رواية انت عمري الفصل الخامس5 بقلم امل مصطفي


 رواية انت عمري الفصل الخامس5 بقلم امل مصطفي


لكنها أجهشت في بكاء مرير، لا تعلم ما سبب هذا البكاء، لكنها كانت تحتاجه بشدة، كأنها تغسل أوجاعها بعد سنوات من الكبت.
أو ربما أرادت أن تُظهر ضعفها أمامه هو بالذات... لا تعلم، فمشاعرها كانت في حالة تشتت، وكلماته الحنونة، والعشق المشتعل في عيونه، زاد من ندمها.

هتف برجاء:
– كفاية بكاء... قلبي مش هيتحمل أكتر من كده، وهاخدك في حضني قدام الناس دي كلها، وأخوكي يقتلني ويغسل عاره!

اتسعت عيناها بذهول من كلماته التي نطقها بهدوء، هدوء يدل على جديّته لا على المزاح. نظرت إلى عينيه، فابتسم وهو يؤكد:
– أنا بتكلم جد، مش بهزر.

ابتسمت بخجل، وهي ترد:
– على فكرة... ماكانش قصدي اللي إنت فهمته. أنا كنت خايفة عليك... تضيع نفسك في حيوان زي ده!

للمرة الثانية، أساء فهم كلماتها، وهتف لنفسه بدهشة:
– معقول؟! هي خايفة عليّا؟

لكن قلبه رفض التصديق، وأكّد لنفسه أن ما حدث محض خيال، أو أن سمعه قد خانه.
سألها بلهفة:
– يعني... إنتِ خايفة عليّا؟ مش زعلانة إني ضربته؟

هزّت رأسها نافية:
– لا، مش خايفة عليه. بالعكس... ضربك ليه طيّب نار قلبي وفشّ غليلي منهم.

كان عاشقًا متيمًا، يتمنى نظرة رضى من معشوقته، نسي غضبه وسألها بحب:
– يعني... إنتِ مش بتحبيه؟

تأملت لمعة عينيه ولهفته، وردّت بما يبرد نار قلبه:
– حبه مات في قلبي يوم ما سابني في عز احتياجي ليه.

أخيرًا، جاءت فرصته الذهبية، سيثبت لها كم يعشقها، بل سيتفنن في إسعادها حتى يمحو كل أثر لوجود غيره في قلبها، وسيجعلها تشعر أن أول نبضات قلبها كانت له وحده.
هتف بإصرار:
– اديني فرصة... وأنا أعوّضك عن كل حاجة وحشة شفتيها في حياتك. سيبي نفسك ليا، وهتعرفي إن فيه فرق كبير بين واحد بيحبك وواحد بيعشقك بجنون!

كانت تتابع ما يحدث من بعيد، تضع يدها تحت وجنتها، وعيناها تُطلقان قلوبًا، تتمنى أن تعيش تلك المشاعر مع من ملك روحها وقلبها... فارس أحلامها ولياليها، "أدهم".
لكن يبدو أنها ستعاني كثيرًا حتى يشعر بها هذا الوحش، ويلين معها.

---

بعد مرور عدّة أيام...

ذهبت "عشق" إلى جامعتها وهي في منتهى السعادة، لأن خطوبة صديقتها "عزّة" ستكون بعد يومين.
حضنتها عشق بحب قائلة:
– مين يصدق؟! حبيبي يلبس دبلة... "أمل مصطفى"!

ضحكت عزّة بمرح:
– أنا نفسي مش مصدّقة، بس أعمل إيه يا أختي؟ الواد واقع، قولت أشفق عليه... أصله وحيد أمّه!

ضحكت عشق وهي تقول بمزاح:
– يا ضنايا!

ضحكوا جميعًا بقوة، ثم توجهوا لمحاضرتهم.
مالت "فريال" على عشق تسألها:
– لسه مرجعتيش البيت؟

ردّت عشق بهدوء:
– لا، مش هقدر أرجع لحد ما أطمن على "روان"، وقتها هي تشوف حياتها، وتسيبني أشوف حياتي.

غمزت "عزّة" بخبث وقالت:
– يعني الـ"مَز" اللي أنقذك... محصلش بينكم شرارة حب؟ ولا حاجة زي الروايات؟

ابتسمت "عشق" بتمنٍّ:
– ياريت...

ثم فزعت مما نطق به لسانها، لترى نظرات صديقتيها المرحة، واحمرّ وجهها خجلًا وهي تصحّح:
– في إيه؟! مالكم؟ بقول ياريت أعيش قصة حب زي الروايات بس... ريّحوا نفسكم، هو مش طايق وجودي، ولولا تمسك أخته بيا وحالتها النفسية اتغيّرت بسببي، كان زمانه طردني من زمان!

انتهت المحاضرة، واستعدّوا للذهاب لإكمال مستلزمات العروسة، لكن فريال هتفت بمرح:
– يلا يا عشق! نقرصها في ركبتها عشان نحصلها في جمعتها.

انحنت كل فتاة على ركبتها، فصرخت عزّة:
– الله يخرب بيت معرفتكم!

جذبت عشق يد فريال وابتعدتا عنها، تمثلان الحزن من ردّ فعلها، فصاحت عزّة بفزع:
– استنوا يا بِنات! رايحين فين؟! طيب... خلاص، أنا آسفة!

التفتن لها بدهاء وقلن:
– عفونا عنكِ... بس بشرط! عايزين آيس كريم.

هتفت عزّة بحب:
– بس كده؟! أنا ليا مين غيركم؟!

---
---

عادت إلى الفيلا، بدّلت ملابسها سريعًا، ثم استأذنت "غادة" لتذهب إلى "عزّة"، حتى تساعدها في ترتيب شقتها استعدادًا لاستقبال الضيوف.

وفي طريقها للخروج، قابلت "مراد"، الذي ابتسم فور رؤيتها وألقى عليها التحية.
في داخله، كان يتمنى لو يستطيع نحت تمثال لها، فهي السبب في السعادة التي يعيشها حاليًا. لولا ظروفها التي قادتها لطريق "أدهم"، لكان لا يزال يعاني حرمان الحب ويتألم من بُعد "روان" عنه.

قال بابتسامة دافئة:
– إزيك يا آنسة "عشق"؟ أخبارك إيه؟

ابتسمت بخجل، ونظرت للأسفل وهي ترد:
– الحمد لله، بخير يا أستاذ "مراد". نورتنا.

ابتسم وقال بامتنان:
– أنا مش عارف أشكرك إزاي على كل الفرحة اللي دخلت البيت ده من يوم ما دخلتيه... بجد كلنا مديونين ليكي.

ردّت بابتسامة متواضعة:
– مفيش شكر بين الأهل، وبعدين اللي حصل ده كله مكتوب، وربنا بس ميعاده كان لسه مجاش.
بس... ليّا رجاء عند حضرتك.

هتف بسرعة:
– طبعًا، أنا تحت أمرك في أي حاجة.

قالت بتردد:
– أولًا... أنا مش عايزاك تفهمني غلط.

تحدث وهو يبتسم بلطف:
– طبعًا، أنا سامعك. وبلاش "حضرتك"، إنتِ زي أختي الصغيرة.

– شكرًا لذوقك.
أنا بس حابة أقول... لو ناوي تخرج مع "روان" كتير، ياريت الموضوع يكون رسمي.
إنت بترفعها بين إيدك، وهي لسه مش حلالك، وده ذنب كبير ليكم أنتم الاتنين... أنتم في غنى عنه.
ياريت ما تزعلش مني، أنا خايفة عليكم.

ردّ "مراد" بحنان:
– أنا مستحيل أزعل منك أبدًا.
إنتي ملاك... ربنا بعتك لينا عشان تنوري حياتنا كلنا.
وأنا مبسوط منك جدًا، كفاية إنك رديتي فيا الروح.
"روان" كانت حلم عمري... مش النهارده، من سنين.
وإنتِ السبب إني أخيرًا قدرت آخد الخطوة دي.

---

دخل "مراد" في حالة هيام وشجن، غارقًا في فكرة ارتباطه بـ"روان"، يتخيل دبلته تحتضن أناملها.
طرق الباب بمرح، ولم يجد ردًا، ففتحه.

وجد "أدهم" يعطيه ظهره، ينظر من الشباك المطلّ على حديقة المنزل.
أطلق صفيرًا بفمه وهو يقترب منه، وهتف بمرح:
– باشا مصر كلها منوّر!

وقف جواره، ينظر إلى المنظر الطبيعي أمامه، ثم قال بسعادة:
– تصدق يا صاحبي؟ النهارده أسعد يوم في حياتي، وقررت آخد خطوة كنت مأجلها من زمان.

التفت له "أدهم" بعيون حمراء من شدة الغضب، وملامح عبوسة بشدة... ملامح يراها "مراد" لأول مرة، ونظرة لم يخصّه بها من قبل.

سأله بدهشة وقلق:
– مالك يا "أدهم"؟ في حاجة مضايقاك؟ حصل حاجة من "السلاموني"؟

لكن كلمات "أدهم" خرجت حادّة، مليئة بالشك والاتهام، كطعنة في صدر "مراد":
– بعد كده... شغلنا سوا في الشركة وبس، مفيش شغل هنا، ولا مقابلات.

تجمّدت ملامح "مراد"، وقال بصدمة:
– "أدهم"... إنت بتطردني من بيتك؟

شعر "أدهم" بندم شديد... ماذا حدث له منذ أن رآها؟
لقد بدّلت أحواله، غيّرت تفكيره ونظرته للأمور.
كيف استطاع جرح أقرب شخص لقلبه؟ "مراد"... الشخص الوحيد الذي يثق به ويأمنه على نفسه؟

حاول إصلاح ما أفسدته غيرته، فهتف معتذرًا:
– أنا بتكلم... لأن الوقت فيه "حريم".

قال "مراد" بوجع:
– طول عمري عايش هنا بين "الحريم" دي... بس إنت أدرى بمصلحة بيتك.

ثم تحرك نحو الخارج، فناداه "أدهم":
– استنى يا "مراد"!

لكنه لم يستجب، ومضى بحزن عميق... لم يتخيّل أن يأتي يوم يُتّهم فيه من أقرب الناس إليه بتلك التهمة الشنيعة.

---

عادت "عشق".
دخلت الفيلا، لتُفاجأ بمن يجذبها من ذراعها بعنف، وهو يهتف بغضب:
– ممكن أعرف كنتوا بتتكلموا في إيه مع بعض؟!

تحدثت بضيق:
– ممكن تسيب إيدي؟!

تركها، ونظر إليها بغضب، فسألته ببراءة:
– بتتكلم عن مين؟

ردّ بعنف:
– إنتِ هاتستعبطي عليا؟ "مراد" كان بيقولك إيه كل ده؟

ولم يمنحها فرصة للدفاع، بل أكمل بانفعال:
– أنا مش ممكن أسمح بالمسخرة دي في بيتي!

نظرت له بذهول...
هل يشك في أخلاقها؟! هل يراها فتاة عديمة الحياء؟!

تحدثت بصوت مختنق من إهانته:
– بص حضرتك... أنا محترمة، وعارفة حدودي كويس.
أنا عشت أصعب فترة مراهقة لوحدي، من غير أهل، لمدة خمس سنين، يعني كل حاجة كانت متاحة وسهلة.
بس أنا حافظت على نفسي، رغم صعوبة الحياة اللي واجهتها... لأني بخاف من ربنا، وشرفي هو كل ثروتي.
ومش هاسمح لأي حد، مهما كان، إنه يشكك في أخلاقي!

ثم بكت بحزن، وقالت:
– وأنا، الحمد لله، اطمنت على "روان"... ووجودي ماعادش ليه لزوم.

شعر "أدهم" بيد باردة تعتصر قلبه، وتحدث بقلق:
– يعني إيه الكلام ده؟!

هتفت بما جعل قلبه ينتفض من الخوف:
– يعني... الوقت أقدر أرجع بيتي وأنا مرتاحة، وكتر خير حضرتك على كل اللي عملته معايا.

ثم تركته للحيرة والخوف ينهشان قلبه.

كانت تشعر بالاختناق، ووجع قلبها يزداد. لم تعد تستطيع البقاء معه في نفس المكان، وإلا خسرت كرامتها.
وفي نفس الوقت، لا تستطيع تركه... فهو كل شيء في حياتها.

وهذا الصراع جعلها في حرب دائمة بين قلبها وكرامتها منذ أن رأته.
لكن تلك المرة، لم يستطع القلب الانتصار... لقد داس على منطقة محظورة على كل البشر.

---
---

دخل مكتبه كأنه أسد جريح، وعيناه تتقدان غضبًا وقهرًا. لم يتمالك نفسه، فبدأ يحطم كل ما حوله، يكسر مكتبه بيديه وكأن تحطيمه سيخفف من النار المشتعلة داخله. جلس على الكرسي، يلهث من الغضب، وبدأ يحدّث نفسه كأنها شخص آخر:

— "ليه كده؟ كل ما أحاول أقرب منها، أجرحها! أنا هموت عليها، وبرضو بموتها بكلامي. إزاي بحبها كده وقلبي يسمحلي أجرحها؟! حرام عليك، سيبني أعيش معاها الإحساس ده. أنا اتولدت على إيديها... مش هاعرف أكمل من غيرها."

وضع يده على قلبه يحاول تهدئته، لكن قلبه لم يعد ذلك الحصن المنيع، تمرد عليه، أعلن العصيان، وأحبها.

تنهد بألم وارتباك، ثم همس برجاء:

— "يا رب... أنا ماليش غيرك، خفف عني."

---

كان مراد يقود سيارته تائهًا، لا يعلم إلى أين يتجه، وكل ما يشغل تفكيره: "ماذا جرى لأدهم؟ كيف تحدث إليّ بهذه القسوة؟ أنا عائلته كلها..."

توقف فجأة، اتسعت عيناه وكأن صاعقة ضربت تفكيره. ظل لدقائق يسترجع المواقف، يحللها، إلى أن صرخ بدهشة:

— "مش معقول! أدهم بيغير على عشق مني؟!"

صمت قليلًا، ثم انفجر ضاحكًا من شدة المفاجأة:

— "أدهم بيحب! مش ممكن... أدهم أخيرًا حب! ياااه يا أدهم... أنا مش مصدق! الناسك العابد حب!"

لم يحتمل، فأخرج هاتفه واتصل به فورًا.

---

أما أدهم، فقد كان يتقلب بين ندمه، وقلقه من فقدانها. يبحث عن أي حيلة تُبقيها إلى جواره. رن هاتفه، وعندما رأى اسم "مراد"، نسي كل شيء وفتح الخط بعصبية:

— "ممكن أعرف كنت بتتكلم مع عشق ليه؟!"

جاءه صوت ضحكة مراد المستفزة، فزاد غضبه، خاصة عندما قال مراد بمزاح:

— "أوبس! إحنا بنغير؟"

صرخ أدهم، وقد فاض به الكيل:

— "مراد! أنا مش فايق لك!"

شعر مراد بتعب صديقه، فأشفق عليه وردّ بهدوء:

— "مالك يا أدهم؟! عادي، كنا بنتكلم عن روان..."

قاطعه أدهم بحدة:

— "مالها روان؟!"

رد مراد بصوت هادئ:

— "بتقول نسرع في الارتباط... علشان بتحس بالذنب إني دايمًا شايلها وهي مش حلالي... علشان كده بكلمك أطلب إيد روان."

صمت أدهم ثم تنهد بفرحة خفية:

— "يعني ده بس اللي بينكم؟"

مراد بدهشة:

— "بينا إيه يا عم؟ هو أنا شُفتها غير مرتين؟ إيه رأيك بقى في موضوعنا؟"

لكن أدهم أنهى المكالمة بسرعة:

— "مش وقته يا مراد، مش وقته!" وأغلق الخط.

---

لم تستطع عشق النوم ليلتها. نفسيتها في الحضيض، تحتاج أن تبتعد عن هذا المكان ليومين على الأقل. لا بد من مبرر تقوله لروان، سبب مقنع يمنعها من الشك أو الإلحاح.

ظلت تسير في غرفتها ذهابًا وإيابًا، ودموعها لا تتوقف. قررت في النهاية. فتحت الباب، نزلت السلم وهي تحمل حقيبتها، وضعتها جوار غرفة روان، ثم دخلت.

اعتدلت روان بقلق، وسألتها:

— "مالك يا عشق؟ مين زعلك من صحابك؟"

ارتمت عشق في حضنها، تبكي وهمست:

— "مافيش حد زعلني... بس طنط فتون تعبانة ولازم أروح أشوفها."

ربّتت روان على ظهرها محاولة تهدئتها:

— "ما تخافيش، بكرة تقوم بالسلامة. روحي شوفيها وطمنيني عليها."

ابتعدت عشق، وقالت:

— "بس أنا مش عارفة هرجع إمتى... زي ما إنتِ عارفة، هي وإنكل ماعندهمش حد يخدمهم، فلازم أكون معاهم لحد ما تتحسن."

ردت روان بحيرة:

— "يعني ناوية تبقي هناك؟"

أومأت عشق برأسها وهي تبكي. لم تكذب، فتون مريضة، لكن ليس بما يستدعي وجودها... إنها فقط تهرب من معذبها.

مررت روان يدها على وجنتها، تزيل دموعها قائلة:

— "وقت ما توصلي طمنيني، وخليكي على تواصل دائم معايا، يا حبيبتي."

أجابت عشق بصوت مكسور:

— "حاضر..."

سحبت حقيبتها، وتوجهت نحو باب الفيلا. لكن قبل أن تبتعد، سمعت صوته العالي:

— "استني عندك!"

تجمدت مكانها من وقع كلماته، خائفة، متوترة، وقلبها يضرب بعنف داخل صدرها.

اقترب منها بخطوات قوية حتى وقف أمامها، ولم ترفع رأسها عن الأرض. نظرت فقط إلى حذائه، دون أن تنطق.

قال بصوت قوي:

— "أخدتي شنطتك ورايحة فين دلوقتي؟"

أجابت وهي تحاول التحكم في دموعها:

— "راجعة بيتي... هو أولى بيا، علشان حضرتك ترتاح وبيتك يفضل متصان."

تنهد بضيق، ثم قال:

— "أولًا وجودك مش مضايقني ولا حاجة... وبعدين هي وكالة من غير بواب؟ مش تستأذني راجل البيت؟"

نظرت له بمرارة، وقالت:

— "حضرتك اللي طردتني، وأنا مش ممكن أقبل وجودي في مكان اتّهنت فيه أبدًا... حضرتك طعنتني في شرفي، ودي نقطة مش ممكن أسامح فيها."

بكاؤها أوجع قلبه، لكنه عنّد، وردّ بحدة:

— "اتفضلي اطلعي غرفتك، مافيش خروج من هنا، فاهمة؟ وأول وآخر مرة تتصرفي من نفسك!"

رفعت عينيها الباكيتين وسألته:

— "هو أنا مسجونة عند حضرتك؟ أنت ملكش حكم عليّا على فكرة!"

رن هاتفه، رفعه ليرى من المتصل، ثم نظر لها بتحذير:

— "أنا مش فاضي للعب العيال ده... وبعدين، إيه حضرتك اللي حطاها في كل جملة دي؟!"

قالت بنفخة ضيق:

— "مش راجعة بيتك تاني!"

صرخ بغضب:

— "عشق! اسمعي الكلام واطلعي غرفتك!"

نظرت إليه، ثم سحبت حقيبتها ودخلت دون كلمة. لم تعترض... لكنها أيضًا لم تُظهر استسلامها.

وبينما تتوجه لغرفتها، تحدثت إلى نفسها بابتسامة باكية:

— "ناداني باسمي... قالي عشق! الله، أول مرة أسمعها منه برّه أحلامي... قد إيه حروف اسمي ليها طعم تاني منه!"

***********

---

في غرفة روان

أغلقت الهاتف مع مراد الذي كان يُبلغها أنه طلب يدها من أخيها، وفي انتظار موافقته. احتضنت الهاتف بقوة، وعندما سمعت طرقًا على الباب، وضعته بسرعة على ساقيها.

دخل أدهم، فوجد أخته تبتسم باتساع، بينما هي تعجبت من ملامحه الحزينة وسألته بلهفة:

— خير يا أبيه؟ في حاجة؟

رد بصوت متضايق:

— عشق...

لم تفهم ماذا يقصد، فسألته بحيرة:

— مالها عشق يا أبيه؟

تحدث بحرجٍ لم تشعر به منه من قبل:

— أنا ضايقتها... وهي مصممة تمشي.

تحدثت بفزع:

— إيه؟ تمشي إزاي وتسيبني؟!

أدهم، بنظرة رجاء:

— حاولي معاها، بس عشان خاطري... بلاش تخليها تمشي.

نظرت له بذهول وعدم تصديق. أدهم؟ الذي يكره وجود النساء في محيطه، ويمنع صديقاتها من دخول المنزل؟! والموظفون لديه كلهم رجال؟! يقف الآن أمامها، كطفل صغير يستجدي بقاء فتاة في بيته؟! ما يحدث يشبه المطر في أغسطس، لا يستوعبه عقل.

— أبيه... أنت حبيتها؟

رد بتوتر:

— لا، الموضوع مش زي ما أنتي فاكرة... أنا بس مش بحب أظلم حد. وأنا ضايقتها جدًا... بس مش لازم تعرف إن ده طلبي، إنك تمنعيها... دي حاجة بينا.

---

قامت روان بالاتصال على عشق، التي أجابت على الخط بصوت متعب:

— إيه يا بنتي؟ أنتي فين؟

أخبرتها عشق أنها لم تذهب عند فتون، وأنها تشعر ببعض التعب، لذا بقيت في غرفتها بالأعلى.

هتفت روان بتشجيع:

— تعالي بسرعة... عندي ليكي خبر حلو!

أردفت عشق باعتذار:

— ممكن يا حبيبتي نخليها للصبح؟ أصل أنا تعبانة شوية...

روان بحزن:

— خلاص، براحتك.

شعرت عشق بالحزن في صوتها، فردت بلطف:

— خلاص يا قلبي، ثواني وأكون عندك.

غسلت وجهها، ثم نزلت السلم وتوجهت إلى غرفة روان، التي استقبلتها بابتسامة حنونة:

— مراد طلب إيدي!

صرخت عشق بفرحة كبيرة:

— بجد؟!

— آه والله!

احتضنتها عشق بسعادة:

— ربنا يفرحك يا حبيبتي! مش قولتلك؟ الضيق بعده فرج. وربنا عوضك راجل بجد، مش الفرفور اللي كنتي بتحبيه!

ردت روان بضيق:

— بلاش تفكريني... أنا مش عارفة كنت غبية إزاي كده!

ضحكت عشق:

— انسي بقى. الحمد لله... كده اطمن قلبي عليكي. بس مضطرة أرجع بيتي.

ردت روان بحزن:

— ليه كده يا عشق؟ أنا محتاجه وجودك أكتر من الأول. ولا أنا مش زي أي عروسة محتاجة شوار؟

تحدثت عشق بطيبة:

— خلاص، موافقة. بس ليّا شرط.

— أنتي تأمري يا قمر!

ضحكت عشق:

— تعملي العملية الأول قبل الفرح. أظن مراد يستاهل إنك ترجعي لحياتك علشانه. كفاية سنين العذاب اللي شافها في حبك الميؤوس منه!

تنهدت روان:

— فعلاً... ده اللي فكرت فيه من وقت ما حسيت بحبه واهتمامه. بكرة هقول لأبيه أدهم يكلم دكتور ويشوف اللازم.

شعرت عشق بغصة في قلبها عندما سمعت اسم "أدهم". هو منبع الحنان والحب مع الجميع، إلا معها... يغضب دومًا، يجرحها، وتبقى هي أسيرة وجعه.

قالت بصوت خافت:

— أنا هنام فوق النهاردة، لأن مش بعرف أنام من جوّ العشق الممنوع بتاعك إنتي ومراد باشا!

---

بعد يومين، في غرفة عشق

وقفت أمام المرآة تعدّل ملابسها، وتستعد لحضور خطوبة صديقتها. نزلت ووجدت غادة في الأسفل، فهتفت باحترام:

— ماما، أنا ماشية، وإن شاء الله مش هتأخر.

تأملت غادة جمالها الطبيعي برضا:

— بسم الله ما شاء الله! عيني عليكي باردة، قمر ١٤ في تمامه يا قلبي!

ردت عشق بخجل:

— مش للدرجة دي يا ماما...

ضحكت غادة:

— أنا واحدة هتجنن عليكي، ارحمي الشباب!

احتضنتها عشق:

— ربنا يخليكي ليا إنتي وروان... عوض ربنا بعد سنين الوحدة.

قالت غادة بحب:

— أنا قلت لخالد يجهز ويوصلك عشان أكون مطمئنة عليكي.

ردت عشق:

— حاضر يا حبيبتي.

خرجت ووجدت خالد في انتظارها أمام السيارة. ابتسمت له وألقت عليه التحية.

ابتسم خالد:

— إزيك يا عشق هانم؟ اتفضلي.

وقفت أمام السيارة وقالت:

— أنا مش "هانم" يا خالد، وأنت عارف كده كويس!

رد بأدب:

— الهانم الكبيرة والباشا بيقولوا "عشق هانم"، يبقى أنا هقول إيه؟!

ثم أكمل بمرح:

— بينا بس هاقولك "عشق"، لأن لو حد عرف أخسر شغلي... يرضيكي؟

— لا طبعًا، مش يرضيني.

أملته العنوان، وتحركت السيارة.

---

في المساء

عاد أدهم، فوجد أمه تجلس وحيدة. سألها باهتمام:

— ليه قاعدة لوحدك؟ فين البنات؟

ردت غادة وهي تتابع المسلسل:

— روان في غرفتها... وعشق خرجت.

وقف أدهم بغضب:

— إزاي تخرج من غير إذني؟! وهي فين لحد دلوقتي؟!

ردت غادة بهدوء:

— يا حبيبي، هي ضيفة عندنا، وواجب إكرامها. ماينفعش تعاملها كده... وبعدين، هي أخدت الإذن مني إمبارح.

هتف بضيق:

— ليه منك؟ هو أنا طرطور؟! وخوفي عليها مش تحكم؟!

صمت فجأة. يعلم أن أمه لن تمرر تلك الكلمة مرور الكرام.

نظرت له باستغراب. لم يهتم بفتاة من قبل، والآن ترى اهتمامًا شديدًا بعشق وتصرفاتها. أدهم دائمًا صارم في مسألة دخول الفتيات أو صديقات أخته المنزل، والآن... تغيّر.

تحدثت بخبث:

— ليك حق تخاف عليها... البنت تتاكل أكل! ربنا يكون في عون شباب الحفلة.

انفعل أدهم بعصبية يغذيها الغيرة:

— أمي، أنا مش ناقص! الهانم راحت لوحدها؟!

ردت غادة برفض:

— لا، بعت معاها خالد.

---

---

في حفلة الخطوبة

جلست عشق على طاولة تضم عائلة صديقتها فريال. أتاهم صوت حنون من خلفهم، صوت والدة عُزة:

— عقبالك يا عشق... إنتي وفريال.

ابتسمت عشق وهي تُقبّل يدها:

— في حياتك يا حب.

أشارت فريال لعشق وهمست:

— يلا نطلع للبنت المجنونة دي، من ساعة ما دخلت القاعة وهي مش مبطلة رقص... أنا مش عارفة إحنا أصحاب إزاي!

ضحكت عشق بطيبة:

— هي هربانة من الدنيا شوية، بس والله قلبها أبيض.

ردت فريال مؤيدة:

— عندك حق، يلا.

جذبتها عشق بحنان، وما إن اقتربتا من عزة، حتى قالت لها:

— كفاية كده يا عُزة! من ساعة ما جيتي وإنتي مش مبطلة رقص. الناس تقول عليكي عروسة مجنونة!

ضحكت عزة بحرية:

— لا، تعالي إنتي أرقصي معايا!

اتسعت عينا عشق بذهول وهي ترد:

— كان على عيني، بس والله ما ينفع وأنا بالحجاب ده... المرة الجاية أحضر ببدلة رقص!

وضعت فريال يدها على فمها لتكتم ضحكتها، ثم ردت بمرح:

— الله يخرب بيتك... بتجيبي الكلام ده منين؟!

ضمتهم عُزة إلى أحضانها، وهي تضحك وتتمايل. ضحكت عشق بدورها، لكنها أردفت بتهديد مازح:

— لو ما قعدتيش شوية، والله أسيبك وامشي!

قالت عُزة بتوسل ساخر:

— طيب خلاص يا أختي، بلاش تتحمقي كده. حتى يوم فرحي مش عايزاني أفرح وأفك عن نفسي؟!

عشق بنفي لطيف:

— مين قال؟ أنا عايزاكي تفرحي على قد ما تقدري، بس... يِمّا يرضي الله! مش الرقص وسط الشباب هو اللي يعبّر عن الفرح. إزاي تفرحي وإنتي بتغضبي ربنا؟ افرحي واضحكي، بس في الحدود اللي ربنا صرّح لنا بيها يا حبيبتي.

---

في ذات اللحظة، اتصل أدهم على خالد، الذي أجاب بسرعة:

— أيوة يا باشا.

— أنتم لسه في الحفلة؟

— أيوة يا باشا.

— عشق هانم كويسة؟

— أيوة، يا باشا... أنا ماشي وراها زي ظلها.

جاءه صوت أدهم حاسمًا بالأمر:

— خلي بالك منها... أوعى حد يضايقها.

رد خالد بثقة:

— والله يا باشا، كل خطوة بمشكلة، كأن ما فيش بنات في الفرح غيرها، رغم إنها الوحيدة المحجبة هي وصاحبتها. كل شوية شاب يضايقها أو عايز يتقدملها...

نسي خالد مع من يتحدث، وأكمل بغباء:

— هي الوحيدة اللي لافتة النظر...

جاءه صوت أدهم صارخًا ومليئًا بالغيرة:

— خاااالد! ما تنساش نفسك! إلزم حدودك وإنت بتتكلم عنها! يلا، تعالوا... كفاية كده!

ابتلع خالد ريقه بصعوبة، ثم قال بتوتر:

— أوامرك يا باشا...

التفت خالد ليبحث عنها، لكنه صُدم بما رأى... سيفقد حياته إن رآه أدهم بهذا المشهد. 


تعليقات



<>