رواية انت عمري الفصل الثالث والعشرون23 بقلم امل مصطفي


 رواية انت عمري الفصل الثالث والعشرون23 بقلم امل مصطفي

قاد خالد السيارة بصمت، يصطحب "عشق" ليوصلها إلى وجهتها، حين رن هاتفه مرارًا، وكان الرقم من المنزل. التفت إليها معتذرًا بإحراج:

 آسف يا مدام عشق، ممكن أرد على البيت؟

أومأت برقة:
– طبعًا يا خالد، إنت بتستأذن!

فتح الخط وهو متعجب من الاتصال في هذا الوقت، وما إن سمع صوت والدته حتى تبدل صوته، وقد تسلل الخوف إليه:

– خير يا أمي؟! إزاي حصل كده؟! وإنتي فين دلوقتي؟! ... خلاص، يا أمي، هوصّل مدام عشق وهاجيلك على المستشفى... سلام.

لاحظت "عشق" توتر ملامحه وتغير نبرة صوته، فسألته بقلق:

– خير يا خالد؟! مين تعبان عندكم؟

رد وهو يحاول ضبط انفعالاته:
– أختي... هأوصّل حضرتك وبعدين أروح أطمن عليها.

لكنها رفضت بحزم:
– لا، تعال نروح نطمن عليها، ماينفعش تسيب والدتك لو محتاجين حاجة ضروري. يلا يا عامر، طلع على المستشفى.

اعترض خالد بصوت رسمي:
– ماينفعش يا فندم، حضرتك كده تتأخري على ميعادك.

ردّت بإصرار:
– يلا يا خالد، نروح أنا وعامر وبس.

---

بعد مرور نصف ساعة تقريبًا، توقفت السيارة أمام مستشفى حكومي قديم. نزل خالد من السيارة، وأوصى عامر بإغلاقها جيدًا:

– ثواني ومش هتأخر على حضرتك.

فتحت عشق الباب ونزلت:
– لا، أنا جاية معاك، أطمن على أختك.

لم يعترض، لأنه يعلم جيدًا أنها لا تتراجع عندما تصمم على شيء. كانت تملك قلبًا من ماس، وكلماتها لا تقبل الجدل.

سارا معًا بخطى سريعة حتى وصلا إلى سيدة مسنّة تجلس على كرسي بلاستيكي متهالك أمام باب غرفة، وعلى يمينها طفلان يبدوان في السابعة والعاشرة من عمرهما.

وقفت "عشق" على مسافة قريبة، بينما اندفع خالد نحو والدته متسائلًا بلهفة:

– خير يا أمي؟ إيه اللي حصل؟

ردّت "فردوس" والدموع في عينيها:

– حماتها... الله ينتقم منها! جت الصبح، وقالت لو ما جهزناش على آخر الشهر، هتفسخ الخطوبة وتجوز ابنها. بقالنا سنتين موقفين حاله ومش بنعمل حاجة! حاولت أتكلم معاها، بس عصبت عليّا وسابتني ومشيت. أختك فضلت تعيط وقفلت على نفسها الباب. قلت أسيبها تهدى... وبعد ما خلصت شغل البيت، خبطت عليها، ما ردتش! قلقت، ناديت على أشرف ابن الجيران، فك الباب... لقيناها سايحة في دمها! جبناها وجينا... أختك كانت هتضيع مني، انتحرت! منها لله، حماتها!

زمّ خالد شفتيه بغضب، وتمتم بأسى:

– لما تفوق... حسابها معايا عسير! وأنا مش عايز الخطوبة دي خلاص... كفاية!

قالت فردوس بحزن:

– إنت عارف إن خطيبها بيحبها وشاريها، وكان مستعد يصبر العمر كله. بس أمه هي السبب... أكيد جت من وراه، لأنه لما اتصلت بيه، لقيته غير متاح... عرفت إنه لسه في شغله.

ازدادت أنفاس خالد ضيقًا؛ يعلم جيدًا مدى حب "سيد" لأخته، وصديقه هذا لم يكن يومًا مقصرًا، بل كان رجلًا بمعنى الكلمة.

– خلاص يا أمي، هتكلم معاه.

وفي الخلف، جاء صوت عشق بهدوء:

– سلامتها يا طنط... ألف سلامة.

التفت إليها خالد بإحراج:

– آسف يا فندم، الكلام أخدنا ونسيت حضرتك.

ابتسمت عشق بلطف:

– ولا يهمك.

مررت فردوس بنظرها على "عشق"، تمعن ملامحها المتواضعة وملابسها المحتشمة، قبل أن تسأل باستغراب:

– بسم الله ما شاء الله... مين دي يا خالد؟

أشار إليها خالد وهو يتحدث باحترام:

– مدام عشق... صاحبة الشغل بتاعي.

ثم التفت إليها:

– هي نايمة دلوقتي، ممكن أوصل حضرتك وبعدين أرجع لها.

لكن "عشق" رفضت بلطف:

– لا، هستنى أطمّن عليها، وجلست بجوار والدته.

تأملتها فردوس بإعجاب شديد، لتراها بعد قليل تسند رجلًا مسنًا كاد يسقط من يدي ممرضة شابة.

– حاسب يا حاج!

– خلاص يا بنتي... معدش في صحة!

ضحكت عشق بمرح:

– صحة إيه يا حجوج! أنت علاجك جوازة جديدة، تخف وتبقى حصان!

ضحك العجوز رغم ألمه:

– الله يحظك... عروسة مرة واحدة!

– أيوه طبعًا!

– طيب، عندك عروسة؟

هتفت بغمزة خفيفة:

– شاور بس، وأنا تحت أمرك!

ابتسم براحة:

– طيب، أتجوزك إنتِ يا قمر... يمكن أرجع شباب!

ضحكت عشق، وقالت:

– ما تتعزش عليك، والله! بس للأسف... متكلمين عليها، وإحنا صعايدة يا أبوي، ما بنرجعش في كلامنا واصل!

ضحك العجوز والفتاة على طريقتها الصعيدية العفوية، بينما كانت والدة خالد تراقب المشهد بدهشة:

– هي دي يا أخويا... مرات الراجل الغني صاحب القصر والشركات؟!

ابتسم خالد، وقال ببساطة:

– أيوه يا أمي... هي.

هزّت الأم رأسها بدهشة:

– غريبة... دي طيبة قوي، بحبوبة وبسيطة.

رد خالد باحترام:

– دي ملاك يا أمي... بتحب الناس كلها، وقلبها أبيض زي الطفل، ما تلوثش بحقد البشر. ما شفتش براءتها وتواضعها في حد قبل كده.

تنهدت والدته بتأثر:

– آه يا حبيبي، باين عليها... أنا شوفت ناس كتير من الأغنياء، بس ما شفتش حد زيها كده... بيتكبروا علينا.

---

وقفت "عشق" إلى جوار الفتاة وجدّها أمام عيادة الباطنة، حين تحدثت الفتاة بهدوء:

– لو سمحتي، الدكتور موجود؟

نظرت إليها الممرضة بلا اهتمام، وردّت ببرود:

– لا.

فقالت الفتاة بأدب:

– طيب، هييجي إمتى؟

– مش هييجي.

كان الردّ صادمًا، ونبرته باردة لا تحتمل. هنا تدخلت "عشق" بهدوء تحاول كبح انفعالها:

– طيب، لو سمحتي، شوفي أي حد ييجي يساعده... الراجل بيتألم جدًا.

رفعت الممرضة حاجبيها بسخرية وردّت بفظاظة:

– إحنا نعملكوا إيه يا أختي؟ ما تخديه أي مكان تاني! هو أنا هلف أدورلك على دكتور؟ وبعدين ما فيش دكاترة النهاردة!

هتفت "عشق" بضيق وقد بدأت تفقد صبرها:

– طيب قولي نروح فين، وإحنا نروح... خليكي مكانك بس!

ردّت الممرضة بعصبية:

– بقولك إيه، أنا مش ناقصة صداع من الصبح!

في تلك اللحظة، ركض "خالد" بغضب عندما سمع طريقتها في الكلام. هتف بها بصوت عالٍ:

– إنتِ اتجننتي؟! إنتي عارفة مين اللي واقفة قدامك؟ مرات مين؟! ده يومك اسود!

رفعت "عشق" يدها محاولة تهدئته:

– لو سمحت يا خالد!

لكنه رفض التراجع وقال بانفعال:

– معلش يا فندم، لازم تعرف مقامها!

صاحت الممرضة بصوت عالٍ، وقد اشتعلت غضبًا:

– نعم؟! نعم يا عنيه؟! مين اللي يعرفني مقامي؟!

صرخ خالد في وجهها، صوته يحمل نبرة لا تحتمل الجدل:

– أنا، يا حيوانة! أنا اللي هعرّفك تتكلمي معاها إزاي!

أسرعت "عشق" لتقف بينهما، تحاول إنهاء الموقف، بعدما تجمّع الناس حولهم:

– خلاص يا خالد، تعال نوديه مستشفى برّه!

قال "خالد" بنبرة ذات مغزى، وهو ينظر حوله:

– وليه مستشفى برّه؟ ده تليفون صغير من حضرتك، المستشفى دي تتقلب وييجي أحسن دكاترة! والدكتور معاده لسه ما خلصش، ولو غايب، بيكون في دكتور نبطشي!

فهمت "عشق" ما يرمي إليه، وتيقنت أن ما يحدث داخل هذا المستشفى خلل جسيم يمكنها إصلاحه.

أخرجت هاتفها، واتصلت بـ"أدهم"، الذي ردّ عليها بلهفة:

– حبيبتي! أخبارك إيه؟

– الحمد لله، بخير.

نظر في ساعته وهتف:

– إنتي ما دخلتيش المحاضرة ولا إيه؟

– لا، أنا ما رُحتش... بعدين هقولك. أنا دلوقتي في مستشفى.

– مستشفى؟! ليه؟! إنتي فيكِ حاجة؟!

شعرت بقلقه، فأسرعت تطمئنه:

– لا، مش أنا. بس في حالة محتاجة دكتور باطنة ومش موجود، والحالة تعبانة جدًا... ممكن تتصرف في الموضوع ده؟ وضع المستشفى كله غلط.

– حاضر، هكلم وكيل الوزارة أو وزيرة الصحة.

– لأ، بلاش تطور الموضوع كده... أنا بس عايزة حد مسؤول عن المستشفى.

قاطعتها الممرضة بسخرية لاذعة:

– لما إنتِ معاكي فلوس، كنتي دخلتيه مستشفى خاص بدل ما إنتوا بتتمنظروا علينا!

اتسعت عينا "أدهم" ذهولًا من لهجتها الوقحة، ثم صرخ مستنكرًا:

– مين اللي بيتكلم معاكي بالشكل ده؟! وإزاي تسمحي لها بكده؟!

– أبدًا يا حبيبي، دي ممرضة!

– كمان! طيب، إديني "خالد".

همست "عشق" بخوف:

– والله، هي ما تقصد حاجة.

لكن "أدهم" أصرّ بغضب:

– عشق، إديني خالد.

أخذ "خالد" الهاتف، ويده ترتجف توترًا:

– أمرك يا باشا...

جاءه صوت "أدهم" حاسمًا:

– الممرضة دي ما تتحركش من مكانها... لحد ما أجي.

ردّ "خالد" بقلق:

– أوامر معاليك يا باشا. سلام.

جلست "عشق" إلى جوار الرجل العجوز الذي هزّ رأسه بأسى:

– معلش يا بنتي، ربنا يكفيكِ شر الظلم... إحنا سببنالك مشاكل.

أجابت "عشق" بهدوء، تحاول طمأنته:

– ما فيش مشاكل ولا حاجة يا حج "نور"، أنا كنت بتكلم معاها عادي... ربنا يخفف عنك يا رب.

---
جاء مدير المستشفى وخلفه اثنان من الأطباء، فسارعت الممرضة بالوقوف، وقالت بتوتر:
– خير يا فندم؟

أشار المدير نحو عشق وسأل:
– حضرتك مدام أدهم باشا؟
ردّت بهدوء:
– أيوه.

مرّر عينيه بين الحضور قبل أن يتوجه إليها باحترام:
– فين الحالة اللي مع حضرتك؟ هشوفها بنفسي.

وقفت عشق تساعد الرجل الكبير، وقالت برقة:
– اتفضل يا حاج نور.

دخل الرجل وحفيدته غرفة الكشف، بينما جلست عشق جوار خالد، تلاحظ توتره الواضح خوفًا من ردّ فعل أدهم على ما حدث منه.
همست بطمأنينة:
– ما تخفش من حاجة، أدهم مش ممكن يضرك.

لكن خالد لم يستطع أن يخبئ ما يشعر به، فتمتم باختناق:
– حضرتك متعرفيش أنا محتاج الشغل ده قد إيه... لو عرف سيادته إني السبب في وجودك هنا، يغضب ويطردني.

ربتت عشق على يده:
– ما تخافش، والله مش ممكن أسبب لك أي أذى... أنت أخويا.

في الجهة المقابلة، كانت الممرضة تتابعهما بغيظ، تتمنى أن تمحو تلك الابتسامة من وجه عشق، الابتسامة التي زادتها إشراقًا.

خرج الطبيب من غرفة الكشف، فاستقبلته عشق قائلة:
– خير يا دكتور؟

ردّ بعملية:
– القولون عنده ملتهب جدًا، وده خطر في سنه. كتبت له علاج، ولازم يأكل سوائل لمدة أسبوعين. لو ما التزمش، ممكن تحصل مضاعفات.

وقبل أن ينهي كلماته، دخل أدهم... طلعته الرجولية تخطف الأبصار، يتقدم بثقة وشموخ، ملامحه تحمل غضبًا لا يخفى، وخلفه حرسه الخاص.

صاح بغضب:
– فين الممرضة دي؟

اقتربت منه عشق بحب وابتسامة حانية، جذبها إلى أحضانه وسأل:
– هي فين دي يا خالد؟

أشار خالد بشماتة نحو الممرضة التي ابتلعت ريقها وبدت منكمشة أمام هيبته:
– أهي يا فندم.

تدخل الطبيب محاولًا التهدئة:
– أهلاً وسهلاً، أدهم باشا. أنا كشفت بنفسي على المريض.

ردّ أدهم بعدم اهتمام:
– اسمك إيه؟

تلعثمت الممرضة:
– أنا... أنا...

رفع صوته بغضب:
– اسمك إيه؟!

– فاطمة.

صاح بصرامة:
– إزاي يا حيوانة تتكلمي مع مراتي بالطريقة دي؟!

ارتجفت الممرضة، وقالت بخوف:
– آسفة يا فندم، والله ما كنتش أعرفها.

حاول الطبيب التخفيف من حدته، وقال:
– نخصم لها جزاء يا فندم، لو ده يرضيك.

رمقه أدهم بسخرية وتعالٍ:
– لا، ما يكفّينيش... تتشطب من المهنة لسوء أخلاقها.

تدخل المدير، خائفًا على منصبه:
– اللي حضرتك تأمر بيه يتنفذ.

تقدمت عشق برجاء:
– أرجوك يا أدهم، بلاش تقطع عيشها.

اقتربت الممرضة من يد عشق لتقبّلها:
– أرجوكي يا هانم، آسفة، والله... أبوس إيدك، أنا بجري على كوم لحم.

جذبت عشق يدها وهي تتمتم باستغفار.

تابع الجميع ما يحدث في ذهول، من بينهم والدة خالد. تدخلت سيدة مسنة كانت تراقب الموقف، وقالت:
– والله عندك حق يا باشا... أسلوبها وحش، زقتني وزعقتلي علشان بس سألت على الدكتور هييجي إمتى، ومش مراعياه سني!

نظر إليها أدهم، ثم التفت إلى مدير المستشفى:
– إيه رأيك؟

– اللي تأمر بيه يتنفذ.

صرخت الممرضة باكية:
– والله يا باشا، حقك عليا، خلاص... أبوس إيديها ورجليها كمان، بس بلاش تقطع عيشي.

ضغطت عشق على يد أدهم، وحين رأى دموعها، هتف بلهفة:
– مالك يا قلبي؟ بتعيطي ليه؟

أجابت بصوت متهدج:
– قلبي مش مستحمل، علشان خاطري... سمحتها، وحياتي يا أدهم خلاص.

أزال أدهم دموعها، وضمها إلى صدره، دون أن يراعي وجود الناس:
– خلاص يا حبيبتي، علشان خاطرك بس.

ثم نظر إلى الممرضة بحدة:
– احمدي ربك إن عندها قلب نضيف وسامحتك، وإلا كنت مسحتك من على وش الأرض!

بعدها وجه كلامه إلى مدير المستشفى:
– والدكتور الغايب لازم يتحاسب، والتسيب ده أنا هبلّغ عنه، وكل حاجة لازم تتغير في المستشفى دي.

ردّ المدير بسرعة وخوف:
– إحنا آسفين يا باشا، والله كل حاجة هتتعدل... ممكن حضرتك تيجي فجأة، ولو في حاجة غلط، من حقك تتصرف.

جذب أدهم عشق إلى حضنه، وغادر المكان، وعشق تمشي بجواره وهي تردد:
– سلامتها يا طنط، ألف سلامة.

ردّت والدة خالد:
– الله يسلمك يا بنتي.

خرجوا من المستشفى، أدهم وعشق وخلفهم الحرس، حتى خالد معهم.

وقفت عشق أمام المستشفى وقد اتخذت قرارها... قرار أن تمد يد المساعدة لهذا العجوز، الذي بدا الحزن واضحًا في ملامحه عندما ناوله الطبيب روشتة علاجه.
نظرت إلى أدهم وسألته:
– أدهم، معاك فلوس؟

ضحك أدهم بحب:
– أكيد يا روحي، معايا... خير يا قلبي، عايزة إيه؟

– دايمًا معاك الخير. أنا قصدي فلوس نقدي، مش في الفيزا، لأني عايزة مبلغ أزود بيه اللي معايا، وأديه للحاج نور... الراجل تعبان وظروفه باينة صعبة.

أخرج أدهم كل النقود من جيب بنطاله وقال:
– اتفضلي يا حبي.

نظرت عشق إلى المبلغ الكبير بسعادة، وهمست:
– شكرًا يا حبيبي...

ثم تمتمت بحرج:
– طلب كمان؟

احتضن وجهها بين كفيه بحنان:
– أنتِ تأمري يا قلبي... شوفِ أي حاجة عايزاها، شاوري بس.

خجلت من طريقته، لكن لا بد من إبعاد الخطر عن خالد، فقالت:
– خلي خالد مع أمه وأخته، بلاش يمشي... أخته تعبانة.

هتف بدهشة:
– يعني أنتِ هنا علشان أخت خالد؟

– آه، هحكي لك كل حاجة بعدين... موافق؟

قبّل وجنتها وهمس:
– أنا كلي ملكك، حبيبي أبو قلب أبيض.

ثم أكمل بغرام:
– عارفة أكتر حاجة بتشدني ليكي إيه؟
أشار إلى قلبها وقال:
– ده... بحس معاه بالراحة والأمان. عندك استعداد تضحي براحتك علشان غيرك يكون مبسوط. ممكن تجوعي علشان ناس غريبة عنك تشبع.
أنا بحبك قوي يا عمري... نفسي أخبيكي جوا قلبي، من قسوة الأيام وغدر الناس.

مررت عشق عينيها على ملامحه بعشق، وهمست بثقة:
– متخافش عليا، طول ما ربنا معايا، وإنت بعده... عمر ما حد يقدر يأذيني.
*******
الجد أنور

كان في طريقه إلى الخروج من المستشفى، يسير بخطوات بطيئة يكسوها التعب، حين التفت إلى حفيدته قائلاً بأسى:
– إيه رأيك؟ مشوار زي قلته... سمعت كلامك، وجيت كشفت، شفتي حصل إيه؟! برضه كتب لي علاج من برّه! نجيبه منين دلوقتي؟

قالت البنت بحزنٍ عميق:
– مش عارفة والله يا جدي... أنا كان قصدي تكشف ويعطوك أي مسكن من عندهم، لكن طلع ما عندهمش ضمير.

تنهد الجد، فقالت بعتابٍ لنفسها:
– معلش يا حبيبي، سامحني إني جبتك المشوار ده وإنت تعبان... على الفاضي!

رد الجد وهو يربت على يدها بحنان:
– برضه الحمد لله يا حبيبتي... إنتِ مالكيش ذنب.

وصلوا إلى باب المستشفى، وهناك وجدوا "عشق" في انتظارهم، تبتسم ابتسامة واسعة تبعث في القلب طمأنينة عجيبة.
لا تدري "زينب" كيف تسلّلت عشق إلى قلبها من أول نظرة، فهتفت بإعجاب:
– هو حضرتك لسه هنا؟

ضحكت عشق:
– أنا اسمي "عشق"، مش "حضرتك"! وبعدين كنت بستنى جدي علشان أوصّله.

قال الجد بصوتٍ طيب:
– مالوش لازمة التعب يا بنتي... كفاية البهدلة اللي حصلتلك بسببنا.

نفت عشق بصدق:
– ما فيش تعب يا جدي، مش أنا زي حفيدتك؟ وأوعدك المرة الجاية المستشفى هتكون غير كده، وكل حاجة فيها تبقى تمام.

وعلى بُعد أمتار قليلة، وقف أدهم بقلبٍ يهفو إليها عشقاً. كان يتأمل طيبتها وتواضعها، وكل لحظة تمر تزيد من تعلّقه بها، بينما قلبه يخفق بخوفٍ عليها لا يعلم سببه.

اقتربت عشق من أدهم وسألته:
– ممكن نوصل الحاج نور؟

ابتسم أدهم، وقال بضعفٍ ظاهر:
– أنا بضعف قدّام نظرة عنيكي دي... ومش بقدر أرفض لكِ طلب.

أشار لعامر أن ينزل ليساعد الرجل الكبير على الركوب، بينما توجّه هو إلى سيارته.

ركب أدهم سيارته، وجلست عشق بسيارتها في الخلف بجوار الجد. أخرجت ورقة من دفترها، وضعت بها مبلغًا من المال، ووضعتها على قدم الجد. التفت إليها مستغربًا:
– إيه ده؟!

غمزت له عشق، فصمت الجد، وعلم أن هذا رزقٌ ساقه الله لهم، جعلها في طريقهم لتخفف عنهم المحنة وتطيب خواطرهم.

مدّت عشق يدها وسحبت الروشتة من يد زينب، قائلة:
– معلش يا عامر، ممكن تقف عند صيدلية؟

رد عامر باحترام:
– حاضر يا فندم.

توقف أمام صيدلية كبيرة، أعطته عشق الروشتة والمال، وانتظرت حتى عاد.

---

وقفت سيارة عشق أمام حيّ شعبي بسيط، نزلت لتودّعهم، وقالت لزينب:
– خلي بالك من جدك يا زينب، وأنا هابقى أطمن عليكم إن شاء الله.

ثم التفتت إلى الجد بحنان:
– هابقى أجي أشوفك يا جدي.

رد الجد بصوتٍ مفعم بالامتنان:
– ده شرف كبير يا بنتي... سكة السلامة، ربنا معاكي، ويجعل كل خطوة ليكي خير... يا قلب الخير كله.

ركبت السيارة مجددًا، وبعد وقتٍ بسيط، توقفت السيارة فجأة. سألت عشق بتعجّب:
– واقف ليه يا عامر؟

قال بهدوء:
– الباشا طلب حضرتك تركبي معاه، عشق. وأنتِ هتروحي فين؟

قالت بإصرار:
– ماشي... بس سيب العربية عند خالد، وأنا هاقول لأدهم.

رد عامر:
– أوامرك.

نزلت عشق، وجلست بجوار أدهم الذي ضمّها إليه بحب، دون أن ينبس بكلمة، حتى توقفت السيارة أمام شركته.

---

في منزل الجد أنور

كانت ابنته "سناء" تقف تنتظرهم بلهفة، تريد الاطمئنان على والدها، إذ لم تستطع الذهاب معه بسبب عملها في أحد مصانع الملابس.

قالت بقلق:
– حمد الله على السلامة! خير يا زينب، عملتوا إيه؟

ابتسم الجد قائلاً:
– صبرك علينا يا سناء... مش لما ندخل ونرتاح الأول؟

تمتمت بحرج:
– معلش يا بابا... كنت قلقانة عليك، اتأخرتوا.

جلس الجد وقال بامتنان:
– الحمد لله... ربنا رزقنا بملاك وقف معانا.

نظرت إليه بعدم فهم:
– ملاك إيه يا بابا؟!
ثم التفتت إلى زينب وصاحت بصوتٍ عالٍ:
– عملتِ إيه في جدك يا بِت؟!

رجعت زينب بكوب ماء، لتُعطي جدها علاجه، وقالت بإعجاب:
– آه والله يا ماما... أخدت من جمال الملائكة وقلبهم الأبيض الجميل، تحسيها كده مش زينا.

ضحكت سناء بمرح:
– مالك يا أختي؟! إنتِ وجدك كانوا بيوزعوا في المستشفى حبوب هلوسة؟!

ضحك الجد، وبدأ يقصّ عليهم ما حدث.

كانت سناء لا تزال غير مصدقة:
– معقول لسه فيه حد بيحب يساعد الناس؟ ده حتى الناس اللي معاهم فلوس بيستغلوا ضعف وحوجة غيرهم، وبيداروا علشان فاكرين إنهم لو ساعدوا المساكين، فلوسهم هتقل!

أكملت زينب بإعجابٍ صادق:
– آه يا ماما... لو شفتي جوزها وهو داخل! ما شاء الله... طول بعرض وجمال! وراه الحرس، كل المستشفى كانت واقفة تتفرج عليه... ولا نجوم السيما!
دخّلته ترعب، وفي نفس الوقت... تشدّك!

ثم قالت بحالمية:
– نفسي أتجوز واحد يبقى طول بعرض كده!

رمتها سناء بلعبة من فوق الطاولة، وهي تهتف بغضب:
– اتلمي يا بِت! إيه الجنان ده؟!

في تلك اللحظة، تذكر الجد ما أعطته له عشق، مدّ يده في جيب جلبابه، وأخرج الورقة، وهو يناولها لزينب قائلاً:
– خدي يا زينب... شوفي دي إيه.

تناولت زينب الورقة، فتحتها، لكنها تسمرت من الصدمة... 

تعليقات



<>