رواية انت عمري الفصل الثاني والعشرون22 بقلم امل مصطفي


 رواية انت عمري الفصل الثاني والعشرون22 بقلم امل مصطفي

دخل الغرفة، خلع ملابسه وتمدد على الكنبة، متعمدًا الابتعاد عن الفراش. وبعد وقت قصير، رفعت ماسة جسدها قليلًا لترى ما يفعل، وما إن رأته ممددًا هناك، حتى أدارت له ظهرها، ودموعها تنساب بصمت.

كان تصرفه الجاف دلالةً واضحة على أنه لا يطيقها، وهذا ما آلمها بشدة... بينما هو، كان يحارب نفسه كل ليلة كي لا يقترب منها، حتى لا تُبصر فيه الضعف مجددًا، كما حدث في المرة السابقة.

استمر الحال على هذا النحو لأسبوعٍ كامل؛ كانت تنزل في الصباح وتجلس معهم، ثم تصعد قبل عودته، حسب تعليمات عواطف، لتكون على استعدادٍ تام لاستقباله، وتحضير ملابسه وحمامه.
لكن، لا أحد يعلم أنهما يعيشان في غرفة واحدة كالغرباء.

تقربت ماسة من الفتيات، ووجودهن خفف عنها كثيرًا.
وفي أحد الأيام، ووسط الروتين المعتاد، صعدت إلى الغرفة بملل، وجلست على طرف الفراش، تتذكر صعوده بعد أن تنام، ونومه الدائم على الكنبة دون أن يتبادل معها كلمة.
كانت تستيقظ صباحًا فلا تجده، وعندما تصعد لاحقًا، يخرج من الغرفة سريعًا – كما فسرت لها عواطف – هروبًا من مشاعره، بينما هي ظنت أنه ينفر منها.

انسابت دموعها دون أن تشعر عندما فُتح الباب، ودخل فهد ليجدها في جلستها الحزينة تلك.
ضايقه المشهد، ولام نفسه، ثم اقترب منها ومدّ يده ليمسح دموعها.
انتبهت فجأة على لمسة يده، فمسحت دموعها بسرعة، واعتدلت في جلستها.

سألها فهد بصوت خافت:
– مالك يا ماسة؟ حد ضايقك؟

ردّت بتوتر، وهي تنهض من على الفراش:
– أبدًا، أنا كويسة، والكل بيتعامل معايا بحب واحترام.

وقفت ترتب حجابها، لتغادر الغرفة قبله، لكنه أوقفها بصوته:
– رايحة فين؟

أجابت دون أن ترفع عينيها:
– هخرج من الغرفة علشان تكون على راحتك.

جذبها من يدها ليمنعها، وخرج صوته مثقلًا بمشاعره التي حاول طويلًا دفنها:
– وإيه اللي يمنع راحتي في وجودك؟

ردّت بحزن وهي تحبس دموعها:
– لما بدخل وإنت هنا، وعلشان أشوف طلباتك، بتخرج على طول.
عرفت إنك بتنزل علشان وجودي مضايقك.

جذبها بسرعة إلى صدره، وهتف بحرارة:
– عمر وجودك ما ضايقني... سامحيني.

أجهشت بالبكاء، وهي تفرغ ما في قلبها منذ خطوبتهما:
– أنا عارفة إنك مش بتحبني، وإنك اتجوزتني غصب علشان تحل المشاكل اللي بين العيلتين... بس أنا بحبك، وعمري ما حبيت حد غيرك... وكل اللي طالبة منك فرصة، بس.

تركها تخرج كل ما بداخلها، ثم تحرك بها وأجلسها أمامه على الكنبة، ورفع وجهها، يمسح دموعها بيده، ثم قال بصوت أجش:
– أولًا، أنا ما فيش حد يقدر يغصبني على حاجة مش عايزها.
ثانيًا، أنا جوايا ليكي مشاعر جميلة، بس مش قادر أفك حصارها وأديها حريتها، لأنها غريبة عليّ ومش قادر أثق فيها.

ثم سألها بلهفة:
– أنتي بتحبيني بجد؟

هزت رأسها موافقة، وهمست:
– وكنت هموت لو اتجوزت واحدة غيري.

ضحك فهد بقوة، وقال بدهشة:
– للدرجة دي؟ وده من إمتى؟

أجابت بصدق:
– من سنين طويلة... من أول مرة قلبي عرف اللهفة والاشتياق.
أول دقة قلب كانت ليك، ولما شوفتك مع عشق قبل ما أعرف إنها بنت عمك ومتزوجة، كنت هتجنن... فضلت 3 أيام لا بأكل ولا بنام، لحد ما عرفت علاقتك بيها.

ابتسم لها بحب وقال:
– وأنا كمان بحبك يا ماسة من زمان، بس ماكنتش أعرف... لحد ما عشق وأدهم وجّهوا مشاعري ليكي.
أو ممكن تقولي إن الكل كان شايف حبي ليكي إلا أنا.

أكمل وهو يضحك بخفة:
– ولما كنتي تدخلي عليا، بهرب... مش علشان مش بحبك، لا، علشان قلبي بيتحول لطبول حرب بين ضلوعي، عايز يهرب بين إيدك.

رفعت عينيها بعدم تصديق، ومسحت دموعها، وسألته بتردد:
– بتحبني... بجد؟

ابتسم بحنان، وهو يمرر يده على ملامحها:
– بجد يا ماسة... قلبي.

---

وقف زين بضيق من تأجيل زواجه، ولم يجد سببًا مقنعًا لهذا التأجيل.
قرر أن يتحدث مع جده ويأخذ موقفًا.

توجه إلى حيث يجلس، ودخل مباشرة في صلب الموضوع:
– أنا عايز أتجوز يا جدي، فهد اتجوز خلاص، وأنا كمان عايز أتجوز!

تعجب الجد من طريقته وإصراره الغريب، خاصةً وهو الذي لم يفتح الموضوع منذ وقت قريب.
– مالك مستعجل؟ على إيه؟ اصبر.

رد زين برجاء:
– معلش يا جدي، كلّم فهد علشاني... أنا زهقت من الكلام معاه!

جاء صوت فهد القوي من خلفهم:
– الكلام مع مين؟

التفت له زين بقلق، وقال بتوتر:
– مع عمي... أصل مش بيسمع الكلام.

ابتسم الجد عندما رأى خوفه من أخيه، وهتف بتأكيد:
– حدد فرح أخوك يا فهد... خليني أشوف أولادكم قبل ما الحق ياخد حقه!

انحنى كل واحد منهم بلهفة، يقبّلون يد الجد، ويتمتمون:
– ربنا يديم وجودك في حياتنا يا جدي.

---
في فيلا أدهم...

وقف مراد محتضنًا روان في وضعٍ رومانسي، بينما كانت "عشق" تقف على مقربة منهما، تمسك بريشتها لترسم لهما صورة تذكارية. وفي تلك اللحظة، دخل أدهم من الباب، فتمتم مراد بضيق:

ـ تعال يا ابني شوف مراتك! بقالها ساعة موقفانا كده، علشان مصمّمة ترسم لنا صورة!

اقترب أدهم من عشق، يحتضن خصرها ويطبع قبلة على وجنتها هامسًا:

ـ بتتعبي نفسك كده ليه؟

نظرت إليه بحب وقالت:

ـ عايزة أرسم لهم صورة تبقى ذكرى بعد رجوعهم من شهر العسل.

تنهّد مراد بملل:

ـ وليه كل ده؟ ما في تليفون، ضغطة واحدة ونتصوّر برضه!

تدخلت عشق موضحة:

ـ قصدي تكون من صنع إيديا.

هتف مراد بضيق:

ـ بس أنا رجلي وجعتني من الوقفة!

ضحك أدهم ساخرًا:

ـ يعني عايز تفهمني إنك واقف وحاضن روان وباصص في عينيها، ولسّه فاكر رجلك؟

نظر إليه بضيق وأضاف:

ـ أنت تعبها ليه معاك؟ ما توقف عدل بقى!

رد مراد بسخرية:

ـ لا والله، هي اللي تعبت! أنا والمسكينة دي بقالنا ساعة واقفين... ربنا على الظالم.

نظر أدهم إلى عشق متحديًا:

ـ ها يا حبيبتي، متضايقة من حركته؟ تحبي أسمّره في الأرض علشان ما يتحركش تاني؟

ضحكت عشق بلُطف:

ـ لا خلاص، كده كفاية... مش عايزاهم، خلّصنا!

سحب مراد يد روان وجلس على الكرسي قائلًا:

ـ أخيرًا! أنا بعد كده مش هخلّيكي ترسميني.

دافعت روان عن عشق قائلة:

ـ أنا اللي طلبت منها.

نظر إليها مراد بحب وهمس:

ـ وأنا تحت أمر حبيبتي... لو عايزة نكمّل، عادي.

وفي طريقه للداخل، جذب أدهم يد عشق وقال ساخرًا:

ـ لا والله يا خفيف، لو بوّست إيديها، مش هخلّيها ترسمك تاني!

---

في غرفة فهد...

استسلم فهد لمشاعره تلك الليلة. قرّر أن يأخذ نصيبه من الحياة، ولو بالقوة. سيعيش مشاعره معها، لن يدفنها مجددًا، مهما كانت النتائج.

في صباح اليوم التالي، وأثناء عمله، فكّر في الابتعاد بها قليلًا... قضاء شهر عسل مؤقت، بعيدًا عن أعين الجميع. لن يُخبر أحدًا، لا من أبناء عمومته ولا أخيه، حتى لا يُمسّ بتلك الصورة القوية التي رسمها في أعينهم. وحده أدهم من يثق به.

اتصل به بعد التحية والسلام، فشرح له فكرته، طالبًا منه ترشيح مكان مميز لقضاء أسبوع.

عرض عليه أدهم الفيلا الخاصة به في الساحل الشمالي، وشرح له مميزاتها:

ـ خصوصية تامة، حديقة واسعة، مسبح خاص، وشاطئ مستقل. أفضل بكثير من الفنادق... هتحسوا براحة وهدوء هناك.

وافق فهد فورًا، ونسّق معه. أبلغ أدهم الحرس والخدم ليستقبلوهما ثم يغادروا المكان.

---

في المساء، صعد فهد إلى غرفته، فوجدها تنتظره بلهفة. وجهها ازداد إشراقًا بعد اعترافه بحبه واهتمامه، وقربه منها جعلها أكثر جمالًا. ضمّها إلى صدره، وهمس في أذنها:

ـ وحشتيني جدًا.

ضمّته بقوة وهي تقول:

ـ وإنت أكتر... بكتير.

نظر في عينيها بحب وقال:

ـ بعد العشاء، جهّزي شنطة صغيرة... هنسافر يومين نغيّر جو.

هتفت بصدمة:

ـ بجد؟ يعني هنخرج بره الصعيد؟!

لم يعرف لماذا شعر بتلك الفرحة تتغلغل في قلبه. قبّلها مجددًا وهمس:

ـ بجد!

---

في الفجر...

ركبا السيارة وتوجها إلى الساحل. كان الطريق طويلًا، لكنها كانت تطير من الفرح. لاحظ ذلك، فوضع يده على يدها، فانتفضت بخجل. ابتسم وقال:

ـ إنتِ مكسوفة مني؟

قالت بتوتر:

ـ لا، بس اتفاجئت...

سألها بحنان:

ـ مبسوطة؟

نسيت خجلها وهتفت بفرح:

ـ جدًا جدًا يا فهد! دي أول مرة أخرج من الصعيد... ومش مع أي حد، ده مع حلم حياتي كله!

توقّف فجأة عندما رأى سيدة تصرخ وتتشبث بطفلها، بينما يحاول رجلان انتزاعه منها بعنف، ويضربانها.

سألته ماسة بقلق:

ـ وقفت ليه؟

فتح باب السيارة ونزل، آمرًا إياها بعدم فتح الباب. نظرت حولها بخوف، فقلبها يرتجف خشية أن يصيبه مكروه.

اقترب بخطوات واثقة، وسحب الطفل الذي كان يبكي بشدة ويصرخ:

ـ ماماااا!

تحدث فهد بغضب:

ـ في إيه بيحصل هنا؟!

نظر إليه أحد الرجلين بازدراء وقال بفظاظة:

ـ وانت مالك يا جدع؟ شوف حالك، مالكش دعوة!

ضاقت عيناه، وقال بهدوء خطير:

ـ أنتم مين؟ وازاي تمدوا إيديكم على ست ما لهاش حول ولا قوة؟

قال الآخر:

ـ دي مرات أخونا... هربانة بالولد، وإحنا جايين نرجّعها!

نظر فهد نحو المرأة، رآها تضم ابنها برعب، وعيونها ترجوه بالحماية.

سألها:

ـ ليه خدتِ الولد؟ دي مش أصول.

قالت بخوف:

ـ دول مش أهله... دول عصابة! عايزينني أتنازل عن مال اليتيم، اللي ميعرفش حاجة! وإلا ياخدوه مني ويطردوني من البلد... وأنا مش هفرّط في ابني ولا في حقه!

صرخ عم الطفل:

ـ إحنا عصابة؟ يا بنت... الغلط على أخوي الله يرحمه، لما جاب واحدة من الشارع!

وقف فهد بينهما غاضبًا، وأشار للسيدة:

ـ روحي عند مراتي في العربية!

ركضت بسرعة، بينما هجم عليه الرجلان، لكن فهد صمد، وضرب أحدهما بقوة.

شهقت ماسة بفزع، تتابع الموقف من السيارة، في حين جلست السيدة تحتضن ابنها، تبكي وتدعو الله أن ينصره.

استجاب الله لها، وعاد فهد بعد دقائق، دون خدش واحد.

ركب السيارة، فسألته ماسة بلهفة:

ـ إنت كويس؟!

نظر لها مبتسمًا:

ـ ما تقلقيش... أنا بخير.

تحرك بالسيارة، ثم توقف أمام الرجلين اللذين يتألمان، وبصق تجاههما، ثم انطلق مجددًا.

سادت لحظة صمت، قبل أن تهتف السيدة بدموعها:

ـ ربنا يبارك في عمرك، ويحفظك لشبابك، ويكفيك شر الظالمين... نجّدتني أنا واليتيم ده من بين إيديهم!

سألها فهد:

ـ إنتِ منين؟ والولد ده من عيلة مين؟

أجابت:

ـ أنا من كفر الرجايبة، وجوزي الله يرحمه من عيلة محفوظ أبو دهب... لو تعرفه؟

فهد بتفكير:

ـ أيوه، عارف كفر الرجايبة... بتاع رجب الصاوي؟

ـ أيوه، الله ينور عليك! جوزي مات من سنتين، وكان محمد لسه طفل صغير... ومن وقتها، وهم عايزين ياخدوا الأرض مني، ويبيعوني، أو أطرد وأسيب الولد.

ـ كلمت ناس كتير، محدش ساعدني... الكل بيخاف من المشاكل.

طمأنها فهد:

ـ ما تخافيش... محدش هيقدر ياخد حق ابنك. هوصّلك الموقف وتركبي خط بلدنا... جبل الكفر قريبة منكم، وهكلم حد من أهلي يستقبلك، وتفضلي هناك لحد ما أرجع لك حقك. أنا عارف رجب الصاوي معرفة شخصية.

ـ ربنا يجعل طريقك خير، ويباركلك في السنيورة اللي معاك!

---

وصلوا بعد عدة ساعات، وكان الحرس والخدم بانتظارهم. دخلوا الفيلا، وانبهرت ماسة بجمالها العصري. أبلغ فهد أدهم بوصولهم، وأكد له أنه لا يريد أي خدم خلال فترة تواجده، فأمرهم أدهم بالمغادرة لأسبوع كامل، حتى يعطيهم إشارة العودة.

******
---

عند خالد

رنَّ هاتف خالد برقمٍ يعرفه جيدًا... أحد أصدقائه القدامى.

– "خالد! أخبارك إيه يا وحيد؟ عاش من سمع صوتك! بقالك فترة مخفي... فينك؟"

وصله صوت صاحب الطفولة وابن الحارة، فردّ عليه مبتسمًا:

– "أنا موجود، بس إنت اللي كبرت علينا."

ضحك خالد وهو يجيبه:
– "أبدًا، حالي من حالك."

لكن سرعان ما تغيرت نبرة وحيد إلى الجديّة، مما أثار استغراب خالد، حين قال له:

– "كنت عايز أقابلك بعد الشغل. في مصلحة تكسب منها قرشين حلوين، ينفعوك في شوار أختك."

رد خالد باستغراب:
– "ماشي، نتقابل كمان ساعة."

---

وبعد مرور ساعة، وصل خالد إلى المكان المتفق عليه. كانت قهوة بلدي شعبية، يجلس فيها وحيد، وما إن اقترب منه، حتى وقف الأخير يستقبله بحرارة زادت من حيرة خالد، الذي لم يطل في المقدمات وسأل مباشرة:

– "خير يا وحيد؟ شغل إيه ده؟"

خرجت كلمات وحيد بحذر وهو يراقب رد فعله:

– "حفيد السلاموني عايزك تشتغل لحسابه."

قطّب خالد حاجبيه وقال بجديّة:

– "هو أنا اشتكيتلك من شغلي؟"

سارع وحيد بالرد:
– "فاهم، بس هو عايزك تفضل مع أدهم وتنقل له أخباره."

فغر خالد فاه بدهشة:
– "يعني تقصد... جاسوس مزدوج؟"

ضحك وحيد قائلاً:
– "عليك تشبيه يا جدع! أيوه، حاجة زي كده."

وأضاف بنبرة مطمئنة:

– "يعني القبض هيبقى من هنا وهناك، ومفيش حد يعرف غيرنا إحنا التلاتة."

تمتم خالد وهو يفكر:

– "هو موضوع مغري، بس لو حد عرف هاروح في داهية. والباشا بتاعك أول واحد هيبيعني، خوفًا من أدهم باشا."

طمأنه وحيد:

– "ما تقلقش، لما تشوف المبلغ اللي هيوصلك أول كل شهر، قلبك هيتجمد."

سأله خالد بفضول:

– "يعني قد إيه؟ وليه أنا بالذات؟ ما في حوالي مية حارس في الشركة."

– "أولًا المرتب ٣ أضعاف مرتبك عند أدهم، وثانيًا، هو حاول مع ناس كتير غيرك، بس الكل رفض. وهقولك مين علشان تاخد حذرك منهم. لكن السبب الأهم... إنك حارس مراته، وهي نقطة ضعفه الوحيدة."

قالها وحيد بثقة، لتصدم خالد كلماته:

– "عشق؟! قصدي عشق هانم؟! وإيه دخلها بالموضوع؟"

هز وحيد كتفيه بلا مبالاة:

– "ده كلام مالناش فيه. هم الكبار، حروبهم على القوة والجاه ما بتنتهيش، وإحنا الغلابة مجرد بيادق في إيدهم نكسب الحرب. علشان كده، اسمعها نصيحة يا ابن الناس... إحنا بنتعب وبنجازف بحياتنا علشان لقمة العيش وبس."

هتف خالد بإقناع:

– "عندك حق. بس خليه يزود شوية، عايز أجهز أختي."

أضاء وجه وحيد كأنه رأى المكافأة بعينه:

– "تمام، هبلغه، وهيوصلك خط جديد بتليفون صغير محدش ياخد باله منه. توصلك عليه كل التعليمات. سلام."

---

في فيلا أدهم – بالساحل

حملها فهد بين ذراعيه ونزل بها إلى حمام السباحة. كانت ترتجف من الذعر، لم تعتد على المياه من قبل. أراد أن يخفف عنها:

– "ما ينفعش تخافي وإنتِ معايا... كده أزعل."

تمتمت وهي تحدق فيه برعب:

– "والله غصب عني يا حبيبي... مش قادرة، عمري ما نزلت ميّه."

– "أنا شايلك، خايفة ليه؟ حاولي تنسي خوفك، وخلّيكي عادي."

قالت برجاء:

– "معلش... بلاش تزعل. بس والله مش هتكون من أول مرة."

أنزلها على حافة البول، ثم غطس في الماء وظل تحت السطح فترة طويلة دون أن يصعد، مما جعل قلبها ينتفض من الفزع.

– "فهد!!"

صرخت باسمه... لم يجب. لم تتردد، قذفت نفسها إلى الماء، تقاوم الغرق بدافع خوفها عليه. وما إن شعرت قواها تخور، حتى صعد هو وهو يحملها بين ذراعيه.

تعلقت به، تتأكد من أنه بخير، سألها:

– "أنا كويس، كنت بهزر معاكي. كنت عايز أعرف بتحبيني قد إيه... هتجازفي بحياتك عشاني ولا لا. بس طلعتي غالية قوي."

ضربته بيدها على صدره وهي تبكي:

– "أنا كنت هموت لو حصلك حاجة!"

ضمها بقوة إلى صدره، يهمس بتحذير فيه شيء من المزاح:

– "إنتي عارفة... لو حد غيرك مد إيده عليا كده، كان حصله إيه؟"

نظرت له بخوف:

– "أسفة... مكنتش أقصد."

ابتسم وهو يضمها من جديد:

– "لو حد غيرك! بس إنتِ؟ أنا كلي ملكك يا ماسة."

لم يصدق ما قاله، ولا ما يشعر به الآن. المتعة التي يعيشها في هذا العشق الذي اشتعل سريعًا في أسابيع قليلة فقط. وبعد لحظات، حملها وخرج بها من المسبح.

---

في غرفة عشق

كانت عشق تجلس تتصفح ما هو جديد في الجروب الذي تتابعه، حين وجدت أبيات شعر أرسلها أحدهم لحبيبته. دخل أدهم الغرفة، فوجدها مندمجة في الهاتف، ووجهها يزدان بابتسامة عذبة.

سألها بغيرة:

– "إيه اللي شدّك كده لدرجة إنك مش حاسة بوجودي... ومبتسمة كمان؟"

رفعت رأسها عنه وقالت:

– "أبدًا، في شاب بيحب بنت في الجروب، وبيبعتلها كلام حب على هيئة أبيات شعر، وهي ولا على بالها! تعالى أقعد جنبي أقرألك..."

ثم بدأت تقرأ:

> "حبيبتي...
بين جنون الحب أجدك أنتي،
وبين هذيان الروح أجدك أنتي،
وبين حنين الشوق أجدك أنتي،
أنتي نبضة في قلبي تغفو وأنا أرتوي،
أنتي حياة تسطو وتعشق الاحتلال،
فأنتي وحدك معلقة بين أنفاسي،
وفي قلبي لكِ حنين... حتى وأنا معك،
فأنتِ حبيبتي، ومنكِ الروح تستمد أنفاسها،
وبكِ العشق كله... أحبك، حبيبة الروح."

سألته بابتسامة:

– "إيه رأيك؟"

رد أدهم ببرود:

– "عادي يعني... مافيش فيه حاجة تخليكي مبسوطة كده."

حاولت إقناعه:

– "بالعكس! ده جميل جدًا، بيدل على إنه إنسان حساس."

وقف أدهم غاضبًا واتجه نحو الباب:

– "خارج... لحد ما تخلصي شعر الجروب بتاعك."

لحقت به، أمسكت بذراعه:

– "رايح فين؟! متضايق علشان الشعر؟"

– "لأ يا عشق... اعملي اللي يريحك."

ارتمت في حضنه:

– "أوعي تزعل مني... خرجت من الجروب خلاص. بصّ، أهو! متزعلش مني."

حاول كتمان غيرته:

– "أنا مقدرش أزعل منك... بس حسيت بغيرة، إن في حد لفت نظرك غيري."

هتفت عشق بلهفة:

– "أبدًا، عمر ما حد غيرك يلفت نظري. أنا بتكلم عن طريقة التعبير عن المشاعر."

رفعها بين يديه:

– "يعني أنا مش بعرف أعبّر عن مشاعري زيه؟"

– "أكيد لأ... مافيش حد بيعرف يعبّر زيك."

ضحك قائلاً:

– "تعالي، عندي كمان شوية شعر عايز آخد رأيك فيهم."

همست بخجل:

– "ماما مستنيانا تحت علشان نتغدى ونروح عند روان."

قبّلها وقال:

– "ماما راحت... أنا قولتلها إنك مشغولة، وراكي شعر كتير النهاردة."

شهقت عشق بخجل:

– "قول والله؟! ماما مشيت وسابتني؟!"

– "والله مشيت وسابتك..."

---

في الصعيد – أمام مدرسة ثانوية بنات

وقف زين مستندًا إلى سيارته، ينتظر أخته وخطيبته. وحين خرجتا من المدرسة، أقبلتا عليه بفرحة كبيرة.

فتح الباب لهما، وأدار المحرك مبتعدًا عن الزحام. سأل خلود:

– "ها، عملتي إيه في أكتر مادة مش بتحبيها؟"

ردت بثقة:

– "ده كان زمان، قبل ما عشق تشرحها بطريقة سهلة... قفلت طبعًا."

أنار وجهه بالسعادة:

– "يعني... مجموع كبير؟!"

– "إن شاء الله... هندسة! بس في بيتي يا حلو، مش هاصبر أكتر من كده."

اقترب منها ليقبّلها.

لكن ياسمين قاطعتهما بخجل:

– "أحم أحم! إحنا هنا يا أبيه. نسيتني لما شفتها طبعًا!"

التفت إليها بضيق:

– "إنتي هنا من إمتى؟!"

قالت بحزن:

– "معقول؟ ما أخدتش بالك من أختك الوحيدة؟"

ابتسم وهو يرد:

– "بهزر معاكي يا أختي! هتقلبيها نكد ليه؟!"

قالت بسخرية:

– "ما شاء الله على الغرام والانسيجام! تحب أنزل وأفضيلك الجو؟!"

– "ياريت! قصدي... أنا هنزلك عند البيت، وهنخرج أنا وخلود شوية."

تتابع خلود ما يحدث بقلب يرفرف من السعادة، بينما ياسمين تدعو لهما بالخير.

*********
---

بعد مرور أسبوع...
في منزل "المنشاوي"، علت نبرة الجد بشوق عارم وهو يهتف:
– أنا اتوحشت الولاد... فهد وعِشق!

ردّ عليه محمد بعدم تصديق، قائلاً:
– كله كوم وفهد كوم يا جدي! مين كان يصدق إنه يبعد أسبوع بحاله؟

أكّدت "عواطف" كلماته بحرارة:
– آه والله، اتوحشته جوي!

تنهد الجد وهو يقول:
– الله يهنيه... سيبوه، طول عمره شايل حمل ومشاكل العيلة.

أومأ محمد موافقًا:
– عندك حق يا جدي، سيبه يرتاح شوية.
ثم أخرج هاتفه وأكمل:
– هتصل بيه، تشوفوه وتكلموه.

---

في غرفة "صفية"، كانت "نعمة" تزورها لتطمئن على "ماسة"، بعد أن لاحظوا أنها لا تتواصل معهم.
سألتها صفية بقلق:
– ماسة عاملة إيه؟ ما بتكلمناش خالص.

ضحكت نعمة بتفاؤل:
– بخير يا حبيبتي، كلمناهم وشوفتها على التليفون اللي بيدوسوا عليه ده! ليها حق تنسانا، المكان هناك جميل.

تنهدت صفية بارتياح:
– ربنا يهنيهم يا نعمة... أنا كنت خايفة عليها من فهد، يبهدلها أو يقسى عليها، بس الحمد لله، ربنا خيّب ظني.

هتفت "نعمة" بعدم رضا:
– لا يا صفية، ملكيش حق! كل ولادنا رجالة، وبيعاملوا حريمهم بما يرضي الله.
حتى "محمود" الله يرحمه، رغم إنه كان مغصوب عليّا، بس كان حنين جدًا معايا وبيحترمني.

نظرت إليها صفية بخجل، وهتفت نادمة:
– ما تاخذنيش يا أختي، مقصدش... بس الكل عارف إن فهد شديد وصعب عن باقي ولادكم.

ابتسمت "نعمة" بثقة، وقالت:
– مع الغريب آه، يا صفية، لكن معانا... مافيش في حنيّته ولا طيبة قلبه.
دي "ماسة" ربنا بيحبها علشان بقت من نصيب زينة شباب عيلة المنشاوي كلها!
وبكرة تشوفي بعينِك... فهد هيشيلها من على الأرض شيل!

---

في شركة السلاموني...
كان "رائف" يجلس في مكتبه، يبحث عن جده  في كل مكان، 
حتى أبلغته السكرتيرة بدخول "وحيد". اعتدل في جلسته، ولم يمنحه حتى فرصة الجلوس، وسأله بحدة:
– خير؟ عملت إيه معاه؟

ردّ وحيد بسرعة:
– زي ما اتفقنا يا باشا... قولت لحضرتك، هو الوحيد اللي وافق، لأنه حماه أخته فضحاهم في المنطقة علشان الجواز، وهو مش عارف يعمل حاجة بمرتبه.

تنهد، ثم تابع بسخرية:
– رغم إنه غبي... لو قصد الباشا بتاعه، كان قام بالواجب وأكتر!
أصل ما تاخذنيش يا باشا، رغم فلوسه دي، بس عنده ضمير وبيحب يساعد المحتاج، وبيخرج كتير.

صمت لحظة ثم أضاف:
– بس خالد... فاكره زي باقي البشاوات، لو طلب منه مساعدة يرفده، وكده يبقى في الشارع.

ارتفع صوت "رائف" بغضب وهو يقول:
– وحيد! إعدل كده في الكلام... أصل تلميحك مش عاجبني، وأنا اللي مش يعجبني... بمسحه على طول.

انحنى وحيد بخضوع:
– أنا أقدر أقول حاجة تضايق معاليك؟
وجودنا إحنا... علشان خدمتكم وبس!

تأمله رائف بسخرية باردة، ثم قال:
– آه... اتعدّل، واعرف إن دوركم في الحياة... الخدمة والطاعة. غير كده... يداس عليه.

أشار بيده وهو يختم:
– يلا، روح خد الظرف من السكرتيرة... وما أشوفش وشك لحد ما أحتاجك.

انحنى وحيد مجددًا وهو يتمتم:
– أوامر معاليك...

---

وحين خرج وأغلق الباب خلفه، التفت ببغض شديد وبصق، ::
– يلعن أبو الحاجة اللي تزلنا لكلب زيك!

ثم توجّه ليستلم الظرف، وهو يحدّث نفسه بأسى:
– والله... أنت غبي يا خالد!
تسيب الباشا بتاعك، اللي بيعاملك باحترام ورحمة... علشان واحد شمال وحقير زي ده؟!

تنهد بألم، وأضاف:
– أنا بلومه ليه؟!
ما أنا بايع نفسي علشانه برضه...
ربنا يتوب علينا من الذل ده، ويهديك يا خالد، وتشوف الصح وتعملها...
محدش يخون واحد زي "أدهم" أبدًا 


تعليقات



<>