
رواية انت عمري الفصل السابع7 بقلم امل مصطفي
في صباح يوم جديد...
داخل مكتب "أدهم"، وجّه حديثه إلى "مراد" قائلًا:
– كده تمام، وكل حاجة جاهزة... طيارتكم هتتحرك الساعة عشرة مساءً.
قلب مراد جوازات السفر بين يديه، بينما أكمل أدهم بنبرة جادة:
– أمي وأختي أمانة في رقبتك يا مراد.
– ما تقلقش يا أدهم، كله هيبقى خير... بس برضه مش فاهم، ليه رفضت عشق تسافر معانا؟ وجودها كان هيفرق كتير مع روان.
ابتسم أدهم بحنان وأجاب:
– أومال أنت لازمتك إيه؟ وكتبنا الكتاب ليه؟ مش علشان تكون موجود جنبها؟ لو أنت مش قد المسؤولية، تمام، قول، وأنا هسافر معاها أنا وعشق.
ضحك مروان بقوة وقال ممازحًا:
– أشمّ رائحة حب في الجو... هي عشق تكون معاك إنت وبس؟ يظهر إنك بتوزّعنا علشان يخلى لك الجو يا بوصي.
أدهم، وهو يحاول إخفاء مشاعره الحقيقية خجلًا من صديق عمره، قال بسخرية دفاعية:
– وانت هناك، خد كشف عند دكتور نفساني، أصل بقى عندك تهيؤات وأوهام كتير، وأنا خايف عليك.
رد مراد بصدق:
– بلاش تكابر... سيب نفسك لمشاعرك، أوعى تحرم نفسك من الحب والتمني. ده أجمل إحساس، حتى وقت العذاب بيكون ليه طعم تاني. بلاش تحمل نفسك فوق طاقتها يا أدهم.
---
في المساء، كانت الأجواء مشحونة بالقلق والخوف والحزن.
وقفت عشق بجوار غادة، تحتضنان روان وتبكيان على فراقها، ولو لفترة مؤقتة.
هتف أدهم بضيق:
– كفاية بقى! بقالكم ساعة بتعيطوا!
هتفت عشق والدموع في عينيها:
– هتوحشيني... كان نفسي أكون معاكم.
أردفت غادة بحب:
– ما ينفعش يا حبيبتي، علشان جامعتك... وخلي بالك من أدهم.
قالت عشق بقلق:
– وأنتم يا ماما... طمّنوني عليكم، وإن شاء الله ترجعوا مجبورين.
قالت روان برجاء:
– ادعيلي يا عشق، أنا عارفة إن ربنا بيحبك ويتقبل دعائك.
ضمتها عشق مرة أخرى وهي تهمس:
– بدعيلك يا حبيبتي، وهفضل أدعي لحد ما تبقي معايا تاني.
---
بعد مرور الوقت...
ركب أدهم السيارة، وانطلق بها خارج ساحة الانتظار في المطار بعد إقلاع الطائرة.
هتف بحنان:
– كفاية يا عشق، بقالك قد إيه بتعيّطي؟ زمانهم وصلوا، وإنتي لسه بتعيّطي! بتجيبي الدموع دي كلها منين؟
مسحت دموعها وقالت:
– إنت مش عارف رغم المدة البسيطة اللي ما عَدّتش الشهر... بقوا إيه بالنسبالي؟ بقوا كل حاجة عندي.
حدث نفسه بحيرة:
"وأنتِ كمان يا عشق بقيتي كل حاجة في حياتي... مين يتخيل إني أسيب أمي وأختي في الظروف دي، حبًا في وجودي جنبك؟"
"آه، أنا وافقت على كتب كتاب مراد، لأني عارف إنه اتعذب قد إيه في حب روان، وقلت دي فرصة تشوف حبه وخوفه عليها وتقدّره... بس ده مش السبب الوحيد. أنا كنت محتاج نكون مع بعض، نقرب، نفهم بعض أكتر... محتاج أطمن إنك حبيتي أدهم، مش بس حسّيتي بالأمان جنبه. لو لقيتي الأمان ده في مكان تاني... هتسيبيني؟ وقتها تبقي حكمتي عليّ بالإعدام."
– أدهم... أدهم؟
نظر لها بشرود:
– في حاجة يا عشق؟
– كنت بسألك... رايحين فين؟ ده مش طريق البيت!
تحدث محاولًا الخروج من دوامة أفكاره:
– إيه رأيك؟ أعزمك على العشاء؟
هزّت رأسها موافقة، دون كلام.
---
بعد مرور ساعة، توقفت السيارة أمام مطعم كبير.
نظرت عشق للمكان بإعجاب شديد، تتأمل الأضواء والزينة كطفلة منبهرة بملاهي العيد.
– عجبك المكان؟
– جدًا جدًا، ماكنتش أتخيل إني ممكن أدخل مكان زي ده... شكرًا ليك.
طلبت بيتزا وهوت شوكليت، تأكل باستمتاع وسعادة لوجودها جواره، تتحدث بدون تكلّف أو حواجز. عشق كانت بريئة في كل شيء، في كلامها، ضحكتها، وطريقة أكلها.
كان هو يتأملها بصمت، لا يلمس طعامه. سألت بخجل:
– إنت مش بتاكل ليه؟ مش بتحب البيتزا؟
ابتسم بحب:
– بحبها... بس حسّيت بالشبع وأنا شايفك مبسوطة قدامي.
رغم كلماته، التي زادت خجلها، إلا أن قلبها كان يرفرف داخل صدرها.
وفجأة...
– مش معقول! أدهم باشا!
رفعت عشق عينيها نحو مصدر الصوت، وتجمدت على الطعام بذهول وغيرة.
امرأة طاغية الأنوثة، ترتدي ملابس مثيرة وتتحدث بنعومة مغرية.
أدهم ردّ ببرود:
– أهلاً مدام سلمى... أخبار محمود باشا إيه؟
تحدثت بدلال:
– يعني لو كنت بتسأل أو بتشوفنا، كنت عرفت إننا انفصلنا من كام شهر.
رد بنبرة لاذعة:
– ليه كده؟ ده محمود باشا راجل يتقال عليه بالمال... ومش أي واحدة تستحقه.
قالت بلا حياء:
– مافيش توافق بينا... أنا محتاجة في حياتي راجل قوي، يطلع الأنوثة اللي جوايا، مش كل حاجة طيب وحاضر.
نظر لها باحتقار، ثم ابتسم حين وقعت عيناه على عشق، التي كانت تتفرج على المشهد بفم مفتوح، وغيرة لا تخفى.
كان ينظر لها باستمتاع، يراقب هيئتها الطفولية، فزاد انتصاره الداخلي.
سألت سلمى بفضول وهي تشير إلى عشق:
– آسفة، ما خدتش بالي... مين دي؟
رفع يده على الطاولة، وأمسك بيد عشق بعشق حقيقي، قائلًا بفخر:
– دي مراتي... عشق.
شرقت عشق من وقع الكلمة. لم تتوقع أن يعلن ارتباطه بها أبدًا. كانت تظن أن الأمر مجرد ارتباط مؤقت لحين عودة أهله.
نهض أدهم بسرعة، ناولها كوب ماء، وساعدها على التنفس، ثم تناول منديلاً ومسح آثار الماء عن وجهها بحنان شديد.
اشتعلت سلمى من الغيرة، وتمنّت لو كانت مكانها، فقط لتتفاخر أمام الناس بأنها خطفت قلب أدهم الشهاوي.
سألته بحقد:
– اتجوزت إمتى؟
– ده كتب كتاب... وإن شاء الله تكوني أول المدعوين على الفرح.
جلست عشق تشعر بفخر شديد، قبل أن يفاجئها أدهم بجذب يدها قائلًا:
– يلا يا حبيبتي.
توقفت فجأة وهي تردد بدهشة:
– حبيبتي؟
ابتسمت باتساع، ثم أسرعت في خطواتها بجواره، تكاد تطير من الفرح، تمنّت لو تقبّله أمام الجميع.
أما سلمى، فظلت تتابعهما بعينين كارهتين، تهمس بغيظ:
– ماشي يا أدهم... بقي ترفضني أنا، وتبص لحتة عيلة زي دي؟ مشغّلاش عندي خدامة!
---
---
عودة إلى الصعيد – في منزل المنشاوي
دخل فهد إلى الدار وهو يبتسم بسعادة عارمة، ملامحه مشبعة بنشوة الانتصار، وهتف بصوت مرتفع:
– عرفنا طريقها يا جدي... خلاص!
تهللت أسارير الجد من شدة الفرح، وانتفض واقفًا وهو يقول بلهفة:
– بجد يا فهد؟
– بجد يا جدي... وبكرا إن شاء الله، عمي ومحمد وزين هينزلوا يجيبوها.
اقترب الجد منه وهو يسأله بعينين مليئتين بالرجاء:
– شكلها عامل إزاي؟ وعندها كام سنة؟
فهد، تقديرًا لحالة جده التي رآها تتأرجح بين الأمل والخوف، أجاب بهدوء:
– بكرا نعرف كل حاجة يا جدي... إحنا عرفنا المكان، وواحد من رجالة زين قدر يوصل لاسمها، بس...
تنهد فهد بحزن، ثم أكمل:
– أكيد مش سهل عليها تلاقي ليها أهل كده فجأة وتقبلهم... هي عاشت عمرها من غير ما حد يسأل عليها. فـ أرجوك ما تزعلش من رد فعلها، حتى لو كانت قاسية.
تألم الجد من صحة كلام حفيده، لكنه أردف بإصرار:
– أتحمل كل حاجة... بس تيجي وأشوفها. دي بت الغالي! نفسي أشم ريحته... وحشني جوي.
ثم بكى بحرقة، وكأن روحه تهشمت على أطراف لهفته.
اقترب فهد منه، يتألم لرؤية جده القوي الشامخ بهذه الهشاشة والانكسار الذي لا يظهره أمام أحد سواه، وقال بحنان:
– اهدا يا جدي... ولما تيجي، نعوضها عن كل حاجة.
تنهد الجد بندم عميق:
– نعوضها عن إيه ولا إيه، يا ولدي؟ عن عمرها اللي ضاع بعيد عن حضن أهلها؟ ولا عن أبوها اللي مات صغير وسابها للدنيا، كبيرة وزي الغابة، من غير حماية ولا سند؟ أنا مش قادر أتخيل عاشت إزاي، وازاي قدرت تكمل!
كان فهد يستمع إليه وهو يعلم يقينًا أن وجود فتاة وحيدة في المدينة لم يكن سهلًا، وأن أخلاقها ربما تغيرت بفعل الظروف، ولم تعد تناسب حياتهم الآن، لكنهم سيتحملون، سيطهرون كل آثار البُعد بأنفسهم، فهم وحدهم من أخطأ، وهي كانت مجرد طفلة لا ذنب لها.
شعر بالحزن على جده، الذي فقد أقرب أبنائه إلى قلبه بسبب عناد... والعناد وحده هو ما يسلب الإنسان كل شيء.
---
في فيلا أدهم
جلست عشق بملل واضح. فمنذ عودتها من زيارة فتون وناجي، وهي تشعر بالوحدة، خاصة أن أدهم مشغول جدًا هذا اليوم، ولذلك وافق على زيارتها لهم بشرط أن تعود مبكرًا.
ابتسمت وهي ترفع هاتفها وتتصل على غادة:
– إزيك يا ماما؟ وحشتيني أوي... أنتي وروان.
ردّت غادة بحنان:
– وإنتي أكتر، يا حبيبتي. بس إنتي عارفة من يوم ما وصلنا وإحنا بنعمل أشعة وتحاليل قبل العملية... ربنا يوقف معاها وتقوم بألف سلامة.
– أنا عايزة أجي عندكم. أدهم قال إننا هنيجي كمان يومين نشوفكم.
غادة بإطمئنان:
– إن شاء الله، يا حبيبتي... قوليلي، أدهم عامل معاكي إيه؟ لو ضايقك في حاجة ما تزعليش منه. أنا واثقة إنه بيحبك، ودي حاجة مش سهلة عليه.
– ليه يا ماما؟ حصله إيه؟
– معلش يا حبيبتي، الموضوع ده حساس بالنسبة له... ولازم هو اللي يتكلم وقت ما يحس بده.
---
أمام شركة الأمن والحراسة
وصلت سيارة فخمة توقفت أمام واحدة من أكبر شركات الأمن في القاهرة. نزل منها زين ومحمد وحمزة، واتجهوا نحو الاستقبال.
قال زين للموظف:
– لو سمحت، عايزين نقابل الأستاذ أدهم الشهاوي.
– فيه ميعاد سابق؟
أجاب زين بالنفي:
– لأ، بس ممكن تقوله المقدم زين المنشاوي عايزه في موضوع عائلي.
تدخل حمزة قائلاً:
– قوله حمزة يونس المنشاوي... هو هيعرفني.
رفع الموظف السماعة، وتحدث مع سكرتير المكتب الخاص، ثم قال:
– اتفضلوا... الدور التالت.
---
وصلوا إلى مكتب أدهم. دلفوا للداخل، فنهض أدهم لاستقبالهم:
– اتفضلوا، أهلاً وسهلاً.
تقدم حمزة معرفًا بنفسه:
– أنا حمزة المنشاوي، عم مراتك. وده المقدم زين ابني، وده الدكتور محمد، ابن أخويا.
– شرفتونا... اتفضلوا.
قال حمزة بنبرة جادة:
– إحنا بقالنا سنين بندور على أخويا، وعرفنا قريب إنه توفى هو وأسرته. ولما والدي عرف، تعب وأصر ندور تاني، لحد ما عرفنا إن ليه بنت لسه عايشة. وجينا ناخدها، اكتشفنا إنها متجوزة... اللي هي عشق مراتك. فلو ينفع، تيجي معانا... عشان جدها يهدى ويرتاح.
أسند أدهم ظهره على الكرسي وقال بهدوء:
– بس هي ما تعرفش إن ليها أهل... عندها عشرين سنة وما شافتش حد من أهلها ولا مرة. إزاي تكونوا أهلها فجأة؟
نهض زين وأخرج بعض الأوراق من حقيبته، مدها لأدهم:
– دي كل الأوراق اللي تثبت إنها بنتنا.
وضع أدهم الأوراق على جنب ببرود:
– أنا عارف إنها بنتكم... دي مراتي، وكان لازم أعرف كل حاجة عن أصلها قبل ما أديها اسمي.
هتف محمد بلهفة:
– يعني هي عارفانا؟
أدهم بهدوء:
– لا، طبعًا... أنا بس اللي عارف. ماكنش ينفع أقولها إنها من عيلة كبيرة، وهي عايشة سنين يتيمة، وحيدة، وبتشتغل عشان تجيب مصروفها.
ساد الصمت... شعروا بالخزي من أنفسهم، وأخفض حمزة رأسه، لا يعلم كيف سيواجه شقيقه، وقد فرّطوا في ابنته، لحمِه ودمه، الرجل الذي كان أطيبهم وأحنّهم قلبًا.
قال حمزة بنبرة متوسلة:
– ممكن حضرتك تتفهم وضعنا؟ حالة والدي الصحية متأخرة، ووجود أي شيء من ريحة ابنه هيريّحه كتير... ده طلب إنساني، أتمنى ما ترفضوش.
-
فيلا "أدهم الشهاوي"
أدخلهم أدهم إلى غرفة الضيوف، ثم استأذن منهم كي يصعد ويبلغ عشق بوجودهم.
صعد إلى غرفتها، وطرق الباب بخفة، ثم دخل فوجدها جالسة تقرأ كتابًا. رفعت عينيها نحوه، تقابله بابتسامة مشرقة، فبادلها إياها وجلس بجوارها، ممسكًا بكف يدها بين كفيه ليمنحها الدعم.
قال بلطف:
– في ضيوف تحت عايزين يشوفوكي. مش عايزك تقلقي من حاجة، أنا معاكي، وعمري ما هسيبك. بس لازم تاخدي الخطوة دي علشان نقفل أبواب كتير مفتوحة من سنين.
تعجبت من طريقته في الحديث وسألته بخوف:
– مين؟ ماما فاتن؟ وأنكل ناجي؟ حصلهم حاجة؟
ربت على يدها مطمئنًا:
– لا، هم بخير. بس دول ناس جداد في حياتك. البسي إسدال أو عباية وتعالي معايا تحت، وهتفهمي كل حاجة.
نزلت عشق معه ودلفت إلى غرفة الصالون. وجدت أمامها ثلاثة رجال لا تعرفهم، فشعرت بالخجل، وتملّكها الاستغراب من أدهم؛ فهي تعرف مدى غيرته عليها، فكيف يُدخل رجالًا عليها؟ ورغم حيرتها، ألقت التحية بهدوء:
– السلام عليكم.
نظر إليها الرجال الثلاثة بدهشة من شدة جمالها، فلم يتوقعوا مثل تلك الفتنة. مال محمد على زين هامسًا:
– مين دي؟
أجابه زين بذهول:
– مش عارف، يظهر تشابه أسماء!
قالت عشق بصوت هادئ:
– السلام عليكم.
رد الجميع السلام.
أخذ أدهم يدها وأجلسها بجواره، فنظرت إليه بتساؤل، ليهتف بتمهّل:
– دول أهلك يا عشق.
رفعت وجهها نحوهم، ثم أعادت نظرها إليه تتأكد من صدق كلامه، فهزّ رأسه مؤكدًا:
– آه، يا حبيبتي، دول أهلك. ده عمّك حمزة، وده الرائد زين، وده الدكتور محمد بن عمك يونس.
تمتمت بدموع:
– يونس؟
استغرب الجميع دموعها، إلا أدهم؛ فهو يعلم ما تمرّ به. نظرت إلى عمّها وسألته بألم:
– طب ليه سبتوني كل السنين دي؟ ليه عمري ما شفتكم قبل وفاة بابا؟
ردّ حمزة بصوتٍ حزين:
– جدك هو اللي يحكيلك كل حاجة.
صاحت بدهشة:
– جدي؟! عندي كمان جد؟
احتضن أدهم يدها بين يديه ليطمئنها، وقال:
– أنتي من عيلة كبيرة في الصعيد، وأكيد في سبب للبعد ده، بس المهم دلوقتي إنك مش لوحدك.
هتف حمزة، مستجديًا عطفها:
– إحنا جايين نأخدك لأن جدك تعب لما عرف بموت ابنه، وعايز يشوفك ويبرد نار قلبه.
نظرت لهم بحيرة وتشتّت دون أن ترد، لكن أدهم هتف بحنوّ:
– أنا معاكي. لو عايزة تروحي، هكون معاكي، ولو مش عايزة، مافيش حد يقدر يغصبك.
ثم ابتسم:
– أهلك أول مرة يزورونا، عايزاهم يقولوا علينا بخلاء؟ مافيش غدا ولا إيه؟
قامت تمسح دموعها وقالت بابتسامة خفيفة:
– لا طبعًا، بيت أدهم الشهاوي بيت الكرم كله.
والتفتت لتغادر، فناداها عمها:
– عشق...
التفتت له، ففتح لها ذراعيه. نظرت لأدهم، فأعطاها الإذن بعينيه.
ذهبت إليه، احتضنته وبكت بشدة، فهي لا تعرف ماذا تفعل... هل تكرههم لأنهم تركوها كل تلك السنوات تواجه العالم وحدها، أم تسامحهم لأنهم كل ما تبقى لها من والدها؟
بعد مرور ساعة ونصف، وقفت على باب الغرفة وأبلغت أدهم بانتهاء تجهيز الطعام.
وقف أدهم أيضًا وقال بترحيب:
– اتفضلوا يا جماعة، نورتونا.
جلسوا الخمسة على الطاولة، في حالة توتر، وكلٌّ منهم يسبح في أفكاره.
وبعد الانتهاء من الطعام، عرض عليهم أدهم المبيت، لكن حمزة رفض، مبررًا:
– والدي بينتظر عودتنا على نار، ولازم نطمّنه علشان حالته ما تسوءش.
---
في الصعيد
عاد الجميع بقلق من ردّ فعل الجد لعدم عودتهم بالحفيدة.
ثار المنشاوي الكبير وهتف بغضب لم يُرَ عليه منذ زمن:
– فين حفيدتي يا حمزة؟ فين بنت أخوك؟
قال حمزة مهدئًا:
– اهدي يا بوي، والله هتيجي. بس المشكلة إن البنت متجوزة من شهرين، وجوزها رفض تيجي لوحدها معانا، وهو مشغول حاليًا.
صرخ الجد غاضبًا:
– كيف مشغول؟ هو مش عارف إحنا مين؟ يفضي نفسه وييجي! قلبي جايِد نار، نفسي أشوفها واطّمن عليها!
قال فهد، محاولًا تهدئته:
– كيف نجيبها من جوزها غصب؟ دي مش من الأصول يا بوي.
هدأ الجد قليلًا، فهو يعرف قدر الزوج، خاصة في بيئة تحكمها الأصول والعرف، ثم سأل:
– كيفها يا حمزة؟ مليحة؟
أجابه حمزة مؤكدًا:
– مليحة يا بوي، متجوزة راجل كبير في السوق وكلمته مسموعة. بس البنت اتصدمت لما عرفِت إن دول أهلها، حزنت وبكت كتير، وعندها حق بعد السنين دي كلها.
قال زين بحماس:
– أوصفها يا ولدي، خليني أتشبّع منيها...
رد زين بسرعة:
– البنت حاجة صعبة يا جدي، مالهاش حل!
لطمت هند صدرها وقالت:
– واااه! لبسها عفش؟ ربنا يستر!
اعترض محمد بجدية:
– لبسها إيه بس يا مرت عمي؟ دي مش بتسلّم على رجال أصلاً.
قالت باستغراب:
– أومال قصدك إيه يا ولدي؟
نظر الجد إلى زين الذي ظلّ صامتًا، وسأله مستغربًا:
– مالك يا زين؟ ساكت ليه؟ في حاجة ضايقاك؟
قال زين بتحفّظ:
– أبدًا يا جدي، بس خايف أتكلم فهد يطخّني عيارين.
رد الجد باستنكار:
– ليه بس؟
رفع زين عينيه بتوتر، ينظر نحو فهد، ثم قال:
– أصل يا جدي، عشق دي حاجة كده من الخيال. ما تصدّقش من شدة جمالها إنها حقيقية. تحسها أجنبية أو صورة مرسومة!
أكّد محمد كلامه:
– فعلًا يا جدي، أنا مع زين، دي صاروخ! يعني لو كنت لاقيتها بدري، كان زماني اتجوزتها!
صرخ فهد بغضب:
– إنت واقف من غير حياء تتغزل في بنت عمك قدامنا؟
قال زين مبررًا:
– شوفت بقى؟ عشان كده ماكنتش عايز أتكلم.
ضحك الجد بسعادة:
– للدرجة دي عجبتك يا ولد؟
ثم أكمل بحزن:
– لما اتولدت، عمّك جالي يطلب العفو، وقال يجيبها تتربى بيناتنا. بس أنا وقتها كنت مغمى عني، ورفضت. قلتله: "إنت وخلفتك محرومين تدخلوا أرض المنشاوي!"
ودلوقتي لما أفتكر كلامي... قلبي بيتقطع.
اقترب زين منه، يشعر بالحرب الدائرة داخله:
– بكره تشوفها يا جدي، وتقول عندي حق.
هتف حمزة بتحذير:
– لمّ الدور إنت وابن عمك. جوزها راجل صعب، ما تبصوش للهدوء اللي كان بيتعامل بيه. أه إحنا ما بنخافش من حد، بس دي مراته، ومن حقه يغير عليها ويحميها. دي أصول.
ضحك وهو يتذكر:
– لو كنت شفتهم وقت ما دخلوا... فتحوا خشمهم كيف المسحورين!
بس أكتر حاجة استغربتها... ليه لما سمعت اسم "يونس" و"حمزة" بكت؟
---
في فيلا أدهم
كان يجلس في غرفته يحاول طرد الأفكار التي تلاحقه منذ غادر أهل عشق.
أفكار لا تمنحه فرصة للنوم. وفجأة، سمع طرقًا على الباب.
قام وفتحه، لكنه وقف مصدومًا مما رأى...