لا، طبعًا... ولا مرة لبست حاجات من دي!
سألتها عواطف بدهشة:
– أمال كنتِ بتلبسي إيه يا قلب أمك؟
ردّت ببراءة:
– كنت بلبس كاش وبِرموده... يا طنط!
عوجت عواطف فمها وردّت بسخرية:
– إيه يا أختي! بتقولي إيه؟!
وقفت بجوارها خلود وياسمين لدعمها:
– نختار إحنا بدالها... سيبوا عشق، كفاية ضغط عليها لحد كده.
صرخت هند بحدة:
– اتحشمي يا بنت إنتِ وهي! يلا يا عشق.
أعطتهم عشق ظهرها، ووجهها يزداد احمرارًا من الخجل.
قالت حميدة مندهشة:
– والله ما كنت أصدق إن بنات البندر يخجلوا بالشكل ده أبدًا!
---
بعد انتهاء التسوق وجمع كل المشتريات، حمّل الغفر "الشوار" على السيارات، وعادوا إلى السرايا، بينما توجّهت النساء لشراء الذهب دون مرافقة أي رجل.
---
جلس الجميع حول النار، يتناولون القهوة في أجواء دافئة ومليئة بالسكينة.
رنّ هاتف "أدهم"، فاستأذنهم وتحرك مبتعدًا عنهم قليلًا، ثم فتح الخط وهتف:
– مراد، أخبارك؟
ردّ مراد بصوته المعتاد:
– بخير، الحمد لله.
– هنكون في المطار الساعة ١١ صباحًا.
– أنا هاكون في انتظارك.
ثم سأله بلهفة:
– أمي جنبك؟
– آه، كلمها.
جذبت غادة الهاتف بسعادة:
– أخبارك يا حبيبي؟
– بخير، الحمد لله يا أمي. وحشتيني جدًا إنتِ وروان.
– وإنت أكثر، يا قلب أمك. هانت، كلها ساعات ونكون عندك.
أدهم، بابتسامة ممتنة وحب ظاهر:
– تنوري يا حبيبتي. تلاقيني في انتظارك... بوسي لي بنوتي على ما أشوفها.
غادة، وهي تكاد تبكي من الفرحة:
– إن شاء الله يا حبيبي. أنا مش مصدقة إن أخيرًا عقدتك اتفكت وهتتجوز، الحمد لله.
تحدث أدهم بصدق وعيناه تلمعان امتنانًا:
– كله بفضل دعاك يا ست الكل... ربنا ما يحرمني منك أبدًا.
تنهدت غادة بارتياح:
– ولا منك يا حبيبي...
---
عاد أدهم إلى مجلسه، وجلس مرة أخرى بجوار "فهد"، ثم أخبره:
– أمي وصديق عمري وأختي جايين الصبح بدري، وأنا هاروح أجيبهم.
ابتسم فهد بحرارة وقال:
– يشرفوا يا أدهم، وإن ما شلتهمش الأرض، نشتالهم فوق راسنا.
ردّ أدهم بامتنان:
– قدها يا بيت المنشاوي... وربنا يديم المعروف.
رنّ هاتف "زين" وكان الرقم لخلود، فأخذ الهاتف وابتعد قليلاً، وما إن فتح الخط حتى سمع صراخها العالي.
– مالك يا خلود؟! بتعيّطي ليه؟
قالها بقلق وصوت مرتفع.
حاول تهدئتها ليتمكن من فهم ما تقول:
– طيب، اهدِي عشان أفهم... في إيه حصل؟
صُدم حين سمع اسمًا جعل قلبه يتوقف للحظة:
– عشق... مالها عشق؟!
لم يعلم إن كان قد سمع اسمها بأذنه أم بقلبه، لكنه وقف كمن صُعق. لحظات قليلة، واقترب "فهد" منه، وقبل أن يسألاه عمّا حدث، صاح "زين" بعصبية وقد تسرب القلق إلى قلبه:
– إهدي! مش فاهم منك حاجة... مالها عشق؟
ثم صرخ بعنف:
– اتخطفت؟! إزاي؟! إنتوا فين؟!
خطف "أدهم" الهاتف من يده بعنف، وهتف بغضب جامح:
– عشق فين؟! إديني العنوان!
وقف كالمجنون، كبركان ثائر على وشك أن يقذف حممه في جميع الاتجاهات، يحرق الأخضر واليابس.
– عشق اتخطفت؟ مراتي اتخطفت وأنا موجود؟!
أقسم بعينين تشتعلان نارًا:
– والله لأدفن كل شخص سوّلت له نفسه أذيتها... ده يوم أسود على الكل!