
رواية أنين القلوب بقلم داليا السيد
رواية أنين القلوب الفصل الحادي عشر11 بقلم داليا السيد
ما المشاعر؟
لم تنم أيضا وهي تحاول أن تفهم لماذا أعادها؟ لم يكن مجبرا على ذلك، شعرت بلي لي وهي تنهض وتذهب، انتظرت قليلا ثم قامت هي الأخرى، ارتدت ملابسها وتذكرت أنه أخبرها أنه سيمضي اليوم معها، ترى هل سيفعل؟
اتجهت إلى كاظم فقالت "صباح الخير"
رأت لي لي تجلس بجانب والدها فاتجهت إليهم وجلست بجانبهم فقال الرجل بقلق واضح "جي ما الذي سمعته هذا؟ هل أنتِ بخير؟ هل أصابك شيء؟ تلك اللعينة لابد أن يتركها"
قالت ببراءة "كاظم بيه هل تهدء؟ أنا بخير والأمر انتهى"
لكنه ظل غاضبا وقال "لا لم ينتهي، كادت تودي بحياتك أنا لن أقبل بذلك"
دق الباب ودخل جاسر، لم يكن أفضل حال منها فهو أيضا لم ينم وعرف أن ندى عادت تاركة له خطاب بأنها لن تتحمل وجودها هنا فلم يهتم بل شعر بالراحة لذهابها
قال "صباح الخير"
لم يرد والده الصباح وانما قال "هل يمكن أن تشرح لي ما الذي فعلته تلك المرأة بجي؟"
نظر إليها وكذلك هي وهي تهز رأسها وكأنها تنفي عن نفسها أي أفكار يمكن أن يفكر بها، عاد لوالده وقال "بابا إنها مجرد غيرة نساء وحضرتك تعلم والحمد لها جي بخير ولم يحدث لها شيء"
رد كاظم بلهجة حاول ألا تكون غاضبة "ولكن كان يمكن أن يحدث إذا لم تكن أنت قد وصلت بالوقت المناسب جاسر، أنا لا أريد تلك المرأة، أنا لا أعلم كيف اخترتها ووافقت عليها، أنا لم أعد أوافق على هذه العلاقة"
نظر جاسر إليها مرة أخرى ثم عاد لوالده وقال "هل نتحدث في هذا الأمر بوقت لاحق باب؟ سنتأخر عن الرحلة إلى دهب، عندما نعود نتحدث"
هتفت لي لي بضيق وقالت "لا، أنا ذاهبة مع أصحابي، لقد ذهبت أمس إلى دهب ولن أذهب مرة أخرى"
قال بهدوء "لقد حجزت يا لي لي"
أشاحت بيدها قالت "اذهب أنت وجي، هي لم ترى شيء هناك بل ظلت جالسة طوال اليوم، خذها هي وأنا سأذهب مع أصحابي"
عاد بعيونه إليها مرة أخرى فلم تقو على مواجهته وقال "جي هل ستاتين معي؟"
فتحت فمها لترد ولكن كاظم هو الذي رد "بالطبع ستأتي معك طالما لي لي ستذهب مع أصحابها، هيا اذهبوا واستمتعوا ولكن خذ بالك منها وإلا خطفها أحدهم منك" نظر الجميع للرجل ولم يفهم أحد كلامه..
اختلف الأمر تماما؛ في البداية كانت كل أعصابها مشدودة خاصة وهي تجلس بجانبه في الباص، فنظر إليها وقال "هل تهدئي؟ لن أخطفك"
نظرت له بتساؤل وهي لا تفهم كلماته وقالت "لماذا تقول ذلك؟"
أجاب "بسبب هذا القلق والخوف الذي تحاولين إخفائه، إذا لم تكوني سعيدة بالذهاب معي سأعيدك الفندق"
قالت بحيرة "لا ولكن لابد أن تعلم أنني لم أخبر والدك عما حدث وإنما لي لي، ثانيا أنا فقط حائرة، حضرتك كان من المفترض أن تكون مع خطيبتك ولكن أنت هنا معي فلماذا؟"
اعتدل دون أن ينظر إليها وقال "أولا كفي عن حضرتك هذه لا تليق بمكاننا الآن، ثانيا أنا أعلم أن لي لي هي التي فعلت عيونك أخبرتني، ثالثا أنا أردت أن أكون هنا وليس هناك إلا إذا لم تكوني أنتِ تريدين ذلك؟"
تأملته وهو لا ينظر إليها ولم ترد فنظر إليها وقال "لم تجيبي؟ هل نعود؟"
هزت رأسها بالنفي فقال وهو يرتخى في مقعده "إذن دعينا نستمتع بالرحلة" ابتسمت ولم ترد
كانت البلدة مختلفة وجميلة بالأسواق التجارية التي مروا عليها فاشترى لها مكحلة زجاجية مزينة بالألوان وبعض الصور للذكرى وبعض الجلاليب البدوية له ولها
كانت سعيدة بكل شيء حتى وصلوا لأحد المحلات وهي تقف بجواره أمام واجهته وانضم لهم جزء من الفوج وازدحم المكان فشعر بالغضب من الشباب الذين وقفوا بجانبها وكادوا يلمسونها فوجد نفسه يضع ذراعه على كتفها ويجذبها إليه بعيدا، تفاجأت من تصرفه ونظرت إليه بدهشة ولكنه لم يكن ينظر إليها وانما تعلقت عيونه بالشباب الذين التفوا حولهم فعاد لها وقال
"هيا دعينا نذهب من هنا"
ودفعها برفق بعيدا ولم يفلتها ولم تبتعد هي عنه بل كانت سعيدة وهو يضمها إليه وما أن ابتعد حتى أنزل ذراعه ولكن ليمسك يدها دون أي نظرات فتركت يدها بيده وهي لا تعلم ماذا يفعل بها وكيف لا تعترض؟
وصلا إلى الباص وكان الباقي قد تجمعوا فركبوا في صمت واتجهوا لليخت، أقنعها بصعوبة أن تركب ورغم خوفها الشديد إلا أن يده أشاعت الأمان داخلها، بالطبع لم يفكر أن يعرض عليها فكرة الغطس لذا اكتفى بأن يشاهدوا الشعب المرجانية من قاع المركب الزجاجي
كانت سعيدة جدا وضحكاتها تعلو مع ضحكته وكل ما حولهم يسعد كلاهم، وصلوا الشاطئ وجلسوا تحت المظلات المصنوعة من الخوص في انتظار الغداء، نظر إليها وقال "لي لي قالت أنكِ أمس جلستِ ولم تشاهدي أي شيء فهل هذا صحيح؟"
لم تنكر بل قالت "نعم"
س-ل برغبة بأن يسمع كلماتها "لماذا؟ إنه هو نفس المكان"
كانت تواجه عيونه بنظراتها البريئة ولو تعمق داخلها لرأى مشاعر غريبة ترتفع داخلها، قالت برقة "لا، لم يكن كذلك، أنا لم أرى أي شيء من الأساس، اليوم فقط رأيته معك"
اعتدل على المقعد وقال "وما الفارق؟"
اعتدلت هي الأخرى وقالت دون وعي "أنت معي"
صراحتها اندفعت له لتحرك شيء داخله لا يعرفه فظل يحدق بها وهي بالمثل وهي تدرك أنها اندفعت بكلماتها ولكن لا مجال للتراجع
نهض من جوارها وهو يرغب بألا يستسلم لتلك المشاعر التي تجتاحه فهو أصلا لا يعلم ما هي تلك المشاعر؟ لا يفهمها وربما لا يرغب بالانسياق إليها ولكن هل الأمر بيده؟
قامت ووقفت بجواره وقالت "ماذا بك؟ هل قلت شيء خطأ ضايقك؟"
لف وجهه إليها وقال "المصيبة أنكِ لا تضايقين أحد جي وفي نفس الوقت تضايقين الجميع"
امتلأت نظراتها بالخوف فقال "هذا الخوف الذي بعيونك هو الذي يضللني، يجعلني أدور بدائرة من الأسئلة؛ من أنتِ؟ ماذا تخفين وراء تلك النظرات؟ أنا لم أعد أفهمك ولا أفهم أي شيء"
ابتعد من جوارها ولكنها لم تتركه وعادت تتقدم لتقف أمامه وقالت "جاسر بيه أنا أبسط من أن أضايق أحد خاصة أنت، أقصد أنتم، وصدقني أنا لا أخفي شيء عنك أو عن والدك فلماذا تراني دائما هكذا وأنا لست كذلك؟"
ظل صامتا أمام عيونها الجميلة ولم يقاوم نفسه وهو يرفع يده ويلمس وجنتها الناعمة وقال "لا أعلم وهذا ما يحيرني حق"
أسقط يده وأغمض عيونه وتنهد ثم قال "لا تفكري الآن أنا فقط أمر بمرحلة غريبة ولا أفهمها من الأساس لذا لا تدعي ما قلته يغير يومنا ودعينا نكمل سعادتنا، هيا تعالي"
أمسكها من يدها وجذبها ليعيدها للمائدة ولكنها هتفت "جاسر بيه انتظر أنا.."
عاد إليها ووقف أمامها وقال "جاسر جي، جاسر فقط فلا مجال للألقاب الآن، ماذا تريدين؟"
ما زال قلبها يرتجف داخل صدرها فما يقوله ويفعله معها لا يمكنها تحمله فارتبكت وقالت "أنت على حق، نحن نمر بمرحلة صعبة لذا دعنا نعود أنا لا أريدك أن تعيش في تلك الحيرة و.."
وضع إصبعه على فمها واقترب منها وقال "كفى، لن نتحدث اليوم فقط نستمتع، نعيش بجنون، جنون لم نعيشه من قبل، جنون أريد أن أعيشه معكِ أنتِ، نعم أنا حقا أريد ذلك جي"
نبرته كانت مختلفة، نظراته كانت تقتلها، قربه كان يضعفها فزاغت عيونها ولم تفهم فقال "لا، لا داعي للخوف الذي بعيونك هذا أنا لن أتلاعب بكِ كما تظنين، أنا فقط أشعر كما أعلم أنكِ تشعرين مثلي، بالسعادة وهو شعور جديد لم أعيشه من قبل وها أنا أفعل الآن ونحن سويا، ما هو السبب ولماذا؟ هذا ما لن نسأل عنه ولن نتحاور بشأنه، نعيش فقط يوم واحد"
لا تعرف لماذا لم تقو على الرد واعتبر صمتها موافقة فأحاطها بذراعه دون اعتراض منها وأعادها إلى المظلة بينما وضع النادل الطعام واستسلمت له ولأفكاره ...
عادوا إلى باقي الفوج واندمجوا معهم في لعب الكرة الطائرة إلى أن تعبوا وأخيرا اتجه إليها وقال "ما رأيك نركب البيتش بجي؟"
امتلأت عيونها بنظرات استفهام فهي لا تعرف شيء عما يقول فقالت "وما هذا؟ أنا لا أعرفه"
ابتسم وأشار إلى سيارة صغيرة مفتوحة بعجلات ضخمة مما تسير على الرمال فقالت "ما هذا؟ أنا لم أرى مثله من قبل ولا أعرف كيف أقوده"
جذبها من يدها وقال "ومن قال أنكِ ستفعلين؟ هيا تعالي"
وعاد بجذبها من يدها، صعد على المقعد وقال "هيا اصعدي خلفي"
تجولت عيونها حولها وهي ترى الكثيرين يفعلون ذلك من الثنائيات المتجولة هنا وهناك، عادت له وهو يقول "جي هيا اصعدي"
استسلمت وصعدت خلفه ولكن الرجل المسؤول قال "ضعي يدكِ حول زوجك مدام كي لا تقعي"
تورد وجهها من كلمات الرجل، هو يظن أنهما زوجان، لم ينظر إليها ولكن كلمات الرجل كانت ترن بأذنها، زوجها!؟ كيف ظن ذلك؟ أين هي منه؟
حاول ألا يهتم بكلمات الرجل وتجاهلها بقصد وقال "استعدي سننطلق"
ترددت ولكن ما أن انطلق حتى دفعت ذراعيها حول خسره خوفا من السقوط وأغمضت عيونها في خوف وقلبها يدق ولفحها الهواء البارد ولولا أن طرحتها مثبتة جيدا لطارت من الهواء المتسارع حولها
سمعته يقول بصوت مرتفع "هل أنتِ بخير؟"
قالت بنفس الصوت ليسمعها "نعم"
وأخيرا تجرأت وفتحت عيونها ورأت الجبال تمتد حولهم فرفعت رأسها وقالت بخوف "هل تقلل السرعة أنا خائفة؟"
قال وهو يشعر بيدها تزداد حول خصره مما زاده شعور بالراحة وهي قريبة منه ولا يرغب بأن تفارقه وكأنها تنتمي له هو وحده "فقط أمسكي بي جيدا ولا تخافي، السرعة ستشعرك بالمتعة فقط لا تفلتي يدك من حولي كي لا تسقطي واتركي نفسك للهواء وتمتعي"
بالفعل زادت بيدها حوله وابتسم وهو سعيد بها وبتلك اللحظات. وكم شعرت هي بالأمان وهي تمسك به وحرارة جسده انتقلت لها فمنحتها دفء جعلها سعيدة
زار أماكن كثيرة وبالفعل شعرت بالمتعة والنسمات الباردة الممتزجة بعطره تلفح وجهها بقوة جعلتها أكثر سعادة وهي ما زالت قريبة منه ولا تعلم متى يمكن أن تقترب منه مرة أخرى فمالت برأسها على ظهره وهو شعر بها فلم يتحدث بل كان سعيد هو الآخر وناله من المتعة بقربها ما نالها
وأخيرا عاد بها وتوقف فنزلت ونزل هو الآخر ووقف أمامها يتأمل وجهها المتورد وأنفاسها المتلاحقة وقال "أعجبتك؟"
ضحكت ببراءة الأطفال وهتفت بصدق "منتهى الجنون"
نعم هو يعلم ذلك ويريده، يريد ذلك الجنون ولكن معها هي، أمسك يدها وقال "نعم، هيا تعالي يبدو أننا تأخرنا" أسرعا إلى الباص الذي انطلق بمجرد صعودهم
لم يترك يدها وهو يجلس بجانبها وك-نه أصبح أمر واقع وهي لم ترفض أو تمانع، أرادت أن تعيش معه هذا الجنون وفيما بعد ستندم كما تشاء
سألته "نحن لم نطمئن على والدك ولا لي لي"
تذكر حقا أنه لم يسأل على أحد وكأنه بل هو بالفعل نسى العالم معها وقد أغلق هاتفه ولم يفتحه حتى الآن، أخرجه وقال "نعم أنتِ على حق"
فتح الهاتف فانهالت عليه الرسائل ولكنه لم يهتم، ليس الآن وقتها، اتصل بوالده ولي لي التي سألته عن مكانهم فأخبرها بأنهم بطريق العودة، اطمئن على العمل من علي وما أن انتهى حتى كانوا قد وصلوا
نزلت فنزل خلفها وقال "إلى أين؟"
واجهته بدهشة وقالت "إلى والدك لأطمئن عليه وأريد أن أرى جرحك أنت لم تطهره"
ابتسم لاهتمامها وقال "لم تنسي أليس كذلك؟"
لا يمكنها أن تنسى أي شيء يخصه فقالت "لا، لا يمكنني أن أنسى أي شيء يخصك"
زادت ابتسامته لكلمتها وتورد وجهها وقال "حسنا نذهب لبابا أولا"
والتفت متحركا ولكنها لم تتحرك ونادته بصوت مرتجف "جاسر"
توقف عندما لأول مرة تناديه دون ألقاب واسمه غريب منها بنبرتها الرقيقة التي تذيب القلب، التف إليها ثم عاد ووقف أمامها وقال "ماذا قلتِ؟"
تورد وجهها وأخفضت عيونها وهي تدرك ما قالت ولكن عودته جعلتها تشعر بأنها أخطأت فقالت بهمس "آسفة جاسر بيه أنا"
قاطعها " لا، بل ما نطقتِ به أولا"
ثم اقترب منها وقال "مرة أخرى وبلا ألقاب"
رفعت عيونها آليه ولمعت ببريق أخذه لعالم آخر وكأنه مخدر سكن جسده كله وانتظرها حتى قالت بخجل مثير "جاسر"
تنفس بقوة وكأنه يستمع لمقطوعة موسيقية يستمتع بها حتى ابتسم وقال "هكذا أفضل بكثير"
ابتسامتها ملأت وجهها فزادت ابتسامته هو الآخر وقال "والآن ماذا أردت من جاسر؟"
تجولت عيونها بعيونه الجميلة وقالت "شكرا، شكرا على كل شيء"
يعجبه رقتها ونبرة صوتها الهادئة، قال بمزاح "فقط، شكرا فقط؟ ديونك كثيرة ولا أعلم متى ستسددين وشكرا لا تفي بالدين"
احتارت بكلماته ورحلت ابتسامتها وقالت بدون فهم "ديون، أخبرني ما هي وأنا.."
ضحك بصوت مرتفع وقال "أنتِ مجنونة، أنا أمزح، هيا تعالي"
تناولوا العشاء جميعا في سعادة لاحظها كاظم وحتى لي لي، تلك النظرات المتبادلة بينهما كانت واضحة جدا وهي لم تكن ترى سواه ولا تسمع سوى دقات قلبها
جذبها صوت لي لي وهي تسألها "هل استمتعتِ جي؟"
قالت بصدق "نعم جدا، لا يمكن أن تكوني مع جاسر بيه ولا تشعري بالسعادة"
كانت لي لي تنظر إليها بقوة ولكنها لم تنتبه وهي تنظر له وتهيم بعيونه ولكن كاظم هو الآخر يتابعهم وسعيد بما يحدث حوله وقد بدء يرى ابنه يشعر بالسعادة ويبتسم من قلبه
عادت إلى غرفتها وأسرعت تجذب حقيبة الإسعافات واتجهت إلى غرفته، دقت الباب ففتح، كان قد غير ملابسه فابتسم وقال "أنتِ مصرة إذن؟"
هزت رأسها بالإيجاب فأشار لها بالدخول فدخلت تتبعه دون أن تغلق الباب، نظر إليها وقال "أنا بخير ولا داعي لكل ذلك"
رفعت عيونها إليه وقالت "أنت لديك جرح عميق ونحن لم نهتم به جيدا فهل تجلس كي أفعل؟ أنت لست طبيب"
جلس مستسلما وقال وهو ينزع قميصه "ها أنا جلست تفضلي"
نظرت للجرح وقامت بعملها وقالت "الحمد لله، لم يلتهب الجرح كنت أخشى أن يصيبه شيء"
مال عليها حتى اقترب منها وقال بلا تفكير بكلماته "تخشين على الجرح أم عليّ؟"
ارتبكت من كلماته وقربه ولم ترد وهي تبدل الضمادة حتى انتهت ونهضت دون أن ترد
نهض هو الآخر وارتدى القميص بينما أغلقت حقيبتها وتحركت وهي تقول "طابت ليلتك"
مرت من أمامه ولكنه أمسكها من ذراعها وأعادها أمامه فلم تنظر إليه بينما همس بجوار أذنها "لم تجيبي"
حاولت أن تهرب من قربه ولكن لم تستطع ولم ترد، قربها أكثر ولا يعلم ماذا أصابه ولماذا يقول ما يقوله "أخبرتك أنكِ تتلاعبين بالنار جي، تقتربين ثم تبعدين، تجذبين وفجأة تدفعين من أنتِ وماذا تريدين مني؟"
رفعت وجهها إليه والتقت بنظراته التي كانت تنتظر عيونها وإجابتها وهي تقول ببراءة "بل ماذا تريد أنت مني؟ أنا لا أفهم كلماتك، أنا هنا من أجل هذا الجرح"
ابتعد وقال بتفكير مختلف عن الجنون الذي عاشه معها طوال اليوم وكأنه أفاق فجأة من الثمالة التي كان بها "ولكن أنا أخشى من جرح آخر"
أغمضت عيونها وقد فهمت وهو ما كانت تخشاه فقط تركته حتى يأتي بأوانه ولكنه لم يتأخر فقالت "أعلم وقد أخبرتك"
لم يرد وهو يعلم أنها حذرته ولكنه لم يسمع، كان سعيد وأراد أن يكمل فماذا حدث؟
قالت بألم مكتوم "لا يمكننا أن نكمل، حتى الجنون له حدود"
لم يرد أيضا فأكملت "جاسر أنا وأنت مثل قضبان القطار، متوازيان ولا يمكنهم أن يلتقيان بأي يوم وإلا انقلبت الموازين، اعترف يا جاسر أننا كنا خطأ، أنا أيضا كنت خطأ لأني وافقتك ولكن لا تقلق أنا أعدك أن أبتعد إلى أقصى مكان كي.."
ولكنه أخيرا استدار وأمسكها من ذراعها فرأى الخوف في عيونها من حركته التي فاجأتها وهو يقول "أي بعاد الذي تتحدثين عنه؟ أنتِ تعلمين أننا لم يعد يمكننا البعاد، ليس بعد ما كان اليوم، أنا لا أعلم ما الذي أصابني؟ أنتِ دخلتِ حياتي هكذا فجأة ولا أعلم كيف ومتي سيطرتِ عليها؟ أنا لا أكف عن التفكير بكِ وأنا أعلم أنه خطأ، أراكِ في كل لحظة حتى عندما أغلق عيوني وأيضا أعلم أنه خطأ ومع ذلك أشعر كأني لم أعد أعلم الصواب من الخطأ، جاسر المنياوي لا يعلم الخطأ من الصواب! ماذا فعلتِ بيُ ماذا فعلتِ بي؟"
واستسلمت ليديه التي كنت تؤلم ذراعيها وتهزها بقوة مؤلمة ولكن ليس مثل ألم قلبها الذي كانت تنتظره وبالرغم من أن بعض كلماته كانت من المفترض أن تسعدها إلا أن باقي الكلمات محت السعادة لأنها كانت تؤلمها أكثر خاصة لأنها تفهمها وتدرك أنه على حق
قالت والدموع تملأ عيونها "لست وحدك الذي يشعر بكل ذلك، أنا مثلك وأنت تعلم ولكن وأنا أتألم، أتألم ألف مرة لأنني أعلم أنه خطأ وكنت واثقة أن كل ذلك كان سينتهي في أي لحظة، أنا أعلم أنك لابد أن تعود لطريقك الذي هو ليس أنا لأنه الصواب"
لم يرد وهو يفلتها ويلتفت دون رغبة بمواجهة عيونها فأدركت أنها اللحظة الفاصلة، لم لم ينتظر يوما آخر من السعادة؟ لماذا تعجل بإنهاء كل شيء؟ لأنه الصواب
مسحت دموعها وأكملت "جاسر أنت حياتك العمل والنجاح، وهما متمثلان بشخص واحد؛ ندى، ندى هي مفتاح نجاحك الذي تحلم به فعد إليها، هي التي تصلح لك معها ستحقق أحلامك وتصل للنجاح، عد لعملك وحياتك العملية التي لا وجود لأمثالي بها"
ظل صامتا وهو لا يعلم ماذا بداخله بل احتارت مشاعره مما يمكنه أن يفعل بها وبنفسه، لم تنتظر رده وعادت تقول "لابد أن أرحل، دعني أرحل حتى تعود لحياتك وتنساني، أنا مجرد ممرضة، نعم"
قالت ذلك والألم يقطع صدرها ومع ذلك استجمعت ما تبقى لديها من شجاعة وأكملت "نعأ ممرضة ولم أنسى أيضا أنني ابنة السائق الخاص بكم لذا سأعود لنفسي لتعود أنت أيضا لنفسك فأنا لن أتحمل أكثر من ذلك"
والتفتت لتذهب ولكنه استدار ليقف بطريقها وقال "لا، لن تذهبي لأي مكان، لا يمكنني أن أتركك وحدك في هذا العالم، ربما من الصواب أن نبتعد كما قلتِ ولكن أنا أبتعد، أنا يمكنني مواجهة هذا العالم وحدي لكن أنتِ لا، بابا كان على حق؛ لا يمكن تركك لهذا العالم، لابد أن تبقي بجانبه أنتِ ممرضته وهو بحاجة لك ولن يتركك ولكننا لن نلتقي، أنا سأبتعد وسننسى ما كان ونعود كما كنا وليكن ما حدث اليوم كما قلت؛ لحظة جنون عشناها سويا ربما لأنني لم أجد من أعيشها معه من قبل وربما.."
لم يكمل لم يستطع لأنه لم يصدق كلمة مما كان يقول فقط كان يؤلمها ويزيد جرحها لذا انهارت في البكاء وأسرعت إلى الخارج بينما تابعها دون أن يمنعها؛ هي على حق لابد أن ينساها هي ليست له ولا هو لها كل ما كان خطأ ولابد أن ينتهي أمسك رأسه بيديه ثم سقط على أقرب مقعد واضعا رأسه بين يديه وقلبه يدق بقوة وعقله مشوش بلا هدف