
رواية انت عمري الفصل الثامن عشر18 بقلم امل مصطفي
وقفت عشق أمام البوابة كما أمرها أدهم، تتأمل تلك السيارة الكبيرة التي توقّفت أمامها.
نزل منها أدهم، يتبعه ناجي، وفتون، وفريال، وعزّة.
صرخت عشق بسعادة غامرة، وقفزت في أحضان ناجي وفتون، تردد بلهفة:
– وحشتوني! وحشتوني قوي!
ردّ ناجي بسعادة أكبر، وقد غمرته مشاعر الأبوّة التي افتقدها:
– وإنتِ أكتر يا حبيبتي... إنتِ عوضتينا عن غياب أولادنا.
التفتت عشق نحو فريال وعزّة، وقالت بذهول فرح:
– أنا مش مصدّقة إنكم هنا قدامي!
قالت عزة بسخرية لطيفة:
– ولا إحنا كمان! جوزِك جابنا بالإكراه، غصب عن أهالينا!
نظرت إليه عشق بامتنان عميق، فلطالما كان هو كل ما تبقّى لها من عالمها القديم.
اقتربت منه بسعادة، وهمست بشكرٍ صادق، فشبك أصابعه بين أناملها بحنان، وقال مبتسمًا:
– كنت عارف إن سعادتك هتكمل بيهم.
أسندت رأسها على كتفه، ورفعت يدها الحرّة، تمرّرها على ذراعه في حركة تعبّر بها عن عشقها العميق، وعن رضاها بكل هفوة تصدر منه.
---
جلست عشق مع الجميع، وتناولوا الطعام، وتبادلوا الحديث والضحكات.
كان جوًا دافئًا خفّف عن فتون الكثير من ألم الفقد، فقد تركها أولادها وسعوا وراء طموحهم، دون أن يلتفتوا خلفهم، وكأنهم جاؤوا إلى هذه الحياة وحدهم، بلا أمّ أو أب.
أما عشق، فرغم صخب حياتها الجديدة، لم تهملهم يومًا؛ لم تمرّ صباحاتها دون مكالمة صغيرة، ولم تتنكر لوجودهم في حياتها، رغم ما تعيشه من بَذخ ونعيم ظاهر في دنياها الجديدة.
ومع انتهاء اليوم، توجّه الجميع إلى غرفهم ليستريحوا من عناء السفر.
---
---
عادت عشق إلى غرفتها بعد أن جابت أرجاء السرايا باحثةً عن أدهم، لكنها لم تجده.
اتصلت به أكثر من مرة، ولم يردّ.
تسلّل الحزن إلى قلبها، وضاق صدرها، إذ لم تكن تتوقّع منه هذا الإهمال، وخصوصًا في تلك الفترة الحسّاسة من حياتها.
لم تره منذ الصباح، وكان قد اختفى مجددًا بعد أن أحضر أصدقاءها إلى السرايا.
أضاءت الغرفة، وقبل أن تغلق بابها، أحسّت بمن يجذبها فجأة إلى حضنه.
شهقت عشق، والتفتت سريعًا، لتجده واقفًا أمامها، يبتسم ابتسامة لعوب.
قالت له بعتاب امتزج ببعض الدلال:
– أنا زعلانة منك جدًا!
أغلق أدهم الباب بقدمه، واقترب منها أكثر حتى أصبحت بين ذراعيه، تحت سطوته وهيبته، وقال بنبرة واثقة:
– وأنا مقدرش على زعل حبيبتي... أنا بعمل كل ده علشانك يا قلبي!
مين يصدق إن أدهم، بجلالة قدره، ياخد أوامر من حد؟
نظرت إليه بحيرة، وسألته:
– أوامر من مين؟
أجابها بسخرية مرحة:
– من جدك يا ستي! أمرني إمبارح إن ما أباتش معاكي في الغرفة، ولا أشوفك النهارده، علشان بكرة الفرح...
وعلشان أكون مشتاق ليكي... بس هو ميعرفش إني مشتاق ليكي حتى وإنتي بين إيديا!
رفعت عينيها إليه، وسألته بخفوت:
– يعني ده السبب بس؟
قرص وجنتيها بحب، وقال:
– أومال إيه؟!
مين يقدر يمنعني عنك؟!
ورغم كده... مقدرتش أنام قبل ما أقولك: "تصبّحي على خير يا أجمل عروسة في الكون كله."
ضمّته عشق بحب وهمست:
– وأنت من أهل الخير، يا أجمل وأحنّ عريس في الدنيا.
انحنى عليها وقبّلها، ثم همس بصوته المفعم بالعشق:
– النهاردة آخر يوم في العزوبية... والفضل ليكي، يا حوريّتي.
سحرتيني، وقدرتي تملكي قلب كان زيه زي الإعصار، بيدمّر كل اللي يقرّب منه...
حبك حوله لنسمة صيف عذبة...
قبّل يدها برقة، ثم تحرّك مغادرًا الغرفة مرة أخرى.
---
في اليوم التالي...
دخلت نعمة على عشق بعد أن تم تجهيزها بالكامل، وهتفت بسعادة غامرة:
– بسم الله ما شاء الله! البدر في تمامه! الله أكبر!
التفتت لها عشق، واحتضنتها بفرح.
رغم قرب المسافة بينهما، كانت تلك الحضنات تعوّضها عمّا فقدته من حنان واهتمام.
ولم تكن نعمة أقل حنينًا منها، بل زاد احتضانها وهي تبكي:
– ألف مبروك يا حبيبتي... ما لحقتش أشبع منك، ولا من كلمة "ماما"!
عشق، ودموعها تترقرق على وجنتيها، همست:
– وبعدين يا ماما؟! أنا قلت لك، أنا مش هابعد! كل فترة هاجي وأكون هنا...
قاطعتها غادة بنبرة غير راضية:
– إيه ده؟! إنتي بتعيّطي كده؟! الميك أب هايبوظ!
سارعت نعمة إلى مسح دموع عشق، وقالت بلطف:
– فعلاً يا حبيبتي، كده لا...
---
في الخارج
وقف فهد خارج القاعة، يُحدّق في ساعته بتوتر. ما إن لمح أدهم يقترب حتى بادره قائلاً:
"عايزك في موضوع ضروري. "
أجابه أدهم بدهشة:
"هو ده وقته؟ بذمتك؟ "
جذبه فهد بإصرار:
"تعال بس، دي ربع ساعة. "
اتسعت عينا أدهم وهو يردف:
"ربع ساعة إيه؟ أنا بستنى عشق تنزل الوقت. خلينا وقت تاني. "
زاد إصرار فهد أمام رفض أدهم، مما زاد تعجبه ليسأله:
"هو في سر ولا إيه؟ هي عشق طلعت مش بنت؟ "
ضحك فهد بقوة:
"لا، بنت عمي والله. بس تعال معايا ومش هتندم. "
اضطر أدهم أن يرضخ له لكي يخلص.
ركب فهد سيارته.
هتف أدهم بملل:
"هو مشوار طويل عشان عربية؟ سبحان مين مصبرني عليك. "
"يلا بس، أنت كده بتضيع وقت. "
ركب جواره في صمت حتى وصلا إلى المكان الذي شهد منه هو وعشق الشروق.
كان المكان مزينًا ومضاءً، وفي الوسط كرسي أبيض.
دفعه فهد وهو يهتف:
"روح عند الكرسي ده. "
التفت له أدهم وتحدث بسخرية:
"ده وقت فوازير ولا إيه؟ "
تحدث فهد بتشجيع:
"يلا بس. "
تحرك أدهم بخطوات سريعة وقوية، وصل إلى الكرسي.
تأمل المكان حوله.
جذب انتباهه صوت جيتار.
التفت إلى مصدر الصوت، فوجد عشق تخرج من خلف الشجرة وهي تعزف موسيقى أغنية "نفسي أقوله ياه" لإليسا:
"نفسي أقوله كنت إيه قبله واستنيته ليه
كنت صورة حلوة ناقصة حاجة كملها بعينيه
كنت عايشة عمري خوف تحت رحمة الظروف
كنت قصة ناقصة تكمل أو كلام ناقص حروف
نفسي أقوله إيه كمان كنت أقابله من زمان
وردة دبلت وأما قرب فتحت قبل الأوان
نفسي أقوله ياه حلم كنت هموت وأطوله
نفسي أقوله ياه اسم برتاح أما أقوله. "
كانت تعزف وهي تقترب منه بسعادة، بينما هو يلتهمها بعينيه. كم هي رائعة الجمال، بل ساحرة بكل المقاييس.
ظلت تغني وهي تلتف حوله، بينما هو يحترق شوقًا لقربها وضمها، يغرق معها في بحر عشقها.
خرج الجميع من خلف الأشجار، البنات والشباب، ومعهم مصور يقوم بتصوير فيديو منذ دخول أدهم، الذي حملها بين أحضانه وهو يلتف بها بجنون عشقه.
قبل جبينها وأنزلها أمامه.
تفاجأ فهد من وجود ماسه، التي كانت تنظر له من وقت لآخر بخجل.
قام زين بتشغيل أغنية رقصت عليها عشق وأدهم سلو.
قال أدهم وهو يضمها:
"عملتِ كل ده إمتى؟ "
أجابت عشق:
"أنا طلبت من زين لأنه أكثر شخص رومانسي. عرضت عليه الفكرة ووافق، وهو اللي عمل كل حاجة. حبيت يوم فرحنا يكون مميز. "
أمل مصطفى:
"لأن الأفراح هنا العريس مع الرجالة والعروسة مع الحريم، وأنا مش هضيع فرصة رقصة السلو ولا الفستان ده. "
ابتسم بهوس من قلبه الذي ذاب عشقًا لتلك الملاك.
"وأنا كنت زعلان جدًا لأني مش عارف أخدك في حضني وأدور بيكي وأثبت للكل إنك ملكي أنا بس. "
أكمل كلماته وهو يحقق ما كان يتمنى لهذا اليوم.
ليسمع تصفيقًا حارًا من الموجودين الذين تأثروا بتلك الأجواء الرومانسية.
عاد الجميع. جلست عشق بين الحريم، وذهب أدهم بين الرجال. قام بالتحطيب هو وفهد في جو يتغلله الفرحة. كان يومًا سعيدًا على الكل.
بعد انتهاء الفرح، ودع أدهم وعشق الجميع وركبوا سياراتهم وتوجهوا إلى المطار.
---
بعد انتهاء الفرح وبعد ذهاب الجميع إلى منازلهم
تحدث فهد بحدة:
"عايز أعرف مين عزم عيلة الزيات؟ "
"أنا اللي طلبت منهم. "
توجه بنظره لجده الذي نطق بهذا الكلام.
سأل فهد:
"كيف ده يا جدي؟ "
تحدث الجد بهدوء:
"سبب الخلاف مش موجود، وأنت عارف إن ولاده مش زيه. أنا قررت بعد اختفائه نفتح معاهم صفحة جديدة. "
"جديدة يعني إيه يا جدي؟ إحنا بيننا وبينهم مشاكل. "
أجاب الجد بقوة ورفض، وهو يتذكر كلام عشق:
"البنت شكلها بتحبه وهو بيحبها يا جدي.
"بالنسبة يا فهد، أنا طلبت إيد بنته ماسه ليك، ولو مش عايزها ممكن نطلبها لأي حد من أولاد عمك. أنا ما حددتش لمين، من غير ما أخذ رأيك. قلت انت كبير العيلة وأولى بيها. "
*****
في منزل إبراهيم
صُعِقَتْ ماسة مما قصَّه عليها والدها، وهتفت بعدم تصديق:
"مش ممكن يا بابا! طلب إيدي؟ "
أجاب إبراهيم بهدوء: "أيوه، يونس المنشاوي بنفسه هو اللي طلب. "
تملكها الفضول والخوف، فسألته:
"لمين يا بابا؟ "
نظر إليها بحيرة وقال:
"مش عارف، ما قالش مين. هو قال لي: 'عايزين ناخد بنتك ونقوي العلاقات اللي بينا'. "
تغيرت ملامح ماسة بقلق، خشية أن تكون من نصيب شخص آخر في العائلة، وعندها تحدث الكارثة. فهي لن توافق أبدًا أن تكون لغيره، فماذا لو كان لشخص يعيش معها في نفس المنزل؟ ربنا يستر.
شعر والدها بتغير حالتها المزاجية، فسألها بحيرة:
"مالك يا حبيبتي؟ "
أجابت: "أبدًا يا بابا، أنا طالعة أنام. "
نظر إلى زوجته وسألها:
"ما لها بنتك يا خديجة؟ "
هزت كتفيها بعدم فهم وقالت:
"مش عارفة يا أبو ماسة، يمكن مش موافقة. "
أضاف إبراهيم: "وأنا عمري ما أغصبها، بس دي فرصة ننسى العداوة ونبدأ من جديد، بعيد عن المشاكل. "
صعدت ماسة إلى غرفتها بحالة تيه غريبة. أغلقت الباب خلفها بإحكام، ثم ألقت حقيبتها وجلست على طرف الفراش. فتحت هاتفها وتواصلت مع ابنة خالتها، التي ردت بلهفة، يأكلها الفضول لمعرفة ما حدث في الزفاف، وكيف كانت حالتها، وهل تقابلت مع فهد أم لم تره، ويكون كل تجهيزها ذهب أدراج الرياح.
"هاه، قولي، حصل إيه؟ والفرح كان حلو ولا لأ؟ وياترى شفتي فهد وهو شافك؟ "
أصابها الخرس المفاجئ عندما اخترقت أذنها كلمات ماسة:
"المنشاوي الكبير طلب يدي من أبويا. "
ظل الصمت سيد الموقف لبعض الوقت، ثم صرخت سلسبيل بعدم تصديق:
"ده بجد ولا أنا بحلم؟ "
أتاها صوت ماسة المتعب من الفكر: "بجد."
اعتدلت سلسبيل في جلستها وسألتها بتعجب:
"طب ليه مش حساك فرحانة؟ "
أخرجت مكنون قلبها لعلها تجد الراحة:
"خايفة يكون مش فهد المقصود. أنا أموت فيه. "
قالت سلسبيل بثقة:
"مش هيتجوز حد قبل كبير العيلة. "
تحدثت بتمني: "ما زين خاطب خلود وهو الصغير. "
تنهدت سلسبيل بحزن:
"ليه يا حبيبتي بتدوري على تعب نفسك وبس؟ سيبيها لله. "
---
عند أدهم وعشق
حملها بين يديه، وكل ما فيه ينطق عشقًا وتمنيًا.
تعلقت به بخجل شديد، دخل غرفته بالفندق وأغلق الباب خلفه. وضعها على الفراش بحب، جلس جوارها ينظر إليها فقط، كأنه لا يصدق أنها أخيرًا بين يديه. لا يوجد شيء في الوجود يستطيع التفريق بينهما الآن.
حرك أنامله على وجهها بحنان ونعومة، وتحدث بهمس مثير:
"بحبك، بحبك بجنون. أخيرًا هنام وأصحي وإنتِ في حضني. عارفة، حتى لو زعلنا من بعض في يوم، وأنا متأكد إن ده مش هيحصل، مش هبعد برده عن حضنك. "
"المفروض أنا اللي أكون أمانك، وحضني ده ملاذك. بس الغريبة إن أنا بقولك حضنك ده أماني وراحتي والكون كله بالنسبة ليا. "
"الرجل القوي اللي كل الناس بتعمل له حساب، بين إيديك طفل صغير محتاج حنانك وحبك واهتمامك كمان. ولو حاجة منهم نقصت، يتعب ويضيع. "
جلست أمامه تستمع لكلامه، لكن روحها الآن تطفو فوق غيمتها الوردية في عالم آخر من الشوق والهيام.
أخيرًا، حقق الله حلمها بعد تلك السنين العجاف. هو يسمعها نفس كلام الغزل الذي ظل رفيق حلمها سنين قبل اللقاء.
انتهى الكلام، انحنى عليها يقبّلها بنعومة. لم يعد يستطيع الصبر أكثر من ذلك على بركان مشاعره الثائر. ساعدها في خلع فستانها وضم جسدها إلى صدره بقوة، يريد معاقبتها على تلك المشاعر الجامحة التي غزته بقوة من قربها. الآن فقط يستطيع الاستسلام لها ورفع رايات المجون والهوس.
أبعدته بخجل:
"أدهم، حبيبي، تعال نصلي الأول. "
أدهم، وهو في عالم آخر من الرغبة والإثارة التي يعيشها لأول مرة بين يديها، لقد غزته تلك المشاعر منذ كتب الكتاب. لم يعشها أو حتى يشعر بها قبل ذلك، كأنها خُلقت داخله لأجلها فقط.
خرج صوته بهمس مفعم بالمشاعر:
"مش قادر يا حبيبتي، نصلي بعدين. "
أردفت برجاء:
"أرجوك يا حبيبي، أنت عارف إن أنا كمان ملهوفة عليك أكتر، بس خلينا نبدأ حياتنا بالصلاة علشان ربنا يبارك فيها. "
تتحدث وهي مغمضة العيون بسبب لمساته الناعمة لها، همست:
"أدهم، خلاص يا حبيبي. "
نفخ مثل الأطفال وهو يبتعد عنها:
"أدهم، بالطريقة دي وإنتي كمان مغمضة، مش قصدك أبعد أبدًا. "
فتحت عيونها بخجل:
"نصلي الأول، وبعدين أعمل كل اللي نفسك فيه. "
اقترب منها مرة أخرى وهو يهمس:
"أنا مش عارف أنا قبلك كنت عايش إزاي أو ليه. العشق اتخلق جوايا ليكي، يا عشق، بعشقك يا عشقي. "
"وأنا كمان بعشقك، يا حلم عمري. "
********
في فيلا أدهم
جلس مراد على الأريكة، يتأمل والدته غادة بغيظ، ثم قال:
"عجبك كده يا غادة؟ أعمل إيه في ابنك الظالم ده؟ فيها إيه لو كنت اتجوزت أنا كمان؟ "
نظرت إليه غادة بحدة، وقالت:
"اتلم يا ولد! بدل ما تدعي له بالسعادة والهنا. "
زفر مراد بقلة صبر، وقال:
"دعيت يا ستي وتمنيت له كل السعادة، بس أنا ذنبي إيه؟ الوقت بقى له شهر ومش عايز يرجع. أموت أنا بقى؟ "
تدخلت روان بلهفة:
"بعد الشر عليك يا حبيبي. "
التفت إليها مراد بغرام، وقال:
"الله يسلمك يا عمري. أعمل بس إيه في أخوك ده؟ "
رغم أن قلب غادة كان يرقص فرحًا بحياة أولادها التي غزاها الحب والرومانسية، لكنها تحدثت بسخرية مصطنعة:
"على فكرة، أنا قاعدة معاكم يا نحنوح أنت وهي. اتلموا، أصل أخلي أدهم يأجل كمان شوية. "
جلس مراد أمامها بفزع، وقبل يدها:
"أبوس إيدك، أرحميني أنت وابنك. حرام عليكم يا ناس. "
ثم وقف، وجذب روان من يدها، وتحدث إلى غادة:
"طب بعد إذنك، نروح نتغدى في النادي، ده لو مش عند حضرتك مانع يعني. "
ضحكت غادة، وقالت:
"لا يا أخويا، مش عندي. مع السلامة، خلوني أرتاح من الزن شوية. "
احتضن مراد يد روان بين يديه، وتحدث وهو في طريقه إلى السيارة:
"وحشتيني جدًا جدًا. "
أجابت روان:
"وأنت أكثر. "
قال مراد وهو يحكي لها عن تضحيته حتى يأخذها للخارج:
"أنا خلصت الشغل النهارده بأعجوبة علشان آخدك مكان هيعجبك جدًا. "
سألت روان بفضول:
"مش أنت بتقول نتغدى في النادي؟ "
غمز لها مراد:
"دي مفاجأة. "
ركب السيارة وتحرك إلى وجهته، وهو سعيد بوجودها جواره. رغم أنه مر على ارتباطه أربع شهور، لكنه كل يوم يشعر أنه أول يوم له معها؛ نفس اللهفة ونفس العشق وتوتر القلب، كل مشاعره وليدة اللحظة، كأنها تتجدد مع بزوغ النهار.
أغمض عينيها وهي مبتسمة حتى وصل أمام ملاهي دريم بارك. وعندما مر من البوابة، كشف عن عينيها.
شهقت روان بفرحة:
"مش معقول! الملاهي! ياااه يا مراد، أنا من سنين طويلة ما دخلتهاش. "
قال مراد بفرحة لفرحتها:
"بصي، هنتجنن أنا وأنت النهاردة ونعيش طفولتنا مع بعض. ما فيش لعبة مش هنجربها لحد ما نروح ننام من التعب. "
جذبته من يده وهي تركض من السعادة.
---
عند ماسة
لم يستوعب عقلها ولا قلبها تلك الفرحة، وتحدثت بسعادة:
"بجد يا بابا؟ أحلف! طب قول والله بجد. "
نظر إليها والدها ووالدتها، ولا يعرفان ماذا يحدث لابنتهما العاقلة الرزينة.
قال إبراهيم:
"مالك يا بنتي؟ أنتِ مش عايزاه؟ لو كده أبلغهم. أنا مش ممكن أغصبك أبدًا. "
ركضت بفزع إلى أبيها، وهي تحتضنه:
"أرفض مين يا بابا؟ أنا ما صدقت! "
لحظة ما نطق به لسانها توترت، وقالت:
"قصدي يا بابا، أنا ما صدقت أن العداوة انتهت أخيرًا. "
قال إبراهيم، وهو لا يعرف ما بها:
"فعلاً، عداوة ما كانش لها أي لازمة. ربنا يرحمه عمك، ومش عارف جدك اختفى فين. "
قالت ماسة:
"أحسن يا بابا، مش عايزاه. "
تحدث بحدة:
"بنتي، مالك؟ فيكِ إيه؟ ده مهما كان جدك. "
قالت ماسة بأسف:
"آسفة جدًا يا بابا. أنا هاطلع أكلم سلسبيل. "
صعدت السلم بسرعة حتى لا تفضح نفسها أمامهم.
قامت بالاتصال بابنة خالتها:
"هو هو، أنا هتجنن من السعادة. "
قالت سلسبيل:
"قصدك فهد؟ "
أجابت ماسة:
"آه، قصدي فهد. هتجوزه! ألف حمد لك يا رب. أنا مش مصدقة خالص، عقلي اتجنن. خايفة أعترف بحبي ليه، يتصدم فيّ ويفتكرني قليلة حياة. أعمل إيه؟ مش قادرة أسيطر على نفسي من الفرحة. "
قالت سلسبيل بسعادة:
"لا، اهدي كده يا ماسة. ما ينفعش جنانك ده. كلنا عارفين أن فهد مالوش في الكلام ده. اعترافك ليه هيجيب ألف فكرة في دماغه، ومش عايزين فضائح. "
---
خطوبة ماسة وفهد
تجهز الجميع للذهاب إلى خطوبة ماسة وفهد، الذي رفض إقامة حفل زفاف قبل رجوع أدهم.
كان في استقبالهم إبراهيم وأخيه سالم الصغير، الذي أرسل في طلبه بعد الاطمئنان من انتهاء الثأر.
بينما تقف ماسة بقلب يرتفع للسماء، ينثر سعادته على الكون، تطل كل ثانية أمام الشباك حتى ترى فهد.
نهرتها ابنة خالتها:
"حرام عليك، اقعدي بقى، زهقتيني. "
ضحكت ماسة بغرام:
"أنا هتجنن يا ختي، قلبي هيقف. "
نظرت إليها أمل مصطفى، وقالت:
"يا خبر، معقول تحصل؟ "
سألت ماسة:
"إيه اللي يحصل؟ "
قالت سلسبيل:
"إنك تتجنني من شدة السعادة. "
قالت ماسة بخوف:
"لا، أتجنن إيه؟ كده مش هيتجوزني. "
تنهدت سلسبيل براحة، وهي أخيرًا تجد ما تضعفها به:
"آه، علشان كده اقعدي بقى واهدي، واستغفري ربنا عشان تتهدي. "
---
---
في ذلك اليوم المميز، اجتمعت نساء العائلتين في غرفة العروس، حيث عمّت الأجواء بالفرح والترقب. وفي الجهة الأخرى، دخل الرجال غرفة الضيوف، يتقدمهم فهد بخطى واثقة وشموخ، يسير بجوار جده، محاطًا بنظرات الاحترام والتقدير من الحضور. جلس فهد، تاركًا لجده حرية التحدث في كل ما يخص مراسم الزواج.
في غرفة العروس، احتضنت نعمة صديقتها صفية بحب، قائلة:
"أخيرًا يا صفية، هنرجع لبعض."
أجابت صفية بحنان:
"أخيرًا، منه لله الظالم."
ثم نظرت إلى ماسة، وقالت بإعجاب:
"بنتك زي القمر، ربنا يحميها."
أرادت صفية أن تطمئن على ابنتها، فقالت:
"أنا الوقت بس اطمنت عليها، لأنها هتلاقي أم تانية ليها هناك."
عواطف، وهي تحتضن ماسة التي تجلس بخجل، قالت:
"بسم الله ما شاء الله، قمر يا حبيبتي."
خلود وياسمين انضمتا إلى الحديث:
"إحنا أصحابك يا ماسة، ده شرف لينا."
ثم أشارت إلى ابنة خالتها، مضيفة:
"ودي سلسبيل، أختي."
تعرف الجميع على بعضهم البعض، وتبددت مشاعر القلق، لتحل محلها المودة والمحبة.
تم عقد القران، وتعالت الزغاريد في الأرجاء. جلست ماسة بين النساء، تفرك يديها محاولة السيطرة على الرعشة التي أصابتها عند سماع الزغاريد، مدركة أنها أصبحت على اسمه. تمتمت بالحمد في سرها، وتمنت أن تقف وتصرخ من شدة سعادتها، لكن خجلها منعها. ظلت تنتظره حتى يلبسها الشبكة، وتملأ عينيها بملامحه الجذابة التي تعشقها.
لكن أحلامها تبددت عندما رأت عواطف تسلم الشبكة لياسمين، وتطلب منها مساعدتها في ارتدائها. غزا قلبها ألم شديد، شعرت وكأنها طائر يحلق في السماء بفرحة كبيرة، أصابته رصاصة خائنة من صياد غادر، فسقط فجأة من ارتفاع شاهق، وفقد الحياة.
لاحظت سلسبيل مشاعر ماسة، فاقتربت منها، تربت على يدها، وقالت:
"بكره هتكوني معاه، ووقتها تقدري تكسبي قلبه."
نظرت ماسة إليها بأعين حزينة، ثم أخفضتها في صمت.