رواية انت عمري الفصل الثامن8 بقلم امل مصطفي


 رواية انت عمري الفصل الثامن8 بقلم امل مصطفي

في غرفته...

سمع طرقًا خفيفًا على باب غرفته. نهض وفتحه، ليصدم برؤيتها واقفة أمامه في هذا الوقت المتأخر. يعلم جيدًا، لولا ظهور أهلها، ما كانت لتقف أمامه الآن.

أما هي، فوضعت يدها على عينيها بخجل حين رأته يفتح الباب وهو لا يرتدي سوى "شورت".

ابتسم خجلًا من ردّ فعلها رغم أنها أصبحت زوجته. كان يعلم سبب مجيئها، لذلك أراد دعمها. سحبها من يدها وهي لا تزال مغمضة العينين، وهمس:

– افتحي عنيكي يا عشق.

هتفت برفض خجول:

– لا... البس حاجة الأول.

ضحك بحنان:

– يا مجنونة، أنا جوزك.

أصرت بخجل:

– لا... بس كده عيب، البس وأنا أفتح.

تنهد بحب، ثم سحب "تيشرت" وارتداه قائلًا:

– خلاص، لبست.

نظرت له بخجل:

– كده أحسن.

رتب وسائد الفراش على هيئة مسند، ثم تمدد عليه ومدّ يده إليها لتنام بجواره. أطاعته دون كلام، وهو يقدّر حالتها وما تمر به. لم يرغب في فرض نفسه عليها، بل أراد أن تأتي إليه بنفسها.

مرر يده على رأسها بحنان:

– أنتي خايفة من المواجهة؟

تنهدت بتشتّت:

– مش سهل... بعد العمر ده أعرف إن ليا عيلة كبيرة! وأنا اللي عشت سنين بتمنى أجرب إحساس العائلة والسند... كنت بأتمنى أغمض عيوني من غير خوف إن حد ينتهك براءتي.

تحدث بصدق:

– أنا معاكي وسندك... متخافيش من أي حد طول ما أنا موجود... وفيا نفس، مش ممكن أسمح لحد يأذيكي.

أجابت بثقة:

– أنا متأكدة من ده... بس تفتكر إيه يبعد الأهل عن بعض بالطريقة دي؟

رد بهدوء:

– كتير يا عشق... الدنيا فيها كتير. فيها أبشع السيناريوهات اللي ممكن تتخيليها. حكّمي عقلك، وأنتِ تعرفي.

قالت بإصرار:

– بس أنا مش بمشي غير بقلبي.

شرد أدهم في ماضيه الموجع، وقال:

– أوقات كتير القلب بيخون صاحبه... لكن العقل لا. نظرته للأمور واضحة وصريحة.

– بس بابا مجابش سيرتهم ولا مرة قدامي.

– أكيد، يا عشق، في سبب قوي منعه يتكلم عنهم... بكرة نروح ونفهم.

تأملت غرفته التي تزورها لأول مرة، وقالت:

– بس دي حاجة فيا مش بمزاجي... دايمًا قلبي هو المتحكم في قراراتي.

ثم ابتسمت:

– غرفتك جميلة.

ردّ بحب:

– جميلة بوجودك فيها.

ابتسمت بخجل، واعتدلت:

– حقيقي كنت محتاجة أتكلم... بس أتمنى ماكنتش سببتلك أي إزعاج.

شدد أدهم من احتضانها:

– رايحة فين؟

– أنا هاروح أنام، وأنت كمان تاخد راحتك.

ردّ بحنان وهو يهمس:

– لا، خليكي في حضني الليلة دي... ماحدش عارف الأيام مخبية إيه.

ثم التفت إليها وهي ما زالت بين أحضانه:

– ممكن نتكلم بصراحة؟... أنتي جيتيلي لأن مافيش غيري تتكلمي معاه في غياب ماما وروان؟... ولا علشان أنا جوزك؟

شردت مع نفسها... نعم، في وجود روان ووالدته، لم تكن لتملك الجرأة على الوقوف أمام بابه. لكن الظروف التي تعيشها حاليًا جعلتها لا تتمنى الكلام مع غيره. وإن لم تكن الفرصة سانحة، لكانت نادته في أحلامها حتى تخرج ما بداخلها.

هتفت ببساطة:

– لأنك جوزي... وبرتاح معاك، وبستمد منك القوة.

فاجأها بسؤاله:

– يعني لو كانت روان موجودة... أو أمي، كنتِ برضه هتيجيلي؟

أخفضت عينيها بصمت... ففهم الردّ وابتسم على براءتها التي جعلتها لا تستطيع الكذب أو إخفاء مشاعرها. ضمّها أكثر، وقبّل رأسها. شعر أنه يفقد السيطرة على نفسه في وجودها، بسبب عفويتها وطيبتها.

أما هي، فاستكانت بين أحضانه، ولأول مرة تنام بهذا العمق منذ سنوات... بسبب الأمان الذي تجده في قربه.

---

اليوم التالي...

وقفت عشق أمام قصر كبير يدل على ثراء أصحابه. أمسكت يد أدهم بتوتر، فضغط عليها ليشعرها بالأمان. نزلت من السيارة، لتجد عمها حمزة في استقبالها بابتسامة كبيرة، وأشار إلى الرجل الواقف بجواره:

– ده عمك يونس.

ابتسمت له بطيبة:

– أنت عمي؟

اقترب يونس بسعادة واحتضنها:

– آه يا جَلب عمك... نورتي البلد كلها.

تحدثت بأدب:

– منورة بأهلها.

– وأنا عمك عبد الرحمن.

– إزي حضرتك؟

شعرت عشق بسعادة كبيرة بهذا اللقاء، وبهذا العدد الكبير من الأهل، فهي تربّت وحيدة دون أقارب.

– منورة يا بنت الغالي.

زين بحماس:

– تعالي أما أعرّفك على باقي العيلة...

وقبل أن تتحرك، قبضت يد قوية على مرفقها، كالفولاذ، تمنع حركتها. رفعت عينيها لتقابل نظرات أدهم المشتعلة من الغيرة. أخفضت عينيها، لتسمع همسه الحاد:

– مافيش حركة بعيد عني، وإلا هاخدك ونرجع تاني!

تعجّب زين من عدم استجابتها، ونقل نظره بينهما. رمقه أدهم بنظرة حادة جعلته يصمت ويشير من مكانه:

– ده المهندس فهد... كبيرنا كلنا وأخويا.

ابتسمت بحياء:

– فهد، حمد لله على سلامتك يا خيتي.

– الله يسلمك.

– وده مروان، محامي... وده ياسين، كلية شرطة... وده محمود، كلية زراعة.

عشق وهي تردد:

– محمود...

ابتسم لها الجميع. تحدثت بحب:

– أنا فرحانة قوي بوجودي بينكم... مافيش أجمل من إحساس العيلة. كان نفسي يكون ليا أخ يحميني، وربنا بعتلي ما شاء الله رجالة تخزي العين.

يتابع أدهم فرحتها... حبيبته طيبة القلب، بريئة مثل الأطفال، لا تحمل كرهًا أو حقدًا لأحد. تقبّلت وجود أهلها دون عتاب، وهذا جعله يشعر بدقات عنيفة في صدره لأجلها فقط.

---

في الداخل...

وجدت رجلًا كبيرًا، ذو هيبة طاغية رغم كِبر سنه. عرفت أنه جدّها. توجهت نحوه، وانحنت تقبّل يده باحترام، جعله يشعر بالندم على ترك ابنه كل تلك السنوات.

يبدو من لباسها المحتشم وأخلاقها أنها تربّت جيدًا... والأم هي من تربي. احتضنها، وخانته دموعه:

– وحشتيني يا جَلب جدك... سامحيني على هَملي ليكِ، أنتي وأبوي الغالي.

– سامحتك، يا جدي... كفاية إنك من ريحة بابا، الله يرحمه.

ضمها بقوة، لقد أظهرت أصلها الطيب، وعلم أنها تشتم بهم رائحة أبيها... كم ندم على ابتعاده عنها كل تلك السنوات.

أما أدهم، فكان يقف يتابع المشهد بقلب تأكله نار الغيرة. تلك العيون الذكورية التي تنظر لحبيبته تشعل صدره. تمنّى لو لم يأتِ بها إلى هنا... كيف كان بهذا الغباء؟! لعن تهوره. لم يكن أحد قادرًا على إجباره على تلك الزيارة. ولو أراد جدها رؤيتها، فليأتِ هو لباب منزلها!

لكن فرحتها اللامعة في عينيها، وهي تتلفت حولها، جعلته يتغاضى عما يشعر، ويفضّل سعادتها وراحتها على نفسه... حتى لو كان يختنق من الغيرة.

---
جلس الجميع حول السفرة في جو من الألفة، بعيدًا عن عالم الأحقاد والضغائن. كل شخص على تلك الطاولة يتمنى السعادة للآخر. لقد نجح المنشاوي في جمعهم على الاتحاد والحب.

سألت قمر ابنة عمها بفضول:
"أنتِ شبه مين يا عشق؟"
رفعت عشق نظرها عن طبقها وهي ترد بحب:
"شبه ماما، الله يرحمها."

انحنى مروان على محمد وقال:
"ليه حق عمك يسيب كل حاجة ويقف قدام الكل علشانها."
وكزه محمد خفية، جوزها وابن عمك متابعين كل حاجة زي الصقر المتابع لفريسته.
"الله يخرب بيتك."

السؤال هذه المرة كان من نصيب عشق عندما قالت:
"أنتِ في سنة كام يا ياسمين؟"

أجابت ياسمين:
"أنا وخلود في ثالثة ثانوي."

تحدثت عشق بحماس:
"عايزين مجموع كبير."

تململت خلود بضيق لأنها شعرت بعدم تخطيها تلك المرحلة بسلام، فقالت:
"بس أنا مش بحب الفيزياء والمدرس بتاعها غتيت وخلاني مش بحبها."

علق زين بسخرية متعمدة ليغاظها:
"خلاص، يوم الامتحان اكتبلهم مش بحبها، تنجحي على طول."

نظرت له خلود بغضب طفولي، ولم تتحدث خوفًا من أخيها.

بينما شجعتها عشق:
"إن شاء الله يا حبيبتي، لو قعدت معاكم يومين نذاكر مع بعض، مش هسيبكِ غير لما تبقي أشطر من المدرس نفسه."

هتفت ياسمين بجدية:
"بجد يا عشق، بتعرفي تشرحي فيزياء؟"

ابتسمت لها:
"أه والله."

لفت نظر الجد كلمتها عندما قالت:
"لو قعدت."
فسألها:
"هو أنتم مش هتقعدوا معانا يومين؟"

أجاب أدهم بسرعة:
"آسف، والله عندي شغل كتير وأجلته بسبب مشوار النهاردة، ومراد مش موجود."

تحدث برجاء يراه الجميع لأول مرة، فهم تعودوا عليه يأمر والجميع ينفذ:
"ممكن تسيب عشق معانا يومين؟ ملحقتش أشبع منيها."

ردت عشق بسرعة، كأنها تخاف من ابتعاده:
"ماينفعش يا جدي، أسيبه ماما وروان مش موجودين."

كان يعلم أن ما تشعر به اتجاهه هو إحساس بالمسؤولية بسبب غياب أمه وأخته. وإن كان الأمر بيدها لما تركت هذا الجمع أبدًا. لذلك، رفع عنها الحرج عندما قال:
"لا، خليكي، الخدم موجودين، وأنا لما أخلص شغلي، أجي أخدكِ."

شعرت عشق بالحزن، فهي لا تريد أن تكمل يومها دون وجوده. رغم فرحتها بتلك الجلسة العائلية التي حلمت بها كثيرًا، إلا أن غيابه هو بالذات سيؤثر عليها كثيرًا ويكسر فرحتها. مجرد سماع صوته فقط يعطيها الأمان.

لاحظ الجد لهفتها على زوجها، فابتسم وقال:
"يعني إحنا مش هنقدر نعوض غيابه؟ ولا أنتي زهقتي منينا؟"

ردت عشق بتوتر محاولة إخفاء وجعها وخوفها من فقده:
"أبدًا يا جدي."

تحدث ياسين بفضول:
"هو عمي مات إزاي يا عشق؟ ممكن نعرف؟"

قبضة باردة اعتصرت قلبها لتلك الذكرى المؤلمة، فأردفت بحزن:
"بابا كان واعدنا يوم الخميس نخرج نتفسح. اليوم ده المدرسة بدلت يوم السبت بالخميس لأنها مسافرة، ولخبطت لنا الدنيا. طلبت من بابا يعتذر، بس هو رفض وقال نتأخر شوية، مش مشكلة. لكن حمزة بكى كتير لأنه كان نفسه يروح الملاهي. قلت لبابا خلاص، روحوا أنتم وأنا مرة تانية. ماما رفضت لأنها خافت تسيبني لوحدي، وبابا أقنعها أنهم هيرجعوا على ميعاد رجوعي. وفعلًا رجعوا، لكن محدش منهم ظهر. فضلت استني عند طنط فتون، وجالنا خبر الوفاة، إن الميكروباص تصادم مع مقطورة وولع بكل اللي فيه."

بكت بحزن.
ضمها أدهم وقال:
"حبيبي، ادعيلهم بالرحمة."

ساد المكان حالة من الحزن الشديد، كأن ما حدث من سنوات يحدث الآن أمامهم.

طلب أدهم الصعود بها إلى غرفتهم التي جهزها الجد من أجلهم حتى تستريح.

---

بعد صعودهم، ظل الجميع في حالة صمت رهيب، بينما سالت دموع نعمة بصمت قاتل. انسحب أفراد العائلة بالتدريج من على الطاولة، وبقي الجد الشارد في ذنبه.

---

ظل في الغرفة ينتظر عودتها من غرفة زوجة أبيه، وهو في حرب مؤلمة خوفًا من أن يلفت نظرها أحد أبناء عمومتها وتتركه من أجله. يحدث نفسه:
"ماذا أصابك، أدهم؟ منذ متى فقدت ثقتك بنفسك؟ ماذا حدث؟ نعم، العائلة بها رجال وشباب كثيرين يخطفون لب أي فتاة، لكنك لست بقليل، ولا أحد منهم يوضع في مقارنة معك. كيف للحب أن يضعفك بهذا الشكل الذي لا استوعبه؟"

"خوفك من تركها جعلك في حالة فقد ثقة. تبا لك ولهذا العشق، أدهم. استرد ذاتك القوية الشامخة الواثقة، ولو حان وقت الفراق، ودعها بشموخ. ادعس قلبك الضعيف تحت قدمك، لو استسلمت الآن، فلن تعود مرة أخرى."

---

رجعت إلى غرفتها، وجدته عابس الملامح. لم تعلم ما به، لكنه منطفيء عما قبل زيارتهم تلك. قضت عشق باقي اليوم في غرفتها، وأدهم لم يتركها. وعندما استيقظت، اعتدلت في جلوسها وهي تسأله:
"ممكن فونك؟ عايزة أطمن على ماما وروان."

مد يده بهاتفه وهو يسألها:
"هو فونك فاصل؟"

شعرت بالخجل وهي ترد:
"لا، شغال، بس ماما هي اللي بتكلمني، لأن باقتي مش تنفع مكالمات خارجية."

اتسعت عيناه بذهول:
"باقة إيه؟ هو إنتِ مش معاكي خط مفتوح؟"

وجوده معها يفرق كثيرًا في مزاجها، مهما كانت حالتها. هو الوحيد الذي يستطيع بكلمة تغيير حالتها النفسية.

هتفت بمرح:
"إحنا إيش وصلنا؟ معالي الباشا؟ تليفوني الغلبان أبو باقة بـ60 جنيه، وتليفون معاليك أبو خط مباشر."

ضحك بكل رجولة على طريقتها، وقال:
"على فكرة، إنتِ مراتي، يعني لازم معاكي زي ما معايا بالظبط."

لم تركز مع كلماته، فقد تاهت في ضحكته التي خرجت من القلب لأول مرة. تمتمت بحب:
"على فكرة، ضحكتك جميلة جدًا، ليه مش بتضحكها على طول؟ خلي الدنيا تنور."

ماذا يحدث لك، أدهم؟ بكلمة واحدة منها تتحكم في كل مشاعرك، وأنت الذي عرضت عليك ملكات جمال، لم يهزوا بك شعرة. بينما تلك الملاك تجعلك في حالة من فوران قاتل دون مجهود.

جذبها لصدره وتحدث بشغف، يحمل حبها بين طياته:
"إنتِ سبب الضحكة دي. إنتِ بس اللي تقدري تخرجيها. بجد، من سنين طويلة ما ضحكتش من قلبي كده. بس غصب عني، مش هقدر أكمل معاكِ."

لم تستوعب معنى كلماته، ولما انقبض قلبها بتلك الطريقة، سيطر الخوف على مشاعرها، فقالت بخوف:
"يعني إيه؟"

ضم وجهها بين يديه، يريد أن يعطيها فرصة الاختيار. يشعر بالرعب من فكرة اختيارها لعائلتها الجديدة عليه. ورغم غيرته التي تنهش روحه من فكرة كونها من نصيب أحد غيره، إلا أنه لن يكون أنانيًا في حبها.

ابتلع ريقه بغصة في حلقه، وقال:
"إنتِ الوقت بقالكِ عائلة فيها شباب كتير، وأنا أطمنت عليكي. يمكن نصيبك يكون مع حد منهم، وأكيد هيحافظ عليكي ويقدر يعطيكي الحب والحنان اللي مش هتلاقيه معايا."

دون إرادتها، سالت دموعها من شدة وجع قلبها، وقالت بحزن:
"أنا عارفة إنك مش بتحبني. وجوازك مني من باب الشهامة علشان تحميني."

مسحت دموعها التي غشيت عينها، وقالت:
"بس أنا والله مش عايزة منك حاجة. حب و اتجوز بس، بلاش تطلقني. أنا عايزة أقابل وجه كريم وأنا مراتك. عشان خاطري."

شعرت أن خاطرها ليس له مكانة لديه، فغيرت كلماتها بسرعة:
"لا، علشان خاطر ماما غادة وروان. ماتسبنيش. والله مش هخليك تحس بوجودي خالص."

ضمها إلى حضنه بقوة، حتى يهدئها، وهي تبكي على صدره برعب من فكرة تركه لها. بكائها كان مثل ماء حارق ينزل على قلبه بلا رحمة.

حدث نفسه:
"آسف، آسف يا صاحبي. مش هقدر أوفي بوعدي ليك. مش قادر أتحمل أكتر من كده. مش كل الحريم زيها. مش قادر على جرحها أكتر من كده. أنا راحتي معاها، قلبي ملكها، هي وبس. هي الوحيدة اللي قدرت تهز حصون قلبي اللي بنيتها كل السنين دي. وصعب عليا وجودها في حضني ومش قادر ألمسها. سامحني يا أحمد."

أغمض عينيه بشوق، وقبلها.
"خلاص يا حبيبتي، أنا آسف."

ضم وجهها مرة أخرى بين كفيه وهو يهتف بشجن:
"أنا فعلاً مش بحبك، أنا عشقتك، عشق. ثم شاور على قلبه. عشقك اخترق ده في لحظة. من غير ما أدري، لاقيتني مش قادر اتحمل بعدك لحظه

همس بصوت متهدج وهو يضم وجهها بين كفيه المرتجفتين:

– " قسوتي عليكي مكنتش كُره... دي كانت محاولة دفاع عن حصون قلبي، اللي انهارت في لحظة. وانا اللي كنت فاكره أقوى حصون الأرض... أنا كنت فاكر إنك و افقتِ عليا لأن مالكيش حد غيرنا، علشان كده... عايز يكون ليكي القرار، وأنا هنفّذ طلباتك... رغم صعوبة سؤالي ده."

رفعت "عشق" يدها تمسح دموعها التي انسابت بصمت، ثم تمتمت بنبرة مرتجفة:

– "يعني بجد... مش هتطلقني؟"

أغمض "أدهم" عينيه بقوة، و كأنّه يحبس الشوق بين أضلعه، ثم فتحهما على بريق صدق وهو يضمها إليه هامسًا:

– "لا يا قلبي... مش هقدر أسيبك، إنتي كل حياتي يا عشق."

---

في المساء...

داخل الصالة الكبيرة، جلست "نعمة" تحكي بعينين لامعتين:

– "والله يا حميدة، لحد دلوقتي مش مصدقة اللي حصل... وعشق تقبّلت وجودي بسهولة كده! كنت خايفة تكرهني... لأني كنت سبب في بُعد أبوها عن أهله، بس الحمد لله، قلبي ارتاح. لو هي زي مامتها، يبقى أنا عذرت محمود، الله يرحمه، على كل اللي عمله علشانها."

هتفت "حميدة" وهي تنظر نحوها بابتسامة:

– "الحمد لله... أنا كمان استغربت لما شفتها محجبة وخجولة كده. حسيتها مختلفة، بريئة!"

قاطعتها "عواطف" وهي تزيح الطاولة أمامها:

– "الحمد لله إنها طلعت محترمة ومتربية... وجوزها، شكله بيحبها بجد. راجل كده كيف رجالتنا... ليه هيبة ووقار!"

هزّت "نعمة" رأسها موافقة وهي تقول:

– "كلّه نصيب، والحمد لله كل توقعاتنا طلعت غلط... هي فعلاً متربية ومهذبة، وتقبلت وجودنا، وعمي ارتاح، ووجودها هيخفف حزنه على ابنه وولاده."

ثم أردفت وقد لانت ملامحها:

– "والله أنا كلمت عمي كتير قبل كده، وطلبت منه يسامحه ويبعت يجيبه هو ومراته يعيشوا معانا هنا... بس هو كان مجروح، من عناد ابنه معاه... ورفض." 

تعليقات



<>