رواية انت عمري الفصل الثالث والاربعون43 بقلم امل مصطفي


 رواية انت عمري الفصل الثالث والاربعون43 بقلم امل مصطفي

عودة لمنزل فهد عندما علمت أمه بقرار الذهاب بها إلى القاهرة

تحدثت بهدوء:
ـ ليه البهدلة يا بُني؟ هنا كلنا واخدين بالنا منها وبنرعاها.
ثم وجّهت كلماتها لأم ماسه:
ـ مش كده يا صفاء؟
ردت صفاء بحيرة:
ـ أيوه، إحنا مش سايبينها.

لكنها، كأم ترى ابنتها تذبل كل يوم عن الآخر، تؤيد كلام فهد،
الذي تحدث بكلمات قاطعة:
ـ أنا خلاص قررت ومافيش رجوع، وبعدين أنا مش مرتاح لوضعها ده. وأكيد شايفه حالتها ومنظرها بقى عامل إزاي، دي بتموت قدامي، وأنا مش هافضل أتفرج عليها، ولو حكمت هسافر بيها برّه مصر. المهم إنها تكون بخير.

تستمع له صفاء بقلب يطير فرحاً على اهتمام فهد بابنتها، التي تنعم بحبه وحنانه، وتدعو لهما بدوام الألفة بينهما، فهي لم تتوقع كل هذا الاهتمام منه بزوجته، مما تعلمه عنه من قوة الشخصية والقسوة.
لذلك جلست بفخر ورأس مرفوع، بأن كبيرهم وصاحب الكلمة العليا من نصيب ابنتها الوحيدة، ترى أمامها زوجاً محباً وحنوناً.

بينما هتف الجد بتشجيع:
ـ اعمل اللي يريحك يا ولدي، وإن شاء الله يكون خير.

---

في فيلا أيمن
حمل خالد زينب، التي صرخت من المفاجأة وهي تسأله:
ـ بتعمل إيه يا مجنون؟

ركض بها تجاه البول وهو يهتف:
ـ فرصة إنهم مسافرين، هنلعب شوية!

ضحكت زينب:
ـ بس ماما وأخواتي موجودين!

قفز بها:
ـ خليهم ييجوا يلعبوا معانا!
تعلقت بعنقه:
ـ أخواتي مش بيعرفوا يعوموا!

هتف بمرح:
ـ خلاص، ألعب أنا وإنتِ.
نظر حوله بعيون خبيرة، وفجأة تعانقت الشفاه في قبلة حب، وجذبها معه تحت الماء، ثم صعد مرة أخرى تحت حنقها.

ـ افترض حد شافنا! أقول إيه لماما؟ والبنات موجودين!

جذبها مرة أخرى لصدره:
ـ هم جوا بيجهزوا الأكل.
كاد يكمل كلامه عندما سمع من خلفه صوت شوق وهي تناديه:
ـ أنا عايزة أنزل معاكم!

رمقته زينب بنظرة شامتة وهي تبتعد عن أحضانه،
غمز لها بتلاعب وهو يمد يده لشوق:
ـ تعالي يا حبيبتي، إنتِ قلب خالد.
ثم حملها بين ذراعيه.

تركته زينب بغيرة وصعدت تتوجه للداخل، قابلت أمها التي ضحكت على هيئتها وهي تسألها:
ـ إيه حصل؟

هتفت بحنق:
ـ خالد حب يهزر، حدفني في البول، والوقت معاه شوق قلب خالد.
أنا طالعة أغير.

هتفت سناء بعتاب:
ـ في واحدة تكشّر كده علشان جوزها بيحبها ويناغشها؟
بِت نكدية! ده خالد ده بلسم، ربنا يرزق أخواتك رجالة في نص نخوته وجدعنته.

هتفت زينب بملل وهي تبتعد:
ـ أيوه أيوه، عارفة، أنا اللي هطلع غلطانة!

تابعتها سناء ببسمة حب وهي تدعو لهما بدوام الحب والفرحة بينهما،
بينما خالد ما زال يعلّم شوق، التي استجابت له بسرعة.

اقتربت سناء منهم ببسمة متسعة:
ـ يِظهر إن في ناس هنا غيرانة علشان بنقول لغيرها قلب خالد!

خالد بضحكة رنّانة:
ـ لا بلاش تقولي!

ـ لا يا خُويا، بقول، وده واضح جداً، لأنها طالعة بتدخن!

رفع شوق بين يديه حتى تكون في مستوى وجهه وهو يحدثها:
ـ تعالي يا شوق نطلع، وخليها مرة تانية نكمل.

هتفت برفض:
ـ لا يا خلودة، خليني شوية!

أجابها وهو يصعد بها:
ـ لا، مرة تانية، علشان روح خالد لازم تتصالح الوقت حالاً، وإلا هيبقى يوم نكد!

---

دخل غرفته، وجدها تخرج من الحمام وهي ترتدي برنس، وعندما طالعت بسمته الساحرة، نظرت جهة أخرى وهي تمر من جواره دون اهتمام.

وقبل أن تبتعد، كانت محمولة بين ذراعيه، وهو يهتف بمرح:
ـ مميزات الزوجة صغيرة الحجم إنك تقدر تحملها وتلعب بيها في أي وقت، دون أي مجهود!

عبست بوجهها وهي تهتف:
ـ أنا مش صغيرة! أنا حجمي طبيعي جداً! إنت اللي سيادتك ضخم زيادة!

ضحك خالد بمرح وهو يحرّك أرنبة أنفه على وجهها ويتحدث بخبث:
ـ بذمتك، مش أول حاجة شدتِك ليا الحجم المهيب ده؟

لم تستطع السيطرة على حنينها لتلك الذكرى، لذلك نظرت بعمق في عيونه بهيام،
وهي تهتف بصدق:
ـ إنت خطفتني من أول لحظة، وفضلت شاغل بالي.
يومها سألت ماما: في حد ممكن يحب من أول مرة؟
ولما وصفت لها فارس أحلامي، وصفتك إنت بالظبط. كانت كل كلمة بتعبر عن خالد وبس.

تحولت حالتها من شجن لغيرة، وهي تتحدث بغضب:
ـ إياك، ثم إياك، تقول لحد غيري "قلب خالد"!

يتابع تغيّر حالتها المزاجية بقلب عاشق، وهتف بغرام:
ـ حاضر يا قلب خالد، سماح المرة دي.

شاورت له على وجنتيها تريد منه تقبيلها:
ـ صالحني يلا.

اتسعت ابتسامته وهو يهتف:
ـ أنا خالد، يعني الجود كله، ولما أعطي لازم يكون بكل ضمير، يا قلب خالد.
أكمل بخبث قبل أن يقبّلها بشغف:
ـ يا بركة دعاك يا فردوس.
وخطفها معه في جولة من جولاته الرائعة، يذوبان معاً في دنيا الغرام.
*******
بعد مرور الأيام، كانت عشق تقف في مطار القاهرة تحتضن فتون وهي تبكي:

"هتوحشيني قوي يا ماما فتون."

بكت الأخرى وزادت من ضمها، وهتفت:

"وأنتِ أكتر يا روح ماما. إحنا مش هنتأخر، احتمال منكملش الشهر، بس ناجي مرضاش يكسر خاطر ابنه. وقال: نشوفهم مرة من نفسنا، ماحدش عارف هنشوفهم تاني ولا لا."

وجهت كلماتها لناجي:

"وأنت كمان يا بابا، هتوحشني قوي."

ناجي بصدق:

"تصدقي لو قلتلك إنك أقرب لينا من ولادي اللي خلفتهم؟ والراحة اللي بنحسها في وجودك، ما حسيتهاش معاهم."

بكت عشق، فالموقف كان صعبًا على قلبها.

أكمل بحنان:

"رغم انشغالك وحياتك الجديدة، مافيش يوم يعدي من غير ما تطمني علينا وتودينا. الأولاد مش اللي بييجوا من الصلب، في ناس كتير مخلفتش وربنا عوضها بقلوب رحيمة مليانة حب وحنان زي قلبك. وناس خلفت وعاشت وحيدة منسية بين أربع حيطان. بندعيلك ليل نهار، ربنا يعطيكي على قد نقاء قلبك وطهره."

هتفت برجاء:

"أرجوك يا بابا، لو مرتحتش أو حد ضايقك، قولي، اتكلم معايا. مافيش حاجة في الدنيا تجبركم على التحمل. أنا هنا في انتظاركم."

---

وصلت سيارة الإسعاف إلى داخل المستشفى، وكان أدهم وعشق في استقبالهم.

نزل من السيارة الأخرى أهل ماسة وعواطف، والدة فهد.

وبعد ساعة من التحاليل والفحوصات، طلبت الدكتورة زوجها إلى المكتب، فتوجه إليه أدهم وفهد بعدما استقرت ماسة والحريم في الجناح الذي تم حجزه.

في غرفة المكتب، وقفت الطبيبة تستقبلهم بابتسامة ترحيب، وهتفت:

"مرحبًا بك، بشمهندس فهد، تفضل بالجلوس."

سألها فهد:

"خير يا دكتورة؟ أريد معرفة حالة زوجتي كاملة."

أجابت:

"لا تقلق، سيد فهد، مدام ماسة أصبحت هنا تحت رعايتي، وسترى بنفسك تغييرًا كبيرًا في حالتها. حالتها من الحالات القليلة جدًا التي تُصاب بهذا الشكل، ولم تجد الرعاية الكافية التي تساعدها على مرور تلك الفترة بخير. فهي ترفض الطعام بشكل كلي، وهذا يسبب خطرًا عليها وعلى جنينها. المعدة ترفض الطعام بشكل قاطع، مما يسبب ضعفًا جسديًا للأم، وبالتالي هناك جنين يريد التكوين، لذلك يسحب ما يحتاجه من جسدها هي. لكنني أعدك بتحسن سريع خلال فترة مكوثها لدينا."

فهد:

"قصدك أنها سوف تبقى هنا؟"

"طبعًا، سوف تبقى ليس أقل من أسبوعين حتى يتم مساعدتها بشكل جيد على تحمل باقي الأشهر دون خسائر لها أو للأجنة."

اتسعت أعين كلا من أدهم وفهد، الذي زادت دقات قلبه بفرحة:

"ماسة حامل في توأم؟"

ضحكت الدكتورة وهتفت:

"نعم، هي تحمل توأمين، لذلك جسدها مرهق جدًا."

---

استضاف منزل زين أهله، وكانت خلود في منتهى السعادة، لقد اشتاقت إليهم بشدة.

عرض عليهم أدهم أكثر من مرة المكوث عنده، لكن فهد اعتذر لأنه لن يترك ماسة. وظلت عشق والجميع يتبادلون الزيارات.

ظل فهد جوارها أكثر من ثلاثة أيام، وعندما بدأت تتحسن، تركها مع أمها وطلب من زين المرور عليهم كل يوم حتى يعود للبلد لإنهاء بعض الأعمال.
لم ينقطع تواصله معهم

وعندما عاد بعد يومين طرق الباب ودخل بلهفة، وجدها تجلس على الفراش، ورغم أن التعب ما زال ظاهرًا على ملامحها، لكن جلوسها في حد ذاته معجزة.

اتسعت ابتسامته وهو يهتف:

"أخيرًا، الدنيا نورت من جديد."

ابتسمت له بخجل، بينما أخفضت والدتها وعواطف وجوههن بحرج، فلم يتوقعن هذا التصرف من شخص بهيبته.

وقفت عواطف وهي تجذب صفاء:

"تعالي نتصل بزين يجي ياخدنا، أصل تعبنا من جو المستشفى."

وافقتها صفاء بصمت، بينما جلس فهد على طرف الفراش، يتناول كفها، ينحني عليه، يقبله بحنان:

"نورتي حياتي والدنيا كلها يا ماسة الفهد."

ابتسمت بحب وهي ترد:

"الدنيا منورة بوجودك معايا واهتمامك بيا، يا سيد الناس كلها."

اعتدل في جلسته حتى أصبح جوارها، وضمها تحت ذراعه:

"من زمان مشوفتش قعدة كده، بجد وحشتيني جدًا، وآسف إني اتأخرت في أخد الخطوة دي، سامحيني."

مالت على كتفه ووضعت كفها على صدره:

"تفتكر قلبي يقدر يزعل منك علشان يسامحك؟ بحبك قوي قوي يا فهد."

قبل جبينها وهو يضع كف يده على يدها التي تحتل صدره:

"ولا يحرمني منك أبدًا، يا حبيبة العمر. الكل باعت ليك السلام، البيت مالوش طعم من غيرك بجد."

مرر أنامله على وجنتها وهو يكمل بفرحة لا تساويها فرحة أخرى:

"أنتِ حامل في توأم."

اعتدلت بعدم تصديق:

"بجد؟ محدش قالي!"

ابتسم فهد على سعادتها:

"لأن أنا طلبت من الدكتورة متبلغش حد بالموضوع علشان أبلغك بنفسي."

قبلت صدره:

"أنا مش مصدقة حبك ده يا فهد، حاسة إن في حلم جميل خايفة أصحى منه."

ضمها وأغمض عيونه وهو يهتف:

"أنا اكتشفت إني بحبك بجنون، وإن حبك مزروع جوايا من سنين، يمكن كمان من قبل ما أشوفك. تعبك ونومك المستمر صابني بحالة من عدم التوازن والتعب النفسي، كنت هتجنن، إزاي مش قادر أحمي مراتي ولا أخفف عنها؟ إزاي مطلوب مني قلبي يبقى حزين واقف بين الناس جبل متهزش؟ إزاي أخرج أتابع مصالحي، واقف مع ده وأحاسب من ده، وأنا قلبي وروحي معاكي في البيت؟ بجد، الفترة اللي فاتت دي كانت صعبة عليا قوي."

رفعت يدها تحركها على وجنته:

"ده أجمل شعر  سمعته اتقال في الحب."

ابتسم وهو يقبل كف يدها:

"كلامي بقى شعر؟"

"أجمل وأعظم كلام ممكن الواحدة تسمعه من راجل بشخصية فهد المنشاوي، عنوان للقوة والشموخ والرجولة كلها. أنا أسعد وأغنى ست في الكون بحبك ليا يا فهد."

تعالت أنفاسه، جذبها أكثر لأحضانه، واقترب من أذنها يهمس بحميمية:

"الدكتورة قالت مافيش حاجة تمنع القرب، مش كده؟"

توترت من نظراته وهي تفهم مقصده، مش عارفة ممكن تسأل.

لم يفلتها وهو يهيم بها عشقًا:

"والله ما أنا سايبك، وبعدين، أسأل ليه؟ ما أنا أكتشف بنفسي."

---
في منزل سناء

طرق بابها، وتوجهت لتفتحه، فوجدت أمامها يونس الذي تعودت على زيارته في الفترة الماضية. قابلته ببسمة وترحاب:

– أهلًا يا يونس، تعال ادخل، جدك أنور جوه.

تحرك أمامها بخطوات ثابتة، وألقى التحية على الجد أنور الذي استقبله ببشاشة:

– أهلًا بالغالي، أخبارك إيه؟

جلس أمامه وهو يردف:

– بخير يا جدي، أنا جاي علشان ليّا طلب مهم عندك.

هتف الجد بصدق:

– إنت تأمر يا يونس.

قال يونس بجدية:

– أنا طالب منك إيد شوق ليا، وقبل ما تقول إننا لسه صغيرين ولسه بدري، أنا بس عايز حضرتك تعطيني كلمة إنها مش هتكون لغيري.

تمتم الجد بصدمة:

– اللي بيحصل ده غريب ؟ وأنا  مقدرش أعطيك كلمة في حاجة مش ملكي. افرض، لا قدر الله، لما تكبر مش تكون عايزاك، يبقى أنا دمرت حياتها!

– أوعدك يا جدي، لو في يوم حسيت إنها مش حابة وجودي في حياتها، أنا هنسحب. أنا راجل، وعمري ما أقبل إن واحدة تعيش معايا غصب.

رغم أن الموقف غريب ويعد كوميدي، لكن كلماته وقوة شخصيته جعلت الجد يثق أن أمامه الآن بذرة رجل قوي يهابه الزمن، لذلك وافق وهو يهتف:

– وأنا واثق فيك يا يونس، وسواء عشت لليوم ده أو لا، أنا ببارك ارتباطكم.

دخلت سناء ببسمة:

– وأنا كمان موافقة يا يونس.

---

توقف الجميع في غرفة ندى بالمستشفى يباركون لها على سلامتها، وتلك الطفلة الجميلة التي أسمتها "ورد".

حملها خالد بفرحة كبيرة، وظل يستنشق رائحتها وهو يقبلها.

زينب بلهفة:

– عايزاها شوية يا خالد، من وقت ما خرجت وإنت شايلها!

هتف بفرحة:

– أصلها ناعمة جدًا ودافئة!

– ماليش فيه، أنا عايزة أشيلها.

هتفت ندى بتعب:

– اعطِها لها بقى يا خالد، بلاش تتعبها.

وضعها بين يديها:

– تمام، كل أوامر مامي تُنفذ!

أتى أقارب سيد يباركون للمولود الجديد، ووقفت سيدة تستقبلهم بفخر في تلك المستشفى التي أصر عليها أيمن، ورفض أن تُكلف زوجة ابنه أي مصاريف، فقد أصبحت من أصحاب الملايين.

جهز أيمن غرفتها في المستشفى بشكل مبهج، بتلك البالونات الملونة والأزهار.

بينما ظلت زينب تلاعب الطفلة بفرحة طفلة، طلب أيمن من خالد أن يتحدث معه في الخارج:

– خير يا بابا؟

قال أيمن بفرحة كبيرة:

– عايز آخذ رأيك، نعمل السبوع في قاعة؟ ولا نجهز جنينة الفيلا؟

– بقول قاعة أفضل، بس لازم ناخد رأي جوزها الأول، علشان ميزعلش ويقول لغينا وجوده. سيد طيب وجدع، بس حساس وممكن يفهم الموضوع بطريقة تجرحه.

ربت أيمن على كتفه:

– طيب يا بطل، تبقى دي مهمتك. هو صاحبك، وإنت تفهمه أكتر مني وتقدر تقنعه.

– تمام، هنزل أشوفه وأكلمه. طلبات أيمن باشا أوامر.

ابتسم له أيمن، وقبل أن يبتعد خالد، ناداه:

– خالد، استنى!

التفت له، وجده يفتح له ذراعيه. تحرك خالد مرة أخرى تجاهه، وارتمى بأحضانه، بينما همس أيمن:

– عقبال ما أشيل ابنك يا حبيبي. ده اللي هيكون حفيدي ويتربى في حضني.

---

تعيش روان ومراد أجمل أيام عمرهم بتلك الزهرة الجميلة التي بدأت تتحرك بينهم، وانتعش البيت بروح تلك الصغيرة التي وهبتهم حياة.

تجلس روان تتابع ما يحدث ببسمة عريضة، وهي ترى حبيبها ينحني على ركبتيه وكفيه، ويتحرك جوار صغيرته، يداعبها وهي تضحك بصوت يخطف القلب والروح.

وقفت تذهب للمطبخ، وبعد وقت بسيط أتت وهي تحمل صينية عليها قطع الفاكهة والعصير. ثم انحنت جوارهم تضع حملها، وجلست بجوارهم على الأرض.

رفعت كأس العصير لمراد، الذي جلس وجذب طفلته لتجلس على قدمه، يسقيها من كأسه.

قالت روان، وهي تحمل قطعة من الفاكهة وتضعها في فم مراد الذي يهتم بإطعام ابنته:

– إيه رأيك نجيب طفل كمان؟

توقفت يده في الهواء قبل أن تصل لفم طفلته، وعيناه تتأمل روان، وهتف بحزن:

– مش ممكن أحطك مرة تانية في العذاب ده. أنا راضي بطفل واحد.

مالت عليه، تقبل وجنته، وهي تردف:

– وجع الميلاد منسي يا حبيبي، وأنا مش أول ولا آخر ست تتألم لحظة الميلاد. أنت عشت حياتك وحيد، يرضيك بنتك تعيش نفس الوحدة؟

هز رأسه بأسف:

– لا طبعًا، بس...

وضعت يدها على شفتيه:

– مفيش "بس"، أنا عايزة البيت يتملي عليك أولاد، تعوض بينهم اللي اتحرمت منه.

نظر للأسفل، فوجد صغيرته تجذب منه الكأس حتى تُكمل تناوله، وسكب جزء منه على ملابسها، دون وعي، لأنه يفقد الشعور بما حوله عندما تكون روان بهذا القرب.

ضحكت روان على حالته، وجذبت منديلًا لتجفف لصغيرتها صدرها:

– معلش يا قلبي، بابي مكنش هنا.

وقف مراد وهو يحملها، متوجهًا بها للحمام حتى ينظف ملابسها، وينظر لروان بخبث:

– ربنا يسامح اللي كان السبب، كل ما تقربي مني، تسقط الشبكة عن كل القنوات!

ضحكت روان بصخب من معنى كلماته، وعندما ابتعد، ضمت نفسها بفرحة كبيرة، وهي تتمتم:

– ربنا يخليك ليا يا حبيبي، ولا يحرمني أبدًا من حبك.
******
أوصل خالد عشق، ثم توجه إلى المشغل. توقف أمام الباب ونزل من سيارته، وتوجه إلى الداخل.

طرق على باب المكتب، فوجد والدته تجلس على المكتب تدير بعض الحسابات.

– صباح الورد على أعظم مديرة.

رفعت عينها وهي تبتسم، ثم وقفت وتوجهت له:

– حبيبي، راجع بدري النهارده؟

– عشق عندها زيارة ساعتين، قولت أجي أمر عليكم.

ضمته بحب وهي تغمز:

– جاي تطمن علينا جماعة ولا حبيبة القلب وحشتك؟

غمز لها بمرح:

– بحبك وانتِ متابعه كل المواقع يا حب، بس ده ما يمنعش إنك القمر بتاعي.

ضربت كتفه بحنان:

– آه يا واد يا بكاش، عمومًا هعمل نفسي مصدقاك، وهي في المكتب بتاعها بتعدل بعض التصاميم.

توجه للخارج وهو يهتف:

– أروح أنا علشان شايف إنك مشغولة قووي.

صحبته ضحكة أمه:

– قوي قوي يا قلب أمك!

عند زينب

تجلس مندمجة، تضع بعض التعديلات على موديل جديد. لقد خصص لها خالد مكتبًا لتبدع به وتخرج أجمل أعمالها.

هذا في الظاهر، أما المقصد الخفي الذي لا يعلمه غيره، أنه أبعدها عن مكتب والديهم حتى يختلي بها كيفما يشاء كلما أخذه الشوق.

لم يطرق الباب، بل فتحه بحذر، فهد. دلف للداخل ثم أغلقه، كل ذلك دون أن تشعر به زينب، التي تعطي ظهرها للباب، حتى وجدت نفسها تُرفع في الهواء.

صرخت فزعة وتعالت ضربات قلبها، وعندما تقابلت عيناها بعيونه التي تعشقها، وضعت رأسها على كتفه بتعب، وخرجت حروف كلماتها مهدجة من حالتها:

– كده يا خالد؟ فزعتني بجد.

عدلها بين أحضانه تواجهه، وهو يتعجب من حالتها وضربات قلبها المتزايدة:

– في إيه؟ حصل للخوف ده كله يا زوبة؟

تمتمت بما جعله يشتعل من الفكرة:

– قولت في حد غريب دخل يأذيني، ولما حسيت بإيد راجل بتتحرك عليا، خوفت أكتر.

أجلسها على المكتب، وحاصرها بذراعيه حولها، وعيونه تشتعل بجنون:

– راجل غريب مين يا زينب؟ اللي يقدر يدخل مكتبك ويحط إيده عليكي؟ إنتِ مجنونة؟! دانا كنت أخرب الدنيا! وبعدين أنا مراقب كل شبر في المشغل، ولا تكوني فاكرة إنها سايبة!

لاحظت غضبه من كلماتها، لذلك حاولت تلطيف مزاجه وهي تعتذر:

– آسفة يا حبيبي، إنت عارف أنا لما يكون معايا تصميم جديد، بكون مندمجة جدًا معاه، لدرجة إنّي مسمعتش الباب وهو بيتفتح أو يتقفل.

ابتعد وهو يهتف بسخط:

– ضيعتي اللحظة الرومانسية، منك لله!

تحركت حتى وقفت أمامه وهي تهتف بدلال:

– وإيه اللي يضيعها؟ وأنا وإنت موجودين مع بعض أهو!

نظر لها بعبس طفولي:

– كنت عايز أشيلك، وإنتِ تتعلقي برقبتي وتقوليلي "وحشتني" وتبوسيني.

ابتسمت:

– طيب شيلني وأنا أعمل كل ده.

هو برفض:

– لا ياختي، كتر خيرك، الحاجات دي حلاوتها بعفويتها، وإنتِ قفلتيني!

– يلا سلام، ثم تحرك بخطوات بطيئة لباب الغرفة.

انصدمت من رد فعله الذي لم تتوقعه، لكنها أبدًا لن تتركه يخرج من عندها حزين، لذلك ركضت خلفه وضمته من الخلف، وهي تهتف بحب:

– آسفة يا حبيبي، سامحني، مش ممكن أسيبك تمشي زعلان، أنا كده هتعب نفسيًا.

مرر كفوف يده برقة شديدة على يديها التي تحتضنه، وهتف بغرام:

– ومين قالك إن أنا ممكن أمشي من قبل ما أقطف كل محصول الفراولة بتاعي، لحد ما يجيلي انتفاخ!

التفت لها وحملها وهو يقبلها بغرام:

– شوفتي؟ مافيش أجمل من اللحظة العفوية!

نظرت بعمق في عينيه، لتجد بهما الخبث والتلاعب الذي أغرقها فيه حتى يصل لما يريد.
لكن لا يهم، يكفيها أنها هنا، بين أحضانه التي لا تريد الخروج منها أبدًا.

---

تجلس عشق مع فريال وعزة في حديقة الفيلا. لقد طلبتهن ليقضين معها يومًا من الصباح، واستجبن بسرعة، لقد افتقدن وجودها.

يتخاطفن خالد من بعضهن، وهو يبتسم لهن ببراءة.

وقفت عزة تهتف:

– يلا يا بنات نلعب كورة!

وقفت فريال موافقة.

هتفت عشق:

– كورة إيه يا مجانين؟!

عزة بملل:

– يلا يا عشق، أنا مصدقة ألاقي مكان واسع أخرج فيه موهبتي. يلا يا فريال!

وقفت فريال أمامها وهي تحفزها:

– يلا، شوّطي يا عزة!

ظلوا يركضون خلف بعضهم، وضحكاتهم تصدح بمرح.

هتفت بملل وضيق:

– يلا يا عزة، شوّطي بقى! بقالك ساعة واخدة الكورة! هو مارادونا اللي هيشوط؟!

كان أدهم وفهد وسالم في طريقهم للداخل، عندما صدمت الكرة قدمه. انحنى يتناولها ببسمة، وهو يهتف:

– عندكم حد بيلعب كورة؟

تعجب أدهم، فهو لم يتوقع أن يحدث ذلك منهن، وهتف:

– لا، ابني لسه صغير!

وجدوا أمامهم فتاة تقترب على حياء، وهي تطلب منه الكرة. مد سالم يده:

– اتفضلي.

بينما رحب بها أدهم:

– أخبارك يا آنسة فريال؟ نورتينا!

لم ترفع عيونها وهي ترد:

– منوّرة بأهله، بعد إذنك.

تحركت وعيون سالم تتابعها، بينما عادت فريال وجهها محمر. ألقت الكرة على عزة بضيق:

– ابقي العبي لوحدك بعد كده! خليتي شكلي وحش، وأنا بجري ورا الكورة وألاقي نفسي بين ثلاث رجال، هيقولوا عليّ إيه الوقت؟!

وقفت عزة ببرود، وهي تقترب منها، تمرر يدها عليها:

– الكتكوت بتاعي يتكسف؟! ياختي، كميلة!

بينما سألتها عشق:

– هو أدهم معاه حد؟

جلست بندم:

– آه، معاه اتنين رجالة لابسين جلاليب. 
تعليقات



<>